موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 487651 / تحميل: 5763
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال الطبري في تاريخه : زعموا أن الحسن البصري لما بلغه قتل حجر وأصحابه ، قال: صلّوا عليهم وكفنّوهم واستقبلوا بهم القبلة؟. قالوا : نعم. قال : حجّوهم وربّ الكعبة.

وذكر كثير من أهل الأخبار أن معاوية لما حضرته الوفاة ، جعل يغرغر بالموت ، ويقول : إن يومي منك يا حجر بن عدي لطويل.

(أقول) : ولكن هيهات ينفع الندم.

ترجمة حجر بن عدي

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٣)

هو حجر بن عديّ بن معاوية بن جبلة بن الأدبر الكندي. يكنى أبا عبد الرحمن ، ويسمى حجر الخير.

قال ابن عبد البرّ في (الإستيعاب) : كان حجر من فضلاء الصحابة ، شجاعا من المقدمين.

وقال غيره : كان من الأبدال ، وكان صاحب راية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو بعد من الرؤساء والزهاد. وشهد القادسية ، وهو الّذي فتح مرج عذراء. ومحبته وإخلاصه لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن تذكر. وكان على كندة يوم صفين ، وعلى الميسرة يوم النهروان.

وفي (أعلام الزركلي) : وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد ابن أبيه واليا عليها ، فدعا به زياد فجاءه ، فحذّره من الخروج على بني أمية. فما لبث أن عرفت عنه الدعوة إلى مناوأتهم والاشتغال في السرّ بالقيام عليهم. فجيء به إلى دمشق ، فأمر معاوية بقتله بعد أن أعطاه الأمان ، فقتل في مرج عذراء (من قرى دمشق) مع أصحاب له.

٣٩٣ ـ إثارة مروان بن الحكم الفتنة بين معاوية والحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٥١ ط إيران)

روى الكلبي أن مروان بن الحكم قال يوما للحسينعليه‌السلام : لو لا فخركم بفاطمة

٣٦١

بم كنتم تفخرون علينا؟. فوثب الحسين (وكان شديد القبضة) فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتّى غشي عليه ، ثم تركه.

وأقبل الحسينعليه‌السلام على جماعة من قريش ، فقال : أنشدتكم الله إلا صدّقتموني إن صدقت. أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ومن أخي؟. أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟. قالوا : الله م لا.قال : وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه ، طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والله ما بين جابرسا وجابلقا [مدينتان إحداهما بباب المشرق والأخرى بباب المغرب] رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك!.

قال : فو الله ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب ، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه.

٣٩٤ ـ دعايات مفتعلة :

شعر معاوية أن الأمة بكافة فصائلها تقدّم الإمام الحسينعليه‌السلام ، باعتباره الحاكم الّذي يلي الخلافة بعد هلاك معاوية وبدون منافس. وذلك لشياع ذكره في الأمصار وعلى كل لسان. فهم كانوا لا يشكّون بأن الخلافة سوف تؤول إليه بعد هلاك معاوية. لذلك بدأ معاوية يختلق القصص المنقولة عن بعض الوشّائين والنمّامين ، بأن الحسينعليه‌السلام يفكر في الخروج عليه. لذلك كتب معاوية للحسينعليه‌السلام كتابا يذكّره فيه بعهده وصلحه.

٣٩٥ ـ كتاب معاوية للحسينعليه‌السلام يتهمه فيه بالفتنة وشقّ عصا الطاعة ، ويتوعده بالبطش به :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٣١)

قال السيد علي جلال الحسيني في كتابه (الحسين) ج ١ ص ١٦٤ :

روى ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) ج ١ ص ٢٨٤ وما بعدها ، وأبو عمرو محمّد بن عمر الكشي في (معرفة أخبار الرجال) ، وأبو جعفر الطوسي في (اختيار الرجال) طبع بومبي ص ٣٢ وما بعدها ؛ أن معاوية كتب إلى الحسينعليه‌السلام :

أما بعد ، فقد انتهت إليّ أمور عنك ، إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله إنّ من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن أحقّ الناس بالوفاء لمن

٣٦٢

أعطى بيعته ، من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها. وإن كان الّذي بلغني باطلا ، فإنك أنت أعدل الناس لذلك ، وحظّ نفسك فاذكر ، وبعهد الله أوف!. فإنك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك. فاتّق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يستخفّنك السفهاء والذين لا يعلمون.

٣٩٦ ـ ردّ الحسينعليه‌السلام على كتاب معاوية ، وبيان بعض أعماله ونقضه للعهد:

(المصدر السابق ، ص ١٣٢)

فلما وصل الكتاب إلى الحسين رضي الله عنه ، كتب إليه :

أما بعد ، فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا بغيرها عندك جدير ، وإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى. وأما ما ذكرت أنه رقى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون. واعلم بأني ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا ، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك ، وإلى أوليائك القاسطين (الجائرين) الملحدين ، حزب الظلمة وأولياء الشيطان.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة ، وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا ، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظّة والمواثيق المؤكدة ، جرأة على الله واستخفافا بعهده.

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، العبد الصالح الّذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه واصفر لونه؟. فقتلته بعد ما أمنّته وأعطيته من العهود ما لو فهمته (الوعول) لنزلت من رؤوس الجبال.

أولست بمدّع (زياد بن سمية) المولود على فراش (عبيد) عبد ثقيف؟. فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فتركت سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعمدا ، واتبعت هواك بغير هدى من الله. ثم سلطّته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك.

٣٦٣

أولست قاتل الحضرمي الّذي كتب إليك فيه زياد بن سمية أنه على دين علي كرم الله وجهه ، فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليعليه‌السلام ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك؟!.

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن تردّهم إلى فتنة. وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن تركته فإني أستغفر الله لديني ، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت : إني إن أنكرك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنك قد ركبت جهلك ، وتحرّصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط. ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر ، لعلك لولم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب. واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التّهمة ، ونفيك لهم أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث ، يشرب الشراب ويلعب بالكلاب. وما أراك إلا قد خسرت نفسك ، وتبّرت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخربت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي ، والسلام.

فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا.

استخلاف معاوية ليزيد

٣٩٧ ـ عزم معاوية على البيعة ليزيد بعد وفاة الحسنعليه‌السلام :

(الاستيعاب لابن عبد البر ، ج ١ ص ٣٧٦)

وكان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسنعليه‌السلام وعرّض بها ، بعد أن

٣٦٤

نكث بشروط صلحه مع الحسنعليه‌السلام ، ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلا بعد وفاة الحسنعليه‌السلام .

٣٩٨ ـ اعتماد معاوية على داهيتين :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)

ولما مات الحسنعليه‌السلام بعد أربعة أشهر من استيلائه على العراق ، صفا الجو لمعاوية وبايع له الناس. فملك العراق والحجاز ومصر ، وأجمعت القلوب على مبايعته طوعا أو كرها. وكان ممن مالأ معاوية على تحقيق رغائبه عمرو بن العاص ، قريبه وعامله على مصر ، والمغيرة بن شعبة عامله على الكوفة. وهما الداهيتان اللتان يقول فيهما الحسن البصري : إنهما أفسدا هذه الأمة ، لاحتيال الأول برفع المصاحف يوم صفين وتقرير التحكيم ، ولأن الثاني كان من الداعين لأخذ البيعة ليزيد.

٣٩٩ ـ المغيرة بن شعبة يشير على معاوية باستخلاف يزيد :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٥)

قال الحسن البصري : أفسد أمر الناس اثنان : عمرو بن العاص ، يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت ، ونال من القراء ، فحكمّ الخوارج ، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة.

والمغيرة بن شعبة ، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة ، فكتب إليه معاوية : إذا قرأت كتابي فأقبل معزولا ، فأبطأ عنه. فلما ورد عليه قال : ما أبطأ بك؟. قال :أمر كنت أوطّئه وأهيّئه!. قال : وما هو؟. قال : البيعة ليزيد من بعدك. قال : أوقد فعلت؟. قال : نعم. قال : ارجع إلى عملك!.

فلما خرج قال له أصحابه : ما وراءك؟. قال : وضعت رجل معاوية في غرز غيّ ، لا يزال فيه إلى يوم القيامة.

قال الحسن البصري : فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ، ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.

٤٠٠ ـ البيعة ليزيد :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٢)

روى أبو الحسن المدائني قال : لما مات زياد بن أبيه سنة ٥٣ ه‍ ، أظهر معاوية عهدا مفتعلا ، فقرأه على الناس ، فيه عقد الولاية ليزيد بعده فلم يزل يروّض الناس لبيعته سبع سنين

٣٦٥

فلما كانت سنة خمس وخمسين كتب معاوية إلى سائر الأمصار أن يفدوا عليه.فوفد عليه من كل مصر قوم. وكان فيمن وفد عليه من البصرة الأحنف بن قيس. ثم جلس معاوية في أصحابه ، وأذن للوفود فدخلوا عليه. وقد تقدّم إلى أصحابه أن يقولوا في يزيد. فأول من تكلم الضحاك بن قيس الخ.

٤٠١ ـ كلام الأحنف بن قيس في يزيد وبيعته :

(المصدر السابق)

ثم تكلم الأحنف بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم بيزيد ، في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه. فإن كنت تعلمه لله رضا ولهذه الأمة فلا تشاور الناس فيه ، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.

٤٠٢ ـ خطبة مروان في مسجد المدينة يدعو إلى يزيد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧١)

أخبرنا سيد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي حدثنا من أدرك مروان بن الحكم ، أنه خطب الناس على المنبر ليدعو إلى يزيد بن معاوية [وكان والي معاوية على المدينة]. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ، فجلس على قوائم المنبر ، فقال : لا ، ولا نعمة عين لك ، أدين الهرقليّة [نسبة إلى هرقل ملك الروم] ، كلما ذهب واحد جاء آخر؟. هلك أبو بكر فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، ثم نحّاها عنهم وجعلها في رجل من بني عديّ بن كعب. ثم هلك عمر ابن الخطاب فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، فنحّاها عنهم وجعلها شورى بين الناس.

(قال) : وقالت عائشة : يا مروان ، أما والله إنكم للشجرة الملعونة التي ذكر الله في القرآن.

رواية أخرى للخطبة : (الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٧١)

وذكر هذه القصة أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه أطول من هذه.

قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يدعو الناس إلى بيعة يزيد ، ويخبره في كتابه أن أهل مصر والشام والعراق قد بايعوا.

٣٦٦

فأرسل مروان إلى وجوه أهل المدينة ، فجمعهم في المسجد الأعظم. ثم صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر الطاعة وحضّ عليها ، وذكر الفتنة وحذّر منها.

ثم قال في بعض كلامه : أيها الناس إن أمير المؤمنين قد كبر سنّه ، ودقّ عظمه ، ورقّ جلده ، وخشي الفتنة من بعده. وقد أراه الله رأيا حسنا ، وقد أراد أن يختار لكم وليّ عهد ، يكون لكم من بعده مفزعا ، يجمع الله به الألفة ويحقن به الدماء ، وأراد أن يكون ذلك عن مشورة منكم وتراض ، فماذا تقولون؟.

(قال) فقال الناس من كل جانب : إنا مانكره ذلك إذا كان رضا. فقال مروان :فإنه قد اختار لكم الرضا الّذي يسير بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين ، وهو ابنه (يزيد). قال : فسكت الناس.

وتكلم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال : كذبت والله ، وكذب من أمّرك بهذا.والله ما (يزيد) بمختار ولا رضا ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية في يزيد الخمور ، يزيد القرود ، يزيد الفهود.

فقال مروان : إن هذا المتكلم هو الّذي أنزل الله فيه :( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) [الأحقاف : ١٧].

