موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 499695 / تحميل: 5907
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

المعدوم الناصر، الكثير الخاذل، المحصور في منزله، المقتول عطشاً وظلماً في محرابه، المعذب بأسياف الفسقة. إلى عمرو بن العاص صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثقته وأمير عسكره بذات السلاسل، المعظم رأيه، المفخم تدبيره: أما بعد، فلن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين، وما اُصيبوا به من الفجيعة بدم عثمان، وما ارتكب به جاره حسداً وبغياً بامتناعه من نصرته وخذلانه إياه، واشياً به العامة عليه، حتى قتلوه في محرابه، فيالها من مصيبة عمّت جميع المسلمين وفرضت عليهم طلب دمه من قتلته، وأنا أدعوك إلى الحظ الأجزل من الثواب والنصيب الأوفر من حسن المآب، بقتال من آوى قتلة عثمان.

فكتب إليه عمرو: من عمرو بن العاص صاحب رسول الله، إلى معاوية ابن أبي سفيان: أما بعد، فقد وصل إليَّ كتابك، فقرأته وفهمته، فأما ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهور في الضلالة معك، وإعانتي إياك على الباطل، واختراط السيف في وجه علي - وهو أخو رسول الله، ووصيّه، ووارثه، وقاضي دينه، ومنجز وعده، وزوج ابنته سيدة نساء أهل الجنّة، وأبو السبطين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة - فلن يكون. وأما ما قلت: إنك خليفة عثمان، فقد صدقت ولكن تبيّن اليوم عزلك عن خلافته، وقد بويع لغيرك، فزالت خلافتك. وأما ما عظّمتني به ونسبتني إليه من صحبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنى صاحب جيشه، فلا أغتر بالتزكية ولا أميل بها عن الملة.

و أما ما نسبت أبا الحسن أخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه إلى البغي والحسد على عثمان وسميت الصحابة فسقة، وزعمت أنّه أشلاهم على قتله، فهذا كذب وغواية، ويحك - يا معاوية - أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبات على فراشه وهو صاحب السبق إلى الإِسلام والهجرة. وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو

٢٨١

منّي وأنا منه. وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي. وقال فيه يوم غدير خم: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. هو الذي قال فيه يوم خيبر: لْأُعطينّ الرّاية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. وقال فيه يوم الطير: اللّهم آتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ، فلمـّا دخل إليه قال: إليَّ وإليَّ وإليَّ. وقد قال فيه يوم بني النضير: علي قاتل الفجرة وإمام البررة منصور من نصره مخذول من خذله. وقال فيه: علي إمامكم بعدي. وأكّد القول عليَّ وعليك وعلى خاصته وقال: إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي. وقد قال فيه: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

و قد علمت - يا معاوية - ما أنزل الله تعالى في كتابه من الآيات المتلوات في فضائله التي لا يشاركه فيها أحد كقوله تعالى:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) وقوله تعالى:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وقوله تعالى:( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) وقوله تعالى:( رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) وقوله تعالى:( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وقد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن يكون سلمك سلمي وحربك حربي وتكون أخي وولي في الدنيا والآخر: يا أبا الحسن من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أحبك أدخله الله الجنة ومن أبغضك أدخله الله النار.

و كتابك - يا معاوية الذي هذا جوابه - ليس مما ينخدع به من له عقل أو دين. والسلام.

ثمّ كتب إليه معاوية يعرض عليه الأموال والولايات، وكتب في آخر كتابه هذا الشعر: ...»(١) .

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ١٢٩ - ١٣٠.

٢٨٢

* و روى الخوارزمي المكّي حديث الطير بسندٍ له قال:

« وأخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي، أخبرني القاضي الإِمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرني والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرني أبو علي الحسين بن محمّد بن علي الرودباري، أخبرني أبو بكر محمّد بن مردويه بن عباس بن سنان الرازي، حدّثني أبو حاتم الرازي، حدّثني عبيد الله بن موسى، أخبرني إسماعيل الأزرق، عن أنس بن مالك قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير فقال: اللّهم آتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فقلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار، فجاء عليعليه‌السلام فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة قال: فذهب ثمّ جاء، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة قال: فذهب ثمّ جاء، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افتح الباب، ففتحت، ثمّ دخل فقال له: ما حديثك يا علي؟ قال: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا آخر ثلاث كرات قد أتيت ويردني أنس، ويزعم أنّك على حاجة قال: النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على ما صنعت يا أنس؟ قال: سمعت دعاك، فأحببت أن يكون في رجل من قومي الأنصار، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الرجل ليحب قومه.

وللصاحب كافي الكفاة يمدح الإِمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

يا أمير المؤمنين المرتضى

إن قلبي عندكم قد وقفا

كلّما جدّدت مدحي فيكم

قال ذو النصب تسبُّ السلفا

من كمولاي علي زاهداً

طلّق الدنيا ثلاثاً ووفى؟

من دعي للطير أن يأكله

ولنا في بعض هذا مكتفى

من وصي المصطفى عندكم

فوصي المصطفى من يصطفى »(١)

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٦٤ - ٦٥.

٢٨٣

وقال الخطيب الخوارزمي:

وقال الصاحب كافي الكفاة يمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

هو البدر في هيجاء بدر وغيره

فرائصه من ذكره السيف ترعد

وكم خبر في خيبر قد رويتم

ولكنكم مثل النعام تشرد

وفي اُحدٍ ولّى الرجال وسيفه

يسود وجه الكفر وهو مسود

علي له في الطير ما طار ذكره

وقامت به أعداؤه وهي تشهد

وما سدّ عن خير المساجد بابه

وأبوابهم إذ ذاك عنه تسدد

وزوجته الزهراء خير كريمة

لخير كريم فضلها ليس يجحد

وقال الصاحب أيضاً في مدحهعليه‌السلام :

ما لعلي العلى أشباه

لا والذي لا إله إلّا هو

مبناه مبنى النبيّ تعرفه

وابناه عند التفاخر ابناه

إن علياً علا إلى شرف

لو رامه الوهم ذلّ مرقاه

أيا غداة الكساء لا تهنى

عن شرح علياه إذ تكساه

يا صحوة الطير تنبئ شرفاً

فاز به لا ينال أقصاه

براءة اعلمي بلاغك من

أقعد عنه ومن تولّاه

يا مرحب الكفر من أذاقك من

حد الضبا ما كرهت ملقاه

يا عمرو من ذا الذي أنالك من

صارمه الحتف حين تلقاه

أما رأيتم محمّداً حذراً عليه

قد حاطه وربّاه

واختصه يافعاً وآثره

واعتامه مخلصاً وآخاه

زوجه بضعة النبوة إذ

رآه خير امرئ وأتقاه »(١)

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٢٤٠.

