من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟12%

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43976 / تحميل: 4772
الحجم الحجم الحجم
من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٢٥٠١-٩٧-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وما رأيتُك إلّاخفتُ أن أُرمى بحجارة من السماء».

قال : «ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في أوّل باب عدد الشهود في كتاب (المهذّب) : وشهد على المُغِيْرَة ثلاثة : أبو بكرة ، ونافع ، وشبل بن معبد».

قال : «وقال زياد : رأيت استاً تنبو ، ونفساً يعلو ، ورجلين كأنّهما أُذنا حمار ، ولا أدري ما وراء ذلك.

فجلد عمر الثلاثة ، ولم يحدّ المُغِيْرَة».

قال : «قلت : وقد تكلّم الفقهاء على قول عليّ رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه : إنْ ضربتَه فارجم صاحبك. فقال أبو نصر بن الصبّاغ : يريد أنّ هذا القول إن كان شهادة أُخرى فقد تمّ العدد ، وإنْ كان هو الأوّل فقد جلدته عليه. والله أعلم».

انتهت هذه المأساة وما إليها بلفظ القاضي ابن خلّكان عيناً ؛ فراجعه في ترجمة يزيد بن زياد(١) .

قالوا : وكان المُغِيْرَة بن شُعْبَة من المعتزلة ، لكنّ ابن عساكر روى أنّه أراد من عمّار بن ياسر أنْ يتخلّى عن الدعوة لأمير المؤمنين عليٍّ عليه الصلاة والسلام(٢) .

__________________

(١) وفيات الأعيان ٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧.

وانظر : تاريخ الطبري ٢ / ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ، الأغاني ١٦ / ١٠٥ ـ ١٠٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٠٧ ـ ٥٠٨ ح ٥٨٩٢ ، تاريخ دمشق ٦٠ / ٣٣ و ٣٥ ـ ٣٩ ، المنتظم ٣ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٨٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٦٦ ـ ٦٧ ، النصّ والاجتهاد : ٣٥٤ ـ ٣٥٨ ، وغيرها

(٢) تاريخ دمشق ٦٠ / ٤٣ ـ ٤٤

٦١

وروى الذهبي ، عن عبد الله بن ظالم ، قال : «كان المُغِيْرَة ينال في خطبته من عليٍّ ، وأقام خطباء ينالون منه»(١) .

زياد بن أبيه

ثمّ ولّى معاويةُ من بعد المغيرة على الكوفة وعلى البصرة : زيادَ بن أبيه ، فلم يزل فيها حتّى مات سنة ٥٣(٢) .

وُلد عام الهجرة.

وكان من المعتزلة ، ولم يشهد وقعة الجمل.

واستلحقه معاوية سنة ٤٤.

قال ابن عساكر :

«أخبرنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن عليّ بن كرتيلا ، أنا محمّد بن عليّ بن محمّد الخيّاط ، أنا أحمد بن عبيد الله بن الخضر ، أنا أحمد بن طالب الكاتب ، حدّثني أبي أبو طالب ، عن عليّ بن محمّد ، حدّثني محمّد ابن محمّد بن مروان بن عمر القُرشي ، حدّثني محمّد بن أحمد ـ يعني : أبا بكر الخزاعي ـ ، حدّثني جدّي ، عن محمّد بن الحكم ، عن عوانة ، قال : كان عليّ بن أبي طالب استعمل زياداً على فارس ، فلمّا أُصيب عليٌّ وبويع معاوية احتمل المال ودخل قلعة من قلاع فارس تسمّى قلعة زياد ، فأرسل معاوية ـ حين بويع ـ بسرَ بن أبي أَرطأة يجول في العرب ، لا يأخذ رجلاً عصى معاوية ولم يبايع له إلّاقتله ، حتّى انتهى إلى البصرة ، فأخذ

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١

(٢) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٧ / ٦٩ ـ ٧٠ رقم ٢٩٨٠ ، أُسد الغابة ٢ / ١١٩ ـ ١٢٠ رقم ١٨٠٠ ، شذرات الذهب ١ / ٥٩ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٩٦ رقم ١١٢

٦٢

وُلد زياد فيهم عبيد الله ، فقال : والله لأقتلنّهم أو ليخرجنّ زياد من القلعة.

فركب أبو بكرة إلى معاوية فأخذ أماناً لزياد ، وكتب كتاباً إلى بسر بإطلاق بني زياد من القلعة حتّى قدم على معاوية ، فصالحه على ألف ألف.

ثمّ أقبل فلقيه مَصْقَلة بن هُبَيرة وافداً إلى معاوية ، فقال له : يا مصقلة! متى عهدك بأمير المؤمنين؟

قال : عام أوّل.

قال : كم أعطاك؟

قال : عشرين ألفاً.

قال : فهل لك أن أُعطيكها على أن أُعجّل لك عشرة آلاف ، وعشرة آلاف إذا فرغت ، على أن تبلّغه كلاماً؟

قال : نعم.

قال : قل له إذا انتهيت إليه : أتاك زياد وافداً أكل بَرّ العراق وبحره فخدعك فصالحته على ألفَي ألف ، والله ما أرى الذي يقال لك إلّاحقّاً.

قال : نعم.

ثمّ أتى معاوية فقال له ذلك ، فقال له معاوية : وما يقال يا مَصْقَلة؟!

قال : يقال : إنّه ابن أبي سفيان.

فقال معاوية : إنّ ذلك ليقال؟!

قال : نعم.

قال : أبى قائلها إلّاإثماً.

فزعم أنّه أعطى مصقلة العشرة آلاف الأُخرى بعدما ادّعاه معاوية.

أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبد الله بن كادش ، أنا أبو يَعْلَى محمّد بن

٦٣

الحسين ، أنا إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل ، أنا الحسين بن الفهم الكوكبي ، نا عبد الله بن مالك ، نا سليمان بن أبي شيخ ، نا محمّد بن الحكم ، عن عوانة ، قال : كانت سُمَيّة لدهقان زَيْدَوُرد بكَسْكَر ، وكانت مدينة ـ وهي اليوم قرية ـ ، فاشتكى الدهقان ، وخاف أن يكون بطنه قد استسقى ، فدعا له الحارث بن كَلَدَة الثقفي ، وقد كان قدم على كسرى ، فعالج الحارثُ الدهقان فبرأ ، فوهب له سُميّة أُمّ زياد ، فولدت عند الحارث أبا بكرة وهو مسروح ، فلم يقرّ به ولم ينفعه.

وإنّما سمّي أبا بكرة لأنّه نزل في بكرة مع مجلي العبيد من الطائف حين أمّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبيد ثقيف ، ثمّ ولدت سمية نافعاً ، فلم يقرّ بنافع.

فلمّا نزل أبو بكرة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الحارث لنافع : إنّ أخاك مسروحاً عبدٌ وأنت ابني ؛ فأقرّ به يومئذ.

وزوّجها الحارث غلاماً له روميّاً يقال له : عُبيد ، فولدت زياداً على فراشه.

وكان أبو سفيان صار إلى الطائف ، فنزل على خمَّار يقال له : أبو مريم السلولي ، وكانت لأبي مريم بعد صحبةٌ ، فقال أبو سفيان لأبي مريم بعد أن شرب عنده : قد اشتدّت بي العزوبة ، فالتمس لي بغيّاً! قال : هل لك في جارية الحارث بن كَلَدَة سُمَيّة امرأة عُبَيد؟ قال : هاتها على طول ثدييها وذفر إبطيها ؛ فجاء بها إليه ، فوقع عليها ، فولدت زياداً ، فادّعاه معاوية.

فقال يزيد بن مُفَرّغ لزياد :

تذكر هل بيثرب زيدوردٌ

قرى آبائك النَّبَط القحاح

٦٤

قال عبد الله : قال سليمان : وحدّثنا محمّد بن الحكم ، عن عوانة ، قال : لمّا توفّي عليُّ بن أبي طالب وزياد عامله على فارس وبويع لمعاوية ، تحصّن زياد في قلعة فسُمّيت به ، فهي تُدعى قلعة زياد إلى الساعة ، فأرسل زياد مَن صالح معاوية على ألفَي ألف درهم ، وأقبل زياد من القلعة فقال له زياد : متى عهدك بأمير المؤمنين؟ فقال : عام أوّل ؛ قال : كم أعطاك؟ قال : عشرين ألفاً ؛ قال : فهل لك أن أُعطيك مثلها وتبلّغه كلاماً؟ قال : نعم ؛ قال : قل له إذا أتيته : أتاك زياد وقد أكل بَرّ العراق وبحره فخدعك فصالحك على ألفَي ألف درهم ، والله ما أرى الذي يقال إلّاحقّاً ، فإذا قال لك : ما يقال؟ فقل : يقال : إنّه ابن أبي سفيان ؛ قال : أبى قائلها إلّاإثماً. قال : فادّعاه ، فما أعطى زيادٌ مصقلة إلّاعشرة آلاف درهم إلّابعد أن ادّعاه»(١) .