(قال) فغضب عبد الرحمن ، وقال : يابن الزرقاء! أفينا تتأوّل القرآن ، وأنت الطريد ابن الطريد!. ثم بادر إليه فأخذ برجليه ، وقال : انزل يا عدوّ الله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس مثلك من يتكلم [بهذا] على أعواده.

قال : فضجّت بنو أمية في المسجد. وبلغ ذلك عائشة فخرجت من منزلها متلفّعة بملاءة لها ، ومعها نسوة من قريش ، حتّى دخلت المسجد. فلما نظر إليها مروان كأنه فزع من ذلك ، فقال : سألتك بالله يا أم المؤمنين إن قلت إلا حقا. فقالت عائشة : لا أقول إلا حقا. أشهد لقد لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباك ولعنك ، فأنت فضض من لعنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت الطريد ابن الطريد. أتكلّم أخي عبد الرحمن بما تكلمه!.فسكت مروان ولم يردّ عليها شيئا ، [ورجعت عائشة إلى منزلها] وتفرّق الناس.

٤٠٣ ـ عزل مروان بن الحكم عن المدينة :

ذكر الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص ١٧٥ : أن معاوية بعد وفاة الإمام الحسنعليه‌السلام وتولية يزيد ، بعث إلى مروان وكان عامله على المدينة ، يطلب منه أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة ، فحاول مروان ذلك فلم يستطع. فبعث إلى معاوية

٣٦٧

بعدم تجاوب أهل المدينة معه. فعزله ، وعيّن مكانه سعيد بن العاص ، وهو جلف قاس ، فأظهر الغلظة ، وأخذهم بالعزم والشدة. ثم قدم معاوية بنفسه إلى المدينة.

ترجمة مروان بن الحكم

[وأبيه الحكم بن أبي العاص]

هو أبو الحكم ، مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.

قال الذهبي في (العبر في خبر من غبر) ج ١ ص ٧١ :

وكان مروان كاتب السرّ لابن عمه عثمان ، وبسببه جرى على عثمان ما جرى. وكان قصيرا ، كبير الرأس واللحية ، دقيق الرقبة ، أوقص ، أحمر الوجه. يلقّب : خيط باطل ، لدقّة عنقه. عاش ثلاثا وستين سنة.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٥ ص ١٢٥ طبعة أنيقة : وكان والده الحكم مغموصا عليه في إسلامه ، وكان إظهاره الإسلام في يوم فتح مكة ، فكان يمرّ خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخلج بأنفه ويغمز بعينيه ، فبقي على ذلك التخليج وأصابته خبلة.

وكان الحكم يفشي أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلعنه وسيّره إلى الطائف مع بنيه ، وقال : لا يساكنّي. فلم يزالوا طرداء حتّى ردّهم عثمان ، فكان ذلك مما نقم فيه عليه.

عن أبي هريرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت في النوم بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة «فأصبح كالمتغيّظ. فما رؤي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتّى مات (راجع مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٣).

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) : حدثنا روح بن عبد المؤمن المقري عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : استأذن الحكم بن أبي العاص على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ائذنوا له لعنة الله عليه ، وعلى من يخرج من صلبه ، إلا المؤمنين وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ، ويتّضعون في الآخرة».

٣٦٨

وكانت أم مروان صفية ، ويقال الصعبة بنت أبي طلحة ، وأمها مارية بنت موهب كندية ، وهي الزرقاء التي يعيّرون بها ، فيقال : بنو الزرقاء. وكان موهب قينا (أي عبدا).

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣٢ :

روى الحاكم في كتاب (الفتن والملاحم) من المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه قال : كان لا يولد لأحد ولد إلا أتي به إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيدعو له. فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : «هذا الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون».

ثم روى الحاكم عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : إن الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ائذنوا له لعنة الله عليه ذو مكر وخديعة. يعطون في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خلاق».

٤٠٤ ـ جملة من أعمال مروان المشينة :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٩)

ذكر الذهبي وابن عبد البر وغيرهما شيئا من مخازي مروان ، منها : أنه أول من شقّ عصا المسلمين بلا شبهة. وقتل النعمان بن بشير ، أول مولود من الأنصار في الإسلام. وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة. وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل (غيلة من خلفه).

٤٠٥ ـ الغدر صفة متأصلة في مروان :

(نهج البلاغة ، خطبة رقم ٧١)

ومما يثبت أن صفة الغدر متأصلة في مروان ، أنه لما أخذ أسيرا يوم الجمل ، استشفع الحسن والحسينعليهما‌السلام إلى الإمامعليه‌السلام في أن يطلق سراحه ، فخلّى سبيله. فقالا لأبيهما : أتحبّ أن يبايعك يا أمير المؤمنين؟. فقالعليه‌السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنها كفّ يهودية ، لو بايعني بكفّه

٣٦٩

لغدر بسبته (أي إسته). أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر [يقصد بالأكبش الأربعة أولاد عبد الملك بن مروان وهم : الوليد وسليمان ويزيد وهشام].

٤٠٦ ـ هلاك مروان بن الحكم :

روى الواقدي كما في (تاريخ الطبري) ج ٢ ص ٥٧٦ قال :

تزوج مروان أرملة يزيد وهي (فاختة). وكان زواجه منها أشبه بأخذ الميراث ، منه بأن يكون زواجا ومصاهرة. وقد آلم ذلك نفس خالد بن يزيد ، الّذي أصبح في حجره. وكان مروان لا يألو جهدا في إسقاط خالد من أعين الناس ، وأخيرا حرمه مما كان قد وعده به في (الجابية) من أن تكون له الخلافة بعده.

فما كان من فاختة إلا أن انتقمت لابنها خالد من غدر مروان ، فغطّته بالوسادة وهو في سريره ، حتّى قتلته.

وقال الذهبي في (دول الإسلام) :

فلم يلبث أن وثبت عليه زوجته لكونه شتمها ، فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم ، وقعدت هي وجواريها فوقها ، حتّى مات.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ص ١٥٩ طبع ليدن :

غدر مروان بخالد بن يزيد بن معاوية فيما وعده من ولاية العهد ، وأمه فاختة.ودخل عليه خالد على مرحلة من دمشق ، فقال له مروان : ما أدخلك عليّ في هذا الوقت يابن الرطبة؟!. فقال خالد : أمين مختبر ، أبعدها الله وأسحقها. وأتى أمه فأخبرها بما قال مروان. فقالت له : لن تسمع منه مثلها أبدا. ودخل مروان على أم خالد فتركته حتّى نام ، ثم عمدت إلى مرفقة محشوة ريشا فجعلتها على وجهه ، وجلست وجواريها عليها حتّى مات غمّا. ثم صرخت وجواريها وولولن وقلن :مات أمير المؤمنين بالفجأة.

وقال المسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٩٨ :

فمنهم من رأى أنها وضعت على نفسه وسادة وقعدت فوقها مع جواريها حتّى مات. ومنهم من رأى أنها أعدت له لبنا مسموما ، فلما دخل عليها ناولته إياه فشرب. فلما استقر في جوفه وقع يجود بنفسه وأمسك لسانه. فحضره عبد الملك وغيره من ولده ، فجعل مروان يشير إلى أم خالد ، يخبرهم أنها قتلته ، وأم خالد

٣٧٠

تقول : بأبي وأمي أنت ، حتّى عند النزع لم تشتغل عني ؛ إنه يوصيكم بي حتّى هلك.

٤٠٧ ـ معاوية ينقض عهوده ويحاول تولية يزيد :

(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي ، ص ٧٢)

ولكي يضمن معاوية الخلافة لابنه يزيد ، لم يتردد قط في نكث العهود مع الحسين ابن عليعليهما‌السلام .

وقد كان الصلح المعقود بين الحسنعليه‌السلام ومعاوية ينص على الاعتراف بحق الحسينعليه‌السلام في الخلافة ، ولكن معاوية نقض العهد ، وأخذ لابنه البيعة. فحنق الحسينعليه‌السلام ، وزاد في حنقه فساد يزيد ، فلم يعترف قط بطاغية الشام.

وفي (عمدة الطالب في أنساب أبي طالب) ص ١٨٠ ط نجف :

وكان معاوية قد نقض شرط الحسن بن عليعليه‌السلام بعد موته ، وبايع لابنه يزيد.وامتنع الحسينعليه‌السلام من بيعته. وأعمل معاوية الحيلة حتّى أوهم الناس أنه بايعه ، وبقي على ذلك حتّى مات معاوية.

٤٠٨ ـ قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة ليزيد :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٢٧)

روى ابن قتيبة في كتاب (الإمامة والسياسة) في قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة لابنه يزيد ، أنه لما نزل المدينة دعا الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى مجلس يضم خاصته. فلما استقرّ بهم المجلس ابتدأ معاوية فقال :

أما بعد ، فالحمد لله وليّ النعم ومنزل النقم ، وأشهد ألا إله إلا الله ، المتعالي عما يقول الملحدون علوا كبيرا ، وأن محمدا عبده المختص المبعوث إلى الجن والإنس كافة ، لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد. فأدّى عن الله وصدع بأمره ، وصبر على الأذى في جنبه ، حتّى وضح دين الله ، وأعزّ أولياءه ، وقمع المشركين ، وظهر أمر الله وهم كارهون. فمضى صلوات الله عليه ، وقد ترك من الدنيا ما بذل له ، واختار منها الترك لما سخّر له ، زهادة واختيارا لله ، وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى. فهذه صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك ، وبين ذلك خوض طالما عالجناه ، مشاهدة ومكافحة ، ومعاينة وسماعا ، وما أعلم

٣٧١

منه فوق ما تعلمان. وقد كان أمر (يزيد) ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم الله ما أحاول به من أمر الرعية ، من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين وأحمد الفعل. هذا معناي في (يزيد) ، وفيكما فضل القرابة ، وحظوة العلم ، وكمال المروءة ، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ، ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما ، ومع علمه بالسنة وقراءة القرآن ، والحلم الّذي يرجح بالصم الصلاب. وقد علمتما أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ومن دونهما من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم [يريد بذلك عمرو بن العاص] ، وفي رسول الله أسوة حسنة. فمهلا بني عبد المطلب ، فأنا وأنتم شعبا نفع وجد ، وما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلا بفضل قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ، ما يحمد به البصيرة في عتابكما. وأستغفر الله لي ولكما.

٤٠٩ ـ ردّ الإمام الحسينعليه‌السلام على كلام معاوية :

(المصدر السابق ، ص ١٢٨)

قال : فتيسّر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة ، فأشار إليه الحسينعليه‌السلام وقال : على رسلك ، فأنا المراد ، ونصيبي في التهمة أوفر. فأمسك ابن عباس.

فقام الحسينعليه‌السلام فحمد الله وصلّى على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال :

أما بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبّست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة ، والنكب عن استبلاغ البيعة. وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السّرج ، ولقد فضّلت حتّى أفرطت ، واستأثرت حتّى أجحفت ، ومنعت حتّى بخلت ، وجرت حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب ، حتّى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل. وفهمت ما ذكرته عن (يزيد) من اكتماله وسياسته لأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به ، من استفزازه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام السّبّق لأترابهن ، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي ، تجده ناصرا. ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله بوزر

٣٧٢

هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحتفا في ظلم ، حتّى ملأت الأسقية. وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثنا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسولعليه‌السلام ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول ، فأذعن للحجة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم كان ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية ، من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميره له وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص فضيلة بصحبة الرسول وببيعته له ، وما صار لعمرو يومئذ حتّى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدوا عليه فعاله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم». فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحوال وأولاها ، بالمجتمع عليه من الصواب؟. أم كيف ضاهيت بصاحب تابعا ، وحولك من يؤمن في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون؟. تريد أن تلبس الناس شبهة ، يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟.( أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) وأستغفر الله لي ولكم.

