موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 471953 / تحميل: 5573
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال الطبري في تاريخه : زعموا أن الحسن البصري لما بلغه قتل حجر وأصحابه ، قال: صلّوا عليهم وكفنّوهم واستقبلوا بهم القبلة؟. قالوا : نعم. قال : حجّوهم وربّ الكعبة.

وذكر كثير من أهل الأخبار أن معاوية لما حضرته الوفاة ، جعل يغرغر بالموت ، ويقول : إن يومي منك يا حجر بن عدي لطويل.

(أقول) : ولكن هيهات ينفع الندم.

ترجمة حجر بن عدي

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٣)

هو حجر بن عديّ بن معاوية بن جبلة بن الأدبر الكندي. يكنى أبا عبد الرحمن ، ويسمى حجر الخير.

قال ابن عبد البرّ في (الإستيعاب) : كان حجر من فضلاء الصحابة ، شجاعا من المقدمين.

وقال غيره : كان من الأبدال ، وكان صاحب راية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو بعد من الرؤساء والزهاد. وشهد القادسية ، وهو الّذي فتح مرج عذراء. ومحبته وإخلاصه لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن تذكر. وكان على كندة يوم صفين ، وعلى الميسرة يوم النهروان.

وفي (أعلام الزركلي) : وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد ابن أبيه واليا عليها ، فدعا به زياد فجاءه ، فحذّره من الخروج على بني أمية. فما لبث أن عرفت عنه الدعوة إلى مناوأتهم والاشتغال في السرّ بالقيام عليهم. فجيء به إلى دمشق ، فأمر معاوية بقتله بعد أن أعطاه الأمان ، فقتل في مرج عذراء (من قرى دمشق) مع أصحاب له.

٣٩٣ ـ إثارة مروان بن الحكم الفتنة بين معاوية والحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٥١ ط إيران)

روى الكلبي أن مروان بن الحكم قال يوما للحسينعليه‌السلام : لو لا فخركم بفاطمة

٣٦١

بم كنتم تفخرون علينا؟. فوثب الحسين (وكان شديد القبضة) فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتّى غشي عليه ، ثم تركه.

وأقبل الحسينعليه‌السلام على جماعة من قريش ، فقال : أنشدتكم الله إلا صدّقتموني إن صدقت. أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ومن أخي؟. أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟. قالوا : الله م لا.قال : وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه ، طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والله ما بين جابرسا وجابلقا [مدينتان إحداهما بباب المشرق والأخرى بباب المغرب] رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك!.

قال : فو الله ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب ، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه.

٣٩٤ ـ دعايات مفتعلة :

شعر معاوية أن الأمة بكافة فصائلها تقدّم الإمام الحسينعليه‌السلام ، باعتباره الحاكم الّذي يلي الخلافة بعد هلاك معاوية وبدون منافس. وذلك لشياع ذكره في الأمصار وعلى كل لسان. فهم كانوا لا يشكّون بأن الخلافة سوف تؤول إليه بعد هلاك معاوية. لذلك بدأ معاوية يختلق القصص المنقولة عن بعض الوشّائين والنمّامين ، بأن الحسينعليه‌السلام يفكر في الخروج عليه. لذلك كتب معاوية للحسينعليه‌السلام كتابا يذكّره فيه بعهده وصلحه.

٣٩٥ ـ كتاب معاوية للحسينعليه‌السلام يتهمه فيه بالفتنة وشقّ عصا الطاعة ، ويتوعده بالبطش به :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٣١)

قال السيد علي جلال الحسيني في كتابه (الحسين) ج ١ ص ١٦٤ :

روى ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) ج ١ ص ٢٨٤ وما بعدها ، وأبو عمرو محمّد بن عمر الكشي في (معرفة أخبار الرجال) ، وأبو جعفر الطوسي في (اختيار الرجال) طبع بومبي ص ٣٢ وما بعدها ؛ أن معاوية كتب إلى الحسينعليه‌السلام :

أما بعد ، فقد انتهت إليّ أمور عنك ، إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله إنّ من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن أحقّ الناس بالوفاء لمن

٣٦٢

أعطى بيعته ، من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها. وإن كان الّذي بلغني باطلا ، فإنك أنت أعدل الناس لذلك ، وحظّ نفسك فاذكر ، وبعهد الله أوف!. فإنك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك. فاتّق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يستخفّنك السفهاء والذين لا يعلمون.

٣٩٦ ـ ردّ الحسينعليه‌السلام على كتاب معاوية ، وبيان بعض أعماله ونقضه للعهد:

(المصدر السابق ، ص ١٣٢)

فلما وصل الكتاب إلى الحسين رضي الله عنه ، كتب إليه :

أما بعد ، فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا بغيرها عندك جدير ، وإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى. وأما ما ذكرت أنه رقى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون. واعلم بأني ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا ، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك ، وإلى أوليائك القاسطين (الجائرين) الملحدين ، حزب الظلمة وأولياء الشيطان.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة ، وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا ، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظّة والمواثيق المؤكدة ، جرأة على الله واستخفافا بعهده.

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، العبد الصالح الّذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه واصفر لونه؟. فقتلته بعد ما أمنّته وأعطيته من العهود ما لو فهمته (الوعول) لنزلت من رؤوس الجبال.

أولست بمدّع (زياد بن سمية) المولود على فراش (عبيد) عبد ثقيف؟. فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فتركت سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعمدا ، واتبعت هواك بغير هدى من الله. ثم سلطّته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك.

٣٦٣

أولست قاتل الحضرمي الّذي كتب إليك فيه زياد بن سمية أنه على دين علي كرم الله وجهه ، فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليعليه‌السلام ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك؟!.

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن تردّهم إلى فتنة. وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن تركته فإني أستغفر الله لديني ، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت : إني إن أنكرك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنك قد ركبت جهلك ، وتحرّصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط. ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر ، لعلك لولم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب. واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التّهمة ، ونفيك لهم أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث ، يشرب الشراب ويلعب بالكلاب. وما أراك إلا قد خسرت نفسك ، وتبّرت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخربت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي ، والسلام.

فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا.

استخلاف معاوية ليزيد

٣٩٧ ـ عزم معاوية على البيعة ليزيد بعد وفاة الحسنعليه‌السلام :

(الاستيعاب لابن عبد البر ، ج ١ ص ٣٧٦)

وكان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسنعليه‌السلام وعرّض بها ، بعد أن

٣٦٤

نكث بشروط صلحه مع الحسنعليه‌السلام ، ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلا بعد وفاة الحسنعليه‌السلام .

٣٩٨ ـ اعتماد معاوية على داهيتين :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)

ولما مات الحسنعليه‌السلام بعد أربعة أشهر من استيلائه على العراق ، صفا الجو لمعاوية وبايع له الناس. فملك العراق والحجاز ومصر ، وأجمعت القلوب على مبايعته طوعا أو كرها. وكان ممن مالأ معاوية على تحقيق رغائبه عمرو بن العاص ، قريبه وعامله على مصر ، والمغيرة بن شعبة عامله على الكوفة. وهما الداهيتان اللتان يقول فيهما الحسن البصري : إنهما أفسدا هذه الأمة ، لاحتيال الأول برفع المصاحف يوم صفين وتقرير التحكيم ، ولأن الثاني كان من الداعين لأخذ البيعة ليزيد.

٣٩٩ ـ المغيرة بن شعبة يشير على معاوية باستخلاف يزيد :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٥)

قال الحسن البصري : أفسد أمر الناس اثنان : عمرو بن العاص ، يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت ، ونال من القراء ، فحكمّ الخوارج ، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة.

والمغيرة بن شعبة ، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة ، فكتب إليه معاوية : إذا قرأت كتابي فأقبل معزولا ، فأبطأ عنه. فلما ورد عليه قال : ما أبطأ بك؟. قال :أمر كنت أوطّئه وأهيّئه!. قال : وما هو؟. قال : البيعة ليزيد من بعدك. قال : أوقد فعلت؟. قال : نعم. قال : ارجع إلى عملك!.

فلما خرج قال له أصحابه : ما وراءك؟. قال : وضعت رجل معاوية في غرز غيّ ، لا يزال فيه إلى يوم القيامة.

قال الحسن البصري : فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ، ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.

٤٠٠ ـ البيعة ليزيد :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٢)

روى أبو الحسن المدائني قال : لما مات زياد بن أبيه سنة ٥٣ ه‍ ، أظهر معاوية عهدا مفتعلا ، فقرأه على الناس ، فيه عقد الولاية ليزيد بعده فلم يزل يروّض الناس لبيعته سبع سنين

٣٦٥

فلما كانت سنة خمس وخمسين كتب معاوية إلى سائر الأمصار أن يفدوا عليه.فوفد عليه من كل مصر قوم. وكان فيمن وفد عليه من البصرة الأحنف بن قيس. ثم جلس معاوية في أصحابه ، وأذن للوفود فدخلوا عليه. وقد تقدّم إلى أصحابه أن يقولوا في يزيد. فأول من تكلم الضحاك بن قيس الخ.

٤٠١ ـ كلام الأحنف بن قيس في يزيد وبيعته :

(المصدر السابق)

ثم تكلم الأحنف بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم بيزيد ، في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه. فإن كنت تعلمه لله رضا ولهذه الأمة فلا تشاور الناس فيه ، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.

