موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 5%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 486492 / تحميل: 5747
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الفصل السابع

فلسفة النهضة الحسينيّة وأهدافها

١ ـ أسباب ضة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مبررات النهضة

٣ ـ متى يجب القيام؟

٤ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله؟

٥ ـ هل ألقى الحسينعليه‌السلام بيده إلى التهلكة؟

ـ بين هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرة السبطعليه‌السلام

٦ ـ معالم النهضة المقدّسة

٧ ـ أهداف ضة الحسينعليه‌السلام

٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية

ـ فلسفة الابتلاء.

٢٦١

نهضة الإمام الحسين (ع)

قال الامام الحسين (ع) في وصيته لاخيه محمد بن الحنفية :

إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وانما خرجت أطلب الاصلاح في أمة جدي محمد (ص).

أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمد (ص) وسيرة أبي علي بن أبي طالب (ع).

وقال الشاعر على لسان الامام الحسين (ع) :

إن كان دين محمد لم يستقم

الا بقتلي ، يا سيوف خذيني

٢٦٢

الفصل السابع

فلسفة النهضة الحسينيّة وأهدافها

* تعريف بالفصل :

قبل الدخول في النهضة الحسينية وأحداثها المختلفة ، لا بدّ لنا من معرفة أسبابها وأهدافها ونتائجها. وهو ما سنعالجه في هذا الفصل.

نبدأ الفصل بالتفريق بين معنى (النهضة) ومعنى الثورة ، ثم نبيّن أسباب النهضة التي واكبت موت معاوية ومجيء يزيد ، وقد تغيرت الأوضاع ومستوى الانحراف عما كانت عليه في عهد الإمام الحسنعليه‌السلام ، وأصبح الإسلام على عتبة الزوال والاضمحلال. فكان لا بدّ لقائد الأمة وهو الحسينعليه‌السلام من القيام بمسؤوليته في التصحيح والأمر بالمعروف. لقد كان تصميم بني أمية من خلال معاوية على تقويض الإسلام ، وفق المستوى النظري والعملي ، فحاولوا الإبقاء على المظهر الخارجي للإسلام كغطاء ، للإجهاض على معانيه وجوهره الداخلي. ومن أهم مظاهر ذلك التغيير إحباط نظام الشورى ، وجبر المسلمين على نظام الملكية الوراثية ، الّذي يحاربه الإسلام ولا يرضى به. فاستلم معاوية الحكم قهرا عن المسلمين ، بالخديعة والمكر والنزاع والخروج على إمام زمانه ، وهو يعلم أنه من الطلقاء الذين ناهضوا هم وآباؤهم الدعوة الإسلامية منذ بزوغها ، والذين لا تجوز لهم الخلافة قطعا ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان ، الطلقاء وأبناء الطّلقاء».

وقد استخدم معاوية وبنو أمية في حربهم للإسلام ، ولنشر المبادئ المعاكسة للإسلام ، كلّ وسيلة من وسائل الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق للتسلط على المسلمين. وبما أن المسلمين كانوا قد وصلوا إلى وضع معنوي مائع مهلهل ، فقد عملت أساليب بني أمية فعلها فيهم ، واستعبدتهم لأنهم كانوا عبيدا للدنيا ، وكان الدين لعقا على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم. لكن أهداف هذه الردّة

٢٦٣

الجديدة ضد الإسلام ، بعد ردّة مسيلمة الكذاب ، لم تدم كثيرا بفضل نهضة الحسينعليه‌السلام وإيقاظه ضمائر المسلمين للدفاع عن دينهم وشريعتهم ، ونبذ أعداء الإسلام المتبرقعين بلباسه ورسمه. فكانت ثورة كربلاء نقطة الانطلاق إلى ثورات مستمرة لم تسكن حتّى قوّضت عرش الأمويين عام ١٣٢ ه‍. وكما يقول الفيلسوف الألماني (ماربين) : «إن الحسين قد أدى الغاية الأساسية من نهضته بأسلوبه الفذّ العبقري ، حتّى أن استشهاده قد قصم عمر تلك الدولة العنصرية إلى أقل من مائة عام ، بينما كان يتوقع لها أن تعيش أضعاف تلك المدة».

وبعد مناقشة أسباب النهضة ومراميها ، نردّ على من زعم أن الحسينعليه‌السلام كان مخطئا في خروجه على يزيد ، وأنه بخروجه شقّ عصا المسلمين ، وهؤلاء نفسهم لم ينسبوا إلى معاوية هذا الحكم حين شقّ عصا الطاعة فعلا وخرج على إمام زمانه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وحاربه ، وسبّب بذلك تشتت المسلمين وتنازعهم ، وبالتالي أضعف الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين.

ثم نردّ على من ادّعى أن الحسينعليه‌السلام قد ألقى بنفسه إلى التهلكة ، إذ لم يكترث بالنصائح العديدة التي وجّهت إليه. كما نردّ على الذين أنكروا عليه حمله نساءه وأطفاله معه إلى كربلاء.

وكما قال بعضهم : لو قدّر هؤلاء الناصحون الأخطار المحيطة بالإسلام في ذلك المنعطف التاريخي الحاسم ، كما قدّرها الحسينعليه‌السلام ، لكان الأولى بهم نصرته بالسيف والسنان ، عن تقديم النصيحة له بالقول واللسان.

وننهي الفصل بلمحة عن «فلسفة الابتلاء». وكيف أن الله يبتلي المؤمنين أكثر من الفاسقين والكافرين ، ليعلي من منزلتهم ويجعلهم قدوة ومنارا للآخرين.

ـ الفرق بين الثورة والنهضة :

المقصود من كلمة (النهضة) في هذا الفصل ، تلك الحركة المدروسة المخططة التي قام بها الإمام الحسينعليه‌السلام ، والتي كان عارفا بمقاصدها ومصمما على خوضها ، مهما كلفّه ذلك من إيثار وبذل وتضحيات.

ولم تكن تلك الحركة وليدة الصدفة والاتفاقات ، ولا نتيجة ردود فعل ولا أحقاد ، بل كانت خطة مقررة ، تسير على خط مرسوم ، من أول حركتها إلى آخر أحداثها ، تنهج على مبدأ راسخ ورسالة ثابتة. خطة رسمها الإمام العظيم ، ذو العقل

٢٦٤

الكبير والقلب الجريء ، لا يبغي من ورائها النتائج الوقتية الآنيّة ، بقدر ما يرمي إلى نتائجها الجسيمة البعيدة المدى.

وبحق لقد كانت شهادة الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم عاشوراء ، المشعل الّذي ألهب الثورة في قلوب المسلمين للحفاظ على عقيدتهم والدفاع عن شريعتهم ، بعد ما أظهرعليه‌السلام حقيقة منتحلي الإسلام ، من الأعوان والحكام. فما لبثت الثورات أن تعاقبت تباعا بعد استشهاد الحسينعليه‌السلام ، حتّى تقوّض عرش بني أمية في قرن من الزمن ، وقد كان مقدّرا له أن يدوم عدة قرون.

١ ـ أسباب نهضة الحسينعليه‌السلام

* مدخل :

لم تكن معركة الحق مع الباطل سهلة بسيطة ، بل كانت متشابكة المعالم. وحين استلم عثمان الخلافة طأطأ بنو أمية فرحا ، وعلموا أن الأمر قد توطّد لهم. وفعلا فإن عثمان ـ وهو من وجوه بني أمية ـ قد فعل ما حذّره منه سلفه عمر بن الخطاب ، فعزل الولاة الأكفاء ، واستبدل بهم ولاة من بني أمية ، حتّى صار مروان بن الحكم طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمين سرّ الخليفة ، يسرح ويمرح.

ولما تولى الخلافة الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصيب بنو أمية بنكسة عارمة ، وخافوا أن يفلت الأمر من أيديهم إلى الأبد ، فقاموا بقيادة زعيمهم معاوية ، الّذي تمركز في الشام ، قاموا بإعلان الحرب على الإمام وخلع الطاعة عن خليفة الإسلام. وبما أنه ليس لهم أي سهم وقدم في الإسلام أمام عليعليه‌السلام . فحاولوا إيهام الرأي العام بأن علياعليه‌السلام له ضلع في مقتل عثمان ، أو أنه متواطئ مع قتلته لأنه لم يقبض عليهم ويحاكمهم.

وفي الواقع إن الّذي قتل عثمان هو معاوية ، لأنه منّاه بالمساعدة العسكرية سرّا ، حتّى إذا أحيط به أسلمه وتخلّى عنه. أما قتلة عثمان ، فإن الأمر لما صار بيد معاوية لم يحاكمهم ولم يقبض عليهم ، فما عدا مما بدا!.

وتنفس بنو أمية الصعداء حين اغتيل عليعليه‌السلام ، فتنادوا لحرب الإمام الحسنعليه‌السلام ، بعد أن فتنوا أصحابه بالأموال ، وأفسدوا ضمائرهم بالآمال.

٢٦٥

فكانت حكمة الحسنعليه‌السلام أن يلوذ بالصلح حقنا للدماء. لكن الحسينعليه‌السلام وإن رضي بالصلح طاعة لأخيه الحسنعليه‌السلام ، إلا أنه كان كمن يجدع أنفه بالمقراض ويضرب بالسياط. وظل محترما لعهد الصلح الّذي أمضاه أخوه رغم تخلّي معاوية عنه ، فلم يجد بعد وفاة أخيه أية مصلحة في التحرك ، مادام معاوية حيا.

لكن ما أن هلك معاوية سنة ٦٠ ه‍ حتّى صمم الحسينعليه‌السلام على إعلان النهضة المقدسة ، لتوفّر ظروفها وأسبابها. ومن هذه الظروف تكشير يزيد عن أنيابه للإجهاز على آخر رمق من الإسلام ، ثم تنادي العراقيين لعقد رايتهم تحت لواء الحسينعليه‌السلام . وقد صرّح الحسينعليه‌السلام بأنه لم يبايع معاوية ولن يبايع يزيد ، وأنه يرفض كل حلّ سلمي أو وسط. وحتى لو كان بعض أهل العراق قد شبّ على الشقاق والنفاق والغدر والخيانة ، فكان لا بدّ له كمسؤول عن الدين والإسلام ، من متابعة المسيرة معهم إلى آخر الطريق. لأن من واجبه إقامة الحجة عليهم ، واستيعابهم وعدم التخلي عنهم.

ولم يكن من رأيهعليه‌السلام البقاء في الحجاز ، لأن أهلها لم يكونوا من المتعاطفين معه ، ولا أن يسير إلى اليمن لأنهم لم يثبتوا صلابتهم سابقا. فكان العراق ملجأه الوحيد.

وحتى مع علم الحسينعليه‌السلام بغدر أهل العراق وسرعة تقلّبهم ، وبأن مصيره القتل المعلوم ، إلا أن ذلك لا يسوّغ له شرعا إلا أن يعاملهم على الظاهر ، وينهد إليهم عند الطلب. فكان هو كبش الفداء ، الّذي قدّم نفسه عامدا متعمدا ، قربانا لإحياء دين جده ، إن لم يكن ذلك عاجلا فآجلا.