٤١٠ ـ جرأة أبي قتادة الأنصاري على معاوية :

(أخبار الدول وآثار الأول للقرماني ، ص ١٢٩)

قال ابن أبي الدنيا : حجّ معاوية سنة إحدى وخمسين ، فلما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري. فقال له معاوية : تلقّاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار!.قال : لم يكن لنا دواب. قال : فأين النواضح؟. قال : عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. فسكت.

يقول القرماني : ولم نذكر في هذا الكتاب ما شجر بين معاوية وبين عليعليه‌السلام لما يتطرق للنفوس الضعيفة وأهل الأهواء من البغض لمعاوية رضي الله عنه.ونسكت عن حرب الصحابة ، فالذي جرى بينهم كان اجتهادا مجردا.

٣٧٣

تعليق على القرماني :

رغم احترامي للشيخ القرماني الدمشقي ، وثقتي بدينه وتقواه وتعظيمه لأهل البيتعليهم‌السلام ، إلا أن كلامه المتقدم لا يمكن السكوت عليه ، من عدة وجوه :

١ ـ يقول : إن ما شجر بين الصحابة الأولين هو من قبيل أن الواحد منهم قد اجتهد فأخطأ. وأقول : إن الخطأ في الاجتهاد مقبول بالنسبة لأهل العلم والذين قضوا حياتهم في الدين والفقه ، فهؤلاء بعد تحصيلهم كل هذه العلوم إذا اجتهدوا وصدف أن أخطؤوا فيمكن التجاوز عنهم. لكن هذا لا ينطبق على مثل مروان بن الحكم ومعاوية والحجاج وغيرهم. فمعاوية رجل ليس عنده أي رصيد من الدين ، وكل أعماله كانت صادرة من مصلحته الشخصية ، وهذا هو الّذي دعاه إلى تولية يزيد ، وهو يعلم أنه أفجر الناس أجمعين. فليس معاوية من الذين يجوز لهم الاجتهاد في أمور الدين أصلا ، حتّى نقول إنه اجتهد فأخطأ أو أصاب.

٢ ـ إن الاجتهاد الّذي يحتمل فيه الإصابة والخطأ ، هو الاجتهاد في الأمور المبهمة المشتبه فيها ، وليس في الأشياء الواضحة الثابتة مثل خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام . فكيف يجوز لأحد أن يجتهد فيها ، ويقول إنها صحيحة أو غير صحيحة بعد أن اجتمع المسلمون عليها. وهذا انطلاقا من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«لا اجتهاد في موضع النص». فما عمله معاوية في عدم مبايعته للإمام عليعليه‌السلام وإراقته الدماء في سبيل ذلك ، هو ليس اجتهاد ، وإنما هو خروج كامل عن الدين والإسلام.

٣ ـ إن القرماني يقول : إن ما شجر بين الصحابة يلزم عدم ذكره بل ستره ، وإذا علمنا أن ما فعله معاوية وأمثاله من العمل على اقتتال المسلمين وإراقة دمائهم ، وبالتالي ضياع الإسلام تشتيت المسلمين ، هو يحصل في كل زمان ، ولا أحد يسكت عنه ، فكيف نسكت عن الأولين الذين هم كانوا أول من فتح باب الفتن والدماء على هذه الأمة ، وهم الذين سنّوا أساس الكفر والنفاق؟ إن هؤلاء أولى بالذكر والتعرية والإنكار ممن جاء بعدهم ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

٣٧٤

٤١١ ـ قصة عن مداهنة الناس لمعاوية لكسب الأموال :

(مرآة الجنان لليافعي ، ج ١ ص ١٤٦ ط ١)

روي أن معاوية لما نصّب ولده يزيد في ولاية العهد ، أقعده في قبة حمراء ، فجعل الناس يسلّمون على معاوية ، ثم يميلون إلى يزيد. حتّى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها.والأحنف بن قيس جالس. فقال له معاوية : ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟. فقال :أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت. فقال معاوية [للرجل] : جزاك الله خيرا عن الطاعة ، وأمر له بألوف. فلما خرج لقيه ذلك الرجل ، فقال : يا أبا بحر إني لأعلم كذا وكذا وذمّ يزيد ، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال ، فليس يطمع في استخراجها إلا بما سمعت. فقال الأحنف : إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.

٤١٢ ـ أيهما يخدع الآخر؟ :

يروى أنه لما ألزم معاوية الناس على البيعة ليزيد بولاية العهد ، بدأ الناس يتوافدون عليه جماعات لتهنئته وتقريظه. فخلا يزيد بأبيه يوما فقال له : يا أبت ، إني متعجب ما أدري أنحن نخدع الناس ، أم أن الناس يخدعوننا؟. فقال معاوية ليزيد قوله المشهور : يا بني ، من خادعته فتخادع لك ليخدعك ، فقد خدعته.

وهذا يبيّن أن كل أعمال معاوية هي خداع في خداع. ومن أوضح الأمثلة على هذا الخداع قصة أرينب بنت اسحق!.

قصة أرينب بنت اسحق

[التي تدل على كرم أخلاق مولانا الحسين]

[في مقابل دناءة أخلاق معاوية ويزيد]

تمهيد للقصة :

بعد أن ضرب معاوية على فخذه وهو يصلي في مسجد دمشق ، ونجا من الموت بأعجوبة ، جاءته الوفود إلى الشام تهنّئه بالصحة والسلامة. وكان من جملة من جاءه مسلّما واليه على العراق عبد الله بن سلّام ومعه زوجته (أرينب بنت اسحق) ذات

٣٧٥

الجمال الأخّاذ. وكان يزيد يجلس في إحدى شرفات قصر الخضراء حين رآها تدخل مع زوجها ، فهاج في صدره حبّ قديم وكان يعرفها من قبل ، فافتتن بها.

ثم إنه دخل على أبيه معاوية وقال له : لا بدّ لي من زواج (أرينب) مهما كلف الأمر. وبما أن يزيد هو الابن المدلل لأبيه ، والذي لا تردّ له حاجة ، عمل معاوية على تنفيذ رغبة ابنه ، ولو كان في ذلك المهانة والعار ، والدناءة وغضب الجبار.

٤١٣ ـ قصة أرينب بنت اسحق :

(الإتحاف بحب الإشراف للشبراوي ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٩)

يقول الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي :

فمن مكارم أخلاق الإمام الحسينعليه‌السلام ما حكاه ابن بدرون في (شرح قصيدة ابن عبدون) من قصة أرينب بنت اسحق زوجة عبد الله بن سلّام القرشي. وكان عبد الله هذا واليا لمعاوية على العراق ، وكانت أرينب هذه من أجمل نساء وقتها وأحسنهن أدبا وأكثرهن مالا. وكان يزيد بن معاوية قد سمع بجمالها وبما هي عليه من الأدب وحسن الخلق والخلق ، ففتن بها ، فلما عيل صبره استراح في ذلك مع أحد خصيان معاوية ، وكان ذلك الخصي خاصّا بمعاوية واسمه رفيف ، فذكر رفيف ذلك لمعاوية ، وذكر شغفه بأرينب ، وأنه ضاق ذرعه بأمرها.

فبعث معاوية إلى يزيد فاستخبره من أمره ، فبثّ له شأنه ، فقال معاوية : مهلا يا يزيد!. قال : علام تأمرني بالمهل ، وقد انقطع منها الأمل. قال له معاوية : فأين حجاك ومروءتك؟. فقال له يزيد : قد عيل الصبر والحجى ، ولو كان أحد ينتفع به في الهوى ، لكان أولى الناس بالصبر عليه داود حين ابتلي به.

قال له : اكتم أمرك يا بني ، فإن البوح به غير نافعك ، والله بالغ أمره فيك ، ولا بدّ مما هو كائن.

وكانت أرينب بنت اسحق مثلا في أهل زمانها ، لجمالها وتمام كمالها وشرفها وكثرة مالها. فأخذ معاوية في الحيلة حتّى يبلغ يزيد رضاه فيها.

فكتب معاوية إلى (عبد الله بن سلّام) وكان استعمله على العراق ، أن أقبل حين تنظر في كتابي لأمر فيه حظك إنشاء الله ، ولا تتأخر عنه ، وجدّ السير.

وكان عند معاوية يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء صاحبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .فلما قدم عليه عبد الله بن سلام الشام ، أمر معاوية أن ينزل منزلا قد هيأه له ، وأعدّ

٣٧٦

فيه منزله ، ثم قال لأبي هريرة وأبي الدرداء : إن الله قد قسم بين عباده نعما ، أوجب عليهم شكرها ، وحتم عليهم حفظها ، فحباني منهاعزوجل بأتم الشرف وأكرم الذكر ، وأوسع عليّ رزقه ، وجعلني راعي خلقه وأمينه في بلاده ، والحاكم في أمر عباده ، ليبلوني أأشكر أم أكفر. وأول ما ينبغي للعبد أن يفتقده وينظر فيه ، من استرعاه الله أمره ومن لا غنى له عنه. وقد بلغت لي ابنة [أي أدركت سن البلوغ] أريد إنكاحها ، وأنظر في اختيار من يباعلها ، لعل من يكون بعدي يقتدي فيه بهديي ، ويتّبع فيه أثري ، فإنه قد يبتزّ الملك بعدي ، من يغلب عليه ز هو الشيطان ، وتزيينه إلى تعطيل بناتهم ، فلا يردن لهن كفوا. وقد رضيت لابنتي عبد الله بن سلام القرشي ، لدينه وشرفه ومروءته وأدبه.

فقال أبو هريرة وأبو الدرداء : إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما خصّه به أنت ، لأنك صاحب رسول الله وكاتبه وصهره. قال معاوية :فاذكرا ذلك عني لعبد الله ، وقد جعلت لها في نفسها شوري ، غير أني لأرجو أن لا تخرج من رأيي إنشاء الله تعالى.

فخرجا من عنده متوجهين إلى منزل عبد الله بن سلام بالذي قاله لهما معاوية.

ثم إن معاوية دخل على ابنته فقال لها : إذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة ، وعرضا عليك أمر عبد الله بن سلّام وإنكاحي إياك منه ، وحضّاك إلى المسارعة إلى هواي ، فقولي لهما : عبد الله بن سلام كفؤ كريم وقريب حميم ، غير أن تحته أرينب بنت اسحق ، وأنا خائفة أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء ، فأتناول منه ما يسخط الله فيه فيعذبني عليه ، ولست بفاعلة حتّى يفارقها.

فلما ذكر ذلك أبو هريرة وأبو الدرداء لعبد الله بن سلام ، وأعلماه بالذي أمرهما معاوية ، وأنهما جاءاه خاطبين!. قال لهما : نعم ، أنتما تعلمان رضاي بذلك وحرصي على صهارة أمير المؤمنين. فرجعا إلى معاوية وذكرا له ذلك. فقال : أنا راض بذلك وطالب له ، لكني قد أعلمتكما أني جعلت لها في نفسها شوري ، فادخلا عليها واعرضا عليها ما أحببته لها. فدخلا عليها وعرضا عليها ذلك ، فقالت كالذي قال لها أبوها.

فأعلما عبد الله بن سلام بذلك ، فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا بقاء أرينب عنده ، أشهدها على طلاقها ثلاثا ، وأرسلهما يعلمان بذلك معاوية وابنته. فأظهر معاوية

٣٧٧

كراهية لما فعله عبد الله بن سلام ، وقال : ما أحببت طلاق زوجته ولا استحسنته ، ولكن انصرفا في عافية. ثم عودا إلينا فإننا نسعى في رضاها ، ويكون ذلك إنشاء الله.

وكتب إلى يزيد يعلمه بما كان من طلاق عبد الله لزوجته أرينب بنت اسحق.

