من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟12%

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43878 / تحميل: 4749
الحجم الحجم الحجم
من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٢٥٠١-٩٧-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

عليها ، فلمّا أصابتني نائبة الزمان وحادثات الدهر رغب عنّي أبوها ، وكانت جارية فيها الحياء والكرم ، فكرهت مخالفة أبيها ، فأتيت عاملك ابن أُمّ الحكم فذكرت ذلك له ، وبلغه جمالها ، فأعطى أباها عشرة آلاف درهم وتزوّجها ، وأخذني فحبسني وضيّق علَيَّ ، فلمّا أصابني مسّ الحديد وألم العذاب طلّقتها ، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين وأنت غياث المحروب وسند المسلوب ، فهل من فرج؟

ثمّ بكى وقال في بكائه :

في القلب منّي نار

والنار فيها شرار

والجسم منّي نحيل

واللون فيه اصفرارُ

والعين تبكي بشجو

ودمعها مدرار

والحبُّ داء عسير

فيه الطبيب يحارُ

حملت منه عظيماً

فما عليه اصطبار

فليس ليلي بليل

ولا نهاري نهارُ

فرقّ له معاوية ، وكتب له إلى ابن أُمّ الحكم كتاباً غليظاً ، وكتب في آخره يقول :

ركبتَ أمراً عظيماً لستُ أعرفه

أستغفرُ الله من جور امرئٍ زانِ

قد كنتَ تشبه صوفيّاً له كتب

من الفرائض أو آثار فرقانِ

حتّى أتاني الفتى العذري منتحباً

يشكو إليّ بحقٍّ غير بهتانِ

٨١

أعطى الإله عهوداً لا أجيش بها

أو لا فبرِّئت من دين وإيمانِ

إن أنت راجعتني في ما كتبتُ به

لأجعلنَّك لحماً عند عقبانِ

طلّق سعاد وفارقها بمجتمع

وأشهِد على ذاك نصراً وابنَ ظبيانِ

فما سمعت كما بلّغت من عجب

ولا فِعالك حقّاً فِعل إنسانِ

فلمّا ورد كتاب معاوية على ابن أُمّ الحكم تنفّس الصعداء وقال : وددت أنّ أمير المؤمنين خلّى بيني وبينها سنة ثمّ عرضني على السيف!

وجعل يؤامر نفسه في طلاقها فلا يقدر ، فلمّا أزعجه الوفد طلّقها ، ثمّ قال : يا سعاد ، اخرجي.

فخرجت شكلة غنجة ، ذات هيئة وجمال ، فلمّا رآها الوفد قالوا : ما تصلح هذه إلّالأمير المؤمنين لا لأعرابي.

وكتب جواب كتابه يقول :

لا تحنثنَّ أميرَ المؤمنين فقد

أوفى بعهدك في رفق وإحسانِ

وما ركبتُ حراماً حيث أعجبني

فكيف سُمّيت باسم الخائن الزاني

وسوف يأتيك شمس لا خفاء بها

أبهى البريّة من إنس ومن جانِ

٨٢

حوراء يقصر عنها الوصف إنْ وُصفت

أقول ذلك في سرٍّ وإعلانِ

فلمّا ورد الكتاب على معاوية ، قال : إن كانت أعطيت حسن النعمة على هذه الصفة فهي أكمل البرية ؛ فاستنطقها ، فإذا هي أحسن الناس كلاماً وأكملهم شكلاً ودلّاً ، فقال : يا أعرابي! فهل من سلو عنها بأفضل الرغبة؟

قال : نعم ، إذا فرّقت بين رأسي وجسدي! ثمّ أنشأ يقول :

لا تجعلنّي والأمثال تضرب بي

كالمستغيث من الرمضاء بالنارِ

أُردد سعاد على حيران مكتئب

يمسي ويصبح في همٍّ وتذكارِ

قد شفّه قلق ما مثله قلق

وأسعر القلب منه أيّ إسعارِ

والله والله لا أنسى محبّتها

حتّى أُغيّب في رمس وأحجارِ

كيف السلوّ وقد هام الفؤاد بها

وأصبح القلب عنها غير صبّارِ

قال : فغضب معاوية غضباً شديداً ، ثمّ قال لها : اختاري! إن شئت أنا ، وإن شئت ابن أُمّ الحكم ، وإن شئت الأعرابي.

فأنشأت سعاد وارتجزت تقول :

هذا وإن أصبح في الخمار

وكان في نقص من اليسارِ

أكثر عندي من أبي وجاري

وصاحب الدرهم والدينارِ

أخشى إذا غدرت حرّ النارِ

فقال معاوية : خذها لا بارك الله لك فيها.

فارتجز الأعرابي يقول :

خلّوا عن الطريق للأعرابي

ألم ترقّوا ـ وَيْحَكُمْ ـ لِما بي؟!

قال : فضحك معاوية وأمر له بعشرة آلاف درهم وناقة ووطاء. وأمر

٨٣

بها فأُدخلت في بعض قصوره حتّى انقضت عدّتها من ابن أُمّ الحكم ، ثمّ أمر بدفعها إلى الأعرابي»(١) .

قال ابن عساكر :

«قَتل عبدُ الرحمن بن أُمّ الحكم ابنَ صلوبا ، فجاء الشيخ صلوبا فدخل المسجد آخذاً بلحية بيضاء ، قال : فقال : يا معشر المسلمين! على ما قُتل ابني؟! على هذا صالحتُ عمر بن الخطّاب ؛ قال : فقال الناس : ذمّتكم ذمّتكم! فاجتمع الناس ، وجاء جرير ، قال : فجاء عبدَ الرحمن ناسٌ فقالوا له : إنّا نخاف عليك ، فأغلق باب المقصورة.

أخْبَرَنا أبو القاسم بن الحُصَين ، أنا الحسن بن عيسى بن المقتدر ، أنا أبو العبّاس أحمد بن منصور اليشكري ، أنا أبو عبد الله الصولي ، نا الحارث ابن أبي أُسامة ، نا علي بن محمّد بن سيف ، قال :

لمّا اشتدّ بلاء عبد الرحمن بن أُمّ الحكم على أهل الكوفة ، قال عبد الله بن همّام السَّلُولي شعراً ، وكتبه في رقاع ، وطرحها في مسجد الجامع :

أَلَا أبلغْ معاويةَ بن صخرٍ

فقد خرب السوادُ ولا سوادا

أرى العمّال أفتتنا علينا

بعاجلِ نفعهم ظلموا العبادا

فهل لك أن تُدَارَك ما لدينا

وتدفعَ عن رعيّتك الفسادا

وتعزل تابعاً أبداً هواه

يخرّبُ مِن بَلادته البِلادا

إذا ما قلتُ : أقصر عن مداه

تمادى في ضلالته وزَادا

__________________

(١) المنتظم ٤ /١١٠ ـ ١١٣ حوادث سنة ٥٨ هـــ.

٨٤

فبلغ الشعر معاوية فعزله»(١) .

