موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 498114 / تحميل: 5898
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

إمامته وقبول طاعته »(١) .

أقول:

فكذا لفظ « الولي » في « حديث الولاية » بلا فرقٍ فارق.

(٣٣)

قول عمر: أصبحت اليوم ولي كلّ مؤمن

وأخرج ابن كثير في عداد فضائل الإمامعليه‌السلام الحديث التالي:

« قال عبدالرزاق: أنا معمر، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - حتى نزلنا عند غدير خم، بعث منادياً ينادي، فلما اجتمعنا قال: ألست أولى بكم من انفسكم؟ قلنا بلى يا رسول الله! قال: ألست أولى بكم من امهاتكم؟ قلنا بلى يا رسول الله! قال: ألست أولى بكم من آبائكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ألست ألست ألست؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه. فقال عمر بن الخطّاب. هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت اليوم ولي كلّ مؤمن.

وكذا رواه ابن ماجة من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جد عان.

ورواه أبو يعلى الموصلي عن هدبة بن خالد »(٢) .

__________________

(١). تذكرة الخواص: ٣٨.

(٢). البد اية والنهاية ٧ / ٣٤٩

٣٦١

أقول:

ولقد ثبت - في محلّه - أنّ المراد من « المولى » في حديث الغدير هو « الإمام » فكذا « الولي » وإذا كان كذلك كان المراد من « الولي » في « حديث الولاية » هو « الإمام » بلا كلام.

(٣٤)

معنى: « علي منّي وأنا منه » في حديث الولاية

لقد جاء في أكثر طرق حديث الولاية جملة « علي منّي وأنا منه ».

وممّن روى ذلك:

أبو بكر بن أبي شيبة.

وأحمد بن حنبل.

وأبو عيسى الترمذي.

وأبو عبدالرحمن النسائي.

والحسن بن سفيان.

وأبو يعلى الموصلي.

ومحمّد بن جرير الطبري.

وأبو حاتم ابن حبان.

وأبو السعادات ابن الأثير الجزري.

وشهاب الدين ابن حجر العسقلاني.

٣٦٢

وجلال الدين السيوطي.

وهذه الجملة تؤيّد معنى الحديث وتؤكّده. وبيان ذلك:

لقد أخرج الترمذي: « حدّثنا الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل بن عيّاش، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبَّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط »(١) .

وقال الطّيبي بشرح هذا الحديث: « قوله: حسين منّي وأنا من حسين.

كأنّه صلّى الله عليه وسلّم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم، فخصّه بالذكر وبيّن أنّهما كالشيء الواحد في وجوب المحبّة وحرمة التعرّض والمحاربة، وأكّد ذلك بقوله: أحبّ الله من أحبّ حسيناً، فإنّ محبته محبّة الرسول ومحبّة الرسول محبّة الله. والسبط بكسر السين ولد الولد، أي: من هو أولاد أولادي، أكّد به البعضيّة وقرّرها »(٢) .

أقول:

ونفس هذه التقرير آتٍ في « علي منّي وأنا منه » حرفاً بحرف، فيكون الإمامعليه‌السلام مساوياً للنبي عليه وآله الصلاة والسلام في وجوب المحبة وحرمة المخالفة.

وإذا ثبت ذلك ثبتت العصمة والأفضليّة، وهما يستلزمان الإمامة والخلافة.

__________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٥٨.

(٢). الكاشف - شرح المشكاة - مخطوط.

٣٦٣

كما أنّ هذه الجملة قرينة على أن المعنى في « وليّكم من بعدي » هو الإمام والخليفة، والله الموفّق.

(٣٥)

أحاديث أخرجها الحاكم وغيره واستشهد بها والد الدهلوي وقرّر معناها

وقال شاه وليّ الله والد ( الدهلوي ) في مآثر أمير المؤمنينعليه‌السلام ما حاصله معرّباً:

« لقد حصل له مقام عظيم جدّاً من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعبَّر عنه بـ « اخوّة الرسول » و« الموالاة » وبلفظ « الوصي » و« الوارث » وأمثالها:

أخرج الحاكم عن ابن عبّاس: إنّ صلّى الله عليه وسلّم قال: أيّكم يتولّاني في الدنيا والآخرة؟ فقال لكلّ رجلٍ منهم: أيّكم يتولّاني في الدنيا والآخرة؟ فقال حتى مرّ على أكثرهم فقال عليّ: أنا أتولّاك في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليّي في الدنيا والآخرة.

وقد مرَّ تفصيل هذا الحديث برواية النسائي.

وأخرج الحاكم عن ابن عبّاس قال: كان علي يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله يقول( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذْ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لاُقاتلنّ على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه، فمن أحق به منّي؟

٣٦٤

وأخرج الحاكم عن أبي إسحاق قال: سألت قثم بن العباس: كيف ورث علي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دونكم؟ قال: لأنّه كان أوّلنا به لحوقاً وأشدّنا به لزوقاً.

وبهذا البيان يظهر فساد رأي فريقين أحدهما مفرّط والآخر مفرِط، يقول أحدهما: النصرة كانت من باب الحميّة لا عن إخلاص، والآخر يقول: الاُخوة في النسب من شروط استحقاق الخلافة»(١) .

أقول:

إنا نستدل بقولهعليه‌السلام : « والله إنّي لأخوه فمن أحق به منّي؟ » حيث أنّه فرّع نفي أحقيّة أحد به منه على كونه: أخاه ووليّه ووارثه.

فللولاية - إذن - معنىً رفيع جليل يختص بهعليه‌السلام ويثبت أحقيته بالنبيّ عليه وآله الصلاة والسلام

فكذا « الولاية » في « حديث الولاية »

وهكذا تسقط دعوى أحقيّة فلان وفلان بالخلافة عن رسول الله.

(٣٦)

حديث بعث الأنبياء على الولاية لعلي

ومن الأحاديث المعتبرة المتفق عليها بين الفريقين: حديث السؤال ليلة المعراج من الأنبياء « بماذا بعثتم؟ فقالوا: بعثنا على شهادة أنْ لا إله إلّا الله،

__________________

(١). إزالة الخفا في سيرة الخلفاء. باب سيرة أمير المؤمنين. مآثره.

٣٦٥

وعلى الإقرار بنبوّتك والولاية لعلي بن أبي طالب ».

قال السيّد شهاب الدين أحمد: « عن أبي هريرة -رضي‌الله‌عنه - قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لمـّا اُسري بي ليلة المعراج فاجتمع عليَّ الأنبياء في السماء، فأوحى الله إليَّ: سلهم - يا محمّد - بماذا بعثتم؟ فقالوا: بعثنا على شهادة أنْ لا إله إلّا الله وعلى الإقرار بنبوّتك والولاية لعلي بن أبي طالب.

أورده الشيخ المرتضى العارف الربّاني السيد شرف الدين علي الهمداني في بعض تصانيفه وقال: رواه الحافظ أبو نعيم »(١) .

ورواه الشيخ عبدالوهاب في ( تفسيره ) عن الحافظ أبي نعيم عن أبي هريرة كذلك.

وقال شمس الدين الجيلاني النوربخشي في كتابه ( مفاتيح الإعجاز - شرح كلشن راز )(٢) ما حاصله أنّه: « لمـّا غربت شمس النبوة كان من جانب المغرب - الذي هو طرف الولاية - ظهور سرّ ولاية المرتضى إذْ:

إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

وأيضاً: أنا اُقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويل القرآن.

وأيضاً: يا أبا بكر، كفّي وكفّ علي في العدل سواء.

وأيضاً: أنا وعلي من شجرةٍ واحدة والناس من أشجار شتّى.

وأيضاً: قسّمت الحكمة عشرة أجزاء فاعطي علي تسعة والناس جزءاً واحداً.

__________________

(١). توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط.

(٢). ذكره كاشف الظنون ٢ / ١٧٥٥.

٣٦٦

وأيضاً: اُوصي من آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاّه فقد تولّاني ومن تولّاني فقد تولّى الله.

وأيضاً: لمـّا اُسري بي ليلة المعراج فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء، فأوحى الله تعالى إليَّ: سلهم - يا محمّد - بماذا بعثتم؟ فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلّا الله، وعلى الإقرار بنبوّتك والولاية لعلي بن أبي طالب ».

والمراد من « الولاية » في هذا الحديث - بقرينة ذكر الرسالة قبلها - هو « الإمامة » فكذا المراد منها في « حديث الولاية ».

ولو فرض حمل « الولاية » - في حديث المعراج - على المحبّة كان الحديث دالاً على الأفضلية، وهي تستلزم « الإمامة ».