وقال ابن عساكر :

«أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ في ما قرئ علَيَّ إسناده وناولني إيّاه ، وقال : اروِهِ عنّي ـ ، أنا أبو علي محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريّا القاضي ، نا محمّد بن القاسم الأنباري ، حدّثني أبي ، ثنا أبو بكر محمّد بن أبي يعقوب الدَّيْنَوري ، نا عبيد بن محمّد الفيريابي ، نا سفيان ابن عُيينة ، نا عبد الملك بن عُمير ، قال : شهدت زياد بن أبي سفيان ، وقد صعد المنبر ، فسلّم تسليماً خفيّاً وانحرف انحرافاً بطيئاً ، وخطب خطبة بُتيراء ـ قال ابن الفيريابي : والبتيراء التي لا يصلّى فيها على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، ثمّ قال : إنّ أمير المؤمنين قد قال ما سمعتم ، وشهدت

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٩ / ١٧٢ ـ ١٧٤

٦٥

الشهود بما قد علمتم ، وإنّما كنتُ امرَأً حفظ الله منّي ما ضَيّع الناس ، ووصل منّي ما قطعوا.

أَلَا إنّا قد سُسْنا وساست السائسون ، وجَرّبنا وجَرّبَنا المجرِّبون ، وولينا وولي علينا الوالون ، وإنّا وجدنا هذا الأمر لا يصلحه إلّاشدّة في غير عنف ، ولين في غير ضعف.

وأيم الله إنّ لي لكم صرعى ، فليحذر كلّ رجل منكم أن يكون من صرعاي ، فوالله لآخذنّ البريء بالسقيم ، والمطيع بالعاصي ، والمقبل بالمدبر ، حتّى تلين لي قناتكم ، وحتّى يقول القائل : «انج سعد فقد قُتل سعيد».

ألَا رُبّ فَرِحٍ بإمارتي لن ينفعه ، ورُبّ كارهٍ لها لن يضرّه ، وقد كانت بيني وبين أقوام منكم دمنٌ وأحقاد ، وقد جعلتُ ذلك خلف ظهري وتحت قدمي ، فلو بلغني عن أحدكم أنّ البغض في قلبه ما كشفتُ له قناعاً ، ولا هتكتُ له ستراً حتّى يبدي صفحته ، فإذا أبداها فلم أقله عثرته.

ألَا ولا كذبة أكثر شاهداً عليها من كذبة إمام على منبر ، فإذا سمعتموها منّي فاغتمزوها فيَّ ، فإذا وعدتكم خيراً أو شرّاً فلم أفِ به فلا طاعة لي في رقابكم.

أَلَا وأيّما رجل منكم كان مكتبه خُرَاسان فأجله سنتان ، ثمّ هو أمير نفسه ، وأيّما رجل منكم كان مكتبه دون خُرَاسان فأجله ستّة أشهر ، ثمّ هو أمير نفسه ، وأيّما امرأة احتاجت تأتينا ثمّ نقاصّه به ، وأيّما عقال فقدتموه من مقامي هذا إلى خُرَاسان فأنا له ضامن»(١) .

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٩ / ١٧٩ ـ ١٨٠

٦٦

وقال ابن عساكر :

«أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ إذناً ومناولة ، وقرأ علَيَّ إسناده ـ ، أَنْبَأ أبو عليّ محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريّا ، نا أحمد بن الحسن الكلبي ، نا محمّد بن زكريّا ، أنا عبد الله بن الضحّاك ، نا هشام بن محمّد ، عن أبيه ، قال : كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعةً لعليّ بن أبي طالب ، فلمّا قدم زياد الكوفة والياً عليها أخافه ، وطلبه زياد ، فأتى الحسن بن عليّ ، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم ، وأخذ ماله وهدم داره.

فكتب الحسن إلى زياد : من الحسن بن عليّ إلى زياد ، أمّا بعد ، فإنّك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، فهدمتَ داره وأخذتَ ماله وعياله فحبستهم ، فإذا أتاك كتابي هذا فابنِ له داره ، وارددْ عليه عياله وماله ، فإنّي قد أجرته فشفِّعني فيه.

فكتب إليه زياد : من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة ، أمّا بعدُ ، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سُوْقة ، كتبت إليّ في فاسق لا يؤويه إلّامثله ، وشرٌّ من ذلك تولّيه أباك وإيّاك ، وقد علمتُ أنّك قد آويته إقامة منك على سوء الرأي ، ورضاً منك بذلك ، وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك. وإن نلتُ بعضك غير رفيق بك ولا مُرْعٍ عليك ، فإنّ أحبّ لحمٍ إليَّ آكله للحم الذي أنت منه ، فأسلمه بجريرته إلى من هو أَوْلى به منك ، فإن عفوتُ عنه لم أكن شفّعتك فيه ، وإنْ قتلته لم أقتله إلّابحبّه إيّاك.

فلمّا قرأ الحسنعليه‌السلام الكتاب تبسّم ، وكتب إلى معاوية يذكر

٦٧

له حال ابن سرح وكتابه إلى زياد فيه وإجابة زياد إيّاه ، ولفّ كتابه في كتابه وبعث به إلى معاوية ، وكتب الحسن إلى زياد : من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سُمَيّة : «الولد للفراش ، وللعاهر الحَجَر».

فلمّا وصل كتاب الحسن إلى معاوية وقرأ معاوية الكتاب ضاقت به الشام وكتب إلى زياد : أمّا بعد ، فإنّ الحسن بن عليّ بعث بكتابك إليّ جوابَ كتابه إليك في ابن سرح ، فأكثرتُ التعجّب منك ، وعلمتُ أنّ لك رأيين : أحدهما من أبي سفيان والآخر من سُمَيّة. فأمّا الذي من أبي سفيان فحلم وحزم ، وأمّا رأيك من سُمَيّة فما يكون رأي مثلها؟! ومن ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرّض له بالفسق ، ولعمري لأنت أَوْلى بالفسق من الحسن ، ولأبوك ـ إذ كنت تنسب إلى عُبيد ـ أَوْلى بالفسق من أبيه ، وإنّ الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عليك ، وإنّ ذلك لم يضعك.

وأمّا تركك تشفيعه في ما شفع فيه إليك فحظٌّ دفعته عن نفسك إلى مَن هو أَوْلى به منك.

فإذا قدم عليك كتابي فخلّ ما في يدك لسعيد بن سرح ، وابنِ له داره ، ولا تعرض له ، واردد عليه ماله ، فقد كتبتُ إلى الحسن أن يخبر صاحبه إن شاء أقام عنده ، وإن شاء رجع إلى بلده ، ليس لك عليه سلطان بيدٍ ولا لسان.

وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه ، ولا تنسبه إلى أبيه ، فإنّ الحسن ـ ويلك ـ مَن لا يُرمى به الرَّجَوان ، أفإلى أُمّه وكلته ، لا أُمَّ لك ، هي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتلك أفخر له إنْ كنت تعقل. وكتب في أسفل الكتاب :

٦٨

تدارك ما ضيّعت من بعد خبرةٍ

وأنت أريبٌ بالأُمورِ خَبيرُ

أمّا حسنٌ بابن الذي كان قبله

إذا سار سار الموت حيث يسيرُ

وهل يلد الرئبال إلّانظيره

فذا حسنٌ شبهٌ له ونظيرُ

ولكنّه لو يوزن الحلم والحجى

برأي لقالوا فاعلمنّ ثبيرُ

قال الغلابي : قرأت هذا الخبر على ابن عائشة ، فقال : كتب إليه معاوية [حين] وصل كتاب الحسن في أوّل الكتاب الشعر والكلام بعده»(١) .

قال ابن عساكر :

«أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو عليّ بن صفوان ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني أبي ، عن هشام بن محمّد ، حدّثني أبو المُقَوّم الأنصاري بخبر ابن ثعلبة ، عن أُمّه عائشة ، عن أبيها عبد الرحمن بن السائب ، قال :

جمع زياد أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من عليّ ، قال عبد الرحمن : فإنّي لمع نفرٍ من الأنصار والناس في أمر عظيم ، فهوّمتُ تهويمةً فرأيت شيئاً أقبل طويل العنق مثل عنق البعير ، أهدب أهدل ، فقلت : ما أنت؟ قال : أنا النَّقَّاد ذو الرقبة ، بُعثت إلى صاحب هذا القصر ؛ فاستيقظت فزعاً ، فقلت لأصحابي : هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا : لا ؛ فأخبرتهم ، قال : ويخرج علينا خارج من القصر فقال : إنّ الأمير يقول لكم : انصرفوا عنّي فإنّي عنكم مشغول. وإذا الطاعون قد ضربه ، فأنشأ عبد الرحمن بن السائب يقول ...»(٢) .