وذكر ابن عساكر وابن الأثير بترجمته ، وكذا المؤرّخون ـ كالطبري وابن الجوزي وابن الأثير ـ في حوادث السنة ٥٨ ، أنّ عبد الرحمن أساء السيرة في أهل الكوفة فطردوه ، قالوا :

«استعمل معاوية ابن أُمّ الحكم على الكوفة ، فأساء السيرة فيهم ، فطردوه ، فلحق بمعاوية وهو خاله ، فقال له : أُولّيك خيراً منها مصر ؛ فولّاه ، فتوجّه إليها وبلغ معاوية بن حُدَيج السَّكُوني الخبر ، فخرج فاستقبله على مرحلتين من مصر ، فقال : ارجع إلى خالك ، فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة.

قال : فرجع معاوية ، وأقبل معاوية بن حُدَيج وافداً ، وكان إذا جاء قُلِّستْ(٢) له الطريق ـ يعني ضُربت له قباب الريحان ـ ، قال : فدخل على معاوية وعنده أُمّ الحكم ، فقالت : من هذا يا أمير المؤمنين؟

قال : بَخٍ ، هذا معاوية بن حُدَيج.

قالت : لا مرحباً به ، تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه(٣) .

فقال : على رِسْلك يا أُمّ الحكم ، أمَا والله لقد تزوّجتِ فما أكرمتِ ،

__________________

(١) تاريخ دمشق ٣٥ / ٥١ ـ ٥٢

(٢) التقليس : استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو ، كالضرب بالدفّ والغناء ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٢٧٨ مادّة «قلس».

وضرب قباب الريحان ضرب من ضروب الاستقبال

(٣) مثلٌ يُضرب لمن خبره خير من مرآه ، أوّل من قاله المنذر ابن ماء السماء ، وقيل : النعمان بن المنذر.

انظر : جمهرة الأمثال ـ للعسكري ـ ١ / ٢٢٦ ، مجمع الأمثال ـ للميداني ـ ١ / ٢٢٧ رقم ٦٥٥

٨٥

وولدتِ فما أنجبتِ ، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا ، فيسيرُ فينا كما سار في إخواننا من أهل الكوفة ، ما كان الله ليرى ذلك ، ولو فعل لضربناه ضرباً يصامي منه ، وإن كان ذاك الجالس.

فالتفت إليها معاوية فقال : كُفّي»(١) .

النعمان بن بشير الأنصاري

وهو : النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي الأنصاري.

من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كان النعمان بن بشير منقطعاً إلى معاوية ، وولّاه الكوفة ، فكان عليها حتّى مات معاوية ، وأقرّه يزيد حتّى خرج الإمام الحسينعليه‌السلام من مكّة متوجّهاً نحو الكوفة ، فعزله بعبيد الله بن زياد ، وأمّر يزيدُ النعمانَ على حمص ، فكان عليها إلى ما بعد موت يزيد ، ثمّ قتل هناك في سنة أربع أو خمس وستّين(٢) .

وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، أنّه أتى بيت المقدّس يريد الصلاة فيه ، فجلس إلى رجلٍ قد اجتمع الناس عليه ، فقال : من الرجل؟

__________________

(١) تاريخ دمشق ٣٥ / ٥٢ ـ ٥٣ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، المنتظم ٤ / ١١٠ ـ ١١١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، البداية والنهاية ٨ / ٦٦ ـ ٦٧

(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ١٢٢ رقم ١٩٣٠ ، التاريخ الكبير ٨ / ٧٥ رقم ٢٢٢٢ ، الجرح والتعديل ٨ / ٤٤٤ رقم ٢٠٣٣ ، تاريخ دمشق ٦٢ / ١١١ رقم ٧٨٩٧ ، أُسد الغابة ٤ / ٥٥٠ رقم ٥٢٣٠ ، تهذيب الكمال ١٩ / ١٠٠ رقم ٧٠٣٢ ، الإصابة ٦ / ٤٤٠ رقم ٨٧٣٤

٨٦

فقلت : رجل من أهل حمص.

قال : كيف وجدتم إمارة النعمان بن بشير؟

فذكرت خيراً.

قال : إذا أتيته فأقرئه منّي السلام وقل له : إنّ فضالة بن عبيد يقول لك : قوله لك وقولك له.

فقلت : والله ما أدري ما هذا؟!

قال : إنّي سأبيّنه لك ؛ لقيته بالمدينة وهو معنيٌّ بالجهاد فقلت : أين تريد؟

فقال : إنّي ابتعت نفسي من الله ، إنّي أُجاهد أو أُهاجر إلى الشام ولا أزال فيها حتّى يدركني الموت.

قال : فقلت له : لقد أفلحت إذاً ؛ ولكنّي أرى فيك غير هذا.

قال : فقال لي : ما رأيت فيَّ؟

فقلت : كأنّي بك أتيت الشام ، أتيت معاوية فدخلت عليه فانتسبت له ، فقلت : أنا النعمان بن بشير بن سعد ، وخالي عبد الله بن رواحة.

فتقول له أُقاويل وتحدّثه بالخرافات ، فيستعملك على مدينةٍ إمّا أن تهلكهم وإمّا أن يهلكوك(١) .

هذا مجمل التعريف بالرجل ، وسيأتي مزيد الكلام عليه في محلّه.

__________________

(١) تاريخ دمشق ٦٢ / ١٢٥ ، تهذيب الكمال ١٩ / ١٠٠ ـ ١٠١ رقم ٧٠٣٢

٨٧
٨٨

الفصل الثاني :

تصفية الشيعة في الكوفة

٨٩
٩٠

أدوار الولاة

وقد كان لكلّ واحدٍ من هؤلاء دور في تنفيذ مخطّطات معاوية والتمهيد لوصوله إلى مآربه فقام كلّ واحدٍ بالإجراءات اللازمة وتطبيق التعليمات المعيّنة

أمّا المغيرة ، فقد احتملنا قويّاً أنّ اقتراحه على معاوية بالعهد ليزيد كان بالتنسيق مع معاوية

وأمّا النعمان بن بشير ، فتأتي الإشارة إلى الدور الذي قام به في سبيل القضاء على سيدنا مسلم بن عقيل وأصحابه في الباب الثاني.

والكلام الآن على دور زياد بن أبيه وأفعاله ، ومن أهمّها القضاء على رجالات الشيعة في الكوفة ، حتّى لا تبقى معارضة قوية لولاية يزيد ، ولا يبقى أنصار للإمام الحسين الشهيد.

دور زياد في القضاء على رجالات الشيعة

فكم من شخصيّة شيعية بارزة ومن رؤساء القبائل العربية في الكوفة ، استشهد على يد زياد ، أو سجن ، أو شُرّد في البلاد! وكم قطع الأيدي والأرجل وسمل الأعين!

٩١

قتل حُجر بن عديّ الكندي

ولعلّ من أهمّ وأقدم إجراءات زياد في الكوفة : قتله حجراً وعمرَو بن الحَمِق.

