موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 486396 / تحميل: 5746
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

كتاب الحسين بن الحسن.

أبو معين الرازي: سمعت ابن المديني يقول: ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد، وبلغني أنه لا يحدّث إلّا من كتاب، ولنا فيه أسوة.

وعنه قال: أحمد اليوم حجة الله تعالى على خلقه.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، عن أبي اليمن الكندي، أنبأنا عبد الملك بن أبي القاسم، أنبأنا أبو إسمعيل الأنصاري، أنبأنا أبو يعقوب القراب، أنبأنا محمّد ابن عبد الله الجوزقي، سمعت أبا حامد الشرقي، سمعت أحمد بن سلمة، سمعت أحمد بن عاصم، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلّام يقول: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم، وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له.

إسحاق المنجنيقي، أنبانا القاسم بن محمد المؤدب، عن محمّد بن أبي بشر، قال: أتيت أحمد بن حنبل في مسألة فقال: رأيت عبيد فإنّ له بياناً لا تسمعه من غيره، فأتيته فشفاني جوابه، فأخبرته بقول أحمد، فقال: ذاك رجل من عمّال الله، نشر الله تعالى رداء علمه وذخر له عنده الزلفى، أما تراه محبباً مألوفاً، ما رأت عيني بالعراق رجلاً اجتمعت فيه خصال هي فيه، فبارك الله تعالى له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم

وبأسنادي إلى أبي إسماعيل الأنصاري، أنبأ إسماعيل بن إبراهيم، أنبأ نصر ابن أبي نصر الطوسي، سمعت علي بن أحمد بن حشيش، سمعت أبا الحديث الصوفي بمصر عن أبيه عن المزني يقول: أحمد بن حنبل يوم المحنة وأبو بكر يوم الردة وعمر يوم السقيفة وعثمان يوم الدار وعلي يوم صفين.

قال أحمد بن محمّد الرشديني، سمعت أحمد بن صالح المصري يقول: ما رأيت بالعراق مثل هذين: أحمد بن حنبل ومحمّد بن عبد الله بن نمير، رجلين جامعين لم أر مثلهما بالعراق.

وروى أحمد بن سلمة النيسابوري عن ابن وارة قال: أحمد بن حنبل

٤١

ببغداد، وأحمد بن صالح بمصر، وأبو جعفر النفيلي بحرّان، وابن نمير بالكوفة. هؤلاء أركان الدين.

وقال علي بن الجنيد الرازي: سمعت أبا جعفر النفيلي يقول: كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين.

وعن محمد بن مصعب العابد قال: لسوط ضرب به أحمد بن حنبل في الله تعالى أكبر من أيام بشر بن الحارث الحافي.

قال أبو عبد الرحمن النهاوندي: سمعت يعقوب الفسوي يقول: كتبت عن ألف شيخ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح.

وبالإسناد إلى الأنصاري شيخ الإسلام، أنبأ أبو يعقوب، أنبأ منصور بن عبد الله الذهلي، أنبأ محمّد بن الحسن بن علي البخاري، سمعت محمّد بن إبراهيم البوشنجي، وذكر أحمد بن حنبل فقال: هو عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري، وذلك أن سفيان لم يمتحن بمثل ما امتحن به أحمد، ولا علم سفيان ومن تقدّم من فقهاء الأمصار بعلم احمد بن حنبل، لأنه كان أجمع بها وأبصر بأغاليطهم وصدوقهم وكذوبهم.

قال: ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أنه قال: قام أحمد مقام الأنبياء. وأحمد عندنا امتحن بالسرّاء والضرّاء فكان فيهما معتصماً بالله تعالى.

قال أبو يحيى الناقد: كنا عند ابراهيم بن عرعرة فذكروا علي بن عاصم فقال رجل: أحمد بن حنبل يضعّفه. فقال رجل: وما يضرّه إذا كان ثقة! فقال ابن عرعرة: والله لو تكلّم أحمد في علقمة والأسود لغيّرهما.

وقال الخشني: سمعت إسماعيل بن الخليل يقول: لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان آية »(١) .

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ١٧٧.

٤٢

رواية أحمد دليل على صحة الحديث

ثم إنّ مجرّد رواية أحمد لحديثٍ من الأحاديث دليل على ثبوته واعتباره عند المحققين من أهل السنة، فقد استشهد الخوارزمي المكي - عند الكلام على فضائل عليعليه‌السلام ، وأنها لا تحصى كثرة بعد رواية أحاديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دالة على هذا المعنى - بكلام رواه عن أحمد بن حنبل هذا نصه:

« ويدلّك على ذلك: ما روي عن الامام الحافظ أحمد بن حنبل - وهو كما عرف أصحاب الحديث: قريع أقرانه، وإمام زمانه، والفارس الذي يكب فرسان الحفاظ في ميدانه، وروايته فيهرضي‌الله‌عنه مقبولة، وعلى كاهل التصديق محمولة، لما علم أن الامام أحمد بن حنبل ومن احتذى على مثاله ونسج على منواله وحطب في حبله وانضوى إلى حفله، مالوا إلى تفضيل الشيخين رضوان الله عليهما، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح لا يمكن ستره بالراح - وهو:

ما رواه الشيخ الامام الزاهد فخر الأئمة أبو الفضل بن عبد الرحمن الحفربندي الخوارزمي رحمه الله تعالى إجازة قال: أخبرنا الشيخ الامام أبو محمّد الحسن ابن أحمد السمرقندي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمّد ابن عبدان العطار، وإسماعيل بن أبي نصر عبد الرحمن الصابوني، وأحمد بن الحسين البيهقي قالوا جميعاً: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت القاضي الامام أبا الحسن علي بن الحسين، وأبا الحسن محمّد بن المظفر الحافظ يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول: سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول:

ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما

٤٣

جاء لعلي بن أبي طالب »(١) .

إذن كلّ ما روى أحمد في أمير المؤمنينعليه‌السلام مقبول وعلى كاهل التصديق محمول

وبمثله صرح الحافظ الكنجي الشافعي حيث قال: « قلت: ذكر فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من آيات القرآن لا يمكن جعله إلّا في كتاب واحد، وذكر جميعها يقصر عنه باع الإحصاء. ويدلّك على صدق ما ذهب إليه مؤلف هذا الكتاب محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي عفا الله عنه: ما أخبره الشيخ المقري أبو إسحاق إبراهيم بن بركة الكتبي بالموصل عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب.

... ويدلّك على ذلك: ما روينا عن إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل - وهو أعرف أصحاب الحديث في علم الحديث قريع أقرانه وإمام زمانه »(٢) . وقال سبط ابن الجوزي: « وأحمد مقلَّد في الباب، متى روى حديثاً وجب المصير إلى روايته، لأنه إمام زمانه، وعالم أوانه، والمبرّز في علم النقل على أقرانه، والفارس الذي لا يجارى في ميدانه، وهذا هو الجواب عن جميع ما يرد في الباب في أحاديث الكتاب »(٣) .

جواب سبط ابن الجوزي عن تضعيف الحديث

« فإن قيل: قد ضعّفوا هذا الحديث. فالجواب: إن الحديث الذي ضعّفوه غير هذه الألفاظ وغير هذا الإسناد، أما اللّفظ: خلقت أنا وهارون بن عمران

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين / ٣.

(٢). كفاية الطالب / ٢٥٣.

(٣). تذكرة الخواص / ٢٢.

٤٤

ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة. وفي رواية: خلقت أنا وعلي من نور كنا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، فجعلنا ننقلب في أصلاب الرجال إلى عبد المطلب.

وأما الإِسناد فقالوا: في إسناده محمّد بن خلف المروزي وكان مغفلاً، وفيه أيضاً جعفر بن أحمد بن بيان وكان شيعياً.

والحديث الذي رويته يخالف هذا اللفظ والاسناد، لأن رجاله ثقات.

فإنْ قيل: فعبد الرزاق كان يتشيع.

قلنا: هو أكبر شيوخ أحمد بن حنبل، ومشى إلى صنعاء من بغداد حتى سمع منه وقال: ما رأيت مثل عبد الرزاق، ولو كان فيه بدعة لما روى عنه، وما زال إلى أن مات يروي عنه، ومعظم الأحاديث التي في المسند رواها من طريقه، وقد أخرج عنه في الصحيحين »(١) .

ترجمة سبط ابن الجوزي

وسبط ابن الجوزي من كبار علماء أهل السنة ومحدّثيهم المعتمدين، فقد

ترجم له:

١ - أبو المؤيد الخوارزمي: « أما السند الأول - وهو مسند الأستاذ أبي محمّد الحارثي البخاري - فقد أخبرني به الأئمة بقراءتي عليهم: الامام أقضى قضاة الأنام، أخطب خطباء الشام جمال الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد ابن محمّد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني، والشيخ الثقة تقي الدين إسماعيل ابن إبراهيم بن يحيى والشيخ الامام شمس الدين يوسف بن عبد الله سبط

____________________

(١). تذكرة خواص الأمة ٤٦ - ٤٧.

٤٥

الامام أبي الفرج ابن الجوزي بقراءتي عليه »(١) .

وقال في مقام الجواب عمّا ذكر من لحن أبي حنيفة: « والجواب الثاني: إنه ذكر الامام الحافظ سبط ابن الجوزي أنه افتراء على أبي حنيفة، وانما المنقول عنه: بأبي قبيس. كذا قاله الثقات من أرباب النقل »(٢) .

فترى أنه وصفه تارة بـ « الشيخ الامام » وأخرى بـ « الامام الحافظ ».

٢ - ابن خلكان قائلاً: « الواعظ المشهور، حنفي المذهب، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه، وقبول عند الملوك وعيرهم ».

كما أنه اعتمد على تاريخه المسمّى بـ « مرآة الزمان » في ترجمة الحلّاج(٣) .

ترجمة ابن خلكان

وابن خلكان المتوفى سنة ٦٨١ من أشهر مشاهير أهل السنة، فقد قال الذهبي بترجمته:

« ابن خلكان قاضي القضاة لقي كبار العلماء، وبرع في الفضائل والآداب وكان كريماً جواداً سرياً ذكياً أخبارياً عارفاً بأخبار الناس »(٤) .