٢٨٤

ونظم الخوارزمي هذه المأثرة في قصيدةٍ له. قال:

هل أبصرت عيناك في المحراب

كأبي تراب من فتى محراب

لله درّ أبي ترابٍ إنّه

أسد الحراب وزينة المحراب

هو ضارب وسيوفه كثواقب

هو مطعم وجفانه كجواب

هو ماهد الأرض الدماء ومطلع

شهب الأسنة في سماء تراب

هو قاصم الأصلاب غير مدافع

يوم الهياج وقاسم الأسلاب

إن النبيّ مدينة لعلومه

وعلي الهادي لها كالباب

لو لا علي ما اهتدى في مشكل

عمر الإِصابة والهدى لصواب

قد نازع الطير النبيّ وردّه

من ردّه فاصدق وقل بكذاب »(١)

ترجمته

وتوجد ترجمة الخطيب المكّي الخوارزمي المتوفى سنة ٥٦٨ في بعض مجلّدات كتابنا، ومن مصادرها:

١ - العقد الثمين في أعلام البلد الأمين ٧ / ٣١٠.

٢ - الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية ٢ / ١٨٨.

٣ - إنباه الرواة على أنباء النحاة ٣ / ٣٣٢.

٤ - إعلام الأخيار بأعلام فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط.

٥ - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: ٤٠١.

٦ - المختصر المحتاج إليه ١٥ / ٣٦٠.

ثمّ إنّ الخطيب الخوارزمي من أعلام تلامذة جار الله الزمخشري، كما إنّه قد تخرّج به جماعة من الأعلام، منهم: ناصر بن عبد السيّد المطرزي

____________________

(١). القصيدة مطبوعة في آخر المناقب.

٢٨٥

الخوارزمي، كما في وفيات الأعيان، ومعجم الأدباء، وغيرهما من المصادر بترجمة المطرزي المذكور.

(٤٦)

رواية الملّا الأردبيلي

رواه في كتابه ( وسيلة المتعبّدين )(١) كما ذكر الشيخ حسن بن محمّد بن علي السهمي في ( الأنوار البدريّة ) حيث قال: « وقد أخرجه الفرّاء في مصابيحه في الغريب - وهو قسم من الصحيح - وأخرجه صاحب جامع الاُصول، وأخرجه صاحب الوسيلة فيما خصّ به علي »(٢) .

قلت: وهذا نصّ عبارته:

« قوله فيما خُصَّ به - عن أنس بن مالكرضي‌الله‌عنه - قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، فجاء علي -رضي‌الله‌عنه - يستأذن قال أنس: وأحببت أنْ يكون من الأنصار، فقلت لعلي: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة مشغول، فانصرف علي، ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، فعاد علي في الثالثة، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحاجة، قال: فدفعني ودخل، فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: اللّهم وال، اللّهم وال. وفي اُخرى: فجاء علي -رضي‌الله‌عنه - وأكل معه »(٣) .

____________________

(١). قال كاشف الظنون: « وسيلة المتعبدين للشيخ الصالح عمر بن محمّد بن خضر الأردبيلي المتوفى سنة وهو الذي كان يعتقده نور الدين الشهيد ».

(٢). الأنوار البدرية في الردّ على رسالة الأعور الواسطي - مخطوط.

(٣). وسيلة المتعبدين ج ٥ ق ٢ ص ١٦٠.

٢٨٦

ترجمته

والملّا من أكابر الحفاظ المشهورين المستندين، فقد أثنى عليه علماء أهل السنّة، ووصفوه بالصلاح والديانة، وجعلوه أسوة وقدوةً لهم في عقائدهم وأعمالهم قال الحافظ الدمشقي الصالحي: « قال الإِمام الحافظ أبو محمّد ابن عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتابه ( الباعث على إنكار البدع والحوادث ) قال الربيع قال الشافعي رحمه ‌الله تعالى: المحدثات من الاُمور ضربان أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنّة أو أثراً أو إجماعاً. فهذه البدعة هي الضلالة. والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لأحدٍ من هذا، فهي محدثة غير مذمومة. قال عمررضي‌الله‌عنه في قيام رمضان: نعمة البدعة هذه. يعني أنها محدثة لم تكن. وإذا كانت فليس فيها ردّ لما مضى، فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها، والاستحباب لها، ورجاء الثواب لمن حسنت نيّته فيها، وهي كل مبتدع موافق للقواعد الشرعية، غير مخالف لشيء منها، ولا يلزم من فعله محذور شرعي، وذلك نحو بناء المنائر والربط والمدارس وخانات السبيل، وغير ذلك من أنواع البرّ التي لم تعهد في الصدر الأول، فإنّه موافق لما جاءت به السنّة من اصطناع المعروف، والمعاونة على البرّ والتقوى.

ومن أحسن البدع ما ابتدع في زماننا هذا من هذا القبيل: ما كان يفعل بمدينة إربل كلّ عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك - مع ما فيه من الإِحسان إلى الفقراء - يشعر بمحبّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعظيمه وإجلاله في قلب فاعله، وشكر الله تعالى على ما منَّ به من إيجاد رسوله الذي هو رحمة للعاملينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكان أوّل من فعل بالموصل عمر بن محمّد الملّا أحد الصالحين

٢٨٧

المشهورين، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره،رحمهم‌ الله تعالى ».

قلت: ومن أكابر العلماء والرجال الذين اقتدوا به. الحافظ السخاوي، والحافظ ابن الجزري، والحافظ أبو شامة، وابن طغريل صاحب ( الدر المنتظم )، والشيخ ابن فضل، ويوسف الحجّار، وابن البطّاح، والإِمام جمال الدين، والإِمام ظهير الدين، والشيخ نصير الدين، والإِمام الحافظ أبو محمّد، والإِمام العلّامة صدر الدين، والحافظ السيوطي وغيرهم هؤلاء كلّهم اقتدوا بالملّا في إقامة الشعائر المذكورة يوم ميلاد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وناهيك بذلك من فضيلة جليلة ومنقبة جميلة

وقد أورد المولوي سلامة الله عبارة الحافظ الصالحي بطولها في كتابه ( إشباع الكلام ).

واعتمد على روايات الملّا وأوردها كلّ من: الحافظ المحبّ الطبري والحافظ نور الدين السمهودي. بل استند إلى أحاديثه وتمسّك بها الكابلي في ( صواقعه ) و ( الدهلوي ) في ( تحفته).

وكتابه ( وسيلة المتعبّدين ) من مشاهير الكتب المصنّفة في السّيرة النبويّة، وقد ذكره ( الدهلوي ) في رسالته في ( أُصول الحديث ) في عداد السيرة لابن إسحاق، والسّيرة لابن هشام

وأورد صديق حسن خان كلام ( الدهلوي ) في كتابه ( الحِطّة ).

(٤٧)

رواية ابن عساكر

روى الحديث بطرقٍ جمّة بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من

٢٨٨

( تاريخه ) حيث قال:

« أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أخبر أبو الفتح هبة الله بن علي بن محمّد بن الطيب بن الجار القرشي الكوفي ببغداد، أنبأنا أبو الحسن محمّد بن جعفر بن محمّد التميمي النحوي - يعرف بابن النجار الكوفي - أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن القاسم بن زكريا المحاربي، أنبأنا عباد بن يعقوب:

أنبأنا عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير يقال له الحبارى فوضعت بين يديه - وكان أنس بن مالك يحجبه - فرفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده إلى الله ثمّ قال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطير. قال: فجاء علي فاستأذن فقال له أنس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة! فرجع، ثمّ دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ الثانية فجاء علي فاستأذن فقال أنس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة ] فرجع!! ثمّ دعا الثالثة فجاء علي فأدخله، فلمـّا رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: اللهم وإليّ. فأكل معه، فلمـّا كان رسول الله [ كذا ]صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج علي قال أنس: إتبعت علياً فقلت: يا أبا حسن استغفر لي فإن لي إليك ذنبا، وإن عندي [ لك ] بشارة! فأخبرته بما كان من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحمد الله، واستغفر لي ورضي عني، أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه.

أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان، أنبأنا يحيى بن محمد بن صاعد، أنبأنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، أنبأنا حسين بن محمد، أنبأنا سليمان بن قرم، عن محمّد بن شعيب:

عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده ابن عباس قال: أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر فقال: اللّهم ائتني برجل يحبه الله ورسوله. فجاء عليعليه‌السلام فقال: اللّهم وإليَّ.

٢٨٩

و أخبرناه أبو القاسم بن السمرقندي، وأبو غالب أحمد بن علي بن الحسين، قالا: أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن الحسن، أنبأنا يحيى بن محمّد، أنبأنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، أنبأنا أبو أحمد حسين بن محمّد، أنبأنا سليمان بن قرم، عن محمّد بن شعيب:

عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه ابن عباس، قال: اُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك. فجاءه علي فقال: اللّهم وإليَّ.

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني - بقراءتي - أنبأنا أبو محمّد عبد العزيز بن أحمد، أنبأنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر الدار قطني، أنبأنا محمّد بن مخلد بن حفص العطّار، أنبأنا حاتم بن الليث الجوهري، أنبأنا عبد السلام بن راشد.

أنبأنا عبد الله بن المثّنى، عن ثمامة، عن أنس، قال: أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي منه. فجاء عليعليه‌السلام فأكل معه.

و رواه غيره عن [ عبد الله ] بن المثنى، عن عبد الله بن أنس:

أخبرتنا [ به ] أُم المجتبى بنت ناصر، قالت: قرئ على إبراهيم بن منصور، أنبأنا أبو بكر بن المقري، أنبأنا أبو يعلى، أنبأنا قطن بن نُسير، أنبأنا جعفر بن سليمان الضبعي، أنبأنا عبد الله بن المثنى:

عن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: أُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجل مشوي بخبزة وصبابة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام. فقالت عائشة: اللّهم اجعله أبي. وقالت حفصة: اللّهم اجعله أبي. قال أنس: وقلت: اللّهم اجعله سعد بن عبادة، قال أنس: فسمعت حركة بالباب فخرجت فإذا علي بالباب، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فانصرف

٢٩٠

ثمّ سمعت حركة بالباب، فخرجت فإذا علي بالباب، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة فانصرف، ثمّ سمعت حركة بالباب فسلّم علي فسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته فقال: اُنظر من هذا. فخرجت فإذا هو علي، فجئت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأخبرته. فقال: إئذن له، فدخل علي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم وإليَّ اللّهم وإليَّ.

أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد الزهري، أنبأنا عبد الله بن إسحاق المدايني، أنبأنا عبد القدوس بن محمّد بن شعيب الحبحاب، حدّثني عمّي صالح بن عبد الكبير ابن شعيب، حدّثني عبد الله بن زياد أبو العلاء:

عن سعيد بن المسيب، عن أنس، قال: اُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير مشوي فقال: اللّهم أدخل عليَّ أحبّ أهل الأرض إليك يأكل معي. قال أنس: فجاء علي فحجبته، ثمّ جاء ثانية فحجبته، ثمّ جاء ثالثة فحجبته رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي، ثمّ جاء الرابعة فأذنت له، فلمـّا رآه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: اللّهم وأنا أُحبه. فأكل معه من الطير.

[ وبالسند المتقدم ] قال: وأنبأنا عبد الله، أنبأنا أبو هشام محمّد بن يزيد الرفاعي، عن ابن فضيل:

عن مسلم الملائي، عن أنس بن مالك، قال: أهدت أُم أيمن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيراً مشوياً، فقال: اللّهم أدخل [ عليَّ ] من تحبه يأكل معي من هذا الطير. فجاء رجل فاستأذن وأنا على الباب، فقلت: أنّه على حاجة، فرجع ثمّ جاء الثانية فاستأذن فقلت: إنّه على حاجة! فرجع ثمّ جاء الثالثة فاستأذن فسمع [ النبيّ ] صوته فقال: إئذن له. [ قال: فأذنت له فجاءه ] وهو موضوع بين يديه، فأكل [ معه ].

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو عثمان بن سعيد بن محمّد بن

٢٩١

أحمد البجيري، أنبأنا زاهر بن أحمد، أنبأنا محمّد بن نوح، قال: قرئ على عبد القدوس بن محمّد بن شعيب، أنبأنا عمّي صالح، أنبأنا عبيد(١) الله بن زياد أبو العلاء، عن علي بن زيد:

عن سعيد بن المسيب، عن أنس بن مالك، قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير مشوي فقال: اللّهم أدخل عليَّ أحبّ خلقك إليك من أهل الأرض يأكل معي منه. قال أنس: فجاء علي فحجبته، ثمّ جاء الثانية فحجبته، ثمّ جاء الثالثة فحجبته رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي، ثمّ جاء الرابعة فأذنت له فدخل، فلمـّا رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: اللّهم إني أحبه. فأكل معه من ذلك الطير.

أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو حفص ابن شاهين، أنبأنا يحيى بن محمّد بن صاعد، أنبأنا عبد القدوس بن محمّد بن عبد الكبير بن الحبحاب بالبصرة، حدّثني عمّي صالح بن عبد الكبير، أنبأنا عبد الله بن زياد أبو العلاء، عن علي بن زيد:

عن سعيد بن المسيب، عن أنس بن مالك، قال: اُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير مشوي فقال: اللّهم أدخل عليَّ أحبّ [ أهل ] الأرض إليك يأكل معي. قال أنس: فجاء علي بن أبي طالب فحجبته، ثمّ جاء الثانية فحجبه أنس، ثمّ جاء الثالثة فحجبه أنس رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومه! قال: ثمّ جاء الرابعة فأذن له، فلمـّا رآه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: وأنا أحبّه. فأكل معه.

قال ابن شاهين: تفرّد بهذا الحديث عبد القدوس بن محمّد عن عمّه، لا أعلم حدّث به غيره، وهو حديث حسن غريب.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم بن مسعدة، أنبأنا

____________________

(١). في الحديث السابق عليه والآتي بعده: « عبد الله ».

٢٩٢

حمزة بن يوسف، أنبأنا أبو أحمد بن عدي، أنبأنا جعفر بن أحمد بن عاصم.