أقول:

هذا، ولا يخفى أنّ حديث بعث الأنبياء على ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام - الدالّ على أفضليّته من جميع الأنبياء عدا نبيّنا الكريم - قد أخرجه:

* الحاكم النيسابوري، قال:

« فأمّا ابن المنكدر عن جابر فليس يرويه غير محمّد بن سوقة، وعنه أبو عقيل، وعنه خلّاد بن يحيى.

حدثني أبو الحسن محمّد بن المظفّر الحافظ قال حدثنا عبدالله بن محمّد بن غزوان، قال ثنا علي بن جابر، قال ثنا محمّد بن خالد بن عبدالله، قال ثنا محمّد بن فضيل، قال ثنا محمّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبدالله قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:

يا عبدالله أتاني ملك فقال: يا محمّد( وَاسألْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ

٣٦٧

رُسُلِنا ) (١) على ما بعثوا؟ قال [ قلت: على ما بعثوا؟ ] قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.

قال الحاكم: تفرّد به علي بن جابر، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن فضيل، ولم نكتبه إلّاعن ابن مظفّر، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون »(١) .

* والثعلبي:

« أخبرنا [ أبو عبدالله ] الحسين بن محمّد [ بن الحسين ] الدينوري، حدّثنا أبو الفتح محمّد بن الحسين الأزدي الموصلي، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن غزوان البغدادي، حدّثنا علي بن جابر، حدّثنا محمّد بن خالد بن عبدالله ومحمّد بن إسماعيل قالا: حدّثنا محمّد بن فضيل، عن محمّد بن سوقة، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتاني ملك فقال: يا محمّد، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب »(٢) .

* والخطيب الخوارزمي:

« وأخبرني شهردار هذا - إجازةً - قال: أخبرنا أحمد بن خلف - إجازةً - قال: حدّثنا الحاكم قال: حدّثنا محمّد بن المظفّر الحافظ قال: حدّثنا »(٣) .

* البدخشاني:

« أخرج عبدالرزاق الرّسعني(٣) عن عبدالله بن مسعود -رضي‌الله‌عنه -

__________________

(١). معرفة علوم الحديث: ٩٦.

(٢). تفسير الثعلبي - مخطو ط.

(٣). مناقب علي بن أبي طالب: ٣١٢.

(٤). المتوفى سنة ٦٦١، محدّث، مفسّر، متكلّم، فقيه، أديب. تذكرة الحفّاظ ٤ / ٢٣٥.

٣٦٨

قال قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتاني ملك »(١) .

وقال البدخشاني: « أخرج ابن مردويه عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد -رضي‌الله‌عنه - في قوله تعالى:( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) قال: هو علي بن أبي طالب، عرضت ولايته على إبراهيمعليه‌السلام فقال: اللّهم اجعله من ذريّتي، ففعل الله ذلك »(٢) .

* والقندوزي:

« الموفّق بن أحمد، والحمويني، وأبو نعيم الحافظ، بأسانيدهم عن ابن مسعود -رضي‌الله‌عنه - قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لمـّا عرج بي إلى السماء انتهى بي السَّير مع جبرئيل إلى السّماء الرابعة فرأيت بيتاً من ياقوت أحمر، فقال جبرئيل: هذا البيت المعمور، قم يا محمّد فصلّ إليه. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: جمع الله النبيّين فصفّوا ورائي صفّاً فصلّيت بهم، فلمـّا سلّمت أتاني آتٍ من عند ربي فقال: يا محمّد، ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: سل الرسل على ماذا أرسلتهم من قبلك. فقلت: معاشر الرسل، على ماذا بعثكم ربي قبلي؟ فقالت الرسل: على نبوّتك وولاية علي بن أبي طالب، وهو وقوله تعالى:( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) الآية. أيضاً: رواه الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما »(٣) .

__________________

(١). مفتاح النجا - مخطوط.

(٢). مفتاح النجا - مخطوط.

(٣). ينابيع المودّة ١ / ٢٤٣.

٣٦٩

هذا، وقال العلّامة الحلّي:

« السادس عشر - روى ابن عبدالبرّ وغيره من السنّة في قوله تعالى:( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) قال: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة اُسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء ثمّ قال له: سلهم يا محمّد على ماذا بعثتم؟ قالوا: بعثنا على شهادة أنْ لا إله إلّا الله وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب ».

فقال ابن روزبهان في جوابه:

« أقول: ليس هذا من رواية أهل السنّة وظاهر الآية آبٍ عن هذا، لأنّ تمام الآية:( وَاسْألْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) . والمراد: إنّ إجماع الأنبياء واقع على التوحيد ونفي الشرك، وهذا النقل من المناكير. وإنْ صحّ فلا يثبت به النص الذي هو المدّعى، لِما علمت أن الولاية تطلق على معانٍ كثيرة ».

فقال السيّد التستري في الردّ عليه:

« أقول: الرواية مذكورة بأدنى تغيير في اللفظ في تفسير النيسابوري عن الثعلبي حيث قال: وعن ابن مسعود: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أتاني ملك فقال: يا محمّد، سَلْ من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال قلت: على ما بعثتم؟ قالوا: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.

رواه الثعلبي، ولكنه لا يطابق قوله سبحانه:( أَجَعَلْنا ) الآية. انتهى.

وقد ظهر بما نقلناه: أن الرواية من روايات أهل السنّة، وأنّ المناقشة التي ذكرها الناصب قد أخذها من النيسابوري، وهي - مع وصمة الانتحال - ضعيفة،

٣٧٠

إذْ يمكن أنْ يكون الجعل في الجملة الإستفهامية بمعنى الحكم كما صرّح به النيسابوري آخراً، ويكون الجملة حكايةً عن قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأكيداً لما اُضمر في الكلام من الإقرار ببعثهم على الشهادة المذكورة، بأنْ يكون المعنى: إن الشهادة المذكورة لا يمكن التوقّف فيها إلّالمن جعل من دون الرحمن آلهةً يعبدون. ونظير هذا الإضمار واقع في القرآن في قوله تعالى:( أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا ) (١) فإنّ المراد - كما ذكره النيسابوري وغيره - فأرسلوني إليه لأسأله ومروني باستفتائه، فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال:( يُوسُفُ ) الآية.

غاية الأمر: أنْ يكون ما نحن فيه من الآية - لخفاء القرينة على تعيين المحذوف - من المتشابه الذي لا يعلم معناه إلّابتوقيف من الله تعالى على لسان رسوله. وهذا لا يقدح في مطابقة قوله سبحانه:( أَجَعَلْنا ) الآية، لِما روي في شأن النزول.

فلا مناقشة ولا شيء من المناكير. وإنّما المنكر هذا الشقي الناهق الذي يذهب إلى كلّ زيف زاهق، وينعق مع كلّ ناعق، ويلحس فضلات المتأخرين، ويزعم أن ما ذكروه آخر كلامٍ في مقاصد الدين »(١) .

__________________

(١). إحقاق الحق وإزهاق الباطل ٣ / ١٤٤ - ١٤٧.

٣٧١

(٣٧)

حديث عرض النبوّة والولاية على السماوات والأرض

قال الخطيب الخوارزمي المكّي:

« أنبأني الإمام الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطّار الهمداني(١) والإمام الأجل نجم الدين أبو منصور محمّد بن الحسين بن محمّد البغدادي قال: أنبأني الشريف الأجل الأوحد نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمّد بن علي الزينبي، عن الإمام محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان: حدّثنا سهل بن أحمد، عن أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري، عن هنّاد بن السرّي، عن محمّد بن هشام، عن سعيد بن أبي سعيد، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله تعالى لمـّا خلق السّماوات والأرض دعاهنّ فأجبنه، فعرض عليهنَّ نبوّتي وولاية علي بن أبي طالب فقبلتاهما، ثمّ خلق الخلق وفوّض إلينا أمر الدين، فالسعيد من سعد بنا، والشقي من شقي بنا، نحن المحلّلون لحلاله، والمحرّمون لحرامه »(٢) .

__________________

(١). هو: الإمام الحافظ المقرئ العلّامة شيخ الإسلام، كان إماماً في الحديث وفروعه، قال أبوسعد السمعاني: حافظ متقن ومقرئ فاضل، حسن السيرة، جميل الأمر، توفي سنة ٥٦٩، سير أعلام النبلاء ٢١ / ٤٠ ملخّصاً.

(٢). مناقب علي بن أبي طالب: ١٣٤.

