موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 471605 / تحميل: 5565
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

عنه ، سقط الفور في تلك السنة عنه ؛ لأنّ المال إنّما يعتبر وقت خروج الناس ، وقد يتوسّل المحتال بهذا إلى دفع الحجّ.

مسألة ٤٣ : لو كان له مال يكفيه لذهابه وعوده دون نفقة عياله ، سقط عنه فرض الحجّ ؛ لما تقدّم من الأمر بالنفقة على العيال ، ولأنّ نفقة العيال تتعلّق بالفاضل عن قوته ، وفرض الحجّ(١) يتعلّق بالفاضل عن كفايته ، فكان الإِنفاق على العيال أولى من الحجّ.

والمراد بالعيال هنا من تلزمه النفقة عليه دون من تُستحب.

مسألة ٤٤ : لو لم يكن له زاد وراحلة أو كان ولا مؤونة له لسفره أو لعياله ، فبذل له باذل الزاد والراحلة ومئونته ذاهباً وعائداً ومؤونة عياله مدّة غيبته ، وجب عليه الحجّ عند علمائنا ، سواء كان الباذل قريباً أو بعيداً ؛ لأنّه مستطيع للحجّ.

ولأنّ الباقر والصادقعليهما‌السلام سُئلا عمّن عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك ، أهو ممّن يستطيع إلى ذلك سبيلا؟ قال : « نعم »(٢) .

وللشافعي قولان في وجوب الحجّ إذا كان الباذل ولدا :

أحدهما : الوجوب ؛ لأنّ الابن يخالف غيره في باب المنّة.

والثاني : عدم الوجوب ؛ لأنّه لا يلزمه القبول ؛ لاشتماله على المنّة.

وإن لم يكن ولداً ، لم يجب القبول(٣) .

وقال أحمد : لا يجب الحجّ مطلقاً ، سواء بُذل له الركوب والزاد أو بُذل له مال ؛ لأنّه غير مالك للزاد والراحلة ولا لثمنهما ، فسقط عنه فرض الحجّ(٤) .

____________________

(١) في « ف ، ن » زيادة : على الكفاية.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٦ - ٢٦٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣ - ٤ / ٣ و ٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤٠ / ٤٥٥ و ٤٥٦.

(٣) الوجيز ١ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥ - ٤٦.

(٤) المغني ٣ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨١.

٦١

ونمنع ثبوت المنّة وعدم الملك المشروط في الاستطاعة.

فروع :

أ - لو بُذل له مال يتمكّن به من الحجّ ويكفيه في مئونته ومؤونة عياله ، لم يجب عليه القبول ، سواء كان الباذل له ولداً أو أجنبياً ؛ لاشتماله على المنّة في قبول الطاعة.

ولأنّ في قبول المال وتملّكه إيجاب سببٍ يلزم به الفرض ، وهو : القبول ، وربما حدثت عليه حقوق كانت ساقطة ، فيلزمه صرف المال إليها من وجوب نفقة وقضاء دين.

ولأنّ تحصيل شرط الوجوب غير واجب ، كما في تحصيل مال الزكاة.

ب - لو وجد بعض ما يلزمه الحجّ به وعجز عن الباقي فبُذل له ما عجز عنه ، وجب عليه الحجّ ؛ لأنّه ببذل الجميع مع عدم تمكّنه من شي‌ء أصلاً يجب عليه فمع تمكّنه من البعض يكون الوجوب أولى.

ج - لو طلب من فاقد الاستطاعة إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة ، لم يجب القبول ، لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب.

نعم لو آجر نفسه بمال تحصل به الاستطاعة أو ببعضه إذا كان مالكاً للباقي ، وجب عليه الحجّ.

وكذا لو قبل مال الهبة ؛ لأنّه صار الآن مالكاً للاستطاعة.

د - قال ابن إدريس من علمائنا : إنّ من يعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مؤونة الطريق يجب عليه الحجّ بشرط أن يملّكه ما يبذل له ويعرض عليه ، لا وعدا بالقول دون الفعل ، وكذا فيمن حجّ به بعض إخوانه(١) .

____________________

(١) السرائر : ١٢١.

٦٢

والتحقيق أن نقول : البحث هنا في أمرين :

الأول : هل يجب على الباذل بالبذل الشي‌ء المبذول أم لا؟

فإن قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج على المبذول له ، لكن في إيجاب المبذول بالبذل إشكال أقربه عدم الوجوب.

وإن قلنا بعدم وجوبه ، ففي إيجاب الحجّ إشكال ، أقربه : العدم ؛ لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب.

الثاني : هل بين بذل المال وبذل الزاد والراحلة ومئونته ومؤونة عياله فرق أم لا؟ الأقرب : عدم الفرق ؛ لعدم جريان العادة بالمسامحة في بذل الزاد والراحلة والمؤن بغير منّة كالمال.

ه - لو وهب المال ، فإن قبل ، وجب الحجّ ، وإلاّ فلا ، ولا يجب عليه قبول الاتّهاب ، وكذا الزاد والراحلة ، لأنّ في قبول عقد الهبة تحصيل شرط الوجوب وليس واجبا.

و - لا يجب الاقتراض للحجّ إلّا أن يحتاج إليه ويكون له مال بقدره يفضل عن الزاد والراحلة ومئونته ومؤونة عياله ذهاباً وعوداً ، فلو لم يكن له مال ، أو كان له ما يقصر عن ذلك ، لم يجب عليه الحجّ ؛ لأصالة البراءة ، ولأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس واجباً.

ز - لو كان له ولد له مال ، لم يجب عليه بذله لأبيه في الحجّ ولا إقراضه له ، سواء كان الولد كبيراً أو صغيراً ، ولا يجب على الأب الحجّ بذلك المال.

وقال الشيخرحمه‌الله : وقد روى أصحابنا أنّه إذا كان له ولد له مال ، وجب أن يأخذ من ماله ما يحجّ به ، ويجب عليه إعطاؤه(١) .

ونحن نحمل ما رواه الشيخ على الاستحباب.

ج - لو حجّ فاقد الزاد والراحلة ماشياً أو راكباً ، لم يجزئه عن حجّة‌

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٥٠ ، المسألة ٨.

٦٣

الإِسلام ؛ لأنّ الحج على هذه الحالة غير واجب عليه ، فلم يكن ما أوقعه واجباً عليه ، فإذا حصل شرط الوجوب الذي هو كالوقت له ، وجب عليه الحجّ ؛ لأنّ الفعل أوّلاً كان فعلاً للواجب قبل وقته ، فلم يكن مجزئاً كالصلاة.

مسألة ٤٥ : لا تباع داره التي يسكنها في ثمن الزاد والراحلة ، ولا خادمه ولا ثياب بدنه ولا فرس ركوبه بإجماع العلماء ؛ لأنّ ذلك ممّا تمسّ الحاجة إليه ، ويجب عليه بيع ما زاد على ذلك من ضياع وعقار وغير ذلك من الذخائر والأثاث التي له منها بُدٌّ إذا حصلت الاستطاعة معه.

مسألة ٤٦ : لو(١) فقد الاستطاعة فغصب مالاً فحجّ به ، أو غصب حمولةً فركبها حتى أوصلته ، أثم بذلك ، وعليه اُجرة الحمولة وضمان المال ، ولم يجزئه عن الحجّ.

أمّا لو كان واجداً للزاد والراحلة والمؤونة فغصب وحجَّ بالمغصوب ، أجزأه ذلك - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ الحجّ عبادة بدنيّة ، والمال والمحمولة يُرادان للتوصّل إليه ، فإذا فعله لم يقدح فيه ما يوصل به إليه.

نعم لو طاف أو سعى على الدابة المغصوبة ، لم يصحّا.

ولو وقف عليها فالأقوى : الصحّة ؛ لأنّ الواجب هو الكون في الموقف وقد حصل.

وقال أحمد : إذا حجّ بالمال المغصوب ، لم يصح ، وكذا لو غصب حمولةً فركبها حتى أوصلته(٣) ؛ لأنّ الزاد والراحلة من شرائط الحجّ ولم يوجد على الوجه المأمور به ، فلا يخرج به عن العهدة.

وليس بجيّد ؛ لأنّ الشرط(٤) ليس تملّك عين الزاد والراحلة ، بل هما أو‌

____________________

(١) في النسخ الخطية : ولو ، بدل مسألة : لو.

(٢ و ٣) المجموع ٧ : ٦٢.

(٤) في الطبعة الحجرية : لأنّ شرط الحج ، بدل لأنّ الشرط.

٦٤

ثمنهما ، والبحث في القادر.

مسألة ٤٧ : الفقير الزمن لا يجب عليه الحجّ إجماعاً ، فلو بذل له غيره الحجّ عنه بأن ينوبه ، لم يجب عليه أيضاً - وبه قال مالك وأبو حنيفة(١) - لقولهعليه‌السلام : ( السبيل زاد وراحلة )(٢) .

ولأنّ الحجّ عبادة بدنيّة فوجب أن لا يجب عليه ببذل الغير النيابة عنه فيها ، كالصلاة والصوم.

ولأنّ العبادات ضربان :

منها : ما يتعلّق بالأبدان ، فتجب بالقدرة عليها ، كالصلاة والصيام.

ومنها : ما يتعلّق بالأموال ، فيعتبر في وجوبها ملك المال ، كالزكاة ، ولم يُعهد في الاُصول وجوب عبادة ببذل الطاعة(٣) .