حيلولة: وأنبأنا أبو محمّد ابن الأكفاني، أنبأنا أبي أبو الحسين، أنبأنا أبو الحسن ابن السمسار، أنبأنا أبو الحسين أحمد بن علي بن إبراهيم الأنصاري، أنبأنا أبو محمّد جعفر بن عاصم بن الرواس، أنبأنا محمّد بن مصفى، أنبأنا حفص بن عمر، عن موسى بن سعد:

عن الحسن، عن أنس، قال: أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطير جبلي، فقال: اللّهم ائتني برجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. فإذا علي يقرع الباب، قال أنس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغول - زاد الأكفاني: قال: وكنت أحبّ أن يكون رجلاً من الأنصار. وقالا: - ثمّ أتى الثانية، فقال أنس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغول!! ثمّ أتى الثالثة فقال: يا أنس أدخله فقد عنيته! قال: فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم وإليَّ اللّهم وإليَّ.

أخبرناه عالياً أبو القاسم الشحامي، أنبأنا أبو سعد الجنزرودي، أنبأنا الحاكم أبو أحمد، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن عمرو بن الحسن الأشعري بحمص، أنبأنا محمّد بن مصفى، أنبأنا حفص بن عمر العدني، أنبأنا موسى ابن سعد البصري، قال:

سمعت الحسن يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: أُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، طير فقال: اللّهم ائتني برجل يحبه الله ويحبه رسوله.

قال أنس: فأتى علي فقرع الباب، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغول - وكنت أحبّ أن يكون رجلاً من الأنصار - ثمّ إن عليّاً فعل مثل ذلك، ثمّ أتى الثانية فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس أدخله فقد عنيته! فلمـّا أقبل إليه قال: اللّهم إليَّ اللّهم إليَّ.

أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو حفص بن شاهين، أنبأنا محمّد بن إبراهيم الأنماطي، أنبأنا محمّد بن عمرو

٢٩٣

ابن نافع، أنبأنا علي بن الحسن [ الشامي ] أنبأنا خليد بن دعلج:

عن قتادة، عن أنس، قال قدّمت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيراً مشوياً فسمى وأكل منه، ثمّ قال: اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليَّ. [ قال: ] فذكر الحديث.

أخبرنا أبو الفرح قرام بن زيد بن عيسى، وأبو القاسم بن السمرقندي قالا: أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا علي بن عمر بن محمّد الحربي، أنبأنا أبو الحسن علي بن سراج المصري، أنبأنا أبو محمّد فهد بن سليمان بن النحاس، أنبأنا أحمد بن يزيد الورتنيس أنبأنا زهير:

أنبأنا عثمان الطويل، عن أنس بن مالك، قال: أهدي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر كان يعجبه أكله، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي. فجاء علي فقال: إستأذن [ لي ] على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقلت: ما عليه إذن - وكنت أحب أن يكون رجل من الأنصار - فذهب ثمّ رجع فقال: استأذن لي عليه. فسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامه فقال: اُدخل يا علي، ثمّ قال: اللّهم وإليَّ اللّهم وإليَّ.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الإِسماعيلي، أنبأنا أبو جعفر محمّد بن علي بن دحيم، أنبأنا أحمد بن حازم، أنبأنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا سكين بن عبد العزيز:

عن ميمون أبي خلف، حدثني أنس بن مالك، قال: أُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحامات فقال: اللّهم وفق لي أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر. قال أنس: قلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار. فجاء علي فضرب الباب، قلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة. قال فدفع الباب ثمّ دخل فقال [ رسول الله لمـّا رآه: ] اللّهم وإليَّ.

قال الدار قطني: هذا حديث غريب، من حديث ميمون أبي خلف عن

٢٩٤

أنس، تفرّد به سكين بن عبد العزيز عنه.

أخبرناه عالياً أبو عبد الله الخلال وفاطمة بنت ناصر - واللفظ للخلال، قالا: أنبأنا إبراهيم بن منصور، أنبأنا أبو بكر بن المقري، أنبأنا أبو يعلى، أنبأنا إبراهيم الشامي، أنبأنا سكين:

أنبأنا ميمون الرفاء أبو خلف، عن أنس بن مالك، قال أُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحامات، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : [ اللّهم ] وفق لي أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير. فقال أنس فقلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار. قال: فبينما أنا كذلك إذ جاء علي فضرب الباب، فقلت: إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرجع فلم يلبث أن رجع فضرب الباب، فقلت: إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرجع فلم يلبث أن رجع فضرب الباب، فقلت إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرمى الباب ودخل، فلمـّا رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: اللّهم وإليَّ اللّهم وإليَّ.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن أبي نصر بن أبي بكر، أنبأنا أبو الخير محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الله الإِمام، وأبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن سليمان، قالا: أنبأنا أبو الفرج عثمان بن أحمد بن إسحاق البرجي أنبأنا أبو جعفر محمّد بن عمر بن حفص الجورجيري، أنبأنا أبو يعقوب إسحاق بن الفيض، أنبأنا العناء بن [ كذا ] الجارود:

عن عبد العزيز بن زياد، أن الحجاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة فسأله عن علي بن أبي طالب، فقال: أُهدي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر فأمر به فَطُبِخ وَصُنِع، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليَّ يأكل معي. فجاء علي فرددته، ثمّ جاء ثانية فرددته، ثمّ جاء الثالثة فرددته فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس إني قد دعوت ربّي وقد استجيب لي، فانظر من كان بالباب فأدخله، فخرجت فإذا أنا بعلي فأدخلته

٢٩٥

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني قد دعوت ربّي أن يأتيني بأحبّ خلقه إليَّ وقد استجيب لي فما حبسك؟ قال: يا نبيّ الله جئت أربع مرات كل ذلك يردني أنس، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على ذلك يا أنس؟ قال: قلت: يا نبيّ الله بأبي أنت وأُمي، إنّه ليس أحد إلّا وهو يحب قومه، وإن علياً جاء فأحببت أن يصيب دعاؤك رجلاً من قومي، قال: وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّ الرحمة، فسكت ولم يقل شيئاً.

كتب إليَّ أبو علي الحسن بن أحمد المقري في كتابه، وحدثني أبو مسعود المعدل عنه، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن خلاد، أنبأنا محمّد بن هارون بن مجمع، أنبأنا الحجاج بن يوسف بن قتيبة، أنبأنا بشر بن الحسين:

عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك، قال: أُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير مشوي، فلمـّا وُضِع بين يديه قال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطير. فقرع الباب فقلت: من هذا؟ فقال: علي فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، الحديث.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين، أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي، أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي الصيدلاني، أنبأنا محمّد بن مخلد بن حفص العطار قال أبو العيناء [ كذا ] أنبأنا أبو عاصم:

عن أبي الهندي، عن أنس، قال: أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطير، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك. فجاء علي. فقال: اللّهم وإليَّ.

كتب إليَّ أبو بكر أحمد بن المظفر بن الحسن بن سوسن التمار، وأخبرني أبو طاهر محمّد بن أبي بكر بن عبد الله عنه، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، أنبأنا أبو بكر محمّد بن جعفر بن محمّد الآدمي القارئ، أنبأنا محمّد بن القاسم مولى بني هاشم.

و أخبرنا أبو طاهر أيضاً وأبو محمّد بختيار بن عبد الله الهندي، قالا: أنبأنا

٢٩٦

أبو سعد محمّد بن عبد الملك بن عبد القاهر الأسدي، أنبأنا أبو علي بن شاذان.

