موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 498118 / تحميل: 5898
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وقد اقتصرنا على رواية واحدة من هذه الروايات ، سوف ترد في معرض حديث الإمام عليعليه‌السلام عند مروره بكربلاء ، عما حدث ويحدث فيها.

١٧٤ ـ معرفة زكرياعليه‌السلام بما سيجري على الإمام الحسينعليه‌السلام :

الظاهر أن كل الأنبياء كانوا على علم بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقد أطلعهم الله تعالى على مجيء خاتم النبيين وأهل بيتهعليهم‌السلام . فكانوا على علم بالخمسة أصحاب الكساء وأسمائهم ومكانتهم. ومن ذلك ما وجد على لوح سفينة نوحعليه‌السلام فقد وجد مرسوما عليه كف لها خمسة أصابع ، مكتوب عليها :

(محمد ـ إيليا ـ شبّر ـ شبير ـ فاطما)

وكان كل نبي يتوسل بهذه الأسماء المباركة إلى الله تعالى في الملمات والأزمات فيفرج الله عنه. فبهذه الأسماء توسل آدم إلى الله فتاب عليه ، وبها توسل نوحعليه‌السلام حين كادت سفينته تغرق فاستوت على الموج ، وبها دعا يوسفعليه‌السلام دعاء الفرج وهو في السجن ففرج الله عنه وجعله ملكا.

ولذلك لا نستغرب معرفة زكرياعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام ولما سيجري عليه. فحين وهبه الله يحيى بعد أن بلغ من الكبر عتيا ، وقدر له أن يقتل ، واساه بمقتل الحسينعليه‌السلام سبط محمد خاتم الأنبياء وأفضلهم ، وقصّ عليه قصته.

١٧٥ ـ حديث مقتل يحيى بن زكرياعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

«في حديث مقاتل عن علي زين العابدين عن أبيه الحسينعليه‌السلام قال» :

إن امرأة ملك بني اسرائيل(١) كبرت وأرادت أن تزوج بنتها منه للملك (أي هيرودس) ، فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك. فعرفت المرأة ذلك ، وزينت بنتها وبعثتها إلى الملك ، فذهبت ولعبت بين يديه (أي رقصت في مجلس شرابه). فقال لها الملك : ما حاجتك؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا. فقال الملك :

__________________

(١) اسم المرأة (هيروديا) وكانت زوجة فيليبس ، ولدت منه بنتا اسمها (سالومي). ثم عشقها أخوه الملك هيرودس ، فهربت هيروديا معه وتزوجها. والمفهوم من الكلام اللاحق أنها حين كبرت أرادت أن تزوج ابنتها سالومي من الملك أيضا. فاستشار زكريا فأنكر ذلك. فحقدت عليه هيروديا ودبرت له المكيدة لقتلهعليه‌السلام .

٢٠١

يا بنية حاجة غير هذه. قالت : ما أريد غيره. وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه (اعتبر الإخلاف بالوعد هنا كذبا) فخير بين ملكه وبين قتل يحيى ، فقتله. ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها.

وسلط الله عليهم (بخت نصر) فجعل يرمي عليهم بالمجانيق ولا تعمل شيئا.فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت : أيها الملك إن هذه مدينة الأنبياء (أي طبريا) لا تنفتح إلا بما أدلك عليه. قال : لك ما سألت. قالت : ارمها بالخبث والعذرة ، ففعل فتقطعت فدخلها. فقال : علي بالعجوز فقال لها : ما حاجتك؟قالت : في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن ، فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن.

يا ولدي يا علي ، والله لا يسكن دمي حتى يبعث المهدي(١) فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا.

١٧٦ ـ الله سيثأر للحسينعليه‌السلام مثلما ثأر ليحيىعليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ج ٤ ص ١٣٦)

روى الحاكم في المستدرك بعدة أسانيد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس.

قال : أوحى الله تعالى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا (أو على دم يحيى بن زكريا) سبعين ألفا ، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.

(وفي مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف) :

عن تاريخ بغداد ، وخراسان ، والإبانة ، والفردوس ، قال ابن عباس : أوحى الله تعالى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأقتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.

وعن الصادقعليه‌السلام : قتل بالحسين مائة ألف وما طلب بثأره ، وسيطلب بثأره.

١٧٧ ـ مقارنة بين محنة النبي يحيى ومحنة الإمام الحسينعليه‌السلام :

(بقلم المؤلف)

لقد جرت قدرة الله تعالى على أن يكون الأنبياء محط ابتلائه سبحانه وامتحانه

__________________

(١) الإمام المهدي (ع) هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (ع) ، وهو الإمام الحجة القائم الذي سيظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.

٢٠٢

واختباره فها هو ابراهيمعليه‌السلام يبلغ من الكبر عتيا وقد رزقه الله اسماعيل ، وما كاد يفرح به وتقرّ به عينه ، حتى أمره سبحانه بذبحه ، فامتثل أمره وامتثل ابنه أمره أيضا ، وكاد يذبح إسماعيل لو لا أن فداه الله بذبح عظيم. قال تعالى في سورة الصافات :( وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩)رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١)فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥)إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) (١٠٧). والذبح العظيم هو الحسينعليه‌السلام .

وها هو زكرياعليه‌السلام يحرم الولد والنسل حتى إذا أدركه الكبر دعا ربه مخلصا ، فرزقه الله من زوجته العاقر ولدا اسمه (يحيى) تقر به عينه ويرثه من بعده. حتى إذا شب يافعا اختاره الله إلى جواره مذبوحا مقتولا.

وها هو النبي الكريم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، يختم حياته بامتحان عظيم وقد حرمه الله الولد والنسل إلا من ابنته الزهراءعليها‌السلام ، فشاء سبحانه في سابق قضائه وتقديره أن يرى حفيده الحسين مقتولا مذبوحا في أرض كربلاء ، هو وجميع أهل بيته ما عدا الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وأن يرى حرمه ورهطه مشردين وأطفاله صرعى ونساءه سبايا مقيدات بالأصفاد.

ومن التشابه العجيب بين محنة يحيىعليه‌السلام ومحنة الحسينعليه‌السلام أن يحيى قضى مذبوحا وأخذ رأسه فقدم مهرا لبغيّ من بغايا بني إسرائيل ، تماما كما قضى الحسينعليه‌السلام مذبوحا وحمل رأسه لأبغى رجل من آل أبي سفيان وهو يزيد بن معاوية. وهذا مفاد قول الحسينعليه‌السلام : «من هوان الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضر ذلك يحيى». يومي بذلكعليه‌السلام إلى ما سيؤول إليه حاله من قتله وقطع رأسه وحمله إلى أشقى أهل الأرض ، وكيف أن رأسه الشريف سينطق بالحق ويسمع ويجيب ، تماما كما حدث ليحيى بن زكريا ، وذلك أن رأس الحسينعليه‌السلام كان يقرأ وهو على رمح طويل في الكوفة قوله تعالى :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) (٩) [الكهف : ٩].

هذا مع أن محنة الحسينعليه‌السلام لا تقارن في وطأتها مع محنة يحيىعليه‌السلام فيحيى قتل وحده ، والحسين قتل معه من أهل بيته سبعة عشر رجلا ما لهم على وجه الأرض

٢٠٣

شبيه. ويحيى لم تقتل له أطفال ولم تسب له نساء ولا عيال ، والحسينعليه‌السلام ذبحت أطفاله وسبيت نساؤه وعياله. ويحيى لم يمنع من شرب الماء ، بينما الحسينعليه‌السلام منع هو وعياله وأطفاله من شرب الماء حتى قضوا عطاشى ظامئين.

ولعله لهذا التشابه الكبير بين يحيى والحسينعليهما‌السلام وبين زكريا وخاتم النبيين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان من إعجاز القرآن الكريم أن يبتدىء سبحانه قصة يحيى بن زكريا (التي وردت في مطلع سورة مريم) برموز تشير بشكل خفي إلى ما سيكون من محنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولده الحسينعليه‌السلام ، كما كان من محنة زكريا بيحيىعليه‌السلام ، فابتدأ سبحانه قصة يحيىعليه‌السلام بقوله( كهيعص ) (١) [مريم : ١].

١٧٨ ـ معنى( كهيعص ) :

هناك روايتان في هذا الموضوع عن الإمام الحجةعليه‌السلام . إحداهما عن إسحق الأحمر (وردت في مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف) والثانية عن سعد بن عبد الله (وردت في معالي السبطين لمحمد مهدي المازندراني ج ١ ص ١١٠ ط حجر إيران). وسوف ندمج الروايتين.

عن سعد بن عبد الله ، قال : قلت لصاحب الأمر (عج) : أخبرني يابن رسول الله عن تفسير (كهيعص)؟. فقال : «هذه الحروف من أنباء الغيب ، الذي أطلع الله عليه عبده زكريا ، ثم قصّها على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وذلك أن زكرياعليه‌السلام سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسةعليه‌السلام ، فأهبط عليه جبرئيل وعلمه إياها. فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسنعليهم‌السلام سرّي عنه همه وانجلى كربه (أو : سرّ وزال عنه غمومه وفرج عنه همومه وانجلى كربه) ، وإذا ذكر الحسينعليه‌السلام غلبته العبرة ووقعت عليه الزفرة (أو : خنقته العبرة ووقعت عليه الكدورة).

فقال ذات يوم : إلهي (ما بالي) إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسينعليه‌السلام تدمع عيني وتثور زفرتي (ويكسر خاطري)؟فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته ووقعته ، فقال :.

( كهيعص )

فالكاف : اسم كربلاء ، والهاء : هلاك العترة ، والياء : يزيد ، وهو ظالم الحسينعليه‌السلام ، والعين : عطشه ، والصاد : صبره.