أمّا حُجر بن عديّ ، فهو من أجلّاء أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل لقد وصفه بعضهم بقوله : «هو راهب أصحاب محمّد»(١) .

ترجم له كبار المؤرّخين والرجاليّين :

قال ابن عبد البرّ : «كان من فضلاء الصحابة ، وصغر سنّه عن كبارهم ، وكان على كندة يوم صِفّين ، وكان على الميسرة يوم النهروان»(٢) .

وقال ابن حجر : «شهد القادسية ، وإنّه شهد بعد ذلك الجمل وصِفّين ، وصحب عليّاً فكان من شيعته ، وقُتل بمرج عذراء(٣) بأمر معاوية»(٤) .

وقال ابن الأثير : «كان من فضلاء الصحابة ، وكان على كندة بصِفّين ، وعلى الميسرة يوم النهروان ، وشهد الجمل أيضاً مع عليٍّ ، وكان من أعيان

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٣١ كتاب معرفة الصحابة

(٢) الاستيعاب ١ / ٣٢٩ رقم ٤٨٧

(٣) مرج عذراء : من قرى غوطة دمشق ، تقع في الشمال الشرقي منها ، وتبعد عنهاخمسة عشر ميلاً تقريباً ، وبها قبر حجر بن عديّ وأصحابه في مسجدها ، ولا تزال إلى يومنا هذا ، وأخطأ من زعم أنّه دُفن مع أصحابه بمسجد السادات الموجود في حيّ مسجد الأقصاب.

انظر : معجم ما استعجم ٣ / ٩٢٦ ـ ٩٢٧ ، معجم البلدان ٤ / ١٠٣ رقم ٨٢٥١ ، مراصد الاطّلاع ٢ / ٩٢٥

(٤) الإصابة ٢ / ٣٧ رقم ١٦٣١

٩٢

أصحابه»(١) .

وقال ابن كثير : «وفد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان هذا الرجل من عبّاد الناس وزهّادهم ، وكان بارّاً بأُمّه ، وكان كثير الصلاة والصيام ما أحدث قطّ إلّاتوضّأ ، ولا توضّأ إلّاصلّى ركعتين»(٢) .

وقال الذهبي : «كان شريفاً ، أميراً مطاعاً ، أمّاراً بالمعروف ، مقدِماً على الإنكار ، من شيعة عليٍّ رضي الله عنهما ، شهد صِفّين أميراً ، وكان ذا صلاحٍ وتعبُّد»(٣) .

قال أحمد بن حنبل : «قلت ليحيى بن سليمان : أَبلَغك أنّ حُجراً كان مستجاب الدعوة؟ قال : نعم ، وكان من أفاضل أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٤) .

وقال ابن سعد : «كان ثقة معروفاً ، ولم يرو عن غير عليٍّ شيئاً»(٥) .

قال الحاكم : «قُتل في موالاة عليّ»(٦) .

وقد ذُكرت كيفيّة قتله في مختلف الكتب بالتفصيل(٧) .

وكان زياد قد ألقى القبض على أربعة عشر رجلاً من أصحاب حُجر

__________________

(١) أُسد الغابة ١ / ٤٦١ رقم ١٠٩٣

(٢) البداية والنهاية ٨ / ٤١ حوادث سنة ٥١ ه

(٣) سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٦٣ رقم ٩٥

(٤) الاستيعاب ١ / ٣٣١

(٥) الطبقات الكبرى ٦ / ٢٤٤ رقم ٢٢١٢

(٦) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٣٤ ح ٥٩٨٣

(٧) انظر مثلاً : تاريخ الطبري ٣ / ٢١٨ ـ ٢٣٣ ، الأغاني ١٧ / ١٣٧ ـ ١٥٩ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٢٦ ـ ٣٣٨ ، البداية والنهاية ٨ / ٤٠ ـ ٤٥

٩٣

وأرسلهم معه إلى الشام ، فَقَتَل معاوية منهم خمسة مع حُجر ، وهم : شريك ابن شدّاد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة بن ضبيعة العبسي ، ومحرز بن شهاب السعدي ثمّ المنقري ، وكدام بن حيان العنزي.

وبعث معاوية عبد الرحمن بن حسّان العنزي إلى زياد ، فدفنه بالكوفة حيّاً.

وأمّا السبعة الآخرون وهم : عبد الله بن حوية التميمي ، وسعيد بن نمران الهمداني ، وكريم بن عفيف الخثعمي ، وعاصم بن عوف البجلي ، وورقاء بن سمي البجلي ، والأرقم بن عبد الله الكندي ، وعتبة بن الأخنس ، فقد شفع فيهم بعض الشخصيات عند معاوية فأطلقهم(١) .

وبما أنّ حُجراً كان من الصحابة الأجلّاء ، فقد احتاجوا لإلقاء القبض عليه وقتله إلى إقامة الشهادة على إبائه من البراءة من أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، هذا الجرم الكبير الذي يُستحقُّ به القتل!! فكان من الشهود جمع كبير من الصحابة وأبناء الصحابة وسائر الشخصيات من الحزب الأُموي والخوارج ، منهم :

عمرو بن حريث

خالد بن عرفطة

أبو بردة بن أبي موسى الأشعري

قيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة

إسحاق بن طلحة بن عبيد الله

موسى بن طلحة بن عبيد الله

__________________

(١) تاريخ دمشق ٨ / ٢٧

٩٤

إسماعيل بن طلحة بن عبيد الله

المنذر بن الزبير بن العوّام

عمر بن سعد بن أبي وقّاص

عمارة بن عقبة بن أبي معيط

شبث بن ربعي

القعقاع بن شور الذهلي

حجّار بن أبجر العجلي

عمرو بن الحجّاج الزبيدي

شمر بن ذي الجوشن

زحر بن قيس

كثير بن شهاب

عامر بن مسعود بن أُميّة بن خلف

محرز بن جارية بن ربيعة بن عبد العزّى بن عبد شمس

عبيد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي

عناق بن شرحبيل بن أبي دهم

وائل بن حجر الحضرمي

مصقلة بن هبيرة الشيباني

قطن بن عبد الله بن حصين الحارثي

السائب بن الأقرع الثقفي

لبيد بن عطارد التميمي

محضر بن ثعلبة

٩٥

عبد الرحمن بن قيس الأسدي

عزرة بن عزرة الأحمسي(١) .

وكان وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب الحارثي على رأس الجماعة الّذين أخذوا حُجراً وأصحابه إلى معاوية.

وإنّما ذكرنا أسماء الشهود لنقاطٍ :

١ ـ ليُعلم أنّ الصحابي أو التابعي قد يشهد شهادة زورٍ ويشترك في قتل النفس المحترمة!

٢ ـ ولأنّ جماعةً كبيرةً من هؤلاء تجد أسماءهم في قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، وفي من حضر واقعة كربلاء لقتل سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد الشهداء.

٣ ـ وهم من رجال الصحاح الستّة عند أهل السُنّة الموثوقين المعتمدين ، فاعرف قيمة كتبهم وعمّن يأخذون أحكامهم!!