حيلولة: وأخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، وأبو الحسن علي بن أحمد، وأبو منصور بن زريق، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا الحسن بن أبي بكر، أنبأنا أبو بكر محمّد بن العباس بن النجيح، أنبأنا محمّد بن القاسم النحوي أبو عبد الله، أنبأنا أبو عاصم:

عن أبي الهندي، عن أنس قال: أُتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي - زاد الآدمي: جئني بأحبّ خلقك إليك يأكله معي. وقال الآدمي: وإليك وإليَّ يأكل معي - [ قال ] فجاء علي فحجبته - وفي حديث الخطيب: فحجبه مرتين فجاء في الثالثة. وقال الآدمي: فحجبته - ثمّ جاء الثانية فحجبته، ثمّ الثالثة - وقالا: - فأذنت له، فقال [ النبيّ ] يا علي ما حبسك؟ قال: هذه ثلاث مرات قد جئتها - وقال الآدمي: قد جئت - فحجبني أنس. قال: لم يا أنس؟ قال: سمعت دعوتك يا رسول الله. - وقال الآدمي: قلت: لأني سمعت دعوتك. وقالا: - فأحببت أن يكون رجلاً من قومي. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الرجل يحبّ قومه.

أخبرنا أبو علي الحسن بن المظفر، وأبو عبد الله الحسين بن محمّد بن عبد الوهاب، وأُم البهاء فاطمة بنت علي بن الحسين بن جدا، قالوا: أنبأنا محمّد بن علي بن علي، أنبأنا علي بن عمر بن محمّد، أنبأنا أبو محمّد عبد الله ابن إسحاق المدائني - سنة عشر وثلاثمائة - أنبأنا عبد الله بن علي بن الحسن، أنبأنا محمّد بن علي.

أنبأنا الحكم بن محمّد بن سليم، عن أنس بن مالك، قال: أُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير مشوي، فقال: اللّهم أدخل عليَّ من تحبه وأحبه يأكل معي من هذا الطير فجاء علي بن أبي طالب، فقلت: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرجع ثمّ قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

٢٩٧

اللّهم أدخل - زاد ابن السبط: عليَّ. وقالوا: - من تحبه وأُحبّه يأكل معي من هذا الطير. فجاء علي بن أبي طالب، فقلت: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة فرجع ثمّ قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم أدخل - زاد ابن السبط: عليَّ - من تحبه وأُحبّه يأكل معي من هذا الطير. فجاء علي بن أبي طالب، فقلت: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : على حاجة، فدفعني ودخل فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بّطأ بك يا ابن أبي طالب؟ قال: قد جئت ثلاث مرّات كل ذلك يردني أنس. قال: ما حملك على هذا يا أنس؟ قلت: يا رسول الله سمعتك تدعو فأحببت أنْ يكون رجلاً من قومي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لست بأوّل رجل أحبَّ قومه.

أخبرنا أبو غالب بن البناء، أنبأنا أبو الحسين بن الآبنوسي، أنبأنا أبو الحسن الدار قطني، أنبأنا محمّد بن مخلد بن حفص، أنبأنا حاتم بن الليث، أنبأنا عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عمر القاري:

عن السدي [ قال ] أنبأنا أنس بن مالك، قال: أهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطيار، فقسمها وترك طيراً فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير. فجاء علي بن أبي طالب، فدخل يأكل معه من ذلك الطير.

قال الدار قطني: تفرّد به عيسى بن عمر، عن السدي.

أخبرنا أبو المظفر ابن القشيري، أنبأنا أبو سعد الأديب، أنبأنا أبو عمرو الحيري.

حيلولة: وأخبرتنا أُم المجتبى فاطمة بنت ناصر، قالت: قرئ على إبراهيم بن منصور، أنبأنا أبو بكر ابن المقرئ قالا: أنبأنا أبو يعلى، أنبأنا الحسن بن حمّاد - زاد ابن المقرئ: الورّاق - أنبأنا مسهر بن عبد الملك بن سلع - وهو ثقة - أنبأنا - وقال ابن المقرئ: عن عيسى بن عمر:

عن إسماعيل السدي عن أنس - زاد ابن حمدان: ابن مالك - أنّ النبيّ

٢٩٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عنده طائر فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك يأكل معي من هذا الطير. - فجاء أبو بكر فردّه، ثمّ جاء عمر - وقال الحيري: عثمان - فردّه، ثمّ جاء علي فأذن له.

أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسين عاصم بن الحسن، أنبأنا أبو العباس ابن عقدة، أنبأنا محمّد بن أحمد بن الحسن، أنبأنا يوسف بن عدي، أنبأنا حمّاد بن المختار الكوفي:

أنبأنا عبد الملك بن عمير، عن أنس بن مالك قال: أُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر فرفع بين يديه، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي. قال: فجاء علي بن أبي طالب فدق الباب فقلت: من ذا؟ قال: أنا علي. فقلت: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، حتى فعل ذلك ثلاثاً، فجاء الرابعة فضرب الباب برجله، فدخل، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك؟ قال: قد جئت ثلاث مرات [ ومنعني أنس ]. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على ذلك [ يا أنس ]؟ قال: قلت: كنت أُحبّ أن يكون رجلا من قومي.

أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو محمّد أحمد بن علي بن الحسن بن أبي عثمان، وأبو طاهر أحمد بن محمّد بن إبراهيم.

حيلولة: وأخبرنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد، أنبأنا أبي أبو طاهر، قالا: أنبأنا أبو طاهر قالا: أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن الحسن بن عبد الله، أنبأنا حمزة بن القاسم الهاشمي، أنبأنا محمّد بن الهيثم، أنبأنا يوسف بن عدي، أنبأنا حمّاد بن المختار من أهل الكوفة:

عن عبد الملك بن عمير، عن أنس قال: أُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر فوضِع بين يديه فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك ليأكل. قال: فجاء علي فدق الباب فقلت: من ذا؟ فقال: أنا علي. فقلت: النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرجع ثلاث مرات كل ذلك يجيء فأقول له

٢٩٩

ذلك فيذهب، حتى جاء في المرة الرابعة، فقلت له مثل ما قلت في الثلاث مرات قال: فضرب الباب برجله فدخل فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك؟ قال: قد جئت ثلاث مرّات كل ذلك يقول [ أنس ]: النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ يا أنس ] ما حملك على ذلك؟ قال: كنت أُحبّ أن يكون رجلاً من قومي.

أخبرنا أبو سعد بن أبي صالح، أنبأنا أبو بكر بن خلف، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا عبدان بن يزيد بن يعقوب الدقاق بهمدان، أنبأنا إبراهيم بن الحسين الكسائي، أنبأنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي، أنبأنا حسين بن سليمان:

عن عبد الملك بن عمير، قال: كنا عند أنس بن مالك فدخل علينا محمّد بن الحجاج يشتم علي بن أبي طالب، قال [ أنس ]: ويحك أنت الشاتم علياً؟ كنت خادماً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذْ أُهدي له طائر.