وقال الشافعي : يجب ؛ لما روي أنّ امرأةً من خثعم قالت : يا رسول الله إنّ فريضة الله في الحجّ على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فهل ترى أن أحجّ عنه؟ فقال : ( نعم ) فقالت : أو ينفعه؟ فقال : ( أرأيت لو كان على أبيكِ دَيْنٌ فقضيِته أكان ينفعه؟ ) فقالت : نعم ، قال : ( فدَيْن الله أحقّ أن يقضى )(٤) .

وجه الدلالة : أنّها بذلت الطاعة لأبيها ، فأمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحجّ عنه من غير أن يجري للمال ذكر ، فدلّ على أنّ الفرض وجب ببذل الطاعة.

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣١٩ - ٣٢٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩ ، المجموع ٧ : ١٠١.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢١٨ / ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٣٠.

(٣) قوله : ببذل الطاعة ، أي بالتقرّب إلى الله تعالى بالنيابة عنه في الحج ، فلم يجب على النائب. هامش « ن ».

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٩٧٣ / ١٣٣٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧١ / ٢٩٠٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٨ بتفاوت واختصار.

٦٥

ولأنّ المغصوب(١) الموسر يجب عليه الحجّ بالاستنابة للغير بالمال ، وهذا في حكمه ؛ لأنّه قادر على فعل الحجّ عن نفسه فلزمه ، كالقادر بنفسه(٢) .

والحديث لا يدلّ على الوجوب ، ولهذا شبّههعليه‌السلام بالدَّيْن مع أنّ الولد لا يجب عليه قضاء ما وجب على أبيه من الدَّيْن ، بل يستحب له ، فكذا هنا.

ونمنع وجوب الاستنابة على المعضوب ، وسيأتي(٣) إن شاء الله.

تنبيه : شرط الشافعية في وجوب الحجّ ببذل الطاعة سبعة شرائط ، ثلاثة في الباذل :

أ - أن يكون الباذل من أهل الحجّ ، فيجمع البلوغ والعقل والحرّية والإِسلام ؛ لأنّ من لا يصح منه أداء الحجّ عن نفسه لا تصح منه النيابة فيه عن غيره.

ب - أن لا تكون عليه حجة الإِسلام ليصحّ إحرامه(٤) بالحجّ عن غيره.

ج - أن يكون واجداً للزاد والراحلة ؛ لأنّه لمـّا كان ذلك معتبراً في المبذول له كان اعتباره في الباذل أولى ؛ إذ ليس حال الباذل أوكد في إلزام الفرض من المبذول له.

وبعض الشافعية لا يعتبر هذا الشرط في بذله للطاعة وإن اعتبره في فرض نفسه ؛ لأنّه التزم الطاعة باختياره ، فصار كحجّ النذر المخالف للفرض بالأصالة.

____________________

(١) المعضوب : الزمن الذي لا حراك به. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٥١.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٥ ، المجموع ٧ : ٩٧ و ١٠١.

(٣) يأتي في المسألة ٩٩.

(٤) في « ف » : الإِحرام.

٦٦

وأربعة في المبذول له :

أ - أن يكون المبذول له واثقاً بطاعة الباذل عالماً أنّه متى أمره بالحجّ امتثل أمره ؛ لأنّ قدرة الباذل قد اُقيمت مقام قدرته ، فافتقر إلى الثقة بطاعته.

ب - أن يكون الفرض غير ساقط عنه.

ج - أن يكون معضوباً آيساً من أن يفعل بنفسه.

د - أن لا يكون له مال ؛ لأنّ ذا المال يجب عليه الحجّ بماله.

فإذا اجتمعت الشروط نُظر في الباذل ؛ فإن كان من غير ولد ولا والد ، ففي لزوم الفرض ببذله وجهان :

أحدهما - وهو الصحيح عندهم ونصّ عليه الشافعي - : أنّه كالولد في لزوم الفرض ببذل طاعته ؛ لكونه مستطيعاً للحجّ في الحالين.

والثاني : أنّ الفرض لا يلزمه ببذل غير ولده ؛ لما يلحقه من المنّة في قبوله ، ولأنّ حكم الولد مخالف لغيره في القصاص وحدّ القذف والرجوع في الهبة ، فخالف غيره في بذل الطاعة.

وإذا كملت الشرائط التي يلزم بها فرض الحج ببذل الطاعة فعلى المبذول له الطاعة أن يأذن للباذل أن يحجّ عنه ؛ لوجوب الفرض عليه ، وإذا أذن له وقبل الباذل إذنه فقد لزمه أن يحجّ عنه متى شاء ، وليس له الرجوع بعد القبول.

إذا تقرّر هذا فعلى المبذول له أن يأذن وعلى الباذل أن يحجّ.

فإن امتنع المبذول له من الإِذن فهل يقوم الحاكم مقامه في الإِذن للباذل؟ وجهان :

أحدهما : القيام فيأذن للباذل في الحجّ ؛ لأنّ الإِذن قد لزمه ، ومتى امتنع من فعل ما وجب عليه قام الحاكم مقامه في استيفاء ما لزمه ، كالديون.

والثاني - وهو الصحيح عندهم - : أنّ إذن الحاكم لا يقوم مقام إذنه ؛ لأنّ البذل كان لغيره ، فإن أذن المبذول له قبل وفاته ، انتقل الفرض عنه إلى‌

٦٧

الباذل ، وإن لم يأذن حتى مات ، لقي الله تعالى وفرض الحجّ واجب عليه.

فلو حجّ الباذل بغير إذن المبذول له ، كانت الحجّة واقعةً عن نفسه ؛ لأنّ الحجّ عن الحي لا يصحّ بغير إذنه ، وكان فرض الحجّ باقياً على المبذول له(١) .

وهذا كلّه ساقط عندنا.

البحث الخامس : في إمكان المسير‌

ويشتمل على اُمور أربعة : الصحة ، والتثبّت على الراحلة ، وأمن الطريق في النفس والبُضع والمال ، واتّساع الوقت ، فالنظر هنا في أربعة :

النظر الأول : الصحة‌

مسألة ٤٨ : أجمع علماء الأمصار في جميع الأعصار على أنّ القادر على الحجّ بنفسه الجامع لشرائط وجوب حجّة الإِسلام يجب عليه إيقاعه مباشرةً ، ولا تجوز له الاستنابة فيه ، فإن استناب غيره لم يجزئه ، ووجب عليه أن يحجّ بنفسه.

فإن مات بعد استطاعته واستنابته واستقرار الحجّ في ذمّته ، وجب أن يُخرج عنه اُجرة المثل من صلب ماله ؛ لأنّ ما فعله أوّلاً لم يُفده براءة ذمّته ، فيكون بمنزلة التارك للحجّ بعد استقراره في الذمّة من غير إجارة.

أمّا المريض مرضاً لا يتضرّر بالسفر والركوب فإنّه كالصحيح يجب عليه مباشرة الحجّ بنفسه ، فإن وجد مشقّة أو احتاج إلى ما يزيد على مؤونة سفر الصحيح مع عجزه عنه ، سقط عنه فرض المباشرة ، ولو احتاج إلى الدواء‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٠ - ١١ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٥ ، المجموع ٧ : ٩٥ و ٩٦ و ١٠٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦.

٦٨

فكالزاد.

مسألة ٤٩ : المريض الذي يتضرّر بالركوب أو بالسفر إن كان مرضه لا يرجى زواله وكان مأيوساً من بُرئه لزمانة أو مرض لا يرجى زواله أو كان معضوباً نِضْو(١) الخلقة لا يقدر على التثبّت على الراحلة إلّا بمشقّة غير محتملة أو كان شيخاً فانياً وما أشبه ذلك إذا كان واجداً لشرائط الحج من الزاد والراحلة وغيرهما ، لا تجب عليه المباشرة بنفسه إجماعاً ؛ لما فيه من المشقّة والحرج وقد قال تعالى :( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٢) .

ولما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( من لم تمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر فمات فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « من مات ولم يحجّ حجّة الإِسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّاً أو نصرانياً »(٤) .

وهل تجب عليه الاستنابة؟ قال الشيخ : نعم(٥) ، وبه قال في الصحابة : عليعليه‌السلام ، وفي التابعين : الحسن البصري ، ومن الفقهاء : الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق(٦) .

لما رواه العامة عن عليعليه‌السلام أنّه سُئل عن شيخ يجد الاستطاعة ،

____________________

(١) أي : مهزولاً. لسان العرب ١٥ : ٣٣٠.

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) حلية الأولياء ٩ : ٢٥١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٨.

(٤) الكافي ٤ : ٢٦٨ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٣ / ١٣٣٣ ، التهذيب ٥ : ١٧ / ٤٩.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢٤٨ ، المسألة ٦.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤ ، المجموع ٧ : ٩٤ و ١٠٠ ، المغني ٣ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٣ ، تفسير القرطبي ٤ : ١٥١.

٦٩

فقال : « يجهّز من يحجّ عنه »(١) .

ولحديث الخثعمية(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « إنّ عليّاًعليه‌السلام رأى شيخاً لم يحج قطّ ولم يُطق الحجّ من كبره ، فأمر أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه »(٣) .

ولأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة فجاز أن يقوم غير فعله مقام فعله فيها ، كالصوم إذا عجز عنه.