ثم عاد أبو هريرة وأبو الدرداء إلى معاوية ، فأمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها رضاها ، تبرّيا من الأمر ، ونظرا في القدر. وقال : لم يكن لي أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى في نفسها. فدخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام لزوجته أرينب ليسرّاها ، وذكرا من فضل عبد الله وكمال مروءته وكريم فخره. فقالت : جفّ القلم بما هو كائن ، وإنه في قريش لرفيع القدر ، وقد تعلمان أن التزويج جدّه جدّ وهزله جدّ ، والأناة في الأمور آمن لما يخاف فيها من المحذور ، وأن الأمور إذا جاءت خلاف الهوى بعد التأني فيها ، كان المرء بحسن العزاء خليقا ، وبالصبر عليها حقيقا. وإني سائلة عنه حتّى أعرف دخلة خبره ، ويتضح لي بالذي أريد علمه من أمره ، وإن كنت أعلم أن لا اختيار لأحدهما فيما هو كائن ، ومعلمتكما بالذي يزينه الله في أمره ، ولا قوة إلا بالله. قال الشيخان : وفقك الله وخار لك.

وتحدث الناس بالذي كان من طلاق عبد الله بن سلام امرأته ، وخطبته ابنة معاوية. واستحث عبد الله بن سلام الشيخين ، فأتياها ، فقالا لها : اصنعي ما أنت صانعة واستخيري الله ، فإنه يهدي من استهداه. قالت : أرجو والحمد لله أن يكون الله قد خار ، فإنه لا يكل إلى غيره من توكل عليه. وقد سألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسي ، مع اختلاف من استشرتهم فيه ، فمنهم الناهي عنه والآمر به ، واختلافهم أقل ما كرهت.

فلما بلغّاه كلامها ، علم أنه مخدوع. وقال متعزيا : ليس لأمر الله رادّ ، ولا لما بدّ منه صادّ ، فإن المرء وإن كمل له علمه واجتمع له عقله ، ليس بدافع عن نفسه قدرا برأي ولا كيد. ولعل ما سرّوا به لا يدوم لهم سروره ، ولا يدفع عنهم محذوره.

وشاع أمره وفشا في الناس ، وقالوا : خدعه معاوية حتّى طلقّ امرأته ، وإنما أرادها لابنه يزيد ، بئس ما صنع.

ولما انقضت أقراؤها (وهي العدّة) وجّه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد. فخرج حتّى قدمها ، وبها يومئذ الحسين بن عليعليهما‌السلام . فقال

٣٧٨

أبو الدرداء حين قدم العراق : ما ينبغي لذي نهى أن يبدأ بشيء غير زيارة الحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة ، إذا دخل موضعا هو فيه ، فإذا أديت حقه ذهبت إلى ما جئت إليه.

مبادرة رائعة :

فلما رآه الحسينعليه‌السلام قام إليه وصافحه إجلالا لصحبته من جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولموضعه من الإسلام. وقال له : ما أتى بك يا أبا الدرداء؟. قال : وجّهني معاوية خاطبا لابنه يزيد (أرينب بنت اسحق) فرأيت عليّ حقا أن لا أبدأ بشيء قبل السلام عليك. فشكر له الحسينعليه‌السلام ذلك وأثنى عليه. ثم قال : لقد كنت أردت نكاحها وعزمت على الإرسال إليها ، إذا انقضت أقراؤها ، فلم يمنعني من ذلك إلا تخيّر فعلك ، فقد أتى الله بك ، فاخطب رحمك الله لي وله [أي يزيد] التحري من تختاره منا ، وهي أمانة في عنقك حتّى تؤديها إليها ، واعطها من المهر مثل ما بذل لها معاوية عن ابنه. فقال : أفعل إنشاء الله.

فلما دخل أبو الدرداء على أرينب ، قال : أيتها المرأة ، إن الله خلق الأمور بقدرته ، وكوّنها بعزته ، فجعل لكل أمر قدرا ، ولكل قدر سببا ، فليس لأحد عن قدر الله مستخلص ، ولا للخروج من عمله مناص ، فكان ما سبق لك وقدّر عليك ، الّذي كان من فراق عبد الله بن سلام إياك ، ولعل ذلك لا يضرّك ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. وقد خطبك أمير هذه الأمة وابن مليكها وولي عهده والخليفة من بعده : يزيد ابن معاوية ، والحسين ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن أول من أقرّ به من أمته وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة. وقد بلغك سناهما وفضلهما ، وجئتك خاطبا لهما ، فاختاري أيهما شئت.

فسكتت طويلا ، ثم قالت : يا أبا الدرداء ، لو كان هذا الأمر جاءني وأنت غائب ، لأشخصت فيه الرسل إليك ، واتبعت فيه رأيك ولم أقتطعه دونك. فأما إذ كنت المرسل فيه ، فقد فوّضت أمري بعد الله إليك ، وجعلته في يديك ، فاختر لي أرضاهما لديك ، والله شاهد عليك ، فاقض في قصدي بالتحري ، ولا يصدّنك عن ذلك اتباع هوى ، فليس أمرهما عليك خفيّا ، ولست فيما طوّقتك غبيّا.

قال أبو الدرداء : أيتها المرأة إنما عليّ إعلامك ، وعليك الاختيار لنفسك.فقالت : عفا الله عنك ، إنما أنا بنت أخيك ومن لا غنى به عنك ، فلا تمنعك رهبة

٣٧٩

أحد من قول الحق فيما طوّقتك. فقد وجبت عليك إذا الأمانة فيما حمّلتك. والله خير من روعي وخيف ، إنه بنا خبير لطيف.

فلما لم يجد بدّا من القول والإشارة ، قال : أي بنيّة ، ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ لك وأرضى عندي ، والله أعلم بخيرهما لك. وقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضعا شفتيه على شفتي حسين ، فضعي شفتيك حيث وضع رسول الله شفتيه.قالت : قد اخترته ورضيته فتزوجها الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام وساق لها مهرا عظيما.

وبلغ معاوية الّذي كان من فعل أبي الدرداء في ذلك ، ونكاح الحسينعليه‌السلام إياها ، فتعاظمه جدا ولامه شديدا. وقال : من يرسل ذا بله وعمى ، يركب خلاف ما يهوى. وكان عبد الله بن سلام قد استودع أرينب قبل فراقها بدرات مملوءة درّا ، وكان ذلك أعظم ماله لديه وأحبه إليه. وقد كان معاوية اطّرحه وقطع عنه جميع روافده لسوء قوله فيه وتهمته أنه خدعه. فلم يزل يجفوه حتّى عيل صبره ، وقلّ ما في يديه ، ولام نفسه على المقام لديه. فرجع إلى العراق ، وهو يذكر ماله الّذي استودعه إياها ، ولا يدري كيف يصنع فيه ، وأنّى يصل إليه ، وهو يتوقع جحودها لسوء فعله بها ، وطلاقه إياها من غير شيء أنكره عليها.

ردّ الحقّ إلى أهله :

فلما قدم العراق لقي الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه ، ثم قال له : قد عرفت ما كان من خبري وخبر أرينب. وكنت قبل فراقي إياها قد استودعتها مالا عظيما ، وكان الّذي كان ، ولم أقبضه ، ووالله ما أنكرت منها في طول صحبتها فتيلا ، ولا أظن بها إلا جميلا. فذاكرها أمري وحاضضها على ردّ مالي إليّ ، فإن الله يحسن إليك ذكرك ، ويجزل به أجرك. فسكت عنه.

ولما انصرف الحسينعليه‌السلام إلى أهله ، قال لها : قدم عبد الله بن سلام ، وهو يحسن الثناء عليك ويحمل النشر عنك ، في حسن صحبتك ، وما آنسه قديما من أمانتك ، فسرّني بذلك وأعجبني. وذكر أنه كان استودعك مالا ، فأدّي إليه أمانته ، وردّي عليه ماله ، فإنه لم يقل إلا صدقا ، ولم يطلب إلا حقا. قالت : صدق.استودعني مالا لا أدري ما هو ، وإنه لمطبوع عليه بخاتمه ، ما حوّل فيه شيء إلى يومه ، وها هو فادفعه إليه بطابعه. فأثنى عليها الحسينعليه‌السلام خيرا. وقال : أدخله عليك حتّى تبرئي إليه منه ، كما دفعه إليك.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

وقال الشعبي : لما دخلت نساء الحسينعليه‌السلام على نساء يزيد ، قلن :وا حسيناه. فسمعهن يزيد فقال :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٤ :

وأمر أن يدخلوا أهل بيت الحسينعليه‌السلام داره. فلما دخلت النسوة دار يزيد لم تبق امرأة من آل معاوية ، إلا استقبلتهن بالبكاء والصراخ ، والنياحة والصياح ، على الحسينعليه‌السلام ، وألقين ما عليهن من الحلي والحلل. وأقمن المأتم عليه ثلاثة أيام.

٦٠١ ـ أسباب إطلاق سراح السبايا من السجن :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٢٢)

يقول الفاضل الدربندي : الأسباب التي دعت يزيد إلى إطلاق آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السجن والحبس كثيرة ، فقد رأى ذلك المارق من الرأس الشريف ومن آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المعجزات الباهرات ، وخوارق العادات الساطعات ، ما لا يعدّ ولا يحصى.

منها : ما رآه في منامه من رؤيا هائلة في الليلة التي رأت فيها زوجته هند الرؤيا التي سنذكرها ، ويكشف عن ذلك قول هند : " فجعلت أطلب يزيد ، فإذا هو قد دخل إلى بيت مظلم ، وقد دار وجهه إلى الحائط ، وهو يقول : ما لي ولقتل الحسين الخ".

ومنها : ما رأته زوجته هند في منامها وقصّته له ، وسوف نذكرها صفحة ٦٧٣.

ومنها : ما رأته جارية في منامها ، وفيه أن جمعا من الملائكة كانوا يريدون حرق دار يزيد ومن فيها.

ومنها : ما رأته سكينةعليه‌السلام في منامها وقصّته عليه ، وقد مرّ ذكرها.

فهذه الأشياء قد أوقعت الرعب في قلب ذلك الكافر ، من جهة زوال ملكه وانصرام أجله. إلا أن السبب الأقوى هو ما نشأ في قلبه من الخوف والرعب بسبب وقوع المحادثات بين الناس في شأنه ، ونفور أهل الشام عنه ، وقرب ثوران الفتنة ، واحتمال هجوم الناس عليه.

٥٠١

ملاحظة :

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٢٥ :

في يوم إطلاق السبايا من الحبس ، استدعى زين العابدينعليه‌السلام من الحبس ، وكان يزيد يريد من زين العابدينعليه‌السلام أن يتفوه بكلمة حتى يقتله ، فمنعه الله.

٦٠٢ ـ خبر السّبحة :(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ٢٠٠)

قال العلامة المجلسي : روي أنه لما حمل علي بن الحسينعليه‌السلام إلى يزيد ، همّ بضرب عنقه. فأوقفه بين يديه ، وهو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله ، وعلي بن الحسينعليه‌السلام يجيبه حيثما (حسبما) يكلمه ، وفي يدهعليه‌السلام سبحة صغيرة يديرها بأصابعه وهو يتكلم. فقال له يزيد : أنا أكلمك وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يدك!. فكيف يجوز ذلك؟.

فقالعليه‌السلام : حدّثني أبي عن جدي ، أنه كان إذا صلى الغداة [أي صلاة الصبح] وانفتل ، لا يتكلم حتى يأخذ سبحة بين يديه ، فيقول : الله م إني أصبحت أسبّحك وأحمدك وأهلّلك وأكبّرك وأمجّدك ، بعدد ما أدير به سبحتي. ويأخذ السبحة في يده ويديرها ، وهو يتكلم بما يريد من أن يتكلم بالتسبيح. وذكر أن ذلك محتسب له ، وهو حرز له إلى أن يأوي إلى فراشه. فإذا أوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول ، ووضع السّبحة تحت رأسه ، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت. ففعلت هذا اقتداء بجدّي.

