موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 10%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 497215 / تحميل: 5885
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الفصل السابع

فلسفة النهضة الحسينيّة وأهدافها

١ ـ أسباب ضة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مبررات النهضة

٣ ـ متى يجب القيام؟

٤ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله؟

٥ ـ هل ألقى الحسينعليه‌السلام بيده إلى التهلكة؟

ـ بين هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرة السبطعليه‌السلام

٦ ـ معالم النهضة المقدّسة

٧ ـ أهداف ضة الحسينعليه‌السلام

٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية

ـ فلسفة الابتلاء.

٢٦١

نهضة الإمام الحسين (ع)

قال الامام الحسين (ع) في وصيته لاخيه محمد بن الحنفية :

إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وانما خرجت أطلب الاصلاح في أمة جدي محمد (ص).

أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمد (ص) وسيرة أبي علي بن أبي طالب (ع).

وقال الشاعر على لسان الامام الحسين (ع) :

إن كان دين محمد لم يستقم

الا بقتلي ، يا سيوف خذيني

٢٦٢

الفصل السابع

فلسفة النهضة الحسينيّة وأهدافها

* تعريف بالفصل :

قبل الدخول في النهضة الحسينية وأحداثها المختلفة ، لا بدّ لنا من معرفة أسبابها وأهدافها ونتائجها. وهو ما سنعالجه في هذا الفصل.

نبدأ الفصل بالتفريق بين معنى (النهضة) ومعنى الثورة ، ثم نبيّن أسباب النهضة التي واكبت موت معاوية ومجيء يزيد ، وقد تغيرت الأوضاع ومستوى الانحراف عما كانت عليه في عهد الإمام الحسنعليه‌السلام ، وأصبح الإسلام على عتبة الزوال والاضمحلال. فكان لا بدّ لقائد الأمة وهو الحسينعليه‌السلام من القيام بمسؤوليته في التصحيح والأمر بالمعروف. لقد كان تصميم بني أمية من خلال معاوية على تقويض الإسلام ، وفق المستوى النظري والعملي ، فحاولوا الإبقاء على المظهر الخارجي للإسلام كغطاء ، للإجهاض على معانيه وجوهره الداخلي. ومن أهم مظاهر ذلك التغيير إحباط نظام الشورى ، وجبر المسلمين على نظام الملكية الوراثية ، الّذي يحاربه الإسلام ولا يرضى به. فاستلم معاوية الحكم قهرا عن المسلمين ، بالخديعة والمكر والنزاع والخروج على إمام زمانه ، وهو يعلم أنه من الطلقاء الذين ناهضوا هم وآباؤهم الدعوة الإسلامية منذ بزوغها ، والذين لا تجوز لهم الخلافة قطعا ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان ، الطلقاء وأبناء الطّلقاء».

وقد استخدم معاوية وبنو أمية في حربهم للإسلام ، ولنشر المبادئ المعاكسة للإسلام ، كلّ وسيلة من وسائل الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق للتسلط على المسلمين. وبما أن المسلمين كانوا قد وصلوا إلى وضع معنوي مائع مهلهل ، فقد عملت أساليب بني أمية فعلها فيهم ، واستعبدتهم لأنهم كانوا عبيدا للدنيا ، وكان الدين لعقا على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم. لكن أهداف هذه الردّة

٢٦٣

الجديدة ضد الإسلام ، بعد ردّة مسيلمة الكذاب ، لم تدم كثيرا بفضل نهضة الحسينعليه‌السلام وإيقاظه ضمائر المسلمين للدفاع عن دينهم وشريعتهم ، ونبذ أعداء الإسلام المتبرقعين بلباسه ورسمه. فكانت ثورة كربلاء نقطة الانطلاق إلى ثورات مستمرة لم تسكن حتّى قوّضت عرش الأمويين عام ١٣٢ ه‍. وكما يقول الفيلسوف الألماني (ماربين) : «إن الحسين قد أدى الغاية الأساسية من نهضته بأسلوبه الفذّ العبقري ، حتّى أن استشهاده قد قصم عمر تلك الدولة العنصرية إلى أقل من مائة عام ، بينما كان يتوقع لها أن تعيش أضعاف تلك المدة».

وبعد مناقشة أسباب النهضة ومراميها ، نردّ على من زعم أن الحسينعليه‌السلام كان مخطئا في خروجه على يزيد ، وأنه بخروجه شقّ عصا المسلمين ، وهؤلاء نفسهم لم ينسبوا إلى معاوية هذا الحكم حين شقّ عصا الطاعة فعلا وخرج على إمام زمانه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وحاربه ، وسبّب بذلك تشتت المسلمين وتنازعهم ، وبالتالي أضعف الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين.

ثم نردّ على من ادّعى أن الحسينعليه‌السلام قد ألقى بنفسه إلى التهلكة ، إذ لم يكترث بالنصائح العديدة التي وجّهت إليه. كما نردّ على الذين أنكروا عليه حمله نساءه وأطفاله معه إلى كربلاء.

وكما قال بعضهم : لو قدّر هؤلاء الناصحون الأخطار المحيطة بالإسلام في ذلك المنعطف التاريخي الحاسم ، كما قدّرها الحسينعليه‌السلام ، لكان الأولى بهم نصرته بالسيف والسنان ، عن تقديم النصيحة له بالقول واللسان.

وننهي الفصل بلمحة عن «فلسفة الابتلاء». وكيف أن الله يبتلي المؤمنين أكثر من الفاسقين والكافرين ، ليعلي من منزلتهم ويجعلهم قدوة ومنارا للآخرين.

ـ الفرق بين الثورة والنهضة :

المقصود من كلمة (النهضة) في هذا الفصل ، تلك الحركة المدروسة المخططة التي قام بها الإمام الحسينعليه‌السلام ، والتي كان عارفا بمقاصدها ومصمما على خوضها ، مهما كلفّه ذلك من إيثار وبذل وتضحيات.

ولم تكن تلك الحركة وليدة الصدفة والاتفاقات ، ولا نتيجة ردود فعل ولا أحقاد ، بل كانت خطة مقررة ، تسير على خط مرسوم ، من أول حركتها إلى آخر أحداثها ، تنهج على مبدأ راسخ ورسالة ثابتة. خطة رسمها الإمام العظيم ، ذو العقل

٢٦٤

الكبير والقلب الجريء ، لا يبغي من ورائها النتائج الوقتية الآنيّة ، بقدر ما يرمي إلى نتائجها الجسيمة البعيدة المدى.

وبحق لقد كانت شهادة الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم عاشوراء ، المشعل الّذي ألهب الثورة في قلوب المسلمين للحفاظ على عقيدتهم والدفاع عن شريعتهم ، بعد ما أظهرعليه‌السلام حقيقة منتحلي الإسلام ، من الأعوان والحكام. فما لبثت الثورات أن تعاقبت تباعا بعد استشهاد الحسينعليه‌السلام ، حتّى تقوّض عرش بني أمية في قرن من الزمن ، وقد كان مقدّرا له أن يدوم عدة قرون.

١ ـ أسباب نهضة الحسينعليه‌السلام

* مدخل :

لم تكن معركة الحق مع الباطل سهلة بسيطة ، بل كانت متشابكة المعالم. وحين استلم عثمان الخلافة طأطأ بنو أمية فرحا ، وعلموا أن الأمر قد توطّد لهم. وفعلا فإن عثمان ـ وهو من وجوه بني أمية ـ قد فعل ما حذّره منه سلفه عمر بن الخطاب ، فعزل الولاة الأكفاء ، واستبدل بهم ولاة من بني أمية ، حتّى صار مروان بن الحكم طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمين سرّ الخليفة ، يسرح ويمرح.

ولما تولى الخلافة الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصيب بنو أمية بنكسة عارمة ، وخافوا أن يفلت الأمر من أيديهم إلى الأبد ، فقاموا بقيادة زعيمهم معاوية ، الّذي تمركز في الشام ، قاموا بإعلان الحرب على الإمام وخلع الطاعة عن خليفة الإسلام. وبما أنه ليس لهم أي سهم وقدم في الإسلام أمام عليعليه‌السلام . فحاولوا إيهام الرأي العام بأن علياعليه‌السلام له ضلع في مقتل عثمان ، أو أنه متواطئ مع قتلته لأنه لم يقبض عليهم ويحاكمهم.

وفي الواقع إن الّذي قتل عثمان هو معاوية ، لأنه منّاه بالمساعدة العسكرية سرّا ، حتّى إذا أحيط به أسلمه وتخلّى عنه. أما قتلة عثمان ، فإن الأمر لما صار بيد معاوية لم يحاكمهم ولم يقبض عليهم ، فما عدا مما بدا!.

وتنفس بنو أمية الصعداء حين اغتيل عليعليه‌السلام ، فتنادوا لحرب الإمام الحسنعليه‌السلام ، بعد أن فتنوا أصحابه بالأموال ، وأفسدوا ضمائرهم بالآمال.

٢٦٥

فكانت حكمة الحسنعليه‌السلام أن يلوذ بالصلح حقنا للدماء. لكن الحسينعليه‌السلام وإن رضي بالصلح طاعة لأخيه الحسنعليه‌السلام ، إلا أنه كان كمن يجدع أنفه بالمقراض ويضرب بالسياط. وظل محترما لعهد الصلح الّذي أمضاه أخوه رغم تخلّي معاوية عنه ، فلم يجد بعد وفاة أخيه أية مصلحة في التحرك ، مادام معاوية حيا.

لكن ما أن هلك معاوية سنة ٦٠ ه‍ حتّى صمم الحسينعليه‌السلام على إعلان النهضة المقدسة ، لتوفّر ظروفها وأسبابها. ومن هذه الظروف تكشير يزيد عن أنيابه للإجهاز على آخر رمق من الإسلام ، ثم تنادي العراقيين لعقد رايتهم تحت لواء الحسينعليه‌السلام . وقد صرّح الحسينعليه‌السلام بأنه لم يبايع معاوية ولن يبايع يزيد ، وأنه يرفض كل حلّ سلمي أو وسط. وحتى لو كان بعض أهل العراق قد شبّ على الشقاق والنفاق والغدر والخيانة ، فكان لا بدّ له كمسؤول عن الدين والإسلام ، من متابعة المسيرة معهم إلى آخر الطريق. لأن من واجبه إقامة الحجة عليهم ، واستيعابهم وعدم التخلي عنهم.

ولم يكن من رأيهعليه‌السلام البقاء في الحجاز ، لأن أهلها لم يكونوا من المتعاطفين معه ، ولا أن يسير إلى اليمن لأنهم لم يثبتوا صلابتهم سابقا. فكان العراق ملجأه الوحيد.

وحتى مع علم الحسينعليه‌السلام بغدر أهل العراق وسرعة تقلّبهم ، وبأن مصيره القتل المعلوم ، إلا أن ذلك لا يسوّغ له شرعا إلا أن يعاملهم على الظاهر ، وينهد إليهم عند الطلب. فكان هو كبش الفداء ، الّذي قدّم نفسه عامدا متعمدا ، قربانا لإحياء دين جده ، إن لم يكن ذلك عاجلا فآجلا.

وكان كلما نصحه أحد من أصحابه ، كأخيه محمّد بن الحنفية أو ابن عمه عبد الله بن عباس أو ابن عمه عبد الله بن جعفر أو غيرهم ، بالبقاء أو المسير إلى جهة أخرى ، كان يشكرهم على نصيحتهم ، ويعتذر لهم بأن ما قضى الله فهو كائن ، وأن مسيره إلى مصرعه ليس بأمره.