وقال بعض علمائنا : لا تجب الاستنابة(٤) ، وبه قال مالك ؛ لأنّ الاستطاعة غير موجودة ؛ لعدم التمكّن من المباشرة ، والنيابة فرع الوجوب والوجوب ساقط ؛ لعدم شرطه ، فإنّ الله تعالى قال( مَنِ اسْتَطاعَ ) وهذا غير مستطيع.

ولأنّها عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة فلا تدخلها مع العجز ، كالصوم والصلاة(٥) .

ونمنع عدم الاستطاعة ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام فسّرها بالزاد والراحلة(٦) ، وهي موجودة ، والقياس ضعيف ، وهذا القول لا بأس به أيضاً.

قال مالك : ولا يجوز أن يستأجر من يحجّ عنه في حال حياته ، فإن وصّى أن يُحجّ عنه بعد وفاته ، جاز(٧) .

____________________

(١) تفسير القرطبي ٤ : ١٥١ ، المغني ٣ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٤.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة ٦٤ ، الهامش (٤)

(٣) التهذيب ٥ : ١٤ / ٣٨.

(٤) قاله ابن إدريس في السرائر : ١٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٩ ، المجموع ٧ : ١٠٠ ، المغني ٣ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٣ ، تفسير القرطبي ٤ : ١٥٠.

(٦) الكافي ٤ : ٢٦٨ / ٥.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٣ ، تفسير القرطبي ٤ : =

٧٠

وقال أبو حنيفة : إن قدر على الحجّ قبل زمانته ، لزمه الحجّ ، وإن لم يقدر عليه ، فلا حجّ عليه(١) .

مسألة ٥٠ : لو لم يجد هذا المريض الذي لا يرجى بُرؤه مالاً يستنيب به ، لم يكن عليه حجّ إجماعاً ؛ لأنّ الصحيح لو لم يجد ما يحجّ به لم يجب عليه فالمريض أولى ، وإن وجد مالاً ولم يجد مَنْ ينوب عنه لم يجب عليه أيضاً ؛ لعدم تمكّنه من الاستئجار.

وعن أحمد روايتان في إمكان المسير هل هو من شرائط الوجوب أو من شرائط لزوم السعي ، فإن قلنا : من شرائط لزوم السعي ، ثبت الحجّ في ذمّته يُحجّ عنه بعد موته ، وإن قلنا : من شرائط الوجوب ، لم يجب عليه شي‌ء(٢) .

وهذا ساقط عندنا.

مسألة ٥١ : المريض الذي لا يرجى بُرؤه لو استناب من حجّ عنه ثم عُوفي ، والمعضوب إذا تمكّن من المباشرة بعد أن أحجّ عن نفسه ، وجب عليه أن يحجّ بنفسه مباشرةً.

قال الشيخرحمه‌الله : لأنّ ما فعله كان واجباً في ماله وهذا يلزمه في نفسه(٣) .

وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ؛ لأنّ هذا بدل اياس فإذا برأ تبيّنّا أنّه لم يكن مأيوساً منه ، فلزمه الأصل كالآيسة إذا اعتدت بالشهور ثم حاضت لا تجزئها تلك العدّة(٤) .

____________________

= ١٥٠ - ١٥١.

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٨ - ٩.

(٢) المغني ٣ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٤.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩.

(٤) الاُم ٢ : ١١٤ و ١٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ ، المغني ٣ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٤.

٧١

وقال أحمد وإسحاق : لا يجب عليه حجٌّ آخر ؛ لأنّه فَعَل المأمور به ، فخرج عن العهدة ، كما لو لم يبرأ ، ولأنّه أدّى حجة الإِسلام بأمر الشارع ، فلم يلزمه حجّ ثانٍ ، كما لو حجّ بنفسه ، ولإِفضائه إلى إيجاب حجّتين وليس عليه إلّا حجّة واحدة(١) .

ونمنع فعله للمأمور به ، والفرق بينه وبين عدم البرء ظاهر ، ونمنع أداء حجّة الإِسلام بل بدلها المشروط بعدم القدرة على المباشرة ، ونمنع أنّه ليس عليه إلّا حجّة واحدة.

إذا عرفت هذا ، فلو عُوفي قبل فراق النائب من الحجّ ، قال بعض العامة : لم يجزئه الحجّ ؛ لأنّه قدر على الأصل قبل تمام البدل فلزمه ، كالصغيرة ومن ارتفع حيضها إذا حاضتا قبل تمام عدّتهما بالشهور ، وكالمتيمّم إذا رأى الماء في صلاته.

ويحتمل الاجزاء ، كالمتمتّع إذا شرع في الصيام ثم قدر على الهدي ، والمكفّر إذا قدر على الأصل بعد الشروع في البدل ، وإن برأ قبل إحرام النائب ، لم يجزئه بحال(٢) .

وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة ٥٢ : المريض إذا كان مرضه يرجى زواله والبرء منه ، والمحبوس ونحوه إذا وجد الاستطاعة وتعذّر عليه الحجّ ، يستحب أن يستنيب ، قاله الشيخ(٣) رحمه‌الله .

ومنع منه الشافعي وأحمد ، فإن استناب غيره ، لم يجزئه كالصحيح ، سواء برأ من مرضه أو لم يبرأ ؛ لأنّه يرجو القدرة على الحجّ بنفسه ، فلم تكن‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٨٢ - ١٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٤.

(٢) المغني ٣ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩.

٧٢

له الاستنابة ، ولا يجزئه إن فعل ، كالفقير(١) .

وقال أبو حنيفة : يجوز له ان يستنيب ، ويكون ذلك مراعىً ، فإن قدر على الحج بنفسه ، لزمه ، وإلّا أجزأه ذلك ؛ لأنّه عاجز عن الحج بنفسه ، فأشبه المأيوس من برئه(٢) .

وفرّق الشافعية بأنّ المأيوس عاجز على الإِطلاق ، آيس من القدرة على الأصل فأشبه الميت ، ولأنّ النصّ إنّما ورد في الحجّ عن الشيخ الكبير وهو ممّن لا يرجى منه مباشرة الحج ، فلا يقاس عليه إلّا ما يشابهه(٣) .

والمعتمد : ما قاله الشيخ ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « كان عليعليه‌السلام يقول : لو أنّ رجلا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج ، فليجهّز رجلاً من ماله ثم ليبعثه مكانه»(٤) وهو عام.

ولأنّه غير قادر على الحجّ بنفسه ، فجاز له الاستنابة ، كالمعضوب.

إذا ثبت هذا ، فلو استناب من يرجو القدرة على الحجّ بنفسه ثم صار مأيوساً من بُرئه ، فعليه أن يحجّ عن نفسه مرّة اُخرى ؛ لأنّه استناب في حال لا تجوز الاستنابة فيها ، فأشبه الصحيح.

قال الشيخ : ولأنّ تلك الحجّة كانت عن ماله وهذه عن بدنه(٥) .

ولو مات سقط الحج عنه مع الاستنابة وبدونها ؛ لأنّه غير مستطيع للحجّ.

وللشافعي وجهان مع الاستنابة :

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ ، المجموع ٧ : ٩٤ و ١١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤ ، المغني ٣ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥٢ ، المغني ٣ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٦.

(٣) راجع : المغني ٣ : ١٨٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٨٥.

(٤) الكافي ٤ : ٢٧٣ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٤ - ١٥ / ٤٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩.

٧٣

أحدهما : عدم الإِجزاء ؛ لأنّه استناب وهو غير مأيوس منه ، فأشبه ما إذا برأ.

والثاني : الإِجزاء ؛ لأنّا تبيّنّا أنّ المرض كان مأيوساً منه حيث اتّصل الموت به(١) .

مسألة ٥٣ : قد بيّنّا أنّ من بذل طاعة الحج لغيره لا يجب على ذلك الغير القبول ، خلافاً للشافعي حيث أوجب القبول والإِذن للمطيع في الحجّ عنه.

ولو مات المطيع قبل أن يأذن له ، فإن كان قد أتى من الزمان ما يمكنه فعل الحجّ فيه ، استقرّ في ذمّته ، وإن كان قبل ذلك ، لم يجب عليه ؛ لأنّه قد بان أنّه لم يكن مستطيعاً.

وهل يلزم الباذل ببذله؟ قال : إن كان قد أحرم لزم المضيّ فيه ، وإلّا فلا ؛ لأنّه لا يجب عليه البذل ، فلا يلزمه به حكم ؛ لأنّه متبرّع به(٢) .

وهذه كلّها ساقطة عندنا ؛ لأنّها مبنية على وجوب الحج بالطاعة ، وهو باطل ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سُئل ما يوجب الحجّ؟ فقال : ( الزاد والراحلة )(٣) .

ولو كان على المعضوب حجّتان : منذورة وحجة الإِسلام ، جاز له أن يستنيب اثنين في سنة واحدة ؛ لأنّهما فعلان متباينان لا ترتيب بينهما ، ولا يؤدّي ذلك إلى وقوع المنذورة دون حجّة الإِسلام ، بل يقعان معاً ، فأجزأ ذلك ، بخلاف ما إذا ازدحم الفرضان على واحد.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ ، المجموع ٧ : ١١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٥ و ٤٦ ، المجموع ٧ : ٩٥ و ٩٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ١٧٧ / ٨١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٦٧ / ٢٨٩٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢١٥ / ٣.