هذا ، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أخبر عن هذه الواقعة كما في رواية ابن عساكر : «عن أبي الأسود ، قال : دخل معاوية على عائشة فقالت : ما حملك على قتل حُجر وأصحابه؟ فقال : يا أُمّ المؤمنين! إنّي رأيت قتلهم صلاحاً للأُمّة ، وأنّ بقاءَهم فسادٌ للأُمّة.

فقالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : سيُقتل بعذراء ناس يغضب اللهُ لهم وأهلُ السماء»(٢) .

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٢٠ ـ ٢٣١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٢٦ ـ ٣٣٨ ، البداية والنهاية ٨ / ٤٠ ـ ٤٥

(٢) تاريخ دمشق ١٢ / ٢٢٦ ، وانظر : بغية الطلب ٥ / ٢١٢٩ ، كنز العمّال ١١ / ١٢٦ ح ٣٠٨٨٧ ، الجامع الصغير : ٢٩٣ ح ٤٧٦٥

٩٦

وأخبر بذلك أمير المؤمنين ، فقد روى ابن عساكر : «عن ابن زرير الغافقي ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : يا أهل الكوفة! سيُقتل فيكم سبعة نفر من خياركم ، مثلهم كمثل أصحاب الأُخدود»(١) .

ومن العجب قوله لعائشة : «إنّي رأيت قتلهم صلاحاً للأُمّة ...» حتّى إذا أوشك على الموت قال : «يومي منك يا حُجر طويل»(٢) ، وفي روايةٍ أُخرى قال : «ما قتلت أحداً إلّاوأنا أعرف فيمَ قتلته وما أردت به ، ما خلا حُجر بن عديّ ، فإنّي لا أعرف فيما قتلته؟!»(٣) .

وأيضاً ، فقد روي أنّه لمّا قالت له عائشة : «يا معاوية ، أما خشيت الله في قتل حُجر وأصحابه؟» قال : «لستُ أنا قتلتهم ، إنّما قتلهم من شهد عليهم»(٤) .

وأوصى حُجر بأنْ يدفنوه بثيابه ودمائه قائلاً : «لا تغسلوا عنّي دماً ، ولا تطلقوا عنّي حديداً ، وادفنوني في ثيابي ، فإنّي ألتقي أنا ومعاوية على الجادّة غداً»(٥) .

قتل عمرو بن الحَمِق

وأمّا عمرو بن الحَمِق الخزاعي فمن مشاهير الصحابة أيضاً

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٢ / ٢٢٧

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٢٠ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٣٨

(٣) تاريخ دمشق ١٢ / ٢٣١ ، بغية الطلب ٥ / ٢١٢٧

(٤) تاريخ الطبري ٣ / ٢٣٢ ، الاستيعاب ١ / ٣٣١

(٥) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ / ١٣٩ ب ٢٩ ح ٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٣٣ ح ٥٩٧٩

٩٧

ترجم له كبار المؤرّخين وعلماء الرجال :

قال ابن عبد البرّ : «صحب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحفظ عنه أحاديث»(١) .

وقد اتّفقوا على أنّه كان من شيعة أمير المؤمنين ، وشهد معه حروبه.

روى ابن عساكر : «لمّا قدم زياد الكوفة أتاه عمارة بن عقبة بن أبي معيط فقال : إنّ عمرو بن الحَمِق يجتمع إليه من شيعة أبي تراب.

فقال له عمرو بن حريث : ما يدعوك إلى رفع ما لا تيقّنه ولا تدري ما عاقبته؟!

فقال زياد : كلاكما لم يصب ، أنت حيث تكلّمني في هذا علانيةً ، وعمرو حين يردّك عن كلامك ، قوما إلى عمرو بن الحَمِق فقولا له : ما هذه الزرافات التي تجتمع عندك؟! من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد»(٢) .

واتّفقوا أيضاً على أنّه لمّا قبض زياد على حُجر بن عديّ ، هرب إلى الموصل واختفى هناك.

ثمّ حاول بعضهم التكتّم على واقع الأمر ، فزعم أنّه «نهشته حيّة فمات»(٣)

لكنّهم عادوا فاتّفقوا على أنّه قد بُعث برأسه إلى معاوية ، فكان أوّل رأس أُهدي في الإسلام(٤) ، ومنهم من صرَّح بأنّ زياداً هو الذي بعث به

__________________

(١) الاستيعاب ٣ / ١١٧٣ ـ ١١٧٤ رقم ١٩٠٩

(٢) تاريخ دمشق ٤٥ / ٤٩٨ ، وانظر : الكامل في التاريخ ٣ / ٣١٨

(٣) الإصابة ٤ / ٦٢٤ رقم ٥٨٢٢

(٤) الثقات ٣ / ٢٧٥ ، تاريخ دمشق ٤٥ / ٤٩٦ ، أُسد الغابة ٣ / ٧١٥ رقم ٣٩٠٦

٩٨

إليه(١)

ولكنِ انظر إلى كلام علماء السوء المدافعين عن الظالمين ، الشركاء لهم في ظلمهم ، يقول ابن عساكر : «كان أوّل رأس أُهدي في الإسلام رأس عمرو بن الحَمِق ، أصابته لدغة فتوفّي ، فخافت الرسل أن يُتّهموا به فقطعوا رأسه فحملوه إلى معاوية»(٢) .

لكنّ الحقيقة تنكشف وتجري على ألسنتهم :

فقال ابن حجر : «قال خليفة : قُتل سنة إحدى وخمسين ، وأنّ عبد الرحمن بن عثمان الثقفي قتله بالموصل وبعث برأسه»(٣) .

وقال الطبري : «... وزياد ليس له عمل إلّاطلب رؤساء أصحاب حُجر ، فخرج عمرو بن الحَمِق ورفاعة بن شدّاد حتّى نزلا المدائن ، ثمّ ارتحلا حتّى أتيا أرض الموصل ، فأتيا جبلاً فكمنا فيه ، وبلغ عامل ذلك الرستاق أنّ رجلين قد كمنا في جانب الجبل ، فاستنكر شأنهما وهو رجل من همدان يقال له : عبد الله بن أبي بلتعة ، فسار إليهما في الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد ، فلمّا انتهى إليهما خرجا ، فأمّا عمرو بن الحَمِق فكان مريضاً وكان بطنه قد سقي ، فلم يكن عنده امتناع ، وأمّا رفاعة بن شدّاد ـ وكان شابّاً قوياً ـ فوثب على فرس له جواد فقال له : أُقاتل عنك؟ قال : وما ينفعني أن تقاتل؟ أنْجُ بنفسك إن استطعت ؛ فحمل عليهم فأفرجوا له ، فخرج تنفر به فرسه وخرجت الخيل في طلبه وكان رامياً ، فأخذ لا يلحقه

__________________

(١) الإصابة ٤ / ٦٢٤ رقم ٥٨٢٢

(٢) تاريخ دمشق ٤٥ / ٤٩٦

(٣) الإصابة ٤ / ٦٢٤ رقم ٥٨٢٢ ، وانظر : الطبقات ـ لابن خيّاط ـ : ١٨٠ رقم ٦٦٣ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٥٩ حوادث سنة ٥٠ ه

٩٩

فارس إلّارماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه!