وقال أبو الفداء: « القاضي الفاضل المحقق شمس الدين أحمد بن محمّد بن أبي بكر بن خلكان البرمكي، وكان فاضلاً عالماً، تولى القضاء بمصر والشام وله مصنفات جليلة مثل وفيات الأعيان وغيره في التاريخ »(٥) .

وكذا قال ابن الوردي(٦) .

____________________

(١). جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٧٠.

(٢). المصدر ١ / ٥٤.

(٣). وفيات الأعيان ٣ / ١٤٢، وانظر ٢ / ١٥٣.

(٤). العبر في حوادث سنة ٦٨١.

(٥). المختصر، في حوادث السنة المذكورة.

(٦). تتمة المختصر في حوادث السنة المذكورة.

٤٦

وقال الصفدي: « كان فاضلاً بارعاً متفقهاً، عارفاً بالمذاهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيراً بالعربية علامة بالأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع حلو المذاكرة، وافر الحرمة، فيه رئاسة كثيرة، له كتاب وفيات الأعيان، وقد اشتهر كثيراً »(١) .

وقال السبكي: « كان أحنف وقته حلماً، وشافعي زمانه علماً، وحاتم عصره، إلا أنه لا يقاس به حاتم »(٢) .

وعن قطب الدين في تاريخ مصر: « كان إماماً، أديباً بارعاً، وحاكماً عادلاً، ومؤرخاً جامعاً، وله الباع الطويل في الفقه والنحو والأدب، غزير النقل، كامل العقل »(٣) .

وكذا ترجم له وأثنى عليه الأسدي والأسنوي في كتابيهما في ( طبقات الشافعية ) واليافعي في ( مرآة الجنان ) وابن تغري بردي في ( النجوم الزاهرة )، والسيوطي في ( حسن المحاضرة ) وغيرهم.

٣ - يوسف بن أحمد بن محمّد ترجم لسبط ابن الجوزي في ترجمة « وفيات الأعيان » الى الفارسية.

٤ - القطب اليونيني البعلبكي قائلاً: « وكان له القبول التام عند الخاص والعام من أبناء الدنيا وأبناء الآخرة »(٤) .

ترجمة اليونيني

واليونيني المتوفى سنة ٧٢٦ من أعاظم أهل السنة، فقد قال الذهبي

____________________

(١). الوافي بالوفيات ٧ / ٣٠٨.

(٢). طبقات الشافعية الوسطى - مخطوط -.

(٣). طبقات الشافعية ٣ / ٢٣.

(٤). ذيل مرآة الزمان - مقدّمة الكتاب.

٤٧

بترجمته:

« موسى بن محمّد بن أبي الحسين، الامام المؤرخ، قطب الدين ابن الشيخ الفقيه، سمع من أبيه وبدمشق من ابن عبد الدائم وشيخ الشيوخ، وبمصر من ابن صارم، واختصر مرآة الزمان وذيّل عليه فأجاد، روى الكثير ببعلبك، ولد سنة أربعين وستمائة، وتوفي في شوال سنة ٧٢٦، وكان رئيساً محترماً »(١) .

وقال اليافعي « ومات ببعلبك شيخها الصدر الكبير قطب الدين

صاحب التاريخ »(٢) .

أما ذيله على ( مرآة الزمان ) فقد ذكره الجلبي، واستحسنه الذهبي - كما تقدم - وغيره.

٥ - أبو الفداء حيث قال: « وفيها توفي الشيخ الدين وكان من الوعاظ الفضلاء، ألّف تاريخاً جامعاً سمّاه ( مرآة الزمان ) »(٣) .

ترجمة أبي الفداء

وأبو الفداء المتوفى سنة ٧٣٢ من أكابر علمائهم، فقد قال ابن الوردي بترجمته:

« وكان سخياً محباً للعلم والعلماء، متفنناً، يعرف علوماً، وقد رأيت جماعة من ذوي الفضل يزعمون أنه ليس في الملوك بعد المأمون أفضل منه، رحمه الله تعالى »(٤) .

وقال ابن الشحنة: « وكان عالماً أديباً، له اليد الطولى في الرياضة

____________________

(١). المعجم المختص: ٢٨٥.

(٢). مرآة الجنان - حوادث سنة ٧٢٦.

(٣). المختصر - حوادث ٦٥٤.

(٤). تتمة المختصر - حوادث ٧٣٢.

٤٨

والهندسة والهيئة »(١) .

وقال الكتبي: « الملك المؤيد صاحب حماة، إسماعيل بن علي، الامام العالم الفاضل السلطان فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك »(٢) .

وقال الاسدي: « العالم العلامة المتفنن المصنف، السلطان المؤيد، عماد الدين اشتغل في العلوم وتفنن منها، وصنف التصانيف المشهورة، منها التاريخ »(٣) .

وكذا ترجم له ابن حجر العسقلاني وابن تغري بردي.

٦ - ابن الوردي قائلاً : « فيها توفي الشيخ شمس الدين يوسف سبط جمال الدين ابن الجوزي، واعظ فاضل، له مرآة الزمان تاريخ جامع.

قلت: وله تذكرة الخواص من الأمة في ذكر مناقب الأئمة، والله أعلم »(٤) .

ترجمة ابن الوردي

وابن الوردي من كبار الفقهاء المشاهير، فقد قال ابن حجر العسقلاني بترجمته: « زين الدين ابن الوردي الفقيه الشافعي الشاعر المشهور، نشأ بحلب وتفقّه بها وفاق الأقران »(٥)

وكذا قال ابن قاضي شبهة بعد أن عنونه بـ « الامام العلامة الأديب المؤرّخ فقيه حلب ...»(٦)

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث ٧٣٢.

(٢). فوات الوفيات ١ / ١٨٣.

(٣). طبقات الشافعية ٣ / ١٠٩.

(٤). تتمة المختصر - حوادث ٦٥٦.

(٥). الدرر الكامنة ٣ / ٢٧٢.

(٦). طبقات الشافعية ٣ / ١٩٧.

٤٩

٧ - الذهبي حيث قال: « ابن الجوزي، العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أسمعه جدّه منه ومن ابن كليب وجماعة، وقدم دمشق سنة بضع وستين فوعظ بها، وحصل له القبول للطف شمائله وعذوبة وعظه، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلداً، وشرح الجامع الكبير، وجمع مجلداً في مناقب أبي حنيفة، ودرّس وأفتى، وكان في شبيبته حنبلياً، توفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة، وكان وافر الحرمة عند الملوك »(١) .

٨ - الداودي : « يوسف بن قزغلي، الواعظ المؤرخ، شمس الدين أبو المظفر سبط الحافظ أبي الفرج، روى عن جدّه وطائفة، وألف كتاب مرآة الزمان، وله تفسير على القرآن العظيم في سبعة وعشرين مجلداً، وشرح الجامع الكبير، وكان في شبيبته حنبلياً ثم صار حنفياً، وكان بارعاً في الوعظ، وله القبول التام عند الخاص والعام من أبناء الدنيا وأبناء الآخرة، مات بدمشق سنة أربع وخمسين وستمائة »(٢) .

٩ - الكفوي « وكان إماماً عالماً فقيهاً واعظاً جيّداً مهيباً »(٣) .

١٠ - اليافعي : « العلّامة الواعظ المؤرخ درّس وأفتى »(٤) .

١١ - الفيروزآبادي : « أوحد زمانه في الوعظ »(٥) .

١٢ - القاري : « تفقه على الشيخ محمود الحصري، وأعطي القبول بين الملوك والأمراء والمشايخ والعلماء في الوعظ وغيره »(٦) .

وغيرهم وكلهم أثنوا عليه الثناء البالغ ومدحوه المدح العظيم.

____________________

(١). العبر - حوادث سنة ٦٥٤.

(٢). طبقات المفسرين ٢ / ٣٨٣.

(٣). كتائب أعلام الاخيار - مخطوط.

(٤). مرآة الجنان - حوادث ٦٥٤.

(٥). مختصر الجواهر المضية في طبقات الحنفية - مخطوط.

(٦). الأثمار الجنية في طبقات الحنفية - مخطوط.

٥٠

طعن الذهبي والصفدي في السّبط

لكن الذهبي والصفدي قد انتقدا السبط وجرحاه - جرياً على عادتهما في التسرع في الطعن والجرح - فقد قال الكفوي ما نصه:

« قال الشيخ صلاح الدين الصفدي - بعد أن أثنى على أبي المظفر يوسف ابن قزغلي -: وهو صاحب مرآة الزمان، وأنا ممّن حسده على هذه التسمية، فإنها لائقة بالتاريخ، كأن الناظر في التاريخ يعاين من ذكر فيه في مرآة، إلّا أن المرآة فيه صدأ المجازفة منهرحمه‌الله ، في أماكن معروفة.

وقال الذهبي في كتابه المسمى بالميزان: إن يوسف بن قزغلي ألّف مرآة الزمان، فتراه يأتي بمناكير الحكايات وما أظنه بثقة، بل يحيف ويجازف، ثم إنه يترفض. وقال في موضع آخر: كان حنبلياً وتحوّل حنفياً للدنيا ».

الدفاع عن السبط

قال الكفوي بعد أن نقل هذا عنهما: « واعلم أن صاحب مرآة الزمان قد كان ناقلاً عمّن تقدّمه في التاريخ، ووظيفته الرواية والعهدة على الراوي، ونسبته إلى المجازفة جور عليه، فإنّ التاريخ لا يشترط فيه الأسانيد التي لا غبار عليها، على أن صلاح الدين الصفدي والشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي ومن بعدهما تطفلوا على تاريخه ونقلوا من مرآة الزمان شيئاً كثيراً، فإن لم يكن ثقة فهم ليسوا بثقات »(١) .

كما استبعد القاري ما ادعاه الذهبي فقال - بعد أن نقل كلامه في الميزان -: « وهو بعيد جدّاً كما لا يخفى »(٢) .

____________________

(١). كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.

(٢). الأثمار الجنية - مخطوط.