وكان كلما نصحه أحد من أصحابه ، كأخيه محمّد بن الحنفية أو ابن عمه عبد الله بن عباس أو ابن عمه عبد الله بن جعفر أو غيرهم ، بالبقاء أو المسير إلى جهة أخرى ، كان يشكرهم على نصيحتهم ، ويعتذر لهم بأن ما قضى الله فهو كائن ، وأن مسيره إلى مصرعه ليس بأمره.

وحين قال له ابن الحنفية : فما سبب حملك هذه النسوة معك؟ أجابعليه‌السلام :«قد شاء الله تعالى أن يراهنّ سبايا».

٢٦٨ ـ الدوافع إلى النهضة :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ص ٧٤)

إن جملة من العوامل دفعت الإمام الحسينعليه‌السلام إلى إعلان نهضته إثر حكم

٢٦٦

يزيد ، منها نقض معاوية لبنود الصلح بتولية يزيد ، ومنها مكاتبة أهل العراق للحسينعليه‌السلام يطلبون منه النهوض.

والسؤال الّذي يطرح نفسه بإلحاح ، هو مدى تأثير دعوة أهل الكوفة للإمامعليه‌السلام للثورة ، وهل إن هذا العامل يعتبر سرّ التحرك الحسيني؟. وما هي الدوافع الحقيقية من تحرك الإمامعليه‌السلام ؟. أهي للشهادة كما صوّرها البعض ، باعتبار أنه يعلم مصيره المحتوم؟ أم لإقامة حكومة إسلامية؟.

وللإجابة على هذا السؤال نقول : إن حركة الإمام الحسينعليه‌السلام هي حركة روحية ، وحاجة نفسية ، كحاجة الإنسان إلى الماء والغذاء. فلو أن الحسينعليه‌السلام لم يكن عالما بمصيره ، لم يكن تحرّكه المندفع من الشعور الذاتي ليتغير عما فعل.

٢٦٩ ـ الأسباب المباشرة وغير المباشرة لنهضة الحسينعليه‌السلام وما هو تكليفه الواقعي والظاهري :

(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ص ١٩٧)

قال السيد عبد الرزاق المقرّم بعد عرضه لنصائح الأصحاب :

هذه غاية ما وصل إليه إدراك من رغب في تريّثهعليه‌السلام عن السفر إلى العراق.وأبو عبد الله الحسينعليه‌السلام لم تخف عليه نفسيات الكوفيين وما شيبت من الغدر والنفاق ، ولكن ماذا يصنع بعد إظهارهم الولاء والانقياد له والطاعة لأمره ، وهل يعذر أمام الأمة في ترك ما يطلبونه من الإرشاد والانقاذ من مخالب الضلال ، وتوجيههم إلى الأصلح الّذي يرضي الله رب العالمين ، مع أنه لم يظهر منهم الشقاق والخلاف. واعتذارهعليه‌السلام عن المصير إليهم بما جبلوا عليه من الخيانة كما فعلوا مع أبيه وأخيه ، يسبب إثارة اللوم من كل من يبصر ظواهر الأشياء. والإمام المقيّض لهداية البشر أجلّ من أن يعمل عملا يكون للأمة الحجة عليه. والبلاد التي أشاربها ابن عباس وغيره لا منعة فيها ، وما أجرى بسر بن أرطاة مع أهل اليمن يؤكد وهنهم في المقاومة والضعف عن ردّ الباغي.

وبهذا يصرّح الشيخ التستري أعلى الله مقامه ، فإنه يقول : كان للحسينعليه‌السلام تكليفان : واقعي وظاهري.

أما [التكليف الواقعي] الّذي دعاه للإقدام على الموت وتعريض عياله للأسر وأطفاله للذبح مع علمه بذلك ، فالوجه فيه أن عتاة بني أمية قد اعتقدوا أنهم على

٢٦٧

الحق ، وأن عليا وأولاده وشيعتهم على الباطل ، حتّى جعلوا سبّه من أجزاء صلاة الجمعة ، وبلغ الحال ببعضهم أنه نسي اللعن في خطبة الجمعة ، فذكره وهو في السفر فقضاه. وبنوا مسجدا سمّوه (مسجد الذكر) فلو بايع الحسين يزيد وسلّم الأمر إليه لم يبق من الحق أثر ، فإن كثيرا من الناس يعتقد بأن المحالفة لبني أمية دليل استصواب رأيهم وحسن سيرتهم. وأما بعد محاربة الحسين لهم وتعريض نفسه المقدسة وعياله وأطفاله للفوادح التي جرت عليهم ، فقد تبيّن لأهل زمانه والأجيال المتعاقبة أحقيته بالأمر وضلال من بغى عليه.

وأما [التكليف الظاهري] فلأنهعليه‌السلام سعى في حفظ نفسه وعياله بكل وجه ، فلم يتيسّر له وقد ضيّقوا عليه الأقطار ، حتّى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أن يقتله فيها ، فخرج منها خائفا يترقّب ، فلاذ بحرم الله الّذي هو أمن الخائف وكهف المستجير ، فجدّوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلة ولو وجد متعلقا بأستار الكعبة ، فالتزم بأن يجعل إحرامه عمرة مفردة وترك التمتع بالحج ، فتوجه إلى الكوفة لأنهم كاتبوه وبايعوه وأكدوا المصير إليهم لإنقاذهم من شرور الأمويين ، فألزمه التكليف بحسب ظاهر الحال إلى موافقتهم إتماما للحجة عليهم ، لئلا يعتذروا يوم الحساب بأنهم لجؤوا إليه واستغاثوا به من ظلم الجائرين ، فاتّهمهم بالشقاق ولم يغثهم. مع أنه لو لم يرجع إليهم ، إلى أين يتوجه وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟!. وهو معنى قولهعليه‌السلام لعبد الله بن جعفر :

«لو كنت في حجر هامّة من هذه الهوام ، لاستخرجوني حتّى يقتلوني».

٢٧٠ ـ من أسباب نهضة الحسينعليه‌السلام لأحد علماء الأزهر :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة للسيد علي بن الحسين الهاشمي ص ١٢)

قال الأستاذ محمّد عبد الباقي سرور ، أحد علماء الأزهر ، في كتابه (الثائر الأول في الإسلام) ص ٧٩ ط مصر :

فلو بايع الحسين يزيد الفاسق المستهتر ، والذي أباح الخمر والزنا ، وحطّ بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم ، والذي ألبس الكلاب والقرود جلاجل من ذهب ، ومئات الألوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان. لو بايع الحسين يزيد أن يكون خليفة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا الوضع ، لكانت فتيا من الحسين بإباحة هذا للمسلمين. وكان سكوته هذا أيضا على

٢٦٨

هذا رضى ، والرضى عن ارتكاب المنكرات ولو بالسكوت إثم وجريمة في حكم الشريعة الاسلامية. والحسين بوضعه الراهن في عهد يزيد هو الشخصية الأولى المسؤولة في الجزيرة العربية بل في البلاد الاسلامية كافة ، عن حماية التراث الإسلامي ، لمكانته في المسلمين ولقرابته من رسول رب العالمين ، ولكونه بعد موت كبار المسلمين أعظم المسلمين في ذلك الوقت علما وزهدا وحسبا ومكانة.فعلى هذا الوضع أحسّ بالمسؤولية تناديه وتطلبه لإيقاف المنكرات عند حدها ، ولا سيما أن الّذي يرتكب هذه المنكرات ويشجع عليها هو الجالس في مقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذا أولا ، وثانيا : إنهعليه‌السلام جاءته المبايعات بالخلافة من جزيرة العرب ، وجاءه ثلاثون ألفا من الخطابات من ثلاثين ألفا من العراقيين من سكان البصرة والكوفة ، يطلبون فيها منه الشخوص لمشاركتهم في محاربة العربيد (يزيد بن معاوية). وألحّوا في تكرار هذه الخطابات ، حتّى قال رئيسهم عبد الله بن أبي الحصين الأزدي : يا حسين سنشكوك إلى الله تعالى يوم القيامة إذا لم تلبّ طلبنا وتقوم لنجدة الإسلام. وكيف والحسين ذو حمية دينية ونخوة إسلامية ، والمفاسد تترى أمام عينيه ، كيف لا يقوم بتلبية النداء!. وعلى هذا الوضع لبّىعليه‌السلام النداء كما تأمر به الشريعة الإسلامية ، فنحا نحو العراق.

(أقول) : ولقد فات الأستاذ سرور أن يكمل كلامه المنصف فيقول : وبالحق لو لم يقم الحسينعليه‌السلام بثورته هذه ، لما كانت تقوم للإسلام قائمة من بعده ، لطغيان الباطل وانطفاء شعلة الإسلام.

٢ ـ مبررات النهضة

* مدخل :

يتساءل الكثيرون : لماذا قام الحسينعليه‌السلام بنهضته المباركة ، في حين لزم الحسينعليه‌السلام جانب الصمت؟. والواقع أن الظروف التي صارت في عصر يزيد تختلف كثيرا عن الظروف التي كانت في عهد معاوية. فحين صالح الإمام الحسنعليه‌السلام مكرها ، ثم داس معاوية على وثيقة الصلح ، انكشفت حقيقته لأتباع الحسنعليه‌السلام وقد كانوا مغرورين به ، فأصبحوا مهيئين للثورة ضده أكثر من ذي قبل.

٢٦٩

هذا من ناحية المحكومين ، أما من ناحية الحاكم ، فإن يزيد كان معلنا بالفسق ، بينما معاوية فقد كان متسترا به ، وإن موت معاوية جعل الحسينعليه‌السلام في حلّ من عقد الصلح كل هذا دفع الحسينعليه‌السلام إلى إعلان النهضة المقدسة في وجه الباطل.

يقول أحدهم في هذا المعنى : (مجموعة نفيسة ، ص ٤٤٨ ط إيران)

لما مات معاوية وانقضت مدة الهدنة التي كانت تمنع الحسينعليه‌السلام من الدعوة إلى نفسه ، أظهر أمره بحسب الإمكان ، وأبان عن حقه للجاهلين به ، حالا بعد حال ، إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار. فدعا إلى الجهاد وشمّر للقتال ، وتوجّه بولده وأهل بيته من حرم الله وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو العراق ، للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء.

وقد اقتطعت هذه الفقرات من كتاب (الأئمة الاثنا عشر ـ دراسة تحليلية) للأستاذ عادل الأديب ، من ص ١٠٥ ـ ١٢٣ :

٢٧١ ـ تغير الأوضاع بين عصر الحسنعليه‌السلام وعصر الحسينعليه‌السلام :

إن دور الإمام الحسنعليه‌السلام يختلف عن دور الإمام الحسينعليه‌السلام . ففي مرحلة الإمام الحسينعليه‌السلام ارتفع الشك عن المسلمين في صحة المعركة وشرعيتها ، وأصبح المسلمون في هذه المرحلة يعيشون تجربة الإمام عليعليه‌السلام كمثل أعلى للحكم الإسلامي العادل. وأدركوا أن انتصار بني أمية هو انتصار للإرستقراطية الجاهلية التي ناصبت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه العداء ، والتي جاهدها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى قضى عليها ، وأقاموا على أنقاضها دعائم الإسلام.