٧٤

وللشافعي وجهان(١) .

تذنيبان :

الأول : قال الشيخ : المعضوب إذا وجب عليه حجّة بالنذر أو بإفساد حجّه ، وجب عليه أن يُحجّ غيره عن نفسه ، وإن برأ فيما بعدُ ، وجب عليه الإِعادة(٢) .

وفيه نظر.

الثاني : يجوز استنابة الصرورة وغير الصرورة على ما يأتي(٣) .

مسألة ٥٤ : يجوز للصحيح الذي قضى ما عليه من حجّة الإِسلام أن يستنيب في حجّ التطوّع وإن تمكّن من مباشرة الحجّ بنفسه عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) - لأنّها حجّة لا تلزمه بنفسه ، فجاز أن يستنيب فيها ، كالمعضوب.

وقال الشافعي : لا يجوز - وهو الرواية الثانية عن أحمد - لأنّه غير آيس من الحجّ بنفسه قادر عليه ، فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض(٥) .

وهو خطأ ؛ للفرق ، فإنّ الفرض لم يؤدّه مباشرة وهنا قد أدّاه ، فافترقا.

ولو لم يكن قد حجّ حجّة الإِسلام ، جاز له أن يستنيب أيضاً في حجّ التطوّع ، سواء وجب عليه الحجّ قبل ذلك أو لا ، وسواء تمكّن من أداء الواجب أو لا ؛ لعدم المنافاة بينهما.

ولو كان قد أدّى حجّة الإِسلام وعجز عن الحجّ بنفسه ، صحّ أن يستنيب‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٦ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٧.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩.

(٣) يأتي في المسألة ٨٤.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥٢ ، المغني ٣ : ١٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ١١٦.

(٥) المجموع ٧ : ١١٦ ، المغني ٣ : ١٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٢.

٧٥

في التطوّع ؛ لأنّ ما جازت الاستنابة في فرضه جازت في نفله ، كالصدقة.

مسألة ٥٥ : يجوز الاستئجار على الحجّ ، وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) ، ومنع في الرواية الاُخرى منه ومن الاستئجار على الأذان وتعليم القرآن والفقه ونحوه ممّا يتعدّى نفعه ويختصّ فاعله أن يكون من أهله القربة(٢) .

وجوّز ذلك كلّه الشافعي ومالك ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أحقّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)(٣) .

وأخذ أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الجعل على الرقية بكتاب الله ، وأخبروا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فصوّبهم.

ولأنّه تجوز النفقة عليه فجاز الاستئجار عليه كبناء المساجد والقناطر(٤) .

واحتجّ المانعون : بأنّ عبادة بن الصامت كان يُعلّم رجلاً القرآن ، فأهدى له قوساً ، فسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، فقال له : ( إن سرّك أن تتقلّد قوساً من نار فتقلّدها )(٥) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعثمان بن أبي العاص : ( واتّخذ مؤذّناً لا يأخذ على أذانه أجراً )(٦) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٧١ ، الاُم ٢ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤ و ٢٥٧ ، المجموع ٧ : ١٢٠ و ١٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٨٦.

(٢) المغني ٣ : ١٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٢١ ، سنن البيهقي ١ : ٤٣٠.

(٤) الاُم ٢ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٩٨ و ٧ : ٤٩ ، المجموع ٣ : ١٢٧ و ٧ : ١٢٠ و ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥٧ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٦٢ و ٤ : ٤١٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٦ و ٣٧٤ و ٣٧٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٨٦.

(٥) أورده ابن قدامة في المغني ٣ : ١٨٦ ، وفي سنن البيهقي ٦ : ١٢٥ ، ومسند أحمد ٥ : ٣١٥ ، وتفسير القرطبي ١ : ٣٣٥ بتفاوت.

(٦) سنن أبي داود ١ : ١٤٦ / ٥٣١ ، سنن الترمذي ١ : ٤٠٩ - ٤١٠ / ٢٠٩ ، سنن النسائي =

٧٦

ولأنّها عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة ، فلم يجز أخذ الاُجرة عليها ، كالصلاة والصوم.

والرقية قضية في عين ، فتختص بها.

وأمّا بناء المساجد فلا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة ، ويجوز أن يقع قربةً وغير قربة ، فإذا وقع باُجرة لم يكن قربةً ولا عبادةً ، ولا يصح هنا أن يكون غير عبادة ، ولا يجوز الاشتراك في العبادة ، فمتى فعله من أجل الاُجرة خرج عن كونه عبادةً ، فلم يصح.

ولا يلزم من جواز أخذ النفقة جواز أخذ الاُجرة ، كالقضاء والشهادة والإِمامة يؤخذ عليها الرزق من بيت المال ، وهو نفقة في المعنى ، ولا يجوز أخذ الاُجرة عليها(١) .

ونمنع أنّه إذا فعل من أجل أخذ الاُجرة خرج عن كونه عبادةً ، وإنّما يتحقّق ذلك لو لم يقصد سوى أخذ الاُجرة ، أمّا إذا جعله جزءاً لمقصود فلا.

وفائدة الخلاف : أنّه متى لم يجز أخذ الاُجرة عليها فلا يكون إلّا نائباً محضاً ، وما يدفع إليه من المال يكون نفقةً لطريقة ، فلو مات أو اُحصر أو مرض أو ضلّ الطريق ، لم يلزمه الضمان لما أنفق ؛ لأنّه إنفاق بإذن صاحب المال ، قاله أحمد(٢) ، فأشبه ما لو أذن له في سدّ بثق فانفتق ولم ينسد.

وإذا ناب عنه آخر ، فإنّه يحجّ من حيث بلغ النائب الأول من الطريق ؛ لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه ، فلم يكن عليه الإِنفاق دفعةً اُخرى ، كما لو خرج بنفسه فمات في بعض الطريق ، فإنّه يحجّ عنه من حيث انتهى ، وما فضل معه من المال ردّه إلّا أن يؤذن له في أخذه ، ويُنفق على نفسه‌

____________________

= ٢ : ٢٣ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ١٩٩ ، مسند أحمد ٤ :٢١.

(١) المغني ٣ : ١٨٦ - ١٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٦.

(٢) المغني ٣ : ١٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٦.

٧٧

بقدر الحاجة من غير إسراف ولا تقتير ، وليس له التبرّع بشي‌ء منه إلّا أن يؤذن له في ذلك.

وعلى القول بجواز الاستئجار للحجّ يجوز أن يدفع إلى النائب من غير استئجار ، فيكون الحكم فيه على ما مضى.

وإن استأجره ليحجّ عنه أو عن ميت ، اعتبرت فيه شرائط الإِجارة من معرفة الاُجرة وعقد الإِجارة ، وما يأخذه اُجرةً له يملكه ويباح له التصرّف فيه والتوسّع في النفقة وغيرها ، وما فضل فهو له.

وإن اُحصر أو ضلّ الطريق أو ضاعت النفقة منه ، فهو في ضمانه ، والحجّ عليه ، وإن مات ، انفسخت الإِجارة ؛ لأنّ المعقود عليه تلف فانفسخ العقد ، كما لو ماتت البهيمة المستأجرة ، ويكون الحجّ أيضاً من موضع بلغ إليه النائب.

وما يلزمه من الدماء فعليه ؛ لأنّ الحجّ عليه.

النظر الثاني : التثبّت على الراحلة‌

التثبّت على الراحلة شرط في وجوب الحجّ ، فالشيخ الهِمّ والمعضوب الذي لا يتمكّن من الاستمساك على الراحلة لا يجب عليه الحجّ.

وكذا لو كان يتثبّت على الراحلة لكن بمشقّة عظيمة ، يسقط عنه فرض عامه ، لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديّاً أو نصرانيّاً)(١) .

إذا عرفت هذا ، فمقطوع اليدين أو الرِّجْلين إذا أمكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقّة شديدة يجب عليه مباشرة الحجّ ، ولا تجوز الاستنابة.

ولو احتاج المعضوب إلى حركة عنيفة يعجز عنها ، سقط في عامه ، فإن‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٣٣٤.

٧٨

مات قبل التمكّن ، سقط.

النظر الثالث : أمن الطريق‌

وهو شرط في وجوب الحجّ ، فلو كان الطريق مخوفاً أو كان فيه مانع من عدوّ وشبهه ، سقط فرض الحجّ في ذلك العام وإن حصلت باقي الشرائط ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الله تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع وهذا غير مستطيع.

ولأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحجّ ، فكان شرطاً ، كالزاد والراحلة.

ولأنّ حفص الكناسي سأل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (٢) ما يعني بذلك؟ قال : « مَنْ كان صحيحاً في بدنه ، مخلّى سربه ، له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحج »(٣) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : إنّه ليس شرطاً للوجوب ، بل هو شرط لزوم السعي ، فلو كملت شرائط الحج ثم مات قبل وجود هذا الشرط ، حُجّ عنه بعد موته ، وإن أعسر قبل وجوده، بقي في ذمته ، لأنّ النبيعليه‌السلام لمـّا سئل ما يوجب الحج؟ قال : ( الزاد والراحلة )(٤) وهذا له زاد وراحلة.

ولأنّ هذا عذر يمنع نفس الأداء ، فلم يمنع الوجوب ، كالعضب.