٤٠٢ ـ خطبة مروان في مسجد المدينة يدعو إلى يزيد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧١)

أخبرنا سيد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي حدثنا من أدرك مروان بن الحكم ، أنه خطب الناس على المنبر ليدعو إلى يزيد بن معاوية [وكان والي معاوية على المدينة]. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ، فجلس على قوائم المنبر ، فقال : لا ، ولا نعمة عين لك ، أدين الهرقليّة [نسبة إلى هرقل ملك الروم] ، كلما ذهب واحد جاء آخر؟. هلك أبو بكر فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، ثم نحّاها عنهم وجعلها في رجل من بني عديّ بن كعب. ثم هلك عمر ابن الخطاب فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، فنحّاها عنهم وجعلها شورى بين الناس.

(قال) : وقالت عائشة : يا مروان ، أما والله إنكم للشجرة الملعونة التي ذكر الله في القرآن.

رواية أخرى للخطبة : (الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٧١)

وذكر هذه القصة أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه أطول من هذه.

قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يدعو الناس إلى بيعة يزيد ، ويخبره في كتابه أن أهل مصر والشام والعراق قد بايعوا.

٣٦٦

فأرسل مروان إلى وجوه أهل المدينة ، فجمعهم في المسجد الأعظم. ثم صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر الطاعة وحضّ عليها ، وذكر الفتنة وحذّر منها.

ثم قال في بعض كلامه : أيها الناس إن أمير المؤمنين قد كبر سنّه ، ودقّ عظمه ، ورقّ جلده ، وخشي الفتنة من بعده. وقد أراه الله رأيا حسنا ، وقد أراد أن يختار لكم وليّ عهد ، يكون لكم من بعده مفزعا ، يجمع الله به الألفة ويحقن به الدماء ، وأراد أن يكون ذلك عن مشورة منكم وتراض ، فماذا تقولون؟.

(قال) فقال الناس من كل جانب : إنا مانكره ذلك إذا كان رضا. فقال مروان :فإنه قد اختار لكم الرضا الّذي يسير بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين ، وهو ابنه (يزيد). قال : فسكت الناس.

وتكلم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال : كذبت والله ، وكذب من أمّرك بهذا.والله ما (يزيد) بمختار ولا رضا ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية في يزيد الخمور ، يزيد القرود ، يزيد الفهود.

فقال مروان : إن هذا المتكلم هو الّذي أنزل الله فيه :( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) [الأحقاف : ١٧].

(قال) فغضب عبد الرحمن ، وقال : يابن الزرقاء! أفينا تتأوّل القرآن ، وأنت الطريد ابن الطريد!. ثم بادر إليه فأخذ برجليه ، وقال : انزل يا عدوّ الله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس مثلك من يتكلم [بهذا] على أعواده.

قال : فضجّت بنو أمية في المسجد. وبلغ ذلك عائشة فخرجت من منزلها متلفّعة بملاءة لها ، ومعها نسوة من قريش ، حتّى دخلت المسجد. فلما نظر إليها مروان كأنه فزع من ذلك ، فقال : سألتك بالله يا أم المؤمنين إن قلت إلا حقا. فقالت عائشة : لا أقول إلا حقا. أشهد لقد لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباك ولعنك ، فأنت فضض من لعنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت الطريد ابن الطريد. أتكلّم أخي عبد الرحمن بما تكلمه!.فسكت مروان ولم يردّ عليها شيئا ، [ورجعت عائشة إلى منزلها] وتفرّق الناس.

٤٠٣ ـ عزل مروان بن الحكم عن المدينة :

ذكر الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص ١٧٥ : أن معاوية بعد وفاة الإمام الحسنعليه‌السلام وتولية يزيد ، بعث إلى مروان وكان عامله على المدينة ، يطلب منه أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة ، فحاول مروان ذلك فلم يستطع. فبعث إلى معاوية

٣٦٧

بعدم تجاوب أهل المدينة معه. فعزله ، وعيّن مكانه سعيد بن العاص ، وهو جلف قاس ، فأظهر الغلظة ، وأخذهم بالعزم والشدة. ثم قدم معاوية بنفسه إلى المدينة.

ترجمة مروان بن الحكم

[وأبيه الحكم بن أبي العاص]

هو أبو الحكم ، مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.

قال الذهبي في (العبر في خبر من غبر) ج ١ ص ٧١ :

وكان مروان كاتب السرّ لابن عمه عثمان ، وبسببه جرى على عثمان ما جرى. وكان قصيرا ، كبير الرأس واللحية ، دقيق الرقبة ، أوقص ، أحمر الوجه. يلقّب : خيط باطل ، لدقّة عنقه. عاش ثلاثا وستين سنة.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٥ ص ١٢٥ طبعة أنيقة : وكان والده الحكم مغموصا عليه في إسلامه ، وكان إظهاره الإسلام في يوم فتح مكة ، فكان يمرّ خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخلج بأنفه ويغمز بعينيه ، فبقي على ذلك التخليج وأصابته خبلة.

وكان الحكم يفشي أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلعنه وسيّره إلى الطائف مع بنيه ، وقال : لا يساكنّي. فلم يزالوا طرداء حتّى ردّهم عثمان ، فكان ذلك مما نقم فيه عليه.

عن أبي هريرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت في النوم بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة «فأصبح كالمتغيّظ. فما رؤي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتّى مات (راجع مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٣).

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) : حدثنا روح بن عبد المؤمن المقري عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : استأذن الحكم بن أبي العاص على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ائذنوا له لعنة الله عليه ، وعلى من يخرج من صلبه ، إلا المؤمنين وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ، ويتّضعون في الآخرة».

٣٦٨

وكانت أم مروان صفية ، ويقال الصعبة بنت أبي طلحة ، وأمها مارية بنت موهب كندية ، وهي الزرقاء التي يعيّرون بها ، فيقال : بنو الزرقاء. وكان موهب قينا (أي عبدا).

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣٢ :

روى الحاكم في كتاب (الفتن والملاحم) من المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه قال : كان لا يولد لأحد ولد إلا أتي به إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيدعو له. فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : «هذا الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون».

ثم روى الحاكم عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : إن الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ائذنوا له لعنة الله عليه ذو مكر وخديعة. يعطون في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خلاق».

٤٠٤ ـ جملة من أعمال مروان المشينة :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٩)

ذكر الذهبي وابن عبد البر وغيرهما شيئا من مخازي مروان ، منها : أنه أول من شقّ عصا المسلمين بلا شبهة. وقتل النعمان بن بشير ، أول مولود من الأنصار في الإسلام. وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة. وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل (غيلة من خلفه).

٤٠٥ ـ الغدر صفة متأصلة في مروان :

(نهج البلاغة ، خطبة رقم ٧١)

ومما يثبت أن صفة الغدر متأصلة في مروان ، أنه لما أخذ أسيرا يوم الجمل ، استشفع الحسن والحسينعليهما‌السلام إلى الإمامعليه‌السلام في أن يطلق سراحه ، فخلّى سبيله. فقالا لأبيهما : أتحبّ أن يبايعك يا أمير المؤمنين؟. فقالعليه‌السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنها كفّ يهودية ، لو بايعني بكفّه

٣٦٩

لغدر بسبته (أي إسته). أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر [يقصد بالأكبش الأربعة أولاد عبد الملك بن مروان وهم : الوليد وسليمان ويزيد وهشام].

٤٠٦ ـ هلاك مروان بن الحكم :

روى الواقدي كما في (تاريخ الطبري) ج ٢ ص ٥٧٦ قال :

تزوج مروان أرملة يزيد وهي (فاختة). وكان زواجه منها أشبه بأخذ الميراث ، منه بأن يكون زواجا ومصاهرة. وقد آلم ذلك نفس خالد بن يزيد ، الّذي أصبح في حجره. وكان مروان لا يألو جهدا في إسقاط خالد من أعين الناس ، وأخيرا حرمه مما كان قد وعده به في (الجابية) من أن تكون له الخلافة بعده.

فما كان من فاختة إلا أن انتقمت لابنها خالد من غدر مروان ، فغطّته بالوسادة وهو في سريره ، حتّى قتلته.

وقال الذهبي في (دول الإسلام) :

فلم يلبث أن وثبت عليه زوجته لكونه شتمها ، فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم ، وقعدت هي وجواريها فوقها ، حتّى مات.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ص ١٥٩ طبع ليدن :

غدر مروان بخالد بن يزيد بن معاوية فيما وعده من ولاية العهد ، وأمه فاختة.ودخل عليه خالد على مرحلة من دمشق ، فقال له مروان : ما أدخلك عليّ في هذا الوقت يابن الرطبة؟!. فقال خالد : أمين مختبر ، أبعدها الله وأسحقها. وأتى أمه فأخبرها بما قال مروان. فقالت له : لن تسمع منه مثلها أبدا. ودخل مروان على أم خالد فتركته حتّى نام ، ثم عمدت إلى مرفقة محشوة ريشا فجعلتها على وجهه ، وجلست وجواريها عليها حتّى مات غمّا. ثم صرخت وجواريها وولولن وقلن :مات أمير المؤمنين بالفجأة.