٥١

وقال الجلبي ما نصه: « قال في الذيل: وهذا من الحسد، فإنه في غاية التحرير، ومن أرخ بعده فقد تطفل عليه، لا سيّما الذهبي والصفدي، فإنّ نقولهما منه في تاريخهما »(١) .

استناد القوم إلى أقواله في القضايا الخلافية

أضف إلى ذلك كلّه: أنا نثبت جلالة سبط ابن الجوزي وعظمته من كلام:

الخواجة الكابلي صاحب ( الصواقع ) وهو الذي طالما اقتدى به ( الدهلوي ) ونسج على منواله.

والقاضي ثناء الله العثماني.

ورشيد الدين خان.

وصاحب إزالة الغين.

ومن كلام ( الدهلوي ).

أما الكابلي فقد قال عند الجواب عن مطعن درء الحد عن المغيرة بن شعبة ما نصه:

« ودعوى أهل البصرة على مغيرة كما ذكره ابن جرير الطبري، والامام البخاري، والحافظ عماد الدين ابن كثير، والحافظ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي، والشيخ شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي، في تواريخهم: إن المغيرة كان أمير البصرة ».

إذن ( الكابلي ) يعتمد على ( السبط ) ويثق به على حدّ اعتماده ووثوقه بـ ( البخاري ) و ( ابن جرير ) و ( ابن الجوزي ) وغيرهم.

وأما ( القاضي ) و ( الدّهلوي ) فقد قالا بمثل كلام الكابلي عند الجواب عن المطعن المذكور، وقد صرح الثاني بوثاقة هؤلاء المؤرّخين المذكورين.

وأما ( رشيد الدين خان ) فقد قال: « قال الحافظ أبو المؤيد الخوارزمي - في

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١٦٤٨.

٥٢

أوائل مسند الامام الاعظم عند الجواب عن اشكالات الخطيب البغدادي: - وأمّا قوله: إن أبا حنيفة لحن حيث قال في مسألة القتل بالقتل: ولو رماه بأبا قبيس فيجاب عنه بوجوه: الأول: إنه ذكر الامام الحافظ سبط ابن الجوزي أنه افتراء على أبي حنيفة »(١) .

كما أنه عدّ ( سبط ابن الجوزي ) من أئمة الدين المعتمدين، كأحمد وابن الجوزي وغيرهم(٢) .

وأما صاحب ( إزالة الغين ) فقد نقل عن ( السبط ) كلامه في الدفاع عن أبي حنيفة معبّراً عنه بـ « الامام الحافظ »(٣) .

مؤلفات السبط

ولسبط ابن الجوزي مؤلفات مشهورة. وقد ذكر الجلبي منها الكتب التالية:

١ - الإنتصار لإمام أئمة الأمصار.

٢ - اللوامع في أحاديث المختصر والجامع.

٣ - التفسير.

٤ - منتهى السؤل في سيرة الرسول.

٥ - إيثار الإنصاف.

وذكر أنه ألّف كتاباً في ترجيح مذهب أبي حنيفة على غيره من المذاهب، عدا كتاب الانتصار الذي ألّفه في الموضوع، وأن له شرحاً على الجامع الكبير لأبي عبد الله الشيباني.

أما مرآة الزمان فقد ذكره السندي أيضاً في مروياته في ( حصر الشارد )

____________________

(١). شوكت عمريه ١٢٠.

(٢). إيضاح لطافة المقال ٢٧٩.

(٣). إزالة الغين. في مبحث الجواب عما طعن في أبي حنيفة.

٥٣

قائلاً:

« وأما مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي فأرويه بالسند المتقدم إلى الحافظ ابن حجر، عن أحمد بن أبي بكر المقدسي، عن سليمان عن يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي ».

اعتماد العلماء على كتبه

ولقد اعتمد كبار العلماء على كتبه ونقلوا عنها، مثل ابن خلكان في ( تاريخه ) والصفدي في ( الوافي بالوفيات ) في ترجمة « محمّد بن كرام السجستاني » والبدخشي في ( مفتاح النجا ) والسمهودي في مواضع من ( جواهر العقدين )(١) والحلبي في ( سيرته ) والحصكفي في ( الدر المختار ) وابن عابدين في ( رد المحتار في شرح الدر المختار ) وغيرهم.

٢

رواية أبي حاتم الرازي

لقد جاء في كتاب ( زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ) ما نصه:

« أخبرنا الحسين بن محمّد قال: حدثنا عبد الله بن أبي منصور قال: حدثنا محمّد بن بشر قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي قال: حدثنا محمّد بن عبد الله

____________________

(١) منها: ما ذكره في الروايات والآثار الدالة على أن من أعان أهل البيتعليهم‌السلام وأحسن إليهم يجازى بعمله الجزاء الحسن فقال: « ومن ذلك: ما رواه سبط ابن الجوزي بسنده إلى عبد الله بن المبارك - وكان يحج سنة ويغزو سنة، فلما كان السنة التي حج فيها - خرجت بخمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة لأشتري جمالا، فرأيت امرأة على بعض المزابل تنتف ريش بطة منتنة، =

٥٤

ابن المثنى قال: حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد نسبّح الله عز وجل في يمنة العرش قبل خلق الدنيا، ولقد سكن آدم الجنة ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه، ولقد قذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه، فلم نزل يقلّبنا الله عز وجل من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة، حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب، فجعل ذلك النور بنصفين، فجعلني في صلب عبد الله، وجعل عليا في صلب أبي طالب، وجعل فيّ النبوة والرسالة وجعل في علي الفروسية والفصاحة، واشتق لنا اسمين من أسمائه، فرب العرش محمود وأنا محمّد، وهو الأعلى وهذا علي »(١) .

ترجمته:

وأبو حاتم محمّد بن إدريس الرازي المتوفى سنة ٢٧٧ غني عن التعريف، فلا حاجة إلى الإطناب في ذكر فضائله، ونقل الكلمات في حقه، بل نكتفي بنبذة

____________________

فتقدّمت إليها فقلت: لم تفعلين هذا؟ فقالت: يا عبد الله لا تسأل عما يعنيك، قال: فوقع في خاطري من كلامها شيء، فألححت عليها، فقالت: يا عبد الله قد ألجأتني إلى كشف سرّي إليك. أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامى، مات أبوهن من قريب وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئا، وقد حلّت لنا الميتة، فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي فنأكلها. فقلت في نفسي: ويحك يا ابن المبارك أين أنت من هذه!! فقلت: إفتحي حجرك، ففتحته، فصببت الدنانير في طرف إزارها وهي مطرقة لا تلتفت. قال: ومضيت إلى المنزل ونزع الله من قلبي شهوة الحج ذلك العام، ثم تجهزت إلى بلادي وأقمت حتى حج الناس وعادوا، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي، فجعلت كل من أقول له « قبل الله حجك وشكر سعيك » يقول: وأنت قبل الله حجك وشكر سعيك، أما قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثر عليّ الناس في القول. فبت متفكرا في ذلك فرأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وهو يقول: يا عبد الله لا تعجب، فإنك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكا يحج عنك في كلّ عام إلى يوم القيامة، فإن شئت أن تحج وإن شئت أن لا تحج ».

(١). زين الفتى في تفسير سورة هل أتى - مخطوط.

٥٥

منها فقط:

١ - السمعاني: « إمام عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث كان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة »(١) .

٢ - ابن الأثير: « هو من أقران البخاري ومسلم »(٢) .

٣ - الذهبي: « حافظ المشرق بارع الحفظ، واسع الرحلة من أوعية العلم وكان جارياً في مضمار البخاري وأبي زرعة الرازي »(٣) .

(٣)

رواية عبد الله بن أحمد

لقد روى هذا الحديث في ( زوائد مناقب أمير المؤمنين ) قائلاً:

« حدثنا الحسن قال: حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، حدثنا الفضيل بن عياض قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن زاذان عن سلمان قال: سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر عام، فلما خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزئين، فجزء أنا وجزء علي ».

ترجمته:

وعبد الله بن أحمد المتوفى سنة ٢٩٠ من كبار محدّثي أهل السنة، وقد جاءت فضائله الباهرة في كافة معاجم الرجال، وإليك بعض الكلمات:

____________________

(١). الأنساب - الحنظلي.

(٢). الكامل ٦ / ٦٧.

(٣). العبر - حوادث ٢٧٧.

٥٦

١ - المقدسي : « سمع أباه ويحيى بن معين وأبا بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأبا خيثمة قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة ثبتاً فهماً.

وقال بدر بن أبي بدر البغدادي: عبد الله بن أحمد جهبذ ابن جهبذ.

وقال أبو الحسين بن المنادي: لم يكن في الدنيا أروى عن أبيه منه، لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مائة وعشرون ألفاً، سمع منها ثلاثين ألفاً والباقي وجادة، والناسخ والمنسوخ، والتاريخ، وحديث شعبة، والمقدّم والمؤخّر في كتاب الله تعالى، والجوابات في القرآن، والمناسك الكبير والصغير، وحديث الشيوخ وغير ذلك.

وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإِقرار له بذلك، حتى أن بعضهم ليسرف في تقريظه إيّاه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه »(١) .

٢ - الذهبي : « عبد الله بن أحمد بن محمّد بن حنبل، الامام الحافظ الحجة، أبو عبد الله، محدّث العراق، ولد إمام العلماء »(٢) .

وقال: « الحافظ أبو عبد الرحمن كان إماماً خبيراً بالحديث وعلله، مقدما فيه، وكان من أروى الناس عن أبيه »(٣) .

٣ - ابن حجر : « قال عباس الدوري: سمعت أحمد يقول: قد وعى عبد الله علماً كثيراً، وقال الخطيمي بلغني عن أبي زرعة قال قال أحمد: ابني عبد الله محفوظ، من علماء الحديث، لا يكاد يذاكر إسماعيل بن علي إلّا بما لا أحفظ. وقال أبو علي الصواف: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كل شيء أقول قال أبي فقد سمعته مرتين أو ثلاثة. وقال ابن أبي حاتم: كتب إليّ بمسائل أبيه وبعلل

____________________

(١). الكمال - مخطوط.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٦٥.

(٣). العبر - حوادث سنة ٢٩٠.