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٩ / ١٩٨ ـ ١٩٩

(٢) تاريخ دمشق ١٩ / ٢٠٣

٦٩

«أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنْبَأ أبو علي بن صفوان ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني زكريّا بن يحيى ، عن عبد السلام بن مُطَهّر ، عن جعفر بن سليمان ، عن عبد ربّه ، عن أبي كعب الجُرْمُوزي ، أنّ زياداً لمّا قدم الكوفة ، قال : أي أهل الكوفة! أعَبدٌ؟ قيل : فلان الحِمْيَري ؛ فأرسل إليه فأتاه ، فإذا سمت ونحوٌ ، فقال زياد : لو مال هذا مال أهل الكوفة معه.

فقال له : إنّي بعثت إليك لخير.

قال : قال : إنّي إلى الخير لفقير.

قال : بعثت إليك لأنولك وأعطيك على أن تلزم بيتك فلا تخرج.

قال : سبحان الله! والله لصلاة واحدة في جماعة أحبّ إليَّ من الدنيا كلّها ، ولزيارة أخ في الله وعيادة مريض أحبّ إليّ من الدنيا كلّها ، فليس إلى ذلك سبيل.

قال : فاخرج وصلّ في جماعة ، وزر إخوانك ، وعد المريض ، والزم شأنك.

قال : سبحان الله! أرى معروفاً لا أقول فيه؟! أرى منكراً لا أنهى عنه؟! فوالله لمقام من ذلك واحد أحبّ إليّ من الدنيا كلّها.

قال : يا أبا فلان! ـ قال جعفر : أظنّ الرجل أبا المُغِيْرَة ـ فهو السيف.

قال : السيف.

فأمر به فضُربت عنقه.

قال جعفر : فقيل لزياد وهو في الموت : أبشِر.

٧٠

قال : كيف وأبو المُغِيْرَة بالطريق؟!»(١) .

وروى ابن عساكر :

«كتب زياد إلى الحسن والحسين وعبد الله بن عبّاس يعتذر إليهم في شأن حجر وأصحابه ؛ فأمّا الحسن فقرأ كتابه وسكت.

وأمّا الحسين فأخذ كتابه [فمزّقه](٢) ولم يقرأه.

وأمّا ابن عبّاس فقرأ كتابه وجعل يقول : كذب كذب.

ثمّ أنشأ يحدّث قال : إنّي لمّا كنت بالبصرة كبّر الناس بي تكبيرةً ، ثمّ كبّروا الثانية ، ثمّ كبّروا الثالثة ، فدخل علَيَّ زياد فقال : هل أنت مطيعي يستقم لك الناس؟

فقلت : ماذا؟

قال : أرسل إلى فلان وفلان وفلان ـ ناس من الأشراف ـ تضرب أعناقهم يستقم لك الناس.

فعلمتُ أنّه إنّما صنع بحُجر وأصحابه مثل ما أشار به علَيّ»(٣) .

عبد الله بن خالد بن أُسيد

قال ابن عساكر : «لمّا مات زياد سنة ٥٣ ، استخلف ـ يعني على الكوفة ـ عبد الله بن خالد بن أُسيد ، فعزله معاوية وولّاها الضحّاك بن قيس ...»(٤) .

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٩ / ٢٠٦

(٢) إضافة من مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور ـ ٩ / ٧٥

(٣) تاريخ دمشق ١٩ / ١٧١ ـ ١٧٢

(٤) تاريخ دمشق ٢٤ / ٢٨٩ ، وانظر : تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٦٥

٧١

وقال ابن الأثير : «استعمله زياد على بلاد فارس ، واستخلفه زياد حين مات ، وهو الذي صلّى على زياد ، وأقرّه معاوية على الولاية بعد زياد. قاله الزبير»(١) .

وقال اليعقوبي : «لمّا نزل به الموت ـ أي بزياد بن أبيه ـ كتب إلى معاوية : إنّي أكتب إلى أمير المؤمنين وأنا في آخر يومٍ من الدنيا وأوّل يومٍ من الآخرة ، وقد استخلفت على عملي عبد الله بن خالد بن أُسيد.

فلمّا توفّي زياد ووضع نعشه ليصلّى عليه تقدّم عبيد الله ابنه فنحّاه ، وتقدّم عبد الله بن خالد فصلّى عليه ، فلمّا فرغ من دفنه خرج عبيد الله من ساعته إلى معاوية ، فلمّا قيل لمعاوية : هذا عبيد الله ؛ قال : يا بني! ما منع أباك أنْ يستخلفك؟! أما لو فعل لفعلت ؛ فقال : نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن يقولها لي أحد بعدك ما منع أباه وعمّه أن يستعملاه؟! فولّاه خراسان ، وصيّر إليه ثغرَي الهند»(٢) .

وهو عبد الله بن خالد بن أُسيد بن أبي العيص بن أُميّة ، اختلفوا في صحبته ورؤيته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

وقد كان عبد الله بن خالد صهر عثمان بن عفّان(٤) ، وكان عنده مقرّباً ، حتّى إنّه لمّا فَعَلَ بأهل مكّة ما فعل في توسعة المسجد الحرام فأمر

__________________

(١) أُسد الغابة ٣ / ١١٧ رقم ٢٩١٠ ، وانظر : نسب قريش : ١٨٨ ، الإصابة ٤ / ٧٢ رقم ٤٦٤٥

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٤٧ ـ ١٤٨

(٣) أُسد الغابة ٣ / ١١٧ رقم ٢٩١٠ ، الإصابة ٤ / ٧١ رقم ٤٦٤٥ ، وغيرهما

(٤) كتاب المحبّر : ٥٥ ، أنساب الأشراف ٦ / ٢٣٢ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٦٤

٧٢

بحبسهم ، كلّمه فيهم عبد الله بن خالد(١) .

وأعطاه عثمان مرّةً خمسين ألفاً ، فاعترض عليه كبار الصحابة ؛ فقد جاء في خبرٍ أنّ عثمان قال مخاطباً لعليٍّ وطلحة والزبير ـ وكان معاوية حاضراً ـ : «أنا أُخبركم عنّي وعمّا وليت ، إنّ صاحبَيَّ اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومَن كان منهما بسبيلٍ احتساباً ، وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعطي قرابته ، وأنا في رهط أهل عيلة وقلّة معاش ، فبسطت يدي في شيء من ذلك لِما أقوم به فيه ، فإنْ رأيتم خطأً فردّوه ، فأمري لأمركم تبع.

قالوا : أصبت وأحسنت ، إنّك أعطيت عبد الله بن خالد بن أُسيد خمسين ألفاً ، وأعطيت مروان خمسة عشر ألفاً ، فاستعدها منهما. فاستعادها ، فخرجوا راضين»(٢) .

وكان عبد الله عاملاً لعثمان على مكّة ، وبها مات(٣) .

وقد ذكروا عنه أنّه كان يرى الأمر لوُلد عثمان من بعده ، ولذا لم يشارك في وقعة الجمل ، بل فارق القوم ورجع

قال الطبري :

«حدّثني عمر بن شبّة ، قال : حدّثنا أبو الحسن ، قال : أخبرنا أبو عمرو ، عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، قال : لقي سعيدُ بن العاص مروانَ ابن الحكم وأصحابه بذات عرق ، فقال : أين تذهبون وثأركم على أعجاز

__________________

(١) الإصابة ٤ / ٧٢

(٢) شرح نهج البلاغة ٢ / ١٣٨

(٣) أخبار مكّة ـ للفاكهاني ـ ٣ / ١٦٤

٧٣

الإبل؟! اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم.

قالوا : بل نسير ، فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.

فخلا سعيد بطلحة والزبير ، فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني!

قالا : لأحدنا ، أيّنا اختاره الناس.

قال : بل اجعلوه لوُلد عثمان ، فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.

قالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟!

قال : أفلا أراني أسعى لأُخرجها من بني عبد مناف.

فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أُسيد ، فقال المغيرة بن شعبة : الرأي ما رأى سعيد ، مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع ؛ فرجع ومضى القوم معهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان ، فاختلفوا في الطريق ، فقالوا : من ندعو لهذا الأمر؟ فخلا الزبير بابنه عبد الله ، وخلا طلحة بعلقمة بن وقّاص الليثي ـ وكان يؤثره على ولده ـ ، فقال أحدهما : ائت الشأم ؛ وقال الآخر : ائت العراق ؛ وحاور كلّ واحد منهما صاحبه ، ثمّ اتّفقا على البصرة»(١) .

وقال ابن الأثير :

«فلمّا بلغوا ذات عرق لقي سعيدُ بن العاص مروانَ بن الحكم وأصحابه بها ، فقال : أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم؟! ـ يعني : عائشة وطلحة والزبير ـ اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم.

فقالوا : نسير ، فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.