وأُخذ عمرو بن الحَمِق ، فسألوه من أنت؟ فقال : مَن إن تركتموه كان أسلم لكم ، وإن قتلتموه كان أضرَّ لكم! فسألوه فأبى أن يخبرهم ، فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي ، فلمّا رأى عمرو بن الحَمِق عرفه وكتب إلى معاوية بخبره ، فكتب إليه معاوية أنّه زعم أنّه طعن عثمان بن عفّان تسع طعنات بمشاقص كانت معه ، وإنّا لا نريد أن نعتدي عليه ، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان! فأُخرج فطعن تسع طعنات ، فمات في الأُولى منهنّ أو الثانية»(١) .

لكنّ أبا داود يروي ـ مرسلاً ـ عن الزهري ـ وهو شرطي بني أُميّة ـ أنّه أراد التكتّم أيضاً بنفي حمل رأسه إلى الشام(٢) !

لكنّ الطبراني قد أخرج في «المعجم الأوسط» الخبر التالي :

«... أنّه سمع عمرو بن الحَمِق يقول : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسرية فقالوا : يا رسول الله! إنّك تبعثنا وليس لنا زاد ولا لنا طعام ، ولا علم لنا بالطريق!

فقال : إنّكم ستمرُّون برجل صبيح الوجه ، يطعمكم من الطعام ويسقيكم من الشراب ، ويدلّكم على الطريق ، وهو من أهل الجنّة!

فلمّا نزل القوم علَيَّ جعل بعضهم يشير إلى بعض وينظرون إليَّ فقلت : ما بكم يشير بعضكم إلى بعض وتنظرون إليَّ؟!

فقالوا : أبشر ببشرى من الله ورسوله ، فإنّا نعرف فيك نعت رسول الله

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٢٢٤

(٢) سبل الهدى والرشاد ٤ / ٨٧ للحافظ الصالحي الدمشقي ، ونصّ على أنّه في كتاب المراسيل

١٠٠

كافية لوجوب قبول حديث الولاية المخرج في المسند، ووافية بالردّ على من طعن فيه

وقال ابن الجوزي في ( كتاب الموضوعات ): « فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإِسلام: كالموطأ، ومسند أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود، والترمذي، ونحوها، فانظر فيه، فإن كان له نظير في الصحاح والحسان فرتّب أمره، وإن ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمّل رجال إسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمّى بالضعفاء والمتروكين، فإنّك تعرف وجه القدح فيه »(١). .

وفي هذه العبارة عدّ المسند من دواوين الإسلام، وذكره في عداد الموطأ والصحيحين وغيرها من الكتب غير المحتاج إلى نظر والتأمّل في أسانيد أخبارها

اعتماد أبناء روزبهان وتيمية وحجر على ابن الجوزي

فهذا حكم ابن الجوزي في كتابه الموضوعات ولكم اعتمد أمثال أبناء تيميّة وروزبهان وحجر على أحكام ابن الجوزي في كتابه المذكور، خاصّةً في باب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل البيت وكذلك صاحب الصواقع و ( الدهلوي ) وأتباعهما ولنذكر نبذة من موارد اعتماد القوم على آراء ابن الجوزي:

قال أبو المؤيد الخوارزمي في أوائل كتابه ( جامع مسانيد أبي حنيفة ): « والدليل على ما ذكرنا أن التعديل متى ترجّح على الجرح يجعل الجرح كأن لم يكن، وقد ذكر ذلك إمام أئمة التحقيق ابن الجوزي في كتاب التحقيق في أحاديث التعليق ».

__________________

(١). الموضوعات ١ / ٩٩.

١٠١

وقال ابن الوزير الصنعاني - في الاُمور الدالة على عدم جواز تكفير أحمد بسبب الإِعتقاد بالتشبيه -: « ومنها - إنّه قد ثبت بالتواتر أنّ الحافظ ابن الجوزي من أئمّة الحنابلة وليس في ذلك نزاع، ولا شك أن تصانيفه في المواعظ وتواليفه في الرقائق مدرس فضلائهم وتحفة علمائهم، فبها يتواعظون ويخطبون، وعليها في جميع أحوالهم يعتمدون، وقد ذكر ابن الجوزي في كتبه هذه ما يقتضي نزاهتهم عن هذه العقيدة، وأنا أورد من كلامه في ذلك »(١). .

وقال ابن حجر المكي - بعد حديث أنا مدينة العلم -: « وقد اضطرب الناس في هذا الحديث، فجماعة منهم ابن الجوزي والنووي وناهيك بهما معرفةً بالحديث وطرقه »(٢). .

وقال ( الدهلوي ) في جواب حديث أنا مدينة العلم: « وذكره ابن الجوزي في الموضوعات».

وقال ابن روزبهان - في بحث حديث النور -: « ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب الموضوعات »(٣). .

وقال ابن تيمية في حديث: « أنت أخي ووصيي »: « قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الموضوعات »(٤). .

ثناء ابن خلكان على ابن الجوزي

وأثنى ابن خلكان على ابن الجوزي وبالغ في إطرائه حيث ترجمه، وهذه خلاصتها:

__________________

(١). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

(٢). الصواعق المحرقة: ١٨٩.

(٣). إبطال الباطل - مخطوط.

(٤). منهاج السنّة ٤ / ٩٥.

١٠٢

« أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي الفقيه الحنبلي، الواعظ الملقب جمال الدين، الحافظ، كان علّامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنف في فنون عديدة منها فكتبه أكثر من أن تعد، وكتب بخطّه شيئاً كثيراً وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان سنة ٥٩٧ ببغداد، ودفن بباب حرب »(١). .

ثناء الذهبي على ابن الجوزي

وكذلك الذهبي حيث قال:

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق المفسّر صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم حدّث عنه: ابنه الصاحب محيي الدين، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي، والحافظ عبد الغني، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل والتقي البلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف، وخلق سواهم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنف هذا الرجل حصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط »(٢). .

ثناء السيوطي على ابن الجوزي

والسيوطي أيضاً أثنى عليه كذلك، قال:

__________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ١٤٠.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٤٢.

١٠٣

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق، جمال الدين أبو الفرج صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنّف، وحصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط. قيل: إنّه حضره في بعض المجالس مائة ألف، وحضره ملوك ووزراء وخلفاء، وقال: كتبت بإصبعي ألف مجلّد، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفاً »(١). .

كلام ابن الوزير في مدح المسند

وقال محمّد بن إبراهيم الصّنعاني المعروف بابن الوزير - بعد ذكر عبارة ابن دحية حول استشهاد الإِمام الحسين بن عليعليهما‌السلام -: « وفيما ذكره ابن دحية اُوضح دليل على براءة المحدّثين وأهل السنّة فيما افتراه عليهم المعترض من نسبتهم إلى التشيع ليزيد وتصويب قتله الحسين. كيف؟ وهذه رواياتهم مفصحة بضد ذلك كما بيّناه، في مسند أحمد، وصحيح البخاري، وجامع الترمذي، وأمثالها.