٢٠٤

وما أحسن ما قيل في ذلك : (معالي السبطين ج ١ ص ١١١)

يا قتيلا صبره الممدوح من رب العباد

حيث قال الله فيه : كاف ها يا عين صاد

كربلا الكاف وقد حلّ بها البلا

قتلت فيه بيوم الطف سادات الملا

ويزيد ياؤها المعهود والعين تلا

عطش السبط وقد أضرم نارا للفؤاد

فلما سمع زكريا ذلك لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ويقول : إلهي أتفجع خير خلقك بولده؟ إلهي أتنزل الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل هذه الفجيعة بساحتهما؟

ثم كان زكرياعليه‌السلام يقول : إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله وارثا رضيا يوازي محله الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبه ، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده.

فاستجاب الله دعاءه ، فرزقه يحيى وفجعه به. وكان يوم استجابة دعائه يوم أول المحرم ، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في محرابه : (إن الله يبشّرك بيحيى) «انتهى كلام الحجةعليه‌السلام ».

١٧٩ ـ قصة حياة يحيى بن زكريا من مولده إلى مقتله كما وردت في العهد الجديد بتصرف :

(إنجيل لوقا ، إصحاح ١ ؛ وإنجيل متى ، إصحاح ١٤)

كان في أيام الملك (هيرودس) حاكم الرومان على فلسطين ، كاهن اسمه زكريا.وكان هو وزوجته (إليصابات) من الأبرار ، القائمين بكل أحكام الله ووصاياه.وكانت (إليصابات) عاقرا لا تنجب أولادا ، وكانت متقدمة في السن كزوجها زكريا.فنادى ربه أن يهبه غلاما بارا ويوما كان في المعبد فأصابته القرعة أن يحضر أعمال الهيكل. وبينما هو داخل الهيكل ظهر له ملاك من عند الله واقفا عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريا اضطرب وخاف. فقال له الملاك : لا تخف يا زكريا فإن مناجاتك قد سمعت ، وإن الله يبشّرك بغلام من امرأتك اليصابات اسمه يحيى (أي يوحنا) وستفرح به ويفرح به كثير من الناس. لأنه سيكون تقيا ، ولا يشرب

٢٠٥

الخمر ولا المسكر. وسيمتلىء بالروح القدس وهو في بطن أمه ، فيردّ الكثيرين من بني إسرائيل إلى ربهم. فلم يصدّق زكريا هذه البشرى وقال للملاك : كيف أصدق هذا وأنا شيخ وامرأتي عاقر ، فقال له الملاك : سوف تبقى صامتا لا تقدر على الكلام حتى ترى وليدك ، لأنك لم تصدّق كلامي الذي سيتم في حينه وكان الناس ينتظرون زكريا وقد أبطأ عن الخروج من الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ، ففهموا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل ، فكان يومي إليهم. ولما انتهت مدة خدمته للهيكل مضى إلى بيته وبعد تلك الأيام حملت إليصابات وأنجبت طفلا ، وعندما اختلف الموجودون في تسميته نطق والده قائلا : لا تختلفوا فقد سماه الله (يحيى).وقص على أهله ما جرى له في الهيكل وكيف بشره الملاك بولادة يحيى.

كان يحيى يعيش في البراري ويأكل عسل النحل ، ويلبس نطاقا من جلد على وسطه وثيابا عادية. وكان يدعو الناس إلى الرجوع لطريق الخير ويحثهم على الأعمال الحسنة ، وكان يقف دائما في وجه الباطل ولا يسكت عنه ، مما دعا إلى حقد الحكام عليه.

ولما أراد (هيرودس) أن يتزوج من زوجة أخيه (هيروديا) قام يحيى بوجه هذا العمل لأنه حرام في الشريعة اليهودية ، وانتقد هيرودس وقال له : لا يحل أن تكون لك. ولما أراد أن يقتله بناء على نقمة (هيروديا) خاف من الشعب ، لأن يحيى كان عندهم بمنزلة النبي ، فأودعه السجن.

ثم لما صار يوم ميلاد هيرودس رقصت ابنة هيروديا في جموع المدعوين ، فسرّت هيرودس. فوعدها بأن يعطيها ما تطلب وأقسم على ذلك. فقالت وقد لقّنتها أمها شيئا : أريد رأس يوحنا المعمدان على طبق. فاغتم الملك ، ولكنه وجد نفسه ملزما بالتنفيذ بناء على إلحاح الموجودين وما أخذ على نفسه من الأقسام ، فأرسل وقطع رأس يحيى في السجن. فأحضر رأسه على طبق ودفعه إلى الصبية (وهي سالومي) فجاءت به إلى أمها. ثم تقدم تلاميذ يحيى ورفعوا الجسد ودفنوه ، ثم أتوا إلى المسيحعليه‌السلام فأخبروه بما حدث(١) .

__________________

(١) لزيادة الاطلاع راجع كتاب قصة المسيح بن مريمعليه‌السلام لعبد الحميد جودت السحار ، تجد قصة يحيى بن زكريا بشكل مفصل.

٢٠٦

١٨٠ ـ أوجه الشبه بين يحيى والحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٩١١١

يقول السيد محمد مهدي المازندراني الحائري :

ولقد أشبه يحيى الحسينعليه‌السلام من جهات شتى :

١ ـ في مدة الحمل ، فكان حمل يحيى ستة أشهر كالحسينعليه‌السلام .

٢ ـ يحيى بشر به زكريا قبل ولادته ، كما بشّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادة الحسينعليه‌السلام .

٣ ـ يحيى لم يسمّ باسمه أحد قبله ، وكذلك الحسينعليه‌السلام .

٤ ـ يحيى لم يرضع من ثدي أمه وأرضع من السماء ، والحسينعليه‌السلام لم يرضع من فاطمةعليها‌السلام بل أرضع من لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبهامه.

٥ ـ يحيى رفع إلى السماء بعد الولادة ، والحسينعليه‌السلام أيضا رفع إلى السماء لتزوره الملائكة يوم السابع من ولادته ، ويوم شهادته.

٦ ـ يحيى كان يتكلم في بطن أمه ، والحسينعليه‌السلام كذلك ، قال : يقول في بطن أمه فاطمةعليها‌السلام : يا أماه أنا العطشان ، يا أماه أنا العريان ، يا أماه أنا السحقان.

٧ ـ يحيى لم ير فرحا طول عمره ، وكذلك الحسينعليه‌السلام .

٨ ـ يحيى قتل مظلوما ، والحسينعليه‌السلام قتل كذلك.

٩ ـ الذي قتل يحيى مشكوك في نسبه ، وكذلك قاتل الحسينعليه‌السلام .

١٠ ـ يحيى بكت عليه ملائكة السموات ، والحسينعليه‌السلام بكت عليه ملائكة السموات والأرض وجميع الموجودات.

١١ ـ يحيى بقي دمه يغلي ، فكلما وضعوا عليه التراب ازداد غليانا ، حتى صار تلا عظيما ، فما سكن حتى سلّط الله على بني إسرائيل بخت نصر ، وقتل سبعين ألفا من بني إسرائيل ، ولكن الحسينعليه‌السلام دمه يغلي حتى يظهر ولده المهدي (عج).

وهو وإن كان قتل به سبعون ألفا وسبعون ألفا ولكنه ما يسكن دمه حتى يطلب المهديعليه‌السلام بثأره.

١٢ ـ يحيى قطع رأسه ووضع في طشت من ذهب بين يدي عدوه ونطق بكلمة ، وهي أن قال : اتق الله يا أيها الملك ، فإنها لا تجوز لك ، أن تباشر ابنتك (أي

٢٠٧

ربيبتك). والحسينعليه‌السلام لما قتل سمعوا رأسه الشريف يقرأ القرآن على الرمح ، ولما وضع في الطشت بين يدي يزيد قرأ آية من القرآن ، واللعين يضرب ثناياه بقضيب من خيزران.

ولكن شتان بين مصيبة يحيى ومصيبة الحسينعليه‌السلام ، فيحيى قتل لوحده ، أما الحسينعليه‌السلام فقد قتل هو وكل إخوته وأولاده وأبناء عمومته ، وذبح ابنه في حجره ، وقتل عطشانا ، ورضّ جسده الشريف ، ثم سبيت حريمه وذريته.

(أقول) : ولأن مصيبة يحيىعليه‌السلام شبيهة بمصيبة الحسينعليه‌السلام ، كان الحسينعليه‌السلام يذكر يحيى ومصيبته وهو في طريقه إلى الشهادة في كربلاء.

فأول ما ذكره ، حين أقبل إليه عبد الله بن عمر ونصحه ، فقال له : «يا أبا عبد الرحمن ، إن من هوان هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضر ذلك يحيى بن زكريا ، بل ساد الشهداء ، فهو سيدهم يوم القيامة».

كما ذكرهعليه‌السلام كثيرا وهو في طريقه إلى العراق. فعن الإمام زين العابدينعليه‌السلام قال : خرجنا مع الحسينعليه‌السلام فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكرياعليه‌السلام .

٢ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ب

ما يجري على أهل بيتهعليهم‌السلام من بعده

١٨١ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة الحسين وما يلاقيه أهل بيتهعليهم‌السلام :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٥١ ط نجف)

روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ذات يوم جالسا ، وحوله علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال لهم : كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى (أي متفرقة)؟فقال الحسينعليه‌السلام : نموت موتا أو نقتل؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل تقتل يا بني ظلما ، ويقتل أخوك ظلما ، وتشرد ذراريكم في الأرض.

فقال الحسينعليه‌السلام : ومن يقتلنا يا رسول الله؟ قال : شرار الناس. قال : فهل يزورنا بعد قتلنا أحد؟ قال : نعم طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم برّي وصلتي ، فإذا

٢٠٨

كان يوم القيامة جئتهم إلى الموقف حتى آخذ بأعضادهم ، فأخلهم من أهواله وشدائده.

١٨٢ ـ ما يحصل لذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٦٦ ط نجف)

أخبرنا عين الأئمة أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي ، حدثنا خالد بن نافع مولى ابن عباس ، قال : سمعت ابن عباس يقول : أخذ بيدي عليعليه‌السلام وقال : يا عبد الله بن عباس ، كيف بك إذا قتلنا وولغت الفتنة في أولادنا ، وسبيت ذرارينا كما تسبى الأعاجم؟ قال : فقلت أعيذك بالله يا أبا الحسن يا بن عم ، لقد كلمتني بشيء ساءني ، وما ظننت أنه يكون هذا. أما ترى الإيمان ما أحسنه ، والإسلام ما أزينه ، أتراهم فاعلين ذلك بنا؟ لعلها أمة غير هذه الأمة. قالعليه‌السلام : لا والله ، بل هذه الأمة!