وقال المسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٩٨ :

فمنهم من رأى أنها وضعت على نفسه وسادة وقعدت فوقها مع جواريها حتّى مات. ومنهم من رأى أنها أعدت له لبنا مسموما ، فلما دخل عليها ناولته إياه فشرب. فلما استقر في جوفه وقع يجود بنفسه وأمسك لسانه. فحضره عبد الملك وغيره من ولده ، فجعل مروان يشير إلى أم خالد ، يخبرهم أنها قتلته ، وأم خالد

٣٧٠

تقول : بأبي وأمي أنت ، حتّى عند النزع لم تشتغل عني ؛ إنه يوصيكم بي حتّى هلك.

٤٠٧ ـ معاوية ينقض عهوده ويحاول تولية يزيد :

(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي ، ص ٧٢)

ولكي يضمن معاوية الخلافة لابنه يزيد ، لم يتردد قط في نكث العهود مع الحسين ابن عليعليهما‌السلام .

وقد كان الصلح المعقود بين الحسنعليه‌السلام ومعاوية ينص على الاعتراف بحق الحسينعليه‌السلام في الخلافة ، ولكن معاوية نقض العهد ، وأخذ لابنه البيعة. فحنق الحسينعليه‌السلام ، وزاد في حنقه فساد يزيد ، فلم يعترف قط بطاغية الشام.

وفي (عمدة الطالب في أنساب أبي طالب) ص ١٨٠ ط نجف :

وكان معاوية قد نقض شرط الحسن بن عليعليه‌السلام بعد موته ، وبايع لابنه يزيد.وامتنع الحسينعليه‌السلام من بيعته. وأعمل معاوية الحيلة حتّى أوهم الناس أنه بايعه ، وبقي على ذلك حتّى مات معاوية.

٤٠٨ ـ قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة ليزيد :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٢٧)

روى ابن قتيبة في كتاب (الإمامة والسياسة) في قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة لابنه يزيد ، أنه لما نزل المدينة دعا الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى مجلس يضم خاصته. فلما استقرّ بهم المجلس ابتدأ معاوية فقال :

أما بعد ، فالحمد لله وليّ النعم ومنزل النقم ، وأشهد ألا إله إلا الله ، المتعالي عما يقول الملحدون علوا كبيرا ، وأن محمدا عبده المختص المبعوث إلى الجن والإنس كافة ، لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد. فأدّى عن الله وصدع بأمره ، وصبر على الأذى في جنبه ، حتّى وضح دين الله ، وأعزّ أولياءه ، وقمع المشركين ، وظهر أمر الله وهم كارهون. فمضى صلوات الله عليه ، وقد ترك من الدنيا ما بذل له ، واختار منها الترك لما سخّر له ، زهادة واختيارا لله ، وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى. فهذه صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك ، وبين ذلك خوض طالما عالجناه ، مشاهدة ومكافحة ، ومعاينة وسماعا ، وما أعلم

٣٧١

منه فوق ما تعلمان. وقد كان أمر (يزيد) ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم الله ما أحاول به من أمر الرعية ، من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين وأحمد الفعل. هذا معناي في (يزيد) ، وفيكما فضل القرابة ، وحظوة العلم ، وكمال المروءة ، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ، ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما ، ومع علمه بالسنة وقراءة القرآن ، والحلم الّذي يرجح بالصم الصلاب. وقد علمتما أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ومن دونهما من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم [يريد بذلك عمرو بن العاص] ، وفي رسول الله أسوة حسنة. فمهلا بني عبد المطلب ، فأنا وأنتم شعبا نفع وجد ، وما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلا بفضل قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ، ما يحمد به البصيرة في عتابكما. وأستغفر الله لي ولكما.

٤٠٩ ـ ردّ الإمام الحسينعليه‌السلام على كلام معاوية :

(المصدر السابق ، ص ١٢٨)

قال : فتيسّر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة ، فأشار إليه الحسينعليه‌السلام وقال : على رسلك ، فأنا المراد ، ونصيبي في التهمة أوفر. فأمسك ابن عباس.

فقام الحسينعليه‌السلام فحمد الله وصلّى على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال :

أما بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبّست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة ، والنكب عن استبلاغ البيعة. وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السّرج ، ولقد فضّلت حتّى أفرطت ، واستأثرت حتّى أجحفت ، ومنعت حتّى بخلت ، وجرت حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب ، حتّى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل. وفهمت ما ذكرته عن (يزيد) من اكتماله وسياسته لأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به ، من استفزازه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام السّبّق لأترابهن ، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي ، تجده ناصرا. ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله بوزر

٣٧٢

هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحتفا في ظلم ، حتّى ملأت الأسقية. وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثنا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسولعليه‌السلام ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول ، فأذعن للحجة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم كان ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية ، من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميره له وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص فضيلة بصحبة الرسول وببيعته له ، وما صار لعمرو يومئذ حتّى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدوا عليه فعاله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم». فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحوال وأولاها ، بالمجتمع عليه من الصواب؟. أم كيف ضاهيت بصاحب تابعا ، وحولك من يؤمن في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون؟. تريد أن تلبس الناس شبهة ، يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟.( أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) وأستغفر الله لي ولكم.

٤١٠ ـ جرأة أبي قتادة الأنصاري على معاوية :

(أخبار الدول وآثار الأول للقرماني ، ص ١٢٩)

قال ابن أبي الدنيا : حجّ معاوية سنة إحدى وخمسين ، فلما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري. فقال له معاوية : تلقّاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار!.قال : لم يكن لنا دواب. قال : فأين النواضح؟. قال : عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. فسكت.

يقول القرماني : ولم نذكر في هذا الكتاب ما شجر بين معاوية وبين عليعليه‌السلام لما يتطرق للنفوس الضعيفة وأهل الأهواء من البغض لمعاوية رضي الله عنه.ونسكت عن حرب الصحابة ، فالذي جرى بينهم كان اجتهادا مجردا.

٣٧٣

تعليق على القرماني :

رغم احترامي للشيخ القرماني الدمشقي ، وثقتي بدينه وتقواه وتعظيمه لأهل البيتعليهم‌السلام ، إلا أن كلامه المتقدم لا يمكن السكوت عليه ، من عدة وجوه :

١ ـ يقول : إن ما شجر بين الصحابة الأولين هو من قبيل أن الواحد منهم قد اجتهد فأخطأ. وأقول : إن الخطأ في الاجتهاد مقبول بالنسبة لأهل العلم والذين قضوا حياتهم في الدين والفقه ، فهؤلاء بعد تحصيلهم كل هذه العلوم إذا اجتهدوا وصدف أن أخطؤوا فيمكن التجاوز عنهم. لكن هذا لا ينطبق على مثل مروان بن الحكم ومعاوية والحجاج وغيرهم. فمعاوية رجل ليس عنده أي رصيد من الدين ، وكل أعماله كانت صادرة من مصلحته الشخصية ، وهذا هو الّذي دعاه إلى تولية يزيد ، وهو يعلم أنه أفجر الناس أجمعين. فليس معاوية من الذين يجوز لهم الاجتهاد في أمور الدين أصلا ، حتّى نقول إنه اجتهد فأخطأ أو أصاب.

٢ ـ إن الاجتهاد الّذي يحتمل فيه الإصابة والخطأ ، هو الاجتهاد في الأمور المبهمة المشتبه فيها ، وليس في الأشياء الواضحة الثابتة مثل خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام . فكيف يجوز لأحد أن يجتهد فيها ، ويقول إنها صحيحة أو غير صحيحة بعد أن اجتمع المسلمون عليها. وهذا انطلاقا من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«لا اجتهاد في موضع النص». فما عمله معاوية في عدم مبايعته للإمام عليعليه‌السلام وإراقته الدماء في سبيل ذلك ، هو ليس اجتهاد ، وإنما هو خروج كامل عن الدين والإسلام.

٣ ـ إن القرماني يقول : إن ما شجر بين الصحابة يلزم عدم ذكره بل ستره ، وإذا علمنا أن ما فعله معاوية وأمثاله من العمل على اقتتال المسلمين وإراقة دمائهم ، وبالتالي ضياع الإسلام تشتيت المسلمين ، هو يحصل في كل زمان ، ولا أحد يسكت عنه ، فكيف نسكت عن الأولين الذين هم كانوا أول من فتح باب الفتن والدماء على هذه الأمة ، وهم الذين سنّوا أساس الكفر والنفاق؟ إن هؤلاء أولى بالذكر والتعرية والإنكار ممن جاء بعدهم ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

٣٧٤

٤١١ ـ قصة عن مداهنة الناس لمعاوية لكسب الأموال :

(مرآة الجنان لليافعي ، ج ١ ص ١٤٦ ط ١)

روي أن معاوية لما نصّب ولده يزيد في ولاية العهد ، أقعده في قبة حمراء ، فجعل الناس يسلّمون على معاوية ، ثم يميلون إلى يزيد. حتّى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها.والأحنف بن قيس جالس. فقال له معاوية : ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟. فقال :أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت. فقال معاوية [للرجل] : جزاك الله خيرا عن الطاعة ، وأمر له بألوف. فلما خرج لقيه ذلك الرجل ، فقال : يا أبا بحر إني لأعلم كذا وكذا وذمّ يزيد ، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال ، فليس يطمع في استخراجها إلا بما سمعت. فقال الأحنف : إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.