٣٧٢

(٣٨)

حديث إقتران الإسلام والقرآن والولاية

ورووا حديثاً عن أمير المؤمنينعليه‌السلام بتفسير:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ) (١) ، جاءت « الولاية » فيه بمعنى « الإمامة » بالقطع واليقين:

قال النسفي: « وقال علي -رضي‌الله‌عنه - هذه آية من كتاب الله تعالى ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل أحد بها بعدي: كان لي دينار فصرفته، فكنت إذا ناجيته تصدّقت بدرهم وسألت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - عشر مسائل فأجابني عنها، قلت: يا رسول الله:

ما الوفاء؟

قال: التوحيد وشهادة أنْ لا إله إلّا الله.

قلت: وما الفساد؟

قال: الكفر والشرك بالله.

قلت: وما الحق؟

قال: الإسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك.

قلت: وما الحيلة؟

قال: ترك الحيلة.

قلت: وما عليَّ؟

قال: طاعة الله وطاعة رسوله.

٣٧٣

قلت: وكيف أدعو الله تعالى؟

قال: بالصّدق واليقين.

قلت: وماذا أسأل الله؟

قال: العافية.

قلت: وما أصنع لنجاة نفسي؟

قال: كل حلالاً وقل صدقاً.

قلت: وما السّرور.

قال: الجنّة.

قلت: وما الرّاحة؟

قال: لقاء الله.

فلمـّا فرغت منها نزل نسخها »(١) .

وتجد هذا الحديث بتفسير الآية في ( تفسير الزاهدي ) وفي ( البحر الموّاج ) تفسير ملك العلماء الهندي. وأيضاً في ( معارج العلى في مناقب المرتضى ) عن الزّاهدي.

أقول: فهذا الحديث يدل دلالةً واضحة على إمامة أمير المؤمنين، و« الولاية » فيه بمعنى « الإمامة » بالقطع اليقين، فكذا في « حديث الولاية » فإنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً.

__________________

(١). تفسير النسفى - هامش الخا زن : ٤ / ٢٤٢.

٣٧٤

ترجمة النسفي

والنسفي - عبدالله بن أحمد المتوفى سنة: ٧٠١ - فقيه، مفسر، متكلّم، أصولي، له مؤلَّفات، منها: تفسيره المشهور، المنار في علم الاُصول، ترجم له وأثنى عليه كبار العلماء راجع:

١ - الدرر الكامنة ٢ / ٢٤٧

٢ - الجواهر المضيّة ١ / ٢٧٠

٣ - الفوائد البهيّة: ١٠١

قال الحافظ ابن حجر:

« عبدالله بن أحمد بن محمود النسفي، علّامة الدنيا، أبو البركات، ذكره الحافظ عبدالقادر في طبقاته فقال: أحد الزهاد المتأخرين، صاحب التصانيف المفيدة توفي سنة ٧٠١ ».

وذكر كاشف الظنون ٢ / ١٦٤٠ تفسيره فقال:

« مدارك التنزيل وحقائق التأويل، في التفسير، للإمام حافظ الدين عبدالله بن أحمد النسفي، المتوفى سنة ٧٠١ وهو كتاب وسط في التأويلات، جامع لوجوه الإعراب والقراءات، متضمّناً لدقائق علم البديع والإشارات، حالياً بأقاويل أهل السنّة والجماعة، خالياً عن أباطيل أهل البدع والضلالة، ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل. اختصره الشيخ زين الدين أبو محمّد عبدالرحمن بن أبي بكر ابن العيني وزاد فيه ».

٣٧٥

(٣٩)

ألفاظ في حديث الولاية دالّة على الإمامة

ثم إنَّ في ألفاظ حديث الولاية كلماتٍ وجملاً، بعضها يدل على عصمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبعضها على مساواته النبي، وبعضها على الأفضليّة. ولمـّا كان قوله صلّى الله عليه وسلّم « إنّ عليّاً ولي كلّ مؤمنٍ من بعدي » مقترناً بشيء من ذلك، كان قوله هذا دالاً بالضرورة على وجوب الإطاعة والأولوية بالتصرّف.

وقد روى حديث الولاية المشتمل على ما أشرنا جماعة من الأعلام، أمثال:

أحمد بن حنبل.

ومحمّد بن جرير الطبري.

وأبي القاسم الطبراني.

وابن عبدالبر القرطبي.

وابن اُسبوع الأندلسي.

قال الوصّابي اليمني - بعد نقل الحديث عن بريدة -:

« وعنهرضي‌الله‌عنه في رواية اُخرى: إن خالد بن الوليد قال: اغتنمها يا بريدة، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم ما صنع. فقدمت ودخلت المسجد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منزل، وناس من أصحابه على بابه، فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خيراً، فتح الله على المسلمين. قالوا: ما أقدمك؟

٣٧٦

فقلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: فأخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّه يسقط من عينه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال:

ما بال القوم ينتقصون عليّاً! من أبغض عليّاً فقد أبغضني ومن فارق عليّاً فقد فارقني. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، خُلِقَ من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم.

يا بريدة! أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ؟ فإنّه وليّكم بعدي!

أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار، وابن اُسبوع الأندلسي في الشفاء »(١) .

وقال العجيلي:

« وممّا وقع لبريدة وكان مع علي في اليمن، فقدم مغضباً عليه وأراد شكايته بجاريةٍ أخذها من الخمس، فقيل له: أخبره يسقط علي من عينه - ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمع كلامهم من وراء الباب - فخرج مغضباً وقال:

ما بال أقوامٍ يبغضون علياً؟! من أبغض عليّاً فقد أبغضني ومن فارق عليّاً فقد فارقني. إنّ علياً منّي وأنا منه، خُلِقَ من طينتي، وخُلِقتُ من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذريّة بعضها من بعض، والله سميع عليم.

__________________

(١). الإكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.

٣٧٧

يا بريدة! أما علمت أن لعليّ أكثر من الجارية التي أخذها؟ »(١) .

وقال القندوزي الحنفي:

« وأخرج أحمد عن عمرو الأسلمي - وكان من أصحاب الحديبيّة - خرج مع علي إلى اليمن، فرأى منه جفوةً، فلمـّا قدم المدينة أذاع شكايته، فقال له النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: والله لقد آذيتني. قال: أعوذ بالله أنْ اُوذيك يا رسول الله! فقال: من آذى عليّاً فقد آذاني ».

وزاد ابن عبدالبر: من أحبّ عليّاً فقد أحبني ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن آذى عليّاً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله.

وكذلك وقع لبريدة، إنّه كان مع علي في اليمن، فقدم المدينة مغضباً عليه، وأراد شكايته بجاريةٍ أخذها من الخمس، فقالوا له: أخبره ليسقط علي من عينيه، ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يسمع من وراء الباب، فخرج مغضباً فقال: ما بال أقوام يبغضون عليّاً! من أبغض عليّاً فقد أبغضني ومن فارق علياً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، خُلِق من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

يا بريدة! أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذها.

أخرجه الطبراني ».

__________________

(١). ذخيرة المآل - شرح عقد جواهر اللآل - مخطوط.

(٢). ينابيع المودة ٢ / ١٥٥.

٣٧٨

أقول:

ففي هذا الحديث:

« من فارق علياً فقد فارقني ».

وهذا مفيدٌ للعصمة بكلّ وضوح.

ومن مصادر روايته أيضاً:

المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٣ ح ٤٦٢٤ عن أبي ذر عنه صلّى الله عليه وسلّم وقال: « صحيح الإسناد ».

مجمع الزوائد ٩ / ١٣٥ عن البزار عن أبي ذر، وقال: « رجاله ثقات ».

ويوجد في مصادر اخرى عن غيره من الصحابة.

وفيه:

« إنّ علياً منّي وأنا منه ».

وقد عرفت معناه، على ضوء كلام الطيّبي بشرح: حسين منّي وأنا من حسين.

وحديث « علي مني وأنا من علي » من أصحّ الأحاديث:

أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٦٥.

والترمذي في صحيحه ٥ / ٥٩٤.

والنسائي في الخصائص: ٨٧.

وابن ماجة في سننه ١ / ٤٤.

وأسانيدهم صحيحة بلا كلام.

٣٧٩

وفيه:

« خُلِقَ من طينتي ».

وهو يدل على المساواة، والأفضليّة من جميع الخلائق عدا النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وسلّم.

وأخرج حديث خلق رسول الله وأمير المؤمنينعليهما‌السلام من طينة واحدة:

الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ٨٦.

والحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢ / ٩٥.

وكذا غيرهما من الأئمة الأعلام.

فمعاذ الله من سقوط نفس النبي منعين النبي!! فليمت الحاقدون بغيظهم!!