فقال يزيد : مرة بعد أخرى ، لست أكلّم أحدا منكم إلا ويجيبني بما يفوز به.وعفا عنه (ووصله ، وأمر بإطلاقه).

٦٠٣ ـ سبحة من تراب الحسينعليه‌السلام :(مجلة الموسم ، العدد ١٣ ص ٤٠)

أول ما ظهرت فكرة السّبحة التي حبّاتها من تراب ، حين استشهد حمزة عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة أحد.

يؤيد ذلك ما ورد في (مزار البحار) للمجلسي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : إن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت سبحتها من خيط صوف مفتول ، معقود عليه عدد التكبيرات ، وكانت تديرها بيدها تكبّر وتسبّح ، حتى قتل حمزة بن عبد المطلبعليه‌السلام فاستعملت تربته ، وعملت منها التسابيح ، فاستعملها الناس. فلما قتل الحسينعليه‌السلام عدل الأمر إليه ، فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية. ا ه.

٥٠٢

وأول من فعل ذلك الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، فبعد أن فرغ من دفن أبيه الحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأنصاره ، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف ، (فشدّ تلك التربة في صرّة) ، وعمل منها سجدة ومسبحة ، وهي السّبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد ، فسأله : ما هذه التي تديرها بيدك؟. فروى له خبرا عن جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤداه أن من يحمل السبحة صباحا ويقرأ الدعاء المخصوص ، لا يزال يكتب له ثواب التسبيح وإن لم يسبّح بها

وأول من صلّى على هذه التربة الإمام زين العابدينعليه‌السلام ثم ابنه الباقر ، ثم ابنه الصادقعليه‌السلام الّذي حثّ شيعته على الاقتداء به والسجود على تربة الحسينعليه‌السلام حتى صارت شعارا من شعارات الشيعة ، يتقربون بها إلى الله. ومما يؤثر عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «إن السجود على تربة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يخرق الحجب السبع». ولعل المراد بالحجب السبع الصفات الذميمة التي تحجب النفس عن أنوار الحق ، وكلها بحرف الحاء ، وهي [الحقد ، الحسد ، الحرص ، الحدّة ، الحماقة ، الحيلة ، الحقارة] ، وبالسجود على التربة الحسينية تزول هذه الحجب السبع ، وتحل محلها الحاءات السبع من الفضائل ، وهي [الحكمة ، الحزم ، الحلم ، الحنان ، الحصانة ، الحياء ، الحب].

اليوم التاسع من صفر

إكرام يزيد للإمام زين العابدينعليه‌السلام

٦٠٤ ـ إنزال يزيد لزين العابدينعليه‌السلام في داره الخاصة :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٢٤)

ورد في (المناقب) : ثم إن يزيد أنزلهم في داره الخاصة ، فما كان يتغدّى ولا يتعشّى حتى يحضر معه علي بن الحسينعليه‌السلام .

٦٠٥ ـ لماذا سمّى الحسينعليه‌السلام عدة من أولاده باسم علي؟ :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٧٥ ط ٣)

في كتاب (النسب) عن يحيى بن الحسن ، قال يزيد لعلي بن الحسينعليه‌السلام :وا عجبا لأبيك سمّى عليا وعليا.! فقالعليه‌السلام : إن أبي أحبّ أباه فسمّى باسمه مرارا.

٥٠٣

٦٠٦ ـ مبارزة بين عمرو بن الحسنعليه‌السلام وخالد بن يزيد :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٤٣ ط ٣)

قال : ودعا يزيد يوما بعلي بن الحسينعليه‌السلام ومعه عمرو بن الحسنعليه‌السلام وكان صغيرا ، يقال إن عمره إحدى عشرة سنة. فقال له يزيد : أتصارع هذا ، يعني ابنه خالد؟. فقال له عمرو : لا.

وفي (تاريخ الطبري) " قال : وما تصنع بمصارعتي إياه؟ ". ولكن أعطني سكينا وأعطه سكينا ، ثم أقاتله!.

قال يزيد : شنشنة أعرفها من أخزم(١) . وهل تلد الحية إلا حية!.

وفي رواية :

شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الأرقم غير الأرقم

إن العصا من العصيّة(٢)

هل تلد الحيّة إلا حيّة

تذييل :

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥١٢ :

يستفاد من إحدى الروايات أن إطلاق يزيد الحرم والسبايا من السجن والحبس الّذي كان في مسجد خراب ، كان في اليوم الّذي أمر يزيد عمرو بن الحسنعليه‌السلام بأن يصارع ابنه خالدا.

(أقول) : وهذا خالد بن يزيد هو الكيميائي المشهور ، وقد اعتزل السياسة.

__________________

(١) شنشنة أعرفها من أخزم : بيت من الرجز يضرب مثلا للرجل يشبه أباه. والشّنشنة : الطبيعة والخليقة والسجيّة. ويعني أن هؤلاء أشبهوا أباهم في العقوق. وأصل البيت قاله أبو أخزم الطائي ، وهو :

إن بنيّ زمّلوني بالدم

شنشنة أعرفها من أخزم

من يلق آساد الرجال يكلم

(٢) إن العصا من العصيّة ، مثل. والعصا : اسم فرس ، والعصية : اسم أمه. يراد به أن الفرس يشبه أباه وأمه في العرق والصفات. (المختار من مجمع الأمثال للميداني ، تقديم إسماعيل اليوسف ، إصدار دار كرم بدمشق ، ص ١١).

٥٠٤

رؤيا عجيبة

٦٠٧ ـ كرامة لرأس الحسينعليه‌السلام في بيت يزيد :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥١٢)

ذكر القطب الراوندي في (الخرايج والجرايح) بعد ذكر رأس اليهود

(الجالوت) كرامة لرأس الحسينعليه‌السلام . قال الراوي :

وأمر يزيد فأدخل الرأس القبة التي بإزاء القبة التي يشرب فيها [الفقّاع].

قال الرجل المشؤوم لسليمان الأعمش :

ووكلنا بالرأس ، وكل ذلك كان في قلبي ، فلم يحملني النوم في تلك القبّة. فلما دخل الليل وكّلنا أيضا بالرأس.

ـ نزول الملائكة والرسل لتعزية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٨٧ ط ٣)

فلما مضى وهن من الليل [أي نحو نصفه] سمعت دويا من السماء ، فإذا مناد ينادي : يا آدم اهبط ، فهبط أبو البشر ، ومعه خلق كثير من الملائكة. ثم سمعت مناديا ينادي : يا إبراهيم اهبط ، فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة.

ثم سمعت مناديا ينادي : يا موسى اهبط ، فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة. ثم سمعت مناديا ينادي : يا عيسى اهبط ، فهبط ومعه كثير من الملائكة. ثم سمعت دويّا عظيما ومناديا ينادي : يا محمّد اهبط ، فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة. فأحدق الملائكة بالقبة.

ثم إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل القبة وأخذ الرأس منها. (وفي رواية) : إن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قعد تحت الرأس (وهو على رمح) فانحنى الرمح ، ووقع الرأس في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأخذه وجاء به إلى آدم فقال : يا أبي يا آدم! ما ترى

ما فعلت أمتي بولدي من بعدي؟. فاقشعر لذلك جلدي.

ثم قام جبرئيلعليه‌السلام فقال : يا محمّد أنا صاحب الزلزال ، فأمرني لأزلزل بهم الأرض ، وأصيح بهم صيحة واحدة يهلكون فيها. قال : لا. فقال : يا محمّد دعني وهؤلاء الأربعين الموكلين بالرأس. قال : فدونك. فجعل ينفخ بواحد واحد ، فدنا

٥٠٥

مني ، فقال : تسمع وترى؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوه دعوه ، لا يغفر الله له ، فتركني.

٦٠٨ ـ قصة الثقفي :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥١٣)

هذه القصة رواها الشعبي عن الثقفي بنحو مفصّل ، وذلك حيث قال :

قال محمّد بن البجلي : حججت بيت الله الحرام ، فبينما أطوف فإذا برجل (وهو ثقفي) يقول : الله م إني أعوذ بك من القوم الظالمين ، لا يزيد على هذا. فتقدمت إليه وسألته عن سبب ذلك؟. فأخذ بيدي إلى شعب من شعاب مكة ويدي في يده.فجلس وجلست. فقال لي : هذا شعب من؟. قلت : شعب علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فقال : لا أقدر أن أقعد في شعب رجل كان مني عليه ما يسوؤه.فقلت : وما ذاك؟. فانحرف ناحية ، وقال : اعلم أني كنت من الأربعين رجلا الموكلين في الشام بحفظ رأس الحسينعليه‌السلام . وكنا إذا جاء الليل نجعله في صندوق ونقفله وننام عنده في بعض البيوت. فلما كانت ليلة من الليالي وقد نام أصحابي وأنا غير نائم ، وإذا بالسقف قد انشقّ ، وإذا قد نزل آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ، ثم نزل وفد من الملائكة والنبيين والمرسلين والصدّيقين والشهداء والصالحين ، فجلسوا أمام الصندوق. ونزل رجل أكثرهم نورا وأحسنهم وجها ، فنصب له كرسي من النور ، وقيل له : اجلس يا محمّد ، يا خاتم النبيين وسيد المرسلين. ونزل من بعده علي بن أبي طالب ، ونزل من بعده أربعة من الرجال ، ومناد يقول : اجلس يا حمزة ويا جعفر ، وانزل يا عقيل ويا عباس. فجلسوا إلى جانب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح الصندوق وأخرج منه رأس الحسينعليه‌السلام فظهر منه نور سدّ المشرق والمغرب ، فبكى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكت الأنبياء والملائكة عند رؤيته. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبي يا آدم ويا أبي نوح ويا أبي إبراهيم ، ويا أخي موسى ويا أخي عيسى ، ويا معاشر الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين والشهداء والصالحين ، انظروا ما فعلت أمتي بولدي الحسينعليه‌السلام .فقالوا : لعن الله أمّة فعلت هذا بولدك الحسينعليه‌السلام .

قال الثقفي : ثم إني سمعت مناديا ينادي : يا أيها الأنبياء والمرسلون والصالحون ، غضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم لتجوز أم البشر ، فإذا بها امرأة أشبه الناس بآدمعليه‌السلام . ثم نزلت مريم ثم آسية بنت مزاحم ، ثم سارة وصفراء ابنة

٥٠٦

شعيب. وإذا بنسوة كالبدور الطالعة ، وإذا بالنداء يأتي : أيها الأنبياء والحاضرون ، نكّسوا رؤوسكم لتجوز أم الغريب فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال الشعبي :

قال الثقفي : ومعها وفد من الملائكة ، فلحقت بالنسوة إلى جانب الصندوق.وجاءت خديجة ، ثم نادت فاطمة : يا أبه يا رسول الله ، ادفع لي رأس ولدي الحسينعليه‌السلام لأقبله ، فدفع إليها الرأس. فجعلت تقبّله وتبكي ، حتى بكى لبكائها أهل السماء. ثم قالت: يا أماه يا حواء ، ويا أختي مريم ويا صفراء ويا آسية ويا أمي خديجة ، ويا معاشر الأنبياء والرسل ، انظروا إلى ما فعلت أمة أبي بولدي ، بعدما فعلوا بأبيه علي وبأخيه الحسن من قبله. فقالوا : يا بنت رسول الله ، الحاكم بينك وبينهم الله رب العالمين وهو خير الحاكمين. فقالت : الحمد لله على ما ابتلي به أهل هذا البيت. ثم قامت والنسوة معها ، وتقدم آدم ومعه الأنبياء والشهداء والصالحون ، فعزّوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمصاب الحسينعليه‌السلام . ثم إنه ردّ الرأس إلى الصندوق.