ولا ندهش إذا كره المسلمون بني أمية وغطرستهم وكبريائهم وإثارتهم للأحقاد القديمة ونزوعهم للروح الجاهلية ، والأمويون لم يعتنقوا الإسلام إلا سعيا وراء مصالحهم الشخصية(١) . وهم أول من ابتدع وبشكل سافر في التاريخ الإسلامي نظما وتقاليد بعيدة عن الإسلام ، محاولة منهم التشبّه بملوك الفرس والبيزنطيين ، وحوّلوا الخلافة إلى ملك كسروي وعصب قيصري(٢) .

__________________

(١) تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم ، ج ١ ص ٢٧٨.

(٢) رسالة في معاوية والأمويين للجاحظ ، تحقيق عزة العطار ، ص ١٦.

٢٧٠

٢٧٢ ـ الإسلام على شفا جرف هار :(المصدر السابق ص ١٠٦)

أما بالنسبة لواقع المجتمع الإسلامي ووعيه لقضية الإسلام ، فقد تلخصت نظرة الحسينعليه‌السلام له بالحقيقة التالية : وذلك أن الأمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن تملك وعيا عقائديا ، وأن أقصى ما أفادته منه عاطفة رسالية ، أخذت تتضاءل بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتيجة للأخطاء والتقصيرات المتراكمة والمتلاحقة ، التي مارسوها عبر حياتهم العلمية والعملية ، هذه التقصيرات والأخطاء التي قد لا يحسّ بكل واحد منها على حدة ، ولكنها حين تتراكم تتحول إلى واقع فاسد ، والواقع الفاسد يتحول إلى فتنة(١) ، كما حدث للحسينعليه‌السلام في زمن يزيد.

٢٧٣ ـ الحسينعليه‌السلام أمام مسؤولية الثورة :(المصدر السابق)

هذه الحقائق هي التي دفعت بالحسينعليه‌السلام لأن يخوض غمار معركة يائسة ، حتّى ولو كان لا يرجى منها النصر العسكري الآني. فالمعركة خاسرة لا محالة في حسابها العاجل ، ولكنه استهدف بعمله هذا أن يهزّ ضمير الأمة ، وأن يعيد للإنسان المسلم همّه الرسالي الكبير ، بعد أن غرق حتّى أذنيه بهموم مصلحية صغيرة. فرأى الحسينعليه‌السلام أن يشقّ طريقه في وسط الأمة ، وأن يبذل وجوده ، ووجود أصحابه وأهله وذويه ، بعمل فدائي لاهب ، وأن لا يبخل على مسيرته بما تحتاجه من وقود ، إن من دماء الأمة وآلامها ، وإن من قلبه ودمه.

إلا أن الحسينعليه‌السلام بكل ما حفل به من صفات وظروف مواتية ، أدرك أن تحريك الأمة وهزّها ، لا يمكن أن تجدي له الكلمات والخطب الحماسية ، بل لا بدّ من تحريك إرادتها المهزومة بفدية تتوهج بالدم ، مبرهنا على صدق رؤيته للحاضر والمستقبل ، بتضحيته الفريدة.

٢٧٤ ـ بين فقدان الثقة وفقدان الإرادة :(المصدر السابق ، ص ١٠٨)

لقد أسرع الحسينعليه‌السلام بأخذ زمام المبادرة بعد أن أدرك بأن المجتمع في ظرفه الحالي وتأثره الشديد بالتخدير الديني للأفكار المضللة التي روّج لها بنو أمية ، وخوفه من القمع المادي ، وخضوعه الطويل للحكام المستبدين ؛ لا يمكن أن تنبعث فيه مفاهيم الرسالة ، بطريق الحوار الفكري والإقناع ، فهو آخر شيء يمكن أن يؤثر

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٢٦٤.

٢٧١

فيه. ولأن الأمة كما ذكرنا في عصر الإمام الحسنعليه‌السلام قد ابتليت بظاهرة الشك في القيادة ، فكان الصلح أسلوبا تسترجع معه الثقة ؛ أما الأمة في عصر الحسينعليه‌السلام فقد ابتليت بفقدان الإرادة ، وتميّعت فيها إرادة النضال ، وأصبح المسلمون أذلاء مستضعفين ، فهم يدركون بعد الخليفة الأموي عن الإسلام ، وأن الحسينعليه‌السلام هو القائد الحق ، ولكن إرادتهم كانت ضعيفة إزاء نصرة الحسينعليه‌السلام ، وكما قيل : «قلوبهم مع الحسين ، وسيوفهم عليه»(١) .

هذا القول الأخير هو تصوير دقيق ومعبّر للمجتمع الّذي وصل إليه الوضع الأموي ، بكل ما ملك من أسباب القوة والتشريد والتقتيل ، فكانت بوادر الخنوع والرضا بالوضع القائم ، لإيجاد مختلف الوسائل والمبررات على القعود والاستكانة(٢) .

فالحسينعليه‌السلام أراد باستشهاده الفاجع إيقاظ الإرادة المخدّرة بفعل المذاهب الدينية المفتعلة ، ولكي تكون سوطا لاهبا يدمي ظهور الحكام ، وموقظا بها تلك النفوس الغافلة لتقوم بمحاكمة واعية لذاتها إزاء نظرة الرسالة ، ويعينها في تحرير إرادتها من ظاهرة القلق والتردد الفكري ، وتفاقم شكّها في القيادة الحكيمة ، وهو بهذا يخرجها إلى مواقف ثابتة ، تأخذ أبعادها بوعي من تحديات الشريعة الإسلامية وموقفها الصارم من الإنحراف.

٢٧٥ ـ الحسينعليه‌السلام لا يعبأ بالنصائح والتحذيرات :

وإزاء إصرار الإمامعليه‌السلام على خطة الثورة ، نشطت محاولات كثيرة تنصح الحسينعليه‌السلام بعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يشعل فتيل المواجهة مع يزيد ، بحجة الفشل المحتم لنتائج المواجهة العسكرية المحتملة ، ولكن الإمامعليه‌السلام كان يعرف هدفه جيدا ببصيرته المعصومة ، بأنه سوف ينتصر باستشهاده الفاجع ، ولا يفكر بنتائج الربح العسكري الآني ، مع علمه بقلة العدد وخذلان الناصر : «ألا وإني زاحف بهذه الأسرة ، على قلة العدد وخذلان الناصر».

ولمن يريد أن يفهم الحسينعليه‌السلام في ثورته ، عليه أن يبحث عن أهدافه ونتائج

__________________

(١) القول للفرزدق الشاعر ، انظر الطبري ، ج ٤ ص ٢٩٠.

(٢) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ٢١.

٢٧٢

ثورته ، في غير النصر الآنيّ الحاسم ، وفي غير الاستيلاء على مقاليد الحكم والسلطان.

فالنصوص المتوفرة لدينا تدلّ بصراحة على أن الحسينعليه‌السلام كان عالما بالمصير الّذي كان ينتظره. ولقد كان يجيب من ينصحه بالمهادنة والسكوت ، ومن يخوفونه بالموت :

«لقد غسلت يدي من الحياة ، وعزمت على تنفيذ أمر الله»(١) .

٢٧٦ ـ محاولة معاوية حرف مبادئ الإسلام على المستويين النظري والعملي :

(المصدر السابق ، ص ١١٧)

لقد مال الإمام الحسنعليه‌السلام من خلال صلحه مع معاوية إلى إيقاف العمل السياسي والعسكري الظاهر ولو مؤقتا ، لكي يسترجع الإمامعليه‌السلام قيادته ، وثقة الجماهير به ، بعد أن ينكشف معاوية أمام الجماهير ، وتتضح معالم أطروحته الجاهلية لها. فمعاوية في أواخر حياته فقد كل رصيده الروحي ، وكل تلك المبررات التي اصطنعها لنفسه ، محاولا تزييفها في نفوس المسلمين.

وحين سيطر معاوية على الحكم نتيجة للهدنة مع الحسنعليه‌السلام بدأ يعمل بدأب من أجل تهديم الإسلام وحرفه ، ومن أجل تثبيت أطروحته وقيادته الجاهلية ، سواء على المستوى النظري أو المستوى العملي.

٢٧٧ ـ تغيير مفاهيم الإسلام :

(المصدر السابق)

أخذ معاوية يعمل على طمس وتشويه النظرية الإسلامية ومحاولة تزييفها ، ولعل أخطر ما توصل إليه الأمويون من طرق التغلب على الشعور الإسلامي الثائر ، وتحطيم ما لأهل البيتعليهم‌السلام من سلطان روحي على المسلمين ؛ وذلك بتخدير شعورهم الديني ، وإيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية ، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة ، برادع داخلي هو الدين نفسه.

وتمثلت أساليبه في طمس النظرية الإسلامية وتزييفها بالخطين التاليين :

١) ـ اختلاق الأحاديث وشراء الأحاديث من بعض الذين كان لهم من

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ، ص ٢٠.

٢٧٣

الاستعداد في ذم عليعليه‌السلام والبراءة منه ، والكذب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقابل عطاء كبير. أما بالنسبة للذين أبوا الانصياع لأوامره في الدس والكذب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد نعتهم بالروافض ، لأنهم رفضوا مسايرته وتنفيذ خططه الجاهلية ، وحاول الضغط عليهم وإرهابهم بشتى الوسائل.

فقد كتب معاوية إلى ولاته بعد «عام الجماعة «أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته. فقام الخطباء المنافقون في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه. وكان أشد الناس بلاء على حكمه حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة الإمامعليه‌السلام ، فاستعمل عليها زياد بن سمية وضم إليه البصرة ، فكان يتتبع الشيعة فيقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق(١) .

وقد عملت أحاديث عمرو بن العاص وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو ابن الزبير عملها السام ، وأعطت ثمارها الخبيثة ، في صورة تسليم تام وخضوع أعمى للحكم الأموي(٢) .

٢) ـ اختلاق الفرق الدينية ذات الأغراض السياسية باسم الإسلام ، لتبرير حكم بني أمية ، بعد أن توضع لها التفسيرات الدينية المضللة ، وتصاغ بأطر إسلامية مزيفة ، تتّخذ اسم (المرجئة) تارة (والجبرية) أخرى ، هادفين من وراء هذا العمل الدنيء لفت أنظار المسلمين عن الثورة.

فمعاوية أول من قال بالفكرة الجبرية ودافع عنها ، وأوهم الناس أنه طالما كل شيء يجري بقضاء الله ، فإن تولّيه الحكم هو بأمر الله ومشيئته ، وهو يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء. فاعتلاؤه إلى السلطة هو عطاء إلهي ومشروع.

أما المرجئة فكانوا عونا وسندا لحكم معاوية ، جاءت آراؤهم ومعتقداتهم تبريرا لخلافته ، وإقناعا للمسلمين بوجوب طاعته. وتتلخص فكرتهم في توقّف الحكم

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ١٦٤.

(٢) الحركات السرية في الإسلام للذكتور محمود إسماعيل ، ص ٩٣. والمغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار ، ج ٨ ص ٤.

٢٧٤

على فاعل الكبيرة ، وإرجاء أمره إلى الله ، فهو يحاسبه وليس نحن. ويقولون بأن الإيمان تصديق بالقول وليس بالعمل.

ولا غرو فقد تحول معظم المسلمين إلى «الإرجاء «وعنوا بأمورهم الداخلية ، دون النظر إلى نوعية السلطة الحاكمة ، وخاصة عند حدوث الفتن.