(٤٠)

سياق الحديث يأبى الحمل على الحبّ والنصرة

ثم إنّ الحديث دالٌ على أنّ المراد من « الولاية » فيه هو « الأولوية بالتصرف » دون غيره من معاني الولاية. لأنّ الواقعة هي: شكوى بريدة وغيره من الإمام إلى النبي بسبب تصرّفه في الجارية، فانتهزوها واغتنموها فرصةً لإظهار بغضهم وعدائهم، فأيّ مناسبةٍ لأنْ يقال في جوابهم: إنّ علياً محبّ المؤمنين وناصرهم! لأن كون الرجل ناصراً ومحبّاً لا يستلزم السّكوت عنه إذا فعل عملاً قبيحاً، لكنّ كون الرجل إماماً ووليّاً للأمر يكشف عن صحّة جميع

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الباب الثالث

الإعداد للنهضة

الفصل ١٢ ـ في المدينة المنوّرة

ـ خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة

الفصل ١٣ ـ في مكة المكرمة

ـ مكاتبات البصريين والكوفيين

الفصل ١٤ ـ مسير مسلم بن عقيل

ـ ملفّ الكوفة

ـ نهضة مسلم بن عقيل في الكوفة

الفصل ١٥ ـ عزم الحسينعليه‌السلام على المسير إلى العراق ونصائح الأصحاب

٤٠١

الحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة

٤٠٢

الفصل الثاني عشر

في المدينة المنورة

[١٥ رجب سنة ٦٠ هجرية]

قال تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم (١)أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِين ) (٣) [العنكبوت : ١ ـ ٣].

٤٤٢ ـ كتاب من يزيد يدعو أهل المدينة إلى بيعته :

أول عمل قام به يزيد بعد قدومه من (حوّارين) شرق حمص ، بعد موت أبيه بثلاثة أيام إلى عشرة أيام ، أن كتب كتابا إلى عامله على المدينة ، وهو ابن عمه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان [وفي رواية ابن قتيبة الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص ١٧٤ :خالد بن الحكم] مع مولى لمعاوية يقال له ابن زريق ، هذا نصه :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة.

أما بعد ، فإن معاوية بن أبي سفيان ، كان عبدا استخلفه الله على العباد ، ومكّن له في البلاد ، وكان من حادث قضاء الله جلّ ثناؤه ، وتقدّست أسماؤه فيه ، ما سبق في الأولين والآخرين ، لم يدفع عنه ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل. فعاش حميدا ومات سعيدا. وقد قلّدنا اللهعزوجل ما كان إليه. فيا لها من مصيبة ما أجلّها ، ونعمة ما أعظمها ؛ نقل الخلافة ، وفقد الخليفة. فنستوزعه الشكر ، ونستلهمه الحمد ، ونسأله الخيرة في الدارين معا ، ومحمود العقبى في الآخرة والأولى ، إنه ولي ذلك ، وكل شيء بيده لا شريك له.

وإن أهل المدينة قومنا ورجالنا ، ومن لم نزل على حسن الرأي فيهم ، والاستعداد بهم ، واتباع أثر الخليفة فيهم ، والاحتذاء على مثاله لديهم ؛ من الاقبال عليهم ، والتقبّل من محسنهم ، والتجاوز عن مسيئهم. فبايع لنا قومنا ، ومن قبلك من رجالنا ، بيعة منشرحة بها صدوركم ، طيّبة عليها أنفسكم. وليكن أول من يبايعك

٤٠٣

من قومنا وأهلنا : الحسين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن جعفر ، ويحلفون على ذلك بجميع الأيمان اللازمة ، ويحلفون بصدقة أموالهم غير عشرها ، وجزية رقيقهم ، وطلاق نسائهم ، بالثبات على الوفاء بما يعطون من بيعتهم ، ولا قوة إلا بالله ، والسلام.

تعليق المؤلف :

لم أر نفاقا أكثر من نفاق يزيد في هذا الكتاب. فهو رغم إلحاده ، صوّر نفسه بأنه من أكبر المؤمنين بالله والراضين بقضائه (من حادث قضاء الله جلّ ثناؤه ، وتقدّست أسماؤه) ، ثم هو يغالط في المفاهيم حين يدّعي أن أباه معاوية قد استخلفه (الله) على العباد ، وهو ما زال يقاتل إمام المسلمين علي بن أبي طالب حتّى استشهدعليه‌السلام ، فمن الّذي استخلفه عليا لمسلمين؟ يقول :

(فإنّ معاوية كان عبدا استخلفه الله على العباد). ومعاوية باعتباره أول من شقّ عصا الإسلام وحاول الانفصال عن الدولة الإسلامية ، يكون أول من أشاع الفتن في الإسلام والمسلمين ، فكيف من هذه صفته يكون قد (عاش حميدا ، ومات سعيدا).ثم إذا كان يزيد يعرف حرمة أهل مكة والمدينة ويدّعي أنهم قومه وأهله ، فعلام نهب مدينتهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم وحرّق كعبتهم؟!.

وفي (تاريخ اليعقوبي) ج ٢ ص ٢٤١ ، قال :

وكان يزيد غائبا ، فلما قدم دمشق كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وهو عامل المدينة :

إذا أتاك كتابي هذا ، فأحضر الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة لي ، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما ، وابعث لي برؤوسهما. وخذ الناس بالبيعة ، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم ، وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير ، والسلام.

٤٤٣ ـ ما جاء في الصحيفة المرفقة بالكتاب كأنها أذن فأرة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٠)

فكتب يزيد إلى الوليد بن عتبة واليه على المدينة بموت معاوية ، وأمره أن يأخذ له البيعة من جميع أهل المدينة. وأرفق الكتاب بصحيفة صغيرة كأنها أذن فأرة مكتوب

٤٠٤

فيها : أما بعد ، فخذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه والسلام. فلما قرأ الوليد الكتاب قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا ويح الوليد ممن أدخله في هذه الإمارة ، مالي وللحسين بن فاطمة!.

٤٤٤ ـ علاقة مروان بالوليد :(الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٤)

فلما أتى الوليد نعي معاوية فظع به وكبر عليه. وبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه. وكان مروان عاملا على المدينة من قبل الوليد. فلما قدمها الوليد كان مروان يختلف إليه متكارها ، فلما رأى الوليد ذلك منه شتمه عند جلسائه. فبلغ ذلك مروان فانقطع عنه ، ولم يزل مصارما له حتّى جاء نعي معاوية.

٤٤٥ ـ مشاورة الوليد لمروان بن الحكم :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ص ١٧٥)

وذكروا أن (الوليد بن عتبة) لما أتاه الكتاب من يزيد فظع به. فدعا مروان بن الحكم ، وكان على المدينة قبله. فلما دخل عليه مروان ، وذلك في أول الليل ، قال له الوليد : احتسب صاحبك يا مروان. فقال له مروان : اكتم ما بلغك ، إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم أقرأه الكتاب ، وقال له : ما الرأي؟.

فقال : أرسل الساعة إلى هؤلاء النفر ، فخذ بيعتهم ، فإنهم إن بايعوا لم يختلف على يزيد أحد من أهل الإسلام ، فعجّل عليهم قبل أن يفشو الخبر فيتمنعّوا.

في رواية أخرى :(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٧ ط ٢)

فلما وقف الوليد على الكتاب بعث إلى مروان بن الحكم فأحضره وأوقفه على كتاب يزيد ، واستشاره وقال : كيف ترى أن أصنع بهؤلاء؟. قال : أرى أن تبعث إليهم الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة ، فإن لم يفعلوا وإلا ضربت أعناقهم ، قبل أن يعلموا بموت معاوية ، لأنهم إن علموا وثب كل واحد منهم في جانب ، وأظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه ، إلا ابن عمر فإنه لا يرى الولاية والقتال ، إلا أن يدفع عن نفسه ، أو يدفع إليه هذا الأمر عنوا.

قال ابن شهراشوب في مناقبه ، ج ٣ ص ٢٤٠ :

٤٠٥

فأحضر الوليد مروان وشاوره في ذلك. فقال : الرأي أن تحضرهم وتأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا. فوجّه في طلبهم وكانوا عند التربة.

٤٤٦ ـ استدعاء الشخصيات الأربعة :(مقتل الحسين لأبي مخنف ص ١١)

قال أبو مخنف : فأنفذ (الوليد بن عتبة) في طلبهم ، فقيل للرسول : إنهم مجتمعون عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأقبل عليهم ، وقال لهم : أجيبوا الوليد فإنه يدعوكم.

فقالوا له : انصرف.

٤٤٧ ـ دعوة الوليد بن عتبة للإمام الحسينعليه‌السلام وابن الزبير :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٣)

فأرسل الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وهو غلام حدث ، إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما ، فوجدهما في المسجد وهما جالسان ، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس. فقال : أجيبا الأمير. فقالا : انصرف ، الآن نأتيه.