٤١٢ ـ أيهما يخدع الآخر؟ :

يروى أنه لما ألزم معاوية الناس على البيعة ليزيد بولاية العهد ، بدأ الناس يتوافدون عليه جماعات لتهنئته وتقريظه. فخلا يزيد بأبيه يوما فقال له : يا أبت ، إني متعجب ما أدري أنحن نخدع الناس ، أم أن الناس يخدعوننا؟. فقال معاوية ليزيد قوله المشهور : يا بني ، من خادعته فتخادع لك ليخدعك ، فقد خدعته.

وهذا يبيّن أن كل أعمال معاوية هي خداع في خداع. ومن أوضح الأمثلة على هذا الخداع قصة أرينب بنت اسحق!.

قصة أرينب بنت اسحق

[التي تدل على كرم أخلاق مولانا الحسين]

[في مقابل دناءة أخلاق معاوية ويزيد]

تمهيد للقصة :

بعد أن ضرب معاوية على فخذه وهو يصلي في مسجد دمشق ، ونجا من الموت بأعجوبة ، جاءته الوفود إلى الشام تهنّئه بالصحة والسلامة. وكان من جملة من جاءه مسلّما واليه على العراق عبد الله بن سلّام ومعه زوجته (أرينب بنت اسحق) ذات

٣٧٥

الجمال الأخّاذ. وكان يزيد يجلس في إحدى شرفات قصر الخضراء حين رآها تدخل مع زوجها ، فهاج في صدره حبّ قديم وكان يعرفها من قبل ، فافتتن بها.

ثم إنه دخل على أبيه معاوية وقال له : لا بدّ لي من زواج (أرينب) مهما كلف الأمر. وبما أن يزيد هو الابن المدلل لأبيه ، والذي لا تردّ له حاجة ، عمل معاوية على تنفيذ رغبة ابنه ، ولو كان في ذلك المهانة والعار ، والدناءة وغضب الجبار.

٤١٣ ـ قصة أرينب بنت اسحق :

(الإتحاف بحب الإشراف للشبراوي ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٩)

يقول الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي :

فمن مكارم أخلاق الإمام الحسينعليه‌السلام ما حكاه ابن بدرون في (شرح قصيدة ابن عبدون) من قصة أرينب بنت اسحق زوجة عبد الله بن سلّام القرشي. وكان عبد الله هذا واليا لمعاوية على العراق ، وكانت أرينب هذه من أجمل نساء وقتها وأحسنهن أدبا وأكثرهن مالا. وكان يزيد بن معاوية قد سمع بجمالها وبما هي عليه من الأدب وحسن الخلق والخلق ، ففتن بها ، فلما عيل صبره استراح في ذلك مع أحد خصيان معاوية ، وكان ذلك الخصي خاصّا بمعاوية واسمه رفيف ، فذكر رفيف ذلك لمعاوية ، وذكر شغفه بأرينب ، وأنه ضاق ذرعه بأمرها.

فبعث معاوية إلى يزيد فاستخبره من أمره ، فبثّ له شأنه ، فقال معاوية : مهلا يا يزيد!. قال : علام تأمرني بالمهل ، وقد انقطع منها الأمل. قال له معاوية : فأين حجاك ومروءتك؟. فقال له يزيد : قد عيل الصبر والحجى ، ولو كان أحد ينتفع به في الهوى ، لكان أولى الناس بالصبر عليه داود حين ابتلي به.

قال له : اكتم أمرك يا بني ، فإن البوح به غير نافعك ، والله بالغ أمره فيك ، ولا بدّ مما هو كائن.

وكانت أرينب بنت اسحق مثلا في أهل زمانها ، لجمالها وتمام كمالها وشرفها وكثرة مالها. فأخذ معاوية في الحيلة حتّى يبلغ يزيد رضاه فيها.

فكتب معاوية إلى (عبد الله بن سلّام) وكان استعمله على العراق ، أن أقبل حين تنظر في كتابي لأمر فيه حظك إنشاء الله ، ولا تتأخر عنه ، وجدّ السير.

وكان عند معاوية يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء صاحبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .فلما قدم عليه عبد الله بن سلام الشام ، أمر معاوية أن ينزل منزلا قد هيأه له ، وأعدّ

٣٧٦

فيه منزله ، ثم قال لأبي هريرة وأبي الدرداء : إن الله قد قسم بين عباده نعما ، أوجب عليهم شكرها ، وحتم عليهم حفظها ، فحباني منهاعزوجل بأتم الشرف وأكرم الذكر ، وأوسع عليّ رزقه ، وجعلني راعي خلقه وأمينه في بلاده ، والحاكم في أمر عباده ، ليبلوني أأشكر أم أكفر. وأول ما ينبغي للعبد أن يفتقده وينظر فيه ، من استرعاه الله أمره ومن لا غنى له عنه. وقد بلغت لي ابنة [أي أدركت سن البلوغ] أريد إنكاحها ، وأنظر في اختيار من يباعلها ، لعل من يكون بعدي يقتدي فيه بهديي ، ويتّبع فيه أثري ، فإنه قد يبتزّ الملك بعدي ، من يغلب عليه ز هو الشيطان ، وتزيينه إلى تعطيل بناتهم ، فلا يردن لهن كفوا. وقد رضيت لابنتي عبد الله بن سلام القرشي ، لدينه وشرفه ومروءته وأدبه.

فقال أبو هريرة وأبو الدرداء : إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما خصّه به أنت ، لأنك صاحب رسول الله وكاتبه وصهره. قال معاوية :فاذكرا ذلك عني لعبد الله ، وقد جعلت لها في نفسها شوري ، غير أني لأرجو أن لا تخرج من رأيي إنشاء الله تعالى.

فخرجا من عنده متوجهين إلى منزل عبد الله بن سلام بالذي قاله لهما معاوية.

ثم إن معاوية دخل على ابنته فقال لها : إذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة ، وعرضا عليك أمر عبد الله بن سلّام وإنكاحي إياك منه ، وحضّاك إلى المسارعة إلى هواي ، فقولي لهما : عبد الله بن سلام كفؤ كريم وقريب حميم ، غير أن تحته أرينب بنت اسحق ، وأنا خائفة أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء ، فأتناول منه ما يسخط الله فيه فيعذبني عليه ، ولست بفاعلة حتّى يفارقها.

فلما ذكر ذلك أبو هريرة وأبو الدرداء لعبد الله بن سلام ، وأعلماه بالذي أمرهما معاوية ، وأنهما جاءاه خاطبين!. قال لهما : نعم ، أنتما تعلمان رضاي بذلك وحرصي على صهارة أمير المؤمنين. فرجعا إلى معاوية وذكرا له ذلك. فقال : أنا راض بذلك وطالب له ، لكني قد أعلمتكما أني جعلت لها في نفسها شوري ، فادخلا عليها واعرضا عليها ما أحببته لها. فدخلا عليها وعرضا عليها ذلك ، فقالت كالذي قال لها أبوها.

فأعلما عبد الله بن سلام بذلك ، فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا بقاء أرينب عنده ، أشهدها على طلاقها ثلاثا ، وأرسلهما يعلمان بذلك معاوية وابنته. فأظهر معاوية

٣٧٧

كراهية لما فعله عبد الله بن سلام ، وقال : ما أحببت طلاق زوجته ولا استحسنته ، ولكن انصرفا في عافية. ثم عودا إلينا فإننا نسعى في رضاها ، ويكون ذلك إنشاء الله.

وكتب إلى يزيد يعلمه بما كان من طلاق عبد الله لزوجته أرينب بنت اسحق.

ثم عاد أبو هريرة وأبو الدرداء إلى معاوية ، فأمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها رضاها ، تبرّيا من الأمر ، ونظرا في القدر. وقال : لم يكن لي أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى في نفسها. فدخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام لزوجته أرينب ليسرّاها ، وذكرا من فضل عبد الله وكمال مروءته وكريم فخره. فقالت : جفّ القلم بما هو كائن ، وإنه في قريش لرفيع القدر ، وقد تعلمان أن التزويج جدّه جدّ وهزله جدّ ، والأناة في الأمور آمن لما يخاف فيها من المحذور ، وأن الأمور إذا جاءت خلاف الهوى بعد التأني فيها ، كان المرء بحسن العزاء خليقا ، وبالصبر عليها حقيقا. وإني سائلة عنه حتّى أعرف دخلة خبره ، ويتضح لي بالذي أريد علمه من أمره ، وإن كنت أعلم أن لا اختيار لأحدهما فيما هو كائن ، ومعلمتكما بالذي يزينه الله في أمره ، ولا قوة إلا بالله. قال الشيخان : وفقك الله وخار لك.

وتحدث الناس بالذي كان من طلاق عبد الله بن سلام امرأته ، وخطبته ابنة معاوية. واستحث عبد الله بن سلام الشيخين ، فأتياها ، فقالا لها : اصنعي ما أنت صانعة واستخيري الله ، فإنه يهدي من استهداه. قالت : أرجو والحمد لله أن يكون الله قد خار ، فإنه لا يكل إلى غيره من توكل عليه. وقد سألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسي ، مع اختلاف من استشرتهم فيه ، فمنهم الناهي عنه والآمر به ، واختلافهم أقل ما كرهت.