ويستند المرجئة لترويج مذهبهم بحديث ينقلونه عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«ستكون فتن ، القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ...».

وفعلا نرى أن ظاهرة التخدير الديني أخذت تتمكن من النفوس وتتجاوب معها ، وأخذ الوعي الإسلامي بالانحسار ، حتّى أصبح الإسلام مهددا في وجوده كرسالة للحياة.

٢٧٨ ـ استخدام أساليب الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق ، للتسلط على المسلمين :

(المصدر السابق ، ص ١٢١)

أما على مستوى الأمة التطبيقي ، فقد مارس معاوية ألوانا كثيرة من الإذلال ، ومحاولات دؤوبة لتمييع شخصية الأمة ، وإثارة الضغائن والأحقاد القومية والإقليمية والطبقية داخل المجتمع الإسلامي.

حتّى أننا نشاهد ذلك الإنسان المسلم الّذي حارب بالأمس طاغوت كسرى ، ووقف أمامه متحديا بكل إباء ، وعاش هموم المظلومين والمحرومين في كل أرجاء الأرض ، ينقلب فجأة إلى فرد لا يهمه إلا عطاؤه وطعامه ومصالحه الشخصية الحقيرة.

فبنو أمية استعانوا بكل وسائل القمع والقهر لتبديد قوة الخصوم ، وسحق الجماعات المعارضة لهم بالأساليب التالية :

١ ـ الإرهاب : وكان الرجل ـ على عكس مبدأ الإسلام ـ يؤخذ بمجرد الشبهة ، ويجرى القصاص مع أهل بيته إذا لم يمكن مسكه. وسيرة زياد بن أبيه لم تنس بعد ، فقد خطب في أهل العراق مهددا بأنه سيأخذ البريء بالمسيء. حتّى إذا ردّه حجر بن عديّ في هذا وذكّره بقوله تعالى :( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) [الأنعام : ١٦٤] صنع معه ما صنع ، حتّى كانت حادثة قتل حجر وأصحابه رضي الله عنهم.

٢٧٥

٢ ـ التجويع : فكانت سياسة معاوية تخفيض جرايات أهل العراق وزيادة جرايات أهل الشام ، مبررا عمله هذا بقوله : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركته كان جائزا لي.

٣ ـ الطرد الجماعي والتهجير : فقد حمل زياد بن أبيه والي العراق في زمن معاوية خمسين ألفا من الكوفيين وأجبرهم على النزوح من الكوفة إلى خراسان ، وبذلك حطّم المعارضة في الكوفة وخراسان معا.

٤ ـ إحياء النزعة القبلية والعنصرية : كان يثيرها معاوية لسببين :

الأول : لضمان ولاء القبائل له.

الثاني : لضرب بعضهم ببعض.

ولقد أثار معاوية العصبية العنصرية عند العرب عموما ضد المسلمين غير العرب.

٢٧٩ ـ نهضة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٢٣)

ومن هنا رأى الحسينعليه‌السلام أن كل شيء جاهز ، ليطلق الإسلام صيحته في حسم هذا الركام الّذي يغطّ في نوم عميق ، لعلها تشقّ سمعه ولو بعد حين. وكان الحسينعليه‌السلام أول من شقّ طريقه في وسط الأمة ، ورمى بثقله في إصلاح كيانها من الداخل ، ولم يبخل على مسيرته بما تحتاجه من وقود ، من نفسه ومن دماء أصحابه.

٣ ـ متى يجب القيام؟

* مدخل :

كانت دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول أمرها سرّية ، حتّى اجتمعت له مقوّمات معينة لإعلانها على الملأ. ومن أهم هذه المقوّمات وجود الأنصار الصادقين. ولذلك قال الإمام عليعليه‌السلام : «لو تمكّنت من أربعين رجلا ...». وحين اجتمع له الأنصار بعد عثمان قام بالأمر ، وقال في آخر خطبته الشّقشقيّة : «أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة (أي خلق الناس) ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء في أن لا يقارّوا على كظةّ ظالم ولا سغب مظلوم ؛ لألقيت حبلها على غاربها ..». أي لو لا هذه الأشياء لأقلعت عن الخلافة وتركتها.

٢٧٦

من هذه الوثيقة المقدسة ، نتعرّف على أسباب النهضة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، وهي :

١ ـ وجود الأنصار الملتزمين ، الذين لا يسلمون رئيسهم عند الوثبة.

٢ ـ أن النهضة تكون أكثر تعيّنا على العلماء وهم قادة الحق والدين ، فالله قد أخذ ميثاقهم على إنكار كل ظلم وحيف ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان في ذلك فائدة تحصل ، آنيّة أو مستقبلية.

ومن هذا المنطلق وجد الحسينعليه‌السلام أن الانحراف عن الدين استشرى ، وأنه قد تسلّط على الخلافة أعتى وجوه القوم. فحين آنس من الأنصار القيام ،

لم يتلكأ ساعة عن إعلان النهضة. إنها المسؤولية الشرعية الكبرى التي تقع على كل مسلم ، وعلى كل عالم ، فكيف على إمام الأمة وممثل الإسلام؟!.

وفي مقابل هذه النهضة المبينة ، بدأ الإعلام الأموي يفعل فعله.

٢٨٠ ـ الإعلام الأموي المضاد للثورة :

(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ص ٢٨ ـ ٣١)

قال الشيخ محمّد مهدي شمس الدين :

لقد تمثلت جهود الأمويين في سبيل تعطيل فعل الثورة في الأمة باتجاهات ثلاثة :

ـ الاتجاه الأول : رفع مسؤولية يزيد عما حدث ، وإلقاء المسؤولية على ابن زياد.تماما كما فعل في كتابه الصغير الّذي وصفه المؤرخون بأنه (أذن فأرة) وقد أرفقه يزيد مع كتابه الكبير إلى الوليد بن عتبة واليه على المدينة ، بأخذ البيعة من أهلها. وجاء في كتابه الصغير : خذ البيعة من الحسينعليه‌السلام ، فإن أبى فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه. أراد بهذا الكتاب الصغير أيضا تعمية الأمر على الناس وخداعهم وإضاعة المسؤولية.

ـ الاتجاه الثاني : تشويه الثورة ، ومنه إيهام الناس بأن الحسينعليه‌السلام عرض على يزيد أن يضع يده في يده. وهذا محال ينفيه تصريح عقبة بن سمعان. ثم إيهام الناس أن الثورة هي من صنع الخوارج والحرورية.

٢٧٧

ـ الاتجاه الثالث : نزع صفة الشرعية عن الثورة الحسينية ، وأن الحسينعليه‌السلام كان مخطئا في قيامه على يزيد.

وقد صوّب أكثر علماء السنة قيام الحسينعليه‌السلام على الظلم والفساد ، نعطي أمثلة منهم.

٢٨١ ـ تصويب الخارجين على الظلم :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)

يقول ابن عماد : والعلماء مجمعون على تصويب قتال عليعليه‌السلام لمخالفيه ، لأنه الإمام الحق. ونقل الاتفاق أيضا على تحسين خروج الحسينعليه‌السلام على يزيد ، وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني أمية ، وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج. ثم الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد والحجاج ، ومنهم من جوّز الخروج على

كل ظالم.

وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة : قتل عثمان ، وقتل الحسينعليه‌السلام ، ويوم الحرّة ، وقتل ابن الزبير.

٢٨٢ ـ قول ابن الجوزي :

(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ، ص ٣٢)

قال ابن الجوزي في (السرّ المصون) :

من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنة أنهم قالوا : كان يزيد على الصواب ، والحسينعليه‌السلام مخطئ في الخروج عليه وإنما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة ، عاميّ المذهب ، يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة.

٢٨٣ ـ قول الشوكاني :

(نيل الأوطار للشوكاني ، ج ٧ ص ١٤٧)

وقال الشوكاني : لقد أفرط بعض أهل العلم ، فحكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه ، باغ على الخمّير السّكّير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله. فياللعجب من مقالات تقشعر منها الجلود ، ويتصدّع من سماعها كل جلمود.

٢٧٨

٢٨٤ ـ تأييد نهضة الحسينعليه‌السلام للشيخ محمّد عبده :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٣)

قال الشيخ محمّد عبدهرحمه‌الله : إذا وجدت في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع ، وحكومة جائرة تعطله ، وجب على كل مسلم نصر الأولى وخذل الثانية.

ثم قال : ومن هذا الباب ، خروج الإمام الحسينعليه‌السلام سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمام الجور والبغي ، الّذي ولي أمر المسلمين بالقوة والمكر يزيد بن معاوية ، خذله الله ، وخذل من انتصر له من الكرامية والنواصب(١) . قال تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٩) [الحجرات : ٩].

٢٨٥ ـ من الّذي خرج على إمام زمانه؟ :

(أقول) : ولقد دفع التعصب المقيت بعض المؤرخين حتّى إلى تخطئة الإمام الحسينعليه‌السلام في نهضته ، وقالوا : إنه كان يجب عليه أن لا يخرج على إمام زمانه!. سمعت هذا بأذني من إذاعة دمشق في الخمسينات ، في حديث للأستاذ الشهير علي الطنطاوي قبل ارتحاله إلى السعودية. فلقد قال : إن يزيد هو الإمام الواجب الطاعة ، وإن الحسين مخطئ لأنه خرج على إمام زمانه!.

(أقول) : ومتى كان يزيد إمام زمان الحسينعليه‌السلام ؟. ومن الّذي وضعه إماما عليهم ، سواء من أهل الحل والعقد ، أو من أجلّاء الصحابة والتابعين ، من الأنصار والمهاجرين؟. لا بل إن أبناء الصحابة المشهورين كلهم لم يبايعوا يزيد رغم الإنذار والوعيد ؛ أمثال : عبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير.وإذا كان لا يجوز القيام ضدّ الفاجر المتسلط يزيد لأنه إمام زمانهم ، فلما ذا قام أهل المدينة بثورتهم ضد يزيد وأخرجوا عامله منها؟ وكانت لهم معه وقعة الحرّة في المدينة ، التي قتل فيها أجلّاء الصحابة والتابعين!. أفهؤلاء كلهم كانوا على خطأ ، ويزيد هو الوحيد الّذي كان على حق ، يا شيخ علي؟!.

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ١ ص ٣٦٧ في تفسير سورة المائدة الآية ٣٦ و ٣٧ ؛ وج ١٢ ص ١٨٣ و ١٨٥.

٢٧٩

٤ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله؟

٢٨٦ ـ ما العذر في خروج الحسينعليه‌السلام من مكة بأهله وعياله؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٥)

قال السيد المرتضى في كتاب (تنزيه الأنبياء) :

فإن قيل : ما العذر في خروج سيد الشهداءعليه‌السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة ، والمستولي عليها أعداؤه والمتأمّر فيها من قبل يزيد اللعين بتسلط الأمر والنهي ، وقد رأى صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيهعليهم‌السلام ، وأنهم غادرون خوّانون؟وكيف خالف ظنّه ظنّ جميع نصحائه في الخروج ، وابن عباس يشير عليه بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لما ودّعه يقول له : أستودعك الله من قتيل إلى غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب. ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل وقد أنفذه رائدا له ، كيف لم يرجع ، ويعلم الغرور من القوم ويفطن بالحيلة والمكيدة؟ ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها موادّ لها كثيرة؟ ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد ، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهل بيته وشيعته ومواليه ، ولم ألقى بيده إلى التهلكة؟. وبدون هذا الخوفسلّم أخوه الحسنعليه‌السلام الأمر إلى معاوية ، فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة؟.