رواية أخرى :(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٧ ط ٢)

فأرسل الوليد عمر بن عثمان إلى الحسينعليه‌السلام وإلى عبد الله بن الزبير ، فوجدهما في المسجد ، فقال : أجيبا الأمير. فقالا : انصرف فالآن نأتيه.

ثم قال ابن الزبير للحسينعليه‌السلام : ظنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي ليس له عادة بالجلوس فيها إلا لأمر. فقال الحسينعليه‌السلام : أظن طاغيتهم قد هلك ، فبعث إلينا ليأخذ البيعة علينا ليزيد قبل أن يفشو في الناس الخبر. قال ابن الزبير : هو ذاك. فما تريد أن تصنع؟. قال : أجمع فتياني وأذهب إليه.

(أقول) : إن ابن الزبير كان خائفا من الذهاب إلى الوالي لذلك هرب ، أما الحسينعليه‌السلام فقد أراد الذهاب ولكن بعد أن يتحصّن بفتيانه.

٤٤٨ ـ الحسينعليه‌السلام يشاور الثلاثة فيما سيفعلون :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤١٩)

وأقبل عبد الله بن الزبير على الحسينعليه‌السلام وقال : يابن رسول الله أتدري ما يريد الوليد منا؟. قال : نعم. اعلموا أنه قد مات معاوية وتولى الأمر من بعده ابنه يزيد ، وقد وجّه الوليد في طلبكم ليأخذ البيعة عليكم ، فما أنتم قائلون؟.

٤٠٦

فقال عبد الرحمن : أما أنا فأدخل بيتي وأغلق بابي ، ولا أبايعه.

وقال عبد الله بن عمر : أما أنا فعليّ بقراءة القرآن ولزوم المحراب.

وقال عبد الله بن الزبير : أما أنا فما كنت بالذي أبايع يزيد.

وقال الحسينعليه‌السلام : أما أنا فأجمع فتياني وأتركهم بفناء الدار ، وأدخل على الوليد وأناظره وأطالب بحقي. فقال له عبد الله بن الزبير : إني أخاف عليك منه.

قالعليه‌السلام : لست آتيه إلا وأنا قادر على الامتناع منه إنشاء الله تعالى.

٤٤٩ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام قاله لعبد الله بن الزبير لما بعث الوليد بن عتبة يستدعيهما :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٢)

قال الحسينعليه‌السلام لعبد الله بن الزبير : أنا أخبرك ، أظنّ أن معاوية قد مات ، وذلك أني رأيت البارحة في منامي كأن معاوية منكوس ، ورأيت النار تشتعل في داره ، فتأولت ذلك في نفسي أن قد مات معاوية. فقال ابن الزبير : فاعلم أن ذلك كذلك ، فماذا نصنع يا أبا عبد الله(١) ، إن دعينا إلى بيعة يزيد. فقال الحسينعليه‌السلام :أما أنا فلا أبايع أبدا ، لأن الأمر كان لي بعد أخي الحسن ، فصنع معاوية ما صنع ، وكان حلف لأخي الحسن أن لا يجعل الخلافة لأحد من ولده ، وأن يردّها عليّ إن كنت حيا ، فإن كان معاوية خرج من دنياه ولم يف لي ولا لأخي بما ضمن ، فقد جاءنا ما لا قرار لنا به. أتظن يا أبا بكر أني أبايع ليزيد ، ويزيد رجل فاسق معلن بالفسق ، يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والفهود ، ونحن بقية آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا والله لا يكون ذلك أبدا.

قال : فبينا هما كذلك في المحاورة ، إذ رجع الرسول فقال : أبا عبد الله ، إن الأمير قاعد لكما خاصة فقوما إليه. فزبره الحسينعليه‌السلام وقال : انطلق إلى أميرك لا أمّ لك ، فمن أحبّ أن يصير إليه منا فإنه صائر إليه. فأما أنا فإني أصير إليه الساعة إنشاء الله ، ولا قوة إلا بالله.

فرجع الرسول إلى الوليد ، فقال : أصلح الله الأمير ، أما الحسين بن علي خاصة ، فإنه صائر إليك في إثري ، فقد أجاب.

__________________

(١) أبو عبد الله : كنية الإمام الحسينعليه‌السلام ، وأبو بكر : كنية عبد الله بن الزبير.

٤٠٧

فقال مروان : غدر والله الحسين. فقال الوليد : مهلا فليس مثل الحسين يغدر ، ولا يقول شيئا ثم لا يفعل.

٤٥٠ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام لما عزم على مقابلة الوليد ، وقد أمر أصحابه بالاستعداد للطوارئ :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٢)

ثم إن الحسينعليه‌السلام أقبل على من معه ، وقال : صيروا إلى منازلكم فإني صائر إلى الرجل ، فأنظر ما عنده وما يريد. فقال له ابن الزبير : جعلت فداك إني خائف عليك أن يحبسوك عندهم ، فلا يفارقونك أبدا ، دون أن تبايع أو تقتل. فقال الحسينعليه‌السلام : إني لست أدخل عليه وحدي ، ولكني أجمع إليّ أصحابي وخدمي وأنصاري وأهل الحق من شيعتي ، ثم آمرهم أن يأخذ كل واحد منهم سيفه مسلولا تحت ثيابه ، ثم يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت إليهم وقلت : يا آل الرسول ادخلوا ، فعلوا ما أمرتهم به ، فأكون على الامتناع دون المقادة والمذلة في نفسي ، فقد علمت والله أنه جاء من الأمر ما لا أقوم به

ولا أقرّ له ، ولكنّ قدر الله ماض ، وهو الّذي يفعل في أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يشاء ويرضى.

٤٥١ ـ وصية الحسينعليه‌السلام لأصحابه :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٠ ط نجف)

ثم قال الحسينعليه‌السلام لمن حوله من أهل بيته : إذا أنا دخلت على الوليد فخاطبته وخاطبني وناظرته وناظرني ، كونوا على الباب. فإذا سمعتم الصيحة قد علت ، والأصوات قد ارتفعت ، فاهجموا إلى الدار ، ولا تقتلوا أحدا ولا تثيروا الفتنة.

فلما دخل عليه وقرأ الكتاب ، قالعليه‌السلام : ما كنت أبايع ليزيد. فقال مروان :بايع لأمير المؤمنين. فقال الحسينعليه‌السلام : كذبت ويلك على المؤمنين ، من أمرّه عليهم؟. فقام مروان وجرّد سيفه ، وقال : مر سيافك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار ، ودمه في عنقي!. وارتفعت الصيحة ، فهجم

تسعة عشر رجلا من أهل بيته وقد انتضوا خناجرهم ، فخرج الحسينعليه‌السلام معهم.

٤٠٨

٤٥٢ ـ دخول الحسينعليه‌السلام على الوليد بن عتبة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٧ ط نجف)

فجمع الحسينعليه‌السلام أهله وفتيانه ، ثم قال : إذا دعوتكم فاقتحموا. ثم دخل على الوليد ـ ومروان عنده ـ فأقرأه كتاب يزيد ، ودعاه إلى البيعة. فقالعليه‌السلام :مثلي لا يبايع سرّا ، بل على رؤوس الناس وهو أحبّ إليكم. وكان الوليد يحب العافية ، فقال : انصرف في دعة الله حتّى تأتينا مع الناس.

فقال له مروان : والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع ، لا قدرت عليه أبدا ، حتّى تكثر القتلى بينكما. احبس الرجل عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٤١٩ : «فقال مروان : فاتك الثعلب فلا ترى إلا غباره ، واحذر أن يخرج حتّى يبايعك أو تضرب عنقه».

فوثب الحسينعليه‌السلام قائما وقال : يابن الزرقاء [وهو اسم جدة مروان]

هو يقتلني أو أنت ، كذبت ومنت!.

ثم خرج الحسينعليه‌السلام ، فقال الوليد : يا مروان ، والله ما أحبّ أن لي ما طلعت عليه الشمس وأني قتلت حسينا.

تعليق المؤلف :

(أقول) : لو كان عند مروان بن الحكم ذرة من الوفاء والشهامة ، ما قابل الحسينعليه‌السلام بمثل هذه المعاملة ، وحسبك منها أمره الوالي بقتل الحسينعليه‌السلام قبل أن يفلت من يده. وهل ينسى مروان من الّذي أطلق سراحه يوم أخذ أسيرا في معركة الجمل؟!. فقد توسّط الحسن والحسينعليهما‌السلام إلى أبيهما في إطلاق سراحه والعفو عنه ، بعد أن صار في شبكة الأسر ، ثم قالا له : لقد تاب مروان فاسمح له أن يبايعك من جديد. فقال عليعليه‌السلام : لا حاجة لي ببيعته ، إنها يد يهودية (غادرة).وأطلق سراحه كرامة للحسنينعليه‌السلام .