ولأنّ إمكان الأداء ليس شرطاً في وجوب العبادات بدليل ما لو طهرت الحائض أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٣ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٤ ، الوجيز ١ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ١٧ ، المغني ٣ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٥.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ١٣٩ / ٤٥٤.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٣٦.

٧٩

أداؤها فيه(١) .

وليس بجيّد ، لأنّ تكليف الخائف بالسعي تكليف بالمنهي عنه ، فإنّ الله تعالى قال :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٢) وهو قبيح.

والمراد بقولهعليه‌السلام : ( الزاد والراحلة ) ليس على إطلاقه ، بل مع حصول باقي الشرائط قطعاً.

ونمنع الوجوب في حقّ المعضوب ، وقد تقدّم(٣) .

وللفرق : بأنّ المعضوب يتمكّن من الاستنابة ، بخلاف المتنازع ، فإنّه غير متمكّن من الاستئجار ، فإنّ الأجير لا يتمكّن المضيّ مع الخوف.

مسألة ٥٦ : أمن الطريق على النفس والبُضْع والمال شرط في وجوب الحجّ ، فلو خاف على نفسه من سبع أو عدوّ في الطريق ، لم يلزمه الحجّ ، ولهذا جاز التحلّل عن الإِحرام بمثل ذلك على ما يأتي في باب الإِحصار ، وقد تقدّم الخلاف فيه.

هذا إذا لم يجد طريقاً سواه ، فإن وجد طريقاً آخر آمناً ، لزمه سلوكه وإن كان أبعد إذا وجد النفقة المحتاج إليها في سلوكه واتّسع الزمان ، وهو قول الشافعية(٤) .

ولهم وجه آخر : إنّه لا يلزمه ، كما لو احتاج إلى بذل مؤونة زائدة في ذلك الطريق(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه مستطيع ، وليس للطريق ضابط.

مسألة ٥٧ : لو كان في الطريق بحر ، وكان له في البرّ طريق آخر ، فإن استويا في الأمن ، تخيّر في سلوك أيّهما شاء ، وإن اختصّ أحدهما بالأمن دون‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٦٦ - ١٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٥.

(٢) البقرة : ١٩٥.

(٣) تقدّم في المسألة ٤٧.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ١٧ ، المجموع ٧ : ٨١.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

يوم أعطي من المخافة ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

وفي كامل ابن الأثير ، عوضا عن (فلق) : (شفق) ، وفي تاريخ ابن عساكر (غبش) ، وفي الوفيات (غلس). والسّوام : طائر.

ومعنى البيتين : إذا كانت المنايا تحيط بي من كل جانب ، فألقي يدي إلى الضيم مخافة الموت ، فلن أكون بطلا يغير عند الصبح على الأعداء ، ولن أدعى يزيدا.

ترجمة محمّد بن الحنفية

كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يحب ابنه محمّد بن الحنفية حبا شديدا. وقد روي عنه أنه قال : من أحبني فليحبّ ابني محمدا. وقد ذكر علماء الرجال أن المحمّدين الثلاثة وهم : ابن الحنفية وابن أبي بكر وابن أبي حذيفة ، كانوا يساوقون في الدرجة.

ولقد كان محمّد بن الحنفية معذورا في تركه النصرة لأخيه وإمامه في كربلاء ، لأنه كان مبتلى بمرض شديد في ذلك الوقت. وما تضمنته الأخبار من حيث حسن نصيحته لأخيه والبكاء الشديد لأجله ، وحصول الغشية بعد الغشية له مرارا لأجل فراقه ، يكشف عن قوة إيمانه ، وعن سرّ ما قاله أمير المؤمنينعليه‌السلام في شأنه.

٤٧٢ ـ نساء بني عبد المطلب يجتمعن للنياحة ويطلبن من الحسينعليه‌السلام عدم السفر :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٨)

وأقبلت نساء بني عبد المطلب ، فاجتمعن للنياحة لمّا بلغهن أن الحسينعليه‌السلام يريد الشخوص من المدينة ، حتّى مشى فيهن الحسينعليه‌السلام ، فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ورسوله. قالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم!. جعلنا الله فداك من الموت ، يا حبيب الأبرار من أهل القبور.

٤٢١

٤٧٣ ـ أم سلمة ترجو الحسينعليه‌السلام عدم السفر ، وجوابه لها :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٥٢)

وقالت أم سلمة [إحدى زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] : لا تحزنّي بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يقتل ولدي الحسين بأرض العراق ، في أرض يقال لها كربلا ، وعندي تربتك في قارورة دفعها إليّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال الحسينعليه‌السلام : يا أماه وأنا أعلم أني مقتول مذبوح ظلما وعدوانا. وقد شاءعزوجل أن يرى حرمي ورهطي مشرّدين ، وأطفالي مذبوحين مأسورين مقيّدين ، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا. قالت أم سلمة : وا عجبا فأنى تذهب وأنت مقتول؟. قالعليه‌السلام : يا أماه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا ، وإن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد ، وما من الموت والله بدّ ، وإني لأعرف اليوم الّذي أقتل فيه ، والساعة التي أقتل فيها ، والحفرة التي أدفن فيها كما أعرفك ، وأنظر إليها كما أنظر إليك. وفي

(لواعج الأشجان) ص ٢٩ : وأعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي».وإن أحببت يا أماه أن أريك مضجعي ومكان أصحابي. فطلبت منه ذلك ، فأراها تربته وتربة أصحابه(١) . ثم أعطاها من تلك التربة ، وأمرها أن تحتفظ بها في قارورة ، فإذا رأتها تفور دما تيقنت قتلهعليه‌السلام وفي اليوم العاشر من المحرم بعد الظهر ، نظرت إلى القارورتين فإذا هما تفوران دما(٢) .

وفي (لواعج الأشجان) ص ٢٩ : ثم أشار إلى جهة كربلا ، فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده. فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا ، وسلّمت أمرها إلى الله تعالى.

__________________

(١) مدينة المعاجز ، ص ٢٤٤.

(٢) الخرايج والجرايح للقطب الراوندي في باب معجزاته ؛ ومقتل العوالم ، ص ٤٧.

٤٢٢

ترجمة السيدة أم سلمة

(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ج ١ ص ١٥٦)

وفي سنة ٦١ ه‍ توفيت أم المؤمنين (أم سلمة) واسمها هند بنت سهيل بن المغيرة المخزومية ، زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهي بنت عم أبي جهل ، وبنت عم خالد بن الوليد. بنى بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد ، وهو أخو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرضاعة. وكانت من أجمل النساء ، وطال عمرها ، وعاشت ٨٤ سنة. وقد عاصرت وفاة الحسينعليه‌السلام وحزنت عليه وبكته بكاء كثيرا. وهي آخر زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاة ، توفيت سنة ٦١ ه‍ ، وصلّى عليها سعيد بن زيد ، ودفنت بالبقيع.

٤٧٤ ـ منزلة أم سلمة :

(العيون العبرى لابراهيم الميانجي ، ص ٢١)

اسمها هند ، زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . كانت قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أبي سلمة المخزومي. وحالها في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين والزهراء والحسنينعليهم‌السلام أشهر من أن يذكر. وهي أفضل أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خديجةعليها‌السلام .

في (كفاية الأثر) عن شداد بن أوس : أنه بعد ما قاتل مع عليعليه‌السلام يوم الجمل أتى المدينة. قال : فدخلت على أم سلمة. قالت : من أين أقبلت؟. قلت : من البصرة. قالت : مع أي الفريقين كنت؟. قلت : يا أمّ المؤمنين إني توقّفت عن القتال إلى انتصاف النهار ، فألقى الله في قلبي أن أقاتل مع عليعليه‌السلام . قالت : نعم ما عملت ، لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من حارب عليا حاربني ، ومن حاربني حارب الله». قلت : فترين أن الحق مع عليعليه‌السلام ؟. قالت : أي والله ، عليّ مع الحق والحق معه. والله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إن لأمتي فرقة وخلفة ، فجامعوها إذا اجتمعت ، فإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط ، ثم ارقبوا

٤٢٣

أهل بيتي ، فإن حاربوا فحاربوا ، وإن سالموا فسالموا ، وإن زالوا فزالوا معهم ، فإن الحق معهم حيث كانوا». قلت : فمن أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم؟. قالت :هم الأئمة بعده كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عدد نقباء بني إسرائيل : علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسينعليه‌السلام . أهل بيته هم المطهرون والأئمة المعصومون. قلت : أما والله هلك الناس إذ قالت :( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (٣٢) [الروم : ٣٢].

ومن فضائل أم سلمة رضي الله عنها تسليم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليها تربة الشهداء في خبر القارورة المشهور.

ومنها : إيداع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندها الكتاب الّذي كتبه ، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار.

ومنها : إيداع أمير المؤمنينعليه‌السلام عندها الكتب. فعن الإمام الحسينعليه‌السلام أنه قال : إن الكتب كانت عند أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلما سار إلى العراق استودعها أم سلمة رضي الله عنها. فلما مضى كانت عند الحسنعليه‌السلام ، فلما مضى كانت عند الحسينعليه‌السلام .

ومنها : إيداع الحسينعليه‌السلام لدى المضي إلى العراق عندها كتب علم أمير المؤمنينعليه‌السلام وذخائر النبوة وخصائص الإمامة. فلما قتلعليه‌السلام ورجع علي بن الحسينعليه‌السلام دفعتها إليه.