٥٧

الحديث. وقال أبو الحسين ابن المنادي: لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه، لأنه سمع منه المسند وهو ثلاثون ألفا والتفسير قال: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى والمواظبة على الطلب، حتى أن بعضهم أسرف في تقريظه إيّاه بالمعرفة وزيادة السماع على أبيه قال النسائي ثقة. وقال السلمي: سألت الدار قطني عن عبد الله بن أحمد وحنبل بن إسحاق؟ فقال: ثقتان نبيلان. وقال أبو بكر الخلال: كان عبد الله رجلاً صالحاً صادق اللهجة كثير الحياء »(١) .

٤ - اليافعي : « الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني، كان إماماً خبيراً بالحديث وعلله مقدّماً فيه »(٢) .

(٤)

رواية ابن مردويه

لقد قال الخطيب الخوارزمي ما نصه:

« أخبرنا شهردار - هذا - إجازةً، أخبرنا عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة: حدثنا الشريف أبو طالب الجعفري، حدثنا ابن مردويه الحافظ، حدثنا إسحاق بن محمّد بن علي بن خالد، حدثنا أحمد بن زكريا، حدثنا أبو طهمان، حدثنا محمّد بن خالد الهاشمي، حدثنا الحسين بن إسماعيل بن حماد، عن أبيه، عن زياد بن المنذر، عن محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٥ / ١٤١.

(٢). مرآة الجنان حوادث: ٢٩٠.

٥٨

قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسمه نصفين: قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب. فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي ودمه دمي، فمن أحبه فبحبّي أحبه ومن أبغضه فببغضي أبغضه »(١) .

ترجمته:

وأبو بكر ابن مردويه الحافظ المتوفى سنة ٤١٠ من أعاظم محدّثي أهل السنّة الموصوفين بالحفظ والوثاقة، وقد ترجم له وأثنى عليه الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) والسيوطي في ( طبقات الحفاظ ) وغيرهما في كتب الرجال والحديث.

(٥)

رواية ابن عبد البر

لقد روى هذا الحديث ضمن جملة من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام - كحديث الطير وغيره - فقال:

« وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي من نور واحد نسبح الله تعالى يمنة العرش، قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما انتهى النور إلى عبد المطلب جعله نصفين: نصف في عبد الله ونصف في صلب أبي طالب، وشق لنا من اسمه، فالله محمود وأنا محمّد، والله الأعلى وهذا علي »(٢) .

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين: ٨٨.

(٢). بهجة المجالس وأنس الجالس، ذكره في كشف الظنون وقال « من الكتب المعتبرة في المحاظرات ».

٥٩

ترجمته:

وقد تقدّمت لإِبن عبد البر القرطبي ترجمة في قسم ( حديث الثقلين ) عن الذهبي الذي قال: « كان إماماً ديناً ثقة متقناً علّامة متبحراً صاحب سنة واتباع » ثم ذكرنا جملة من مصادر ترجمته.

(٦)

رواية الخطيب البغدادي

لقد قال الكنجي ما نصه:

« الباب السابع والثمانون: في أن علياً خلق من نور النبي: أخبرنا إبراهيم ابن بركات الخشوعي بمسجد الربوة من غوطة دمشق، أخبرنا الحافظ علي بن الحسن، أخبرنا أبو القاسم هبة الله، أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب، أخبرنا علي ابن محمد بن عبد الله العدل، أخبرنا أبو علي الحسن بن صفوان، حدثنا محمد بن سهل العطار، حدثنا أبو ذكوان حدثني حرب بن بيان الضرير من أهل قيسارية، حدثني أحمد بن عمرو حدثنا أحمد بن عبد الله عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله قضيباً من نور قبل أن يخلق الدنيا بأربعين ألف عام، فجعله أمام العرش حتى كان أول مبعثي، فشق منه نصفاً فخلق منه نبيّكم، والنصف الآخر علي بن أبي طالب.

قلت: هكذا أخرجه إمام أهل الشام عن إمام أهل العراق، كما سقناه، وهو في كتابيهما »(١) .

____________________

(١). كفاية الطالب / ٣١٤.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ما وجب معه عليه الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع والمكافّة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه. فالحالان متفقان ، إلا أن التسليم والمكافّة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلى الموادعة ، وطلبت نفسه فمنع منها بجهده ، حتّى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه ، وهذا واضح لمتأمله (انتهيكلام السيد المرتضى).

٢٨٧ ـ تعليق العلامة المجلسي :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٦)

قال المحقق المحدث المجلسي بعد نقل كلام السيد المرتضى :

وقد مضى في كتابه (الإمامة) وكتاب (الفتن) أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهمعليه‌السلام كان مأمورا بأمور خاصة ، مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهم كانوا يعملون بها. ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا. وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياءعليهم‌السلام وأن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى في ألوف من الكفرة ، ويسبّون آلهتهم ويدعونهم إلى دينهم ، ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والإلقاء في النار ، ولا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك ، مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة ، لا مجال للاعتراض عليهم ، بل يجب التسليم لهم في كل ما صدر عنهم.

على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنهعليه‌السلام فدى بنفسه المقدسة دين جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تنزلزل أركان دولة بني أمية إلا بعد شهادته ، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته. ولو كان يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم ويشتبه على الناس أمرهم ، فتعود بعد حين أعلام الدين طامسة وآثار الهداية مندرسة. مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنهعليه‌السلام هرب من المدينة خوفا من القتل.

إلى مكة ، وكذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله ، حتّى لم يتيسّر له أن يتمّ حجّه ، فتحلل وخرج منها خائفا يترقب. وقد كانوا ضيّقوا عليه جميع الأقطار ولم يتركوا له موضعا للفرار.

ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاج كلهم ، وكان قد أوصاه بقبض

٢٨١

الحسينعليه‌السلام سرا ، وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة. ثم إنه دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أي حال اتفق. فلما علم الحسينعليه‌السلام بذلك حلّ من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.

وقد روي بأسانيد معتبرة ، أنهعليه‌السلام لما منعه محمّد بن الحنفية عن الخروج

إلى الكوفة ، قال : «والله يا أخي لو كنت في جحر هامّة من هوام الأرض ، لاستخرجوني منه حتّى يقتلونني». بل الظاهر أنه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه ، لشدة عداوتهم وكثرة وقاحتهم ، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة ويدفعونه بكل وسيلة. وإنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك.ألا ترى مروان ابن الحكم كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه؟. وكان عبيد الله بن زياد يقول : اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ، ثم نرى فيه رأينا؟.

ألا ترى كيف أمنّوا مسلم بن عقيل ، ثم قتلوه؟!.

فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيتعليهم‌السلام كان ذا دهاء ونكراء وحزم ، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه ، فكان يداريهم ظاهرا على كل حال. ولذا صالحه الحسنعليه‌السلام ولم يتعرض له الحسينعليه‌السلام . ولذا كان معاوية يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسينعليه‌السلام لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته (انتهى كلام العلامة المجلسي).

٢٨٨ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله إلى العراق؟ :(مقتل المقرم ص ١٢٥)

ان الكلمة السديدة الناضجة في وجه حمل الحسين عياله إلى العراق مع علمه بما يقدم عليه ومن معه على القتل ، هو أنهعليه‌السلام لما علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعا لو لم يتعقبها لسان ذرب(١) وجنان ثابت ، يعرّفان الأمة ضلال ابن ميسون(يزيد) وطغيان ابن مرجانة (ابن زياد) ، باعتدائهما على الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنكر ، ودحض ما ابتدعاه في الشريعة المقدسة.

وعرف سيد الشهداءعليه‌السلام من حرائر الرسالةعليه‌السلام الصبر على المكاره وملاقاة

__________________

(١) ذرب اللسان : ذو لسان حادّ. ولسان ذرب : أي فصيح.

٢٨٢

الخطوب والدواهي بقلوب أرسى من الجبال ، فلا يفوتهن تعريف الملأ المغمور بالترّهات والأضاليل ، نتائج أعمال هؤلاء المضلين ، وما يقصدونه من هدم الدين ، وأن الشهداء أرادوا بنهضتهم مع إمامهم إحياء شريعة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي الحقيقة لقد أدت عقائل الوحي هذه الرسالة الجوهرية الخطيرة ، بجرأة وإخلاص ، وثبات ورباطة جأش ، رغم تفاقم الخطب وعظم المصيبة وقساوة المحنة فهاهي عقيلة الوحي زينبعليها‌السلام أخت الحسينعليه‌السلام تقف بجرأة وحزم أمام ابن زياد الجبار المتهور ، تفرغ عن لسان أبيها ، تقول له بكلام أنفذ من السهم ، وتلقمه حجرا وهي تقول :

«هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفلج (أي الفوز) ثكلتك أمك يابن مرجانة».ثم لا ننسى خطبها في الكوفة ومواقفها في الشامعليها‌السلام .

وها هي فاطمة بنت الحسين وأم كلثوم وسكينةعليهم‌السلام يتحدثن بمثل ما تحدثت به عمتهن زينبعليها‌السلام ، في ذلك الموقف الرهيب المحفوف بسيوف الخسف والغدر والجور ، فما يستطيع أحد أن يتفوه بكلمة واحدة مهما أوتي من الجرأة والثبات والصمود ، ومهما بلغ من القوة والمنعة والمنزلة ، فكيف بهنّ وقد أعلنّ للملأ أجمع عن كل موبقات ابن ميسون وابن مرجانة.

هذا على أنه وإن وضع الله الجهاد ومكافحة الأعداء عن المرأة وأمرها بلزوم بيتها ، فذاك فيما إذا قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال ، وأما إذا توقف إقامة الحق عليها فقط ، بحيث لولا قيامها لدرست أسس الشريعة وذهبت الغاية من تضحية الصفوة ، كان الواجب القيام به.

ينتج من هذا أن جهاد العقيلات في معركة كربلاء كان في طرف موازنة مع جهاد الشهداء.

وجاء في (اللهوف) ص ٤٧ : ومما يمكن أن يكون سببا لحمل الحسينعليه‌السلام عياله ، أنه إن تركها بالحجاز أو غيرها من البلاد ، كان يزيد بن معاوية قد أنفذ ليأخذهن إليه ، وصنع بهن من الاستئصال وسيّئ الأعمال ، ما يمنع الحسين من الجهاد والشهادة.