١٨٣ ـ وعيد شديد لظلمة آل بيت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٦ ط نجف)

عن ميمون بن مهران ، في قوله تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) [إبراهيم : ٤٢] قال : هذا وعيد من الله لظلمة أهل بيت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعزية للمظلوم.

وسوف نستعرض في هذا الفصل طائفة من الأخبار المستفيضة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تنبأت باستشهاد الحسينعليه‌السلام .

وكما أن هذه الأخبار هي من كرامات مولانا الحسينعليه‌السلام ، فهي من معجزات الحبيب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إخباره بالغيب ، وهو مما علمه الله تعالى وأطلعه عليه ، مصداقا لقوله تعالى :( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) وهذا الإعلام هو جزء مما أطلع الله عليه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأمور التي ستحدث على أهل بيته وعلى أمته من بعده. وهو ما أملاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإمام عليعليه‌السلام فكتبه عليعليه‌السلام بخط يده ، على جلد خاص ، فسمي فيما بعد (الجفر).

فاسمحوا لي أن أعرفكم على الجفر وعلومه قبل سرد تلك الروايات.

٢٠٩

علوم أهل البيتعليه‌السلام بالمغيبات

١٨٤ ـ علم الجفر :

(كتاب الحسين في طريقه إلى الشهادة للسيد علي بن الحسين الهاشمي ص ١٦١)

الجفر لغة : هو الجلد المشغول ، إذ كان الناس في القديم يعملون جلود الأنعام ويرققونها ليكتبوا عليها. ثم تقدمت هذه الصناعة حتى صاروا يكتبون على جلد الغزال وأطلقوا عليه اسم (رق الغزال). وإلى الآن نجد بعض الكتب والحروز مكتوبة على هذا النوع من الجلد. ومن ثم أطلقت كلمة (الجفر) على (علم الجفر) وهو من العلوم التي اختص بها الإمام عليعليه‌السلام بادىء بدء ، كما اختص بغيره من العلوم ، وهو من العلوم التي علمه إياها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصه به دون غيره كعلم المنايا والبلايا. ولقد دوّن الإمام هذا العلم على جلد الجفر ، وصار يتوارثه من بعده أولاده الميامين. وهو من الأسرار التي لم يطلّع عليها أحد من الناس حتى أيام الإمام الصادقعليه‌السلام حيث أفضى بهعليه‌السلام إلى بعض خواص أصحابه.

وقد ذكر كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في (الدر المنظم في السر الأعظم) قال : جفر الإمام عليعليه‌السلام ألف وسبعمائة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف (بالجفر الجامع والنور اللامع) وهو عبارة عن لوح القضاء والقدر عند الصوفية. وقيل العلم المكنون والسر المصون. وقيل باللغة الخفية عند السادة الحرفية ، وهو عبارة عن أسرار الغيوب. وقيل مفتاح اللوح والقلم. وقال أهل الملاحم هو عبارة عن سر حوادث الكون ، وقيل مفتاح العلم اللدني.

والجفر عبارة عن كتابين : أحدهما ذكره الإمام عليعليه‌السلام على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة ، والآخر أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتابته في هذا العلم المكنون ، وهو المشار إليه بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. فكتبه الإمام عليعليه‌السلام حروفا مفرقة على طريقة سفر آدمعليه‌السلام .وفي ذلك قال الشاعر :

(دائرة المعارف ج ١ ص ٢)

وقد عجبوا لأهل البيت لما

أتاهم علمهم في مسك جفر

ومرآة المنجم وهي صغرى

أرته كلّ عامرة وقفر

وتوجد في مخازن الكتب نوادر مخطوطة في هذا العلم. فإن في دار الكتب

٢١٠

المصرية كتاب مخطوط اسمه (الجفر الجامع والنور الساطع) للإمام الأعظم علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقع في مجلدين ضخمين. وقد ضمت مكتبة الدكتور حسين علي محفوظ على كتاب مخطوط اسمه (الدر المنظم في السر الأعظم في الجفر الجامع والنور اللامع) لمؤلفه كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٢ ه‍ وتاريخ كتابة النسخة عام ١٢٧٣ ه‍. وفي مكتبة السيد علي بن الحسين الهاشمي النجفي نسخة خطية عنوانها (الجفر الجامع : جفر علي وجفر جعفر الصادق) لمؤلفه محي الدين بن العربي.

١٨٥ ـ علوم أهل البيت ٣ :(المجالس السنية ، ج ٥ ص ٣١٠)

قال الشيخ المفيد وغيره : كان الإمام الصادقعليه‌السلام يقول : علمنا غابر ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع. وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمةعليها‌السلام ، وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه الناس.

فسئل عن تفسير ذلك ، فقال : (أما الغابر) فالعلم بما يكون ، (وأما المزبور) فالعلم بما كان ، (وأما النكت في القلوب) فهو الإلهام ، (والنقر في الأسماع) حديث الملائكة ، يسمع كلامهم ولا ترى أشخاصهم. وأما (الجفر الأحمر) فوعاء فيه سلاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل البيت. وأما (الجفر الأبيض) فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى. وأما (مصحف فاطمة) ففيه ما يكون من حادث وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.وأما (الجامعة) فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط علي بن أبي طالب بيده ، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة ، حتى أن فيه أرش الخدش ، والجلدة ونصف الجلدة.

شرح : الأرش : هو الدية أو الغرامة ، والمعنى أن هذا الكتاب فيه كل الأحكام الشرعية ، حتى غرامة من يخدش جلد غيره.

١٨٦ ـ لكل إمام صحيفة يعرف منها كل ما يجري عليه :

(مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ، ص ٢٨٨ ط حجر)

عن أبي عبد الله البزاز عن حريز ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام :جعلت فداك ، ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض ، مع حاجة الناس إليكم؟ فقال : إن لكل واحد منا صحيفة ، فيها ما يحتاج إليه أن يعمل في

٢١١

مدته ، فإذا انقضى ما فيها مما أمر به ، عرف أن أجله قد حضر. فأتاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينعى بنعي إليه نفسه ، وأخبره بما له عند الله. وإن الحسينعليه‌السلام قرأ صحيفته التي أعطيها وفسّر له ما يأتي ، بنعي ينعى. وبقي فيها أشياء لم تقض ، فخرج للقتال ، وكانت تلك الأمور التي بقيت.

١٨٧ ـ صحيفة بإملاء عليعليه‌السلام فيها كل شيء :

(كتاب سليم بن قيس الكوفي ، ص ٢٧)

عن سليم بن قيس أنه قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام بكى ابن عباس بكاء شديدا. ثم قال ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها! ولقد دلت على ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذي قار ، فأخرج صحيفة وقال لي : يا بن عباس هذه صحيفة أملاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطي بيدي. قال : فأخرج لي الصحيفة ، فقلت :يا أمير المؤمنين اقرأها علي ، فقرأها. وإذا فيها كل شيء منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكيف يقتل الحسينعليه‌السلام ومن يقتله ، ومن ينصره ومن يستشهد معه.وبكى بكاء شديدا وأبكاني. وان فيما قرأه : كيف يصنع به ، وكيف تستشهد فاطمةعليها‌السلام وكيف يستشهد الحسنعليه‌السلام وكيف تغدر به الأمة. فلما قرأ مقتل الحسينعليه‌السلام ومن يقتله ، أكثر البكاء. ثم أدرج الصحيفة ، وفيه ما كان ويكون إلى يوم القيامة.

١٨٨ ـ لوح عند فاطمةعليها‌السلام رآه جابر الأنصاري ، وفيه ذكر الأئمةعليهم‌السلام :

(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٠٩٣)

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه قال : دخل جابر الأنصاري إلى أبي في مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : يا جابر ، بحق جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أخبرتني عن اللوح ، أرأيته عند أمي فاطمة الزهراءعليها‌السلام . فقال جابر : أشهد بالله العظيم ورسوله الكريم ، لقد أتيت إلى فاطمة الزهراءعليها‌السلام في بعض الأيام لأهنّئها بولدها الحسينعليه‌السلام بعد ما وضعته بستة أيام ، فإذا هي جالسة وبيدها لوح أخضر من زمردة خضراء ، وفيه كتابة أنور من الشمس ، وله رائحة أطيب من المسك (الأذفر).فقلت له : ما هذا اللوح يا بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقالت : هذا اللوح أهداه الله إلى أبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيه اسم محمد المصطفى واسم علي المرتضى واسم ولديّ الحسن والحسين ، وأسماء الأئمة الباقين من ولدي. فسألتها أن تدفعه إلي لأنظر ما

٢١٢

فيه ، فدفعته إلي فسررت به سرورا عظيما فقلت لها : يا ست النساء ، هل تأذنين لي أن أكتب نسخته؟ فقالت : افعل. فأخذته ونسخته عندي.

فقال له الباقرعليه‌السلام : هل لك أن تريني نسخته بعينها الآن؟ فمضى جابر إلى منزله ، فأتى بصحيفة من كاغذ (أي ورق) مكتوب فيها :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . هذا كتاب من (العزيز) العليم ، أنزله الروح الأمين ، على خاتم النبيين أجمعين. أما بعد ، يا محمد عظّم أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي ، ولا ترج سوائي ولا تخش غيري ، فإنه من يرجو سوائي ويخش غيري ، أعذبه عذابا لا أعذب به أحدا من العالمين.