وحين قال له ابن الحنفية : فما سبب حملك هذه النسوة معك؟ أجابعليه‌السلام :«قد شاء الله تعالى أن يراهنّ سبايا».

٢٦٨ ـ الدوافع إلى النهضة :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ص ٧٤)

إن جملة من العوامل دفعت الإمام الحسينعليه‌السلام إلى إعلان نهضته إثر حكم

٢٦٦

يزيد ، منها نقض معاوية لبنود الصلح بتولية يزيد ، ومنها مكاتبة أهل العراق للحسينعليه‌السلام يطلبون منه النهوض.

والسؤال الّذي يطرح نفسه بإلحاح ، هو مدى تأثير دعوة أهل الكوفة للإمامعليه‌السلام للثورة ، وهل إن هذا العامل يعتبر سرّ التحرك الحسيني؟. وما هي الدوافع الحقيقية من تحرك الإمامعليه‌السلام ؟. أهي للشهادة كما صوّرها البعض ، باعتبار أنه يعلم مصيره المحتوم؟ أم لإقامة حكومة إسلامية؟.

وللإجابة على هذا السؤال نقول : إن حركة الإمام الحسينعليه‌السلام هي حركة روحية ، وحاجة نفسية ، كحاجة الإنسان إلى الماء والغذاء. فلو أن الحسينعليه‌السلام لم يكن عالما بمصيره ، لم يكن تحرّكه المندفع من الشعور الذاتي ليتغير عما فعل.

٢٦٩ ـ الأسباب المباشرة وغير المباشرة لنهضة الحسينعليه‌السلام وما هو تكليفه الواقعي والظاهري :

(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ص ١٩٧)

قال السيد عبد الرزاق المقرّم بعد عرضه لنصائح الأصحاب :

هذه غاية ما وصل إليه إدراك من رغب في تريّثهعليه‌السلام عن السفر إلى العراق.وأبو عبد الله الحسينعليه‌السلام لم تخف عليه نفسيات الكوفيين وما شيبت من الغدر والنفاق ، ولكن ماذا يصنع بعد إظهارهم الولاء والانقياد له والطاعة لأمره ، وهل يعذر أمام الأمة في ترك ما يطلبونه من الإرشاد والانقاذ من مخالب الضلال ، وتوجيههم إلى الأصلح الّذي يرضي الله رب العالمين ، مع أنه لم يظهر منهم الشقاق والخلاف. واعتذارهعليه‌السلام عن المصير إليهم بما جبلوا عليه من الخيانة كما فعلوا مع أبيه وأخيه ، يسبب إثارة اللوم من كل من يبصر ظواهر الأشياء. والإمام المقيّض لهداية البشر أجلّ من أن يعمل عملا يكون للأمة الحجة عليه. والبلاد التي أشاربها ابن عباس وغيره لا منعة فيها ، وما أجرى بسر بن أرطاة مع أهل اليمن يؤكد وهنهم في المقاومة والضعف عن ردّ الباغي.

وبهذا يصرّح الشيخ التستري أعلى الله مقامه ، فإنه يقول : كان للحسينعليه‌السلام تكليفان : واقعي وظاهري.

أما [التكليف الواقعي] الّذي دعاه للإقدام على الموت وتعريض عياله للأسر وأطفاله للذبح مع علمه بذلك ، فالوجه فيه أن عتاة بني أمية قد اعتقدوا أنهم على

٢٦٧

الحق ، وأن عليا وأولاده وشيعتهم على الباطل ، حتّى جعلوا سبّه من أجزاء صلاة الجمعة ، وبلغ الحال ببعضهم أنه نسي اللعن في خطبة الجمعة ، فذكره وهو في السفر فقضاه. وبنوا مسجدا سمّوه (مسجد الذكر) فلو بايع الحسين يزيد وسلّم الأمر إليه لم يبق من الحق أثر ، فإن كثيرا من الناس يعتقد بأن المحالفة لبني أمية دليل استصواب رأيهم وحسن سيرتهم. وأما بعد محاربة الحسين لهم وتعريض نفسه المقدسة وعياله وأطفاله للفوادح التي جرت عليهم ، فقد تبيّن لأهل زمانه والأجيال المتعاقبة أحقيته بالأمر وضلال من بغى عليه.

وأما [التكليف الظاهري] فلأنهعليه‌السلام سعى في حفظ نفسه وعياله بكل وجه ، فلم يتيسّر له وقد ضيّقوا عليه الأقطار ، حتّى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أن يقتله فيها ، فخرج منها خائفا يترقّب ، فلاذ بحرم الله الّذي هو أمن الخائف وكهف المستجير ، فجدّوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلة ولو وجد متعلقا بأستار الكعبة ، فالتزم بأن يجعل إحرامه عمرة مفردة وترك التمتع بالحج ، فتوجه إلى الكوفة لأنهم كاتبوه وبايعوه وأكدوا المصير إليهم لإنقاذهم من شرور الأمويين ، فألزمه التكليف بحسب ظاهر الحال إلى موافقتهم إتماما للحجة عليهم ، لئلا يعتذروا يوم الحساب بأنهم لجؤوا إليه واستغاثوا به من ظلم الجائرين ، فاتّهمهم بالشقاق ولم يغثهم. مع أنه لو لم يرجع إليهم ، إلى أين يتوجه وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟!. وهو معنى قولهعليه‌السلام لعبد الله بن جعفر :

«لو كنت في حجر هامّة من هذه الهوام ، لاستخرجوني حتّى يقتلوني».

٢٧٠ ـ من أسباب نهضة الحسينعليه‌السلام لأحد علماء الأزهر :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة للسيد علي بن الحسين الهاشمي ص ١٢)

قال الأستاذ محمّد عبد الباقي سرور ، أحد علماء الأزهر ، في كتابه (الثائر الأول في الإسلام) ص ٧٩ ط مصر :

فلو بايع الحسين يزيد الفاسق المستهتر ، والذي أباح الخمر والزنا ، وحطّ بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم ، والذي ألبس الكلاب والقرود جلاجل من ذهب ، ومئات الألوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان. لو بايع الحسين يزيد أن يكون خليفة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا الوضع ، لكانت فتيا من الحسين بإباحة هذا للمسلمين. وكان سكوته هذا أيضا على

٢٦٨

هذا رضى ، والرضى عن ارتكاب المنكرات ولو بالسكوت إثم وجريمة في حكم الشريعة الاسلامية. والحسين بوضعه الراهن في عهد يزيد هو الشخصية الأولى المسؤولة في الجزيرة العربية بل في البلاد الاسلامية كافة ، عن حماية التراث الإسلامي ، لمكانته في المسلمين ولقرابته من رسول رب العالمين ، ولكونه بعد موت كبار المسلمين أعظم المسلمين في ذلك الوقت علما وزهدا وحسبا ومكانة.فعلى هذا الوضع أحسّ بالمسؤولية تناديه وتطلبه لإيقاف المنكرات عند حدها ، ولا سيما أن الّذي يرتكب هذه المنكرات ويشجع عليها هو الجالس في مقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذا أولا ، وثانيا : إنهعليه‌السلام جاءته المبايعات بالخلافة من جزيرة العرب ، وجاءه ثلاثون ألفا من الخطابات من ثلاثين ألفا من العراقيين من سكان البصرة والكوفة ، يطلبون فيها منه الشخوص لمشاركتهم في محاربة العربيد (يزيد بن معاوية). وألحّوا في تكرار هذه الخطابات ، حتّى قال رئيسهم عبد الله بن أبي الحصين الأزدي : يا حسين سنشكوك إلى الله تعالى يوم القيامة إذا لم تلبّ طلبنا وتقوم لنجدة الإسلام. وكيف والحسين ذو حمية دينية ونخوة إسلامية ، والمفاسد تترى أمام عينيه ، كيف لا يقوم بتلبية النداء!. وعلى هذا الوضع لبّىعليه‌السلام النداء كما تأمر به الشريعة الإسلامية ، فنحا نحو العراق.

(أقول) : ولقد فات الأستاذ سرور أن يكمل كلامه المنصف فيقول : وبالحق لو لم يقم الحسينعليه‌السلام بثورته هذه ، لما كانت تقوم للإسلام قائمة من بعده ، لطغيان الباطل وانطفاء شعلة الإسلام.

٢ ـ مبررات النهضة

* مدخل :

يتساءل الكثيرون : لماذا قام الحسينعليه‌السلام بنهضته المباركة ، في حين لزم الحسينعليه‌السلام جانب الصمت؟. والواقع أن الظروف التي صارت في عصر يزيد تختلف كثيرا عن الظروف التي كانت في عهد معاوية. فحين صالح الإمام الحسنعليه‌السلام مكرها ، ثم داس معاوية على وثيقة الصلح ، انكشفت حقيقته لأتباع الحسنعليه‌السلام وقد كانوا مغرورين به ، فأصبحوا مهيئين للثورة ضده أكثر من ذي قبل.

٢٦٩

هذا من ناحية المحكومين ، أما من ناحية الحاكم ، فإن يزيد كان معلنا بالفسق ، بينما معاوية فقد كان متسترا به ، وإن موت معاوية جعل الحسينعليه‌السلام في حلّ من عقد الصلح كل هذا دفع الحسينعليه‌السلام إلى إعلان النهضة المقدسة في وجه الباطل.

يقول أحدهم في هذا المعنى : (مجموعة نفيسة ، ص ٤٤٨ ط إيران)

لما مات معاوية وانقضت مدة الهدنة التي كانت تمنع الحسينعليه‌السلام من الدعوة إلى نفسه ، أظهر أمره بحسب الإمكان ، وأبان عن حقه للجاهلين به ، حالا بعد حال ، إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار. فدعا إلى الجهاد وشمّر للقتال ، وتوجّه بولده وأهل بيته من حرم الله وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو العراق ، للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء.

وقد اقتطعت هذه الفقرات من كتاب (الأئمة الاثنا عشر ـ دراسة تحليلية) للأستاذ عادل الأديب ، من ص ١٠٥ ـ ١٢٣ :

٢٧١ ـ تغير الأوضاع بين عصر الحسنعليه‌السلام وعصر الحسينعليه‌السلام :

إن دور الإمام الحسنعليه‌السلام يختلف عن دور الإمام الحسينعليه‌السلام . ففي مرحلة الإمام الحسينعليه‌السلام ارتفع الشك عن المسلمين في صحة المعركة وشرعيتها ، وأصبح المسلمون في هذه المرحلة يعيشون تجربة الإمام عليعليه‌السلام كمثل أعلى للحكم الإسلامي العادل. وأدركوا أن انتصار بني أمية هو انتصار للإرستقراطية الجاهلية التي ناصبت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه العداء ، والتي جاهدها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى قضى عليها ، وأقاموا على أنقاضها دعائم الإسلام.

ولا ندهش إذا كره المسلمون بني أمية وغطرستهم وكبريائهم وإثارتهم للأحقاد القديمة ونزوعهم للروح الجاهلية ، والأمويون لم يعتنقوا الإسلام إلا سعيا وراء مصالحهم الشخصية(١) . وهم أول من ابتدع وبشكل سافر في التاريخ الإسلامي نظما وتقاليد بعيدة عن الإسلام ، محاولة منهم التشبّه بملوك الفرس والبيزنطيين ، وحوّلوا الخلافة إلى ملك كسروي وعصب قيصري(٢) .