٢٨٣

٥ ـ هل ألقى الحسينعليه‌السلام بيده إلى التهلكة؟

٢٨٩ ـ هل عرّض الحسينعليه‌السلام نفسه للتهلكة؟ :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩)

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم عن استشهاد الأئمةعليهم‌السلام :

وليس في إقدامهم على الشهادة إعانة على إزهاق نفوسهم القدسية وإلقائها في التهلكة الممنوع منه بنص الذكر المجيد ، فإن الإبقاء على النفس والحذر من إيرادها مورد الهلكة إنما يجب إذا كان مقدورا لصاحبها أو لم يقابل بمصلحة أهمّ من حفظها. وأما إذا وجدت هنا لك مصلحة تكافىء تعريض النفس للهلاك ، كما في الجهاد والدفاع عن النفس ، مع العلم بتسرب القتل إلى فئة من المجاهدين ، فيجب عندها بذل النفس والتضحية بها. ولقد أمر الله الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فمشوا إليه قدما موطّنين أنفسهم على القتل وكم فيهم سعداء ، وكم من نبي قتل في سبيل دعوته ولم يبارح قوله دعوته حتّى أزهقت نفسه الطاهرة!. وقد تعبّد الله طائفة من بني إسرائيل بقتل أنفسهم فقال :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ ) [البقرة : ٥٤].

وقد أثنى سبحانه على المؤمنين في إقدامهم على القتل والمجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الإلهية ، فقال تعالى :( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) [التوبة : ١١١] وقال تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) [البقرة : ٢٠٧] وقال تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١٦٩) [آل عمران : ١٦٩].

٢٩٠ ـ التعبّد بالقتل أسمى درجات السعادة ، وليس هو إلقاء إلى التهلكة :

(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ١٢)

يقول السيد ابن طاووس : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة ، يعتقد أن الله لا يتعبّد بمثل هذه الحالة. أما سمع في القرآن الصادق المقال ، أنه تعبّد قوما بقتل أنفسهم ، فقال تعالى :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ ) [البقرة : ٥٤] أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة.

٢٨٤

ثم يعرض تفسير آية التهلكة بما ذكره الإمام الصادقعليه‌السلام ، وهو أن بعض الصحابة تخلّفوا عن نصرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقاموا في بيوتهم لإصلاح أحوالهم ، فنزلت الآية :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة : ١٩٥] ومعناه : إن تخلّفتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم. وليست هذه الآية في رجل يحرّض على العدو أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء الثواب والآخرة.

٢٩١ ـ دفع شبهة : هل ألقى الحسينعليه‌السلام بنفسه إلى التهلكة؟ :

(الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)

يقول السيد نعمة الله الجزائري :

واعلم أن جماعة من مخالفينا أورد واهنا شبهة ، بل وربما قاله بعض الجهال فينا ، وهو أن الحسينعليه‌السلام كان عالما بأن يجري عليه ما جرى قبل مسيره إلى العراق ، فلم سار إليها حتّى صار كالمعين على نفسه؟. وهذه شبهة ركيكة ، والجواب عنها من وجوه :

الوجه الأول : أن الإمام إذا وجد الأعوان وجب عليه القيام بأمر الجهاد ، ولا يجوز له التقاعد عنه لظنه بهم الخذلان له ، كما لم يجز للأنبياءعليهم‌السلام ترك الجهاد لهذه المظنّة ، بل قاموا بالدعوة حتّى أصيبوا من الأمة بالمصائب العظام ، كما وقع لأولي العزم وغيرهم ، استتماما لحجة الله تعالى على الخلائق.

الوجه الثاني : أنهعليه‌السلام لو لم يسر إلى العراق لما تركوه ، ولو ذهب إلى المكان البعيد ، مصداقا لقولهعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية ، حين نصحه بأن يلحق بالرمال من اليمن حتّى ينظر بواطن أهل العراق ، فقال له : يا أخي نعم ما رأيت من الصلاح ، ولكن هؤلاء القوم ما يسكتون عن طلبي أينما ذهبت حتّى يسفكوا دمي ، فعند ذلك يلبسهم الله ذلّ الدنيا والآخرة.

الوجه الثالث : أن الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام قد خصّهم الله تعالى بأنواع من التكاليف ، فلعل هذا ـ وهو الإلقاء إلى التهلكة ـ منها ، نظرا إلى الحكم والمصالح الإلهية.

فإن قلت : كيف لم يبايع ليزيد حتّى لا يصل إليه الضرر ، كما بايع أخوه الحسنعليه‌السلام ؟ قلت : هذا مجرد كلام ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وذلك

٢٨٥

أنهعليه‌السلام رأى أخاه الحسنعليه‌السلام لما سالم معاوية ، وكيف فعل به أولا ، وكيف غدر به آخرا ، حتّى قتله مسموما. فما كان يصنع ابنه يزيد مع الحسينعليه‌السلام إلا أسوأ من هذا ، لأن معاوية كان فيه الدهاء ، وما كان يتجرأ على قتل الحسينعليه‌السلام ظاهرا ، ولهذا أوصى عند موته ليزيد ، أنك [إن] تظفر بالحسينعليه‌السلام فلا تقتله ، واذكر فيه القرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٩٢ ـ بين هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرة السبطعليه‌السلام :

(من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ، ص ٣١)

يقول السيد هاشم معروف الحسني :

هناك هجرتان من أجل الإسلام ورسالة الإسلام :

الأولى منهما : كانت فرارا من الموت الّذي استهدف رسالة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشخصه ، وقد نفّذها الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من ربه ، ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة قريش وعلى رأسهم أبو سفيان.

والثانية : قام بها سبطه الزكي الحسين بن عليعليه‌السلام ولكنها كانت للشهادة ، بعد أن أدرك أن الأخطار المحدقة برسالة جده ، لا يمكن تفاديها وتجاوزها إلا بشهادته.

لقد هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة إلى المدينة لأجل رسالته ، بعد أن تآمرت قريش على قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها وانتشارها مرهون بحياته ، وبعد أن وجدت أن جميع وسائل العنف التي استعملتها معه خلال ثلاثة عشر عاما لم تغير من موقفه شيئا ، كما لم تجدها جميع الاغراءات والعروض السخية. وكان ردّه الأخير على عروض أبي سفيان وأبي جهل ومغرياتهما أن قال : «والله لو وضعتم الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتّى يحكم الله أو أهلك دونه».

وظل الحزب الأموي بقيادة أبي سفيان وأبنائه يتحيّن الفرص ويستغل المناسبات ليجهض على الإسلام وعلى قادة الإسلام ، بعد أن عملوا بكل جهدهم لإفراغ الإسلام من مضمونه الحقيقي واتخاذه أداة ظاهرية للوصول إلى الحكم.

وحين عادت الجاهلية تعصف برياحها على بلاد الإسلام ، وتلقي بظلها على المسلمين ، سطع ضوء في الظلام ومن بين ركام الإسلام المتداعي ، وأضاءت للملأ

٢٨٦

ملامح أمل جديد في دياجي ذلك الظلام المطبق ، وبدا للعالم إنسان يخطّ على التراب بدمه هذه الكلمات :

«ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما».

إنه الحسين ، ابن علي وفاطمة الزهراءعليهم‌السلام سبط ذلك الرسول الّذي هاجر [الهجرة الأولى] من مكة إلى المدينة ، لأجل رسالته ولا نقاذها من الشرك والوثنية.جاء يهاجر [الهجرة الثانية] لأجل نفس الرسالة ولانقاذها من الشذوذ والانحراف والجور والفساد. خرج من مدينة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عاصمة أبيه الكوفة ، خرج مهاجرا لإحياء دين جده ورسالته ، وإيقاظ الآمال في نفوس الفقراء والمستضعفين ، الذين باتوا يساقون كالأنعام بيد الولاة والحكام.

ولقد رضي الحسينعليه‌السلام أن يقدّم نفسه وأهله قربانا لهذه الرسالة ، حين رأى الموت والشهادة أحلى إلى قلبه من العقد الّذي يزيّن جيد الفتاة ، وحين أدرك أن لا عزّة ولا كرامة إلا بالجهاد والفداء.

لقد هاجر الحسينعليه‌السلام من مدينة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أرض الشهادة والخلود ، ليقدّم دمه الزكي ودماء إخوته وأنصاره ثمنا لإحياء شريعة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنقاذها من الضياع والاندثار.

وهكذا كانت نهضة الحسينعليه‌السلام الامتداد الطبيعي لرسالة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجهاد الحسينعليه‌السلام امتدادا لجهاد جده وأبيهعليه‌السلام ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين». فعقيدة الحسين هي من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحيى وتبقى بالحسينعليه‌السلام .

٦ ـ معالم النهضة المقدسة

٢٩٣ ـ ثلاثة مشاعل من رسالة الحسينعليه‌السلام :

(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه للشيخ حبيب آل إبراهيم ، بعلبك ،

السنة العاشرة ، العدد الأول ، نيسان ١٩٦٨)

ماهي رسالة الحسينعليه‌السلام ؟

تعال نسأل عنها الإمام الحسين نفسه

في يوم شهادته بالذات رفع الشهيد شعارات ثلاثة ،

٢٨٧

كانت خير عنوان للرسالة التي خرج يؤديها بدمه ،

ودم الشهداء الذين معه.

هذه الشعارات هي : المسؤولية ـ التصميم ـ العزّة.

١ ـ المسؤولية :

قال الإمام الحسينعليه‌السلام : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين».

هذه الكلمات مشاعل ، تضيء الطريق للسالكين ، بها يحدد سيد الشهداء أغراض نهضته : إنه لم يخرج طمعا بمنصب ولا عن انحراف ، إنما خرج يطلب الإصلاح في دين جده خاتم الرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يريد أمرا بمعروف ونهيا عن منكر.

ها هنا مشعل!. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنه المسؤولية ؛ مسؤولية المسلم عن عقيدته وممارستها.