يقول السيد محسن الأمين في (لواعج الأشجان) ص ٢١٩ ط نجف :

وقد أجاب السيد المرتضى عن هذا السؤال بما حاصله : إن الحسينعليه‌السلام غلب على ظنه بمقتضى ما جرى من الأمور ، أنه يصل إلى حقه بالمسير ، فوجب عليه ، وذلك بمكاتبة وجوه الكوفة وأشرافها وقرائها ، مع تقدّم ذلك منهم في أيام الحسنعليه‌السلام وبعد وفاته ، وإعطائهم العهود والمواثيق طائعين مبتدئين مكررين للطلب ، مع تسلطهم على واليهم في ذلك الوقت وقوتهم عليه وضعفه عنهم ...ثم يقول السيد المرتضى عليه الرحمة : وأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسنعليه‌السلام فواضح صحيح ، لأن أخاه سلّم (الأمر) كفّا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته ، وإحساسا بالغدر من أصحابه ، وهذا (أي الحسين) لمّا قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له ، ورأى من أسباب قوة نصّار الحق وضعف نصّار الباطل ،

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال الطبري في تاريخه : زعموا أن الحسن البصري لما بلغه قتل حجر وأصحابه ، قال: صلّوا عليهم وكفنّوهم واستقبلوا بهم القبلة؟. قالوا : نعم. قال : حجّوهم وربّ الكعبة.

وذكر كثير من أهل الأخبار أن معاوية لما حضرته الوفاة ، جعل يغرغر بالموت ، ويقول : إن يومي منك يا حجر بن عدي لطويل.

(أقول) : ولكن هيهات ينفع الندم.

ترجمة حجر بن عدي

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٣)

هو حجر بن عديّ بن معاوية بن جبلة بن الأدبر الكندي. يكنى أبا عبد الرحمن ، ويسمى حجر الخير.

قال ابن عبد البرّ في (الإستيعاب) : كان حجر من فضلاء الصحابة ، شجاعا من المقدمين.

وقال غيره : كان من الأبدال ، وكان صاحب راية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو بعد من الرؤساء والزهاد. وشهد القادسية ، وهو الّذي فتح مرج عذراء. ومحبته وإخلاصه لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن تذكر. وكان على كندة يوم صفين ، وعلى الميسرة يوم النهروان.

وفي (أعلام الزركلي) : وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد ابن أبيه واليا عليها ، فدعا به زياد فجاءه ، فحذّره من الخروج على بني أمية. فما لبث أن عرفت عنه الدعوة إلى مناوأتهم والاشتغال في السرّ بالقيام عليهم. فجيء به إلى دمشق ، فأمر معاوية بقتله بعد أن أعطاه الأمان ، فقتل في مرج عذراء (من قرى دمشق) مع أصحاب له.

٣٩٣ ـ إثارة مروان بن الحكم الفتنة بين معاوية والحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٥١ ط إيران)

روى الكلبي أن مروان بن الحكم قال يوما للحسينعليه‌السلام : لو لا فخركم بفاطمة

٣٦١

بم كنتم تفخرون علينا؟. فوثب الحسين (وكان شديد القبضة) فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتّى غشي عليه ، ثم تركه.

وأقبل الحسينعليه‌السلام على جماعة من قريش ، فقال : أنشدتكم الله إلا صدّقتموني إن صدقت. أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ومن أخي؟. أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟. قالوا : الله م لا.قال : وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه ، طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والله ما بين جابرسا وجابلقا [مدينتان إحداهما بباب المشرق والأخرى بباب المغرب] رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك!.

قال : فو الله ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب ، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه.

٣٩٤ ـ دعايات مفتعلة :

شعر معاوية أن الأمة بكافة فصائلها تقدّم الإمام الحسينعليه‌السلام ، باعتباره الحاكم الّذي يلي الخلافة بعد هلاك معاوية وبدون منافس. وذلك لشياع ذكره في الأمصار وعلى كل لسان. فهم كانوا لا يشكّون بأن الخلافة سوف تؤول إليه بعد هلاك معاوية. لذلك بدأ معاوية يختلق القصص المنقولة عن بعض الوشّائين والنمّامين ، بأن الحسينعليه‌السلام يفكر في الخروج عليه. لذلك كتب معاوية للحسينعليه‌السلام كتابا يذكّره فيه بعهده وصلحه.

٣٩٥ ـ كتاب معاوية للحسينعليه‌السلام يتهمه فيه بالفتنة وشقّ عصا الطاعة ، ويتوعده بالبطش به :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٣١)

قال السيد علي جلال الحسيني في كتابه (الحسين) ج ١ ص ١٦٤ :

روى ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) ج ١ ص ٢٨٤ وما بعدها ، وأبو عمرو محمّد بن عمر الكشي في (معرفة أخبار الرجال) ، وأبو جعفر الطوسي في (اختيار الرجال) طبع بومبي ص ٣٢ وما بعدها ؛ أن معاوية كتب إلى الحسينعليه‌السلام :

أما بعد ، فقد انتهت إليّ أمور عنك ، إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله إنّ من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن أحقّ الناس بالوفاء لمن

٣٦٢

أعطى بيعته ، من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها. وإن كان الّذي بلغني باطلا ، فإنك أنت أعدل الناس لذلك ، وحظّ نفسك فاذكر ، وبعهد الله أوف!. فإنك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك. فاتّق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يستخفّنك السفهاء والذين لا يعلمون.

٣٩٦ ـ ردّ الحسينعليه‌السلام على كتاب معاوية ، وبيان بعض أعماله ونقضه للعهد:

(المصدر السابق ، ص ١٣٢)

فلما وصل الكتاب إلى الحسين رضي الله عنه ، كتب إليه :

أما بعد ، فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا بغيرها عندك جدير ، وإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى. وأما ما ذكرت أنه رقى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون. واعلم بأني ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا ، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك ، وإلى أوليائك القاسطين (الجائرين) الملحدين ، حزب الظلمة وأولياء الشيطان.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة ، وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا ، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظّة والمواثيق المؤكدة ، جرأة على الله واستخفافا بعهده.

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، العبد الصالح الّذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه واصفر لونه؟. فقتلته بعد ما أمنّته وأعطيته من العهود ما لو فهمته (الوعول) لنزلت من رؤوس الجبال.

أولست بمدّع (زياد بن سمية) المولود على فراش (عبيد) عبد ثقيف؟. فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فتركت سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعمدا ، واتبعت هواك بغير هدى من الله. ثم سلطّته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك.

٣٦٣

أولست قاتل الحضرمي الّذي كتب إليك فيه زياد بن سمية أنه على دين علي كرم الله وجهه ، فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليعليه‌السلام ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك؟!.

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن تردّهم إلى فتنة. وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن تركته فإني أستغفر الله لديني ، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت : إني إن أنكرك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنك قد ركبت جهلك ، وتحرّصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط. ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر ، لعلك لولم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب. واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التّهمة ، ونفيك لهم أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث ، يشرب الشراب ويلعب بالكلاب. وما أراك إلا قد خسرت نفسك ، وتبّرت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخربت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي ، والسلام.

فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا.

استخلاف معاوية ليزيد

٣٩٧ ـ عزم معاوية على البيعة ليزيد بعد وفاة الحسنعليه‌السلام :

(الاستيعاب لابن عبد البر ، ج ١ ص ٣٧٦)

وكان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسنعليه‌السلام وعرّض بها ، بعد أن

٣٦٤

نكث بشروط صلحه مع الحسنعليه‌السلام ، ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلا بعد وفاة الحسنعليه‌السلام .

٣٩٨ ـ اعتماد معاوية على داهيتين :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)

ولما مات الحسنعليه‌السلام بعد أربعة أشهر من استيلائه على العراق ، صفا الجو لمعاوية وبايع له الناس. فملك العراق والحجاز ومصر ، وأجمعت القلوب على مبايعته طوعا أو كرها. وكان ممن مالأ معاوية على تحقيق رغائبه عمرو بن العاص ، قريبه وعامله على مصر ، والمغيرة بن شعبة عامله على الكوفة. وهما الداهيتان اللتان يقول فيهما الحسن البصري : إنهما أفسدا هذه الأمة ، لاحتيال الأول برفع المصاحف يوم صفين وتقرير التحكيم ، ولأن الثاني كان من الداعين لأخذ البيعة ليزيد.

٣٩٩ ـ المغيرة بن شعبة يشير على معاوية باستخلاف يزيد :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٥)

قال الحسن البصري : أفسد أمر الناس اثنان : عمرو بن العاص ، يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت ، ونال من القراء ، فحكمّ الخوارج ، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة.

والمغيرة بن شعبة ، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة ، فكتب إليه معاوية : إذا قرأت كتابي فأقبل معزولا ، فأبطأ عنه. فلما ورد عليه قال : ما أبطأ بك؟. قال :أمر كنت أوطّئه وأهيّئه!. قال : وما هو؟. قال : البيعة ليزيد من بعدك. قال : أوقد فعلت؟. قال : نعم. قال : ارجع إلى عملك!.

فلما خرج قال له أصحابه : ما وراءك؟. قال : وضعت رجل معاوية في غرز غيّ ، لا يزال فيه إلى يوم القيامة.

قال الحسن البصري : فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ، ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.

٤٠٠ ـ البيعة ليزيد :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٢)

روى أبو الحسن المدائني قال : لما مات زياد بن أبيه سنة ٥٣ ه‍ ، أظهر معاوية عهدا مفتعلا ، فقرأه على الناس ، فيه عقد الولاية ليزيد بعده فلم يزل يروّض الناس لبيعته سبع سنين

٣٦٥

فلما كانت سنة خمس وخمسين كتب معاوية إلى سائر الأمصار أن يفدوا عليه.فوفد عليه من كل مصر قوم. وكان فيمن وفد عليه من البصرة الأحنف بن قيس. ثم جلس معاوية في أصحابه ، وأذن للوفود فدخلوا عليه. وقد تقدّم إلى أصحابه أن يقولوا في يزيد. فأول من تكلم الضحاك بن قيس الخ.

٤٠١ ـ كلام الأحنف بن قيس في يزيد وبيعته :

(المصدر السابق)

ثم تكلم الأحنف بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم بيزيد ، في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه. فإن كنت تعلمه لله رضا ولهذه الأمة فلا تشاور الناس فيه ، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.

٤٠٢ ـ خطبة مروان في مسجد المدينة يدعو إلى يزيد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧١)

أخبرنا سيد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي حدثنا من أدرك مروان بن الحكم ، أنه خطب الناس على المنبر ليدعو إلى يزيد بن معاوية [وكان والي معاوية على المدينة]. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ، فجلس على قوائم المنبر ، فقال : لا ، ولا نعمة عين لك ، أدين الهرقليّة [نسبة إلى هرقل ملك الروم] ، كلما ذهب واحد جاء آخر؟. هلك أبو بكر فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، ثم نحّاها عنهم وجعلها في رجل من بني عديّ بن كعب. ثم هلك عمر ابن الخطاب فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، فنحّاها عنهم وجعلها شورى بين الناس.