__________________

(١) تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم ، ج ١ ص ٢٧٨.

(٢) رسالة في معاوية والأمويين للجاحظ ، تحقيق عزة العطار ، ص ١٦.

٢٧٠

٢٧٢ ـ الإسلام على شفا جرف هار :(المصدر السابق ص ١٠٦)

أما بالنسبة لواقع المجتمع الإسلامي ووعيه لقضية الإسلام ، فقد تلخصت نظرة الحسينعليه‌السلام له بالحقيقة التالية : وذلك أن الأمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن تملك وعيا عقائديا ، وأن أقصى ما أفادته منه عاطفة رسالية ، أخذت تتضاءل بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتيجة للأخطاء والتقصيرات المتراكمة والمتلاحقة ، التي مارسوها عبر حياتهم العلمية والعملية ، هذه التقصيرات والأخطاء التي قد لا يحسّ بكل واحد منها على حدة ، ولكنها حين تتراكم تتحول إلى واقع فاسد ، والواقع الفاسد يتحول إلى فتنة(١) ، كما حدث للحسينعليه‌السلام في زمن يزيد.

٢٧٣ ـ الحسينعليه‌السلام أمام مسؤولية الثورة :(المصدر السابق)

هذه الحقائق هي التي دفعت بالحسينعليه‌السلام لأن يخوض غمار معركة يائسة ، حتّى ولو كان لا يرجى منها النصر العسكري الآني. فالمعركة خاسرة لا محالة في حسابها العاجل ، ولكنه استهدف بعمله هذا أن يهزّ ضمير الأمة ، وأن يعيد للإنسان المسلم همّه الرسالي الكبير ، بعد أن غرق حتّى أذنيه بهموم مصلحية صغيرة. فرأى الحسينعليه‌السلام أن يشقّ طريقه في وسط الأمة ، وأن يبذل وجوده ، ووجود أصحابه وأهله وذويه ، بعمل فدائي لاهب ، وأن لا يبخل على مسيرته بما تحتاجه من وقود ، إن من دماء الأمة وآلامها ، وإن من قلبه ودمه.

إلا أن الحسينعليه‌السلام بكل ما حفل به من صفات وظروف مواتية ، أدرك أن تحريك الأمة وهزّها ، لا يمكن أن تجدي له الكلمات والخطب الحماسية ، بل لا بدّ من تحريك إرادتها المهزومة بفدية تتوهج بالدم ، مبرهنا على صدق رؤيته للحاضر والمستقبل ، بتضحيته الفريدة.

٢٧٤ ـ بين فقدان الثقة وفقدان الإرادة :(المصدر السابق ، ص ١٠٨)

لقد أسرع الحسينعليه‌السلام بأخذ زمام المبادرة بعد أن أدرك بأن المجتمع في ظرفه الحالي وتأثره الشديد بالتخدير الديني للأفكار المضللة التي روّج لها بنو أمية ، وخوفه من القمع المادي ، وخضوعه الطويل للحكام المستبدين ؛ لا يمكن أن تنبعث فيه مفاهيم الرسالة ، بطريق الحوار الفكري والإقناع ، فهو آخر شيء يمكن أن يؤثر

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٢٦٤.

٢٧١

فيه. ولأن الأمة كما ذكرنا في عصر الإمام الحسنعليه‌السلام قد ابتليت بظاهرة الشك في القيادة ، فكان الصلح أسلوبا تسترجع معه الثقة ؛ أما الأمة في عصر الحسينعليه‌السلام فقد ابتليت بفقدان الإرادة ، وتميّعت فيها إرادة النضال ، وأصبح المسلمون أذلاء مستضعفين ، فهم يدركون بعد الخليفة الأموي عن الإسلام ، وأن الحسينعليه‌السلام هو القائد الحق ، ولكن إرادتهم كانت ضعيفة إزاء نصرة الحسينعليه‌السلام ، وكما قيل : «قلوبهم مع الحسين ، وسيوفهم عليه»(١) .

هذا القول الأخير هو تصوير دقيق ومعبّر للمجتمع الّذي وصل إليه الوضع الأموي ، بكل ما ملك من أسباب القوة والتشريد والتقتيل ، فكانت بوادر الخنوع والرضا بالوضع القائم ، لإيجاد مختلف الوسائل والمبررات على القعود والاستكانة(٢) .

فالحسينعليه‌السلام أراد باستشهاده الفاجع إيقاظ الإرادة المخدّرة بفعل المذاهب الدينية المفتعلة ، ولكي تكون سوطا لاهبا يدمي ظهور الحكام ، وموقظا بها تلك النفوس الغافلة لتقوم بمحاكمة واعية لذاتها إزاء نظرة الرسالة ، ويعينها في تحرير إرادتها من ظاهرة القلق والتردد الفكري ، وتفاقم شكّها في القيادة الحكيمة ، وهو بهذا يخرجها إلى مواقف ثابتة ، تأخذ أبعادها بوعي من تحديات الشريعة الإسلامية وموقفها الصارم من الإنحراف.

٢٧٥ ـ الحسينعليه‌السلام لا يعبأ بالنصائح والتحذيرات :

وإزاء إصرار الإمامعليه‌السلام على خطة الثورة ، نشطت محاولات كثيرة تنصح الحسينعليه‌السلام بعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يشعل فتيل المواجهة مع يزيد ، بحجة الفشل المحتم لنتائج المواجهة العسكرية المحتملة ، ولكن الإمامعليه‌السلام كان يعرف هدفه جيدا ببصيرته المعصومة ، بأنه سوف ينتصر باستشهاده الفاجع ، ولا يفكر بنتائج الربح العسكري الآني ، مع علمه بقلة العدد وخذلان الناصر : «ألا وإني زاحف بهذه الأسرة ، على قلة العدد وخذلان الناصر».

ولمن يريد أن يفهم الحسينعليه‌السلام في ثورته ، عليه أن يبحث عن أهدافه ونتائج

__________________

(١) القول للفرزدق الشاعر ، انظر الطبري ، ج ٤ ص ٢٩٠.

(٢) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ٢١.

٢٧٢

ثورته ، في غير النصر الآنيّ الحاسم ، وفي غير الاستيلاء على مقاليد الحكم والسلطان.

فالنصوص المتوفرة لدينا تدلّ بصراحة على أن الحسينعليه‌السلام كان عالما بالمصير الّذي كان ينتظره. ولقد كان يجيب من ينصحه بالمهادنة والسكوت ، ومن يخوفونه بالموت :

«لقد غسلت يدي من الحياة ، وعزمت على تنفيذ أمر الله»(١) .

٢٧٦ ـ محاولة معاوية حرف مبادئ الإسلام على المستويين النظري والعملي :

(المصدر السابق ، ص ١١٧)

لقد مال الإمام الحسنعليه‌السلام من خلال صلحه مع معاوية إلى إيقاف العمل السياسي والعسكري الظاهر ولو مؤقتا ، لكي يسترجع الإمامعليه‌السلام قيادته ، وثقة الجماهير به ، بعد أن ينكشف معاوية أمام الجماهير ، وتتضح معالم أطروحته الجاهلية لها. فمعاوية في أواخر حياته فقد كل رصيده الروحي ، وكل تلك المبررات التي اصطنعها لنفسه ، محاولا تزييفها في نفوس المسلمين.

وحين سيطر معاوية على الحكم نتيجة للهدنة مع الحسنعليه‌السلام بدأ يعمل بدأب من أجل تهديم الإسلام وحرفه ، ومن أجل تثبيت أطروحته وقيادته الجاهلية ، سواء على المستوى النظري أو المستوى العملي.

٢٧٧ ـ تغيير مفاهيم الإسلام :

(المصدر السابق)

أخذ معاوية يعمل على طمس وتشويه النظرية الإسلامية ومحاولة تزييفها ، ولعل أخطر ما توصل إليه الأمويون من طرق التغلب على الشعور الإسلامي الثائر ، وتحطيم ما لأهل البيتعليهم‌السلام من سلطان روحي على المسلمين ؛ وذلك بتخدير شعورهم الديني ، وإيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية ، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة ، برادع داخلي هو الدين نفسه.

وتمثلت أساليبه في طمس النظرية الإسلامية وتزييفها بالخطين التاليين :

١) ـ اختلاق الأحاديث وشراء الأحاديث من بعض الذين كان لهم من

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ، ص ٢٠.

٢٧٣

الاستعداد في ذم عليعليه‌السلام والبراءة منه ، والكذب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقابل عطاء كبير. أما بالنسبة للذين أبوا الانصياع لأوامره في الدس والكذب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد نعتهم بالروافض ، لأنهم رفضوا مسايرته وتنفيذ خططه الجاهلية ، وحاول الضغط عليهم وإرهابهم بشتى الوسائل.

فقد كتب معاوية إلى ولاته بعد «عام الجماعة «أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته. فقام الخطباء المنافقون في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه. وكان أشد الناس بلاء على حكمه حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة الإمامعليه‌السلام ، فاستعمل عليها زياد بن سمية وضم إليه البصرة ، فكان يتتبع الشيعة فيقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق(١) .

وقد عملت أحاديث عمرو بن العاص وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو ابن الزبير عملها السام ، وأعطت ثمارها الخبيثة ، في صورة تسليم تام وخضوع أعمى للحكم الأموي(٢) .

٢) ـ اختلاق الفرق الدينية ذات الأغراض السياسية باسم الإسلام ، لتبرير حكم بني أمية ، بعد أن توضع لها التفسيرات الدينية المضللة ، وتصاغ بأطر إسلامية مزيفة ، تتّخذ اسم (المرجئة) تارة (والجبرية) أخرى ، هادفين من وراء هذا العمل الدنيء لفت أنظار المسلمين عن الثورة.

فمعاوية أول من قال بالفكرة الجبرية ودافع عنها ، وأوهم الناس أنه طالما كل شيء يجري بقضاء الله ، فإن تولّيه الحكم هو بأمر الله ومشيئته ، وهو يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء. فاعتلاؤه إلى السلطة هو عطاء إلهي ومشروع.

أما المرجئة فكانوا عونا وسندا لحكم معاوية ، جاءت آراؤهم ومعتقداتهم تبريرا لخلافته ، وإقناعا للمسلمين بوجوب طاعته. وتتلخص فكرتهم في توقّف الحكم

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ١٦٤.

(٢) الحركات السرية في الإسلام للذكتور محمود إسماعيل ، ص ٩٣. والمغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار ، ج ٨ ص ٤.

٢٧٤

على فاعل الكبيرة ، وإرجاء أمره إلى الله ، فهو يحاسبه وليس نحن. ويقولون بأن الإيمان تصديق بالقول وليس بالعمل.

ولا غرو فقد تحول معظم المسلمين إلى «الإرجاء «وعنوا بأمورهم الداخلية ، دون النظر إلى نوعية السلطة الحاكمة ، وخاصة عند حدوث الفتن.

ويستند المرجئة لترويج مذهبهم بحديث ينقلونه عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«ستكون فتن ، القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ...».

وفعلا نرى أن ظاهرة التخدير الديني أخذت تتمكن من النفوس وتتجاوب معها ، وأخذ الوعي الإسلامي بالانحسار ، حتّى أصبح الإسلام مهددا في وجوده كرسالة للحياة.