فلما بلغّاه كلامها ، علم أنه مخدوع. وقال متعزيا : ليس لأمر الله رادّ ، ولا لما بدّ منه صادّ ، فإن المرء وإن كمل له علمه واجتمع له عقله ، ليس بدافع عن نفسه قدرا برأي ولا كيد. ولعل ما سرّوا به لا يدوم لهم سروره ، ولا يدفع عنهم محذوره.

وشاع أمره وفشا في الناس ، وقالوا : خدعه معاوية حتّى طلقّ امرأته ، وإنما أرادها لابنه يزيد ، بئس ما صنع.

ولما انقضت أقراؤها (وهي العدّة) وجّه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد. فخرج حتّى قدمها ، وبها يومئذ الحسين بن عليعليهما‌السلام . فقال

٣٧٨

أبو الدرداء حين قدم العراق : ما ينبغي لذي نهى أن يبدأ بشيء غير زيارة الحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة ، إذا دخل موضعا هو فيه ، فإذا أديت حقه ذهبت إلى ما جئت إليه.

مبادرة رائعة :

فلما رآه الحسينعليه‌السلام قام إليه وصافحه إجلالا لصحبته من جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولموضعه من الإسلام. وقال له : ما أتى بك يا أبا الدرداء؟. قال : وجّهني معاوية خاطبا لابنه يزيد (أرينب بنت اسحق) فرأيت عليّ حقا أن لا أبدأ بشيء قبل السلام عليك. فشكر له الحسينعليه‌السلام ذلك وأثنى عليه. ثم قال : لقد كنت أردت نكاحها وعزمت على الإرسال إليها ، إذا انقضت أقراؤها ، فلم يمنعني من ذلك إلا تخيّر فعلك ، فقد أتى الله بك ، فاخطب رحمك الله لي وله [أي يزيد] التحري من تختاره منا ، وهي أمانة في عنقك حتّى تؤديها إليها ، واعطها من المهر مثل ما بذل لها معاوية عن ابنه. فقال : أفعل إنشاء الله.

فلما دخل أبو الدرداء على أرينب ، قال : أيتها المرأة ، إن الله خلق الأمور بقدرته ، وكوّنها بعزته ، فجعل لكل أمر قدرا ، ولكل قدر سببا ، فليس لأحد عن قدر الله مستخلص ، ولا للخروج من عمله مناص ، فكان ما سبق لك وقدّر عليك ، الّذي كان من فراق عبد الله بن سلام إياك ، ولعل ذلك لا يضرّك ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. وقد خطبك أمير هذه الأمة وابن مليكها وولي عهده والخليفة من بعده : يزيد ابن معاوية ، والحسين ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن أول من أقرّ به من أمته وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة. وقد بلغك سناهما وفضلهما ، وجئتك خاطبا لهما ، فاختاري أيهما شئت.

فسكتت طويلا ، ثم قالت : يا أبا الدرداء ، لو كان هذا الأمر جاءني وأنت غائب ، لأشخصت فيه الرسل إليك ، واتبعت فيه رأيك ولم أقتطعه دونك. فأما إذ كنت المرسل فيه ، فقد فوّضت أمري بعد الله إليك ، وجعلته في يديك ، فاختر لي أرضاهما لديك ، والله شاهد عليك ، فاقض في قصدي بالتحري ، ولا يصدّنك عن ذلك اتباع هوى ، فليس أمرهما عليك خفيّا ، ولست فيما طوّقتك غبيّا.

قال أبو الدرداء : أيتها المرأة إنما عليّ إعلامك ، وعليك الاختيار لنفسك.فقالت : عفا الله عنك ، إنما أنا بنت أخيك ومن لا غنى به عنك ، فلا تمنعك رهبة

٣٧٩

أحد من قول الحق فيما طوّقتك. فقد وجبت عليك إذا الأمانة فيما حمّلتك. والله خير من روعي وخيف ، إنه بنا خبير لطيف.

فلما لم يجد بدّا من القول والإشارة ، قال : أي بنيّة ، ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ لك وأرضى عندي ، والله أعلم بخيرهما لك. وقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضعا شفتيه على شفتي حسين ، فضعي شفتيك حيث وضع رسول الله شفتيه.قالت : قد اخترته ورضيته فتزوجها الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام وساق لها مهرا عظيما.

وبلغ معاوية الّذي كان من فعل أبي الدرداء في ذلك ، ونكاح الحسينعليه‌السلام إياها ، فتعاظمه جدا ولامه شديدا. وقال : من يرسل ذا بله وعمى ، يركب خلاف ما يهوى. وكان عبد الله بن سلام قد استودع أرينب قبل فراقها بدرات مملوءة درّا ، وكان ذلك أعظم ماله لديه وأحبه إليه. وقد كان معاوية اطّرحه وقطع عنه جميع روافده لسوء قوله فيه وتهمته أنه خدعه. فلم يزل يجفوه حتّى عيل صبره ، وقلّ ما في يديه ، ولام نفسه على المقام لديه. فرجع إلى العراق ، وهو يذكر ماله الّذي استودعه إياها ، ولا يدري كيف يصنع فيه ، وأنّى يصل إليه ، وهو يتوقع جحودها لسوء فعله بها ، وطلاقه إياها من غير شيء أنكره عليها.

ردّ الحقّ إلى أهله :

فلما قدم العراق لقي الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه ، ثم قال له : قد عرفت ما كان من خبري وخبر أرينب. وكنت قبل فراقي إياها قد استودعتها مالا عظيما ، وكان الّذي كان ، ولم أقبضه ، ووالله ما أنكرت منها في طول صحبتها فتيلا ، ولا أظن بها إلا جميلا. فذاكرها أمري وحاضضها على ردّ مالي إليّ ، فإن الله يحسن إليك ذكرك ، ويجزل به أجرك. فسكت عنه.

ولما انصرف الحسينعليه‌السلام إلى أهله ، قال لها : قدم عبد الله بن سلام ، وهو يحسن الثناء عليك ويحمل النشر عنك ، في حسن صحبتك ، وما آنسه قديما من أمانتك ، فسرّني بذلك وأعجبني. وذكر أنه كان استودعك مالا ، فأدّي إليه أمانته ، وردّي عليه ماله ، فإنه لم يقل إلا صدقا ، ولم يطلب إلا حقا. قالت : صدق.استودعني مالا لا أدري ما هو ، وإنه لمطبوع عليه بخاتمه ، ما حوّل فيه شيء إلى يومه ، وها هو فادفعه إليه بطابعه. فأثنى عليها الحسينعليه‌السلام خيرا. وقال : أدخله عليك حتّى تبرئي إليه منه ، كما دفعه إليك.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

[ ٢١ ]

مجلس يوم الجمعة

الحادي عشر من صفر سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١١٧٤/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيرضي‌الله‌عنه ، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوالعباس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبدالرحمن الهمداني بالكوفة وسألته، قال: حدّثنا محمّد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الاشعري، قال: حدّثنا عليّ بن حسان الواسطي، قال: حدّثنا عبدالرحمن بن كثير، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليّ بن الحسينعليهم‌السلام ، قال: لما أجمع الحسن بن عليّعليه‌السلام على صلح معاوية خرج حتّى لقيه، فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا، فصعد المنبر وأمر الحسنعليه‌السلام أن يقوم أسفل منه بدرجة، ثم تكلم معاوية، فقال: أيها الناس، هذا الحسن بن عليّ وابن فاطمة، رآنا للخلافة أهلا، ولم ير نفسه لها أهلا، وقد أتانا ليبايع طوعا.

ثم قال: قم يا حسن؟ فقام الحسنعليه‌السلام فخطب فقال: الحمد لله المستحمد بالآلاء، وتتابع النعماء، وصارف الشدائد والبلاء، عند الفهماء وغير الفهماء،

٥٦١

المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه، وعلوه عن لحوق الاوهام ببقائه، المرتفع عن كنه ظنانة المخلوقين، من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الرائين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده في ربوبيته، ووجوده ووحدانيته، صمدا لا شريك له، فردا لا ظهير له، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله، اصطفاه وانتجبه وارتضاه، وبعثه داعيا إلى الحق، وسراجا منيرا، وللعباد مما يخافون نذيرا، ولما يأملون بشيرا، فنصح للامة، وصدع بالرسالة، وأبان لهم درجات العمالة، شهادة عليها أموت وأحشر، وبها في الآجلة أقرب وأحبر.

وأقول معشر الخلائق فاسمعوا، ولكم أفئدة وأسماع فعوا: إنا أهل بيت أكرمنا الله بالاسلام، واختارنا واصطفانا واجتبانا، فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا، والرجس هو الشك، فلا نشك في الله الحق ودينه أبدا، وطهرنا من كل أفن(١) وغية، مخلصين إلى آدم نعمة منه، لم يفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما، فأدت الامور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنبوة، واختاره للرسالة، وأنزل عليه كتابه، ثم أمره بالدعاء إلى الله (عزّوجلّ) فكان أبيعليه‌السلام أول من استجاب لله (تعالى)، ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأول من آمن وصدق الله ورسوله، وقد قال الله (تعالى) في كتابه المنزل على نبيه المرسل:( أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ) (٢) فرسول الله الذي على بينة من ربه، وأبي الذي يتلوه، وهو شاهد منه.