(قال) : وقالت عائشة : يا مروان ، أما والله إنكم للشجرة الملعونة التي ذكر الله في القرآن.

رواية أخرى للخطبة : (الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٧١)

وذكر هذه القصة أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه أطول من هذه.

قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يدعو الناس إلى بيعة يزيد ، ويخبره في كتابه أن أهل مصر والشام والعراق قد بايعوا.

٣٦٦

فأرسل مروان إلى وجوه أهل المدينة ، فجمعهم في المسجد الأعظم. ثم صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر الطاعة وحضّ عليها ، وذكر الفتنة وحذّر منها.

ثم قال في بعض كلامه : أيها الناس إن أمير المؤمنين قد كبر سنّه ، ودقّ عظمه ، ورقّ جلده ، وخشي الفتنة من بعده. وقد أراه الله رأيا حسنا ، وقد أراد أن يختار لكم وليّ عهد ، يكون لكم من بعده مفزعا ، يجمع الله به الألفة ويحقن به الدماء ، وأراد أن يكون ذلك عن مشورة منكم وتراض ، فماذا تقولون؟.

(قال) فقال الناس من كل جانب : إنا مانكره ذلك إذا كان رضا. فقال مروان :فإنه قد اختار لكم الرضا الّذي يسير بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين ، وهو ابنه (يزيد). قال : فسكت الناس.

وتكلم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال : كذبت والله ، وكذب من أمّرك بهذا.والله ما (يزيد) بمختار ولا رضا ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية في يزيد الخمور ، يزيد القرود ، يزيد الفهود.

فقال مروان : إن هذا المتكلم هو الّذي أنزل الله فيه :( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) [الأحقاف : ١٧].

(قال) فغضب عبد الرحمن ، وقال : يابن الزرقاء! أفينا تتأوّل القرآن ، وأنت الطريد ابن الطريد!. ثم بادر إليه فأخذ برجليه ، وقال : انزل يا عدوّ الله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس مثلك من يتكلم [بهذا] على أعواده.

قال : فضجّت بنو أمية في المسجد. وبلغ ذلك عائشة فخرجت من منزلها متلفّعة بملاءة لها ، ومعها نسوة من قريش ، حتّى دخلت المسجد. فلما نظر إليها مروان كأنه فزع من ذلك ، فقال : سألتك بالله يا أم المؤمنين إن قلت إلا حقا. فقالت عائشة : لا أقول إلا حقا. أشهد لقد لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباك ولعنك ، فأنت فضض من لعنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت الطريد ابن الطريد. أتكلّم أخي عبد الرحمن بما تكلمه!.فسكت مروان ولم يردّ عليها شيئا ، [ورجعت عائشة إلى منزلها] وتفرّق الناس.

٤٠٣ ـ عزل مروان بن الحكم عن المدينة :

ذكر الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص ١٧٥ : أن معاوية بعد وفاة الإمام الحسنعليه‌السلام وتولية يزيد ، بعث إلى مروان وكان عامله على المدينة ، يطلب منه أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة ، فحاول مروان ذلك فلم يستطع. فبعث إلى معاوية

٣٦٧

بعدم تجاوب أهل المدينة معه. فعزله ، وعيّن مكانه سعيد بن العاص ، وهو جلف قاس ، فأظهر الغلظة ، وأخذهم بالعزم والشدة. ثم قدم معاوية بنفسه إلى المدينة.

ترجمة مروان بن الحكم

[وأبيه الحكم بن أبي العاص]

هو أبو الحكم ، مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.

قال الذهبي في (العبر في خبر من غبر) ج ١ ص ٧١ :

وكان مروان كاتب السرّ لابن عمه عثمان ، وبسببه جرى على عثمان ما جرى. وكان قصيرا ، كبير الرأس واللحية ، دقيق الرقبة ، أوقص ، أحمر الوجه. يلقّب : خيط باطل ، لدقّة عنقه. عاش ثلاثا وستين سنة.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٥ ص ١٢٥ طبعة أنيقة : وكان والده الحكم مغموصا عليه في إسلامه ، وكان إظهاره الإسلام في يوم فتح مكة ، فكان يمرّ خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخلج بأنفه ويغمز بعينيه ، فبقي على ذلك التخليج وأصابته خبلة.

وكان الحكم يفشي أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلعنه وسيّره إلى الطائف مع بنيه ، وقال : لا يساكنّي. فلم يزالوا طرداء حتّى ردّهم عثمان ، فكان ذلك مما نقم فيه عليه.

عن أبي هريرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت في النوم بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة «فأصبح كالمتغيّظ. فما رؤي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتّى مات (راجع مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٣).

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) : حدثنا روح بن عبد المؤمن المقري عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : استأذن الحكم بن أبي العاص على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ائذنوا له لعنة الله عليه ، وعلى من يخرج من صلبه ، إلا المؤمنين وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ، ويتّضعون في الآخرة».

٣٦٨

وكانت أم مروان صفية ، ويقال الصعبة بنت أبي طلحة ، وأمها مارية بنت موهب كندية ، وهي الزرقاء التي يعيّرون بها ، فيقال : بنو الزرقاء. وكان موهب قينا (أي عبدا).

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣٢ :

روى الحاكم في كتاب (الفتن والملاحم) من المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه قال : كان لا يولد لأحد ولد إلا أتي به إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيدعو له. فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : «هذا الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون».

ثم روى الحاكم عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : إن الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ائذنوا له لعنة الله عليه ذو مكر وخديعة. يعطون في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خلاق».

٤٠٤ ـ جملة من أعمال مروان المشينة :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٩)

ذكر الذهبي وابن عبد البر وغيرهما شيئا من مخازي مروان ، منها : أنه أول من شقّ عصا المسلمين بلا شبهة. وقتل النعمان بن بشير ، أول مولود من الأنصار في الإسلام. وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة. وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل (غيلة من خلفه).

٤٠٥ ـ الغدر صفة متأصلة في مروان :

(نهج البلاغة ، خطبة رقم ٧١)

ومما يثبت أن صفة الغدر متأصلة في مروان ، أنه لما أخذ أسيرا يوم الجمل ، استشفع الحسن والحسينعليهما‌السلام إلى الإمامعليه‌السلام في أن يطلق سراحه ، فخلّى سبيله. فقالا لأبيهما : أتحبّ أن يبايعك يا أمير المؤمنين؟. فقالعليه‌السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنها كفّ يهودية ، لو بايعني بكفّه

٣٦٩

لغدر بسبته (أي إسته). أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر [يقصد بالأكبش الأربعة أولاد عبد الملك بن مروان وهم : الوليد وسليمان ويزيد وهشام].

٤٠٦ ـ هلاك مروان بن الحكم :

روى الواقدي كما في (تاريخ الطبري) ج ٢ ص ٥٧٦ قال :

تزوج مروان أرملة يزيد وهي (فاختة). وكان زواجه منها أشبه بأخذ الميراث ، منه بأن يكون زواجا ومصاهرة. وقد آلم ذلك نفس خالد بن يزيد ، الّذي أصبح في حجره. وكان مروان لا يألو جهدا في إسقاط خالد من أعين الناس ، وأخيرا حرمه مما كان قد وعده به في (الجابية) من أن تكون له الخلافة بعده.

فما كان من فاختة إلا أن انتقمت لابنها خالد من غدر مروان ، فغطّته بالوسادة وهو في سريره ، حتّى قتلته.

وقال الذهبي في (دول الإسلام) :

فلم يلبث أن وثبت عليه زوجته لكونه شتمها ، فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم ، وقعدت هي وجواريها فوقها ، حتّى مات.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ص ١٥٩ طبع ليدن :

غدر مروان بخالد بن يزيد بن معاوية فيما وعده من ولاية العهد ، وأمه فاختة.ودخل عليه خالد على مرحلة من دمشق ، فقال له مروان : ما أدخلك عليّ في هذا الوقت يابن الرطبة؟!. فقال خالد : أمين مختبر ، أبعدها الله وأسحقها. وأتى أمه فأخبرها بما قال مروان. فقالت له : لن تسمع منه مثلها أبدا. ودخل مروان على أم خالد فتركته حتّى نام ، ثم عمدت إلى مرفقة محشوة ريشا فجعلتها على وجهه ، وجلست وجواريها عليها حتّى مات غمّا. ثم صرخت وجواريها وولولن وقلن :مات أمير المؤمنين بالفجأة.

وقال المسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٩٨ :

فمنهم من رأى أنها وضعت على نفسه وسادة وقعدت فوقها مع جواريها حتّى مات. ومنهم من رأى أنها أعدت له لبنا مسموما ، فلما دخل عليها ناولته إياه فشرب. فلما استقر في جوفه وقع يجود بنفسه وأمسك لسانه. فحضره عبد الملك وغيره من ولده ، فجعل مروان يشير إلى أم خالد ، يخبرهم أنها قتلته ، وأم خالد

٣٧٠

تقول : بأبي وأمي أنت ، حتّى عند النزع لم تشتغل عني ؛ إنه يوصيكم بي حتّى هلك.

٤٠٧ ـ معاوية ينقض عهوده ويحاول تولية يزيد :

(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي ، ص ٧٢)

ولكي يضمن معاوية الخلافة لابنه يزيد ، لم يتردد قط في نكث العهود مع الحسين ابن عليعليهما‌السلام .

وقد كان الصلح المعقود بين الحسنعليه‌السلام ومعاوية ينص على الاعتراف بحق الحسينعليه‌السلام في الخلافة ، ولكن معاوية نقض العهد ، وأخذ لابنه البيعة. فحنق الحسينعليه‌السلام ، وزاد في حنقه فساد يزيد ، فلم يعترف قط بطاغية الشام.

وفي (عمدة الطالب في أنساب أبي طالب) ص ١٨٠ ط نجف :

وكان معاوية قد نقض شرط الحسن بن عليعليه‌السلام بعد موته ، وبايع لابنه يزيد.وامتنع الحسينعليه‌السلام من بيعته. وأعمل معاوية الحيلة حتّى أوهم الناس أنه بايعه ، وبقي على ذلك حتّى مات معاوية.