ولقد كان أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام حيثما سار وثار ، نموذجا مثاليا للمسلم حين تحيق بعقيدته الآفات والأخطار.

ثم قال الحسينعليه‌السلام : «فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر ، حتّى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين».

إنه ينادي : أيها الناس لا يكن ميزان قبولكم إياي شخصي ، إنما اقبلوني لأني أمثّل حقا. فمن قبلني فإنما يقبل الحق ، ومن ردّ عليّ فإنما يردّ على الحق هكذا ترتفع المبادئ فوق الأشخاص. وحينذاك تضيع النفوس وحاجاتها ، ويبقى المبدأ هو القائم البارز. ونعم ، يبقى الشخص بمقدار ما يمثّل من مبدأ.

٢ ـ التصميم :

وقالعليه‌السلام : «ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ ، قد ركز بين اثنتين : بين السّلةّ والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».

٢٨٨

ها هو الحسينعليه‌السلام يعلن تصميمه على أداء رسالته ، وأنه لن يتراجع. وأنه يؤثر أن يموت ميتة الكرام في سبيل الرسالة ، على أن يطيع اللئام ولكن لماذا؟. من أين ينبع هذا التصميم؟.

من الله ورسوله ، ومن تربيته ، ومن نفسه. فلا الله يرضى له التراجع ولا رسوله ، ولا حقّ من ربّوه ، ولا نفسه.

مزيج من الدوافع ، لا أشمل ولا أكمل : الدين والتربية والنفسية. كلها تدفعه لأن يعلنها صريحة مدوّية : أنه لن يتراجع عن أداء رسالته ، ولو كلّفه ذلك مصرعه ...والدين في المقدمة.

وهذا مشعل!. الدين حافز لا يرضى التراجع ، ولا يقبل بأنصاف الحلول.

٣ ـ العزّة :

ثم قالعليه‌السلام : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد».

كلمات تنضح بالعزة

إنه لن يسكت ذليلا ، ولن يسكت عبدا والمنحرفون يريدونه ذليلا وعبدا معا. ولو أنه ذل واستعبد لربما أنالوه ما يرضيه ؛ ولكنه عزّ ، وإذ عزّ ثار ولكم تكلّف.

العزة غاليا( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [المنافقون : ٨].

وهذا مشعل!. الإيمان عزّ ، ولا ذلّ مع الإيمان.

٧ ـ أهداف نهضة الحسينعليه‌السلام

* مدخل :

قبل أن يسير الحسينعليه‌السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، دعا بدواة وبياض وكتب وصية تاريخية لأخيه محمّد بن الحنفية. وهذه الوصية هي أفضل وثيقة صادرة عن صاحب النهضة ، يوضح فيها بجلاء أهداف نهضته المباركة ، يقول فيها :

«إني لم أخرج أشرا (أي فرحا) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن

٢٨٩

المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيرة أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام .فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين».

ففي هذه الوثيقة يبيّن الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ أن نهضته ليس غرضها السلطان والدنيا وما يلازمها من الفرح والبطر ، ولا الإفساد والظلم.

٢ ـ أن نهضته تنطلق من مبدأ وجوب الإصلاح لكل فاسد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٣ ـ أن غايته الأولى والأخيرة إحقاق الحق الّذي أبطله المتحكمون والمبطلون ، المتمثل بسيرة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه عليعليه‌السلام .

٤ ـ أنه سوف يعمل جاهدا لتطبيق مبادئه السامية مستعينا بأنصار الحق ، وسوف يبذل في سبيل ذلك كل غال ورخيص ، ويصبر على تنفيذ ذلك ولو ضحّى بنفسه وما يملك.

والحسينعليه‌السلام رغم علمه بمصيره وشهادته ، التي وصلت حدّ الاشتهار ، إلا أنه كان يعمل وفق تكليفه الشرعي المبني على ظواهر الأمور.

٢٩٤ ـ هدفان رئيسيان للنهضة :

(الوثائق الرسمية لثورة الحسين لعبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٢)

لو تصفحنا الوثائق الأولى لقائد هذه الثورة ـ الحسينعليه‌السلام ـ لرأيناها تحمل الهدفين التاليين :

١ ـ الثورة على حكم يزيد ، أي تغيير الجهاز الحاكم.

٢ ـ إقامة الشريعة الاسلامية وتطبيقها ، في مقابل المخالفات التي أشاعها الحكام آنذاك.

٢٩٥ ـ الحسينعليه‌السلام فاتح وليس مغامرا :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٥٦)

كان الحسينعليه‌السلام يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور ، لما في شهادته من إحياء دين الرسول وإماتة البدعة وتفظيع أعمال المناوئين وتفهيم الأمة أنه أحق بالخلافة من غيره ، وإليه يشير في كتابه إلى بني هاشم :

٢٩٠

«من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلفّ لم يبلغ الفتح»(١) .

فإنهعليه‌السلام لم يرد بالفتح إلا ما يترتب على نهضته وتضحيته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن الشريعة المطهرة ، وإقامة أركان العدل والتوحيد ، وأن الواجب على الأمة القيام في وجه المنكر.

وهذا معنى كلمة الإمام زين العابدينعليه‌السلام لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله

لما سأله حين رجوعه إلى المدينة : «من الغالب؟». فقال السجّادعليه‌السلام : إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم ، تعرف الغالب!(٢) .

فإنه يشير إلى تحقّق الغاية التي ضحّى سيد الشهداء بنفسه القدسية من أجلها ، وفشل يزيد بما سعى له من إطفاء نور الله تعالى ومحو ذكر أهل البيتعليهم‌السلام ، وما أراده أبوه من نقض مساعي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمائة الشهادة له بالرسالة ، بعد أن كان الواجب على الأمة في أوقات الصلوات الخمس الإعلان بالشهادة لنبي الإسلام ، ذلك الّذي هدم صروح الشرك وأبطل عبادة الأوثان. كما وجب على الأمة الصلاة على النبي وعلى آله الطاهرين في التشهدين ، وأن الصلاة عليه بدون الصلاة على آله : بتراء(٣) .

كما أن العقيلة زينبعليها‌السلام أشارت إلى هذا الفتح بقولها ليزيد : «فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا يرحض عنك عارها وشنارها».

تصريحات الفيلسوف الألماني ماربين

٢٩٦ ـ أسرار شهادة الحسينعليه‌السلام للفيلسوف الألماني (ماربين):

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ٥٢)

قال الحكيم الألماني ماربين في كتابه (السياسة الإسلامية) من جملة كلام طويل :

لا يشك صاحب الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذاك العصر ، وكيفية نجاح بني

__________________

(١) كامل الزيارات ، ص ٧٥ ؛ وبصائر الدرجات للصفار ، ج ١٠ ص ١٤١.

(٢) أمالي الشيخ الطوسي.

(٣) الصواعق المحرقة ، ص ٨٧.

٢٩١

أمية في مقاصدهم واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين ، أن الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الإسلام. ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسّيات الصادقة بين المسلمين لأجل قتل الحسين ، لم يكن الإسلام على ماهو عليه الآن قطعا ، بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد.

عزم الحسينعليه‌السلام على إنجاح هذا المقصد وإعلان الثورة ضد بني أمية من يوم توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة ، وكان يظهر مقصده العالي ، ويبث روح الثورة في المراكز الإسلامية المهمة كمكة والعراق وأينما حل ، فازدادت نفرة قلوب المسلمين ، التي هي مقدمة الثورة على بني أمية ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسينعليه‌السلام ، وكان يعلم أن الثورة إذا أعلنت في جهة والحسين قائدها مع تنفر المسلمين عموما من حكومة بني أمية وميل القلوب وتوجه الانظار إلى الحسينعليه‌السلام ، عمّت جميع البلدان ، وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم ، فعزم يزيد قبل كل شيء من يوم بويع على قتل الحسينعليه‌السلام . ولقد كان هذا أعظم خطأ سياسي صدر من بني أمية ، فجعلهم نسيا منسيا ولم يبق منهم أثر ولا خبر.

وأعظم الأدلة على أن الحسينعليه‌السلام أقدم على قتل نفسه ولم تكن من غرضه سلطنة ولا رئاسة ، هو أنه مضافا إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليها زمن أبيه وأخيه في قتال بني أمية ، كان يعلم أنه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد ، لا يمكنه المقاومة والغلبة.

وكان يقول من يوم توفي والده إنه يقتل وأعلن يوم خروجه من المدينة أنه يمضي إلى القتل ، وأظهر ذلك لأصحابه والذين أتبعوه من باب إتمام الحجة ، حتى يتفرق الذين التفوا حوله طمعا بالدنيا ، وطالما كان يقول «وخير لي مصرع أنا لاقيه». ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن عالما عامدا ، لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده ، لا أن يفرق الذين كانوا معه. ولكن لما لم يكن له قصد إلا القتل مقدمة لذلك المقصد العالي ، وإعلان الثورة المقدسة ضد يزيد ، رأى أن خير الوسائل إلى ذلك (الانفراد والمظلومية) ، فإنّ أثر هذه المصائب أشد وأكثر في القلوب.

من الظاهر أن الحسينعليه‌السلام مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين

٢٩٢

في ذلك الزمان ، لو كان يطلب قوة واستعدادا لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشا جرارا ، ولكنه لو صنع ذلك لكان قتله في سبيل السلطة والإمارة ، ولم يفز (بالمظلومية) التي انتجت تلك الثورة العظيمة. هذا هو الذي جعله لا يبقي معه إلا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ، كأولاده وإخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى أنه أمر هؤلاء أيضا بمفارقته ، ولكنهم أبوا عليه ذلك ، وهؤلاء أيضا كانوا من المعروفين بين المسلمين بجلالة القدر وعظم المنزلة وقتلهم معه مما يزيد في عظم المصيبة وأثر الوقعة. نعم إن الحسينعليه‌السلام بمبلغ علمه وحسن سياسته بذل كمال جهده في إفشاء ظلم بني أمية وإظهار عداوتهم لبني هاشم وسلك في ذلك كل طريق.