وهذه الكتب هي مفزعهم وإلى ما فيها مرجعهم، وهي التي يخضعون لنصوصها ويقصرون التعظيم عليها بخصوصها »(٢). .

وعليه، فمسند أحمد مفزع المحدّثين وإليه مرجعهم وهم خاضعون لنصوصه والأحاديث المروية فيه فويل ( للدهلوي ) المقلّد ( للكابلي ) التابع ( لابن تيمية ) هؤلاء الذين أبطلوا حديث الولاية المخرّج في ( المسند ) و ( جامع الترمذي ) وأمثالهما فإنّهم خرجوا عن طريقة المحدّثين،

__________________

(١). طبقات الحفّاظ: ٤٨٠.

(٢). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

١٠٤

وشقّوا عصا المجمعين، وخالفوا سنّة رسول ربّ العالمين.

كلام أبي مهدي المغربي في مدح المسند

وقال أبو مهدي عيسى بن محمّد المغربي - وهو أحد المشايخ السبعة الذين يفتخر شاه ولي الله الدهلوي باتّصال أسناده إليهم - في مدح كتاب ( المسند ) ما نصّه:

« وألّف مسنده، وهو أصل من اُصول هذه الاُمة، جمع فيه ما لم يتّفق لغيره وله التصانيف الفائقة، فمنها المسند، وهو ثلاثون ألفاً وبزيادة ابنه عبد الله أربعون ألف حديث وقال فيه - وقد جمع أولاده وقرأه عليهم -: هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فارجعوا إليه، فإنْ وجدتموه فيه وإلّا ليس بحجة »(١). .

كلام عبد الحق الدهلوي في مدح المسند

وقال الشيخ عبد الحقّ الدّهلوي في وصف المسند:

« ومسند الإِمام أحمد معروف بين الناس، جمع فيه أكثر من ثلاثين ألف حديث، وكان كتابه في زمانه أعلى وأرفع وأجمع الكتب »(٢). .

__________________

(١). مقاليد الأسانيد - ترجمة أحمد بن حنبل

(٢). رجال المشكاة - ترجمة أحمد بن حنبل

١٠٥

كلام ولي الله الدهلوي في مدح المسند

وقال عبد الرحيم الدهلوي والد ( الدهلوي ): « الطبقة الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها، كان مصنّفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث، لم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم، فتلقاها من بعدهم بالقبول واعتنى بها المحدّثون والفقهاء طبقة بعد طبقةً، واشتهرت فيما بين الناس وتعلّق بها القوم شرحا لغريبها وفحصا عن رجالها واستنباطا لفقهها، وعلى تلك الأحاديث بناء عامّة العلوم، كسنن أبي داود وجامع الترمذي ومجتبى النسائي. وهذه الكتب مع الطبقة الاُولى اعتنى بأحاديثها رزين في تجريد الصّحاح، وابن الأثير في جامع الأصول.

وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإن الإِمام أحمد جعله أصلاً يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه فلا تقبلوه »(١). .

كلام ( الدهلوي ) في مدح المسند

و ( الدهلوي ) نفسه مدح المسند كذلك، ونقل حكاية جمع أحمد أولاده وقراءته عليهم المسند وما قال لهم في وصفه(٢). .

__________________

(١). حجّة الله البالغة - طبقات كتب الحديث.

(٢). بستان المحدّثين - ترجمة أحمد

١٠٦

(٤)

رواية الترمذي

وأخرج الترمذي حديث الولاية في صحيحه قائلاً:

« حدّثنا قتيبة بن سعيد، نا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلّموا على النبيّ، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ثم قام الثاني، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا: فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إن علياً منّي وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمنٍ من بعدي.

هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث جعفر بن سليمان »(١). .

__________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٢.

١٠٧

وثاقة رجال الإِسناد

ورجال هذا السند كلّهم ثقات بلا كلام:

١ - الترمذي

أما الترمذي نفسه، فغني عن التعريف، وإنْ شئت الوقوف على طرفٍ من كلماتهم في مدحه والثناء عليه وتوثيقه والإِستناد إليه، فراجع الكتب الرجاليّة وغيرها، مثل:

١ - سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٠.

٢ - تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٣٣.

٣ - الوافي بالوفيات ٤ / ٢٩٤.

٤ - تهذيب التهذيب ٩ / ٣٨٧.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ٦٦.

٦ - العبر ٢ / ٦٢.

٧ - النجوم الزاهرة ٣ / ٨٨.

٨ - طبقات الحفّاظ: ٢٧٨.

٩ - وفيات الأعيان ٤ / ٢٧٨.

١٠ - شذرات الذهب ٢ / ١٧٤.

١١ - مرآة الجنان ٢ / ١٩٣.

١٢ - الكامل في التاريخ ٧ / ١٥٢.

١٣ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ٥٩.

١٤ - اللباب في الأنساب ١ / ١٧٤.

١٠٨

٢ - قتيبة بن سعيد

وأما قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، فهو محدّث جليل القدر، روى عنه الشيخان وغيرهما:

السمعاني: « قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله البغلاني، المحدّث المشهور في الشرق والغرب، له رحلة إلى: العراق، والحجاز، والشام، وديار مصر، وعمّر العمر الطويل حتى كتب عنه البطون، ورحل إليه أئمة الدنيا من الأمصار.

سمع مالك بن أنس، والليث، وأقرانهما.

روى عنه الأئمّة الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو عيسى، وأبو عبد الرحمن، ومن لا يحصى كثرة »(١). .

الذهبي: « قال أبو بكر الأثرم: وسمعته - يعني أحمد بن حنبل - ذكر قتيبة فأثنى عليه وقال: هو آخر من سمع من ابن لهيعة. وقال أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة. زاد النسائي: صدوق. وقال أبو داود: قدم قتيبة بغداد سنة ١٦ فجاء، أحمد ويحيى، وقال ابن خراش: صدوق وقال عبد الله بن محمّد بن سيّار الفرهاني: قتيبة صدوق ليس أحد من الكبار إلّا وقد حمل عنه بالعراق »(٢). .

٣ - جعفر بن سليمان

٤ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - البغلاني ٢ / ٢٥٧.

(٢). تذهيب تهذيب الكمال - مخطوط

١٠٩

٥ - مطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفتهم سابقاً فلا نكرّر

(٥)

رواية النسائي

ورواه أبو عبد الرحمن النسائي بإسناده قائلاً:

« ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا جعفر - يعني ابن سليمان - عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ».

« ثنا واصل بن عبد الأعلى، عن ابن فضيل، عن الأجلح، عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إلى اليمن مع خالد ابن الوليد وبعث علياً على آخر، وقال: إن التقيتما فعليّ على الناس، وإن تفرّقتما فكل واحدٍ منكما على جنده، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، وظفر المسلمون على المشركين، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - وأمرني أن أنال منه. قال: فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي، فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجلٍ وألزمتني بطاعته فبلّغت ما اُرسلت به. فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لي:

لا تقعنَّ يا بريدة في علي، فإنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي »(١). .