٢٧٨ ـ استخدام أساليب الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق ، للتسلط على المسلمين :

(المصدر السابق ، ص ١٢١)

أما على مستوى الأمة التطبيقي ، فقد مارس معاوية ألوانا كثيرة من الإذلال ، ومحاولات دؤوبة لتمييع شخصية الأمة ، وإثارة الضغائن والأحقاد القومية والإقليمية والطبقية داخل المجتمع الإسلامي.

حتّى أننا نشاهد ذلك الإنسان المسلم الّذي حارب بالأمس طاغوت كسرى ، ووقف أمامه متحديا بكل إباء ، وعاش هموم المظلومين والمحرومين في كل أرجاء الأرض ، ينقلب فجأة إلى فرد لا يهمه إلا عطاؤه وطعامه ومصالحه الشخصية الحقيرة.

فبنو أمية استعانوا بكل وسائل القمع والقهر لتبديد قوة الخصوم ، وسحق الجماعات المعارضة لهم بالأساليب التالية :

١ ـ الإرهاب : وكان الرجل ـ على عكس مبدأ الإسلام ـ يؤخذ بمجرد الشبهة ، ويجرى القصاص مع أهل بيته إذا لم يمكن مسكه. وسيرة زياد بن أبيه لم تنس بعد ، فقد خطب في أهل العراق مهددا بأنه سيأخذ البريء بالمسيء. حتّى إذا ردّه حجر بن عديّ في هذا وذكّره بقوله تعالى :( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) [الأنعام : ١٦٤] صنع معه ما صنع ، حتّى كانت حادثة قتل حجر وأصحابه رضي الله عنهم.

٢٧٥

٢ ـ التجويع : فكانت سياسة معاوية تخفيض جرايات أهل العراق وزيادة جرايات أهل الشام ، مبررا عمله هذا بقوله : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركته كان جائزا لي.

٣ ـ الطرد الجماعي والتهجير : فقد حمل زياد بن أبيه والي العراق في زمن معاوية خمسين ألفا من الكوفيين وأجبرهم على النزوح من الكوفة إلى خراسان ، وبذلك حطّم المعارضة في الكوفة وخراسان معا.

٤ ـ إحياء النزعة القبلية والعنصرية : كان يثيرها معاوية لسببين :

الأول : لضمان ولاء القبائل له.

الثاني : لضرب بعضهم ببعض.

ولقد أثار معاوية العصبية العنصرية عند العرب عموما ضد المسلمين غير العرب.

٢٧٩ ـ نهضة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٢٣)

ومن هنا رأى الحسينعليه‌السلام أن كل شيء جاهز ، ليطلق الإسلام صيحته في حسم هذا الركام الّذي يغطّ في نوم عميق ، لعلها تشقّ سمعه ولو بعد حين. وكان الحسينعليه‌السلام أول من شقّ طريقه في وسط الأمة ، ورمى بثقله في إصلاح كيانها من الداخل ، ولم يبخل على مسيرته بما تحتاجه من وقود ، من نفسه ومن دماء أصحابه.

٣ ـ متى يجب القيام؟

* مدخل :

كانت دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول أمرها سرّية ، حتّى اجتمعت له مقوّمات معينة لإعلانها على الملأ. ومن أهم هذه المقوّمات وجود الأنصار الصادقين. ولذلك قال الإمام عليعليه‌السلام : «لو تمكّنت من أربعين رجلا ...». وحين اجتمع له الأنصار بعد عثمان قام بالأمر ، وقال في آخر خطبته الشّقشقيّة : «أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة (أي خلق الناس) ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء في أن لا يقارّوا على كظةّ ظالم ولا سغب مظلوم ؛ لألقيت حبلها على غاربها ..». أي لو لا هذه الأشياء لأقلعت عن الخلافة وتركتها.

٢٧٦

من هذه الوثيقة المقدسة ، نتعرّف على أسباب النهضة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، وهي :

١ ـ وجود الأنصار الملتزمين ، الذين لا يسلمون رئيسهم عند الوثبة.

٢ ـ أن النهضة تكون أكثر تعيّنا على العلماء وهم قادة الحق والدين ، فالله قد أخذ ميثاقهم على إنكار كل ظلم وحيف ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان في ذلك فائدة تحصل ، آنيّة أو مستقبلية.

ومن هذا المنطلق وجد الحسينعليه‌السلام أن الانحراف عن الدين استشرى ، وأنه قد تسلّط على الخلافة أعتى وجوه القوم. فحين آنس من الأنصار القيام ،

لم يتلكأ ساعة عن إعلان النهضة. إنها المسؤولية الشرعية الكبرى التي تقع على كل مسلم ، وعلى كل عالم ، فكيف على إمام الأمة وممثل الإسلام؟!.

وفي مقابل هذه النهضة المبينة ، بدأ الإعلام الأموي يفعل فعله.

٢٨٠ ـ الإعلام الأموي المضاد للثورة :

(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ص ٢٨ ـ ٣١)

قال الشيخ محمّد مهدي شمس الدين :

لقد تمثلت جهود الأمويين في سبيل تعطيل فعل الثورة في الأمة باتجاهات ثلاثة :

ـ الاتجاه الأول : رفع مسؤولية يزيد عما حدث ، وإلقاء المسؤولية على ابن زياد.تماما كما فعل في كتابه الصغير الّذي وصفه المؤرخون بأنه (أذن فأرة) وقد أرفقه يزيد مع كتابه الكبير إلى الوليد بن عتبة واليه على المدينة ، بأخذ البيعة من أهلها. وجاء في كتابه الصغير : خذ البيعة من الحسينعليه‌السلام ، فإن أبى فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه. أراد بهذا الكتاب الصغير أيضا تعمية الأمر على الناس وخداعهم وإضاعة المسؤولية.

ـ الاتجاه الثاني : تشويه الثورة ، ومنه إيهام الناس بأن الحسينعليه‌السلام عرض على يزيد أن يضع يده في يده. وهذا محال ينفيه تصريح عقبة بن سمعان. ثم إيهام الناس أن الثورة هي من صنع الخوارج والحرورية.

٢٧٧

ـ الاتجاه الثالث : نزع صفة الشرعية عن الثورة الحسينية ، وأن الحسينعليه‌السلام كان مخطئا في قيامه على يزيد.

وقد صوّب أكثر علماء السنة قيام الحسينعليه‌السلام على الظلم والفساد ، نعطي أمثلة منهم.

٢٨١ ـ تصويب الخارجين على الظلم :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)

يقول ابن عماد : والعلماء مجمعون على تصويب قتال عليعليه‌السلام لمخالفيه ، لأنه الإمام الحق. ونقل الاتفاق أيضا على تحسين خروج الحسينعليه‌السلام على يزيد ، وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني أمية ، وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج. ثم الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد والحجاج ، ومنهم من جوّز الخروج على

كل ظالم.

وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة : قتل عثمان ، وقتل الحسينعليه‌السلام ، ويوم الحرّة ، وقتل ابن الزبير.

٢٨٢ ـ قول ابن الجوزي :

(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ، ص ٣٢)

قال ابن الجوزي في (السرّ المصون) :

من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنة أنهم قالوا : كان يزيد على الصواب ، والحسينعليه‌السلام مخطئ في الخروج عليه وإنما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة ، عاميّ المذهب ، يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة.

٢٨٣ ـ قول الشوكاني :

(نيل الأوطار للشوكاني ، ج ٧ ص ١٤٧)

وقال الشوكاني : لقد أفرط بعض أهل العلم ، فحكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه ، باغ على الخمّير السّكّير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله. فياللعجب من مقالات تقشعر منها الجلود ، ويتصدّع من سماعها كل جلمود.

٢٧٨

٢٨٤ ـ تأييد نهضة الحسينعليه‌السلام للشيخ محمّد عبده :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٣)

قال الشيخ محمّد عبدهرحمه‌الله : إذا وجدت في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع ، وحكومة جائرة تعطله ، وجب على كل مسلم نصر الأولى وخذل الثانية.

ثم قال : ومن هذا الباب ، خروج الإمام الحسينعليه‌السلام سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمام الجور والبغي ، الّذي ولي أمر المسلمين بالقوة والمكر يزيد بن معاوية ، خذله الله ، وخذل من انتصر له من الكرامية والنواصب(١) . قال تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٩) [الحجرات : ٩].

٢٨٥ ـ من الّذي خرج على إمام زمانه؟ :

(أقول) : ولقد دفع التعصب المقيت بعض المؤرخين حتّى إلى تخطئة الإمام الحسينعليه‌السلام في نهضته ، وقالوا : إنه كان يجب عليه أن لا يخرج على إمام زمانه!. سمعت هذا بأذني من إذاعة دمشق في الخمسينات ، في حديث للأستاذ الشهير علي الطنطاوي قبل ارتحاله إلى السعودية. فلقد قال : إن يزيد هو الإمام الواجب الطاعة ، وإن الحسين مخطئ لأنه خرج على إمام زمانه!.

(أقول) : ومتى كان يزيد إمام زمان الحسينعليه‌السلام ؟. ومن الّذي وضعه إماما عليهم ، سواء من أهل الحل والعقد ، أو من أجلّاء الصحابة والتابعين ، من الأنصار والمهاجرين؟. لا بل إن أبناء الصحابة المشهورين كلهم لم يبايعوا يزيد رغم الإنذار والوعيد ؛ أمثال : عبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير.وإذا كان لا يجوز القيام ضدّ الفاجر المتسلط يزيد لأنه إمام زمانهم ، فلما ذا قام أهل المدينة بثورتهم ضد يزيد وأخرجوا عامله منها؟ وكانت لهم معه وقعة الحرّة في المدينة ، التي قتل فيها أجلّاء الصحابة والتابعين!. أفهؤلاء كلهم كانوا على خطأ ، ويزيد هو الوحيد الّذي كان على حق ، يا شيخ علي؟!.

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ١ ص ٣٦٧ في تفسير سورة المائدة الآية ٣٦ و ٣٧ ؛ وج ١٢ ص ١٨٣ و ١٨٥.

٢٧٩

٤ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله؟

٢٨٦ ـ ما العذر في خروج الحسينعليه‌السلام من مكة بأهله وعياله؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٥)

قال السيد المرتضى في كتاب (تنزيه الأنبياء) :

فإن قيل : ما العذر في خروج سيد الشهداءعليه‌السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة ، والمستولي عليها أعداؤه والمتأمّر فيها من قبل يزيد اللعين بتسلط الأمر والنهي ، وقد رأى صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيهعليهم‌السلام ، وأنهم غادرون خوّانون؟وكيف خالف ظنّه ظنّ جميع نصحائه في الخروج ، وابن عباس يشير عليه بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لما ودّعه يقول له : أستودعك الله من قتيل إلى غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب. ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل وقد أنفذه رائدا له ، كيف لم يرجع ، ويعلم الغرور من القوم ويفطن بالحيلة والمكيدة؟ ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها موادّ لها كثيرة؟ ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد ، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهل بيته وشيعته ومواليه ، ولم ألقى بيده إلى التهلكة؟. وبدون هذا الخوفسلّم أخوه الحسنعليه‌السلام الأمر إلى معاوية ، فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة؟.