وقد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة (سر بها يا علي، فإني أمرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني، وأنت هو يا علي) فعلي من رسول الله، ورسول الله منه، وقال له نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالبعليهما‌السلام ومولاه زيد بن حارثة في ابنة حمزة: (أما أنت لا علي فمني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن بعدي).

____________________

(١) أفن الرجل: ضعف رأيه.

(٢) سورة هود ١١: ١٧.

٥٦٢

فصدّق أبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سابقا ووقاه بنفسه، ثم لم يزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل موطن يقدمه، ولكل شديدة يرسله ثقة منه وطمأنينة إليه، لعلمه بنصيحته لله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنه أقرب المقربين من الله ورسوله، وقد قال الله (عزّوجلّ):( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (١) وكان أبي سابق السابقين إلى الله (عزّوجلّ) وإلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقرب الاقربين، فقد قال الله (تعالى):( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ) (٢) .

فأبي كان أولهم إسلاما وايمانا، وأولهم إلى الله ورسوله هجرة ولحوقا وأولهم على وجده ووسعه نفقة، قال (سبحانه):( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٣) فالناس من جميع الامم يستغفرون له بسبقه إياهم الايمان بنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك أنه لم يسبقه إلى الايمان أحد، وقد قال الله (تعالى):( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) (٤) فهو سابق جميع السابقين، فكما أن الله (عزّوجلّ) فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين، فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين، وقد قال الله (عزّوجلّ:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٥) . (فكان أبي المؤمن بالله واليوم الآخر) والمجاهد في سبيل الله حقا، وفيه نزلت هذه الآية.

وكان ممن استجاب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمه حمزة وجعفر ابن عمه، فقتلا شهيدينرضي‌الله‌عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

____________________

(١) سورة الواقعة ٥٦: ١٠، ١١.

(٢) سورة الحديد ٥٧: ١٠.

(٣) سورة الحشر ٥٩: ١٠.

(٤) سورة التوبة ٩: ١٠٠.

(٥) سورة التوبة ٩: ١٩.

٥٦٣

فجعل الله (تعالى) حمزة سيد الشهداء من بينهم، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم، وذلك لمكانهما من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنزلتهما وقرابتهما منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه.

وكذلك جعل الله (تعالى) لنساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمحسنة منهن أجرين، وللمسيئة منهن وزرين ضعفين، لمكانهن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجعل الصلاة في مسجد رسول الله بألف صلاة في سائر المساجد إلا مسجد خليله إبراهيمعليه‌السلام بمكة، وذلك لمكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ربه.

وفرض الله (عزّوجلّ) الصلاة على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كافة المؤمنين، فقالوا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: « اللهم صل على محمّد وآل محمّد » فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فريضة واجبة.

وأحل الله (تعالى) خمس الغنيمة لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوجبها له في كتابه، وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له، وحرم عليه الصدقة وحرمها علينا معه، فأدخلنا - فله الحمد - فيما أدخل فيه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخرجنا ونزهنا مما أخرجه منه ونزهه عنه، كرامة أكرمنا الله (عزّوجلّ) بها، وفضيلة فضلنا بها على سائر العباد، فقال الله (تعالى) لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه:( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) فأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الانفس معه أبي، ومن البنين إياي وأخي، ومن النساء أمي فاطمة من الناس جميعا، فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه، ونحن منه وهو منا.

وقد قال الله (تعالى):( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ

____________________

(١) سورة آل عمران ٣: ٦١.

٥٦٤

تَطْهِيرًا ) (١) . فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا وأخي وأمي وأبي، فجللنا ونفسه في كساء لام سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وهؤلاء أهلي وعترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقالت أم سلمةرضي‌الله‌عنه : أدخل معهم يا رسول الله؟ فقال لهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يرحمك الله، أنت على خير وإلى خير، وما أرضاني عنك! ولكنها خاصة لي ولهم.

ثم مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك بقية عمره حتّى قبضه الله إليه، يأتينا كل يوم عند طلوع الفجر فيقول: « الصلاة يرحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »

وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسد الابواب الشارعة في مسجده غير بابنا، فكلموه في ذلك، فقال: « إني لم أسد أبوابكم وافتح باب علي من تلقاء نفسي، ولكني اتبع ما يوحى إلي، وإن الله أمر بسدها وفتح بابه » فلم يكن من بعده ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويولد فيه الاولاد غير رسول الله وأبي علي ابن أبي طالبعليها‌السلام تكرمة من الله (تعالى) لنا، وفضلا اختصنا به على جميع الناس.

وهذا باب أبي قرين باب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده، ومنزلنا بين منازل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك أن الله أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبني مسجده، فبنى فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه وأزواجه وعاشرها وهو متوسطها لابي فها هو لبسبيل مقيم، والبيت هو المسجد المطهر، وهو الذي قال الله (تعالى):( أَهْلَ الْبَيْتِ ) فنحن أهل البيت، ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا.

أيها الناس، إني لو قمت حولا فحولا أذكر الذي أعطانا الله (عزّوجلّ) وخصنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم أحصه، وأنا ابن النبيّ النذير البشير، السراج المنير، الذي جعله الله رحمة للعالمين، وأبي علي، ولي المؤمنين، وشبيه هارون، وإن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا، ولم أر نفسي لها

____________________

(١) سورة الاحزاب ٣٣: ٣٣.

٥٦٥

أهلا، فكذب معاوية، وأيم الله لانا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، ونزل على رقابنا، وحمل الناس على أكتافنا، ومنعنا سهمنا في كتاب الله (من الفئ) والغنائم، ومنع أمنا فاطمة إرثها من أبيها.

إنا لا نسمي أحدا، ولكن أقسم بالله قسما تاليا، لو أن الناس سمعوا قول الله (عزّوجلّ) ورسوله، لاعطتهم السماء قطرها، والارض بركتها، ولما اختلف في هذه الامة سيفان، ولاكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة، وما طمعت فيها يا معاوية، ولكنها لما أخرجت سالفا من معدنها، وزحزحت عن قواعدها، تنازعتها قريش بينها، وترامتها كترامي الكرة حتّى طمعت فيها أنت يا معاوية وأصحابك من بعدك، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا »

وقد تركت بنو إسرائيل - وكانوا أصحاب موسىعليه‌السلام - هارون أخاه وخليفته ووزيره، وعكفوا على العجل وأطاعوا فيه سامريهم، وهم يعلمون أنه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك لابيعليه‌السلام (إنه مني بمنرلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وقد رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين نصبه لهم بغدير خم وسمعوه، ونادى له بالولاية، ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذارا من قومه إلى الغار - لما أجمعوا أن يمكروا به، وهو يدعوهم - لما لم يجد عليهم أعوانا، ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم.

وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث ولم ينصر، ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم، وقد جعل في سعة كما جعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سعة.

وقد خذلتني الامة وبايعتك يابن حرب، ولو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك، وقد جعل الله (عزّوجلّ) هارون في سعة حين استضعفه قومه وعادوه، كذلك أنا

٥٦٦

وأبي في سعة حين تركتنا الامة وبايعت غيرنا، ولم نجد عليهم أعوانا، وإنما هي السنن والامثال تتبع بعضها بعضا.

أيها الناس، إنكم لو التمستم بين المشرق والمغرب رجلا جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوه وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تجدوا غيري وغير أخي، فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان، وكيف بكم وأنى ذلك منكم! ألا وإني قد بايعت هذا - وأشار بيده إلى معاوية –( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) (١) .

أيها الناس، إنه لا يعاب أحد بترك حقه، وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له، وكل صواب نافع، وكل خطأ ضار لاهله، وقد كانت القضية ففهمها سليمان فنفعت سليمان ولم تضر داود، فاما القرابة فقد نفعت المشرك وهي والله للمؤمن أنفع، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمه أبي طالب وهو في الموت: « قل لا إله إلا الله، أشفع لك بها يوم القيامة » ولم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له إلا ما يكون منه على يقين، وليس ذلك لاحد من الناس كلهم غير شيخنا - أعني أبا طالب - يقول الله (عزّوجلّ:( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) (٢) .

أيها الناس، اسمعوا وعوا، واتقوا الله وراجعوا، وهيهات منكم الرجعة إلى الحق، وقد صارعكم النكوص، وخامركم الطغيان والجحود( أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) (٣) والسلام على من اتبع الهدى.

قال: فقال معاوية: والله ما نزل الحسن حتّى أظلمت علي الارض، وهممت أن أبطش به، ثم علمت أن الاغضاء أقرب إلى العافية.

____________________

(١) سورة الانبياء ٢١: ١١١.

(٢) سورة النساء ٤: ١٨.

(٣) سورة هود ١١: ٢٨.

٥٦٧

[ ٢٢ ]

مجلس يوم الجمعة

السابع عشر من صفر سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١١٧٥/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (قدس الله روحه)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني أبوعلي أحمد بن عليّ بن مهدي بن صدقة البرقي أملاه علي إملاء من كتابه، قال: حدّثنا (لابي، قال: حدّثنا) الرضا أبوالحسن عليّ بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدثني أبي محمّد بن علي، قال: حدثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن عليّعليهم‌السلام ، قال: لما أتى أبوبكر وعمر إلى منزل أميرالمؤمنينعليه‌السلام وخاطباه في البيعة وخرجا من عنده، خرج أميرالمؤمنينعليه‌السلام إلى المسجد، فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت، إذ بعث فيهم رسولا منهم، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ثم قال: إن فلانا وفلانا أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبو ابنيه، والصديق الاكبر، وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقولها أحد غيري إلا كاذب، وأسلمت وصليت، وأنا وصيه، وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّدعليهما‌السلام ، وأبو حسن وحسين سبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم الله، وبنا استنقذكم من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح،

٥٦٨

وفي نزلت سورة من القرآن، وأنا الوصي على الاموات من أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنا بقيته على الاحياء من أمته، فاتقوا الله يثبت أقدامكم ويتم نعمته عليكم، ثم رجععليه‌السلام إلى بيته.