وثاقة رجال السند

هذا، وقد روى النسائي في هذا الحديث بطريقين، أوّلهما هو عين سند

__________________

(١). خصائص علي بن أبي طالب: ٧٥.

١١٠

الترمذي المتقدّم الذي عرفت وثاقة رجاله فلا حاجة إلى الإِعادة.

ترجمة النسائي

والنسائي نفسه، وإنْ كان غنياً عن التّعريف، لإِجماع القوم على توثيقه والثناء عليه وعلى كتبه وعلومه حتى أنّ الدار قطني قدّمه على جميع محدّثي زمانه كما في ( تذكرة الحفّاظ )، وقال الذهبي ووالد السبكي: بأنّه أحفظ من مسلم بن الحجاج كما في ( مقاليد الأسانيد ) ولكن لا بأس بإيراد بعض الكلمات في حقّه عن كتاب تذكرة الحفّاظ للذهبي باختصار:

« النسائي، الحافظ الإِمام، شيخ الإِسلام، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب برع في هذا الشأن وتفرّد بالمعرفة والإِتقان وعلوّ الإِسناد قال حافظ خراسان أبو علي النيسابوري: ثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي. قال أحمد بن نصر أبو طالب الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ قال الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدّم على كلّ من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. وقال محمّد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار قال الدار قطني: كان أبو بكر الشافعي كثير الحديث ولم يحدّث عن غير النسائي وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله وكانت وفاته في شعبان سنة ٣٠٣. وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال. قال أبو سعيد بن يونس في تاريخه: كان النسائي إماماً حافظاً ثبتاً »(١). .

وإنْ شئت المزيد فراجع:

وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٨.

١١١

الوافي بالوفيات ٦ / ٤١٦.

مرآة الجنان ٢ / ٢٤٠.

طبقات الشّافعية للسبكي ٣ / ١٤.

طبقات الحفّاظ: ٣٠٣.

وغيرها من كتب التاريخ والرجال

اعتبار كتاب الخصائص

وكتاب ( خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ) للنسائي من أنفس الكتب وأجلّها وأشهرها ألّفه النسائي لمـّا دخل دمشق ووجد المنحرف بها عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيراً

وقد اعتمد علماء أهل السنّة على هذا الكتاب ونقلوا عنه، كما أنّ غير واحدٍ منهم ذكروه في بحوثهم مستشهدين به على ولاء أهل السنّة لأهل البيتعليهم‌السلام كما أنّا قد بيّنا في بعض المجلّدات السّابقة - وعلى ضوء كلمات القوم - أن ( خصائص أمير المؤمنين ) للحافظ النسائي إنّما هو قطعة من ( سننه ) الكبير، فتكون الأحاديث الواردة فيه من أحد ( الصحّاح الستّة ) عندهم.

١١٢

(٦)

رواية الحسن بن سفيان النسوي

ورواه الحسن بن سفيان النسوي البالوزي، كما جاء في كتاب الوصابي اليمني حيث روى:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، والحسن بن سفيان في فوائده، وأبو نعيم في فضائل الصحابة »(١). .

ترجمة الحسن بن سفيان

والحسن بن سفيان من أكابر المحدّثين الثقات كما يظهر من ترجمته:

١ - السمعاني: « البالوزي - بفتح الباء الموحّدة بعدها الألف واللّام والواو وفي آخرها الزاء - هذه النسبة إلى بالوز، وهي قرية من قرى نسا على ثلاث أو أربع فراسخ منها.

خرجت إليها لزيارة قبر أبي العباس الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء الشيباني البالوزي النسوي من قرية بالوز.

كان محدّث خراسان في عصره، وكان مقدّماً في الفقه والعلم والأدب، وله الرحلة إلى: العراق، والشام، ومصر، والكوفة وصنّف: المسند

__________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب - مخطوط.

١١٣

الكبير، والجامع، والمعجم. وهو الرّاوية بخراسان لمصنفات الأئمة وكانت إليه الرحلة بخراسان من أقطار الأرض. سمع منه: أبو حاتم محمّد بن حبان البستي، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ، وإمام الأئمة أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة ومات في سنة ٣٠٣ وقبره بقرية بالوز مشهور يزار، زرته »(١). .

٢ - الذهبي: « الحسن بن سفيان بن عامر، الحافظ الإِمام، شيخ خراسان قال الحاكم: كان محدّث خراسان في عصره، متقدّماً في التثبّت والكثرة والفهم والفقه والأدب. وقال ابن حبان: كان الحسن ممّن رحل وصنّف وحدّث على تيقّظ، مع صحة الديانة والصلابة في السنّة. وقال أبو بكر أحمد ابن الرازي الحافظ: ليس للحسن في الدنيا نظير »(٢). .

وكذلك ترجم له السبكي وابن قاضي شهبة في ( طبقاتهما ) والسيوطي في ( طبقات الحفّاظ ) حيث ذكروا كلمة الحاكم وغيره في مدحه، ووصفوه بالحفظ والأمامة والتثبّت، وكذلك تجد ترجمته في غيرها من الكتب.

(٧)

رواية أبي يعلى الموصلي

ورواه أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي حيث قال:

« حدّثنا عبيد الله، ثنا جعفر بن سليمان، نا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -

__________________

(١). الأنساب - البالوزي ٢ / ٥٨.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٣.

١١٤

سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، قال: فمضى على السرية. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفرٍ أو من غزوةٍ أتوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قبل أنْ يأتوا منازلهم، فأخبروه بمسيرهم. قال: فأصاب علي جاريةً، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إذا قدموا على رسول الله ليخبروا به. قال: فقدمت السرية على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فأخبروه بمسيرهم، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، أصاب علي جاريةً. فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

قال: ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله، صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا.

قال: فأقبل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - مغضباً والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ علي منّي فأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

وثاقة رجال الإسناد

ولا يخفى وثاقة رجال هذا السند:

١ - عبيد الله القواريري

أمّا عبيد الله، فهو عبيد الله بن عمر القواريري:

__________________

(١). مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ رقم ٣٥٥.

١١٥

السمعاني: « كان ثقةً صدوقاً، مكثراً من الحديث روى عنه: أبو قدامة السرخسي، ومحمّد بن إسحاق الصنعاني، وأبو داود السجستاني، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو القاسم البغوي، وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم.

وكان أحمد بن سيّار المروزي يقول: لم أر في جميع من رأيت مثل مسدّد بالبصرة، والقواريري ببغداد، وصدقة بمرو. وثّقه يحيى بن معين وغيره. وقال أبو علي جزرة الحافظ: القواريري. أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة، وما رأيت أحدا أعلم بحديث البصرة منه.

وتوفي في ذي الحجة سنة ٢٣٥ »(١). .