يقول السيد محسن الأمين في (لواعج الأشجان) ص ٢١٩ ط نجف :

وقد أجاب السيد المرتضى عن هذا السؤال بما حاصله : إن الحسينعليه‌السلام غلب على ظنه بمقتضى ما جرى من الأمور ، أنه يصل إلى حقه بالمسير ، فوجب عليه ، وذلك بمكاتبة وجوه الكوفة وأشرافها وقرائها ، مع تقدّم ذلك منهم في أيام الحسنعليه‌السلام وبعد وفاته ، وإعطائهم العهود والمواثيق طائعين مبتدئين مكررين للطلب ، مع تسلطهم على واليهم في ذلك الوقت وقوتهم عليه وضعفه عنهم ...ثم يقول السيد المرتضى عليه الرحمة : وأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسنعليه‌السلام فواضح صحيح ، لأن أخاه سلّم (الأمر) كفّا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته ، وإحساسا بالغدر من أصحابه ، وهذا (أي الحسين) لمّا قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له ، ورأى من أسباب قوة نصّار الحق وضعف نصّار الباطل ،

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وإن الثائر في دمائنا كالحاكم في حق نفسه ، وهو الله الّذي لا يعجزه من طلب ، ولا يفوته من هرب. فأقسم بالله يا بني أميّة ، عما قليل لتعرفنّها في أيدي غيركم ، وفي دار عدوكم».

سمات الحكم الأموي

٣٦٠ ـ مدخل حول معنى الخلافة :

في تقديري أن إطلاق لفظة (خلافة) على ملك بني أمية خطأ شائع ، يتعارض مع معنى الكلمة ، والأخبار الواردة في ذلك. فالخليفة في مفهوم الإسلام هو الرئيس الّذي ينتخبه المسلمون ، أما الّذي يفرض نفسه عليهم بغير جدارة ولا حقّ ولا رضا ، فهو ملك من الملوك الذين وصفهم الله تعالى بقوله :( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها ) [النمل : ٣٤]. ثم إن الخليفة في مفهوم الإسلام هو القدوة للمسلمين ، الّذي يطبّق الإسلام بحذافيره ويحق حقوق الله. وملوك بني أمية وغيرهم كانوا أبعد ما يكونون عن تعاليم الإسلام وحدوده ، فهم تشبّهوا بملوك الروم والفرس ، وتسلّطوا على المسلمين وعلى أموالهم يتصرفون بها كما يشاؤون ، ويحرمون منها أصحابها ، ليصرفوها على أنفسهم وأغراضهم وتعزيز سلطانهم.

هذا عدا عن خروجهم عن ربقة الإسلام بحربهم لولي الأمر الواجب الطاعة ، الّذي نصبه الله تعالى ، أو الّذي ينتخبه السابقون إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار. ثم إلقاحهم الفتن وقتلهم لآلاف المسلمين بدون حق.

فكيف نسمّي من يفعل هذه الأشياء المنكرة ب (خليفة الإسلام والمسلمين)؟.

وقد وردت أخبار كثيرة تؤيد هذا المعنى ، نذكر بعضها.

٣٦١ ـ حكم بني أمية ملكية وليس خلافة :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢)

روى البيهقي من طريق هشيم عن العوام بن حوشب ، عن سليمان بن أبي سليمان ، عن أبيه عن أبي هريرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة بالمدينة ، والملك بالشام».

وقال نعيم بن حماد : حدثنا راشد بن سعد عن حذيفة بن اليمان ، قال :يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكا من بني أمية. قيل له : خلفاء؟. قال : لا ، بل ملوك.

٣٤١

٣٦٢ ـ حكم معاوية خلافة أم ملكية؟ :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ١٩٩ ط مصر)

أخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) عن سعيد بن جمهان (قال) قلت لسفينة : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم!. قال : كذب بنو الزرقاء ، بل هم ملوك من أشدّ الملوك ، وأول الملوك معاوية.

٣٦٣ ـ الفرق بين الخليفة والملك :

(صبح الأعشى في كتابة الإنشا للقلقشندي ، السفر الثالث ، ص ٢٧٥)

قال القلقشندي : ثم قد كره جماعة من الفقهاء منهم «أحمد بن حنبل «إطلاق اسم الخليفة على ما بعد خلافة «الحسن بن عليعليهما‌السلام » ، فيما حكاه النحاس وغيره ، محتجين بحديث : «الخلافة بعدي ثلاثون «يعني ثلاثون سنة ، وكان انقضاء الثلاثين بانقضاء خلافة الحسنعليه‌السلام . ولما انقضت الخلافة صارت ملكا.

قال المعافى بن إسماعيل في تفسيره : وقد روي أن عمر بن الخطاب سأل طلحة والزبير وكعبا وسلمان عن الفرق بين الخليفة والملك؟. فقال طلحة والزبير : لا ندري ، فقال سلمان : الخليفة الّذي يعدل في الرعية ، ويقسم بينهم بالسوية ، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله والوالد على ولده ، ويقضي بينهم بكتاب الله تعالى.فقال كعب : ما كنت أحسب أن في هذا المجلس من يفرّق بين الخليفة والملك ، ولكن الله ألهم سلمان حكما وعلما.

٣٦٤ ـ حكم معاوية ويزيد :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ص ١٤٠)

يقول محمّد كرد علي : أخرج معاوية الخلافة من أصولها ، وكانت بالعهد لأفضل الصحابة ، أو بالشورى بينهم لمن يقع اختيارهم عليه. وجعلها كالملك يورثها الأب لابنه ، أو لمن يراه أهلا لها من خاصته ، أو كسروية أو قيصرية على سنة كسرى وقيصر كما قالوا. وبذلك نقم على معاوية بعض الصحابة والتابعين من الأنصار والمهاجرين.

(أقول) : وقد لا حظت في كتب المسعودي ، أنه حتّى عصر الحسنعليه‌السلام يستخدم لفظة (خلافة) ، وبعده يسمّيها (أيام معاوية)و (أيام يزيد) وهكذا. أي ينفي عن ملوك بني أمية صفة الخلافة والشرعية.

٣٤٢

٣٦٥ ـ الحكم الأموي لم يكن حكما إسلاميا ، بل تسوده النزعة الجاهلية :

(ضحى الإسلام لأحمد أمين ، ج ١ ص ٢٧)

يتحدث أحمد أمين في (ضحى الإسلام) عن الحكم الأموي ، فيقول :

الحق أن الحكم الأموي لم يكن حكما إسلاميا ، يسوّى فيه بين الناس ، ويكافأ المحسن ، عربيا كان أو مولى ، ويعاقب المجرم عربيا كان أو مولى ، وإنما الحكم فيه عربي والحكام خدمة للعرب ، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية ، لا النزعة الإسلامية.

٣٦٦ ـ النزعة القبلية :(تاريخ الدولة العربية لفلهوزن ، ص ٦٥)

يقول فلهوزن : الّذي كان يحدث في الغالب أن يستظهر الوالي بقبيلة واحدة على غيرها ، وكان يستظهر خصوصا بقبيلته هو ، وكان هو الّذي يأتي بها معه أحيانا.

ـ شأن قيس (ثقيف):

ولقد لعبت قيس في الشام وفي خراسان دورا سياسيا كبيرا ، وكانوا منتشرين في كل مكان. وكانوا بفضل ما ينتمي إليهم من (ثقيف) يشغلون كثيرا من المناصب العليا. وكانوا أشدّ ما تكون القبيلة اتحادا. وكانوا أول من كوّن عصبة بالمعنى الحقيقي في جميع أنحاء الدولة. وقد شقّوا طريقهم إلى الحكم بأشدّ الوسائل خزيا.

وقد اعتمد الأمويون عليولاة معينين يكفونهم شرّ العراق ، بما فيها الكوفة والبصرة ، حتّى ملأ ذكرهم التاريخ. فالأخبار تقصّ لنا من أخبار المغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه أكثر مما تقصّ من أخبار معاوية نفسه. كما أنها تجعل عبد الملك بن مروان متواريا وراء الحجاج. وكان هؤلاء الولاة الثلاثة المشهورون كلهم ثقفيّين ، ومن الذين أخلصوا الولاء لبني أمية. وفي عهد يزيد لمع نجم عبيد الله بن زياد ، وهو ثقفي أيضا.

٣٦٦ ـ إثارة معاوية النعرات القبلية ، وسياسة فرّق تسد :

(كتاب سليم بن قيس الكوفي ، منشورات دار الكتب الإسلامية ، ص ١٧٤)

قال أبان عن سليم بن قيس ، قال : كان لزياد بن سميّة كاتب يتشيّع ، وكان لي صديقا ، فأقرأني كتابا (سرّيا) كتبه معاوية إلى زياد ، جواب كتابه إليه ، يقول فيه :

٣٤٣

أما بعد ، فإنك كتبت إليّ تسألني عن العرب ، من أكرم منهم ومن أهين ، ومن أقرب ومن أبعد ، ومن أأمن منهم ومن أحذر؟. وأنا يا أخي أعلم الناس بالعرب [هذا بعد أن استلحق معاوية زيادا ، فخاطبه على أنه أخوه].

انظر إلى هذا الحي من (اليمن) ، فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السر ، فإني كذلك أصنع بهم ، أكرمهم في مجالسهم وأهينهم في الخلاء ، إنهم أسوأ الناس عندي حالا ، ويكون فضلك وعطاؤك لغيرهم سرا منهم.

وانظر (ربيعة بن نزار) ، فأكرم أمراءهم وأهن عامتهم ، فإن عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم.

وانظر إلى (مضر) ، فاضرب بعضها ببعض ، فإن فيهم غلظة وكبرا ونخوة شديدة ، فإنك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض ، كفاك بعضهم بعضا. ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ، ولا الظن دون اليقين.

وانظر إلى (الموالي) ومن أسلم من الأعاجم ، فخذهم بسنة عمر بن الخطاب ، فإن في ذلك خزيهم وذلهم ، أن تنكح العرب منهم ولا ينكحهم ، وأن يرثهم العرب ولا يرثوا العرب ، وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم ، وأن يقدّموا في المغازي ، يصلحون الطريق ويقطعون الشجر ، ولا يؤمّ أحد فيهم العرب في صلاة ، ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب إلا أن يتموّا الصف ، ولا تولّ أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم ، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم ، فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته ولو لا أن عمر سنّ دية الموالي على النصف من دية العرب وذلك أقرب للتقوى ، لما كان للعرب فضل على العجم. فإذا جاءك كتابي هذا فأذلّ العجم وأهنهم وأقصهم ، ولا تستعن بأحد منهم ، ولا تقض لهم حاجة.

(أقول) : أهكذا علمّهم الإسلام أن يفعلوا بغير العرب ، أم أنهم أرادوا أن يفعلوا عكس ما أمرهم الله تعالى؟!. حيث قال في صريح كتابه :( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (١٣) [الحجرات : ١٣].

٣٤٤

٣٦٧ ـ محاولة معاوية نقل منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام :

(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ج ١ ص ١٣٨)

في سنة خمسين للهجرة أراد معاوية نقل منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة ، وأن يحمل إلى الشام وحرّك المنبر فكسفت الشمس حتّى رؤيت النجوم بادية. فأعظم الناس ذلك ، فتركه معاوية.

وفي تاريخ الطبري : فقال معاوية : لم أرد حمله ، إنما خفت أن يكون قد أرض [أي أكلته الأرضة ، وهي العث] فنظرت إليه. ثم كساه يومئذ.

٣٦٨ ـ مثال حيّ على تحريف بني أمية لمبادىء الإسلام ـ اهتمام عبد الملك بن مروان ببناء قبة الصخرة لأغراض سياسية :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٣٠١)

قال الواقدي : قال صاحب (مرآة الزمان) : وفي هذه السنة ٦٦ ه‍ ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى.وكملت عمارته في سنة ٧٣ ه‍. وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة ، وكان يخطب في أيام منى وعرفة ، ومقام الناس بمكة ، وينال من عبد الملك ، ويذكر مساوئ بني مروان ، ويقول : إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الحكم [والد مروان] وما نسل ، وأنه طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعينه. وكان يدعو إلى نفسه ، وكان فصيحا ، فمال معظم أهل الشام إليه.

وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج ، فضجّوا. فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ، ليشغلهم بذلك عن الحج ، ويستعطف قلوبهم. وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة ، وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم.

وقد عملوا في بيت المقدس من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئا كثيرا مما في الآخرة ، فصوّروا فيه صورة الصراط وباب الجنة ، وقدم رسول الله ووادي جهنم ، وكذلك في أبوابه ومواضع منه.

وبالجملة إن صخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير على وجه الأرض ، بهجة ومنظرا. وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيء كثير وأنواع باهرة.

٣٤٥

ولم يكن يومئذ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس ، بحيث أن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج.

٣٦٩ ـ محاولات بني أمية للحط من قيمة أهل البيتعليهم‌السلام :

استخدم الأمويون الذين ساروا على المبدأ (الغاية تبرر الواسطة) كلّ الوسائل للحط من قيمة الإمام عليعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام بعد أن أعطاهم الله أعلى مقام محترم في الإسلام ، حتّى اعتبر مودتهم أجر الرسالة المحمدية.

ومن أبرز هذه الوسائل استخدام أبي هريرة وغيره من الرواة لوضع الأحاديث في الكيد من أهل البيتعليهم‌السلام ونسب فضائل وهميّة لغير أهل البيتعليهم‌السلام نكاية بهم.

وغير خاف تقريع عمر بن الخطاب لأبي هريرة ، وضربه بالدرة لكثرة ما اختلق من الأحاديث ، وقال له : لقد أكثرت الحديث يا أبا هرة. وقد روى آلاف الأحاديث ، في حين كانت فترة صحبته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تتعدى ثلاث سنوات [أسلم أبو هريرة بعد فتح خيبر في آخر سنة ٧ ه‍ ، هو وعكرمة بن أبي جهل]. وكان من أهل الصفة.

ونعرض فيما يلي بعض هذه الأحاديث الموضوعة والمحاولات المفضوحة :

١ ـ يروي المعتزلة ، وهم سنّة معتدلون ، أن معاوية كان يدفع الأموال الطائلة لأبي هريرة ليصطنع الأحاديث. من ذلك قوله على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن آل أبي طالب ليسوا بأوليائي ، إنما أوليائي هم الصالحون.

٢ ـ اختلقوا أحاديث في فضل الشيخين ، ليس غرضها تعظيمهما بقدر ما غرضها التوهين من منزلة عليعليه‌السلام وأولاده ، فكل منقبة تفردّ بها الإمام عليعليه‌السلام وضعوا في مقابلها حديثا لشخص آخر يشاركه بها ، حتّى لا يكون هو الوحيد المتصف بها.

فحين قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا مدينة العلم وعلي بابها». أضافوا إلى الحديث :وأبو بكر سقفها ، وعمر حيطانها ، وعثمان أرضها (حجر وطين ، ج ١ ص ١٧٣).

وحين قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». وضعوا الحديث : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة. علما بأنه في الجنة لا يوجد كهول ، بل يحشر كل المؤمنين شبانا.

وفي اعتقادي أن هذه الأحاديث كلها من وضع الأمويين للتوهين من أهل البيت

٣٤٦

والهاشميين. ولو أن الشيخين اطّلعوا على هذه الأحاديث الموضوعة في حقهم لأنكروها ولعنوا واضعها ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستكثر عليّ الكذّابة ، فمن كذب عليّ عامدا متعمدا ، فليتبوّأ مقعده من النار».

٣ ـ وقالوا : إن الإمام الحسنعليه‌السلام مطلاق ، أي كان يتزوج كثيرا ويطلّق كثيرا. ولعمري من من الصحابة لم يتزوج عدة نساء وينجب العديد من الأولاد. في حين كان كثير من النساء يعرضن أنفسهن على الإمام الحسن للزواج ، ليكسبوا شرف مصاهرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم يطلقهن على شرع الله ورسوله ، ويعطيهن كامل حقوقهن برضائهن.

٤ ـ ومن ذلك قولهم على سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام بهتانا وإثما مبينا ، وهو أنها كانت تعقد مجالس الأدب وتجلب الشعراء الخ. وكل ذلك كذب وافتراء عليها ، فالتي كانت تقوم بذلك هي سكينة الزبيرية وليست سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام ، فنسبوا ما كانت تفعله تلك إلى هذه عمدا ، للتوهين من قدسية أهل البيتعليهم‌السلام .

وقد ورد في أخبار أهل البيتعليهم‌السلام أنه لما خطب عبد الله بن الحسنعليه‌السلام من عمه الحسينعليه‌السلام إحدى بناته ، قال له الحسينعليه‌السلام : أما سكينة ، فإنها دائمة الاستغراق مع الله ، ولا تصلح لرجل. ولكن أزوّجك فاطمة الصغرى ، فإنها أشبه ما تكون بجدتها فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فزوّجه إياها.

٥ ـ في مقابل سلامة نظرة الغالبية العظمى لعلماء السنة تجاه أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ، نجد نوادر من الأفراد قد أعماهم التعصب النابع من منطلق غير ديني ولا إسلامي ، فكانوا يحاولون التشنيع على الشيعة وتصويرهم على غير حقيقتهم. من هؤلاء ابن حجر العسقلاني الّذي بعد أن ساق الأحاديث المتواترة في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام التي لا تحصى ، ولا يمكن لأحد أن ينكرها ، ثم الأحاديث الصحيحة في نجاة أتباعهم وأنصارهم وشيعتهم ، قال : ولكن إياكم أن تظنوا أن شيعتهم هم الشيعة ، إنما هم السنة. ولو كان منصفا لقال : إن شيعتهم هم من أحبهم وعمل على هداهم من الشيعة والسنة. فنحن في غنى عن إثارة الأحقاد وإلقاح الفتن ، التي لا تفيد الإسلام ، بل تفتّ في عضد المسلمين.

ومن هؤلاء جهبذ العلماء (ابن كثير) الّذي حاول عمدا الخلط بين الشيعة

٣٤٧

والروافض. ونسب إلى الشيعة ما يقوله الروافض زورا وبهتانا. وهو يقصد بالروافض الذين كانوا يسبّون الشيخين. مع أن الشيعة لا تسبّ الشيخين ، بل تحترم كل الصحابة الكرام ، وتعطي كل ذي حق حقه بلا مداهنة ولا إبهام.

٦ ـ وقد دفع ذلك بعض المتعصبين من الأولين والآخرين ، إلى إنكار كل حديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام لا يروق لمزاجهم. حتّى أن الدكتور أبا اليسر عابدين ألفّ كتابا سمّاه (أغاليط المؤرخين) زعم فيه أن كثيرا من الأحاديث في فضل أهل البيتعليهم‌السلام والتي روتها علماء السنة الأعلام ، أنها ليست صحيحة. ظنا منه أنه بذلك يخدم الإسلام ، والإسلام يحتاج إلى أمور أهم من ذلك في هذه الأيام ، سامحه الله.

٧ ـ ومنها ما فعله الشاعر ابن عبد ربه الأندلسي صاحب كتاب (العقد الفريد) ، الّذي جمع فيه أخبارا من الأدب. فإنه ألف كتابا نظم فيه أرجوزة تاريخية ، ذكر فيها الخلفاء الراشدين وجعل معاوية رابعهم ، ولم يذكر علياعليه‌السلام أبدا. وهذا يعني أنه اعتبر معاوية من الخلفاء الراشدين ، ولم يعتبر علياعليه‌السلام منهم ياله من داء عضال ، وضلال ليس بعده ضلال! ومثل هذه الأعمال والأقوال كثير ، وهي من ثمرات الجهل المطبق ، أو التعصب المقيت ، أعاذنا الله منهما.

٣٦٩ ـ سياسة بني أمية ومعاوية ويزيد :

(في رحاب دمشق لمحمد أحمد دهمان ، ص ٢٦٤)

يقول الأستاذ دهمان : كانت سياسة بني أمية تقوم على تقديس رجالاتهم والطعن في خصومهم ، خصوصا الطالبيين ، وهذا بدهي لا يحتاج إلى سرد نصوص تؤيد ذلك.

فمعاوية وابنه يزيد ، ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك ، والحجاج بن يوسف الثقفي وأضرابهم ، كان لهم من القدسية والاحترام في العصر الأموي ، وإلى منتصف العصر العباسي ، مثلما لآل البيت النبوي في عصرنا.

يذكر المقدسي في (أحسن التقاسيم) ص ٣٩٩ : أنه دخل مدينة إصبهان ، فوصف له رجل معروف بالزهد والتعبد. قال : فقصدته وتركت القافلة خلفي وبتّ عنده تلك الليلة ، وجعلت أسائله إلى أن قلت : وما قولك في الصاحب بن عبّاد؟ فجعل يلعنه.ثم قال : إنه أتانا بمذهب لا نعرفه. قلت : وما هو؟. قال : يقول معاوية لم يكن

٣٤٨

مرسلا. قلت : وما تقول أنت؟. قال : أقول كما قال الله تعالى :( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) [البقرة : ٢٨٥]. أبو بكر كان مرسلا ، وعمر كان مرسلا ، حتى ذكر الأربعة ، ثم قال : ومعاوية كان مرسلا. قلت : لا تفعل ، أما الأربعة فكانوا خلفاء ، ومعاوية كان ملكا ، وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة بعدي إلى ثلاثين ، ثم تكون ملكا.فجعل الشيخ يشنّع عليّ ، وأصبح يقول للناس : هذا رجل رافضي ، فلو لم أتدارك القافلة لبطشوا بي. ولأهل إصفهان في هذا الباب حكايات كثيرة.

ويقول المقدسي في كتابه ، ص ١٢٦ : وببغداد غالية يفرطون في حب معاوية.

وهناك نصّ يفيد بأن أهل الكرخ كانوا من جماعة معاوية وأنصاره. فقد سبّ إبراهيم بن رستم معاوية ، فقال له رجل : لم لا تقول هذا بالكرخ؟. فقال إبراهيم :ولم لا تصلي أنت على محمّد بالقسطنطينية؟.

ويقول المقدسي في كتابه ، ص ١٢٦ أيضا : كنت يوما بجامع واسط ، وإذ برجل قد اجتمع عليه الناس ، فدنوت منه ، فإذا هو يقول :

حدثنا فلان عن فلان عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله يدني معاوية يوم القيامة ، فيجلسه إلى جنبه ويغلفه بيده ، ثم يجلوه على الخلق كالعروس. فقلت له : بماذا؟ بمحاربته عليا!.

فقال : رضي الله عن معاوية ، وكذبت أنت يا ضال. فقال : خذوا هذا الرافضي. فأقبل الناس عليّ ، فعرفني بعض الكتبة ، فكركروهم عني.

مثل هذا الاحترام والتقديس عند بعض الناس لمعاوية ، انتقل إلى ابنه يزيد ، فكان فيهم من يعتقد مثل هذا أو قريبا منه في يزيد (وهؤلاء سمّوا اليزيدية ، ولهم أتباع في الجزيرة في سورية ، وفي دربند على ساحل بحر الخزر ، وفي ميافارقين في تركيا).