٤٧٥ ـ وصية الحسينعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية قبيل مغادرته المدينة ، وفيها يبيّن سبب خروجه وهو الإصلاح والأمر بالمعروف :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٨)

ثم دعا الحسينعليه‌السلام بدواة وبياض ، وكتب فيها هذه الوصية لأخيه محمّد :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد بن علي المعروف بابن الحنفية :

إن الحسين بن عليعليهما‌السلام يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق. وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور.

إني لم أخرج أشرا(١) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت أطلب

__________________

(١) أشر : كفرح لفظا ومعنى.

٤٢٤

الإصلاح في أمّة جدّي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّد وسيرة أبي علي بن أبي طالب(١) . فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا صبرت حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين.

هذه وصيتي إليك يا أخي ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب.والسلام عليك وعلى من اتبع الهدى ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(٢) .

ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمّد بن الحنفية.

ثم ودّعه وخرج في جوف الليل يريد مكة بجميع أهله ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ٦٠ ه‍ (لعله يقصد أن وصوله كان في هذا التاريخ).

يقول الدينوري في (الأخبار الطوال) ص ٢٢٨ :

لم يبق في المدينة عند رحيل الحسينعليه‌السلام بأهله غير محمّد بن الحنفية. أما ابن عباس فقد كان خرج إلى مكة قبل ذلك بأيام.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٤٢١ :

وعن سكينة بنت الحسينعليها‌السلام قالت : لما خرجنا من المدينة ما كان أحد أشدّ خوفا منا أهل البيت.

__________________

(١) مقتل المقرم ، ص ١٥٦ نقلا عن مقتل العوالم ، ص ٥٤ ؛ وكذلك في مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤١. وفي المنتخب للطريحي زيادة (وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين).

(٢) غير خاف مغزى السبط المقدس من هذه الوصية ، فإنه أراد الهتاف بغايته الكريمة من نهضته المقدسة ، وتعريف الملأ نفسه ونفسيته ومبدأ أمره ومنتهاه ، ولم يبرح يواصل هذا بأمثاله إلى حين شهادته ، دحضا لما كان الأمويون يموّهون على الناس بأن الحسينعليه‌السلام خارج على خليفة وقته ، يريد شقّ العصا وتفريق الكلمة واستهواء الناس إلى نفسه ، لنهمة الحكم وشره الرئاسة ، تبريرا لأعمالهم القاسية في استئصال آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولم يزلعليه‌السلام مترسلا كذلك في جميع مواقفه هو وآله وصحبه حتّى دحروا تلك الأكذوبة ، ونالوا أمنيتهم في مسيرهم ومصير أمرهم.

٤٢٥

الطريق المؤدية من المدينة إلى مكة

قال الإمام الحسينعليه‌السلام وهو خارج من المدينة المنوّرة :

( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٢١) [القصص : ٢١]

وقالعليه‌السلام حين وافى مكة المكرمة :

( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (٢٢) [القصص: ٢٢]

٤٢٦

خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة

[الأحد ٢٨ رجب سنة ٦٠ ه‍]

قال تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) [النساء : ١٠٠]

٤٧٦ ـ المنازل من المدينة إلى مكة :

(البلدان لليعقوبي)

نذكر فيما يلي المنازل التي يمرّ بها المسافر من المدينة إلى مكة. قال اليعقوبي :ومن المدينة إلى مكة عشر مراحل عامرة آهلة : فأولها [ذو الحليفة] ومنها يحرم الحاج إذا خرجوا من المدينة ، وهي على أربعة أميال من المدينة

(الميل : ٨ / ١ كم). ومنها إلى [الحفيرة] وهي منازل بني فهر من قريش. وإلى [ملل] وهي في هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام . وإلى [السيّالة] وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام . وإلى [الرّوحاء] وهي منازل مزينة. وإلى [الرّويثة] وبها قوم من ولد عثمان بن عفان وغيرهم من العرب. وإلى [العرج]. وإلى [سقيا بني غفار] وهي منازل بني كنانة. وإلى [الأبواء] وهي منازل أسلم. وإلى [الجحفة] وبها قوم من بني سليم ، وغدير خم من الجحفة على ميلين عادل عن الطريق. وإلى [قديد] وبها منازل خزاعة. وإلى [عسفان]. وإلى [مرّ الظهران] وهيمنازل كنانة. وإلى [مكة المكرّمة] حرسها الله.

٤٧٧ ـ خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة ونزوله في مكة :

(تاريخ دمشق لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢٠٠)

وخرج الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة. فقدما مكة ، فنزل الحسينعليه‌السلام دار العباس بن عبد المطلب ، ولزم ابن الزبير الحجر.

٤٧٨ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام قاله لعبد الله بن مطيع العدوي بعد أن حذّره من الاغترار بأهل الكوفة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)

فبينا الحسين كذلك بين مكة والمدينة في موضع يقال له [الشريفة] إذ استقبله عبد

٤٢٧

الله بن مطيع العدوي ، فقال له : أين تريد يا أبا عبد الله ، جعلني الله فداك؟. فقال :أما في وقتي هذا فإني أريد مكة ، فإذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك.فقال له عبد الله بن مطيع : خار الله لك يابن رسول الله فيما قد عزمت عليه ، غير أني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني. فقال له الحسينعليه‌السلام : وما هي يابن مطيع؟.فقال : إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة ، فإن فيها قتل أبوك وطعن أخوك بطعنة كادت أن تأتي على نفسه فيها ، فالزم الحرم فأنت سيد العرب في دهرك هذا.وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٤ ط نجف : «ولن يعدلوا بك أحدا ، ويأتيك الناس من كل جانب». فو الله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك.

وفي (لواعج الأشجان) للسيد الأمين ، ص ٣٤ : لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فوالله لئن هلكت لنسترقنّ بعدك.

وجاء في (مقتل الحسين) لأبي مخنف ص ١٦ : ثم إن الحسين توجه سائرا حتّى جاوز [الشريفة] فاستقبله عبد الله بن مطيع القرشي ، وقال له : جعلت فداك ، إني أنصحك ، إذا دخلت مكة فلا تبرحنّ منها ، فهي حرم الله والأمان للناس. فأقم فيها وتألّف أهلها ، وخذ البيعة على كل من دخلها من الناس ، وعدهم العدل وارفع الجور عنهم ، وأقم فيها خطباء تخطب وتذكّر على المنابر شرفك ، وتشرح فضلك ، ويخبرونهم بأن جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأباك علي بن أبي طالب ، وأنك أولى بهذا الأمر من غيرك. إياك أن تذكر الكوفة فإنها بلد مشؤوم قتل فيها أبوك ، ولا تبرح من حرم الله تعالى ، فإن معك أهل الحجاز واليمن كلها ، وسيقدم إليك الناس من الآفاق وينصرفون إلى أمصارهم ، وادعهم إلى بيعتك. فاقبل نصيحتي وسر مسددا ، فو الله إن قبلت لترشدن. فقال الحسينعليه‌السلام : جزاك الله عني كل خير ، فإني قابل نصيحتك.

٤٧٩ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام وهو خارج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)

وخرج الحسينعليه‌السلام في جوف الليل يريد مكة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شعبان سنة ٦٠ ه‍.

(كذا في مقتل الخوارزمي) ، أما في مقتل المقرّم ص ١٥٧ فجاء نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٠ ما نصه :

٤٢٨

«وخرج الحسين من المدينة متوجها نحو مكة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ودخل مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان». وهو الأصح كما ذكر العلامة الأمين في (لواعج الأشجان) في حاشية صفحة ٢٩.

فلزم الطريق الأعظم ، فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية :( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٢١) [القصص : ٢١]. فقال له ابن عمه مسلم بن عقيل : يابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادة كما فعل عبد الله بن الزبير ، كان عندي خير رأي ، فإني أخاف أن يلحقنا الطلب. فقال له الحسينعليه‌السلام : لا والله يابن عم لا فارقت هذا الطريق أبدا ، أو أنظر إلى أبيات مكة ، ويقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى.

يقول السيد جعفر الحلي :

خرج الحسين من المدينة خائفا

كخروج موسى خائفا يتكتمّ

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها

وبه تشرّفت الحطيم وزمزم

٤٨٠ ـ الملائكة تعرض على الحسينعليه‌السلام المساعدة :

(اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٢٧)

ذكر المفيد في كتابه (مولد النبي) بإسناده إلى الإمام الصادقعليه‌السلام قال : لما سار أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام من مكة ليدخل المدينة ، لقيته أفواج من الملائكة المسوّمين والمردفين ، في أيديهم الحراب ، على نجب من نجب الجنة. فسلّموا عليه ، وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن اللهعزوجل أمدّ جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنا في مواطن كثيرة ، وإن الله أمدّك بنا. فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني. فقالوا : يا حجة الله ، إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟.فقالعليه‌السلام : لا سبيل لهم عليّ ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.