يا محمد ، إني اصطفيتك على سائر الأنبياء ، وفضلت وصيك عليا على سائر الأوصياء. وجعلت ولدك الحسنعليه‌السلام عيبة علمي بعد انقضاء مدة أبيه. وجعلت الحسينعليه‌السلام خير أولاد الأولين والآخرين ، ومن نسله الأئمة المعصومين ، وعليه تشب فتنة صماء ، فالويل كل الويل لمن حاربه وغصبه حقه. ومنه يعقب زين العابدين ، وبعده محمد الباقر لعلمي ، والدايع إلى سبيلي على منهاج الحق. ومن بعده جعفر الصادق القول والعمل. ومن بعده الإمام المطهر موسى بن جعفر. ومن بعده علي بن موسى الرضا ، يقتله كافر عنيد ، ذو بأس شديد. ومن بعده محمد الجواد يقتل مسموما. ومن بعده علي الهادي يقتل بالسم. ومن بعده الحسن العسكري يقتل بالسم. ومن بعده القائم المهديعليه‌السلام وهو الذي يقيم اعوجاج الدين ، ويأخذ ثأر الأئمة الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، وهو رحمة للعالمين ، وسوط عذاب على الظالمين. وسألقي عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوبعليه‌السلام ، فتذل أوليائي قبل ظهوره ، وتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيظهر حجتي منهم ، فيقتلون ويحرقون وتصبغ الأرض من دمائهم ، ويفشو الويل والرنة في نسائهم. أولئك أوليائي حقا ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندسية ، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الأصفاد والأغلال. أولئك عليم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون.

فقال بعض أصحاب الصادقعليه‌السلام : يا مولانا لو لم نسمع في دهرنا إلا فضل هذا الحديث لكفانا فضله.

وقالعليه‌السلام : ولكن فصنه إلا عن أهله.

٢١٣

١٨٩ ـ نزول الوصية الإلهية على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصورة كتاب مختوم يفكه الأئمةعليهم‌السلام ويعملون بمقتضاه :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠)

في رواية معاذ بن كثير عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : إن الوصية نزلت من الله تعالى على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتابا لم ينزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاب مختوم إلا الوصية. فقال جبرئيل : يا محمد هذه وصيتك إلى أمتك عند أهل بيتك. وكان كلما استلم إمام فض خاتما منها وعمل بما فيه.

وقد ورد هذا الحديث في الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى. فقد وردت تلك الأخبار بأسانيد معتبرة ومتون متقاربة.

وقد ورد في بعض منها : ثم دفعه إلى الحسينعليه‌السلام ففك خاتما ، فوجد فيه : أن قاتل وتقتل ، واخرج بقوم إلى الشهادة ، فلا شهادة لهم إلا معك ، واشر نفسك للهعزوجل ، ففعل. ثم دفعه إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ففك خاتما ، فوجد فيه : أن اطرق واصمت والزم منزلك ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ، ففعل.

ثم دفعه إلى محمد بن علي (الباقر) ففك خاتما ، فوجد فيه : فسّر كتاب الله وصدّقه آباءك وورّث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله ، وقل الحق في الخوف ، ولا تخافنّ إلا اللهعزوجل ، فإنه لا سبيل لأحد عليك. ثم دفعه إلى ابنه جعفر (الصادق) ففك خاتما ، فوجد فيه : أن حدّث الناس وافتهم ، وانشر علوم أهل بيتك ، وصدّق آباءك الصالحين ، ولا تخافن إلا اللهعزوجل وأنت في حرز وأمان ، ففعل. ثم دفعه إلى ابنه موسى (الكاظم) ، وكذلك دفعه موسى إلى الذي بعده ، ثم كذلك إلى العلم المهديعليه‌السلام .

٣ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستشهاد الحسينعليه‌السلام

* راجع الفقرات رقم ١١٣ و ١١٤ و ١١٥ و ١٢٨ و ١٤٥ و ١٤٦ و ١٤٧.

١٩٠ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الحسينعليه‌السلام ودعوته إلى مودة أهل البيتعليهم‌السلام :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٦٣)

ولما أنت على الحسينعليه‌السلام من مولده سنتان كاملتان ، خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر ، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه. فسئل عن ذلك؟فقال : هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها كربلاء ، يقتل فيها

٢١٤

ولدي الحسين بن فاطمةعليه‌السلام . فقيل : من يقتله يا رسول الله؟ فقال : رجل يقال له يزيد ، لا بارك الله في نفسه. وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه ، وكأني أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا ، ويهدى رأسه إلى يزيد.

ثم صعد المنبر مغموما مهموما ، حزينا كئيبا باكيا ، وأصعد معه الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ووضع يده اليمنى على رأس الحسنعليه‌السلام واليسرى على رأس الحسينعليه‌السلام وقال : «اللهم إن محمدا عبدك ورسولك ، وهذان أطائب عترتي وخيار أرومتي وأفضل ذريتي ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مخذول مقتول بالسم ، والآخر شهيد مضرج بالدم. اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء. اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله ، وأصله حرّ نارك ، واحشره في أسفل درك الجحيم». قال : فضج الناس بالبكاء والعويل فقال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتبكون ولا تنصرونه؟ اللهم فكن أنت له وليا وناصرا».

وقال ابن عباس : خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل موته بأيام يسيرة إلى سفر له ثم رجعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متغير اللون محمر الوجه فخطب خطبة أخرى موجزة وعيناه تهملان دموعا(١) . ثم قال : «يا قوم إني مخلف فيكم الثّقلين : كتاب الله ، وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فؤادي ومهجتي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ألا وإنني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي (أسئلكم عن الموؤدة في القربى) واحذروا أن تلقوني على الحوض غدا وقد آذيتم عترتي وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم».

والآن نذكر ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنحو التواتر ، في إخباره عن شهادة الحسينعليه‌السلام بكربلاء وبكائه عليه قبل وقوع الحادثة. نبدأ بروايات أمير المؤمنينعليه‌السلام .

١٩١ ـ مرور أمير المؤمنينعليه‌السلام على كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسينعليه‌السلام ص ٩١٦٥

عن عبد الله بن نجيّ عن أبيه ، أنه سافر مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذوا نينوى ، وهو منطلق إلى صفين ، نادى عليعليه‌السلام :صبرا أبا عبد الله ، صبرا أبا عبد الله بشط الفرات. قلت : من ذا أبو عبد الله؟ قال :دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعيناه تفيضان. فقلت : يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١١ وذكر هذا الكلام وعمر الحسينعليه‌السلام سنتان.

٢١٥

شأن عينيك تفيضان؟ قال : ما أغضبني أحد ، بل قام من عندي جبرئيل قبل ، فحدثني أن الحسينعليه‌السلام يقتل بشط الفرات. وقال : هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ قال :قلت نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا.

١٩٢ ـ رواية مشابهة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص ٢٦١)

وذكر ابن سعد أيضا عن الشعبي ، قال : لما مرّ عليعليه‌السلام بكربلاء في مسيره إلى صفين وحاذى نينوى (قرية على الفرات) ، وقف ونادى صاحب مطهرته (أي وضوئه) : أخبر أبا عبد الله ما يقال لهذه الأرض. فقال : كربلاء.

فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه. ثم قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال : كان عندي جبرئيل آنفا ، وأخبرني أن ولدي الحسينعليه‌السلام يقتل بشط الفرات بموضع يقال له كربلا. ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب ، فشمني إياها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا.

١٩٣ ـ روايات أم سلمة (رض):(تاريخ بغداد ، ج ١ ص ١٤٢ ط ١)

عن أبي جعفرعليه‌السلام عن أم سلمة ، قالت : قال رسول اللهعليه‌السلام : يقتل حسين على رأس ستين من مهاجري. وفي معجم الطبراني ، عن أم سلمة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يقتل الحسينعليه‌السلام حين يعلوه القتير (أي بوادر الشيب).

١٩٤ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرى مقتل الحسينعليه‌السلام في كربلاء :

(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٧ ط بيروت)

عن أم سلمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من عندنا ذات ليلة ، فغاب عنا طويلا ، ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ، ويده مضمومة. فقلت له : يا رسول الله ، مالي أراك أشعث أغبر؟ فقال : أسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق ، يقال له : كربلاء ، فرأيت فيه مصرع الحسينعليه‌السلام وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألتقط دماءهم فيها في يدي ، وبسطها فقال : خذيه واحتفظي (به) فأخذته فإذا هي شبه تراب أحمر. فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها.

فلما خرج الحسينعليه‌السلام متوجها نحو أهل العراق ، كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة ، فأشمها وأنظر إليها ، ثم أبكي لمصابها. فلما كان يوم العاشر من المحرم ـ وهو اليوم الذي قتل فيه ـ أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ، ثم عدت

٢١٦

إليها آخر النهار ، فإذا هي دم عبيط (أي طري طازج). فضججت في بيتي وكظمت غيظي ، مخافة أن يسمع أعداءهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة. فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه ، فحقق ما رأيت.

١٩٥ ـ حديث أم سلمة (خبر القارورة):(تاريخ ابن عساكر ، ص ١٧٥)

عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة :

عن أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : كان الحسن والحسينعليهما‌السلام يلعبان بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي ، فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك! وأومأ بيده إلى الحسينعليه‌السلام . فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمه إلى صدره ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة ، وديعة عندك هذه التربة. قالت : فشمها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : ريح كرب وبلاء. قالت : وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة ، إذا تحولت هذه التربة دما فأعلمي أن ابني قد قتل.

قال : فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول : إن يوما تحوّلين دما ليوم عظيم.

١٩٦ ـ الحسينعليه‌السلام يري أم سلمة مضجعه في كربلاء :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٩ ط ٣)

جاء في (الخرايج والجرايح) للقطب الراوندي :

من معجزات الحسينعليه‌السلام أنه لما أراد العراق ، قالت له أم سلمة : لا تخرج إلى العراق ، فقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يقتل ابني الحسين بأرض العراق ، وعندي تربة دفعها إلي في قارورة. فقال الحسينعليه‌السلام : إني والله مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا. وإن أحببت أن أريك مضجعي ومصرع أصحابي. ثم مسح بيدهعليه‌السلام على وجهها ، ففسح الله عن بصرها ، حتى رأيا ذلك كله ، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى ، وقالعليه‌السلام : إذا فاضت دما فاعلمي أني قتلت.