ثم يقول الأستاذ دهمان : وتفيد فتوى ابن تيمية أن بعضا من الناس في عصره كان يعتقد أن يزيد كان صحابيا ، وبعضا آخر يعتقد أنه كان نبيا. وقد ردّ ابن تيمية على هذين القولين في (سؤال في يزيد بن معاوية) ، وذكر اعتقاد أهل السنة في يزيد.

(راجع المجلد ٣٨ ص ٤٥٢ من مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق)

٣٤٩

هنات معاوية

٣٧٠ ـ مبتدعات معاوية :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ج ١ ص ١٤٣)

قال الأستاذ محمّد كرد علي : توفي معاوية سنة ٦٠ ه‍ بعد أن وطّأ أكناف الملك ، وابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه أحد إليها. منها أنه أول من وضع الحشم للملوك ، ورفع الحراب بين أيديهم ، ووضع المقصورة التي يصلي الملك أو الخليفة بها في الجامع منفردا عن الناس واستخدم المسيحيين في مصالح الدولة ، فعهد بنظارة المالية إلى منصور وسرجون من نصارى العرب السوريين.

وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) ص ٢٠٠ : معاوية أول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته ، وأول من عبثت به رعيته ، وأول من خطب الناس قاعدا ، وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه (أخرجه ابن أبي شيبة).

وقال الزهري : أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية.

وقال سعيد بن المسيب : أول من أحدث الأذان في العيد معاوية. وقال : أول من أنقص التكبير معاوية.

٣٧١ ـ أربع موبقات كبيرة لمعاوية :

(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٠)

روى ابن الجوزي بإسناده عن الحسن البصري أنه قال : أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة ، وهي :

١ ـ أخذه الخلافة بالسيف من غير مشورة ، وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضل.

٢ ـ واستخلافه ابنه يزيد ، وكان سكيّرا خميّرا ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير.

٣ ـ وادّعاؤه زيادا ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحج».

٤ ـ وقتله حجر بن عدي وأصحابه (بعد أن أعطاهم الأمان). فيا ويلا له من حجر وأصحاب حجر!.

٣٥٠

وروي عن الشافعي أنه أسرّ إلى الربيع أنه لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة ، وهم : معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه.

رواية أخرى : (المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ٣ ص ٨٢)

قال المرزباني : قال الحسن البصري :

أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه إلا واحدة منهن كانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء (حتّى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم) وفيها بقايا الصحابة وذوو الفضل. وادّعاؤه زيادا ، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». واستخلافه يزيد من بعده ، سكيّرا خميرا ، يزوّج بين الدب والذئب والكلب والضبع ، ينظر ما يخرج منهما. وقتله حجر بن عدي وأصحابه. فيا ويله ثم يا ويله!.

٣٧٢ ـ تولية يزيد من أكبر أخطاء معاوية :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٦ ط ٢ نجف)

ذكر علماء السير عن الحسن البصري أنه قال :

قد كانت في معاوية هنات ، لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم : وثوبه على هذا الأمر [أي الخلافة] ، واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين ، وادّعاؤه زيادا ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ، وتوليته يزيد على الناس.

قال : وقد كان معاوية يقول : لو لا هواي في يزيد لأبصرت رشدي.

تسلّط معاوية على الأمة بالسفهاء

٣٧٣ ـ قصة بسر بن أبي أرطاة وقتله أولاد عبيد الله بن العباس :

كان عبيد الله بن العباس أخو المحدث الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه واليا على اليمن من قبل الإمام عليعليه‌السلام . ولما حدثت الهدنة بين الإمام عليعليه‌السلام ومعاوية بعد خدعة التحكيم ، بعث معاوية عدة فرق تهجم على السواحل ، وأمر بسر بن أبي أرطاة بالهجوم على اليمن وقتل أهلها. فأتى بسر صنعاء حتّى دخل على زوجة عبيد الله بن العباس ، فسألها : أين زوجك؟. فقالت : خرج من أيام. فقال :إذن أعطني أولادك ، وكانا صغيرين قد لجآ إلى حجر أمهما. فأنشأت تقول لهما :

٣٥١

اقتربا من عمّكما وسلّما عليه. فقالا : لا يا أماه!. إنا نخاف منه. فما كان من ابن أبي أرطاة إلا أن نزع الولدين من حجر أمهما ، وشهر سيفه وذبحهما أمام عينها.فشرد عقلها وجنّت من ساعتها.

٣٧٤ ـ ما فعله بسر بن أبي أرطاة بأهل البيتعليهم‌السلام في عهد معاوية :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)

ومثل فعل يزيد ، فعل بسر بن [أبي] أرطاة العامري أمير معاوية ، في أهل البيتعليهم‌السلام من القتل والتشريد ، حتّى خدّ لهم الأخاديد. وكانت له أخبار شنيعة في عليعليه‌السلام ، وقتل ولدي عبيد الله بن العباس وهما صغيران ، على يد أمهما ، ففقدت عقلها وهامت على وجهها. فدعا عليه عليعليه‌السلام أن يطيل عمره ويذهب عقله ، فقالعليه‌السلام : الله م لا تمته حتّى تسلبه عقله ، ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار. فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتّى ذهب عقله. وكان يهذي بالسيف ، ويقول : أعطوني سيفا أقتل به ، لا يزال يردد ذلك ، حتّى اتّخذ له سيف من خشب.وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتّى يغشى عليه ، فلبث كذلك إلى أن مات (انظر المجالس السنية ، ج ٣ ص ٥٠ ط ٣).

إستلحاق معاوية لزياد ابن أبيه

٣٧٥ ـ استلحاق معاوية لزياد :

(المختصر في أخبار البشر لابن الوردي ، ج ١ ص ٢٥٣ ط ١)

في سنة ٤٤ ه‍ استلحق معاوية زياد بن سميّة ، أمة الحارث بن كلدة الثقفي ، وكان زوّجها بعبد رومي له اسمه (عبيد) فولدت زيادا على فراشه. وكان أبو سفيان في الجاهلية قد وقع عليها بالطائف ، ووضعت زيادا سنة الهجرة.

٣٧٦ ـ قصة استلحاق معاوية لزياد ابن أبيه :

(الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقا ، ص ١٠٩)

كانت سميّة (أم زياد) بغيّا من بغايا العرب ، ولها زوج اسمه (عبيد). فاتفق أن أبا سفيان (أبا معاوية) نزل بخمّار يقال له (أبو مريم) ، فطلب منه أبو سفيان بغيّا. فقال له أبو مريم : هل لك في سميّة!. وكان أبو سفيان يعرفها. فقال : هاتها على طول

٣٥٢

ثديها وذفر بطنها. فأتاه بها ، فوقع أبو سفيان عليها ، فعلقت منه بزياد ، ثم وضعته على فراش زوجها عبيد.

فلما نشأ زياد تأدّب وبرع وتقلّب في الأعمال ، فولاه عمر بن الخطاب عملا فأحسن القيام به. فحضر يوما مجلس عمر وفيه أكابر الصحابة ، وأبو سفيان في جملة القوم. فخطب زياد خطبة بليغة لم يسمعوا بمثلها. فقال عمرو بن العاص : لله درّ هذا الغلام ، لو كان أبوه من قريش لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان : والله إني لأعرف أباه الّذي وضعه في رحم أمه.

(وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ، ج ١٦ ص ١٨١ ط مصر) :

روى أحمد بن يحيى البلاذري قال : تكلم زياد ـ وهو غلام حدث ـ بحضرة عمر كلاما أعجب الحاضرين. فقال عمرو بن العاص : لله أبوه!. لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان : أما والله إنه لقرشي ، ولو عرفته لعرفت أنه خير من أهلك. فقال : ومن أبوه؟. قال : أنا والله وضعته في رحم أمه!. فقال : فهلا تستلحقه؟. قال : أخاف هذا العير الجالس [يقصد عمر] أن يخرّق عليّ إهابي.

وصية الإمام الحسنعليه‌السلام ووفاته

٣٧٧ ـ بعض أخلاق معاوية وأعماله :

(مختصر تاريخ العرب للسيد مير علي ، ص ٦٢)

يوجز لنا كاتب إنكليزي محايد هو (أوسبرن) أخلاق معاوية والظروف التي ساعدته على النجاح في قوله : كان الخليفة الأموي الأول معاوية ذكي الفؤاد ، قاسي القلب ، لا يحجم عن القتل في سبيل توطيد ملكه ، كذلك كان الاغتيال وسيلته الوحيدة لإزاحة أعدائه. وهو الّذي حرّض على تسميم ابن بنت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣٧٨ ـ وصية الحسنعليه‌السلام بالإمامة إلى الحسينعليه‌السلام :

(مخطوطة مصرع الحسين [مكتبة الأسد] ص ١)

لما سقي الحسنعليه‌السلام السم وتحقق الموت (وذلك في صفر سنة ٥٠ ه‍) فوّض الأمر في الإمامة إلى أخيه الحسينعليه‌السلام ، وما كان عنده من الوديعة وتابوت السكينة. وأقامه مقامه الّذي أقامه الله ورسوله فيه.

٣٥٣

٣٧٩ ـ وصية الحسنعليه‌السلام لأخيه الحسينعليه‌السلام حول الحكم :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١)

قال الإمام الحسنعليه‌السلام وهو يحتضر لأخيه الحسينعليه‌السلام : وأبى الله أن يجعل فينا أهل البيت النبوة ، والدنيا أو الخلافة أو الملك. فإياك وسفهاء أهل الكوفة أن يستخفّوك فيخرجوك ويسلموك ، ولات حين مناص.

٣٨٠ ـ سمّ الإمام الحسنعليه‌السلام :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ٣٦)

قال أبو الفرج الإصفهاني : وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد ، فلم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسنعليه‌السلام وسعد بن أبي وقاص ، فدسّ إليهما سمّا ، فماتا فيه.

وقال ابن الجوزي : مات الحسنعليه‌السلام مسموما ، سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث. دسّ إليها يزيد بن معاوية أن تسمّه ويتزوجها ، ففعلت. فلما مات الحسنعليه‌السلام بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها ، فقال : إنّا لم نكن نرضاك للحسن ، أفنرضاك لأنفسنا؟. فخسرت الدنيا والآخرة.

٣٨١ ـ كيفية وفاة الإمام الحسنعليه‌السلام :

(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١١)

ولما أراد معاوية الباغي تنصيب ابنه يزيد خليفة من بعده على المسلمين ، لم يجد بدّا من قتل الإمام الحسنعليه‌السلام بأية وسيلة ليخلوا له الجو ، فأغرى زوجة الحسنعليه‌السلام بسمّه ، وهي جعدة بنت الأشعث ، ووعدها بمال كثير وبزواج يزيد.فسمّته وتوفي الحسنعليه‌السلام شهيد الواجب صريع الجهاد في سبيل الحق (وعمره ٤٧ سنة).

أما جعدة فقد طالبت معاوية بوعده ، فأعطاها المال ولم يزوّجها يزيد. كما فعل بعبد الله بن سلّام زوج (أرينب بنت اسحق) الّذي سوف تأتي قصته مفصلة في آخر هذا الفصل.