فخلا سعيد بطلحة والزبير ، فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٩ حوادث سنة ٣٦ ه

٧٤

أصدقاني!

قالا : نجعله لأحدنا ، أيّنا اختاره الناس.

قال : بل تجعلونه لوُلد عثمان ، فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.

فقالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟!

قال : فلا أراني أسعى إلّالإخراجها من بني عبد مناف.

فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أُسيد.

وقال المغيرة بن شعبة : الرأي ما قال سعيد ؛ مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع ؛ فرجع ، ومضى القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان»(١) .

وقال ابن خلدون :

«وودّع أُمّهاتُ المؤمنين عائشةَ من ذات عرق باكيات ، وأشار سعيد ابن العاصي على مروان بن الحكم وأصحابه بإدراك ثارهم من عائشة وطلحة والزبير.

فقالوا : نسير لعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.

ثمّ جاء إلى طلحة والزبير ، فقال : لمن تجعلان الأمر إنْ ظفرتما؟

قالا : لأحدنا الذي تختاره الناس.

فقال : بل اجعلوه لوُلد عثمان ؛ لأنّكم خرجتم تطلبون بدمه!

فقالا : وكيف ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟!

قال : فلا أراني أسعى إلّالإخراجها من بني عبد مناف.

فرجع ، ورجع عبد الله بن خالد بن أُسيد ، ووافقه المغيرة بن شعبة

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ١٠٢ ـ ١٠٣ حوادث سنة ٣٦ ه

٧٥

ومن معه من ثقيف فرجعوا. ومضى القوم»(١) .

وقال المقريزي :

«قالا : نجعله لأحدنا ، أيّنا اختاره الناس.

قال : بل تجعلونه لوُلد عثمان ؛ فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.

فقالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟!

قال : فلا أراني أسعى إلّالإخراجها من بني عبد مناف.

فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أُسيد ، وقال المغيرة بن شعبة : الرأي ما قال سعيد ، مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع.

فرجع ، ومضى القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان ، وأعطى يعلى بن منبّه عائشةَ جملاً اسمه عسكر اشتراه بثمانين ديناراً ، فركبته ، وقيل : بل كان جملها لرجل من عرينة»(٢) .

هذا ، وكأنّ معاوية لم يجد فيه الرجل المناسب لتطبيق خططه ومآربه في الكوفة ، من أجل القضاء على الشيعة وتقوية الحزب الأُموي تمهيداً لحكومة يزيد من بعده ، ويشهد بذلك إجراؤه الحدَّ على عمر بن سعد بن أبي وقّاص ـ وهو من أعيان الحزب المذكور ـ كما روى ابن حبيب البغدادي حيث قال : «وحدّ عبدُ الله بن خالد بن أُسيد عمرَ بن سعد بن أبي وقّاص ، فغضب ، فوفد على معاوية فشكا إليه عبد الله بن خالد وما ركبه به ، وأخبره أنّه ظلمه ، وسأله أن يقتصّ له منه ، وأنْ يأخذ له منه حقّه.

فقال معاوية : يا بن أخي! وجدته والله صلاته من بني عبد شمس.

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٢ ق ٥ / ٥٨٠ ـ ٥٨١

(٢) إمتاع الأسماع ١٣ / ٢٣٢

٧٦

فقال عمر : يا أمير المؤمنين! بك والله بدأ حين ضرب أخاك عنبسة بالطائف ثمّ لم تنتقم منه»(١) .

فلهذه الأُمور وغيرها عزله عن الكوفة(٢) .

لكنّه ـ على كلّ حالٍ ـ من بني أُميّة لا شبهة فيه(٣) ، فجعله والياً على مكّة ، قال الفاكهاني : «ومن ولاة مكّة أيضاً : عبد الله بن خالد بن أُسيد في زمن معاوية»(٤) .

الضحّاك بن قيس

ثمّ كان الوالي عليها : الضحّاك بن قيس ، سنة ٥٤.

قال الواقدي : وُلد قبل وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسنةٍ أو سنتين أو سبع.

لكنّ ابن عساكر قال : له صحبة ، روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً يسيراً ، قال : ويقال : إنّه لا صحبة له.

وقال الذهبي : عداده في صغار الصحابة ، وله أحاديث.

لكن عن مسلم بن الحجّاج أنّه شهد بدراً. فقالوا : وهو وهمٌ فظيع.

وهو الضحّاك بن قيس بن خالد الأكبر القرشي الفهري.

شهد صفّين مع معاوية وكان على أهل دمشق ، وهم القلب.

__________________

(١) المنمّق : ٣٩٨

(٢) انظر : البداية والنهاية ٨ / ٥٨

(٣) نسب قريش : ١٨٧ ، جمهرة أنساب العرب ـ لابن حزم ـ : ١١٣ ، أُسد الغابة ٣ / ١١٧ رقم ٢٩١٠ ، الإصابة ٤ / ٧١ رقم ٤٦٤٥

(٤) أخبار مكّة ٣ / ١٧٦ ـ ١٧٧ ، وانظر : الزهور المقتطفة ـ للفاسي ـ : ٢١١ ب ٣٧

٧٧

وكان على شرطة معاوية ، ثمّ ولّاه الكوفة.

وهو الذي صلّى على معاوية وقام بخلافته حتّى قدم يزيد من حوّارين.

ثمّ إنّ له أخباراً ووقائع بعد هلاك يزيد ، لا حاجة إلى ذكرها حتّى قتل سنة ٦٤(١) .

عبد الرحمن بن أُمّ الحكم

ثمّ إنّ معاوية عزل الضحّاك بن قيس سنة ٥٧ ، وولّى مكانه عبد الرحمن بن أُمّ الحكم ، واستدعى الضحّاك إلى الشام فكان معه إلى أن مات معاوية وصلّى عليه كما تقدّم ، وهذه خلاصة ترجمة عبد الرحمن المذكور ، كما في تاريخ دمشق وغيره(٢) :

هو : عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي ، وأُمّه أُمّ الحكم بنت أبي سفيان ، أُخت معاوية. روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلاً ، وقيل : إنّ له صحبة ، وصلّى خلف عثمان بن عفّان.

كان جدّه عثمان يحمل لواء المشركين يوم حنين ، فقتله أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام .

__________________

(١) ذكرنا ملخّص ترجمته عن : تاريخ دمشق ٢٤ / ٢٨٠ ـ ٢٩٨ رقم ٢٩٢٠ ، أُسد الغابة ٢ / ٤٣١ ـ ٤٣٢ رقم ٢٥٥٧ ، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ٤ / ٢٨٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٤١ ـ ٢٤٥ رقم ٤٦ ، الإصابة ٣ / ٤٧٨ ـ ٤٨٠ رقم ٤١٧٣

(٢) انظر : تاريخ دمشق ٣٥ / ٥٣ ـ ٥٤ رقم ٣٨٥٦ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٥٥ رقم ١٦٩٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٥٢ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٥٨ ، أُسد الغابة ٣ / ٣٣٣ رقم ٣٢٨٤ وص ٣٦٥ رقم ٣٣٣٩ ، البداية والنهاية ٨ / ٦٦

٧٨

ولّاه معاوية على الكوفة ، ثمّ عزله عنها فولّاه مصر ثمّ الجزيرة ، فكان عليها حتّى مات معاوية.

ومن أخباره ما رواه ابن عساكر :

«كان عبد الرحمن بن أُمّ الحكم ينازع يزيد بن معاوية كثيراً ، فقال معاوية لأبي خداش بن عتبة بن أبي لهب : إنّ عبد الرحمن لا يزال يتعرّض ليزيد ، فتعرّض له أنت حتّى تُسمع يزيد ما يجري بينكما ولك عشرة آلاف درهم.

قال : عجّلها لي! فعجّلها له ، فحُملت إليه ، ثمّ التقوا عند معاوية ، فقال أبو خداش : يا أمير المؤمنين! أعدني على عبد الرحمن ، فإنّه قتل مولىً لي بالكوفة.

فقال عبد الرحمن : يا بن بنت! ألا تسكت؟!

فقال أبو خداش لعبد الرحمن : يا بن تمدّر ، يا بن البريح ، يا بن أُمّ قدح!

فقال معاوية : يا أبا خداش! حسبك ، يرحمك الله على دية مولاك.

فخرج أبو خداش ثمّ عاد إلى معاوية ، فقال : أعطني عشرة آلاف أُخرى ، وإلّا أخبرت عبد الرحمن أنّك أنت أمرتني بذلك ؛ فأعطاه عشرة آلاف ، وقال : فسِّر ليزيد ما قلتَ لعبد الرحمن.