أفهل يعقل أن يعامل من فعل مع مروان مثل هذا الجميل ، مثل هذه المعاملة؟.لكن كلّ إناء ينضح بما فيه ، ولا غرابة فهو من نسل الزرقاء بنت موهب التي كانت مومسا في الجاهلية.

٤٠٩

٤٥٣ ـ تحرّز ابن الزبير وهربه :(المصدر السابق)

وأما ابن الزبير ، فإنه قال : الآن آتيكم. ثم خرج في الليل إلى مكة ، على طريق (الفرع) ، هو وأخوه جعفر بن الزبير. فأرسلوا الطلب خلفهم ، ففاتهم.

وفي رواية (الكامل في التاريخ) لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٤ :

وأما ابن الزبير ، فقال : الآن آتيكم. ثم أتى داره فكمن فيها. وخرج من ليلته فأخذ طريق (الفرع) ، هو وأخوه جعفر ، ليس معهما ثالث. وساروا نحو مكة.

٤٥٤ ـ رحيل عبد الله بن الزبير :(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٠)

فلما كان في نصف الليل وهدأت العيون ، خرج عبد الله بن الزبير ومعه إخوته بأجمعهم. فقال عبد الله لإخوته : خذوا عليهم غير المحجة [أي غير الطريق الشرعي] فإني آخذ عليها مخافة أن يلحقنا الطلب.

قال : فتفرق عنه إخوته ، ومضى عبد الله ومعه أخوه جعفر ، ليس معهما ثالث.

٤٥٥ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام لما دخل على الوليد ودعاه إلى بيعة يزيد ، وفيه يعلن مبدأه في نهضته المقدسة واستحالة مبايعته ليزيد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٣)

دخل الحسينعليه‌السلام على الوليد فسلّم عليه بالإمرة وقال : كيف أصبح الأمير اليوم وكيف حاله؟ فردّ عليه الوليد بن عتبة ردّا حسنا ، ثم أدناه وقرّبه ، ومروان بن الحكم هناك جالس ، وقد كان بين مروان والوليد منافرة ومنازعة. فلما نظر الحسينعليه‌السلام إلى مروان جالسا في مجلس الوليد ، قال : أصلح الله الأمير ، الصلاح خير من الفساد ، والصلة خير من الشحناء. وقد آن لكما أن تجتمعا ، فالحمد لله الّذي أصلح ذات بينكما ، فلم يجيباه في هذا بشيء. فقال الحسينعليه‌السلام : هل ورد عليكم من معاوية خبر ، فإنه كان عليلا وقد طالت علّته ، فكيف هو الآن؟. فتأوه الوليد وتنفّس الصعداء وقال : يا أبا عبد الله آجرك الله في معاوية ، فقد كان لكم عمّ صدق ووالي عدل ، لقد ذاق الموت. وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد. فقال الحسينعليه‌السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعظّم الله لك الأجر أيها الأمير ، ولكن لماذا دعوتني؟. فقال : دعوتك للبيعة التي قد اجتمع الناس عليها!. فقال الحسينعليه‌السلام : أيها الأمير ، إن مثلي لا يعطي بيعته سرا ، وإنما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، فإذا دعوت الناس غدا إلى

٤١٠

البيعة دعوتنا معهم ، فيكون الأمر واحدا(١) . فقال الوليد : أبا عبد الله ، والله لقد قلت فأحسنت القول ، وأجبت جواب مثلك ، وهكذا كان ظني بك ، فانصرف راشدا ، وتأتينا غدا مع الناس.

فقال مروان : أيها الأمير إن فارقك الساعة ولم يبايع فإنك لم تقدر منه على مثلها أبدا ، حتّى تكثر القتلى بينك وبينه ، فاحبسه عندك ، ولا تدعه يخرج أو يبايع وإلا فاضرب عنقه. فالتفت إليه الحسينعليه‌السلام وقال : ويلي عليك يابن الزرقاء(٢) أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت (وفي رواية : وأثمت)(٣) والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك ، فإن شئت ذلك فرم أنت ضرب عنقي إن كنت صادقا. (وفي رواية أبي مخنف) : «يابن الزرقاء ، أنت تأمر بقتلي ، كذبت يابن اللخنا [أي المنتنة] وبيت الله ، لقد أهجت عليك وعلى صاحبك مني حربا طويلا».

٤٥٦ ـ إعلان الحسينعليه‌السلام لنهضته المقدسة :

(المصدر السابق)

ثم أقبل الحسينعليه‌السلام على الوليد ، فقال : أيها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب خمر ، قاتل نفس ، معلن بالفسق ، فمثلي لا يبايع لمثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون ، أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة(٤) . فأغلظ الوليد في كلامه وارتفعت الأصوات ، فهجم تسعة عشر رجلا قد انتضوا خناجرهم ، وأخرجوا الحسينعليه‌السلام إلى منزله قهرا(٥) .

__________________

(١) مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ١٤٢ نقلا عن تاريخ الطبري (طبعة أولى مصر) ص ١٨٩ ؛ وروى ذلك أبو مخنف في مقتله ، ص ١٢ بتحريف.

(٢) جاء في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٢٩ طبع إيران ؛ والآداب السلطانية للفخري ، ص ٨٨ : أن جدة مروان كانت من البغايا. وفي الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ٧٥ :كان الناس يعيّرون ولد عبد الملك بن مروان بالزرقاء بنت موهب ، لأنها من المومسات ومن ذوات الرايات. ذكر هذا كله في حاشية مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٤٢.

(٣) مقتل الحسين للمقرم ص ١٤٣ نقلا عن الطبري وابن الأثير وإعلام الورى.

(٤) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٤٤ عن مثير الأحزان لابن نما الحلي.

(٥) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٤٤ عن مناقب ابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٠٨ ، ولم يذكره الخوارزمي.

٤١١

٤٥٧ ـ مجادلة مروان مع الوليد بن عتبة بشأن الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فقال مروان للوليد : عصيتني ، فوالله لا يمكنك على مثلها. قال الوليد :

(ويح غيرك) يا مروان ، اخترت لي ما فيه هلاك ديني ، أقتل حسينا إن قال لا أبايع!. والله لا أظن أمرأ يحاسب بدم الحسين إلا خفيف الميزان يوم القيامة(١) ولا ينظر الله إليه ولا يزكيّه وله عذاب أليم(٢) .

٤٥٨ ـ الوليد بن عتبة يغلظ للحسينعليه‌السلام في الكلام :

(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢٠٠)

وقد كان الوليد أغلظ للحسينعليه‌السلام ، فشتمه الحسينعليه‌السلام وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه. فقال الوليد : إن هجنا (أثرنا) بأبي عبد الله إلا أسدا. فقال له مروان : اقتله. قال الوليد : إن ذلك لدم مضنون في بني عبد مناف.

أسماء زوجة الوليد تنهاه عن شتم الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق)

فلما صار الوليد إلى منزله ، قالت له امرأته أسماء بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أسببت حسينا؟. قال : هو بدأ فسبّني!. قالت : وإن سبّك حسين تسبّه؟!. وإن سبّ أباك تسبّ أباه؟!. قال : لا.

٤٥٩ ـ إمساك عبد الله بن مطيع العدوي وحبسه :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٢)

وطلب والي المدينة عبد الله بن الزبير فلم يجده. فأرسل إلى كلّ من كان من شيعته فأخذه وحبسه. وكان فيمن حبس يومئذ عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي.وأمه يقال لها العجماء بنت عامر الخزاعية. فتوسط عبد الله ابن عمر إلى الوالي في إطلاق سراحه ، فقال مروان : إنما نحن حبسناه بأمر أمير المؤمنين يزيد ، وعليكم أن تكتبوا له ، ونكتب نحن أيضا.

قال : فوثب أبو جهم بن حذيفة العدوي ، فقال : نكتب وتكتبون ، وابن العجماء محبوس!. لا والله لا يكون ذلك أبدا.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٩٠.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم نقلا عن الله وف على قتلى الطفوف ، ص ١٣.

٤١٢

ثم وثب بنو عدي فجعلوا يحضرون ، حتّى صاروا إلى باب السجن ، فاقتحموا على عبد الله بن مطيع فأخرجوه ، وأخرجوا كل من كان في السجن ، ولم يتعرض إليهم أحد. فاغتمّ الوليد بن عتبة.