الذهبي: « خ م د س - عبيد الله بن عمر القواريري، أبو سعيد البصري الحافظ. حدّث بمائة ألف حديث. سمع: حماد بن زيد، وأبا عوانة، وخلقا. وعنه: خ م د، والفريابي، والبغوي، وخلق. وكان يذكر مع مسدّد والزهراني. مات في ذي الحجة ٢٣٥ »(٢). .

ابن حجر: « وعنه: البخاري ومسلم وأبو داود قال ابن معين والعجلي والنسائي: ثقة. وقال صالح جزرة: ثقة صدوق قال: وهو أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. وقال أبو حاتم: صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. وقال مسلمة بن قاسم: ثقة. وفي الزهرة: روى عنه البخاري خمسة، ومسلم أربعين »(٣). .

٢ - جعفر بن سليمان

٣ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - القواريري

(٢). الكاشف ٢ / ٢٠٣ وانظر العبر ودول الإسلام حوادث سنة ٢٣٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٦ وانظر تقريب التهذيب أيضاً ١ / ٥٣٧.

١١٦

٤ - المطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفت وثاقتهم وشيئاً من مناقبهم فيما سبق.

ترجمة أبي يعلى

ولنذكر طرفاً من كلماتهم في الثناء على أبي يعلى الموصلي:

١ - ابن حبّان: « أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي أبو يعلى، من أهل الموصل، من المتقنين في الروايات والمواظبين على رعاية الدين وأسباب الطاعات. مات سنة ٣٠٧ »(١). .

٢ - الذهبي: « أبو يعلى الموصلي، الحافظ الثقة، محدّث الجزيرة قال يزيد بن محمّد الأزدي: كان أبو يعلى من أهل الصّدق والأمانة والدين والعلم ووثقه ابن حبان ووصفه بالإِتقان والدين ثم قال: وبينه وبين النبيّ ثلاثة أنفس. وقال الحاكم: كنت أرى أبا علي الحافظ معجبا بأبي يعلى وإتقانه وحفظه لحديثه حتى كان لا يخفى عليه منه إلّا اليسير. قال الحاكم: هو ثقة مأمون »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « كان ثقة صالحاً متقناً يحفظ حديثه. توفي وله ٩٧ سنة »(٣). .

٤ - الصفدي: « الحافظ صاحب المسند، سمع جماعةً كباراً، وله تصانيف في الزهد وغيره. غلّقت له الأسواق يوم جنازته. وكانت وفاته سنة ٣٠٧ وكنيته أبو يعلى »(٤). .

__________________

(١). الثقات ٨ / ٥٥.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٧.

(٣). العبر حوادث ٣٠٧.

(٤). الوافي بالوفيات ٧ / ٢٤١.

١١٧

وكذلك تجد ترجمته في المصادر الاُخرى، وقد وصفوه جميعاً: بالحافظ الثبت الثقة محدّث الجزيرة صاحب المسند

(٨)

رواية ابن جرير الطبري وتصحيحه

رواه محمد بن جرير الطبري في ( تهذيب الآثار ). فقد ذكر المتّقي ما نصه:

« عن عمران بن حصين: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليها علياً، فغنموا، فصنع علي شيئاً أنكروه. وفي لفظ: فأخذ علي من الغنيمة جاريةً، فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفرٍ بدءوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم. فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر أن علياً قد أخذ من الغنيمة جارية؟ فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع. فأقبل إليه رسول الله يعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي! علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

ش. وابن جرير وصحّحه »(١). .

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٤٢ رقم ٣٦٤٤٤.

١١٨

ترجمة الطبري

ولابن جرير الطبري في كتب القوم تراجم مفصّلة، نلخص بعضها فيما يلي:

١ - ياقوت الحموي: « قال أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد الطبري: كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه، لجمعه من علوم الإِسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحدٍ من هذه الاُمة، ولا ظهر من كتب المصنّفين وانتشر من كتب المؤلّفين ما انتشر له.

وكان راجحاً في علوم القرآن، والقراءات، وعلم التاريخ من الرسل والخلفاء والملوك، واختلاف الفقهاء، مع الرواية لذلك على ما في كتابه:

البسيط، والتهذيب، وأحكام القراءات، من غير تعويل على المناولات والإجازات ولا على ما قيل في الأقوال، بل يذكر ذلك بالأسانيد المشهورة.

وقد بان فضله في علم اللغة والنحو على ما ذكره في كتاب التفسير وكتاب التهذيب مخبراً عن حاله فيه.

وقد كان له قدم في علم الجدل، يدل على ذلك مناقضاته في كتبه على المعارضين لمعاني ما أتى به.

وكان فيه من الزهد والورع والخشوع والأمانة، وتصفية الأعمال وصدق النية وحقائق الأفعال ما دل عليه كتابه في آداب النفوس ».

« كان أبو جعفر يذهب في جلّ مذاهبه إلى ما عليه الجماعة من السلف وطريق أهل العلم المتمسكين بالسّنن، شديداً على مخالفيهم، ماضياً على منهاجهم، لا تأخذه في ذلك ولا في شيء لومة لائم ».

« كان أبو جعفر يذهب في الإِمامة إلى إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وما عليه أصحاب الحديث في التفضيل، وكان يكفّر من خالفه في كلّ مذهب

١١٩

إذا كانت أدلّة العقول تدفع كالقول في القدر، وقول من كفّر أصحاب رسول الله من الروافض والخوارج، ولا يقبل أخبارهم ولا شهاداتهم، وذكر ذلك في كتابه في الشهادات، وفي الرسالة، وفي أول ذيل المذيّل »(١). .

٢ - السمعاني: « وكان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحدُ من أهل عصره، وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيّام الناس وأخبارهم قال أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمّد بن جرير وتوفي سنة ٣١٠ »(٢). .

٣ - النووي: « هو الإِمام البارع في أنواع العلوم، وهو في طبقة الترمذي والنسائي. قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: إستوطن الطبري بغداد فأقام بها حتى توفي، وكان أحد الأئمة والعلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه »(٣). .

٤ - الذهبي: « الإِمام العلم الفرد الحافظ أبو جعفر الطبري، أحد الأعلام وصاحب التصانيف قال أبو بكر الخطيب: كان ابن جرير أحد الأئمة وقال أبو حامد الإسفرائيني: لو سافر رجل إلى الصّين في تحصيل تفسير ابن جرير لم يكن كثيراً قال الفرغاني: بثّ مذهب الشافعي ببغداد سنتين واقتدى به، ثمّ اتّسع علمه وأدّاه اجتهاده إلى ما اختاره في كتبه. وقد عرض عليه القضاء فأبى. قال محمّد بن علي بن سهل الإِمام: سمعت ابن جرير قال: من

__________________

(١). معجم الأدباء ٥ / ٢٥٤ - ٢٦٨.

(٢). الأنساب - الطّبري ٨ / ٢٠٥ - ٢٠٧.

(٣). تهذيب الأسماء واللّغات ١ / ٧٨.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482