ولما كان يعلم الحسينعليه‌السلام عداوة بني أمية له ولبني هاشم ، ويعرف أنهم بعد قتله يأسرون عياله وأطفاله ـ وذلك يؤيد مقصده ويكون له أثر عظيم في قلوب المسلمين سيما العرب كما قد وقع ـ حملهم معه وجاء بهم من المدينة.

نعم إن ظلم بني أمية وقساوة قلوبهم في معاملاتهم مع حرم محمد وصباياه أثّر في قلوب المسلمين تأثيرا عظيما لا ينقص عن أثر قتله وأصحابه. ولقد أظهر في عمله هذا عقيدة بني أمية في الإسلام وسلوكهم مع المسلمين سيما ذراري نبيهم. لهذا كان الحسين يقول في جواب أصحابه والذين كانوا يمنعونه عن هذا السفر : «إني أمضي إلى القتل» ولما كانت أفكار المانعين محدودة وأنظارهم قاصرة لا يدركون مقاصد الحسينعليه‌السلام العالية ، لم يألوا جهدهم في منعه ، وآخر ما أجابهم به أن قال لهم «شاء الله ذلك وجدي أمرني به». فقالوا إن كنت تمضي إلى القتل فما وجه حملك النسوة والأطفال ، فقال : «إن الله شاء أن يراهن سبايا». ولما كان الحسين بينهم رئيسا روحانيا لم يكن لهم بدّ من السكوت.

ومما يدل على أنه لم يكن له غرض إلا ذلك المقصد العالي الذي كان في نفسه ، ولم يتحمل تلك المصائب لسلطنة وإمارة ولم يقدم على هذا الخطر من غير علم ودارية ـ كما تصوره بعض المؤرخين منا ـ أنه قال لبعض ذوي النباهة قبل الواقعة بأعوام كثيرة ، على سبيل السلوة : إنه بعد قتلي وظهور تلك المصائب المحزنة ، يبعث الله رجالا يعرفون الحق من الباطل ، يزورون قبورنا ، ويبكون على مصابنا ، ويأخذون بثأرنا من أعدائنا ، أولئك جماعة ينشرون دين الله وشريعة جدي ، وأنا وجدي نحبهم وهو يحشرون معنا يوم القيامة. وليتأمل المتأمل في كلام

٢٩٣

الحسينعليه‌السلام وحركاته يرى أنه لم يترك طريقا من السياسة إلا سلكه في إظهار شنائع بني أمية وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلومية نفسه ، وهذا مما يدل على حسن سياسته وقوة قلبه وتضحية نفسه ، في طريق الوصول إلى المقصد الذي كان في نظره ، حتى أنه في آخر ساعات حياته عمل عملا حير عقول الفلاسفة ، ولم يصرف نظره عن ذلك المقصد العالي مع تلك المصائب المحزنة والهموم المتراكمة وكثرة العطش والجراحات ، وهو قصة (عبد الله الرضيع). فلما كان الحسينعليه‌السلام يعلم أن بني أمية لا يرحمون له صغيرا رفع طفله الصغير تعظيما للمصيبة على يده أمام القوم وطلب منهم أن يأتوه بشربة من الماء فلم يجيبوه إلا بالسهم.

ويغلب على الظن أن غرض الحسينعليه‌السلام من هذا العمل تفهيم العالم بشدة عداوة بني أمية لبني هاشم وأنها إلى أي درجة بلغت. ولا يظن أحد أن يزيد كان مجبورا على تلك الأعمال المفجعة لأجل الدفاع عن نفسه ، لأن قتل الطفل الرضيع في تلك الحال بتلك الكيفية ، ليس هو إلا توحش وعداوة سبعية ، منافية لقواعد كل دين وشريعة ، ويمكن أن تكون هذه الفاجعة كافية لافتضاح بني أمية ورفع الستار عن قبائح أعمالهم ونياتهم السيئة بين العالم ، سيما المسلمين ، وأنهم يخالفون الإسلام في حركاتهم بل يسعون بعصبية جاهلية إلى إبادة آل محمد وجعلهم أيدي سبأ.

ونظرا لتلك المقاصد العالية التي كانت في نظر الحسينعليه‌السلام مضافا إلى وفور علمه وسياسته التي كان لا يشك فيها اثنان لم يرتكب أمرا يوجب إجبار بني أمية للدفاع عن أنفسهم ، حتى أنه مع ذلك النفوذ والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر لم يسع في تسخير البلاد الإسلامية وضمها إليه ولا هاجم ولاية من ولايات يزيد إلى أن حاصروه في واد غير ذي زرع ، قبل أن تبدو منه أقل حركة عدائية أو تظهر منه ثورة ضد بني أمية لم يقل الحسينعليه‌السلام سأكون ملكا أو سلطانا أو أصبح صاحب سلطة. نعم كان يبث روح الثورة في المسلمين بنشره شنائع بني أمية واضمحلال الدين إن دام ذلك الحال ، وكان يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور. ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب إتمام الحجة بأنهم لو تركوه لرحل بعياله وأطفاله وخرج من سلطة يزيد ، ولقد كان لهذا الإظهار الدال على سلامة نفس الحسينعليه‌السلام في قلوب المسلمين غاية التأثير.

لقد قتل قبل الحسينعليه‌السلام ظلما وعدوانا كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب

٢٩٤

الديانات وقامت الثورة بعد قتلهم بين تابعيهم ضد الأعداء ، كما وقع مكررا في بني إسرائيل ، وقصة يحيى من أعظم الحوادث التاريخية ، ومعاملة اليهود مع المسيح لم ير نظيرها إلى ذلك العهد ، ولكن واقعة الحسينعليه‌السلام فاقت الجميع لم يرشدنا التاريخ إلى أحد من الروحانيين وأرباب الديانات أنه أقدم على قتل نفسه عالما عامدا لمقاصد عالية لا تنجح إلا بقتله ، فإن كل واحد من أرباب الديانات الذين قتلوا ، ثار عليهم أعداؤهم وقتلوهم ظلما ، وبمقدار مظلوميتهم قامت الثورة بعدهم ، ومقاصد الحسينعليه‌السلام كانت على علم وحكمة وسياسة وليس لها نظير في التاريخ ، فإنه لم يزل يوالي السعي في تهيئة أسباب قتله نظرا لذلك المقصد العالي ، ولم نجد في التاريخ رجلا ضحّى بحياته عالما عامدا لترويج ديانته من بعده إلا الحسينعليه‌السلام .

المصائب التي تحمّلها الحسينعليه‌السلام في طريق إحياء دين جده تفوق على مصائب أرباب الديانات السابقين ، ولم ترد على أحد منهم. نعم إن هناك رجالا قتلوا في طريق إحياء الدين ولكنهم لم يكونوا كالحسين ، فإنه ضحّى بنفسه العزيزة في طريق إحياء دين جده وفداه بأولاده وإخوانه وأقربائه وأحبابه وأمواله وعياله ، ولم تقع هذه المصائب دفعة واحدة حتى تكون في حكم مصيبة واحدة ، بل وقعت متوالية واحدة بعد أخرى ، ويختص الحسينعليه‌السلام دون غيره بتواتر أمثال هذه المصائب كما يشهد له التاريخ.

لم تنته المصائب التي وردت على الحسينعليه‌السلام من قتله وقتل أصحابه وتسيير نسائه وبناته ، إلا وانكشف الغطاء عن سرائر بني أمية وقبائح أعمالهم ، وظهرت بين المسلمين الحسيات السياسية ، وتوطدت أسباب الثورة ضد سلطنة يزيد وبني أمية ، وعلم الجميع أن بني أمية مخربو الإسلام ، وصار الجميع يرفض بدعهم وتقولاتهم ، وعرفوا بالظلم والغصب ، بالعكس من بني هاشم فإنهم عرفوا بالمظلومية وأن لهم الرئاسة الروحانية بالاستحقاق ، وإليهم تنمى الحقيقة الروحانية.

كأن المسلمين بعد قتل الحسينعليه‌السلام قد دخلوا في دور جديد وظهرت الروحانية الإسلامية بأجلى مظاهرها وتجددت بعد أن كانت مندرسة غائبة عن أذهان المسلمين وكما أنه لا يشك اثنان في تفوق مصائب الحسينعليه‌السلام على جميع مصائب روحاني السلف ، فكذلك لا يشك في الثورة التي حدثت بعده بأنها فاقت جميع الثورات السالفة وأن امتدادها وأثرها أكثر ، وأن بها ظهرت للعالم (مظلومية

٢٩٥

آل محمد) فكانت أولى نتائج هذه الثورة اختصاص الرئاسة الروحانية التي لها أهمية عظمى في عالم السياسة ببني هاشم ، وخصوصا في أولاد الحسينعليه‌السلام (فكان منهم أئمة الشيعة) ونظرة عموم المسلمين إلى بني هاشم سيما أولاد الحسين نظرهم إلى الروحانيين. ولم يطل العهد حتى نزعت تلك السلطة من بني أمية وزالت السلطة والقدرة من آل يزيد في أقل من قرن ، واندرست آثارهم على وجه لم يبق منهم عين ولا أثر. وأينما ذكرت أسماؤهم في متون الكتب قرنها المسلمون بكلمة الشماتة ، وكل ذلك نتيجة سياسة الحسين الذي يمكن أن يقال إنه لم يأت في أرباب الديانات والروحانيين رجل عرف عواقب الأمور مع بعد نظر وحسن سياسة كالحسينعليه‌السلام .

قبل أن تصل سبايا الحسين إلى الشام قامت الثورة ضد يزيد وظهرت بمظلومية الحسين سرائر بني أمية ، وكشف الغطاء عن نياتهم وتوجه اللوم على يزيد حتى من أهل بيته وحرمه(١) . وصار يزيد يسمع تقديس الحسينعليه‌السلام وأولاد علي وعظمتهم ومظلوميتهم بعد أن لم يكن يمكن ذكرهم عنده بخير. وكان يصعب عليه ذلك إلا أنه لم يكن له بدّ غير السكوت ، ولما أراد تبرئة نفسه من تلك الأعمال ألقى المسؤولية على عماله ولم يزل يسمع محامد الحسينعليه‌السلام . قال يزيد ذات يوم : إن سلطنة الحسين كانت أهون عليّ من هذا المقام العالي الذي فاز به آل علي وبنو هاشم.