[ قال: ] فذكر الحديث بطوله. قال الحاكم: لم نكتبه إلّا بهذا الإِسناد.

أخبرنا أبو عبد الله الفراوي، وأبو القاسم زاهر الشحامي، قالا: أنبأنا أبو يعلى الصابوني، أنبأنا أبو سعيد الرّازي، أنبأنا محمّد بن أيوب الرازي، أنبأنا مسلم بن إبراهيم، أنبأنا الحرث بن نبهان:

أنبأنا إسماعيل - رجل من أهل الكوفة - عن أنس بن مالك: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُهدي له طير، ففرّق بعضها في نسائه ووضع بعضها بين يديه، فقال: اللّهم سق أحب خلقك إليك يأكل معي.

قال: وذكر حديث الطير.

أخبرنا أبو القاسم بن مندويه، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمّد، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسى، أنبأنا أبو العباس ابن عقدة، أنبأنا أحمد بن يحيى بن زكريا، أنبأنا إسماعيل بن أبان:

أنبأنا عبد الله بن مسلم الملائي، عن أبيه عن أنس، قال: أهدت أُم أيمن

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

يوم أعطي من المخافة ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

وفي كامل ابن الأثير ، عوضا عن (فلق) : (شفق) ، وفي تاريخ ابن عساكر (غبش) ، وفي الوفيات (غلس). والسّوام : طائر.

ومعنى البيتين : إذا كانت المنايا تحيط بي من كل جانب ، فألقي يدي إلى الضيم مخافة الموت ، فلن أكون بطلا يغير عند الصبح على الأعداء ، ولن أدعى يزيدا.

ترجمة محمّد بن الحنفية

كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يحب ابنه محمّد بن الحنفية حبا شديدا. وقد روي عنه أنه قال : من أحبني فليحبّ ابني محمدا. وقد ذكر علماء الرجال أن المحمّدين الثلاثة وهم : ابن الحنفية وابن أبي بكر وابن أبي حذيفة ، كانوا يساوقون في الدرجة.

ولقد كان محمّد بن الحنفية معذورا في تركه النصرة لأخيه وإمامه في كربلاء ، لأنه كان مبتلى بمرض شديد في ذلك الوقت. وما تضمنته الأخبار من حيث حسن نصيحته لأخيه والبكاء الشديد لأجله ، وحصول الغشية بعد الغشية له مرارا لأجل فراقه ، يكشف عن قوة إيمانه ، وعن سرّ ما قاله أمير المؤمنينعليه‌السلام في شأنه.

٤٧٢ ـ نساء بني عبد المطلب يجتمعن للنياحة ويطلبن من الحسينعليه‌السلام عدم السفر :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٨)

وأقبلت نساء بني عبد المطلب ، فاجتمعن للنياحة لمّا بلغهن أن الحسينعليه‌السلام يريد الشخوص من المدينة ، حتّى مشى فيهن الحسينعليه‌السلام ، فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ورسوله. قالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم!. جعلنا الله فداك من الموت ، يا حبيب الأبرار من أهل القبور.

٤٢١

٤٧٣ ـ أم سلمة ترجو الحسينعليه‌السلام عدم السفر ، وجوابه لها :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٥٢)

وقالت أم سلمة [إحدى زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] : لا تحزنّي بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يقتل ولدي الحسين بأرض العراق ، في أرض يقال لها كربلا ، وعندي تربتك في قارورة دفعها إليّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال الحسينعليه‌السلام : يا أماه وأنا أعلم أني مقتول مذبوح ظلما وعدوانا. وقد شاءعزوجل أن يرى حرمي ورهطي مشرّدين ، وأطفالي مذبوحين مأسورين مقيّدين ، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا. قالت أم سلمة : وا عجبا فأنى تذهب وأنت مقتول؟. قالعليه‌السلام : يا أماه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا ، وإن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد ، وما من الموت والله بدّ ، وإني لأعرف اليوم الّذي أقتل فيه ، والساعة التي أقتل فيها ، والحفرة التي أدفن فيها كما أعرفك ، وأنظر إليها كما أنظر إليك. وفي

(لواعج الأشجان) ص ٢٩ : وأعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي».وإن أحببت يا أماه أن أريك مضجعي ومكان أصحابي. فطلبت منه ذلك ، فأراها تربته وتربة أصحابه(١) . ثم أعطاها من تلك التربة ، وأمرها أن تحتفظ بها في قارورة ، فإذا رأتها تفور دما تيقنت قتلهعليه‌السلام وفي اليوم العاشر من المحرم بعد الظهر ، نظرت إلى القارورتين فإذا هما تفوران دما(٢) .

وفي (لواعج الأشجان) ص ٢٩ : ثم أشار إلى جهة كربلا ، فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده. فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا ، وسلّمت أمرها إلى الله تعالى.

__________________

(١) مدينة المعاجز ، ص ٢٤٤.

(٢) الخرايج والجرايح للقطب الراوندي في باب معجزاته ؛ ومقتل العوالم ، ص ٤٧.

٤٢٢

ترجمة السيدة أم سلمة

(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ج ١ ص ١٥٦)

وفي سنة ٦١ ه‍ توفيت أم المؤمنين (أم سلمة) واسمها هند بنت سهيل بن المغيرة المخزومية ، زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهي بنت عم أبي جهل ، وبنت عم خالد بن الوليد. بنى بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد ، وهو أخو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرضاعة. وكانت من أجمل النساء ، وطال عمرها ، وعاشت ٨٤ سنة. وقد عاصرت وفاة الحسينعليه‌السلام وحزنت عليه وبكته بكاء كثيرا. وهي آخر زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاة ، توفيت سنة ٦١ ه‍ ، وصلّى عليها سعيد بن زيد ، ودفنت بالبقيع.

٤٧٤ ـ منزلة أم سلمة :

(العيون العبرى لابراهيم الميانجي ، ص ٢١)

اسمها هند ، زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . كانت قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أبي سلمة المخزومي. وحالها في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين والزهراء والحسنينعليهم‌السلام أشهر من أن يذكر. وهي أفضل أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خديجةعليها‌السلام .

في (كفاية الأثر) عن شداد بن أوس : أنه بعد ما قاتل مع عليعليه‌السلام يوم الجمل أتى المدينة. قال : فدخلت على أم سلمة. قالت : من أين أقبلت؟. قلت : من البصرة. قالت : مع أي الفريقين كنت؟. قلت : يا أمّ المؤمنين إني توقّفت عن القتال إلى انتصاف النهار ، فألقى الله في قلبي أن أقاتل مع عليعليه‌السلام . قالت : نعم ما عملت ، لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من حارب عليا حاربني ، ومن حاربني حارب الله». قلت : فترين أن الحق مع عليعليه‌السلام ؟. قالت : أي والله ، عليّ مع الحق والحق معه. والله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إن لأمتي فرقة وخلفة ، فجامعوها إذا اجتمعت ، فإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط ، ثم ارقبوا

٤٢٣

أهل بيتي ، فإن حاربوا فحاربوا ، وإن سالموا فسالموا ، وإن زالوا فزالوا معهم ، فإن الحق معهم حيث كانوا». قلت : فمن أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم؟. قالت :هم الأئمة بعده كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عدد نقباء بني إسرائيل : علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسينعليه‌السلام . أهل بيته هم المطهرون والأئمة المعصومون. قلت : أما والله هلك الناس إذ قالت :( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (٣٢) [الروم : ٣٢].