٤٦٠ ـ لقاء بين مروان بن الحكم والحسينعليه‌السلام في الطريق ، ومروان ينصح الحسينعليه‌السلام ببيعة يزيد ، والحسينعليه‌السلام يبيّن فسوق يزيد ، وأسباب رفضه لبيعته :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٤)

فأقام الحسينعليه‌السلام في منزله تلك الليلة ، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ٦٠ ه‍. فلما أصبح خرج من منزله يستمع الأخبار ، فلقيه مروان فقال له :يا أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد. فقال : وما ذاك؟ قل أسمع.فقال : إني أرشدك لبيعة يزيد ، فإنها خير لك في دينك وفي دنياك. فاسترجع الحسينعليه‌السلام وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد. ثم قال : يا مروان أترشدني إلى بيعة يزيد ، ويزيد رجل فاسق!.لقد قلت شططا من القول وزللا ، ولا ألومك فإنك اللعين الّذي لعنك رسول الله وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص ، ومن لعنه رسول الله فلا ينكر منه أن يدعو لبيعة يزيد. إليك عني يا عدوّ الله ، فإنا أهل بيت رسول الله ، الحق فينا ينطق على ألسنتنا ، وقد سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان(١) الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه». ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول الله فلم يفعلوا به ما أمروا ، فابتلاهم بابنه يزيد.فغضب مروان من كلام الحسين فقال : والله لا تفارقني حتّى تبايع ليزيد صاغرا ، فإنكم آل أبي تراب قد ملئتم شحناء ، وأشربتم بغض آل أبي سفيان ، وحقيق عليهم أن يبغضوكم. فقال الحسين : إليك عني ، فإنك رجس ، وإني من أهل بيت الطهارة قد أنزل الله فينا( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣]. فنكّس رأسه ولم ينطق. ثم قال له الحسين : أبشر يابن الزرقاء بكل ما تكره من رسول الله يوم تقدم على ربك فيسألك جدي عن حقي وحق يزيد. (وطال الحديث بينه وبين مروان ، وهو غضبان).

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٤٦ نقلا عن الله وف ، ص ١٣ ؛ ومثير ابن نما ، ص ١٠.

٤١٣

فمضى مروان إلى الوليد وأخبره بمقالة الحسينعليه‌السلام .

وكان عبد الله بن الزبير مضى إلى مكة حين اشتغلوا بمحاورة الحسينعليه‌السلام ، وتنكّب الطريق. فبعث الوليد بثلاثين رجلا في طلبه ، فلم يقدروا عليه.

وفي (لواعج الأشجان) للسيد الأمين ، ص ٢٤ ط نجف : «فلما كان آخر نهار السبت ، بعث الوليد الرجال إلى الحسينعليه‌السلام ليحضر فيبايع ، فقال لهم الحسينعليه‌السلام : أصبحوا ثم ترون ونرى.

فكفوّا تلك الليلة عنه ولم يلحّوا عليه. فخرج في تلك الليلة ـ وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ـ متوجها نحو مكة».

فكتب الوليد إلى يزيد يخبره بما كان من أمر ابن الزبير ، ومن أمر الحسينعليه‌السلام ، وأنه لا يرى عليه طاعة ولا بيعة.

٤٦١ ـ كتاب الوليد بن عتبة إلى يزيد عن امتناع الحسينعليه‌السلام من البيعة :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٣١٢)

فلما سمع (الوليد بن) عتبة بن أبي سفيان ذلك ، دعا الكاتب وكتب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين : أما بعد ، فإن الحسين ابن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة ، فرأيك في أمره والسلام.

٤٦٢ ـ جواب يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فلما ورد الكتاب على يزيد ، كتب الجواب إلى (الوليد بن) عتبة :

أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فعجّل عليّ بجوابه ، وبيّن لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج منها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي.

٤٦٣ ـ الكتاب الثاني من يزيد إلى الوليد يطلب منه صراحة رأس الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٥)

فلما ورد الكتاب على يزيد غضب غضبا شديدا ، وكان إذا غضب احولّت عيناه.فكتب إلى الوليد :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة :

أما بعد فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانية على أهل المدينة توكيدا منك

٤١٤

عليهم ، وذر عبد الله بن الزبير ، فإنه لن يفوتنا ولن ينجو منا أبدا ما دمنا أحياء.وليكن مع جواب كتابي رأس الحسين. فإن فعلت ذلك جعلت لك أعنة الخيل ، ولك عندي الجائزة العظمى والحظ الأوفر ، والسلام.

فلما ورد الكتاب على الوليد أعظم ذلك ، وقال : والله لا يراني الله وأنا قاتل الحسين ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو جعل لي يزيد الدنيا وما فيها.

٤٦٤ ـ موقف عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس من البيعة :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٥)

ثم إن الوليد أرسل إلى ابن عمر ليبايع ، فقال : إذا بايع الناس بايعت ، فتركوه ، وكانوا لا يتخوّفونه.

وقيل : إن ابن عمر كان هو وابن عباس بمكة ، فعادا إلى المدينة ، فلقيهما الحسينعليه‌السلام وابن الزبير ، فسألاهما : ما وراءكما؟. فقالا : موت معاوية وبيعة يزيد. فقال ابن عمر : لا تفرّقا جماعة المسلمين. وقدم هو وابن عباس المدينة ، فلما بايع الناس بايعا.

ويقول ابن كثير في (البداية والنهاية) ج ٨ ص ١٦٣ :

ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية ، كان الحسينعليه‌السلام ممن امتنع من مبايعته ، هو وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمر وابن عباس. ثم مات ابن أبي بكر وهو مصمم على ذلك.

فلما مات معاوية سنة ستين وبويع ليزيد ، بايع ابن عمر وابن عباس ، وصمم على المخالفة الحسينعليه‌السلام وابن الزبير.

٤٦٥ ـ لماذا ألخ يزيد على أخذ البيعة من الحسينعليه‌السلام خاصة؟ :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ٧٠)

كانت خلافة يزيد مهلهلة ، وأغلب الناس غير مقتنعين بها ، وكان لا بدّ له لتثبيت حكومته من أن يضرب عصفورين بحجر ، فطلب البيعة من الإمام الحسينعليه‌السلام .فهو لا يبغي من ذلك بيعة الحسينعليه‌السلام كفرد بقدر ما يرمي إلى تأييد الناس له إذا رأوا الحسين يبايع ، لأن الحسينعليه‌السلام كانت له منزلة سامية في نفوس الناس ، حتّى في نفوس أعدائه من المقربين من الحزب الأموي.

٤١٥

فمن الواضح أن مبايعة الإمام الحسينعليه‌السلام ليزيد كانت تعني تحقيق ما يلي :الاعتراف الشرعي بحكومة يزيد ، وبأنها تمثّل إرادة المسلمين ، وهذا بطبعه يؤدي بالتالي إلى أن عامة المسلمين سوف يبايعون يزيد ، فسيعطي خلافة يزيد صفة الشرعية الإسلامية.

لذلك رفض الإمام الحسينعليه‌السلام البيعة شكلا ومضمونا ، وقال : «مثلي لا يبايع مثله». وبدأ يعمل لإقامة دولة إسلامية صحيحة ، معتمدا على واقعين أساسيين :

١ ـ الإرادة الجماهيرية الرافضة لحكومة يزيد ، والتي تعتبر أرضية خصبة يجب تنميتها لقيام حكومة إلهية.

٢ ـ فساد القيادة التي تولاها يزيد والحزب الأموي.

٤٦٦ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام ناجى به جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد زار قبره الشريف :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٦)

وفي هذه الليلة خرج الحسين من منزله وأتى قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسطع له نور من القبر(١) فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرختك ، وسبطك والثّقل(٢) الّذي خلّفته في أمتك ، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك ، صلى الله عليك.

ثم صفّ قدميه فلم يزل راكعا وساجدا حتّى الصباح(٣) .

٤٦٧ ـ من كلام لهعليه‌السلام وقد زار قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة ثانية ، وخبر رؤيته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٦)

وفي الليلة الثانية جاء الحسينعليه‌السلام إلى قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلى ركعات ، ثم قال : الله م إن هذا قبر نبيك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا ابن بنت نبيك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. الله م إني أحبّ المعروف وأنكر المنكر ، وإني أسألك يا ذا الجلال

__________________

(١) مقتل المقرم ، ص ١٤٤ نقلا عن أمالي الصدوق ، ص ٩٣ مجلس ٣٠.

(٢) الثّقل : كل شيء نفيس مصون.

(٣) مقتل المقرم ، ص ١٤٥ عن مقتل العوالم ، ص ٥٤ ؛ والبحار ، ج ١٠ ص ١٧٢.