فقالت أم سلمة : فلما كان يوم عاشوراء ، نظرت إلى القارورتين بعد الظهر ، فإذا هما قد فاضتا دما ؛ فصاحت.

٢١٧

١٩٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(ينابيع المودة لسليمان القندوزي ج ٢ ص ١٤٣)

أخرج ابن سعد والطبراني عن أم المؤمنين عائشة (رض) رفعته ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أن فيها مضجعه.

١٩٨ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر عائشة بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٨)

عن أبي الفرج الجوزي عن رجاله ، عن عائشة قالت : دخل الحسين على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غلام يدرج ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي عائشة ألا أعجبك ، لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي مثله (وفي رواية : ملك المطر أو ملك القطر). فقال : إن ابنك هذا مقتول ، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها ، فتناول ترابا أحمر ، فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة. فأخرجته يوم قتله وهو دم.

١٩٩ ـ رواية أنس بن مالك الأنصاري :

(تاريخ ابن عساكر ص ١٦٩)

عن أنس بن مالك قال : استأذن ملك القطر على ربهعزوجل أن يزور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأذن له ، فجاءه وهو في بيت أم سلمة. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة احفظيعلينا الباب لا يدخل علينا أحد. فبينا هي على الباب إذ جاء الحسينعليه‌السلام ففتح الباب ، فجعل يتقفز على ظهر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبي يلثمه ويقبله. فقال له الملك :أتحبه يا محمد؟ قال : نعم. قال: أما إن أمتك ستقتله! وإن شئت أن أريك من تربته المكان الذي يقتل فيها!(فأراه إياه). قال : فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه ، فأتاه بسهلة حمراء (أو تراب أحمر). فأخذتها أم سلمة فجعلتها في ثوبها. قال ثابت : كنا نقول إنها كربلاء.

٢٠٠ ـ رواية أبي أمامة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ص ١٧١)

في تاريخ ابن عساكر ، والذهبي ، ومجمع الزوائد للهيثمي وغيرها ، عن أبي أمامة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنسائه : لا تبكوا هذا الصبي «يعني حسينا».

٢١٨

قال : وكان يوم أم سلمة ، فنزل جبرئيل ، فدخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الداخل ، وقال لأم سلمة : لا تدعي أحدا أن يدخل علي.

فجاء الحسينعليه‌السلام فلما نظر إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البيت أراد أن يدخل ، فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكته. فلما اشتد في البكاء خلت عنه. فدخل حتى جلس في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أمتك ستقتل ابنك هذا. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ قال : نعم يقتلونه. فتناول جبرئيل تربته فقال: مكان كذا وكذا.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد احتضن حسينا ، كاسف البال مهموما. فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه. فقالت : يا نبي الله ، جعلت لك الفداء ، إنك قلت لنا : لا تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك ، فجاء فخليت عنه. فلم يرد عليها.

فخرج إلى أصحابه وهم جلوس ، فقال لهم : «إن أمتي يقتلون هذا» وفي القوم أبو بكر وعمر ، وكانا أجرأ القوم عليه. فقالا : يا نبي الله ، يقتلونه وهم مؤمنون؟!.قال : نعم. هذه تربته ، فأراهم إياها.

٢٠١ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه في عمورا :

(بحار الأنوار للمجلسي ج ٤٥ ص ط ٣)

عن جابر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : قال الحسينعليه‌السلام لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله قال لي : «يا بني إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى (عمورا). وانك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألم مس الحديد. وتلا : (قلنا :( قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) [الأنبياء : ٦٩]. يكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم». فأبشروا فو الله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا.

٢٠٢ ـ الإخبار بقتل الحسينعليه‌السلام قبل ولادته :

(دائرة المعارف لمحمد حسين الأعلمي ج ١٥ ص ١٨٠)

في الكافي ومرآة العقول (ج ١ ص ٢٩٣) عن الصادقعليه‌السلام أن جبرئيل نزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا محمد إن الله (يقرئك السلام) ويبشرك بمولود يولد من فاطمةعليها‌السلام تقتله أمتك من بعدك. فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لا حاجة

٢١٩

لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي ثم عرج إلى السماء ثم هبط ، فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والوصية. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد رضيت.

٢٠٣ ـ روايات ابن عباس (رض):(مثير الأحزان لابن نما ص ١٢)

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رض) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع الحسن والحسين وفاطمة وعليعليهما‌السلام ، فلما نظر إليهم بكى. فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت ، أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟ فقال : والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ، ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم. وإنما بكيت لما يحل بهم من بعدي ، وذكرت ما يصنع بهذا ولدي الحسين. كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ، ويرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه ، أرض كرب وبلاء. تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، فكأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا. ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما.

ثم انتحبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكى وأبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج. ثم قام وهو يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي.

٢٠٤ ـ رواية أخرى : (البداية والنهاية لابن كثير ج ٦ ص ٢١٦)

قال أبو الحافظ أبو بكر البزاز في مسنده عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : كان الحسينعليه‌السلام جالسا في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جبرئيل : أتحبه؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي؟ فقال : أما إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة ، فإذا تربة حمراء.

إخبار الإمام عليعليه‌السلام

٢٠٤ ـ رواية ميثم التمار :(أمالي الصدوق ، ص ١١٠)

حدثنا الشيخ الصدوق ، قال : حدثنا عن جبلة المكية ، قالت : سمعت ميثم التمار يقول : والله لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم ، لعشر مضين منه ، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة. وان ذلك لكائن ، قد سبق في علم الله تعالى ذكره.أعلم ذلك بعهد عهده إلي مولاي أمير المؤمنينعليه‌السلام

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وراجع: وفيات الأعيان ٢ / ٤٥٩، تاريخ بغداد ١٢ / ٣٤، النجوم الزاهرة ٤ / ١٧٢، طبقات الشافعية ٣ / ٤٦٢، طبقات القرّاء ١ / ٥٥٨، وغيرها.

(٨)

ابن حزم الأندلسي

وقد نصّ الحافظ ابن حزم الأندلسي، المتوفّى سنة ٤٧٥، ه‍، على بطلان هذا الحديث وعدم جواز الإِحتجاج به فإنّه قال في رأي الشيخين ما نصّه: « أمّا الرواية: اقتدوا باللذين من بعدي فحديث لا يصحّ. لأنّه مرويّ عن مولى لربعيّ مجهول، وعن المفضّل الضبيّ وليس بحجّة.

كما حدّثنا أحمد بن محمد بن الجسور، نا محمد بن كثير الملّائي، نا المفضّل الضبيّ، عن ضرار بن مرّة، عن عبد الله بن أبي الهذيل العنزي، عن جدّته، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن اُمّ عبد.

وكما حدّثنا أحمد بن قاسم، قال: نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم بن أصبغ، قال: حدّثني قاسم بن أصبغ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي، نا محمد ابن كثير، أنا سفيان الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة

وأخذناه أيضاً عن بعض أصحابنا، عن القاضي أبي الوليد ابن الفرضي، عن ابن الدخيل، عن العقيلي، نا محمد بن إسماعيل، نا محمد بن فضيل، نا وكيع، نا سالم المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش وأبي عبد الله - رجل من أصحاب حذيفة - عن حذيفة.

قال أبو محمد: سالم ضعيف. وقد سمّى بعضهم المولى فقال: هلال مولى

٤٢١

ربعيّ. وهو مجهول لا يعرف من هو أصلاً. ولو صحّ لكان عليهم لا لهم، لأنّهم - نعني أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي - أترك الناس لأبي بكر وعمر. وقد بيّنّا أنّ أصحاب مالك خالفوا أبا بكر ممّا رووا في الموطّأ خاصة في خمسة مواضع، وخالفوا عمر في نحو ثلاثين قضية ممّا رووا في الموطّأ خاصة. وقد ذكرنا أيضاً أنّ عمر وأبابكر اختلفا، وأنّ اتّباعهما فيما اختلفا فيه متعذّر ممتنع لا يعذر عليه أحد ».

وقال في الفصل:

« قال أبو محمد: ولو أنّنا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً - لاحتججنا بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

قال أبو محمد: ولكنّه لم يصحّ، ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصحّ »(١) .

ترجمته:

وأبو محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، حافظ، فقيه، ثقة، له تراجم حسنة في كتبهم، وإن كانوا ينتقدون عليه صراحته وشدّته في عباراته

قال الحافظ ابن حجر: « الفقيه الحافظ الظاهري، صاحب التصانيف، كان واسع الحفظ جدّاً، إلّا أنّه لثقة حافظته كان يهجم، كالقول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة، فيقع له من ذلك أوهام شنيعة.

قال صاعد بن أحمد الربعي: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس كلّهم لعلوم الإِسلام وأشبعهم معرفة، وله مع ذلك توسّع في علم البيان، وحظّ من البلاغة، ومعرفة بالسِيَر والأنساب.

قال الحميدي: كان حافظاً للحديث، مستنبطاً للأحكام من الكتاب

____________________

(١). الإحكام في اُصول الأحكام: المجلّد ٢ الجزء ٦ ص ٢٤٢ - ٢٤٣. الفصل في الملل والنحل ٤ / ٨٨.

٤٢٢

والسُنّة، متفنّناً في علومٍ جَمّة، عاملاً بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ والتديّن وكرم النفس، وكان له في الأثر باع واسع.

قال مؤرّخ الأندلس أبو مروان ابن حبّان: كان ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه ونسب وأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة، وكان لا يخلو في فنونه من غلط، لجرأته في السؤال على كل فنّ »(١) .

وراجع: وفيات الأعيان ٣ / ١٣، نفح الطيب ١ / ٣٦٤، العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٣٩.