قال : هنّ أُمّهات لعبد الرحمن حبشيات ، وقد ذكرهنّ ابن الكاهلية الثقفي ، وهو يهجو ابن عمٍّ لعبد الرحمن :

ثلاث قد ولدنك من حُبُوش

إذا يسمو خدينك بالزمامِ

تمدّر والبريح وأُمّ قدح

ومجلوبٌ يعدّ من آلِ حامِ»

٧٩

ومنها ما رواه ابن الجوزي حين قال :

«وجرت لعبد الرحمن ابن أُمّ الحكم قصّة عجيبة ، أخبرنا بها محمّد ابن ناصر الحافظ ، قال : أخبرنا المبارك بن عبد الجبّار ، وأخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة ، قالت : أخبرنا جعفر بن أحمد السرّاج ، قال : أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، قال : أخبرنا أبو عمر ابن حيويه ، قال : حدّثنا محمّد بن خلف ، قال : حدّثني محمّد بن عبد الرحمن القرشي ، قال : حدّثنا محمّد ابن عبيد ، قال : حدّثنا محمّد بن خلف ، قال : حدّثني محمّد بن عبد الرحمن القرشي ، قال : حدّثنا محمّد بن عبيد ، قال : حدّثنا أبو مخنف ، عن هشام بن عروة ، قال :

أذن معاوية بن أبي سفيان يوماً ، فكان في مَن دخل عليه فتىً من بني عذرة ، فلمّا أخذ الناس مجالسهم قام الفتى العذري بين السماطين ثمّ أنشأ يقول :

معاوي يا ذا الفضل والحكم والعقل

وذا البرّ والإحسان والجود والبذلِ

أتيتك لمّا ضاق في الأرض مسلكي

وأَنكرتُ ممّا قد أُصبت به عقلي

ففرّج كلاك الله عنّي فإنّني

لقيت الذي لم يلقه أحدٌ قبلي

وخذ لي هداك الله حقّي من الذي

رماني بسهم كان أهونه قتلي

وكنت أُرجّي عدله إن أتيته

فأكثر تردادي مع الحبس والكبلِ

فطلّقتها من جهد ما قد أصابني

فهذا أمير المؤمنين من العذلِ

فقال معاوية : ادن بارك الله عليك ، ما خطبك؟

فقال : أطال الله بقاء أمير المؤمنين ، إنّني رجل من بني عذرة ، تزوّجت ابنة عمٍّ لي ، وكانت لي صرمة من إبل وشويهات ، فأنفقت ذلك

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الشافعي ، ومسند الإمام أحمد ، عن أنس بن مالك ، قال :

اتي النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بطائر فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي.

فجاء عليعليه‌السلام فحجبته مرّتين ، فجاء في الثالثة فأذنت له.

فقال النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : يا عليّ! ما حبسك؟! قال : هذه ثلاث مرّات قد جئتها فحبسني أنس.

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : لم يا أنس؟! قال : قلت : سمعت دعوتك يا رسول الله ، فأحببت أن يكون رجلا من قومي.

فقال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : الرجل يحبّ قومه.

فأسأل الشيخ عبد السلام وأقول : هل استجاب الله تعالى دعوة حبيبه ونبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم لا؟!

الشيخ عبد السلام : نعم ، وكيف لا يستجيب وقد وعده الإجابة؟! وهو سبحانه يعلم أنّ النبيّ لا يدعوه ولا يطلب منه حاجة إلاّ في محلّها. فلذلك كانت دعوة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مستجابة في كلّ وقت.

قلت : على هذا فعليّعليه‌السلام هو أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ.

كما إنّ كبار علمائكم صرّحوا بذلك ، مثل : العلاّمة محمد بن طلحة الشافعي ، في أوائل الفصل الخامس من الباب الأوّل من كتابه «مطالب السئول» بمناسبة حديث الراية وحديث الطير ، فقد أثبت أنّ عليّاعليه‌السلام كان أحبّ الخلق إلى الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ يقول : أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحقّق للناس ثبوت هذه المنقبة السنيّة والصفة العليّة ، التي هي أعلى درجات المتّقين ، لعليّعليه‌السلام إلى آخره.

٣٤١

والعلاّمة الكنجي الشافعي ، فقيه الحرمين ومحدّث الشام وصدر الحفّاظ ، في كتابه «كفاية الطالب» الباب ٣٣ ، بعد نقله الحديث والخبر بسنده عن أربع طرق ، عن أنس وسفينة خادمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وفيه دلالة واضحة على ان عليّاعليه‌السلام أحبّ الخلق الى الله ، وأدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما دعا به ، وقد وعد الله تعالى من دعاه الإجابة ، حيث قال عزّ وجلّ :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١) .

فأمر بالدعاء ووعد الإجابة ، وهو عزّ وجلّ لا يخلف الميعاد. وما كان الله عزّ وجلّ ليخلف وعده رسله ، ولا يردّ دعاء رسوله لأحبّ الخلق إليه ، ومن هو أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبّته ومحبّة من يحبّ لحبّه.

وبعد هذا يقول : وحديث أنس الذي صدّرته في أوّل الباب ، أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستّة وثمانين رجلا ، كلّهم رووه عن أنس ، ثمّ يذكر أسماءهم(٢) .

__________________

(١) سورة غافر ، الآية ٦٠.

(٢) وإليك الحديث كما نقله العلاّمة الكنجي الشافعي في أول الباب ٣٣ من كتاب «كفاية الطالب» وأسماء رواته كما يلي :

أخبرنا منصور بن محمد أبو غالب المراتبي ، أخبرنا أبو الفرج بن أبي الحسين الحافظ ، أخبرنا أحمد بن محمد السدّي ، أخبرنا عليّ بن عمر بن محمد السكّري ، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن السرّاج المصري ، حدّثنا أبو محمد فهد بن سليمان النحّاس ، حدّثنا أحمد بن يزيد ، حدّثنا زهير ، حدّثنا عثمان الطويل ، عن أنس بن مالك :اهدي إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) طائر وكان يعجبه أكله ، فقال : ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر.

٣٤٢

__________________

فجاء عليّ بن أبي طالب فقال : استأذن لي على رسول الله. قال : فقلت : ما عليه إذن ، وكنت أحبّ أن يكون رجلا من الأنصار.

فذهب ثمّ رجع فقال : استأذن لي عليه ، فسمع النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كلامه ، فقال : ادخل يا عليّ ؛ ثمّ قال : اللهمّ وإليّ ، اللهمّ وإليّ. ـ أي : هو أحبّ الناس إليّ أيضا ـ.

وأمّا أسماء رواة هذا الحديث عن أنس كما ذكرهم العلاّمة الكنجي الشافعي نقلا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ النيسابوري ، وهم ستّة وثمانون رجلا ، ذكرهم في آخر الباب ٣٣ بترتيب حروف المعجم ، كما يلي :

[إ] إبراهيم بن هديّة أبو هديّة ، وإبراهيم بن مهاجر أبو إسحاق البجلي ، وإسماعيل ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدّي ، وإسماعيل بن سليمان بن المغيرة الأزرق ، وإسماعيل بن وردان ، وإسماعيل بن سليمان ، وإسماعيل غير منسوب من أهل الكوفة ، وإسماعيل بن سليمان التيمي ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وأبان بن أبي عيّاش أبو إسماعيل.

[ب] بسّام الصيرفي الكوفي ، وبرذعة بن عبد الرحمن.

[ث] ثابت بن أسلم البنانيان ، وثمامة بن عبد الله بن أنس.

[ج] جعفر بن سليمان النخعي.

[ح] حسن بن أبي الحسن البصري ، وحسن بن الحكم البجلي ، وحميد بن التيرويه الطويل.

[خ] خالد بن عبيد أبو عصام.

[ز] زبير بن عديّ ، وزياد بن محمد الثقفي ، وزياد بن شروان.

[س] سعيد بن المسيّب ، وسعيد بن ميسرة البكري ، وسليمان بن طرخان التيمي ، وسليمان بن مهران الأعمش ، وسليمان بن عامر بن عبد الله بن عبّاس ، وسليمان ابن الحجّاج الطائفي.

[ش] شقيق بن أبي عبد الله.

٣٤٣

__________________

[ع] عبد الله بن أنس بن مالك ، وعبد الملك بن عمير ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وعبد العزيز بن زياد ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وعمر بن أبي حفص الثقفي ، وعمر بن سليم البجلي ، وعمر بن يعلى الثقفي ، وعثمان الطويل ، وعلي بن أبي رافع ، وعامر بن شراحيل الشعبي ، وعمران بن مسلم الطائي ، وعمران بن هيثم ، وعطيّة بن سعد العوفي ، وعبّاد بن عبد الصمد ، وعيسى بن طهمان ، وعمّار بن أبي معاوية الدهني.

[ف] فضيل بن غزوان.

[ق] قتادة بن دعامة.

[ك‍] كلثوم بن جبر.