١١٧٦/٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر بن محمّد بن جعفر بن الحسن الحسنيرحمه‌الله في رجب سنة سبع وثلاث مائة، قال: حدثني محمّد بن عليّ بن الحسين (بن زيد بن عليّ بن الحسين) بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: حدثني الرضا عليّ بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمّد، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم من مظانه، واقتبسوه من أهله، فإن تعليمه لله حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة فيه تسبيح، والعمل به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لاهله قربة إلى الله (تعالى)، لانه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والصاحب في الغربة والوحدة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الاعداء، والزين عند الاخلاء، يرفع الله به أقواما ويجعلهم في الخير (قادة)(١) .

١١٧٧/٣ - وباسناده عن عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، في قول الله (عزّوجلّ):( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) (٢) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة.

١١٧٨/٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر بن محمّد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن أميرالمؤمنين

____________________

(١) تقدمت قطعة منه في الحديث: ١٠٦٩.

(٢) سورة الرحمن ٥٥: ٦٠.

٥٦٩

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في رجب سنة سبع وثلاث مائة، قال: حدئني محمّد بن عليّ بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام منذ خمس وسبعين سنة قال: حدّثنا الرضا عليّ بن موسى، قال: حدّثنا أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثنا أبي جعفر بن محمّد، قال: حدثني أبي محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: التوحيد ثمن الجنة، والحمد لله وفاء شكر كل نعمة، وخشية الله مفتاح كل حكمة، والاخلاص ملاك كل طاعة.

١١٧٩/٥ - وباسناده، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إني سميت فاطمة لانها فطمت وذريتها من النار، من لقي الله منهم بالتوحيد والايمان بما جئت به.

١١٨٠/٦ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن الحسين بن حمزة بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، قال: حدّثنا عمي عليّ بن حمزة، قال: حدّثنا عليّ بن جعفر بن محمّد، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين، عن عليعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما اختلج عرق ولا عثرت قدم إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله (عزّوجلّ) عنه أكثر.

١١٨١/٧ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن مهرويه الصامغاني بقزوين، قال: حدّثنا داود بن سليمان الغازي القزويني، قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرضا، قال: حدّثنا أبي موسى، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله (عزّوجلّ): يابن آدم ما تنصفني، أتحبب إليك بالنعم، وتتمقت إلي بالمعاصي، خيري إليك منزل، وشرك إلي صاعد، ولا يزال ملك كريم يعرج إلي عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح، يابن آدم

٥٧٠

لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تدري من الموصوف إذن لسارعت إلى مقته(١) .

١١٨٢/٨ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبومحمّد عبدالله بن محمّد بن ياسين بن محمّد بن عجلان التميمي العابد مولى الباقرعليه‌السلام ، قال: حدثني مولاي أبوالحسن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الناس اثنان: رجل أراح ورجل استراح، فالمؤمن استراح من الدنيا وتعبها، وأفضى إلى رحمة الله وكريم ثوابه، وأما الذي أراح فالفاجر أراح منه الناس والشجر والدواب، وأفضى إلى ما قدم.

١١٨٣/٩ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعلي أحمد بن محمّد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمّد العلوي العريضي بحران، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، قال: حدثني عماي عليّ بن موسى والحسين بن موسى، عن أبيهما موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن عليعليهم‌السلام ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: يوحي الله (عزّوجلّ) إلى الحفظة الكرام: لا تكتبوا على عبدي المؤمن عند ضجره شيئا.

١١٨٤/١٠ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوأحمد عبيدالله بن الحسين بن إبراهيم، عن عليّ بن عبدالله بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: حدّثنا عليّ بن القاسم بن الحسين بن زيد بن علي، عن أبيه القاسم بن الحسين، عن أبيه الحسين بن زيد، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولا أن الذنب خير للمؤمن من العجب ما خلى الله (عزّوجلّ) بين عبده

____________________

(١) تقدم في الحديث: ١٩٧، والحديث: ٥٣٢.

٥٧١

المؤمن وبين ذنب أبدا.

١١٨٥/١١ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: أخبرنا رجاء ابن يحيى بن سامان العبرتائي الكاتب، قال: حدّثنا هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب بسر من رأى سنة أربعين ومائتين، قال: حدّثنا مسعدة بن صدقة العبدي، قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يحدث عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المجالس بالامانة، ولا يحل لمؤمن أن يأئر(١) عن مؤمن - أو قال: عن أخيه المؤمن - قبيحا.

١١٨٦/١٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني محمّد ابن جعفر بن محمّد بن رياح الاشجعي، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب الاسدي، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمّد الرؤاسي الخثعمي، قال: حدثني عدي بن زيد الهجري، عن أبي خالد الواسطي، قال إبراهيم بن محمّد: ولقيت أبا خالد عمرو بن خالد فحدثني عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فكان رأسه في حجري والعباس يذب عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأغمي عليه إغماءة ثم فتح عينيه، فقال: يا عباس يا عم رسول الله، اقبل وصيتي واضمن ديني وعداتي. فقال: يا رسول الله، أنت أجود من الريح المرسلة، وليس في مالي وفاء لدينك وعداتك. فقال النبيّعليه‌السلام ذلك ثلاثا يعيده عليه والعباس في كل ذلك يجيبه بما قال أول مرة.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لاقولنها لمن يقبلها، ولا يقول - يا عباس - مثل مقالتك. قال: فقال: يا علي، اقبل وصيتي، واضمن ديني وعداتي. قال: فخنقتني العبرة، وارتج جسدي، ونظرت إلى رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذهب ويجئ في حجري، فقطرت دموعي على وجهه، ولم أقدر أن أجيبه، ثم ثنى فقال: يا علي، اقبل وصيتي واضمن ديني وعداتي. قال: قلت: نعم بأبي وأمي. قال: اجلسني، فأجلسته،

____________________

(١) أثر الحديث: نقله ورواه عن غيره.

٥٧٢

فكان ظهره في صدري، فقال: يا علي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، ووصيي وخليفتي في أهلي.

ثم قال: يا بلال، هلم سيفي ودرعي وبغلتي وسرجها ولجامها ومنطقتي التي أشدها على درعي، فجاء بلال بهذه الاشياء، فوقف بالبغلة بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: قم يا علي فاقبض. قال: فقمت وقام العباس فجلس مكاني، فقمت فقبضت ذلك، فقال: انطلق به إلى منزلك، فانطلقت ثم جئت فقمت بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنظر إلي ثم عمد إلى خاتمه فنزعه ثم دفعه إلي، فقال. هاك يا علي هذا في الدنيا والآخرة، والبيت غاص من بني هاشم والمسلمين، فقال: يا بني هاشم، يا معشر المسلمين، لا تخالفوا عليا فتضلوا، ولا تحسدوه فتكفروا، يا عباس قم من مكان علي. فقال. تقيم الشيخ وتجلس الغلام! فأعادها عليه ثلاث مرات، فقام العباس فنهض مغضبا وجلست مكاني، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عباس، يا عم رسول الله، لا أخرج من الدنيا وأنا ساخط عليك، فيدخلك سخطي عليك النار، فرجع فجلس.

٥٧٣

[ ٢٣ ]

مجلس يوم الجمعة

الرابع والعشرين من صفر سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقتة أحاديث أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١١٨٧/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (قدس الله ررحه)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد بن عبيدالله بن محمّد بن عمار الثقفي، قال: حدثني عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي سنة خمس وأربعين ومائتين، قال: حدثني أبي، عن يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن أبيه، عن المغيرة بن الحارث بن نوفل بن الحارث، عن أبيه، عن جده نوفل: أنه كان يحدث عن يوم حنين، قال: فر الناس جميعا وأعروا(١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يبق معه إلا سبعة نفر من بني عبد المطلب: العباس، وابنه الفضل، وعلي، وأخوه عقيل، وأبو سفيان، وربيعة، ونوفل بنو الحارث بن عبد المطلب، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصلت سيفه في المجتلد، وهو على بغلته الدلدل، وهو يقول:

أنا النبيّ لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

____________________

(١) أعراه: تركه ولم ينصره.

٥٧٤

قال الحارث بن نوفل: فحدثني الفضل بن العباس، قال: التفت العباس يومئذ وقد أقشع الناس(١) عن بكرة أبيهم، فلم ير علياعليه‌السلام في من ثبت، فقال: شوهة بوهة، أفي مثل هذا الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صاحب ما هو صاحبه! - يعني المواطن المشهورة له - فقلت: نقص قولك لابن أخيك يا أبه. قال: ما ذاك، يا فضل؟ قلت: أما تراه في الرعيل الاول، أما تره في الرهج(٢) ، قال: أشعره لي يا بني. قلت: ذو كذا ذو كذا ذو البردة. قال: فما تلك البرقة؟ قلت: سيفه يزيل به بين الاقران. فقال: بر بن بر، فداه عم وخال. قال: فضرب عليّعليه‌السلام يومئذ أربعين مبارزا، كلهم يقده حتّى أنفه وذكره، قال: وكانت ضرباته مبتكرة(٣) .