ثم هبط خمسة من الملائكة ، فتقدم الأول وقال : السلام عليك يا محمّد ، إن الله أمرنا بطاعتك ، أنا ملك الريح ، مرني أسلط الريح عليهم فأقلّبهم ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

لا. فتقدم الثاني فقال : أنا ملك السموات ، مرني أطبق السماء عليهم ، قال : لا.فتقدم الثالث وقال : أنا ملك البحر ، مرني لأغرقهم فيه ، قال : لا. فتقدم الرابع وقال : أنا ملك الشمس ، مرني لأحرقهم ، قال : لا. فتقدم الخامس وقال : أنا ملك الأرض ، مرني أقلب بهم الأرض. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، دعوهم حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين.

ثم قالوا : يا محمّد ، إن الله قد أمرنا بقتل الموكلين بالرأس. فقال :

لا تبقوا منهم إلا رجلا واحدا يحدّث بما باشر ونظر. فقلت : أنا ذلك الرجل يا رسول الله. فأبقيت أنا ، وهلك القوم عن آخرهم. فهذه جملة ما أحدّث به.

فقال الراوي محمّد بن البجلي : قم عني ، فأنت من أهل النار!.

وقد روى الشبلنجي وغيره قصة مشابهة للسابقة ، ولكن ذكر أنها حدثت في بيت يزيد ، وهي التي سمّيناها قصة (أسلم).

٥٠٧

٦٠٩ ـ قصة أسلم :

روى هذه القصة عدة من علماء العامة ؛ منهم الخوارزمي في مقتله ، ج ٢ ص ٨٧ و ٨٨ ؛ ومنهم الشبلنجي في كتابه (نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار) ص ١٣٥ ، نقلا عن (شرح الشفاء) للعلامة التلمساني ، الفصل ٢٤ ، فيما أطلع الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الغيوب ، من ترجمة الحسينعليه‌السلام ؛ ومنهم الإسفرايني في (نور العين في مشهد الحسين) ص ١٠٥.

والقصة كرامة كبيرة للإمام الحسين وأهل البيتعليه‌السلام ، وهي :

روى سليمان [ابن مهران] الأعمش ، قال :

خرجنا ذات سنة حجاجا لبيت الله الحرام ، وزيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فبينا أنا أطوف البيت ، إذا رجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : (اللهمّ اغفر لي ، وما أظنّك تفعل!). فلما فرغت من طوافي ، قلت : سبحان الله العظيم ،

ما كان ذنب هذا الرجل؟. فتنحّيت عنه ، ثم مررت به مرة ثانية ، وهو يقول :

(اللهمّ اغفر لي ، وما أظنّك تفعل!). فلما فرغت من طوافي قصدت نحوه فقلت : يا هذا ، إنك في موقف عظيم يغفر الله فيه الذنوب العظام ، ولو كانت مثل قطر الأمطار وورق الأشجار فلو سألت منهعزوجل المغفرة والرحمة لرجوت أن يفعل ، فإنه منعم كريم. فقال : يا عبد الله من أنت؟. فقلت : أنا سليمان الأعمش. فقال : يا سليمان إياك طلبت ، وقد كنت أتمنى مثلك. فأخذ بيدي وأخرجني من داخل الكعبة إلى خارجها.

فقال لي : يا سليمان ، ذنبي عظيم. فقلت : يا هذا أذنبك أعظم أم الجبل أم السموات أم الأرضون أم العرش؟!.

فقال لي : يا سليمان ، ذنبي أعظم. مهلا عليّ حتى أخبرك بعجب رأيته. فقلت له : تكلم رحمك الله. فقال لي : يا سليمان ، أنا من السبعين رجلا الذين أتوا برأس الحسين بن عليعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية ، فأمر بالرأس فنصب خارج المدينة ، وأمر بإنزاله ووضع في طست من ذهب ، ووضع ببيت منامه.

هند زوجة يزيد ترى النور ينبعث من الرأس الشريف :

قال : فلما كان في جوف الليل ، انتبهت امرأة يزيد [وهي هند بنت عمرو بن سهيل] فإذا شعاع ساطع إلى السماء ، ففزعت فزعا شديدا. وانتبه يزيد من منامه ،

٥٠٨

فقالت له : يا هذا قم ، فإني أرى عجبا. (قال) فنظر يزيد إلى ذلك الضياء ، فقال لها : اسكتي ، فإني أرى كما ترين. [لكن هذه المرأة الحرة أنكرت على يزيد عمله لما أبصرت الرأس والأنوار النبوية تتصاعد منه إلى عنان السماء ، وشاهدت الدم يتقاطر طريا ويشمّ منه رائحة طيبة. فما كان منها إلا أن أعولت وهددته بالفراق ، إذا لم يخرج الرأس الشريف من القصر].

(قال) فلما أصبح من الغد ، أمر بالرأس فأخرج إلى فسطاط هو من الديباج الأخضر ، وأمر بالسبعين رجلا فخرجنا إليه نحرسه ، وأمر لنا بالطعام والشراب ، حتى غربت الشمس ومضى من الليل ما شاء الله ، ورقدنا.

نزول الأنبياء من السماء :

فاستيقظت ، ونظرت نحو السماء ، وإذا بسحابة عظيمة ولها دويّ كدويّ الجبال وخفقان أجنحة. فأقبلت حتى لصقت بالأرض ، ونزل منها رجل وعليه حلّتان من حلل الجنة ، وبيده درانك [أي بسط] وكراسي. فبسط الدرانك وألقى عليها الكراسي ، وقام على قدميه ، ونادى : انزل يا أبا البشر ، انزل يا آدم صلّى الله عليك وسلّم. فنزل رجل أجمل ما يكون من الشيوخ شيئا ، فأقبل حتى وقف على الرأس ، وقال : السلام عليك يا ولي الله. السلام عليك يا بقية الصالحين. عشت سعيدا وقتلت طريدا. ولم تزل عطشانا حتى ألحقك الله بنا. رحمك الله ، ولا غفر لقاتلك. الويل لقاتلك غدا من النار. ثم زال وقعد على كرسي من تلك الكراسي.

(قال) يا سليمان ، ثم لم ألبث إلا يسيرا ، وإذا بسحابة أخرى أقبلت حتى لصقت بالأرض ، فسمعت مناديا يقول : انزل يا نبي الله ، انزل يا نوح ، وإذا برجل أتمّ الرجال خلقا ، وإذا بوجهه صفرة ، وعليه حلّتان من حلل الجنة. فأقبل حتى وقف على الرأس ، فقال : السلام عليك يا عبد الله. السلام عليك يا بقية الصالحين.قتلت طريدا وعشت سعيدا. ولم تزل عطشانا حتى ألحقك الله بنا. غفر الله لك ، ولا غفر لقاتلك. الويل لقاتلك غدا من النار. ثم زال فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

(قال) يا سليمان ، ثم لم ألبث إلا يسيرا ، وإذا بسحابة أعظم منها ، فأقبلت حتى لصقت بالأرض. فقام الأذان ، وسمعت مناديا ينادي : انزل يا خليل الله ، انزل يا إبراهيم صلى الله عليك وسلم. وإذا برجل ليس بالطويل العالي ولا بالقصير

٥٠٩

المتداني ، أبيض الوجه ، أملح الرجال شيبا. فأقبل حتى وقف على الرأس ، فقال :السلام عليك يا عبد الله. السلام عليك يا بقية الصالحين. قتلت طريدا وعشت سعيدا. ولم تزل عطشانا حتى ألحقك الله بنا. غفر الله لك ، ولا غفر لقاتلك.الويل لقاتلك غدا من النار. ثم تنحّى فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

ثم لم ألبث إلا يسيرا ، فإذا بسحابة عظيمة ، فيها دويّ كدويّ الرعد وخفقان أجنحة ، فنزلت حتى لصقت بالأرض. وقام الأذان ، فسمعت قائلا يقول : انزل يا نبي الله ، انزل يا موسى بن عمران. فإذا رجل أشدّ الناس في خلقه ، وأتمّهم في هيبته ، وعليه حلّتان من حلل الجنة. فأقبل حتى وقف على الرأس ، فقال مثلما تقدم. ثم تنحّى فجلس على كرسي من تلك الكراسي.

ثم لم ألبث إلا يسيرا ، وإذا بسحابة أخرى ، وإذا فيها دويّ عظيم وخفقان أجنحة ، فنزلت حتى لصقت بالأرض. وقام الأذان ، فسمعت قائلا يقول : انزل يا عيسى ، انزل يا روح الله. فإذا أنا برجل محمّر الوجه وفيه صفرة ، وعليه حلّتان من حلل الجنة. فأقبل حتى وقف على الرأس ، فقال مثل مقالة آدم ومن بعده. ثم تنحّى فجلس على كرسي من تلك الكراسي.

ثم لم ألبث إلا يسيرا ، وإذا بسحابة عظيمة ، فيها دويّ كدويّ الرعد والرياح وخفقان أجنحة ، فنزلت حتى لصقت بالأرض. فقام الأذان ، وسمعت مناديا ينادي :انزل يا محمّد ، انزل يا أحمد صلى الله عليك وآلك وسلّم. وإذا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليه حلّتان من حلل الجنة ، وعن يمينه صفّ من الملائكة والحسن [وعلي] وفاطمةعليه‌السلام . فأقبل حتى دنا من الرأس ، فضمّه إلى صدره وبكى بكاء شديدا ، ثم دفعه إلى أمه فاطمةعليه‌السلام فضمته إلى صدرها وبكت بكاء شديدا ، حتى علا بكاؤها ، وبكى لها من سمعها في ذلكالمكان.

فأقبل آدمعليه‌السلام حتى دنا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : السلام على الولد الطيّب ، السلام على الخلق الطيّب ، أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك في ابنك الحسين. ثم قام نوحعليه‌السلام فقال مثل قول آدم. ثم قام إبراهيمعليه‌السلام فقال كقولهما.

ثم قام موسى وعيسىعليه‌السلام فقالا كقولهم كلهم ، يعزّونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ابنه الحسينعليه‌السلام .

ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبي آدم ، ويا أبي نوح ، ويا أبي إبراهيم ، ويا أخي

٥١٠

موسى ، ويا أخي عيسى ، اشهدوا ـ وكفى بالله شهيدا ـ على أمتي بما كافؤوني في ابني وولدي من بعدي.

فدنا منه ملك من الملائكة ، فقال : قطّعت قلوبنا يا أبا القاسم. أنا الملك الموكل بسماء الدنيا ، أمرني الله تعالى بالطاعة لك ، فلو أذنت لي أنزلها على أمتك فلا يبقى منهم أحد.

ثم قام ملك آخر ، فقال : قطّعت قلوبنا يا أبا القاسم ، أنا الملك الموكّل بالبحار ، وأمرني الله بالطاعة لك ، فإن أذنت لي أرسلتها عليهم فلا يبقى منهم أحد.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربي ، كفّوا عن أمتي ، فإن لي ولهم موعدا لن أخلفه.

فقام إليه آدمعليه‌السلام فقال : جزاك الله خيرا من نبيّ أحسن ما جوزي به نبيّ عن أمته.

فقال له الحسنعليه‌السلام : يا جداه ، هؤلاء الرقود هم الذين يحرسون أخي ، وهم الذين أتوا برأسه. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربي ، اقتلوهم بقتلة ابني. فو الله ما لبثت إلا يسيرا حتى رأيت أصحابي قد ذبحوا أجمعين.

(قال) فلصق بي ملك ليذبحني ، فناديته : يا أبا القاسم أجرني وارحمني يرحمك الله. الأمان الأمان يا رسول الله. فقال : كفّوا عنه. ودنا مني وقال : أنت من السبعين رجلا؟. فقلت : نعم. فألقى يده في منكبي وسحبني على وجهي ، وقال :اذهب لا رحمك الله ، ولا غفر لك. أحرق الله عظامك بالنار. فلذلك أيست من رحمة الله. فلما أصبحت رأيت أصحابي جاثمين رمادا.