٤٠٨ ـ قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة ليزيد :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٢٧)

روى ابن قتيبة في كتاب (الإمامة والسياسة) في قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة لابنه يزيد ، أنه لما نزل المدينة دعا الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى مجلس يضم خاصته. فلما استقرّ بهم المجلس ابتدأ معاوية فقال :

أما بعد ، فالحمد لله وليّ النعم ومنزل النقم ، وأشهد ألا إله إلا الله ، المتعالي عما يقول الملحدون علوا كبيرا ، وأن محمدا عبده المختص المبعوث إلى الجن والإنس كافة ، لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد. فأدّى عن الله وصدع بأمره ، وصبر على الأذى في جنبه ، حتّى وضح دين الله ، وأعزّ أولياءه ، وقمع المشركين ، وظهر أمر الله وهم كارهون. فمضى صلوات الله عليه ، وقد ترك من الدنيا ما بذل له ، واختار منها الترك لما سخّر له ، زهادة واختيارا لله ، وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى. فهذه صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك ، وبين ذلك خوض طالما عالجناه ، مشاهدة ومكافحة ، ومعاينة وسماعا ، وما أعلم

٣٧١

منه فوق ما تعلمان. وقد كان أمر (يزيد) ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم الله ما أحاول به من أمر الرعية ، من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين وأحمد الفعل. هذا معناي في (يزيد) ، وفيكما فضل القرابة ، وحظوة العلم ، وكمال المروءة ، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ، ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما ، ومع علمه بالسنة وقراءة القرآن ، والحلم الّذي يرجح بالصم الصلاب. وقد علمتما أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ومن دونهما من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم [يريد بذلك عمرو بن العاص] ، وفي رسول الله أسوة حسنة. فمهلا بني عبد المطلب ، فأنا وأنتم شعبا نفع وجد ، وما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلا بفضل قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ، ما يحمد به البصيرة في عتابكما. وأستغفر الله لي ولكما.

٤٠٩ ـ ردّ الإمام الحسينعليه‌السلام على كلام معاوية :

(المصدر السابق ، ص ١٢٨)

قال : فتيسّر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة ، فأشار إليه الحسينعليه‌السلام وقال : على رسلك ، فأنا المراد ، ونصيبي في التهمة أوفر. فأمسك ابن عباس.

فقام الحسينعليه‌السلام فحمد الله وصلّى على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال :

أما بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبّست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة ، والنكب عن استبلاغ البيعة. وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السّرج ، ولقد فضّلت حتّى أفرطت ، واستأثرت حتّى أجحفت ، ومنعت حتّى بخلت ، وجرت حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب ، حتّى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل. وفهمت ما ذكرته عن (يزيد) من اكتماله وسياسته لأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به ، من استفزازه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام السّبّق لأترابهن ، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي ، تجده ناصرا. ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله بوزر

٣٧٢

هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحتفا في ظلم ، حتّى ملأت الأسقية. وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثنا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسولعليه‌السلام ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول ، فأذعن للحجة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم كان ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية ، من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميره له وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص فضيلة بصحبة الرسول وببيعته له ، وما صار لعمرو يومئذ حتّى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدوا عليه فعاله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم». فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحوال وأولاها ، بالمجتمع عليه من الصواب؟. أم كيف ضاهيت بصاحب تابعا ، وحولك من يؤمن في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون؟. تريد أن تلبس الناس شبهة ، يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟.( أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) وأستغفر الله لي ولكم.

٤١٠ ـ جرأة أبي قتادة الأنصاري على معاوية :

(أخبار الدول وآثار الأول للقرماني ، ص ١٢٩)

قال ابن أبي الدنيا : حجّ معاوية سنة إحدى وخمسين ، فلما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري. فقال له معاوية : تلقّاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار!.قال : لم يكن لنا دواب. قال : فأين النواضح؟. قال : عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. فسكت.

يقول القرماني : ولم نذكر في هذا الكتاب ما شجر بين معاوية وبين عليعليه‌السلام لما يتطرق للنفوس الضعيفة وأهل الأهواء من البغض لمعاوية رضي الله عنه.ونسكت عن حرب الصحابة ، فالذي جرى بينهم كان اجتهادا مجردا.

٣٧٣

تعليق على القرماني :

رغم احترامي للشيخ القرماني الدمشقي ، وثقتي بدينه وتقواه وتعظيمه لأهل البيتعليهم‌السلام ، إلا أن كلامه المتقدم لا يمكن السكوت عليه ، من عدة وجوه :

١ ـ يقول : إن ما شجر بين الصحابة الأولين هو من قبيل أن الواحد منهم قد اجتهد فأخطأ. وأقول : إن الخطأ في الاجتهاد مقبول بالنسبة لأهل العلم والذين قضوا حياتهم في الدين والفقه ، فهؤلاء بعد تحصيلهم كل هذه العلوم إذا اجتهدوا وصدف أن أخطؤوا فيمكن التجاوز عنهم. لكن هذا لا ينطبق على مثل مروان بن الحكم ومعاوية والحجاج وغيرهم. فمعاوية رجل ليس عنده أي رصيد من الدين ، وكل أعماله كانت صادرة من مصلحته الشخصية ، وهذا هو الّذي دعاه إلى تولية يزيد ، وهو يعلم أنه أفجر الناس أجمعين. فليس معاوية من الذين يجوز لهم الاجتهاد في أمور الدين أصلا ، حتّى نقول إنه اجتهد فأخطأ أو أصاب.

٢ ـ إن الاجتهاد الّذي يحتمل فيه الإصابة والخطأ ، هو الاجتهاد في الأمور المبهمة المشتبه فيها ، وليس في الأشياء الواضحة الثابتة مثل خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام . فكيف يجوز لأحد أن يجتهد فيها ، ويقول إنها صحيحة أو غير صحيحة بعد أن اجتمع المسلمون عليها. وهذا انطلاقا من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«لا اجتهاد في موضع النص». فما عمله معاوية في عدم مبايعته للإمام عليعليه‌السلام وإراقته الدماء في سبيل ذلك ، هو ليس اجتهاد ، وإنما هو خروج كامل عن الدين والإسلام.

٣ ـ إن القرماني يقول : إن ما شجر بين الصحابة يلزم عدم ذكره بل ستره ، وإذا علمنا أن ما فعله معاوية وأمثاله من العمل على اقتتال المسلمين وإراقة دمائهم ، وبالتالي ضياع الإسلام تشتيت المسلمين ، هو يحصل في كل زمان ، ولا أحد يسكت عنه ، فكيف نسكت عن الأولين الذين هم كانوا أول من فتح باب الفتن والدماء على هذه الأمة ، وهم الذين سنّوا أساس الكفر والنفاق؟ إن هؤلاء أولى بالذكر والتعرية والإنكار ممن جاء بعدهم ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

٣٧٤

٤١١ ـ قصة عن مداهنة الناس لمعاوية لكسب الأموال :

(مرآة الجنان لليافعي ، ج ١ ص ١٤٦ ط ١)

روي أن معاوية لما نصّب ولده يزيد في ولاية العهد ، أقعده في قبة حمراء ، فجعل الناس يسلّمون على معاوية ، ثم يميلون إلى يزيد. حتّى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها.والأحنف بن قيس جالس. فقال له معاوية : ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟. فقال :أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت. فقال معاوية [للرجل] : جزاك الله خيرا عن الطاعة ، وأمر له بألوف. فلما خرج لقيه ذلك الرجل ، فقال : يا أبا بحر إني لأعلم كذا وكذا وذمّ يزيد ، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال ، فليس يطمع في استخراجها إلا بما سمعت. فقال الأحنف : إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.

٤١٢ ـ أيهما يخدع الآخر؟ :

يروى أنه لما ألزم معاوية الناس على البيعة ليزيد بولاية العهد ، بدأ الناس يتوافدون عليه جماعات لتهنئته وتقريظه. فخلا يزيد بأبيه يوما فقال له : يا أبت ، إني متعجب ما أدري أنحن نخدع الناس ، أم أن الناس يخدعوننا؟. فقال معاوية ليزيد قوله المشهور : يا بني ، من خادعته فتخادع لك ليخدعك ، فقد خدعته.

وهذا يبيّن أن كل أعمال معاوية هي خداع في خداع. ومن أوضح الأمثلة على هذا الخداع قصة أرينب بنت اسحق!.

قصة أرينب بنت اسحق

[التي تدل على كرم أخلاق مولانا الحسين]

[في مقابل دناءة أخلاق معاوية ويزيد]

تمهيد للقصة :

بعد أن ضرب معاوية على فخذه وهو يصلي في مسجد دمشق ، ونجا من الموت بأعجوبة ، جاءته الوفود إلى الشام تهنّئه بالصحة والسلامة. وكان من جملة من جاءه مسلّما واليه على العراق عبد الله بن سلّام ومعه زوجته (أرينب بنت اسحق) ذات

٣٧٥

الجمال الأخّاذ. وكان يزيد يجلس في إحدى شرفات قصر الخضراء حين رآها تدخل مع زوجها ، فهاج في صدره حبّ قديم وكان يعرفها من قبل ، فافتتن بها.

ثم إنه دخل على أبيه معاوية وقال له : لا بدّ لي من زواج (أرينب) مهما كلف الأمر. وبما أن يزيد هو الابن المدلل لأبيه ، والذي لا تردّ له حاجة ، عمل معاوية على تنفيذ رغبة ابنه ، ولو كان في ذلك المهانة والعار ، والدناءة وغضب الجبار.

٤١٣ ـ قصة أرينب بنت اسحق :

(الإتحاف بحب الإشراف للشبراوي ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٩)

يقول الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي :

فمن مكارم أخلاق الإمام الحسينعليه‌السلام ما حكاه ابن بدرون في (شرح قصيدة ابن عبدون) من قصة أرينب بنت اسحق زوجة عبد الله بن سلّام القرشي. وكان عبد الله هذا واليا لمعاوية على العراق ، وكانت أرينب هذه من أجمل نساء وقتها وأحسنهن أدبا وأكثرهن مالا. وكان يزيد بن معاوية قد سمع بجمالها وبما هي عليه من الأدب وحسن الخلق والخلق ، ففتن بها ، فلما عيل صبره استراح في ذلك مع أحد خصيان معاوية ، وكان ذلك الخصي خاصّا بمعاوية واسمه رفيف ، فذكر رفيف ذلك لمعاوية ، وذكر شغفه بأرينب ، وأنه ضاق ذرعه بأمرها.

فبعث معاوية إلى يزيد فاستخبره من أمره ، فبثّ له شأنه ، فقال معاوية : مهلا يا يزيد!. قال : علام تأمرني بالمهل ، وقد انقطع منها الأمل. قال له معاوية : فأين حجاك ومروءتك؟. فقال له يزيد : قد عيل الصبر والحجى ، ولو كان أحد ينتفع به في الهوى ، لكان أولى الناس بالصبر عليه داود حين ابتلي به.

قال له : اكتم أمرك يا بني ، فإن البوح به غير نافعك ، والله بالغ أمره فيك ، ولا بدّ مما هو كائن.

وكانت أرينب بنت اسحق مثلا في أهل زمانها ، لجمالها وتمام كمالها وشرفها وكثرة مالها. فأخذ معاوية في الحيلة حتّى يبلغ يزيد رضاه فيها.

فكتب معاوية إلى (عبد الله بن سلّام) وكان استعمله على العراق ، أن أقبل حين تنظر في كتابي لأمر فيه حظك إنشاء الله ، ولا تتأخر عنه ، وجدّ السير.