(٩)

برهان الدين العبري الفرغاني

وقد نصّ العلّامة عبيد الله بن محمد العبري الفرغاني الحنفي - المتوفّى سنة ٧٤٣ ه‍ - على أنّه حديث موضوع لا يجوز الاستدلال به والاستناد إليه، وهذا نصّ كلامه: « وقيل: إجماع الشيخين حجّة لقوله صلّى الله عليه [ وآله ] سلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. فالرسول أمرنا بالاقتداء بهما، والأمر للوجوب، وحينئذٍ يكون مخالفتهما حراماً. ولا نعني بحجّيّة إجماعهما سوى ذلك.

الجواب: إنّ الحديث موضوع لما بيّنّا في شرح الطوالع »(٢) .

ترجمته:

والعبري من كبار أئمّة القوم في علم الكلام والمعقول، وشرحه على « المنهاج » وعلى « الطوالع » للقاضي البيضاوي من أشهر كتبهم في الكلام والأُصول

____________________

(١). لسان الميزان ٤ / ١٩٨.

(٢). شرح المنهاج - مخطوط.

٤٢٣

... وقد ترجموا له وأثنوا عليه واعترفوا بفضله.

قال الحافظ ابن حجر: « كان عارفاً بالأصلين، وشرح مصنّفات ناصر الدين البيضاوي ذكره الذهبي في المشتبه - في العبري - فقال: عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة. ومات في شهر رجب سنة ٧٤٣. قلت: رأيت بخطّ بعض فضلاء العجم أنّه مات في غرّة ذي الحجّة منها وهو أثبت، ووصفه فقال: هو الشريف المرتضى قاضي القضاة، كان مطاعا عند السلاطين، مشهورا في الآفاق، مشاراً إليه في جميع الفنون، ملاذ الضعفاء، كثير التواضع والإِنصاف »(١) .

وقال الأسنوي: « كان أحد الأعلام في علم الكلام والمعقولات، ذا حظٍّ وافر من باقي العلوم، وله التصانيف المشهورة »(٢) .

وقال اليافعي: « الإِمام العلّامة، قاضي القضاة، عبيد الله بن محمد العبري الفرغاني الحنفي، البارع العلّامة المناظر، يضرب بذكائه ومناظرته المثل، كان إماماً بارعاً، متفنّناً، تخرج به الأصحاب، يعرف المذهبين الحنفي والشافعي،.

وأقرأهما وصنّف فيهما. وأمّا الأُصول والمعقول فتفرّد فيها بالإِمامة، وله تصانيف وكان اُستاذ الاُستاذين في وقته »(٣) .

(١٠)

شمس الدين الذهبي

وأبطل الحافظ الكبير الذهبي - المتوفّى سنة ٧٤٨ ه‍ - هذا الحديث مرّة بعد

____________________

(١). الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٢ / ٤٣٣.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٢٣٦.

(٣). مرآة الجنان ٤ / ٣٠٦.

٤٢٤

اُخرى، واستشهد بكلمات جهابذة فنّ الحديث والرجال وإليك ذلك:

قال: « أحمد بن صليح، عن ذي النون المصري، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر بحديث: اقتدوا باللذين من بعدي.

وهذا غلط، وأحمد لا يعتمد عليه »(١)

وقال: « أحمد بن محمد بن غالب الباهلي غلام خليل، عن إسماعيل بن أبي اويس وشيبان وقرّة بن حبيب. وعنه: ابن كامل وابن السماك وطائفة.

وكان من كبار الزّهاد ببغداد. قال ابن عديّ: سمعت أبا عبد الله النهاوندي يقول: قلت لغلام خليل: ما هذه الرقائق التي تحدّث بها؟ قال: قال وضعناها لنرقّق بها قلوب العامة.

وقال أبو داود: أخشى أن يكون دجّال بغداد.

وقال الدارقطني: متروك.

ومن مصائبه: قال: حدّثنا محمد بن عبد الله العمري، حدّثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

فهذا ملصق بمالك. وقال أبو بكر النقّاش: وهو واه »(٢) .

وقال: « محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطّاب العدوي، العمري.

ذكره العقيلي وقال: لا يصحّ حديثه، ولا يعرف بنقل الحديث، حدّثنا أحمد ابن الخليل، حدّثنا إبراهيم بن محمد الحلبي، حدّثني محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم، أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً: اقتدوا باللذين من بعدي.

فهذا لا أصل له من حديث مالك، بل هو معروف من حديث حذيفة بن

____________________

(١). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ١ / ١٠٥.

(٢). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ١ / ١٤١.

٤٢٥

اليمان.

وقال الدار قطني: العمري هذا يحدّث عن مالك بأباطيل.

وقال ابن مندة: له مناكير »(١) .

وقال: « عن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود مرفوعاً: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود.

قلت: سنده واهٍ جدّاً »(٢) .

ترجمته:

والذهبي أعرف من أن يعرّف، فهو إمام المتأخرين في التواريخ والسّير، والحجّة عندهم في الجرح والتعديل وإليك بعض مصادر ترجمته: الدرر الكامنة ٣ / ٣٣٦، الوافي بالوفيات ٢ / ١٦٣، طبقات الشافعية ٥ / ٢١٦، فوات الوفيات ٢ / ٣٧٠، البدر الطالع ٢ / ١١٠، شذرات الذهب ٦ / ١٥٣، النجوم الزاهرة ١٠ / ١٨٢، طبقات القرّاء ٢ / ٧١.

(١١)

نور الدّين الهيثمي

ونصّ الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي - المتوفّى سنة ٨٠٧ ه‍ - على سقوط الحديث عن أبي الدرداء حيث قال: « وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر،

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٦١٠.

(٢). تلخيص المستدرك ٣ / ٧٥.

٤٢٦

فإنّهما حبل الله الممدود، ومن تمسّك بهما فقد تمسّك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

رواه الطبراني. وفيه من لم أعرفهم »(١) .

وكذا عن ابن مسعود وقد تقدّمت عبارته.

ترجمته:

والحافظ الهيثمي من أكابر حفّاظ القوم، وأئمّتهم.

قال الحافظ السخاوي بعد وصفه بالحفظ: « وكان عجباً في الدين والتقوى والزهد والإِقبال على العلم والعبادة والأوراد وخدمة الشيخ

قال شيخنا في معجمه: كان خيّراً ساكناً ليّناً سليم الفطرة، شديد الإِنكار للمنكر، كثير الاحتمال لشيخنا ولأولاده، محبّاً في الحديث وأهله

وقال البرهان الحلبي: إنّه كان من محاسن القاهرة.

وقال التقيّ الفاسي: كان كثير الحفظ للمتون والآثار، صالحاً خيّراً.

وقال الأقفهسي: كان إماماً عالماً حافظاً زاهداً

والثناء على دينه وزهده وورعه ونحو ذلك كثير جدّاً »(٢) .

وراجع أيضاً: حسن المحاضرة ١ / ٣٦٢، طبقات الحفّاظ: ٥٤١، البدر الطالع ١ / ٤٤.

(١٢)

ابن حجر العسقلاني

واقتفى الحافظ ابن حجر العسقلاني - المتوفّى سنة ٨٥٢ ه‍ - أثر الحافظ

____________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ٥٣.

(٢). الضوء اللامع ٥ / ٢٠٠.

٤٢٧

الذهبي، فأبطل الحديث في غير موضع. فقال بترجمة أحمد بن صليح:

« أحمد بن صليح، عن ذي النون المصري، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما بحديث: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. وهذا غلط. وأحمد لا يعتمد عليه »(١) .

وقال بترجمة غلام خليل بعد كلام الذهبي: « وقال الحاكم: سمعت الشيخ أبا بكر ابن إسحاق يقول: أحمد بن محمد بن غالب ممّن لا أشكّ في كذبه.

وقال أبو أحمد الحاكم: أحاديثه كثيرة لا تحصى كثرةً، وهو بيّن الأمر في الضّعف.

وقال أبو داود: قد عرض عليَّ من حديثه فنظرت في أربعمائة حديث أسانيدها ومتونها كذب كلّها. وروى عن جماعةٍ من الثقات أحاديث موضوعة على ما ذكره لنا القاضي أحمد بن كامل، مع زهده وورعه. ونعوذ بالله من ورع يقيم صاحبه ذلك المقام »(٢) .

وأضاف إلى كلام الذهبي بترجمة محمد العمري: « وقال العقيلي بعد تخريجه: هذا حديث منكر لا أصل له. وأخرجه الدار قطني من رواية أحمد الخليلي البصري بسنده وساق بسندٍ كذلك ثم قال: لا يثبت، والعمري هذا ضعيف »(٣) .

ترجمته:

وابن حجر العسقلاني حافظهم على الإِطلاق، وشيخ الإِسلام عندهم في جميع الآفاق، إليه المرجع في التاريخ والحديث والرجال، وعلى كتبه المعوَّل في جميع العلوم قال الحافظ السيوطي:

« الإمام الحافظ في زمانه، قاضي القضاة، انتهت إليه الرحلة والرياسة في

____________________

(١). لسان الميزان ١ / ١٨٨.

(٢). لسان الميزان ١ / ٢٧٢.

(٣). لسان الميزان ٥ / ٢٣٧.

٤٢٨

الحديث في الدنيا بأسرها، لم يكن في عصره حافظ سواه. وألّف كتباً كثيرة كشرح البخاري، وتعليق التعليق، وتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب، ولسان الميزان، والإِصابة في الصحابة، ونكت ابن الصلاح، ورجال الأربعة وشرحها، والألقاب »(١) .

وهكذا وُصف في كلّ كتاب توجد فيه ترجمة له فراجع: البدر الطالع ١ / ٨٧، الضوء اللامع ٢ / ٣٦، شذرات الذهب ٨ / ٢٧٠، ذيل رفع الإِصر: ٨٩، ذيل تذكرة الحفّاظ: ٣٨٠.

(١٣)

شيخ الإِسلام الهروي

وقال الشيخ أحمد بن يحيى الهروي الشافعي - المتوفّى سنة ٩١٦ ه‍ - ما نصّه:

« من موضوعات أحمد الجرجاني:

من قال القرآن مخلوق فهو كافر. الإِيمان يزيد وينقص. ليس الخبر كالمعاينة. الباذنجان شفاء من كلّ داء. دانق من حرام أفضل عند الله من سبعين حجة مبرورة. موضوع. اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر. باطل.