وأخيرا فشيعة الحسينعليه‌السلام لم يزالوا يستفيدون من هذه الثورات ، وتزيد قوة بني هاشم وعظمتهم حتى لم يمض أقل من قرن إلا وصارت السلطنة الإسلامية الوسيعة في بني هاشم من دون مزاحم ، وأبادوا بني أمية على وجه لم يبق منهم اسم ولا رسم. (انتهى كلام ماربين).

__________________

(١) قال السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله صفحة ٢٠ : ولقد فشا الانكار على يزيد حتى من حريمه وأهل بيته ، حتى أن زوجته هند بنت عمرو بن سهيل وكان زوجة عبد الله بن عامر بن كريز ، فأجبره معاوية على طلاقها لرغبة يزيد فيها فإنها لما أبصرت الرأس مصلوبا على باب دارها ، والأنوار النبوية تتصاعد منه إلى عنان السماء ، وشاهدت الدم يتقاطر طريا ويشم منه رائحة طيبة ، عظم مصابه في قلبها فلم تتمالك أن دخلت على يزيد في مجلسه مهتوكة الحجاب وهي تصيح : رأس ابن بنت رسول الله مصلوب على دارنا. فقام إليها وغطاها وقال لها : أعولي على الحسين فإنه صريخة بني هاشم ، عجّل عليه ابن زياد قصد بذلك تعمية الامر وإبعاد السبة عنه وذلك بإلقاء التبعة على عامله

٢٩٦

إنها لكلمات حرة صادقة جاءت على لسان رجل غربي مدقق مطّلع. ومن المؤسف أن نرى أمثال هذا الفيلسوف من الغربيين أشد إنصافا ودفاعا عن الحق ، حتى من علماء العرب أنفسهم (وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) صدق الله العظيم.

٢٩٧ ـ مختصر ما حصل للحسينعليه‌السلام حتّى مقتله :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٧)

يقول السيوطي : فأما ابن الزبير فلم يبايع ، ولا دعا إلى نفسه.

وأما الحسينعليه‌السلام فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية ، وهو يأبى. فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموما ، يجمع الإقامة مرة ، ويريد المسير إليهم أخرى. فأشار عليه ابن الزبير بالخروج.

وكان ابن عباس يقول له : لا تفعل.

وقال له ابن عمر : «لا تخرج ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة. وإنك بضعة منه ، ولا تنالها (أي الدنيا).

(وفي رواية تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٢ ص ٣٥٧) : «لا ينالها أحد منكم ، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير ، فأبى».

واعتنقه [ابن عمر] وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل!. فكان ابن عمر يقول :غلبنا حسين بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة.

وكلّمه في ذلك أيضا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو واقد الليثي وغيرهم ، فلم يطع أحدا منهم.

وصمم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس : والله إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان ، فلم يقبل منه. فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير.

وبعث أهل العراق إلى الحسينعليه‌السلام الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ، ومعه طائفة من آل بيته ، رجالا ونساء وصبيانا.

فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله ، فوجّه إليه جيشا من أربعة آلاف ، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فخذله أهل الكوفة ، كما هو شأنهم مع

٢٩٧

أبيه من قبله. فلما رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع ، والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده [هذه الدعوى مغلوطة من وضع الإعلام الأموي] فأبوا إلا قتله!. فقتل وجيء برأسه في طست ، حتّى وضع بين يدي ابن زياد ؛ لعن الله قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضا.

ويتابع السيوطي حديثه فيقول : وكان قتله بكربلاء. وفي قتله قصة فيها طول ، لا يحتمل القلب ذكرها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته

ولما قتل الحسينعليه‌السلام وبنو أمية ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه. اه

٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية

٢٩٨ ـ نهضة الحسينعليه‌السلام تحقق أهدافها القريبة والبعيدة ، ثمرات نهضة الحسينعليه‌السلام :

(الأئمة الاثنا عشر لعادل الأديب ، ص ١٣٦)

لقد استطاعت ثورة الحسينعليه‌السلام أن تحقق من قيامها الثمرات التالية :

١ ـ وضع الحدّ الفاصل أمام الجماهير ، بين الإسلام الصحيح والحكم الأموي الخادع ، وتحطيم الإطار الديني المزيّف الّذي كان الأمويون يحيطون به سلطانهم ، وبيان مدى بعده عن الدين.

٢ ـ الشعور بالإثم : ولّد استشهاد الحسينعليه‌السلام المفجع في كربلاء في ضمير كل مسلم استطاع أن ينصره فلم ينصره ، بعد أن عاهده على الثورة ولّد فيهم الشعور بالإثم ، ولزوم التكفير عن ذلك التقصير.

ولقد قدّر لهذا الشعور بالإثم أن يظل دائم الأوار ، حافزا دائما إلى الثورة والانتقام ، من رؤوس الفتنة والانحراف ، وقدّر له أن يدفع الناس إلى الثورات على الأمويين والظالمين كلما سنحت الفرصة.

٣ ـ تنمية الروح النضالية في الإنسان المسلم ، وتحطيم كل الحواجز النفسية والاجتماعية التي حالت دون الثورة.

٢٩٨

ولكي نخرج بفكرة واضحة عن مدى تأثير ثورة الحسينعليه‌السلام في بعث روح الثورة والنضال في المجتمع الإسلامي ، يحسن بنا أن نلاحظ أن هذا المجتمع خلال عشرين عاما من مقتل الإمام عليعليه‌السلام وحتى ثورة الحسينعليه‌السلام أخلد إلى السكون ولم يقم بأي ثورة أو احتجاج جدّي جماعي على ألوان الاضطهاد والظلم والقتل وسرقة أموال الأمة ، التي كان يقوم بها الأمويون وأعوانهم ، بل خلد إلى الخنوع والنوم والتسليم.

أما بعد ثورة الحسينعليه‌السلام واستشهاده ، فقد اندلعت الثورات على يد الجماهير وتوثّبت الروح النضالية فيهم ، وبدؤوا يبحثون عن زعيم يقودهم لنزع قيد الخنوع والاستسلام ، وإرجاع الحياة والحركة للإسلام. ونلاحظ هذه الروح الثورية في كل الثورات التي حملت شعار الثأر لدم الحسينعليه‌السلام والتي هي في واقعها تثأر لكرامة الإسلام والمسلمين.

٢٩٩ ـ ثورات على خطّ الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٣٩)

ونجمل هنا ذكر بعض هذه الثورات :

١ ـ ثورة التوابين : التي اندلعت في الكوفة بقيادة الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي ، وكانت ردّ فعل مباشر لمقتل الحسينعليه‌السلام ، وانطلقت من مبدأ الشعور بالإثم والتقصير في نصرة الحسينعليه‌السلام . وكانت سنة ٦٥ ه‍.

٢ ـ ثورة أهل المدينة : وكانت تهدف إلى تقويض سلطان الأمويين الظالم اللاإسلامي ، وقد بدأت هذه الثورة بطرد حاكم يزيد من المدينة ، ومعه كل الأمويين وعددهم ألف شخص. فكان من نتيجة ذلك أن بعث يزيد بالمجرم السفّاك مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي اشتهر باسم (مسرف) من شدة ما أسرف في قتل أهل المدينة من أبناء الصحابة والتابعين. وقد سبى المدينة ثلاثة أيام ، حتّى أن جيشه افتضّ ألف فتاة عذراء من بنات الصحابة الأجلاء.

٣ ـ ثورة المختار الثقفي : الّذي خرج من العراق طالبا الأخذ بالثأر من قتلة الحسينعليه‌السلام ، وذلك سنة ٦٦ ه‍. فتتبّع المختار قتلة الحسينعليه‌السلام وآله ، وقتلهم ومثّل بهم. فقتل منهم في يوم واحد مائتين وثمانين رجلا ، حتّى قتل منهم الآلاف.ولم ينج منه أحد ، حتّى عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وأضرابهم.

٢٩٩

٤ ـ ثورة ابن الأشعث : وفي سنة ٨١ ه‍ ثار عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على الحجاج في العراق ، وخلع عبد الملك بن مروان. وقد استمرت ثورته إلى سنة ٨٣ ه‍ ، وأحرزت انتصارات عسكرية ، ثم قضى عليها الحجاج بمساعدة جيوش شامية.

٥ ـ ثورة الشهيد زيد بن علي : وفي سنة ١٢٢ ه‍ ثار في الكوفة على طغيان الأمويين زيد بن علي ، وهو ابن الإمام زين العابدينعليه‌السلام . ولكن سرعان ما أخمدت ثورته ، وقتل وصلبرحمه‌الله .

وكان من نتيجة هذه الثورات تقويض ملك بني أمية خلال تسعين سنة ، وقد كان يتوقع له أن يستمر مئات السنين.

فلسفة الابتلاء

٣٠٠ ـ الدنيا دار ابتلاء :

(الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)

يقول السيد نعمة الله الجزائري : اعلم أيّدك الله أن البلاء إنما كتب على المؤمن ، وأن الدنيا ليست بدار ثواب ولا بدار عقاب ، لم يرض سبحانه بأن يجعل ثواب المؤمن فيها ولا عقاب الكافر فيها ، وذلك لقلة أيامها ونقصان الأعمار فيها ، ومن ثم بعث الدواهي والمصائب فيها إلى أحبابه وأقاربه.

ولا مصيبة مثل مصيبة مولانا الحسينعليه‌السلام ، فإنها هدّت أركان الدين وصدّعت قواعد الشرع المبين ، وأبكت الأجفان وأقرحت القلوب. ولعمري إنها المصيبة التي يتسلى بها المؤمن عن كل مصاب ، والداهية المنسية له مفارقة الخلان والأحباب.

٣٠١ ـ المؤمن أشدّ ابتلاء :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦٨)

روي أن رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوقف بين يديه ، فقال : يا رسول الله إني أحب اللهعزوجل ، فقال : استعدّ للبلاء!. فقال : يا رسول الله وإني أحبك ، فقال له : استعدّ للفقر!. فقال : وإني أحبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال : استعدّ لكثرة الأعداء!.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735