وكان عند معاوية يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء صاحبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .فلما قدم عليه عبد الله بن سلام الشام ، أمر معاوية أن ينزل منزلا قد هيأه له ، وأعدّ

٣٧٦

فيه منزله ، ثم قال لأبي هريرة وأبي الدرداء : إن الله قد قسم بين عباده نعما ، أوجب عليهم شكرها ، وحتم عليهم حفظها ، فحباني منهاعزوجل بأتم الشرف وأكرم الذكر ، وأوسع عليّ رزقه ، وجعلني راعي خلقه وأمينه في بلاده ، والحاكم في أمر عباده ، ليبلوني أأشكر أم أكفر. وأول ما ينبغي للعبد أن يفتقده وينظر فيه ، من استرعاه الله أمره ومن لا غنى له عنه. وقد بلغت لي ابنة [أي أدركت سن البلوغ] أريد إنكاحها ، وأنظر في اختيار من يباعلها ، لعل من يكون بعدي يقتدي فيه بهديي ، ويتّبع فيه أثري ، فإنه قد يبتزّ الملك بعدي ، من يغلب عليه ز هو الشيطان ، وتزيينه إلى تعطيل بناتهم ، فلا يردن لهن كفوا. وقد رضيت لابنتي عبد الله بن سلام القرشي ، لدينه وشرفه ومروءته وأدبه.

فقال أبو هريرة وأبو الدرداء : إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما خصّه به أنت ، لأنك صاحب رسول الله وكاتبه وصهره. قال معاوية :فاذكرا ذلك عني لعبد الله ، وقد جعلت لها في نفسها شوري ، غير أني لأرجو أن لا تخرج من رأيي إنشاء الله تعالى.

فخرجا من عنده متوجهين إلى منزل عبد الله بن سلام بالذي قاله لهما معاوية.

ثم إن معاوية دخل على ابنته فقال لها : إذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة ، وعرضا عليك أمر عبد الله بن سلّام وإنكاحي إياك منه ، وحضّاك إلى المسارعة إلى هواي ، فقولي لهما : عبد الله بن سلام كفؤ كريم وقريب حميم ، غير أن تحته أرينب بنت اسحق ، وأنا خائفة أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء ، فأتناول منه ما يسخط الله فيه فيعذبني عليه ، ولست بفاعلة حتّى يفارقها.

فلما ذكر ذلك أبو هريرة وأبو الدرداء لعبد الله بن سلام ، وأعلماه بالذي أمرهما معاوية ، وأنهما جاءاه خاطبين!. قال لهما : نعم ، أنتما تعلمان رضاي بذلك وحرصي على صهارة أمير المؤمنين. فرجعا إلى معاوية وذكرا له ذلك. فقال : أنا راض بذلك وطالب له ، لكني قد أعلمتكما أني جعلت لها في نفسها شوري ، فادخلا عليها واعرضا عليها ما أحببته لها. فدخلا عليها وعرضا عليها ذلك ، فقالت كالذي قال لها أبوها.

فأعلما عبد الله بن سلام بذلك ، فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا بقاء أرينب عنده ، أشهدها على طلاقها ثلاثا ، وأرسلهما يعلمان بذلك معاوية وابنته. فأظهر معاوية

٣٧٧

كراهية لما فعله عبد الله بن سلام ، وقال : ما أحببت طلاق زوجته ولا استحسنته ، ولكن انصرفا في عافية. ثم عودا إلينا فإننا نسعى في رضاها ، ويكون ذلك إنشاء الله.

وكتب إلى يزيد يعلمه بما كان من طلاق عبد الله لزوجته أرينب بنت اسحق.

ثم عاد أبو هريرة وأبو الدرداء إلى معاوية ، فأمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها رضاها ، تبرّيا من الأمر ، ونظرا في القدر. وقال : لم يكن لي أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى في نفسها. فدخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام لزوجته أرينب ليسرّاها ، وذكرا من فضل عبد الله وكمال مروءته وكريم فخره. فقالت : جفّ القلم بما هو كائن ، وإنه في قريش لرفيع القدر ، وقد تعلمان أن التزويج جدّه جدّ وهزله جدّ ، والأناة في الأمور آمن لما يخاف فيها من المحذور ، وأن الأمور إذا جاءت خلاف الهوى بعد التأني فيها ، كان المرء بحسن العزاء خليقا ، وبالصبر عليها حقيقا. وإني سائلة عنه حتّى أعرف دخلة خبره ، ويتضح لي بالذي أريد علمه من أمره ، وإن كنت أعلم أن لا اختيار لأحدهما فيما هو كائن ، ومعلمتكما بالذي يزينه الله في أمره ، ولا قوة إلا بالله. قال الشيخان : وفقك الله وخار لك.

وتحدث الناس بالذي كان من طلاق عبد الله بن سلام امرأته ، وخطبته ابنة معاوية. واستحث عبد الله بن سلام الشيخين ، فأتياها ، فقالا لها : اصنعي ما أنت صانعة واستخيري الله ، فإنه يهدي من استهداه. قالت : أرجو والحمد لله أن يكون الله قد خار ، فإنه لا يكل إلى غيره من توكل عليه. وقد سألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسي ، مع اختلاف من استشرتهم فيه ، فمنهم الناهي عنه والآمر به ، واختلافهم أقل ما كرهت.

فلما بلغّاه كلامها ، علم أنه مخدوع. وقال متعزيا : ليس لأمر الله رادّ ، ولا لما بدّ منه صادّ ، فإن المرء وإن كمل له علمه واجتمع له عقله ، ليس بدافع عن نفسه قدرا برأي ولا كيد. ولعل ما سرّوا به لا يدوم لهم سروره ، ولا يدفع عنهم محذوره.

وشاع أمره وفشا في الناس ، وقالوا : خدعه معاوية حتّى طلقّ امرأته ، وإنما أرادها لابنه يزيد ، بئس ما صنع.

ولما انقضت أقراؤها (وهي العدّة) وجّه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد. فخرج حتّى قدمها ، وبها يومئذ الحسين بن عليعليهما‌السلام . فقال

٣٧٨

أبو الدرداء حين قدم العراق : ما ينبغي لذي نهى أن يبدأ بشيء غير زيارة الحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة ، إذا دخل موضعا هو فيه ، فإذا أديت حقه ذهبت إلى ما جئت إليه.

مبادرة رائعة :

فلما رآه الحسينعليه‌السلام قام إليه وصافحه إجلالا لصحبته من جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولموضعه من الإسلام. وقال له : ما أتى بك يا أبا الدرداء؟. قال : وجّهني معاوية خاطبا لابنه يزيد (أرينب بنت اسحق) فرأيت عليّ حقا أن لا أبدأ بشيء قبل السلام عليك. فشكر له الحسينعليه‌السلام ذلك وأثنى عليه. ثم قال : لقد كنت أردت نكاحها وعزمت على الإرسال إليها ، إذا انقضت أقراؤها ، فلم يمنعني من ذلك إلا تخيّر فعلك ، فقد أتى الله بك ، فاخطب رحمك الله لي وله [أي يزيد] التحري من تختاره منا ، وهي أمانة في عنقك حتّى تؤديها إليها ، واعطها من المهر مثل ما بذل لها معاوية عن ابنه. فقال : أفعل إنشاء الله.

فلما دخل أبو الدرداء على أرينب ، قال : أيتها المرأة ، إن الله خلق الأمور بقدرته ، وكوّنها بعزته ، فجعل لكل أمر قدرا ، ولكل قدر سببا ، فليس لأحد عن قدر الله مستخلص ، ولا للخروج من عمله مناص ، فكان ما سبق لك وقدّر عليك ، الّذي كان من فراق عبد الله بن سلام إياك ، ولعل ذلك لا يضرّك ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. وقد خطبك أمير هذه الأمة وابن مليكها وولي عهده والخليفة من بعده : يزيد ابن معاوية ، والحسين ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن أول من أقرّ به من أمته وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة. وقد بلغك سناهما وفضلهما ، وجئتك خاطبا لهما ، فاختاري أيهما شئت.

فسكتت طويلا ، ثم قالت : يا أبا الدرداء ، لو كان هذا الأمر جاءني وأنت غائب ، لأشخصت فيه الرسل إليك ، واتبعت فيه رأيك ولم أقتطعه دونك. فأما إذ كنت المرسل فيه ، فقد فوّضت أمري بعد الله إليك ، وجعلته في يديك ، فاختر لي أرضاهما لديك ، والله شاهد عليك ، فاقض في قصدي بالتحري ، ولا يصدّنك عن ذلك اتباع هوى ، فليس أمرهما عليك خفيّا ، ولست فيما طوّقتك غبيّا.

قال أبو الدرداء : أيتها المرأة إنما عليّ إعلامك ، وعليك الاختيار لنفسك.فقالت : عفا الله عنك ، إنما أنا بنت أخيك ومن لا غنى به عنك ، فلا تمنعك رهبة

٣٧٩

أحد من قول الحق فيما طوّقتك. فقد وجبت عليك إذا الأمانة فيما حمّلتك. والله خير من روعي وخيف ، إنه بنا خبير لطيف.

فلما لم يجد بدّا من القول والإشارة ، قال : أي بنيّة ، ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ لك وأرضى عندي ، والله أعلم بخيرهما لك. وقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضعا شفتيه على شفتي حسين ، فضعي شفتيك حيث وضع رسول الله شفتيه.قالت : قد اخترته ورضيته فتزوجها الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام وساق لها مهرا عظيما.

وبلغ معاوية الّذي كان من فعل أبي الدرداء في ذلك ، ونكاح الحسينعليه‌السلام إياها ، فتعاظمه جدا ولامه شديدا. وقال : من يرسل ذا بله وعمى ، يركب خلاف ما يهوى. وكان عبد الله بن سلام قد استودع أرينب قبل فراقها بدرات مملوءة درّا ، وكان ذلك أعظم ماله لديه وأحبه إليه. وقد كان معاوية اطّرحه وقطع عنه جميع روافده لسوء قوله فيه وتهمته أنه خدعه. فلم يزل يجفوه حتّى عيل صبره ، وقلّ ما في يديه ، ولام نفسه على المقام لديه. فرجع إلى العراق ، وهو يذكر ماله الّذي استودعه إياها ، ولا يدري كيف يصنع فيه ، وأنّى يصل إليه ، وهو يتوقع جحودها لسوء فعله بها ، وطلاقه إياها من غير شيء أنكره عليها.

ردّ الحقّ إلى أهله :

فلما قدم العراق لقي الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه ، ثم قال له : قد عرفت ما كان من خبري وخبر أرينب. وكنت قبل فراقي إياها قد استودعتها مالا عظيما ، وكان الّذي كان ، ولم أقبضه ، ووالله ما أنكرت منها في طول صحبتها فتيلا ، ولا أظن بها إلا جميلا. فذاكرها أمري وحاضضها على ردّ مالي إليّ ، فإن الله يحسن إليك ذكرك ، ويجزل به أجرك. فسكت عنه.

ولما انصرف الحسينعليه‌السلام إلى أهله ، قال لها : قدم عبد الله بن سلام ، وهو يحسن الثناء عليك ويحمل النشر عنك ، في حسن صحبتك ، وما آنسه قديما من أمانتك ، فسرّني بذلك وأعجبني. وذكر أنه كان استودعك مالا ، فأدّي إليه أمانته ، وردّي عليه ماله ، فإنه لم يقل إلا صدقا ، ولم يطلب إلا حقا. قالت : صدق.استودعني مالا لا أدري ما هو ، وإنه لمطبوع عليه بخاتمه ، ما حوّل فيه شيء إلى يومه ، وها هو فادفعه إليه بطابعه. فأثنى عليها الحسينعليه‌السلام خيرا. وقال : أدخله عليك حتّى تبرئي إليه منه ، كما دفعه إليك.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735