٤٨١ ـ مسلمو الجن يعرضون على الحسينعليه‌السلام مساعدته ونصرته :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٩)

وأتته أفواج مسلمي الجن ، فقالوا : يا سيدنا نحن من شيعتك وأنصارك ، فمرنا بأمرك وما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك. فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم : أو ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله :( أَيْنَما

٤٢٩

تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ ) [النساء : ٧٨]. وقال سبحانه :( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ ) (١٥٤) [آل عمران : ١٥٤]. وإذا أقمت مكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون؟. ومنذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد اختارها الله يوم دحي الأرض ، وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا ، تقبل أعمالهم وصلواتهم وتجاب دعاؤهم ، وتكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة. ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشوراء ، الّذي في آخره أقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد.فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه ، لو لا أنّ أمرك طاعة ، وأنه لا يجوز مخالفتك ، لقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك. فقال لهمعليه‌السلام : نحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) [الأنفال : ٤٢].

٤٨٢ ـ ديار علي والحسينعليهما‌السلام مقفرة :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء طبع مؤسسة البلاغ ، ص ٥٨)

ها هي ديار علي والحسين والزهراءعليهم‌السلام قد أمسى عليها ليل الفراق ، وأحاطتها وحشة البعد والغربة. لقد نأى الحسينعليه‌السلام ، وأمست المدينة موحشة ، تبكي سيدها الراحل ، والقلوب يعتصرها الأسى ، والنفوس يفترسها الألم ، ويحوطها الخوف والوجل.

٤٣٠

على طريق الشهادة : من المدينة إلى مكة إلى كربلاء

٤٣١

الفصل الثالث عشر

في مكة المكرّمة

[الجمعة ٣ شعبان سنة ٦٠ ه‍]

٤٨٣ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام لما وافى مكة المكرمة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)

وسارعليه‌السلام حتّى وافى مكة (يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان) فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام(١) . فلما نظر إلى جبالها من بعيد جعل يتلو هذه الآية :( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (٢٢) [القصص :٢٢]. فنزل دار العباس بن عبد المطّلب(٢) . فأقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثماني ليال من ذي الحجة. حيث خرج إلى العراق يوم التروية ، وهو اليوم السابق ليوم عرفة.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط نجف :

وقال السدي : خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة وهو يقرأ :( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) [القصص : ٢١]. فلما دخل مكة ، فقال له عمرو بن سعيد : ما أقدمك؟. فقال : عائذا بالله وبهذا البيت.

٤٨٤ ـ هدف الهجرة :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٦٩)

هاجر الحسينعليه‌السلام من دار الهجرة ، واتجه شطر البيت الحرام قبلة المسلمين ، وكانت غايته هناك أن يجتمع بوجهاء الناس وزعماء الأمة وأهل الرأي ، الذين قدموا إلى مكة للحج.

(أقول) : إضافة إلى أن الكعبة المشرّفة هي أكثر الأماكن أمنا ، فلها حرمتها

__________________

(١) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٤.

(٢) مقتل المقرم ، ص ١٥٨ عن تاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٢٨.

٤٣٢

الخاصة ، إذ لا يجوز فيها قتال ولا اعتداء. يقول تعالى عن البيت الحرام :( فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٩٧) [آل عمران : ٩٧].

وترى جانبا صورة عن حرم الكعبة المشرفة وأقسامه المختلفة.

٤٨٥ ـ أهل مكة يستبشرون بقدوم الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٠ ط نجف)

قال أحمد بن أعثم الكوفي : ولما دخل الحسينعليه‌السلام مكة فرح به أهلها فرحا شديدا ، وجعلوا يختلفون إليه غدوة وعشية.

وكان قد نزل بأعلى مكة ، وضرب هناك فسطاطا ضخما ، ونزل عبد الله ابن الزبير داره ب (قيقعان)[وهو موقع غرب مكة عند الحجون]. ثم تحوّل الحسينعليه‌السلام إلى دار العباس ، حوّله إليها عبد الله بن عباس.

وكان أمير مكة من قبل يزيد يومئذ عمرو بن سعيد بن العاص. (وفي رواية ابن أعثم) «عمر بن سعد بن أبي وقاص» ، وهو اشتباه وتصحيف. فأقام الحسينعليه‌السلام مؤذّنا يؤذّن رافعا صوته ، فيصلي بالناس. وهاب عمرو بن سعيد أن يميل الحجّاج مع الحسينعليه‌السلام لما يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق ، فانحدر إلى المدينة ، وكتب بذلك إلى يزيد.

وفي (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، ص ١٧ : وقد كان عبد الله ابن الزبير سبقه إلى مكة ، ولزم الكعبة يصلي بالناس ويطوف البيت. وكان يأتي إلى الحسينعليه‌السلام ويجلس معه الجلسة الخفيفة.

ابن الزبير يمتعض من مجيء الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق للخوارزمي)

وكان الحسينعليه‌السلام أثقل خلق الله على عبد الله بن الزبير ، لأنه كان يطمع أن يتابعه أهل مكة. فلما قدم الحسينعليه‌السلام اختلفوا إليه [أي ترددوا عليه] وصلّوا معه. ومع ذلك فقد كان ابن الزبير يختلف إليه بكرة وعشية ، ويصلي معه.

وأقام الحسينعليه‌السلام بمكة باقي شهر شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة.وبمكة يومئذ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

٤٣٣

(الشكل ٤) : مخطط الكعبة المشرّفة حرسها الله

٤٣٤

٤٨٦ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عمر في مكة بشأن البيعة ليزيد ، ونصيحة ابن عمر له :(المصدر السابق)

فأقبلا جميعا ، وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، حتّى دخلا على الحسينعليه‌السلام . فقال عبد الله بن عمر :

يا أبا عبد الله ، اتّق الله رحمك الله الّذي إليه معادك ، فقد عرفت عداوة هذا البيت لكم ، وظلمهم إياكم. وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية ، ولست آمن أن يميل الناس إليه ، لمكان هذه الصفراء والبيضاء ، فيقتلونك ويهلك فيك بشر كثير ، فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم ينصروه ليخذلنّهم الله إلى يوم القيامة». وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس ، وتصبر كما صبرت لمعاوية من قبل ، فلعل الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين. فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الرحمن ، أنا أبايع يزيد وأدخل في صلحه ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أبيه ما قاله؟!.

٤٨٧ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عباس ، وبيان فضلهعليه‌السلام وما فعله به الناس :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩١)

فقال ابن عباس : صدقت يا أبا عبد الله ، قد قال النبي : «ما لي وليزيد ، لا بارك الله في يزيد ، فإنه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فو الذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم». ثم بكى ابن عباس وبكى معه الحسينعليه‌السلام ، ثم قال له : يابن عباس أتعلم أني ابن بنت رسول الله؟. فقال : الله م نعم ، لا نعرف في الدنيا أحدا هو ابن بنت رسول الله غيرك ، وأنّ نصرك لفرض على هذه الأمة كفريضة الصيام والزكاة ، التي لا تقبل إحداهما دون الأخرى. فقالعليه‌السلام : يابن عباس فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وطنه وداره ، وموضع قراره ومولده ، وحرم رسوله ، ومجاورة قبره ومسجده ، وموضع مهاجرته ، وتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار ، ولا يأوي إلى وطن ، يريدون بذلك قتله وسفك دمه ، وهو لم يشرك بالله شيئا ولا اتخذ دون الله وليا ، ولم يتغيّر عما كان عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفاؤه من بعده. فقال ابن عباس : ما أقول فيهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ، لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى( يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً (١٤٢)مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ) (١٤٣) [النساء : ١٤٢ ـ ١٤٣] فعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى.

٤٣٥

وأما أنت أبا عبد الله ، فإنك رأس الفخار : ابن رسول الله ، وابن وصيه ، وفرخ الزهراء نظيرة البتول ، فلا تظن يابن رسول الله بأن الله غافل عما يعمل الظالمون ، وأنا أشهد أن من رغب عن مجاورتك ومجاورة بنيك ، فما له في الآخرة من خلاق.

فقال الحسينعليه‌السلام : اللهم اشهد. فقال ابن عباس : جعلت فداك يابن رسول الله كأنك تنعى إليّ نفسك ، وتريد مني أن أنصرك ، فوالله الّذي لا إله إلا هو لو ضربت بين يديك بسيفي حتّى ينقطع ، وتنخلع يداي جميعا ، لما كنت أبلغ من حقك عشر العشير. وها أنا بين يديك فمرني بأمرك.

فقال ابن عمر : الله م عفوا ، ذرنا من هذا يابن عباس.

ترجمة عبد الله بن عباس

قال السيد إبراهيم الميانجي في (العيون العبرى) ص ٥٤ :

عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو حبر الأمة وعالمها ، دعا له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفقه والحكمة والتأويل ، مقبول من الطرفين. وكان محبا لعليعليه‌السلام وتلميذه. حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن يخفى.

ولد في الشّعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، ومات بالطائف سنة ٦٨ ه‍ في فتنة ابن الزبير ، وكان قد كفّ بصره في أواخر حياته وعمره سبعون سنة.

وصلى عليه محمّد بن الحنفية ، وضرب على قبره فسطاطا (انظر المعارف لابن قتيبة).وقال المسعودي في (مروج الذهب) : ذهب بصر ابن عباس لبكائه على علي بن أبي طالب والحسن والحسينعليه‌السلام ، وهو الّذي يقول :

إن يأخذ الله من عينيّ نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير مدّخل

وفي فمي صارم كالسيف مشهور

وقال مسروق كما في (التنقيح) : كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس قلت :أجمل الناس ؛ فإذا حدّث قلت : أعلم الناس ؛ فإذا تكلم قلت : أفصح الناس!.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، عن عليعليه‌السلام قال :

لله درّ ابن عباس ، فإنه ينظر من ستر رقيق.