ـ دفن الإمام الحسنعليه‌السلام :

وقبل أن يدفن الحسنعليه‌السلام في مقبرة البقيع ، أراد الحسينعليه‌السلام أن يجدد به عهدا عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل دفنه. فجاء بنو أمية بسلاحهم كي يردّوه ، وكان

٣٥٤

فيهم مروان ابن الحكم ، فبادره ابن عباس قائلا : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنا لا نريد دفن صاحبنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكنّا نريد أن نجدد به عهدا بزيارته ، ثم نرده إلى جدته فاطمة بنت أسد في البقيع ، فندفنه عندها حسب وصيته بذلك ، ولو كان أوصى بدفنه عند جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلمت أنك أقصر باعا من أن تردّنا عن ذلك ، لكنه كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدم كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه.

وهكذا نرى أن الصراع بين الفريقين صراع لا ينتهي ، بين الحق وأهله ، والباطل وأهله ؛ فريق هدى الله ، وفريق حقّت عليه الضلالة( إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ ) (١٣) [آل عمران : ١٣].

٣٨٢ ـ عائلة الغدر :

عن الإمام الصادقعليه‌السلام : إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وابنته جعدة سمّت الحسنعليه‌السلام ، ومحمد ابنه شرك في دم الحسينعليه‌السلام .

٣٨٣ ـ تعريف بمقبرة البقيع في المدينة :

تقع مقبرة بقيع الغرقد بجوار مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي فيه قبره الشريف ، من جهة الشرق. وهذه المقبرة خاصة بأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجلاء الصحابة. وقد كان على كل قبر منها قفص منصوب. أما الآن فقد أزيلت أكثر القبور ودرست ولم يبق لها أثر.

هذا وتضم مقبرة البقيع أربعة أئمة من أهل البيتعليهم‌السلام هم : الإمام الحسن وزين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادقعليهم‌السلام ولم يبق لقبورهم أي أثر سوى أربعة أحجار سوداء ملقاة على الأرض (أنظر الشكل ٣). وبجانب هذه القبور قبر العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبر فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب ومربية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كما يوجد في المقبرة ابن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إبراهيم ، وبناته : زينب ورقية وأم كلثومعليهم‌السلام . ثم طائفة من زوجاته. ويوجد من عماته : عاتكة وصفية ، إضافة لعقيل وجعفر أخوي الإمام عليعليهم‌السلام . وفي إحدى الزوايا يوجد قبر حليمة السعدية مرضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نبت عليه العشب الأخضر. أما من الصحابة فيوجد قبر

٣٥٥

(الشكل ـ ٣) : مقبرة بقيع الغرقد

٣٥٦

المقداد بن الأسود وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وما يربو على ألف من الصحابة والصحابيات ، وفي آخرها قبر عثمان.

٣٨٤ ـ حجر بن عديّ يطلب من الحسين النهوض :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٢٠)

كان حجر بن عدي قد لام الإمام الحسنعليه‌السلام على قبوله الصلح والبيعة لمعاوية ، وطلب منه النهوض ، فلم يوافق.

فخرج حجر من عنده ودخل على الحسينعليه‌السلام وحرّضه على النهوض والحرب ، فقالعليه‌السلام : إنّا قد بايعنا وعاهدنا ، ولا سبيل إلى نقض بيعتنا.

٣٨٥ ـ مراسلة أهل الكوفة للحسينعليه‌السلام بعد وفاة الإمام الحسنعليه‌السلام :

(المصدر السابق ، ص ٢٢١)

وبلغ أهل الكوفة وفاة الحسنعليه‌السلام فاجتمع عظماؤهم فكتبوا إلى الحسينعليه‌السلام يعزّونه.

وكتب إليه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب ، وكان أمحضهم حبا ومودة :

أما بعد ، فإن من قبلنا من شيعتك متطلعة أنفسهم إليك ، لا يعدلون بك أحدا ، وقد كانوا عرفوا رأي الحسن أخيك في دفع الحرب ، وعرفوك باللين لأوليائك والغلظة على أعدائك ، والشدة في أمر الله. فإن كنت تحب أن تطلب هذا الأمر فاقدم علينا ، فقد وطّنّا أنفسنا على الموت معك.

٣٨٦ ـ جواب الحسينعليه‌السلام بالتريّث :

(المصدر السابق ، ص ٢٢٢)

فكتب إليهم الحسينعليه‌السلام : أما أخي فأرجو أن يكون الله قد وفّقه وسدده فيما يأتي. وأما أنا فليس رأيي اليوم ذلك [أي الحرب] ، فالصقوا رحمكم الله بالأرض ، واكمنوا في البيوت ، واحترسوا من الظّنّة ، ما دام معاوية حيا ، فلن يحدث الله به حدثا وأنا حي ، كتبت إليكم برأيي والسّلام.

٣٨٧ ـ وصية الحسينعليه‌السلام لوفد أهل الكوفة بعد وفاة الحسنعليه‌السلام :

(أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٢ ص ٤٥٧ ط دمشق)

وقال الحسينعليه‌السلام لوفد أهل الكوفة : ليكن كل امرئ منكم حلسا من أحلاس

٣٥٧

بيته (أي كالبساط الساكن في البيت) ما دام هذا الرجل حيا ، فإن يهلك وأنتم أحياء ، رجونا أن يتخيّر الله لنا ، ويأتينا رشدنا ، ولا يكلنا إلى أنفسنا ، ف( إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) (١٢٨) [النحل : ١٢٨].

٣٨٨ ـ طلب أهل الكوفة من الحسينعليه‌السلام الشخوص إليهم في خلافة معاوية :

(تاريخ ابن عساكر ، ص ١٩٧)

قالوا : لما بايع معاوية بن أبي سفيان ليزيد بن معاوية ، كان حسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ممن لم يبايع له. وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين بن عليعليهما‌السلام يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية ، وفي كل ذلك يأبى عليهم الحسينعليه‌السلام .

فأقام حسينعليه‌السلام على ما هو عليه من الهموم ، مرة يريد أن يسير إليهم ، ومرة يجمع الإقامة.

٣٨٩ ـ نصيحة أبي سعيد الخدري :

(المصدر السابق)

فجاءه أبو سعيد الخدري ، فقال : يا أبا عبد الله ، إني لكم ناصح ، وإني عليكم مشفق. وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة ، يدعونك إلى الخروج إليهم ، فلا تخرج فإني سمعت أباك يقول بالكوفة : «والله لقد مللتهم وأبغضتهم ، وملوّني وأبغضوني ، وما بلوت منهم وفاء ، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب». والله ما لهم ثبات ولا عزم على أمر ، ولا صبر على السيف.

٣٩٠ ـ وفاء الإمام الحسينعليه‌السلام :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٠٠)

سجّل الشيخ المفيد الموقف الأخلاقي للحسينعليه‌السلام والسلوك الشرعي ، وذلك في التزامه ببنود الصلح وإن نكثها معاوية. ونقل ما رواه الكلبي والمدائني وغيرهم من أصحاب السير ، قالوا : لما مات الحسنعليه‌السلام تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسينعليه‌السلام في خلع معاوية والبيعة له ، فامتنع عليهم ، وذكر أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتّى تمضي المدة. فإذا مات معاوية نظر في ذلك.

٣٥٨

أما معاوية فلم يف بشيء من بنود الصلح ، ومن أهمها أن لا يتعرض لأصحاب الحسينعليه‌السلام بسوء. فقتل العديد منهم ظلما وعدوانا ، ولا سيما عمرو بن الحمق وحجر ابن عدي.

قتل عمرو بن الحمق وحجر بن عديّ

٣٩١ ـ استشهاد عمرو بن الحمق الخزاعي :

ولما توفي الإمام عليعليه‌السلام قام حجر بن عدي في منع بني أمية من سبّ عليعليه‌السلام . ولما أمر زياد ابن أبيه بالقبض على حجر هرب عمرو بن الحمق إلى الموصل واختفى في غار ، فلدغته حيّة به فمات. فلما وصل إليه جماعة زياد يطلبونه وجدوه ميتا في الغار ، فقطعوا رأسه وذهبوا به إلى زياد ، فبعث به إلى معاوية. وهو أول رأس حمل من بلد إلى بلد في الإسلام. وصارت سنّة أموية. قتل عمرو بن الحمق في نفس السنة التي قتل فيها حجر بن عديرحمهما‌الله .

ترجمة عمرو بن الحمق

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٣١)

هو عمرو بن الحمق بن كاهل بن حبيب الخزاعي ، صحابي جليل القدر ، من خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام . شهد معه مشاهده كلها. ودعا له عليعليه‌السلام قال : «اللهم نوّر قلبه بالتقى ، واهده إلى صراطك المستقيم.ليت أن في جندي مائة مثلك».

وقال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٢١٥ :

كان عمرو بن الحمق من الحواريين الأربعة لأمير المؤمنينعليه‌السلام وهم :عمرو بن الحمق ، وأويس القرني ، وميثم التمار ، ومحمد بن أبي بكر.

٣٥٩

٣٩٢ ـ قتل حجر بن عدي :

(الدرجات الرفيعة ، ص ٤٢٨)

وأما سبب قتل حجررحمه‌الله ، فكان من صدقه وجرأته بالله. فقد كان المغيرة بن شعبة والي العراق ، لا ينام عن شتم عليعليه‌السلام وأصحابه واللعنة بهم ، والترحم على عثمان وأصحابه. وكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك يقول : إنّ من تذمّون أحقّ بالفضل والتقدم ، ومن تمدحون أولى بالذم. فلما كان في آخر زمان المغيرة ، نال من عليعليه‌السلام وقال في عثمان ما كان يقول. فقام حجر بن عدي وصاح به وقال : إنك لا تدري بمن تولع ، أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ومدح المجرمين. فقام معه نحو ثلاثين ألفا يقولون : صدق حجر فلما خلا المغيرة بقومه شجّعوه على قتل حجر ، فأبى ذلك لاقتراب أجله.

فلما ولىّ معاوية زياد ابن أبيه الكوفة ، خطب في الناس متوعدا حجرا. وجاءه أمر من معاوية بشدّه بالحديد وتسييره إلى الشام. فوفد زياد إلى معاوية ومعه حجر بن عدي وتسعة من أهل الكوفة وأربعة من غيرهم. فلما وصلوا إلى (مرج عذراء) على اثني عشر ميلا من دمشق ، قال حجر : ما هذه القرية؟. فقيل : عذراء. فقال :الحمد لله ، أما والله إني لأول مسلم ذكر الله فيها وسجد ، وأول مسلم نبح عليّ كلابها في سبيل الله ، ثم أنا اليوم أحمل إليها مصفّدا في الحديد!. ثم تقدّم البريد بأخبارهم إلى معاوية. فبعث إليهم رجلا أعور. فلما وصل إليهم قال لحجر : إن أمير المؤمنين أمرني بقتلك وقتل أصحابك ، إلا أن توالوا أمير المؤمنين وترجعوا إلى طاعته ، فأبوا.

فلما قدّم حجر ليقتل قال : دعوني أصلي ركعتين ، فصلى. ثم قال : إن كنت أمرت بقتل ولدي (همّام) فقدّمه. فقدمه فضربت عنقه. فقيل له : تعجلت الثكل.فقال : خفت أن يرى هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية عليعليه‌السلام ، فلا نجتمع في دار المقامة التي وعدها الله للصابرين.

ثم قدّم حجر وأصحابه فقتلوا ، وكان عددهم ثمانية. ودفنوا في (عدره) شرق دمشق.

ولما بلغ عائشة قتلهم قالت لمعاوية : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء». فقال معاوية : يا أم المؤمنين ، دعيني وحجرا نلتقي عند ربنا.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735