ومن فضائل أم سلمة رضي الله عنها تسليم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليها تربة الشهداء في خبر القارورة المشهور.

ومنها : إيداع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندها الكتاب الّذي كتبه ، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار.

ومنها : إيداع أمير المؤمنينعليه‌السلام عندها الكتب. فعن الإمام الحسينعليه‌السلام أنه قال : إن الكتب كانت عند أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلما سار إلى العراق استودعها أم سلمة رضي الله عنها. فلما مضى كانت عند الحسنعليه‌السلام ، فلما مضى كانت عند الحسينعليه‌السلام .

ومنها : إيداع الحسينعليه‌السلام لدى المضي إلى العراق عندها كتب علم أمير المؤمنينعليه‌السلام وذخائر النبوة وخصائص الإمامة. فلما قتلعليه‌السلام ورجع علي بن الحسينعليه‌السلام دفعتها إليه.

٤٧٥ ـ وصية الحسينعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية قبيل مغادرته المدينة ، وفيها يبيّن سبب خروجه وهو الإصلاح والأمر بالمعروف :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٨)

ثم دعا الحسينعليه‌السلام بدواة وبياض ، وكتب فيها هذه الوصية لأخيه محمّد :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد بن علي المعروف بابن الحنفية :

إن الحسين بن عليعليهما‌السلام يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق. وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور.

إني لم أخرج أشرا(١) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت أطلب

__________________

(١) أشر : كفرح لفظا ومعنى.

٤٢٤

الإصلاح في أمّة جدّي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّد وسيرة أبي علي بن أبي طالب(١) . فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا صبرت حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين.

هذه وصيتي إليك يا أخي ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب.والسلام عليك وعلى من اتبع الهدى ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(٢) .

ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمّد بن الحنفية.

ثم ودّعه وخرج في جوف الليل يريد مكة بجميع أهله ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ٦٠ ه‍ (لعله يقصد أن وصوله كان في هذا التاريخ).

يقول الدينوري في (الأخبار الطوال) ص ٢٢٨ :

لم يبق في المدينة عند رحيل الحسينعليه‌السلام بأهله غير محمّد بن الحنفية. أما ابن عباس فقد كان خرج إلى مكة قبل ذلك بأيام.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٤٢١ :

وعن سكينة بنت الحسينعليها‌السلام قالت : لما خرجنا من المدينة ما كان أحد أشدّ خوفا منا أهل البيت.

__________________

(١) مقتل المقرم ، ص ١٥٦ نقلا عن مقتل العوالم ، ص ٥٤ ؛ وكذلك في مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤١. وفي المنتخب للطريحي زيادة (وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين).

(٢) غير خاف مغزى السبط المقدس من هذه الوصية ، فإنه أراد الهتاف بغايته الكريمة من نهضته المقدسة ، وتعريف الملأ نفسه ونفسيته ومبدأ أمره ومنتهاه ، ولم يبرح يواصل هذا بأمثاله إلى حين شهادته ، دحضا لما كان الأمويون يموّهون على الناس بأن الحسينعليه‌السلام خارج على خليفة وقته ، يريد شقّ العصا وتفريق الكلمة واستهواء الناس إلى نفسه ، لنهمة الحكم وشره الرئاسة ، تبريرا لأعمالهم القاسية في استئصال آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولم يزلعليه‌السلام مترسلا كذلك في جميع مواقفه هو وآله وصحبه حتّى دحروا تلك الأكذوبة ، ونالوا أمنيتهم في مسيرهم ومصير أمرهم.

٤٢٥

الطريق المؤدية من المدينة إلى مكة

قال الإمام الحسينعليه‌السلام وهو خارج من المدينة المنوّرة :

( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٢١) [القصص : ٢١]

وقالعليه‌السلام حين وافى مكة المكرمة :

( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (٢٢) [القصص: ٢٢]

٤٢٦

خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة

[الأحد ٢٨ رجب سنة ٦٠ ه‍]

قال تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) [النساء : ١٠٠]

٤٧٦ ـ المنازل من المدينة إلى مكة :

(البلدان لليعقوبي)

نذكر فيما يلي المنازل التي يمرّ بها المسافر من المدينة إلى مكة. قال اليعقوبي :ومن المدينة إلى مكة عشر مراحل عامرة آهلة : فأولها [ذو الحليفة] ومنها يحرم الحاج إذا خرجوا من المدينة ، وهي على أربعة أميال من المدينة

(الميل : ٨ / ١ كم). ومنها إلى [الحفيرة] وهي منازل بني فهر من قريش. وإلى [ملل] وهي في هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام . وإلى [السيّالة] وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام . وإلى [الرّوحاء] وهي منازل مزينة. وإلى [الرّويثة] وبها قوم من ولد عثمان بن عفان وغيرهم من العرب. وإلى [العرج]. وإلى [سقيا بني غفار] وهي منازل بني كنانة. وإلى [الأبواء] وهي منازل أسلم. وإلى [الجحفة] وبها قوم من بني سليم ، وغدير خم من الجحفة على ميلين عادل عن الطريق. وإلى [قديد] وبها منازل خزاعة. وإلى [عسفان]. وإلى [مرّ الظهران] وهيمنازل كنانة. وإلى [مكة المكرّمة] حرسها الله.

٤٧٧ ـ خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة ونزوله في مكة :

(تاريخ دمشق لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢٠٠)

وخرج الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة. فقدما مكة ، فنزل الحسينعليه‌السلام دار العباس بن عبد المطلب ، ولزم ابن الزبير الحجر.

٤٧٨ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام قاله لعبد الله بن مطيع العدوي بعد أن حذّره من الاغترار بأهل الكوفة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)

فبينا الحسين كذلك بين مكة والمدينة في موضع يقال له [الشريفة] إذ استقبله عبد

٤٢٧

الله بن مطيع العدوي ، فقال له : أين تريد يا أبا عبد الله ، جعلني الله فداك؟. فقال :أما في وقتي هذا فإني أريد مكة ، فإذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك.فقال له عبد الله بن مطيع : خار الله لك يابن رسول الله فيما قد عزمت عليه ، غير أني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني. فقال له الحسينعليه‌السلام : وما هي يابن مطيع؟.فقال : إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة ، فإن فيها قتل أبوك وطعن أخوك بطعنة كادت أن تأتي على نفسه فيها ، فالزم الحرم فأنت سيد العرب في دهرك هذا.وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٤ ط نجف : «ولن يعدلوا بك أحدا ، ويأتيك الناس من كل جانب». فو الله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك.

وفي (لواعج الأشجان) للسيد الأمين ، ص ٣٤ : لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فوالله لئن هلكت لنسترقنّ بعدك.