[م] محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، الباقر عليه‌السلام ، ومحمد بن مسلم الزهري ، ومحمد بن عمر بن علقمة ، ومحمد بن عبد الرحمن أبو الرجال ، ومحمد بن خالد بن المنتصر الثقفي ، ومحمد بن سليم ، ومحمد بن مالك الثقفي ، ومحمد بن جحادة ، ومطيّر بن خالد ، ومعلّى بن هلال ، وميمون أبو خلف ، وميمون غير منسوب ، ومسلم الملائي ، ومطر بن طهمان الورّاق ، وميمون بن مهران ، ومسلم بن كيسان ، وميمون بن جابر السلمي ، وموسى بن عبد الله الجهني ، ومصعب بن سليمان الأنصاري.

[ن] نافع مولى عبد الله بن عمر ، ونافع أبو هرمز.

[ه‍] هلال بن سويد.

[ي] يحيى بن سعيد الأنصاري ، ويحيى بن هانئ ، ويوسف بن إبراهيم ، ويوسف أبو شيبة ـ وقيل هما واحد ـ ، ويزيد بن سفيان ، ويعلى بن مرّة ، ونعيم بن سالم.

[أبو] أبو الهندي ، وأبو مليح ، وأبو داود السبيعي ، وأبو حمزة الواسطي ، وأبو حذيفة العقيلي ، ورجل من آل عقيل ، وشيخ غير منسوب.

انتهى ما أردنا نقله من كتاب «كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن

٣٤٤

فأنصفوا أيها المستمعون! هل من الصحيح أن نتمسّك بخبر واحد رواه عمرو بن العاص ، وهو أحد أعداء الإمام عليّعليه‌السلام ، والمعلن عليه الحرب ، والخارج لقتاله ، ونعرض عن هذه الأخبار الكثيرة المتواترة في كتب كبار علمائكم ومحدّثيكم؟!

الشيخ عبد السلام : أظنّ أنّكم مصرّون على ردّ كلّ خبر ننقله في فضيلة الشيخين!!

نحن نتّبع الحقّ!

قلت : إنّي أعجب من الشيخ إذ يتّهمني أمام الحاضرين بهذه التهمة! ولا أدري أي خبر موافق للكتاب الحكيم والعقل السليم والمنطق القويم قاله الشيخ وأنا رفضته وما قبلته؟! حتّى يجابهني بهذا العتاب ، ويواجهني بهذا الكلام الذي يقصد منه أنّنا نتّبع طريق اللجاج والعناد!!

__________________

أبي طالبعليه‌السلام » تأليف : العلاّمة ، فقيه الحرمين ، ومفتي العراقيين ، محدّث الشام ، وصدر الحفّاظ ، أبي عبد الله محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي.

وقد ثبت إجماع المسلمين على صحّة هذا الخبر ، فنقلوه بالتواتر في كتبهم ومسانيدهم ، كما ثبت أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام احتجّ بهذا الحديث في يوم الدار في اجتماع الّذين أوصاهم عمر بن الخطّاب أن يجتمعوا لتعيين خليفته من بينهم ، فقال الإمام عليّ عليه‌السلام : أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء أحد غيري؟!

فقالوا : اللهمّ لا فقال عليه‌السلام : اللهمّ اشهد إلى آخره. «المترجم».

٣٤٥

وإنّي أعوذ بالله أن أكون معاندا أو متعصّبا جاهلا ، وأعوذ به سبحانه أن يكون في قلبي شيء من الحقد عليكم خصوصا ، وعلى إخواني من أهل السنّة عموما.

وإنّي أشهد الله ربّي وربّكم أنّي ما كنت معاندا وما تبعت طريق اللجاج في محاوراتي ومناظراتي مع اليهود والنصارى ، والهنود والمجوس ، ومع المادّيّين والوجوديّين ، وسائر المذاهب والفرق والأحزاب المنحرفة ، بل كنت دائما أطلب وجه الله عزّ وجلّ وأبحث عن الحقّ والحقيقة على أساس المنطق والعقل واصول العلم والبرهان ، فكيف أكون معاندا في محاورتي معكم وأنتم إخواني في الدين ، ونحن وإياكم على دين واحد ، وكتاب واحد ، ونبي واحد ، وقبلة واحدة؟!

غاية ما هنالك لقد وقعت بعض الاشتباهات والمغالطات في الأمر ، والتبس بذلك الحقّ عليكم ، ونحن بتشكيل مجالس البحث والمناظرة ، نريد أن نتفاهم في القضايا حتّى يرتفع الاختلاف إن شاء الله تعالى ، ويخيّم علينا الاتّحاد والائتلاف ، ويتحقّق أمر الله عزّ وجلّ إذ يقول :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) .

وأنتم والحمد لله عالمون وفاهمون ، ولكن تأثّرتم بكلمات وأكاذيب الامويّين المعادين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطيّبين فقلّدتم الناكثين والمارقين المتعصّبين ضدّ الإمام عليّ أمير المؤمنين وشيعته أهل الحقّ واليقين.

فإذا تخلّيتم عن أقاويل اولئك ، وتحرّرتم عن التعصّب والتقليد

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

٣٤٦

الأعمى ، وأنصفتم الحكم في القضايا المطروحة ، فإنّا نصل إن شاء الله تعالى إلى الهدف المنشود والحقّ المعهود.

الشيخ عبد السلام : نحن قرأنا في الصحف والمجلاّت ، مناظراتكم مع الهنود والبراهمة في مدينة لاهور ، وعلمنا إفحامكم إيّاهم فأجبناكم لانتصاركم للدين الحنيف وإثباتكم الحقّ ، وكنّا نحبّ زيارتكم ونتشوّق لمجالستكم ، والآن نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإيّاكم على الحقّ.

ونحن نوافقكم على مراجعة القرآن الحكيم في الأمور الخلافية ، وعرض الأخبار والأحاديث المرويّة على كتاب الله سبحانه ، فهو الفرقان الأعظم ، ولذا قبلنا منكم الردود على ما نقلناه من الأخبار والأحاديث حينما أثبتّم نقاط تعارضها مع الكتاب والعقل والعلم والمنطق.

فلذلك أذكر الآن دليلا من القرآن الكريم في شأن الخلفاء الراشدين وفضلهم ، وأنا على يقين بأنّكم ستوافقون عليه ولا تردّونه ، لأنّه مأخوذ ومقتبس من كتاب الله تعالى.

قلت : أعوذ بالله العظيم من أن أردّ الدلائل القرآنية أو الأحاديث الصحيحة النبوية. ولكن اعلموا أنّي حينما كنت احاور الفرق الملحدة مثل : الغلاة والخوارج ، وغيرهم من الّذين ينسبون أنفسهم للإسلام وما هم منه ، كانوا يحتجّون عليّ في إثبات ادّعائهم الباطل ببعض الآيات القرآنية! لأنّ بعض آيات الذكر الحكيم ذو معان متعدّدة ووجوه متشابهة ، ولذا لم يسمح النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحد أن يفسّر القرآن برأيه ، فقال :

٣٤٧

«من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وقد وكّل هذا الأمر الهامّ إلى أهل بيته الكرامعليهم‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا».

وقد أجمعت الامّة على صحّة هذا الحديث الشريف ، فيجب أن نأخذ تفسير القرآن ومعناه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو القرآن الناطق ، ومن بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن نأخذ ذلك من العترة الهادية ، وهم أهل بيته الّذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع القرآن ككفّتي ميزان.

والله سبحانه أيضا أمر الامّة أن يرجعوا إليهم في ما لا يعلمون ، فقال :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) .

والمقصود من أهل الذكر : عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بنيهعليهم‌السلام كما روى الشيخ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» الباب ٣٩ نقلا عن تفسير «كشف البيان» للعلاّمة الثعلبي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن عليّعليه‌السلام ، قال : نحن أهل الذكر ، والذكر : هو القرآن الحكيم لقوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (٢) .

وبتعبير آخر من القرآن الكريم ، الذكر : هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله تعالى :( ... قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ ) (٣) .

فأهل الذكر هم آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل القرآن الّذين نزل الوحي في

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٤٣.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٩.

(٣) سورة الطلاق ، الآية ١٠ ـ ١١.

٣٤٨

بيتهم ، فهم أهل بيت النبوّة وأهل بيت الوحي.

ولذلك كان عليّعليه‌السلام يقول للناس : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم نهار ، وفي سهل أم في جبل ، والله ما انزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من انزلت ، وإنّ ربّي وهب لي لسانا طلقا ، وقلبا عقولا إلى آخره.

ملخص القول : في نظرنا إنّ الاستدلال بالآيات القرآنية يجب أن يطابق بيان أهل البيت والعترة النبوية ، وإلاّ إذا كان كلّ إنسان يفسّر القرآن حسب رأيه وفكره لوقع الاختلاف في الكلمة والتشتّت في الآراء ، وهذا لا يرضى به الله سبحانه.

والآن بعد هذه المقدّمة ، فإنّا نستمع لبيانكم.