إنّ الله يتجلّى للخلائق يوم القيامة ويتجلّى لأبي بكر خاصّة. باطل »(٢) .

ترجمته:

وهذا الشيخ من فقهاء الشّافعية، وكان شيخ الإِسلام بمدينة هراة، وهو

____________________

(١). حسن المحاضرة ١ / ٣٦٣.

(٢). الدرّ النضيد: ٩٧.

٤٢٩

حفيد السّعد التفتازاني.

قال الزركلي: « أحمد بن يحيى بن محمد بن سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الهروي، شيخ الإِسلام، من فقهاء الشافعية، يكنّى سيف الدين ويعرف بـ « حفيد السعد » التفتازاني. كان قاضي هراة مدّة ثلاثين عاماً، ولـمّا دخل الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي كان الحفيد ممّن جلسوا لاستقباله في دار الإِمارة، ولكنّ الوشاة اتّهموه عند الشاه بالتعصّب، فأمر بقتله مع جماعةٍ من علماء هراة، ولم يعرف له ذنب، ونعت بالشهيد. له كتب منها: مجموعة سمّيت: الدرّ النضيد من مجموعة الحفيد ط. في العلوم الشرعية والعربيّة »(١) .

(١٤)

عبد الرؤوف المناوي

وطعن العلّامة عبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي المصري - المتوفّى سنة ١٠٢٩ ه‍ - في سند الحديث عن حذيفة، وتعقّبه عن ابن مسعود بكلمة الذهبي. وهذا نصّ عبارته:

« ( اقتدوا باللذين ) بفتح الذال. أي الخليفتين اللذين يقومان ( من بعدي: أبو بكر وعمر ) أمره بمطاوعتهما يتضمّن الثناء عليهما، ليكونا أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه، المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما، وإيماء لكونهما الخليفتين بعده. وسبب الحثّ على الاقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضيّة والطبيعة القابلة للخيور السنيّة، فكأنّهم كانوا قبل الإِسلام كأرض طيّبة في نفسها، لكنّها معطّلة عن الحرث بنحو عوسج وشجر عضاة. فلمـّا

____________________

(١). الأعلام ١ / ٢٧٠.

٤٣٠

اُزيل ذلك منها بظهور دولة الهدى أنبتت نباتاً حسناً، فلذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء، وصار أفضل الخلق بعدهم من اتّبعهم بإحسان إلى يوم الصراط والميزان.

فإن قلت: حيث أمر باتّباعهما فكيف تخلّف عليرضي‌الله‌عنه عن البيعة؟

قلت: كان لعذر ثم بايع. وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما وإقامة الجمع والأعياد معهما والثناء عليهما حيّين وميّتين.

فإن قلت: هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الاُصول من أنّه لم ينصّ على خلافة أحد.

قلت: مرادهم لم ينصّ نصّاً صريحاً. وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الاقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك.

( حم ت ) في المناقب وحسّنه ( ه‍ ) من حديث عبد الملك بن عمير عن ربعي ( عن حذيفة ) بن اليمان.

قال ابن حجر: اختلف فيه على عبد الملك. وأعلّه أبو حاتم. وقال البزّار كابن حزم: لا يصحّ. لأنّ عبد الملك لم يسمعه من ربعي، وربعي لم يسمعه من حذيفة. لكن له شاهد. وقد أحسن المصنّف حيث عقّبه بذكر شاهده فقال:

( اقتدوا باللذين ) بفتح الذال ( من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار ) بن ياسر، أي سيروا بسيرته واسترشدوا بإرشاده فإنّه ما عرض عليه أمران إلّا اختار أرشدهما، كما يأتي في حديث ( وتمسّكوا بعهد ابن مسعود ) عبد الله، أي ما يوصيكم به.

قال التوربشتي: أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة، فإنّه أوّل من شهد بصحّتها وأشار إلى استقامتها قائلاً: ألا نرضى لدنيانا من رضيه لديننا بيننا، كما يومئ إليه المناسبة بين مطلع الخبر وتمامه.

( ت ) وحسّنه ( عن ابن مسعود. الروياني عن حذيفة ) قال: بينا نحن عند رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم إذ قال: لا أدري ما قدر بقائي فيكم، ثم

٤٣١

ذكره. ( عد عن أنس ).

ورواه الحاكم عن ابن مسعود باللفظ المذكور قال الذهبي: وسنده واهٍ »(١) .

ترجمته:

والمناويّ علّامة محقّق كبير، وكتابه ( فيض القدير ) من الكتب المفيدة وقد ترجم له وأثنى عليه العلّامة المحبّي ووصفه بـ « الإِمام الكبير الحجّة » وهذه عبارته:

« عبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين، الملقّب بزين الدين، الحدادي ثم المناوي، القاهري، الشافعي.

الإِمام الكبير الحجّة، الثبت القدوة، صاحب التصانيف السائرة، وأجلّ أهل عصره من غير ارتياب.

وكان إماماً فاضلاً، زاهداً، عابداً، قانتاً لله خاشعاً له، كثير النفع، وكان متقرّباً بحسن العمل، مثابراً على التسبيح والأذكار، صابراً صادقاً، وكان يقتصر يومه وليلته على أكلةٍ واحدةٍ من الطعام.

وقد جمع من العلوم والمعارف - على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها - ما لم يجتمع في أحدٍ ممّن عاصره »(٢) .

(١٥)

ابن درويش الحوت

وقال العلّامة ابن درويش الحوت - المتوفّى سنة ١٠٩٧ ه‍ -: « خبر ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ).

رواه أحمد والترمذي وحسنّه. وأعلّه أبو حاتم، وقال البزّار كابن حزم: لا

____________________

(١). فيض القدير - شرح الجامع الصغير ٢ / ٥٦.

(٢). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٢ / ٤١٢ - ٤١٦.

٤٣٢

يصحّ. و في رواية للترمذي وحسّنها: واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود وقال الهيثمي: سندها واه »(١) .

____________________

(١). أسنى المطالب: ٤٨.

٤٣٣

(٣)

تأمّلات في متن ودلالة

حديث الاقتداء

قد أشرنا في المقدّمة إلى استدلال القوم بحديث الاقتداء في باب الخلافة والإِمامة وفي الفقه والاُصول في مسائل مهمّة

فقد استدلّ به القاضي البيضاوي في كتابه الشهير « طوالع الأنوار في علم الكلام » وابن حجر المكّي في « الصواعق المحرقة » وابن تيميّة في « منهاج السنّة » وولي الله الدهلوي - صاحب: حجّة الله البالغة - في كتابه « قرّة العينين في تفضيل الشيخين » ومن الطريف جدّاً أنّ هذا الأخير ينسب رواية الحديث إلى البخاري ومسلم وهذه عبارته:

« قوله صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

فعن حذيفة: قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. متّفق عليه.

وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم: اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود. أخرجه الترمذي »(١) .

إذ لا يخفى أنّ النسبة كاذبة إلّا أنْ يكون « متّفق عليه » اصطلاحاً خاصاً بالدهلوي، يعني به اتّفاقهما على عدم الإِخراج!!

واستدلّ به الشيخ علي القاري ووقع فيما وقع فيه الدهلوي

____________________

(١). قرّة العينين: ١٨٩.

٤٣٤

فقد جاء في « شرح الفقه الأكبر »: « مذهب عثمان وعبد الرحمن بن عوف: أنّ المجتهد يجوز له أنْ يقلِّد غيره إذا كان أعلم منه بطريق الدين، وأنْ يترك اجتهاد نفسه ويتّبع اجتهاد غيره. وهو المروي عن أبي حنيفة، لا سيّما و قد ورد في الصحيحين: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فأخذ عثمان وعبد الرحمن بعموم هذا الحديث وظاهره ».

ولعلّه يريد غير صحيحي البخاري ومسلم!! وإلّا فقد نصّ الحاكم - كما عرفت - على أنّهما لم يخرجاه!!

وهكذا فإنّك تجد حديث الاقتداء يُذكر أو يستدلّ به في كتب الاُصول المعتمدة فقد جاء في المختصر:

« مسألة: الإِجماع لا ينعقد بأهل البيت وحدهم خلافاً للشيعة. ولا بالأئمة الأربعة عند الأكثرين خلافاً لأحمد. ولا بأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - عند الأكثرين. قالوا: عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعدي. اقتدوا باللذين من بعدي. قلنا: يدلّ على أهلية اتّباع المقلّد، ومعارض بمثل: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم. و خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء ».

قال شارحه العضد: « أقول: لا ينعقد الإِجماع بأهل البيت وحدهم مع مخالفة غيرهم لهم، أو عدم الموافقة والمخالفة، خلافاً للشيعة. ولا بالأئمّة الأربعة عند الأكثرين خلافاً لأحمد. ولا بأبي بكر وعمر عند الأكثرين خلافاً لبعضهم.

لنا: أنّ الأدلّة لا تتناولهم. وقد تكرّر فلم يكرّر. أمّا الشيعة فبنوا على أصلهم في العصمة، وقد قرّر في الكلام فلم يتعرّض له. وأمّا الآخرون فقالوا: قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعدي. وقال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

الجواب: أنّهما إنّما يدلّان على أهلية الأربعة أو الاثنين لتقليد المقلَّد لهم، لا على حجّيّة قولهم على المجتهد. ثم إنّه معارض بقوله: أصحابي كالنجوم »(١) .

____________________

(١). شرح المختصر في الاُصول ٢ / ٣٦.

٤٣٥

وفي المنهاج وشرحه: « وذهب بعضهم إلى أنّ إجماع الشيخين وحدهما حجّة لقولهعليه‌السلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. رواه أحمد بن حنبل وابن ماجة والترمذي وقال: حسن، وذكره ابن حبان في صحيحه.