فقال الأعمش : إليك عني ، فإني أخاف أن أعاقب من أجلك.

(وفي رواية أخرى) أن هذا الشخص الّذي حمل رأس الحسينعليه‌السلام واسمه [أسلم] نام فرأى في منامه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستقبل الحسينعليه‌السلام في الجنة ، ويرى نار جهنم قد أضرمت لعقابه ، هو وأصحابه السبعون ، ثم فاق مذعورا ، ومن بعد ذلك لم تر عينه النوم.

وقد نظم الشاعر هذا المعنى ، فقال :

طاف بالروضة الشريفة [أسلم]

خائر العزم كالبناء المهدّم

يمسح الستر باليدين ويبكي

كالغلام اليتيم بل هو أيتم

٥١١

صائحا والدموع بلّت لحاه :

(يا رحيما وما أظنّك ترحم)

ورآه فتى فأشفق منه

إذ رآه هناك يدعو فيأثم

قال يا شيخ ، أفي المقام وتدعو

دعوة اليأس إن ربك أرحم

أقتلت النفوس من غير ذنب

قال : يا ليت ، إن ذنبي أعظم

قال يا شيخ ، هل ظلمت يتيما

قال : بل إنني لأطغى وأظلم

قال هل كنت قد فتكت بعرض

وتلذّذت بالشراب المحرّم

قال يا ليت إنني جئت أمرا

روّع البيت والحطيم وزمزم

قال يا شيخ ، هل كفرت بربّ

إنما الكفر في الذنوب المقدّم

قال إني فعلت أكبر منه

ذنب إبليس من ذنوبي أرحم

قال يا شيخ ، رحمة الله عمّت

كلّ من غاص في الذنوب وأجرم

إن في زورة النبي غياثا

وتراب النبي برء وبلسم

قم فحدّث بما فعلت لعلي

بالذي قد فعلت أدرى وأعلم

ربما كان ما فعلت يسيرا

ربما كنت جاهلا تتوهّم

* * *

قال إني شهدت قتل حسين

حينما حلّ في العراق وخيّم

فأخذنا الطريق طولا وعرضا

وتركناه ظامئا يتألّم

وسيوف اللعين تنهل منه

وهو بالسيف ضاربا يتقدّم

لم أجد في الوجود أشجع قلبا

من حسين ولا أعزّ وأعظم

مات أنصاره وبعض بنيه

وهو كالطود شامخا ليس يهزم

ضربات اللعين تأخذ منه

أخذات وبعدها تتحطّم

والشهيد العظيم ينظر للمو

ت ويتلو من الكتاب المعظّم

عينه للسماء تنظر للغي

ب وما زال ثغره يتبسّم

ميتة للشهيد فيها حياة

وسكون لفتنة تتكلّم

والسموات بالرعود تدوّي

وهي في حلكة الغراب وأسحم

باكيات بدمعها صارخات

وهي غضبى على الورى تتجهّم

والأسارى وزينب في الأسارى

مشهد قطّع القلوب ودمدم

وأنا قد حملت رأس حسين

ليزيد ، غنمت أشأم مغنم

ويزيد الأثيم ناكث عهد

بين قوم يتيه زهوا وينعم

٥١٢

يتشفّى للمشركين ببدر

من ذويه وهم وقود جهنم

نسي الدين والشريعة والعه

د وأمسى بعصبة الشرك يحكم

ثم مال الكرى بعيني فنامت

وضميري بهم كسهم مسمّم

وإذا بي أرى الحسين صحيحا

وعليه النبي صلّى وسلّم

قد شهدت الحسين جسما ورأسا

فكأن لم يكن يحزّ ويقصم

وأرى مجلس النبوة ضمّت

دفّتاه على الشهيد المكرّم

من بني هاشم وآل عليّ

والإمام الّذي له الله كرّم

ويقول النبيّ : قرّة عيني

يا حسين أأنت ترمى وتظلم

والإمام الشهيد يخطر فرحا

ن كبدر على جواد مطهّم

تتمنى الجنان لثم ثنايا

مشرقات به ووجه ملثّم

أزلفت جنّة وصفّفن حور

من حواليه كالجمان المنظّم

وإذا النار سعّرت وإذا بي

في رفاقي على شفير جهنم

في كلاليب من لظى وسعير

نترامى على الجحيم ونرجم

ويزيد أمامنا ، والبلايا

طوّقت شمر مع سنان الغشمشم

كلّ ملك بناه بعد حسين

علم الله لا يباع بدرهم

وأشار النبي نحوي فأحسس

ت بنار مهجتي تتضرّم

من منامي أفقت مسلوب رشد

شارد اللبّ ذا ضمير محطّم

لا أذوق المنام إلا لماما

وإذا نمت ذلّتي تتجسّم

الفضاء الرحيب قد ضاق عني

وأنا في إطار سور محكّم

أعجيبا أن قد سمعت مقالي :

(يا رحيما وما أظنّك ترحم)

صرخ السامع الرحيم صراخا

كالذي قد أحسّ لدغة أرقم

ويلك اخرج من الحجاز لئلا

تحرق البيت والحطيم وزمزم

خرج المذنب الغشوم من المي

دان يسعيكسعي أعميو أبكم

هائما كالبهيم في رقعة الأر

ض وأشقى من البهيم وأبهم

صائحا والدموع بلّت لحاه

(يا رحيما وما أظنّك ترحم)

٥١٣

رؤيا هند

٦١٠ ـ رؤيا هند زوجة يزيد :(مدينة المعاجز ، ص ٢٧٤ ط حجر طهران)

روي عن هند بنت عبد الله زوجة يزيد ، قالت :

كنت أخذت مضجعي [أي نمت] فرأيت بابا من السماء وقد فتح ، والملائكة ينزلون كتائب كتائب ، إلى رأس الحسينعليه‌السلام وهم يقولون : السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يابن رسول الله. فبينما أنا كذلك إذ نظرت إلى سحابة قد نزلت من السماء ، وفيها رجال كثير ، وفيهم رجل درّي اللون قمري الوجه ، فأقبل يسعى حتى انكبّ على ثنايا الحسينعليه‌السلام وقبّلها ، وهو يقول : ولدي قتلوك ، تراهم ما عرفوك ، ومن شرب الماء منعوك!.

يا ولدي أنا جدك رسول الله ، وهذا أبوك علي المرتضى ، وهذا أخوك الحسن ، وهذا عمك جعفر ، وهذا عقيل ، وهذان حمزة والعباس ، ثم جعل يعدّد أهل بيته واحدا بعد واحد.

قالت هند : فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة ، وإذا بنور قد انتشر على رأس الحسينعليه‌السلام . فجعلت أطلب يزيد ، وهو قد دخل إلى بيت مظلم ، وقد أدار وجهه إلى الحائط ، وهو يقول : ما لي وللحسين ، وقد وقعت عليه الغمومات.فقصصت عليه المنام وهو منكس الرأس.

قال الراوي : فلما أصبح استدعى بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لهن : أيما أحب إليكن ؛ المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة؟. ولكم الجائزة السنيّة!.

٦١١ ـ السبايا يطلبن النواحة على الحسينعليه‌السلام سبعة أيام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٢٣)

فقلن : نحب أن ننوح على الحسينعليه‌السلام . قال : فأمر يزيد ، فأفسحوا لهن دارا ، وهيؤوا لهن كل شيء يحتاج إليه. (وفي رواية : ثم أخلت لهن الحجر والبيوت في دمشق). وجعلن ينحن على الحسينعليه‌السلام ، فلم يبق في دمشق قرشية إلا لبست السواد ، وجعلن يبكين على الحسينعليه‌السلام سبعة أيام.

فلما كان اليوم الثامن عرض عليهن ، وخيّرهن بين المقام عنده ، أو المسير إلى المدينة المشرفة ؛ فاخترن المسير إلى المدينة.

(انتهت رواية أبي مخنف ، ويوافق ذلك ما ورد في البحار).

٥١٤

وفي مخطوطة (مصرع الحسين) ـ مكتبة الأسد ، ص ٦٣ :

قال السبايا : فنحبّ أن ننوح على الحسينعليه‌السلام ونندبه.

قال أبو مخنف : فأخلى لهم يزيد دارا تعرف بدار الأحزم وأقاموا عليه النوح أسبوعا.

٦١٢ ـ إقامة المأتم على الحسينعليه‌السلام سبعة أيام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٠٩)

وفي (القمقام) : ثم أرسلت زينبعليه‌السلام إلى يزيد تسأله الإذن أن يقمن المآتم على الحسينعليه‌السلام فأجاز ذلك. وأنزلهن في دار الحجّارة ؛ فأقمن المآتم هناك سبعة أيام ، ويجتمع عندهن في كل يوم جماعة كبيرة لا تحصى من النساء.

٦١٣ ـ معاملة هند لسبايا أهل البيتعليه‌السلام :

(منتخبات التواريخ لدمشق لمحمد أديب آل تقي الحصني ، ج ١ ص ٨٨)

ونقل عن رئيس شرطة يزيد ، وهو حميد بن حريث ، وهو أول شرطي تولى هذه الوظيفة بدمشق ، أنه لما حضر رأس الحسينعليه‌السلام مع زين العابدينعليه‌السلام والسبايا من آل البيت الكرام إلى دمشق ، بين يدي يزيد ، قالت له زوجته هند ، وكانت جارية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام : لقد أحدثت أمرا عظيما في الإسلام ، ردّهم إلى المدينة المنورة ، وأكرم منزلتهم وأحسن رعايتهم ، وهي التي قامت بخدمتهم مدة إقامتهم بدمشق.

ونقل بعضهم أن قبر (هند) هذه ، في محلة القيمرية من أحياء دمشق.

(أقول) : وذكر لي السيد خالد الحموي رواية شائعة بين سكان دمشق ، مفادها أن هند هذه سألت فيما بعد : كيف قتل الحسينعليه‌السلام ؟. فقالوا : قتل عطشان ظمآن ؛ فأمرت ببناء سبلان الماء في كل أحياء دمشق ، حتى يرتوي كل عطشان ، ردا على فعل زوجها الإجرامي.

الحاجات الثلاث

٦١٤ ـ الحاجات الثلاث التي وعد بها يزيد الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٨٥)

ثم قال يزيد لعلي بن الحسينعليه‌السلام : وعدتك بقضاء ثلاث حاجات ، فاذكرها.فقالعليه‌السلام :

٥١٥

(الأولى) : أن تريني وجه سيدي ومولاي الحسينعليه‌السلام ، لأتزوّد منه وأودّعه.

(الثانية) : أن تردّ علينا ما أخذ منا [في كربلاء] ، لأن فيه مغزل فاطمةعليه‌السلام وقميصها وقلادتها.

(الثالثة) : إن كنت عزمت على قتلي ، فوجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهن إلى حرم جدهنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال يزيد : أما وجه أبيك فلن تراه أبدا. وأما قتلك فقد عفوت عنك ، فما يوصلهم إلى المدينة غيرك. وأما ما أخذ منكم ، فأنا أعوّضكم عنه. وأمر اللعين بردّ المأخوذ ، وزاد عليه مائتي دينار ، ففرقها زين العابدينعليه‌السلام على الفقراء والمساكين.

ثم أمر يزيد بردّ الأسارى إلى أوطانهم.

وفي (اللهوف) لابن طاووس : قال يزيد لعلي بن الحسينعليه‌السلام : اذكر حاجاتك الثلاث اللائي وعدتك بقضائهن ، فقالعليه‌السلام : الأولى أن تريني وجه سيدي ومولاي وأبي الحسينعليه‌السلام فأتزود منه. والثانية أن تردّ علينا ما أخذ منا.والثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهن إلى حرم جدّهن.