الشيخ عبد السلام : لقد أوّل بعض علمائنا الأعلام قوله تعالى :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (١) .

قالوا :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) إشارة إلى أبي بكر الصدّيق ، فهو كان مع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في كلّ مكان حتّى في الغار ، ورافقه في الهجرة إلى المدينة المنوّرة.

والمقصود من( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) : هو عمر بن الخطّاب (رض) الذي كان شديدا على الكفّار.

والمراد من( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) : هو عثمان ذو النورين ، فإنّه كان

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٩.

٣٤٩

كما نعلم رقيق القلب كثير الرحمة.

والمعنيّ من( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) : هو عليّ ابن أبي طالب كرّم الله وجهه ، فإنّه ما سجد لصنم قطّ.

وأنا أرجو أن تقبل هذا التأويل الجميل ، والقول الجامع لفضيلة الخلفاء الراشدين!

قلت : يا شيخ! إنّي أعجب من كلامك وفي حيرة منه! ولا أدري من أين جئت به؟! فإنّي لم أجد في تفاسيركم المعتبرة المشهورة ، هذا التفسير ، ولو كان الأمر كما تقول ، لكان الخلفاء المتقدّمون على الإمام عليّعليه‌السلام احتجّوا بها حينما واجهوا معارضة بني هاشم وامتناع السيّدة فاطمة الزّهراء والامام عليّعليه‌السلام من البيعة لهم.

ولكن لم نجد ذلك في التاريخ ولا في التفاسير التي كتبها كبار علمائكم ، أمثال : الطبري والثعلبي والنيسابوري والسيوطي والبيضاوي والزمخشري والفخر الرازي ، وغيرهم.

وهذا التأويل والتفسير ما هو إلاّ رأي شخصي غير مستند إلى حديث أو رواية ، وإنّ القائل والملتزم به ومن يقبله يشملهم حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وإذا قلت : إنّ ما قلته هو تأويل لا تفسير.

فأقول : إنّ مذاهبكم الأربعة لا يقبلون تأويل القرآن مطلقا ، ولا يجوز عند أئمّتكم تأويل القرآن ، وأضف على هذا ، إنّ في الآية الشريفة نكات علمية وأدبية تمنع من هذا التأويل ، وتحول دون الوصول إلى مقصودكم ، وهي :

أوّلا : الضمائر الموجودة في الآية الكريمة.

٣٥٠

وثانيا : صياغة الجمل ف( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مبتدأ ، و( رَسُولُ اللهِ ) : عطف بيان أو صفة ، و( الَّذِينَ مَعَهُ ) : عطف على( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و( أَشِدَّاءُ ) وما بعدها : خبر ؛ ولو قلنا غير هذا فهو غير معقول وخارج عن قواعد العربية والاصول.

ولذا فإنّ جميع المفسّرين من الفريقين قالوا : إنّ الآية الكريمة تشير إلى صفات المؤمنين بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميعا.

ولكنّي أقول : إنّ هذه الصفات ما اجتمعت في كلّ فرد فرد من المؤمنين ، بل مجموعها كانت في مجموع المؤمنين ، أي : إنّ بعضهم كانوا( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) وبعضهم كانوا( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) وبعضهم( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) ولم يكن من المؤمنين إلاّ رجل واحد جمع كلّ هذه الصفات والميزات الدينية ، وهو : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فهو الذي كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أوّل رسالته وبعثته حتّى آخر ساعات حياته المباركة ، إذ كان رأس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجر وصيّه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب حين فارقت روحه الدنيا.

الشيخ عبد السّلام : إنّك قلت : بأنّي لا اجادل ولست متعصّبا! بينما الآن تظهر التعصّب ، وتجادلنا على ما لا ينكره أيّ فرد من أهل العلم!

أما قرأت قوله تعالى :( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ

٣٥١

كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) .

هذه الآية الكريمة إضافة على أنّها تؤيّد رأينا في تأويل الآية السابقة :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) فهي تسجّل فضيلة كبرى ، ومنقبة عظمى لسيّدنا أبي بكر الصدّيق (رض) ، لأنّ مصاحبته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدلّ على منزلته عنده ، ودليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم بعلم الله أنّ أبا بكر يكون خليفته ، فكان يلزم عليه حفظه كما يلزم حفظ نفسه الشريفة ، لذلك أخذه معه حتّى لا يقع في أيدي المشركين ، ولم يأخذ النبيّ أحدا سواه ، وهذا أكبر دليل على خلافته.

قلت : إذا أبعدتم عنكم التعصّب ، وتركتم تقليد أسلافكم ، ونظرتم إلى الآية الكريمة بنظر التحقيق والتدقيق ، لوجدتم أنّها لا تعدّ فضيلة ومنقبة لأبي بكر ، وليس فيها أي دليل على خلافته!

الشيخ عبد السلام : إنّي أتعجّب من قولك هذا ، والآية صريحة في ما نقول ، ولا ينكره إلاّ معاند متعصّب!

قلت : قبل أن أخوض هذا البحث أرجو أن تعرضوا عن كلامكم ، لأنّي أخشى أن يمسّ ويخدش البحث عواطفكم ، فإنّ الكلام يجرّ الكلام ، ونصل بالبحث إلى ما لا يرام ، ولا يتحمّله العوامّ ، لسوء ما تركّز عندهم في الأفهام.

الشيخ عبد السلام : أرجو أن لا تتكلّم بالإبهام ، بل بيّن لنا كلّ ما عندك من الجواب والردّ على ما قلناه بالتمام ، ونحن إنّما اجتمعنا وحاورناكم لنعرف حقيقة الإسلام ، ونحن مستعدّون لاعتناق مذهبكم إذا ظهر لنا وثبت أنّه الحقّ الذي أمر به محمّد سيّد الأنام (صلّى الله

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٤٠.

٣٥٢

عليه [وآله] وسلّم).

قلت : إنّ إنكاري لقولكم لا يكون عن تعصّب وعناد ، وإعراضي عن الجواب ليس عن عيّ وجهل ، بل رعاية للأدب والوداد ، ولكن إصراركم على رأيكم ، وإحساسي بالمسئولية في كشف الحقّ وإظهار الحقيقة والإرشاد ، يفرض عليّ الردّ والجواب ، حتّى يعرف الحاضرون كلمة الحقّ والسداد ، فأقول :

أوّلا : قولك : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل معه أبا بكر ، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أنّه يكون خليفته ، فأراد أن يحفظه من شرّ المشركين ، كلام غريب

لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حمله لهذا السبب ، فلما ذا لم يأخذ معه خلفاءه الآخرين ، الراشدين على حدّ زعمكم؟! عمر وعثمان وعليّ ، لأنّهم كانوا في مكّة مهدّدين أيضا!

فلما ذا هذا التبعيض؟! يأخذ أبا بكر ويأمر عليّا ليبيت على فراش الخطر ، ويفدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه!

هل هذا من العدل والإنصاف؟!

ثانيا : بناء على ما ذكره الطبري في تاريخه ، ج ٣ : إنّ أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبره بأنّه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرآه في الطريق فأخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه.

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد ، لا كما تقول.

وقال بعض المحقّقين : إنّ أبا بكر بعد ما التقى بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الطريق ، اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه ؛ لأنّه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة ، وكان المفروض أن يكون سرّا ، كما نوّه

٣٥٣

به الشيخ أبو القاسم ابن الصبّاغ ، وهو من كبار علمائكم ، قال في كتابه : «النور والبرهان» :

إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أمر عليّا فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار!

ثالثا : أسألك أن تبيّن لنا محلّ الشاهد من الآية الكريمة ، وتوضّح الفضيلة التي سجّلتها الآية لأبي بكر؟!

الشيخ عبد السلام : محلّ الشاهد ظاهر ، والفضيلة أظهر ، وهي :

أوّلا : صحبة النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، فإنّ الله تعالى يعبر عن الصدّيق (رض) بصاحب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

ثانيا : جملة :( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) .

ثالثا : نزول السكينة من عند الله سبحانه على سيّدنا أبي بكر.

ومجموعها تثبت أفضليّة سيّدنا الصديق وأحقّيّته بالخلافة.

قلت : لا ينكر أحد أنّ أبا بكر كان من كبار الصحابة ، ومن شيوخ المسلمين ، وأنّه زوّج ابنته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكنّ هذه الامور لا تدلّ على أحقّيّته بالخلافة.

وكذلك كلّ ما ذكرتم من شواهد ودلائل في الآية الكريمة ، لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر ، بل لقائل أن يقول : إنّ صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البرّ والخير ؛ فكم من كفّار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء ، وخاصة في الأسفار.

٣٥٤

الصحبة ليست فضيلة

١ ـ فإنّا نقرأ في سورة يوسف الصدّيقعليه‌السلام أنّه قال :( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (١) .