وأجاب الإِمام وغيره عن الخبرين بالمعارضة بقوله: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم وهو حديث ضعيف. وأجاب الشيخ أبو إسحاق في ( شرح اللمع ) بأنّ ابن عبّاس خالف جميع الصحابة في خمس مسائل انفرد بها، وابن مسعود انفرد بأربع مسائل، ولم يحتجّ عليهما أحد بإجماع »(١) .

وفي مسلّم الثبوت وشرحه: « ولا ينعقد الإِجماع بالشيخين أميري المؤمنين أبي بكر وعمر عند الأكثر، خلافا للبعض، ولا ينعقد بالخلفاء الأربعة خلافاً لأحمد الإمام ولبعض الحنفية قالوا: كون اتّفاق الشيخين إجماعاً، قالوا: قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. رواه أحمد، فمخالفتهما حرام قلنا: هذا خطاب للمقلّدين، فلا يكون حجّة على المجتهدين، وبيان لأهليّة الاتّباع، لا حصر الاتّباع فيهم، وعلى هذا فالأمر للإِباحة أو للندب، وأحد هذين التأويلين ضروري، لأنّ المجتهدين كانوا يخالفونهم، والمقلّدون كانوا قد يقلّدون غيرهم ولم ينكر عليهم أحد، لا الخلفاء أنفسهم ولا غيرهم، فعدم حجّية قولهم كان معتقدهم. وبهذا اندفع ما قيل إنّ الإِيجاب ينافي هذا التأويل »(٢) .

فهذه نماذج من إستدلال القوم بحديث الاقتداء بالشيخين في مسائل الفقه والاُصوليين

لكنّ الذي يظهر من مجموع هذه الكلمات أنّ الأكثر على عدم حجّية إجماعهما

____________________

(١). الإبهاج في شرح المنهاج ٢ / ٣٦٧.

(٢). فواتح الرحموت في مسلّم الثبوت ٢ / ٢٣١.

٤٣٦

وإذا ضممنا إلى ذلك أنّ الأكثر - أيضاً - على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينصّ على خلافة أحدٍ من بعده كما جاء في المواقف وشرحها « والإِمام الحقّ بعد النبي صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم : أبوبكر ثبتت إمامته بالإجماع، وإن توقّف فيه بعضهم ولم ينصّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم على أحدٍ خلافاً للبكرية، فإنّهم زعموا النصّ على أبي بكر، وللشيعة فإنّهم يزعمون النصّ على علي كرّم الله وجهه، إمّا نصّاً جلياً وإمّا نصّاً خفيّاً. والحقّ عند الجمهور نفيهما»(١) .

وقال المناوي بشرحه: « فإن قلت: هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الأصول من أنّه لم ينصّ على خلافة أحدٍ.

قلت: مرادهم: لم ينصّ نصّاً صريحاً، وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الاقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة ونحو ذلك(٢) .

علمنا أنّ المستدلّين بهذا الحديث في جميع المجالات – ابتداءً بباب الإِمامة والخلافة، وانتهاءً بباب الاجتهاد والإِجماع - هم « البكرية » وأتباعهم

إذن فالأكثر يُعْرِضون عن مدلول هذا الحديث ومفاده وإنّ المستدلّين به قوم متعصّبون لأبي بكر وإمامته وهذا وجه آخر من وجوه وضعه واختلاقه

قال الحافظ ابن الجوزي: « قد تعصَّب قوم لا خلاق لهم يدّعون التمسّك بالسُنّة فوضعوا لأبي بكر فضائل »(٣) .

لكن من هم؟

هم « البكرية » أنفسهم!!

____________________

(١). شرح المواقف - مباحث الإِمامة ٨ / ٣٥٤.

(٢). فيض القدير ٢ / ٥٦.

(٣). الموضوعات ١ / ٣٠٣.

٤٣٧

قال العلّامة المعتزلي: « فلمـّا رأت البكرية ما صنعت الشيعة(١) ، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: ( لو كانت متّخذاً خليلاً ) فإنّهم وضعوه في مقابلة ( حديث الإِخاء ). ونحو ( سدّ الأبواب ) فإنّه كان لعليعليه‌السلام ، فقلبته البكرية إلى أبي بكر. ونحو: ( ايتني بدواةٍ وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه إثنان ) ثم قال: ( يأبى الله والمسلمون إلّا أبا بكر ) فإنّهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عنه في مرضه: ( إيتوني بدواةٍ وبياض أكتب لكم ما لا تضلّون بعده أبداً. فاختلفوا عنده وقال قوم منهم: لقد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله ) ونحو حديث: ( أنا راضٍ عنك، فهل أنت عنّي راض؟ ) ونحو ذلك »(٢) .

وبعد، فما مدلول هذا الحديث ونحن نتكلّم هنا عن هذه الجهة وبغضّ النظر عن السند؟

يقول المناوي: « أمره بمطاوعتهما يتضمّن الثناء عليهما، ليكونا أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه ».

لكنّ أوّل شيء يعترض عليه به تخلّف أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن تبعه عن البيعة مع أمرهما به، ولذا قال:

« فإن قلت: حيث أمر باتّباعهما فكيف تخلّف عليرضي‌الله‌عنه عن البيعة؟ قلت: كان لعذر ثم بايع، وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما »(٣) .

أقول: لقد وقع القوم - بعد إنكار النصّ وحصر دليل الخلافة في الإِجماع - في مأزق كبير وإشكال شديد، وذلك لأنّهم قرّروا في علم الاُصول أنّه إذا خالف

____________________

(١). الذي صنعته الشيعة أنّها استدلّت بالأحاديث التي رواها أهل السنّة في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام باعتبار أنّها نصوص جليّة أو خفيّة على إمامته كما ذكر صاحب « شرح المواقف » وغيره.

(٢). شرح نهج البلاغة ١١ / ٤٩.

(٣). فيض القدير ٢ / ٥٦.

٤٣٨

واحد من الاُمّة أو اثنان لم ينعقد الإِجماع.

قال الغزّالي: « إذا خالف واحد من الاُمّة أو اثنان لم ينعقد الإِجماع دونه، فلو مات لم تصر المسألة إجماعاً، خلافاً لبعضهم. ودليلنا: أنّ المحرّم مخالفة الاُمّة كافّة »(١) .

وفي مسلّم الثبوت وشرحه: « قيل: إجماع الأكثر مع ندرة المخالف بأنْ يكون واحداً أو اثنين إجماع والمختار أنّه ليس بإجماع لانتفاء الكلّ الذي هو مناط العصمة. ثم اختلفوا فقيل: ليس بحجّةٍ أصلاً كما أنّه ليس بإجماع، وقيل: بل حجّة ظنّية غير الإِجماع، لأنّ الظاهر إصابة السواد الأعظم قيل: ربّما كان الحقّ مع الأقل وليس فيه بعد ».

فقال المكتفون بإجماع الأكثر: « صحّ خلافة أبي بكر مع خلاف علي وسعد ابن عبادة وسلمان ».

فأجيب: « ويدفع بأنّ الإِجماع بعد رجوعهم إلى بيعته. هذا واضح في أمير المؤمنين علي ».

فلو سلّمنا ما ذكروه من بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فما الجواب عن تخلّف سعد بن عبادة »؟!

أمّا المناوي فلم يتعرّض لهذه المشكلة وتعرّض لها شارح مسلّم الثبوت فقال بعد ما تقدّم: « لكنّ رجوع سعد بن عبادة فيه خفاء، فإنّه تخلّف ولم يبايع وخرج عن المدينة، ولم ينصرف إلى أن مات بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف مضتا من خلافة أمير المؤمنين عمر، وقيل: مات سنة إحدى عشرة في خلافة أمير المؤمنين الصدّيق الأكبر. كذا في الاستيعاب وغيره. فالجواب الصحيح عن تخلّفه: أنّ تخلّفه لم يكن عن اجتهاد، فإنّ أكثر الخزرج قالوا: منّا أمير ومنكم أمير، لئلّا تفوت رئاستهم ولم يبايع سعد لما كان له حبّ السيادة، وإذا لم

____________________

(١). المستصفى ١ / ٢٠٣.

٤٣٩

تكن مخالفته عن الاجتهاد فلا يضرّ الإِجماع

فإن قلت: فحينئذٍ قد مات هورضي‌الله‌عنه شاقّ عصا المسلمين مفارق الجماعة و قد قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وأصحابه وسلّم: لم يفارق الجماعة أحد ومات إلّا مات ميتة الجاهلية. رواه البخاري. والصحابة لا سيّما مثل سعد برآء عن موت الجاهلية.

قلت: هب أنّ مخالفة الإِجماع كذلك، إلّا أنّ سعداً شهد بدراً على ما في صحيح مسلم، والبدريّون غير مؤاخذين بذنب، مثلهم كمثل التائب وإنْ عظمت المصيبة، لِما أعطاهم الله تعالى من المنزلة الرفيعة برحمته الخاصة بهم. وأيضاً: هو عقبي ممّن بايع في العقبة، وقد وعدهم رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وأصحابه وسلّم الجنّة والمغفرة. فإيّاك وسوء الظنّ بهذا الصنيع. فاحفظ الأدب »(١) .

ولو تنزّلنا عن قضية سعد بن عبادة، فما الجواب عن تخلّف الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام ؟! وهي من الصحابة، بل بضعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإذا كان الصحابة - لا سيّما مثل سعد - برآء عن موت الجاهلية، فما ظنّك بالزهراء التي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني »(٢) و قال: « فاطمة بضعة منّي، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها »(٣) . و قال: « فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة إلّا مريم بنت عمران »(٤) هذه الأحاديث التي استدلّ بها الحافظ السهيلي وغيره من الحفّاظ على أنّها أفضل من الشيخين فضلاً عن غيرهما(٥) .

____________________

(١). فواتح الرحموت - شرح مسلّم الثبوت ٢ / ٢٢٣ - ٢٢٤.

(٢). فيض القدير ٤ / ٤٢١ عن البخاري في المناقب.

(٣). فيض القدير ٤ / ٤٢١.

(٤). فيض القدير ٤ / ٤٢١.

(٥). فيض القدير ٤ / ٤٢١.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735