٤٣٦

ترجمة عبد الله بن الزبير بن العوّام

كان يكنّى أبا بكر وأبا حبيب. ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا. طلب الخلافة لنفسه بالحجاز ، فسار إليه الحجّاج فحاصره بمكة خمسة أيام ، ثم أصابته رميّة فمات في البيت الحرام. وهو الكبش الّذي تنبّأ به أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه ستنتهك به حرمة البيت. وبعد أن قتل أمر بصلبه فصلب بمكة ، وكان ذلك سنة ٧٣ ه‍.

(انظر المعارف لابن قتيبة)

٤٨٨ ـ عداوة ابن الزبير لأهل البيتعليهم‌السلام :

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان الشيرازي ، ص ١٣٩)

عن سعيد بن جبير أن ابن عباس دخل على ابن الزبير ، فقال له ابن الزبير : إلام تؤنبّني وتعنّفني؟. فقال ابن عباس : إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«بئس المسلم يشبع ويجوع جاره». وأنت ذلك الرجل. فقال ابن الزبير : والله إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة ، وتشاجرا.

فخرج ابن عباس من المدينة مكرها ، فأقام بالطائف حتّى مات.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٢٥١ :

وبقي عبد الله بن الزبير يجدّ في مناوأة محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وبقية أهل البيتعليهم‌السلام ، حتّى حبسهما إذ لم يجيباه إلى البيعة.

وحين تلاسن مع عبد الله بن عباس بعد مقتل المختار ، قال ابن الزبير له : لقد علمت أنك ما زلت لي ولأهل بيتي مبغضا ، ولا زلت لكم يا بني هاشم منذ نشأت مبغضا ، ولقد كتمت بغضكم أربعين سنة. فقال ابن عباس له : فازدد في بغضنا ، فوالله ما نبالي أحببتنا أم أبغضتنا!.

ثم خرج ابن عباس ومحمد بن الحنفية وأصحابهما من مكة إلى الطائف. فلم يزل ابن عباس بالطائف حتّى أدركته الوفاة ، فصلى عليه محمّد بن الحنفية رضي الله عنه ودفنه هناك سنة ٦٨ ه‍ ، وهو ابن ٧٢ سنة.

٤٣٧

وبقي بعده محمّد في الطائف. وذكر القتيبي أن محمدا توفي أيضا بالطائف سنة ٨٢ ه‍ ، وهو ابن ٦٥ سنة.

٤٨٩ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عمر ، وبيان أن الله سبحانه سينتقم من قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :

(مقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٩٢)

ثم أقبل ابن عمر على الحسينعليه‌السلام وقال له : مهلا أبا عبد الله عما أزمعت عليه ، وارجع معنا إلى المدينة ، وادخل في صلح القوم ، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك ، ولا تجعل لهؤلاء القوم الذين لا خلاق لهم ، على نفسك حجة وسبيلا. وإن أحببت أن لا تبايع فإنك متروك حتّى ترى رأيك ، فإن يزيد ابن معاوية عسى ألا يعيش إلا قليلا ، فيكفيك الله أمره. فقال الحسينعليه‌السلام : أفّ لهذا الكلام أبدا ما دامت السموات والأرض. أسألك بالله يا أبا عبد الرحمن أعندك أني على خطأ من أمري هذا؟. فإن كنت على خطأ فردّني عنه ، فإني أرجع وأسمع وأطيع. فقال ابن عمر :الله م لا ، ولم يكن الله تبارك وتعالى ليجعل ابن بنت رسوله على خطأ [يعترف له بالعصمة] ، وليس مثلك في طهارته وموضعه من الرسول ، أن يسلّم على يزيد بن معاوية باسم الخلافة. ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الجميل بالسيوف ، وترى من هذه الأمة ما لا تحب. فارجع معنا إلى المدينة ، وإن شئت أن لا تبايع فلا تبايع أبدا ، واقعد في منزلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : هيهات يابن عمر ، إن القوم لا يتركوني ، إن أصابوني وإن لم يصيبوني ، فإنهم يطلبوني أبدا حتّى أبايع وأنا كاره أو يقتلوني.

ألا تعلم أبا عبد الرحمن أن من هوان هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى ابن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضرّ ذلك يحيى بن زكريا بل ساد الشهداء ، فهو سيدهم يوم القيامة(١) .

وفي رواية ابن نما : «وإن رأسي يهدى إلى بغيّ من بغايا بني أمية».

ألا تعلم أبا عبد الرحمن أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى

__________________

(١) روى ابن شهراشوب في المناقب ، ج ٣ ص ٢٣٧ قصة مقتل يحيى بن زكريا ، وذكر قبلها : عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : «خرجنا مع الحسينعليه‌السلام ، فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكريا».

٤٣٨

طلوع الشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجّل الله عليهم ، ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام(١) . فاتّق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي(٢) واذكرني في صلاتك ، فوالذي بعث جدي محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشيرا ونذيرا لو أن أباك عمر بن الخطاب أدرك زماني لنصرني كما نصر جدي ، ولقام من دوني كقيامه من دون جدي. يابن عمر فإن كان الخروج معي يصعب عليك ويثقل ، فأنت في أوسع العذر ، ولكن لا تتركنّ لي الدعاء في دبر كل صلاة ، واجلس عن القوم ، ولا تعجل بالبيعة لهم حتّى تعلم ما تؤول إليه الأمور.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٣٨٩ :

ثم قالعليه‌السلام : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرها سليم. متواترة محنها ، متكاثرة فتنها. أعظم الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم المؤمنون ، ثم الأمثل فالأمثل.

٤٩٠ ـ وصية الحسينعليه‌السلام لابن عباس وذكره بخير ، وبيان إقامته في مكة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٣)

ثم أقبل الحسينعليه‌السلام على ابن عباس رضي الله عنه وقال له : وأنت يابن عباس ابن عم أبي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد والسداد. وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك وتشير عليه بالصواب ، فامض إلى المدينة في حفظ الله ، ولا تخف عليّ شيئا من أخبارك ، فإني مستوطن هذا الحرم ومقيم به ، ما رأيت أهله يحبونني وينصرونني ، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم ، واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم يوم ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل ، فكانت النار عليه بردا وسلاما.

__________________

(١) ذكر المقرم في مقتله ، ص ١٥٥ نقلا عن مثير ابن نما واللهوف : ان عبد الله بن عمر طلب من الحسين البقاء في (المدينة) فأبى ، وقال : إن من هوان الدنيا

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ١٧.

٤٣٩

فبكى ابن عباس وابن عمر ذلك الوقت بكاء شديدا ، وبكى الحسينعليه‌السلام معهما ، ثم ودّعهما. فصار ابن عباس وابن عمر إلى المدينة.

٤٩١ ـ عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ، وضمّ مكة والمدينة بإمرة عمرو ابن سعيد بن العاص (الأشدق):

بعد أن بلغ يزيد تسامح الوليد بن عتبة مع الحسينعليه‌السلام وضعفه في التصرف في الأمور ، عزله عن المدينة وأقرّ عليها عمرو بن سعيد بن العاص المعروف (بالأشدق) والي مكة ، فأصبحت مكة والمدينة تحت إمرته ، فقدم المدينة في شهر رمضان سنة ٦٠ ه‍.

٤٩٢ ـ بشارات مشؤومة بقدوم الوالي الجديد إلى المدينة :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)

قال : وذكروا أنه لما بويع يزيد بن معاوية ، خرج الحسينعليه‌السلام حتّى قدم مكة ، فأقام هو وابن الزبير.

قال : وقدم عمرو بن سعيد بن العاص في رمضان أميرا على المدينة وعلى الموسم ، وعزل الوليد بن عتبة. فلما استوى على المنبر رعف ، فقال أعرابي مستقبله : مه مه!. جاءنا والله بالدم. فتلقاه رجل بعمامته ، فقال : مه!. عمّ والله الناس. ثم قام يخطب ، فناوله آخر عصا لها شعبتان ، فقال الأعرابي : مه!. شعب والله أمر الناس. ثم نزل.

ترجمة عمرو بن سعيد (الأشدق)

قتله عبد الملك بن مروان بيده سنة ٧٠ ه‍. وذلك أنه بايع عبد الملك كرها ، فلما خرج عبد الملك إلى قتال الزبير خالفه عمرو إلى دمشق ، فغلب عليها وبايعه أهلها بالخلافة. وذكر الطبري أنه لما صعد المنبر خطب الناس فقال : إنه لم يقم أحد من قريش قبلي على هذا المنبر إلا زعم أن له جنة ونارا ، يدخل الجنة من أطاعه والنار من عصاه ، وإني أخبركم أن الجنة والنار بيد الله ، وأنه ليس إليّ من ذلك شيء ، وأن لكم عليّ حسن المواساة.

قال : فرجع عبد الملك وحاصره ، ثم خدعه وآمنه ، ثم غدر به فقتله. فيقال إنه ذبحه بيده. وكان عمرو أول من أسرّ البسملة في الصلاة مخالفة لابن الزبير ، لأنه كان يجهر بها (روى ذلك الشافعي وغيره بإسناد صحيح).

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735