١١٨٨/٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا صالح بن أحمد بن أبي مقاتل القيراطي، ومحمّد بن القاسم بن زكريا المحاربي، قال: حدّثنا أبوطاهر محمّد بن تسنيم الحضرمي الوراق، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن حكيم الخثعمي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن رقبة بن مصقلة بن عبدالثه بن خوتعة بن صبرة العبدي، عن أبيه، عن جده عبدالله بن خوتعة، قال: قدمنا وفد عبد القيس في إمارة عمر بن الخطاب، فسأله رجلان منا عن طلاق الامة، فقام معهما قال: انطلقا، فجاء إلى حلقة فيها رجل أصلع، فقال: يا أصلع، ما طلاق الامة؟ قال: فأشار له باصبعيه هكذا - يعني اثنتين - قال: فالتفت عمر إلى الرجلين فقال: طلاقها اثنتان. فقال له أحدهما: سبحان الله، جئناك وأنت أميرالمؤمنين فسألناك، فجئت إلى رجل فوالله ما كلمك! فقال له عمر: ويلك أتدري من هذا؟ هذا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، سمعتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لو أن السماوات والارض وضعتا في كفة، ووضع

____________________

(١) أي تفرقوا.

(٢) الرهج: الغبار.

(٣) أي إن ضربته كانت بكرا، يقتل بواحدة منها، لا يحتاج أن يعيد الضربة ثانيا، يقال: ضربة بكر. إذا كانت قاطعة لا تثنى.

٥٧٥

إيمان علي في كفة، لرجح إيمان علي.

١١٨٩/٣ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوالطيب محمّد بن الحسين بن حميد بن الربيع اللخمي الكوفي ببغداد، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر بن عبدالله بن جعفر العلوي المحمّدي، قال: حدّثنا منصور بن أبي بريرة، قال: حدثني نوح بن دراج القاضي، عن ثابت بن أبي صفية، قال: حدثني يحيى ابن أم الطويل، عن نوف بن عبدالله البكالي، قال: قال لي عليّعليه‌السلام : يا نوف، خلقنا من طينة طيبة، وخلق شيعتنا من طينتنا، فإذا كان يوم القيامة ألحقوا بنا.

قال: نوف: فقلت: صف لي شيعتك، يا أميرالمؤمنين؟ فبكى لذكرى شيعته، ثم قال: يا نوف، شيعتي والله الحلماء العلماء بالله ودينه، العاملون بطاعته وأمره، المهتدون بحبه، أنضاء(١) عبادة، أحلاس زهادة(٢) ، صفر الوجوه من التهجد، عمش العيون من البكاء، ذبل الشفاه من الذكر، خمص البطون من الطوى، تعرف الربانية في وجوههم، والرهبانية في سمتهم، مصابيح كل ظلمة، وريحان كل قبيل، لا يثنون من المسلمين سلفا، ولا يقفون لهم خلفا، شرورهم مكنونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، أنفسهم منهم في عناء، والناس منهم في راحة، فهم الكاسة الالباء، والخالصة النجباء، وهم الرواغون فرارا بدينهم، إن شهدوا لم يعرفوا، وان غابوا لم يفتقدوا، أولئك شيعتي الاطيبون، وإخواني الاكرمون، ألا هاه شوقا إليهم.

١١٩٠/٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوأحمد عبيدالله بن حسين بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبوإسماعيل إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم العلوي الحسني، قال: حدثني عمي الحسن بن إبراهيم، قال: حدثني أبي إبراهيم بن إسماعيل، عن أبيه إسماعيل، عن أبيه إبراهيم بن الحسن بن الحسن، عن امه فاطمة بنت الحسين، عن أبيها الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال:

____________________

(١) الانضاء: جمع نضو، المهزول.

(٢) أي ملازمون للزهد، أو ملازمون للبيوت لزهدهم.

٥٧٦

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطي أربع خصال في الدنيا، فقد اعطي خير الدنيا والآخرة، وفاز بحظه منهما: ورع يعصمه عن محارم الله، وحسن خلق يعيش به في الناس، وحلم يدفع به جهل الجاهل، وزوجة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة.

١١٩١/٥ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوالقاسم جعفر بن محمّد العلوي في منزله بمكة سنة ثماني عشرة وثلاث مائة، قال: حدّثنا عبيدالله بن أحمد بن نهيك، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن جده، عن أبيه الحسين بن علي، عن عليعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طالب العلم بين الجهال كالحي بين الاموات.

١١٩٢/٦ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر بن محمّد العلوي الحسني، قال: حدّثنا أحمد بن عبد المنعم الصيداوي، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن محمّد، عن أبيه أبي عبداللهعليه‌السلام ، عن آبائه، عن عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيد الاعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الاخ في الله، وذكر الله على كل حال.

١١٩٣/٧ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الازدي بأرتاح، ومحمّد بن سعيد بن شرحبيل الترخمي بحمص، قالا: حدّثنا أبوعبد الغني الحسن بن عليّ بن عبد الغني الازدي بمعان، قال: حدّثنا عبد الوهاب بن همام الحميري، قال: حدثني أبي همام بن نافع، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن عبدالله بن عباس، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: أنا مدينة الجنة وعلي بابها، فمن أراد الجنة فليأتها من بابها.

١١٩٤/٨ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد بن عيسى بن محمّد بن الفراء الكبير ببغداد سنة عشر وثلاث مائة، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن عمرو بن مسلم الا حقي الصفار بالبصرة سنة أربع وأربعين ومائتين، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن

٥٧٧

محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: قال لي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وأنت الباب، وكذب من زعم أنه يصل إلى المدينة لا من قبل الباب.

١١٩٥/٩ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني أحمد ابن إسحاق بن العباس بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد العلوي بديبل، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن بيان، عن حمران المدائني قاضي تفليس، قال: حدثني جدي لامي شريف بن سابق التفليسي، قال: حدّثنا الفضل بن أبي قرة التميمي، عن جابر الجعفي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي ذر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي، فليتول عليا بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالائمة من بعده، فإنهم عترتي، خلقهم الله من لحمي ودمي، وحباهم فهمي وعلمي، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، لا أنالهم الله شفاعتي.

٥٧٨

[ ٢٤ ]

مجلس يوم الجمعة

التاسع من ربيع الاول سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١١٩٦/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسيرضي‌الله‌عنه ، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن معاذ ابن سعيد الحضرمي بالجار، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا بن سارية المكي القرشي بجدة، قال: حدثني أبي، عن كثير بن طارق مولى بني هاشم، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن أبي ذر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد قدم عليه وفد أهل الطائف: « يا أهل الطائف، والله لتقيمن الصلاة، ولتؤتن الزكاة، أو لابعثن إليكم رجلا كنفسي، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يقصعكم بالسيف » فتطاول لها أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ بيد عليّعليه‌السلام فأشالها، ثم قال: هو هذا. فقال أبوبكر وعمر: ما رأينا كاليوم في الفضل قط.

١١٩٧/٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبدالله ابن محمّد بن عبيد بن ياسين بن محمّد بن عجلان مولى الباقرعليه‌السلام ، قال: سمعت مولاي أبا الحسن عليّ بن محمّد بن الرضاعليهم‌السلام يذكر عن آبائه، عن جعفر بن

٥٧٩

محمّدعليه‌السلام ، قال: قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : ما أنعم الله على عبد نعمة فشكرها بقلبه إلا استوجب المزيد فيها قبل أن يظهر شكرها على لسانه.

١١٩٨/٣ - قال: وقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : من أصبح والآخرة همه، استغنى بغير مال، واستأنس بغير أهل، وعز بغير عشيرة.

١١٩٩/٤ - قال: وقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : المؤمن لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب، وإن بغي عليه صبر حتّى يكون الله (عزّوجلّ) هو المنتصر.

١٢٠٠/٥ - قال: وقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : إن من العزة بالله أن يصبر العبد على المعصية، ويتمنى على الله المغفرة.

١٢٠١/٦ - قال: وسمع أميرالمؤمنينعليه‌السلام رجلا يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة. قال: أراك تتعوذ من مالك وولدك، يقول الله (تعالى):( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (١) ولكن قل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.

١٢٠٢/٧ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا رجاء بن يحيى أبوالحسين العبرتائي، قال: حدّثنا يعقوب بن السكيت النحوي، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن محمّد بن الرضاعليها‌السلام يقول: قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : إياكم والايكال بالمنى، فإنها من بضائع العجزة.

قال: وأنشدني ابن السكيت:

إذا ما رمى بي الهم في ضيق مذهب

رمت بي المنى عنه إلى مذهب رحب

١٢٠٣/٨ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوالحسين رجاء بن يحيى العبرتائي، قال: حدّثنا يعقوب بن السكيت النحوي، قال: سألت أبا الحسن عليّ بن محمّد بن الرضاعليهم‌السلام : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة؟

قال: إن الله (تعالى) لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس، فهو في كل

____________________

(١) سورة التغابن ٦٤: ١٥.

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735