فقال يزيد الخبيث : أما وجه أبيك فلن تراه أبدا. وأما قتلك فقد عفوت عنك ، وأما النساء فما يردّهن غيرك إلى المدينة. وأما ما أخذ منكم ، فأنا أعوّضكم عنه أضعاف قيمته. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : أما مالك فلا نريده وهو موفّر عليك ، وإنما طلبت ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومقنعتها وقلادتها وقميصها. فأمر يزيد بردّ ذلك ، وزاد فيه من عنده مائتي دينار ، فأخذها زين العابدينعليه‌السلام وفرّقها على الفقراء.

٦١٥ ـ الرأس الشريف يكلّم ابنه زين العابدينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٢)

وفي (شرح الشافية) لأبي فراس الحمداني ، أنه لما قال علي بن الحسينعليه‌السلام :يا يزيد أريد أن تريني وجه أبي وسيدي الحسينعليه‌السلام . قال له يزيد : لن تراه أبدا.فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : يا يزيد أنت ظننت أن رأس أبي مخفيّ عليّ ، وأني ما أقدر أن أراه وأكلمه!. ففي ذلك الوقت كان الرأس الشريف في طشت من ذهب ،

٥١٦

مغطى بمنديل ديبقي ، ووضع في حجرة. ثم توجه نحو الحجرة ، وقال : السلام عليك يا أبا عبد الله. وإذا قد ارتفع المنديل ، وقال الرأس المبارك : وعليك السلام يا علي يا ولدي. فصاح علي بن الحسينعليه‌السلام صيحة وقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أبتاه ، أيتمتني على صغر سني ، وذهبت يا أبتاه عني وفرّق بيني وبينك ، وها أنا راجع إلى حرم جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أودعك الله وأسترعيك وأقرأ عليك السلام.

قال : فضجّ المجلس بالبكاء والعويل ، حتى ارتجّت الأرض. فخشي يزيد من انقلاب الناس عليه ، فقام ودخل منزله.

ملاحظة :

إن قول يزيد لزين العابدينعليه‌السلام : أما وجه أبيك فلن تراه أبدا ، يدل على أنه لم يعطه الرأس الشريف لإرجاعه إلى كربلاء. فإذا صحّ أن زين العابدينعليه‌السلام قد أرجع الرأس الشريف إلى كربلاء ، يكون ذلك قد حصل في سنوات لاحقة فإن من يمنع زين العابدينعليه‌السلام من رؤية وجه أبيه ، حريّ به أن يمنعه من أخذ رأسه ، لا سيما أن ذلك ليس من مصلحة يزيد السياسية.

وسوف نرى كيف أن يزيد بعد ردّ السبايا إلى المدينة ، لم يشف قلبه قتل الحسينعليه‌السلام ، حتى سيّر رأسه الشريف إلى كافة البلدان ؛ إلى الأردن وفلسطين ومصر ، ثم أرجعه إلى دمشق. ثم سيّره إلى المدينة للتشهير به في كل الأمصار ، ثم أرجعه إلى دمشق ، حيث بقي فيها مدة قبل ردّه إلى كربلاء ، من قبل زين العابدينعليه‌السلام أو غيره. والذي أرجّح أن ذلك الردّ حصل بعد موت يزيد.

خوف يزيد من ازدياد المعارضة عليه

٦١٦ ـ نصيحة مروان بتسيير السبايا إلى المدينة خشية النقمة المتزايدة عليه :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٠٩)

فقصد الناس أن يهجموا على يزيد في داره ويقتلوه. فاطّلع على ذلك مروان ، وقال ليزيد : لا يصلح لك توقف أهل بيت الحسين في الشام ، فأعدّ لهم الجهاز ، وابعث بهم إلى الحجاز.

فهيأ لهم المسير ، وبعث بهم إلى المدينة.

٥١٧

٦١٧ ـ أهل الشام ينتبهون من غفلتهم وينقمون على يزيد :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٠)

وفي (الناسخ) : انتبه أهل الشام من تلك الرقدة واستيقظوا منها ، وعطلت الأسواق. وجعلوا يقولون : هذا رأس الحسين ، ابن بنت نبيّنا ، ما علمنا بذلك!.إنما قالوا : هذا رأس خارجي خرج بأرض العراق. فبلغ ذلك الخبر إلى يزيد فاستعمل لهم الأجزاء من القرآن ، وفرّقها في المساجد. وكانوا إذا صلّوا وفرغوا من الصلاة ، وضعت الأجزاء بين أيديهم في مجالسهم ، حتى يشتغلوا بها عن ذكر الحسينعليه‌السلام . والناس مالهم حديث إلا حديث الحسينعليه‌السلام . يقول الرجل لصاحبه : يا فلان ، أما ترى إلى ما فعل بابن بنت نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !؟.

فبلغ ذلك يزيد ، وعرف أن أهل الشام لا يشغلهم عن ذكر الحسينعليه‌السلام شاغل ، فنادى الناس أن يحضروا إلى الجامع ، فحضروا من كل جانب ومكان. فلما تكامل الناس ، قام فيهم خطيبا ، ثم قال : تقولون يا أهل الشام ، أنا قتلت الحسين بن علي ابن أبي طالب ، والله ما قتلته ولا أمرت بقتله ، وإنما قتله عاملي عبيد الله بن زياد.ثم قال : والله لأقتلن من قتله. ثم دعا بالذين تولوا حرب الحسينعليه‌السلام فأوقفوا بين يديه (وفيهم شبث بن ربعي والمصابر بن رهيبة وقيس بن الربيع وشمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس النخعي). فالتفت إلى شبث بن ربعي ، وقال : ويلك أنت قتلت الحسين؟ أم أنا أمرتك بقتله؟. قال شبث : والله ما قتلته ، بل قتله فلان ...وظل كل واحد من هؤلاء الخمسة يحيل قتله إلى غيره ، حتى غضب يزيد غضبا شديدا من قولهم ، وقال لهم : يا ويلكم يحيل بعضكم على بعض!.

٦١٨ ـ من الّذي قتل الحسينعليه‌السلام حقا؟ :(المصدر السابق)

قال قيس بن الربيع : يا أمير المؤمنين ، أنا أقول لك من قتله ، ولي الأمان من القتل. قال : نعم لك الأمان. قال : والله ما قتله إلا الّذي عقد الرايات وفرّق الأموال ووضع العطايا وسيّر الجيوش ، جيشا بعد جيش. فقال : يا ويلك من هو؟.قال : والله ما قتل الحسين غيرك يا يزيد. قال : فغضب يزيد من قوله. وقام ودخل قصره ، ووضع الرأس في طشت وغطاه بمنديل ديبقي ووضعه في حجرة ، ودخل إلى بيت مظلم وجعل يلطم على أمّ رأسه ويقول : ما لي وللحسين بن علي بن أبي طالب.ندم وأنى ينفعه الندم :

٥١٨

فقل ليزيد : سوّد الله وجهه

أحظك من بعد الحسين يزيد

نسجت سرابيل الضلال بقتله

ومزّقت ثوب الدين وهو جديد

وخرج فدعا بالحرم واعتذر عندهن ، وقال لهن : أيما أحبّ إليكن : المقام عندي والجائزة السنيّة ، أو المسير إلى المدينة؟.

٦١٩ ـ ندم يزيد حيث لا ينفع الندم! :

(أقول) : يظهر لمن تأمل في أفعال يزيد وأقواله أنه كان راضيا بقتل الحسينعليه‌السلام وهو الّذي أمر به. لأنه لما جيء برأس الحسينعليه‌السلام وأهل بيته إليه ، سرّ بذلك غاية السرور ، ففعل ما فعل مع الرأس الشريف ، وقال ما قال.وحسنت حال ابن زياد عنده ، وزاده في عطاياه ووصله وبرّه ، وسرّه ما فعل.

ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى عرفهم الناس بأنهم عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واطّلعوا على جلالتهم ، وأنهم مظلومون مطرودون مشردون. فكرهوا فعل يزيد ، بل لعنوه وسبّوه ، وأقبلوا على أهل البيتعليه‌السلام . فلما اطلع يزيد وبلغه بغض الناس له ولعنهم وسبهم إياه ، ندم على قتل الحسينعليه‌السلام فكان يقول : وما عليّ لو احتملت الأذى ، وأنزلت الحسينعليه‌السلام معي في داري ، وحكّمته فيما يريد ، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني ، حفظا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورعاية لحقه وقرابته!.

ثم إنه نسب قتله إلى ابن زياد ولعنه بفعله ذلك ، وأظهر الندم على قتله. وقال :لعن الله ابن مرجانة فإنه اضطره [إلى القتل] ، وقد سأله أن يضع يده في يدي أو يلحق بثغر حتى يتوفاه الله ، فلم يجبه إلى ذلك ، فقتله ، فبغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة ، فأبغضني البر والفاجر بما استعظموا من قتل الحسين. ما لي ولابن مرجانة وغضب عليه.

٦٢٠ ـ الدوافع الحقيقية لتغيير يزيد معاملته مع زين العابدينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١١)

ثم غيّر حاله مع علي بن الحسينعليه‌السلام وسائر أهل بيته ، فأنزلهم في داره الخاصة ، بعدما حبسهم في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا برد ، حتى تقشّرت وجوههم. وكل ذلك حفظا للملك والسلطنة ، وجلبا لقلوب العامة ، لا لأنه ندم على قتل الحسينعليه‌السلام بحسب الواقع ، وساءه ما فعل ابن زياد.

والذي يدل على هذا ما نقل سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) أنه استدعى

٥١٩

ابن زياد إليه ، وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة ، وقرّب مجلسه ورفع منزلته ، وأدخله نساءه وجعله نديمه. وسكر ليلة وقال للمغني : غنّ. ثم قال يزيد بديها :

اسقني شربة تروّي مشاشي

ثم مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب البرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسينا

ومبيد الأعداء والحسّاد

ونقل ابن الأثير في (الكامل) عن ابن زياد أنه قال لمسافر بن شريح اليشكري في طريق الشام : أما قتلي الحسين ، فإنه أشار إليّ يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترت قتله.

محاولة يزيد التنصّل من جريمته

٦٢١ ـ غضب يزيد على ابن زياد لتغطية جريمته :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٥ ط ٢ نجف)

وذكر ابن جرير [الطبري] في تاريخه : أن يزيد لما جيء برأس الحسينعليه‌السلام ، سرّ أولا ، ثم ندم على قتله. وكان يقول : وما عليّ لو احتملت الأذى ، وأنزلت الحسين معي في داري ، حفظا لقرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورعاية لحرمته. لعن الله ابن مرجانة ، لقد بغّضني إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم البغضاء.

ثم غضب على ابن زياد ، ونوى قتله.

٦٢٢ ـ تنصّل يزيد من دم الحسينعليه‌السلام وترحّمه عليه :

(المصدر السابق ، ص ٢٧١)

وحين دخل زحر بن قيس على يزيد حاملا رأس الحسينعليه‌السلام ، سأله يزيد عما حصل؟. فقصّ عليه ما جرى في كربلاء.

قال سبط ابن الجوزي :

فدمعت عينا يزيد ، وقال : لعن الله ابن مرجانة ، ورحم الله أبا عبد الله ، لقد كنا نرضى منكم يا أهل العراق بدون هذا. قبّح الله ابن مرجانة ، لو كان بينه وبينه رحم ما فعل به هذا.

فلما حضرت الرؤوس عنده ، قال : فرّقت سميّة بيني وبين أبي عبد الله ، وانقطع الرحم. لو كنت صاحبه لعفوت عنه ، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا. رحمك الله يا حسين ، لقد قتلك رجل لم يعرف حقّ الأرحام.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735