٤١٦

والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه إلا اخترت لي من أمري ما هو لك رضى ولرسولك رضى وللمؤمنين رضى. ثم جعل يبكي عند القبر ، حتّى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه ، فجاء حتّى ضمّ الحسين إلى صدره ، وقبّل بين عينيه ، وقال : «حبيبي يا حسين ، كأني أراك عن قريب مني مرمّلا بدمائك ، مذبوحا بأرض كربلاء ، بين عصابة من أمتي ، وأنت في ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى. وهم في ذلك يرجون شفاعتي ، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، وما لهم عند الله من خلاق. حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون ، وإن لك في الجنة لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة». قال : فجعل الحسين في منامه ينظر إلى جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسمع كلامه ويقول له : يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك إلى قبرك. فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا حسين لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة(١) وما قد كتب الله لك من الثواب العظيم ، فإنك وأباك وأمك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنة». فانتبه الحسينعليه‌السلام وقصّ رؤياه على أهل بيته ، فاشتدّ حزنهم وكثر بكاؤهم(٢) .

وروى أبو مخنف في مقتله هذا الكلام ، ص ١٥ على النحو التالي :

إن الحسينعليه‌السلام لما خرج من المدينة أتى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالتزمه وبكى بكاء شديدا وسلّم عليه ، وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد خرجت من جوارك كرها ، وفرّق بيني وبينك ، وأخذت قهرا أن أبايع يزيد ، شارب الخمور وراكب الفجور ، وإن فعلت كفرت ، وإن أبيت قتلت ، فها أنا خارج من جوارك كرها ، فعليك مني السلام يا رسول الله. ثم نام ساعة فرأى في منامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد وقف به وسلّم عليه ، وقال : «يا بني لقد لحق بي أبوك وأمك وأخوك ، وهم مجتمعون في دار الحيوان ، ولكنا مشتاقون إليك ، فعجّل بالقدوم إلينا ، واعلم يا بني أن لك درجة مغشّاة بنور الله ، ولست تنالها إلا بالشهادة ، وما أقرب قدومك علينا».

__________________

(١) ورد بعض هذا الكلام في المناقب لابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٤٠ ط نجف.

(٢) مقتل المقرم ، ص ١٤٨ نقلا عن مقتل العوالم ، ص ٥٤. والمقصود بعمه : جعفر الطيار ، وعم أبيه : حمزة سيد الشهداء.

٤١٧

٤٦٨ ـ محاورة بين الحسينعليه‌السلام وأخيه عمر الأطرف بعد أن رأى الرؤيا :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٤٨)

فقال له أخوه عمر الأطرف ابن أمير المؤمنينعليه‌السلام : حدثني أبو محمد الحسن عن أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام أنك مقتول ، فلو بايعت لكان خيرا لك. قال الحسينعليه‌السلام : حدّثني أبي أن رسول الله أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربته تكون بالقرب من تربتي ، أتظن أنك علمت ما لم أعلمه!. وإني لا أعطي الدنيّة من نفسي أبدا. ولتلقينّ فاطمة أباها شاكية مما لقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة من آذاها في ذريتها(١) .

٤٦٩ ـ وداع الحسينعليه‌السلام لقبر أمه وأخيه :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٩)

وتهيأ الحسينعليه‌السلام وعزم على الخروج من المدينة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودّعها. ثم مضى إلى قبر أخيه الحسنعليه‌السلام فودّعه.

وفي وقت الصبح أقبل إليه أخوه محمّد بن الحنفية.

٤٧٠ ـ من محاورة بين الحسينعليه‌السلام وأخيه محمّد بن الحنفية ينصحه فيها بالتنحي عن الأمصار ويدعوه للسفر إلى اليمن :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٧)

فأقبل إليه أخوه محمّد بن الحنفية ، فقال له : يا أخي فديتك نفسي ، أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها منك ، لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي. لأن الله تبارك وتعالى قد شرّفك وجعلك من سادات أهل الجنة ، إني أريد أن أشير عليك فاقبل مني. فقال له الحسينعليه‌السلام : قل يا أخي ما بدا لك. فقال : أشير عليك أن تتنحّى بنفسك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، وأن تبعث رسلك إلى الناس فتدعوهم إلى بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان يقومه رسول الله والخلفاء الراشدون المهديّون من بعده ، حتّى يتوفاك الله وهو عنك راض ، والمؤمنون عنك راضون ، كما رضوا عن أبيك وأخيك.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ١٥ طبع صيدا.

٤١٨

وإن اجتمع الناس على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك ، فإني خائف عليك أن تدخل مصرا من الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك ، وطائفة عليك ، فتقتل بينهم. (وفي رواية مثير الأحزان للجواهري ، ص ٧) : «فيقتتلوا فتكون لأول الأسنة غرضا ، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما ، أضيعها دما وأذلها أهلا». فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أخي فإلى أين أذهب؟. قال : تخرج إلى مكة ، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك الّذي تحب ، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنهم أنصار جدك وأبيك وأخيك ، وهم أرأف وأرقّ قلوبا وأوسع الناس بلادا وأرجحهم عقولا ، فإن اطمأنّت بك أرض اليمن فذاك ، وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال (وفي رواية : شعب الجبال ، أي رؤوسها) ، وصرت من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ، ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين. (وفي رواية تتمة ذلك) : «فإنك أصوب ما تكون رأيا وأحزمه عملا ، حتّى تستقبل الأمور استقبالا ، ولا تكون الأمور أبدا أشكل عليك منها حين تستدبرها استدبارا(١) ». فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم لا تبارك في يزيد». فقطع محمّد الكلام وبكى ، فبكى معه الحسين ساعة ، ثم قال :يا أخي جزاك الله عني خيرا ، فلقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأرجو أن يكون رأيك موفقا مسددا ، وأنا عازم على الخروج إلى مكة ، وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ، ممن أمرهم أمري ورأيهم رأيي. وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم في المدينة ، فتكون لي عينا عليهم ، ولا تخف عليّ شيئا من أمورهم(٢) .

وقام من عند ابن الحنفية ودخل المسجد وهو ينشد :

لا ذعرت السّوام في فلق الصب

ح مغيرا ولا دعيت يزيدا

يوم أعطي مخافة الموت ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

وسمعه أبو سعيد المقبري ، فعرف أنه يريد أمرا عظيما.

__________________

(١) مقتل المقرم ، ص ١٥٠ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٩١ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٧ ؛ والمناقب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٠ ؛ وشبيه هذا الكلام في مقتل أبي مخنف ، ص ١٤.

(٢) مقتل المقرم ، ص ١٥٠ عن مقتل محمّد بن أبي طالب. واعتذر العلامة الحلي عنه بالمرض ، وابن نما الحلي عنه بقروح أصابته ، ولم يذكر أرباب المقاتل هذا العذر.

٤١٩

وأصل الشعر ليزيد بن مفرغ ، ذكره أبو الفرج الاصفهاني في (الأغاني) ج ١٨ ص ٢٨٧ ، يقول الشاعر :

أيّ بلوى معيشة قد بلونا

فنعمنا وما رجونا خلودا

ودهور لقيننا موجعات

وزمان يكسّر الجلمودا

فصبرنا على مواطن ضيق

وخطوب تصيّر البيض سودا

أفإنس ، ما هكذا صبر إنس

أم من الجن ، أم خلقت حديدا

لا ذعرت السّوام في فلق الصب

ح مغيرا ولا دعيت يزيدا

يوم أعطي مخافة الموت ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

وهي قصيدة طويلة ، وقد تمثّل الإمام الحسينعليه‌السلام بالبيتين الأخيرين منها.

٤٧١ ـ عزم الحسينعليه‌السلام على الخروج إلى مكة :

(تاريخ دمشق لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٩٥)

عن أبي سعيد المقبري قال :

والله لرأيت الحسينعليه‌السلام وإنه ليمشي بين رجلين ، يعتمد على هذا مرة ، وعلى هذا مرة ، وعلى هذا أخرى ، حتّى دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول :

لا ذعرت السّوام في فلق الصب

ح مغيرا ولا دعيت يزيدا

يوم أعطي مخافة الموت ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

ويروى (إذا دعوت يزيدا). ويروى (حين أعطى من المهانة ضيما).

قال : فعلمت عند ذلك أنه لا يلبث إلا قليلا حتّى يخرج. فما لبث أن خرج حتّى لحق بمكة.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ :

«فقلت في نفسي : ما تمثّل بهذين البيتين إلا لشيء يريده. فخرج بعد ليلتين إلى مكة».

وفي (الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ٣٥ :

ثم جعل يتمثّل بشعر يزيد بن المفرغ الحميري [توفي في الكوفة سنة ٦٩ ه‍] وهو يقول :

لا سهرت السّوام في فلق الصب

ح مضيئا ولا دعيت يزيدا

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735