لقد اتّفق المفسّرون أنّ صاحبي يوسف الصدّيقعليه‌السلام هما ساقي الملك وطبّاخه ، وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبيّ يوسف الصدّيقعليه‌السلام ، ولم يؤمنا بالله ، حتّى أنّهما خرجا من السجن كافرين ؛ فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسفعليه‌السلام تعدّ منقبة وفضيلة لهما؟!

٢ ـ ونقرأ في سورة الكهف :( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) (٢) .

ذكر المفسّرون : أنّ المؤمن ـ وكان اسمه : يهودا ـ قال لصاحبه ـ واسمه : براطوس ـ وكان كافرا ؛ وقد نقل المفسّرون ـ منهم : الفخر الرازي ـ محاورات هذين الصاحبين ، ولا مجال لنقلها ؛ فهل صحبة براطوس ليهودا ، تعدّ له فضيلة أو شرفا يقدّمه على أقرانه؟!

أم هل تكون دليلا على إيمان براطوس ، مع تصريح الآية :( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ) ؟!(٣) .

فالمصاحبة وحدها لا تدلّ على فضيلة وشرف يميّز صاحبها ويقدّمه على الآخرين.

وأمّا استدلالك علي أفضليّة أبي بكر ، بالجملة المحكيّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٣٩.

(٢) سورة الكهف ، الآية ٣٧.

(٣) سورة الكهف ، الآية ٣٧.

٣٥٥

( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد ؛ لأنّ الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب ، بل يكون مع غير المؤمنين أيضا ، لقوله تعالى :( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ) (١) .

فبحكم هذه الآية الكريمة ، فإنّ الله عزّ وجلّ يكون مع المؤمن والكافر والمنافق.

الشيخ عبد السلام : لا شكّ أنّ المراد من الآية الكريم :( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) يعني : بما أنّنا مع الله ونعمل لله ، فإنّ ألطاف الله تعالى تكون معنا ، والعناية الإلهيّة تشملنا.

حقائق لا بدّ من كشفها

قلت : حتّى لو تنزّلنا لكم وسلّمنا لقولكم ، فلقائل أن يقول : إنّ الجملة مع هذا التفسير أيضا لا تدلّ على فضيلة ثابتة أو منقبة تقدّم صاحبها على الآخرين ؛ لأنّ هناك أشخاصا شملتهم الألطاف الإلهيّة والعناية الربّانيّة ، وما داموا مع الله كان الله معهم ، وحينما تركوا الله سبحانه تركهم وانقطعت العناية والألطاف الإلهية عنهم ، مثل :

١ ـ إبليس ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ فإنّه عبد الله تعالى عبادة قلّ نظيرها من الملائكة ، وقد شملته الألطاف والعنايات الربّانية ، ولكن لمّا تمرّد عن أمر ربّه تكبّر واتّبع هواه واغترّ ، خاطبه الله الأعظم الأكبر قائلا :( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) (٢) .

__________________

(١) سورة المجادلة ، الآية ٧.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٣٤ ـ ٣٥.

٣٥٦

٢ ـ ومثله في البشر : بلعم بن باعورا ، فإنّه كما ذكر المفسّرون في تفسير قوله تعالى :( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ) (١) قالوا : إنّه تقرّب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم وأصبح ببركة اسم الله سبحانه مستجاب الدعوة ، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبنو إسرائيل أعواما كثيرة في الوادي.

ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان ، واتّبع الشيطان ، وخالف الرحمن ، وسلك سبيل البغي والطغيان ، وصار من المخلّدين في النيران.

وإذا أحببتم تفصيل قصّته ، فراجعوا التاريخ والتفاسير ، منها : تفسير الرازي ٤ / ٤٦٣ ، فإنّه يروي عن ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل.

٣ ـ وبرصيصا في بني إسرائيل ، كان مجدّا في عبادة الله سبحانه حتّى أصبح من المقرّبين ، وكانت دعوته مستجابة. ولكن عند الامتحان اصيب بسوء العاقبة فترك عبادة ربّ العالمين ، وسجد لإبليس اللعين ، وأمسى من الخاسرين ، فقال الله تعالى فيه :( كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ) (٢) .

فإذا صدر عمل حسن من إنسان ، فلا يدلّ على أنّ ذلك الإنسان يكون حسنا إلى آخر عمره وأنّ عاقبة أمره تكون خيرا ، ولذا ورد في

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٧٥.

(٢) سورة الحشر ، الآية ١٦.

٣٥٧

أدعية أهل البيتعليهم‌السلام : اللهمّ اجعل عواقب امورنا خيرا.

إضافة إلى ما قلنا : فإنّكم تعلمون أنّه قد ثبت عند علماء المعاني والبيان ، أنّ التأكيد في الكلام يدلّ على شكّ المخاطب وعدم يقينه للموضوع ، أو توهّمه خلاف ذلك.

والآية مؤكّدة «بأنّ» فيظهر بأنّ مخاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صاحبه في الغار كان شاكّا في الحقّ ، على غير يقين بأنّ الله سبحانه يكون معهما!

الشيخ عبد السلام ـ شاط غاضبا ـ وقال : ليس من الإنصاف أن تمثّل صاحب رسول الله وخليفته بإبليس وبلعم وبرصيصا!

قلت : أنا في البداية بيّنت أن : «لا مناقشة في الأمثال» ومن المعلوم أنّ في المحاورات أنّما يذكرون الأمثال لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان ، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من جميع الجهات ، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة ، وهي التي تركّز عليها موضوع الحوار.

وإنّي اشهد الله! بأنّي ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد أبدا ، بل البحث والحوار يقتضي أحيانا أن أذكر شاهدا لكلامي ، وابيّن مثلا لتفهيم مقصدي ومرامي.

الشيخ عبد السلام : دليلي على أنّ الآية الكريمة تتضمّن مناقب وفضائل لسيّدنا أبي بكر (رض) ، جملة :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فإنّ الضمير في :( عَلَيْهِ ) يرجع لأبي بكر الصدّيق ، وهذا مقام عظيم.

قلت : الضمير يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس لأبي بكر ، بقرينة الجملة التالية في الآية :( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) .

٣٥٨

وقد صرّح جميع المفسّرين : أنّ المؤيّد بجنود الله سبحانه هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشيخ عبد السلام : ونحن نقول أيضا : إنّ المؤيّد بالجنود هو النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ولكنّ أبا بكر كذلك كان مؤيّدا مع النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

السكينة والتأييد من خصوصيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قلت : إذا كان الأمر كما تقول ، لجاءت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية ، بينما الضمائر كلّها جاءت مفردة ، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول : إنّ الألطاف والعنايات الإلهيّة كالنصرة والسكينة شملت أبا بكر دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. فينحصر القول بأنّها شملت رسول الله دون صاحبه!!

الشيخ عبد السّلام : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كان في غنى عن نزول السكينة عليه ، لأنّ السكينة الإلهية كانت دائما معه ولا تفارقه أبدا ، ولكن سيّدنا أبا بكر (رض) كان بحاجة ماسّة إلى السكينة فأنزلها الله سبحانه عليه.

قلت : لما ذا تضيّع الوقت بتكرار الكلام ، بأيّ دليل تقول : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحتاج إلى السكينة الإلهية؟! بينما الله سبحانه يقول :( ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) (١) وذلك في غزوة حنين.

ويقول سبحانه وتعالى أيضا :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٢٦.

٣٥٩

وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ) (١) وذلك في فتح مكّة المكرّمة.

فكما في الآيتين الكريمتين يذكر الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويذكر بعده المؤمنين ، فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الّذين تشملهم السكينة الإلهيّة ، لكان الله عزّ وجلّ قد ذكره بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يقول : فأنزل الله سكينته عليهما.

هذا ، وقد صرّح كثير من كبار علمائكم : بأنّ ضمير( عَلَيْهِ ) في الآية الكريمة يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إلى أبي بكر ؛ راجعوا كتاب : «نقض العثمانية» للعلاّمة الشيخ أبي جعفر الإسكافي وهو استاذ ابن أبي الحديد ، وقد كتب ذلك الكتاب القيّم في ردّ وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ.

إضافة على ما ذكرنا ، نجد في الآية الكريمة جملة تناقض قولكم! وهي :( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) فالنبيّ ينهى أبا بكر عن الحزن ، فهل حزن أبي بكر كان عملا حسنا أم سيّئا؟

فإن كان حسنا ، فالرسول لا ينهى عن الحسن ، وإن كان سيّئا فنهي النبيّ لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من باب النهي عن المنكر بقوله :( لا تَحْزَنْ ) فالآية الكريمة لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه ، بل تكون في ذمّه وقدحه! وصاحب السوء والمنكر ، لا تشمله العناية والسكينة الإلهيّة ، لأنّهما تختصّان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وهم أولياء الله الّذين لا يخشون أحدا إلاّ الله سبحانه.

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٦.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482