وجاء في (مقتل الحسين) لأبي مخنف ص ١٦ : ثم إن الحسين توجه سائرا حتّى جاوز [الشريفة] فاستقبله عبد الله بن مطيع القرشي ، وقال له : جعلت فداك ، إني أنصحك ، إذا دخلت مكة فلا تبرحنّ منها ، فهي حرم الله والأمان للناس. فأقم فيها وتألّف أهلها ، وخذ البيعة على كل من دخلها من الناس ، وعدهم العدل وارفع الجور عنهم ، وأقم فيها خطباء تخطب وتذكّر على المنابر شرفك ، وتشرح فضلك ، ويخبرونهم بأن جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأباك علي بن أبي طالب ، وأنك أولى بهذا الأمر من غيرك. إياك أن تذكر الكوفة فإنها بلد مشؤوم قتل فيها أبوك ، ولا تبرح من حرم الله تعالى ، فإن معك أهل الحجاز واليمن كلها ، وسيقدم إليك الناس من الآفاق وينصرفون إلى أمصارهم ، وادعهم إلى بيعتك. فاقبل نصيحتي وسر مسددا ، فو الله إن قبلت لترشدن. فقال الحسينعليه‌السلام : جزاك الله عني كل خير ، فإني قابل نصيحتك.

٤٧٩ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام وهو خارج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)

وخرج الحسينعليه‌السلام في جوف الليل يريد مكة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شعبان سنة ٦٠ ه‍.

(كذا في مقتل الخوارزمي) ، أما في مقتل المقرّم ص ١٥٧ فجاء نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٠ ما نصه :

٤٢٨

«وخرج الحسين من المدينة متوجها نحو مكة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ودخل مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان». وهو الأصح كما ذكر العلامة الأمين في (لواعج الأشجان) في حاشية صفحة ٢٩.

فلزم الطريق الأعظم ، فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية :( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٢١) [القصص : ٢١]. فقال له ابن عمه مسلم بن عقيل : يابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادة كما فعل عبد الله بن الزبير ، كان عندي خير رأي ، فإني أخاف أن يلحقنا الطلب. فقال له الحسينعليه‌السلام : لا والله يابن عم لا فارقت هذا الطريق أبدا ، أو أنظر إلى أبيات مكة ، ويقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى.

يقول السيد جعفر الحلي :

خرج الحسين من المدينة خائفا

كخروج موسى خائفا يتكتمّ

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها

وبه تشرّفت الحطيم وزمزم

٤٨٠ ـ الملائكة تعرض على الحسينعليه‌السلام المساعدة :

(اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٢٧)

ذكر المفيد في كتابه (مولد النبي) بإسناده إلى الإمام الصادقعليه‌السلام قال : لما سار أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام من مكة ليدخل المدينة ، لقيته أفواج من الملائكة المسوّمين والمردفين ، في أيديهم الحراب ، على نجب من نجب الجنة. فسلّموا عليه ، وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن اللهعزوجل أمدّ جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنا في مواطن كثيرة ، وإن الله أمدّك بنا. فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني. فقالوا : يا حجة الله ، إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟.فقالعليه‌السلام : لا سبيل لهم عليّ ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.

٤٨١ ـ مسلمو الجن يعرضون على الحسينعليه‌السلام مساعدته ونصرته :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٩)

وأتته أفواج مسلمي الجن ، فقالوا : يا سيدنا نحن من شيعتك وأنصارك ، فمرنا بأمرك وما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك. فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم : أو ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله :( أَيْنَما

٤٢٩

تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ ) [النساء : ٧٨]. وقال سبحانه :( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ ) (١٥٤) [آل عمران : ١٥٤]. وإذا أقمت مكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون؟. ومنذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد اختارها الله يوم دحي الأرض ، وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا ، تقبل أعمالهم وصلواتهم وتجاب دعاؤهم ، وتكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة. ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشوراء ، الّذي في آخره أقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد.فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه ، لو لا أنّ أمرك طاعة ، وأنه لا يجوز مخالفتك ، لقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك. فقال لهمعليه‌السلام : نحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) [الأنفال : ٤٢].

٤٨٢ ـ ديار علي والحسينعليهما‌السلام مقفرة :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء طبع مؤسسة البلاغ ، ص ٥٨)

ها هي ديار علي والحسين والزهراءعليهم‌السلام قد أمسى عليها ليل الفراق ، وأحاطتها وحشة البعد والغربة. لقد نأى الحسينعليه‌السلام ، وأمست المدينة موحشة ، تبكي سيدها الراحل ، والقلوب يعتصرها الأسى ، والنفوس يفترسها الألم ، ويحوطها الخوف والوجل.

٤٣٠

على طريق الشهادة : من المدينة إلى مكة إلى كربلاء

٤٣١

الفصل الثالث عشر

في مكة المكرّمة

[الجمعة ٣ شعبان سنة ٦٠ ه‍]

٤٨٣ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام لما وافى مكة المكرمة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)

وسارعليه‌السلام حتّى وافى مكة (يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان) فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام(١) . فلما نظر إلى جبالها من بعيد جعل يتلو هذه الآية :( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (٢٢) [القصص :٢٢]. فنزل دار العباس بن عبد المطّلب(٢) . فأقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثماني ليال من ذي الحجة. حيث خرج إلى العراق يوم التروية ، وهو اليوم السابق ليوم عرفة.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط نجف :

وقال السدي : خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة وهو يقرأ :( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) [القصص : ٢١]. فلما دخل مكة ، فقال له عمرو بن سعيد : ما أقدمك؟. فقال : عائذا بالله وبهذا البيت.

٤٨٤ ـ هدف الهجرة :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٦٩)

هاجر الحسينعليه‌السلام من دار الهجرة ، واتجه شطر البيت الحرام قبلة المسلمين ، وكانت غايته هناك أن يجتمع بوجهاء الناس وزعماء الأمة وأهل الرأي ، الذين قدموا إلى مكة للحج.

(أقول) : إضافة إلى أن الكعبة المشرّفة هي أكثر الأماكن أمنا ، فلها حرمتها

__________________

(١) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٤.

(٢) مقتل المقرم ، ص ١٥٨ عن تاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٢٨.

٤٣٢

الخاصة ، إذ لا يجوز فيها قتال ولا اعتداء. يقول تعالى عن البيت الحرام :( فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٩٧) [آل عمران : ٩٧].

وترى جانبا صورة عن حرم الكعبة المشرفة وأقسامه المختلفة.

٤٨٥ ـ أهل مكة يستبشرون بقدوم الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٠ ط نجف)

قال أحمد بن أعثم الكوفي : ولما دخل الحسينعليه‌السلام مكة فرح به أهلها فرحا شديدا ، وجعلوا يختلفون إليه غدوة وعشية.

وكان قد نزل بأعلى مكة ، وضرب هناك فسطاطا ضخما ، ونزل عبد الله ابن الزبير داره ب (قيقعان)[وهو موقع غرب مكة عند الحجون]. ثم تحوّل الحسينعليه‌السلام إلى دار العباس ، حوّله إليها عبد الله بن عباس.

وكان أمير مكة من قبل يزيد يومئذ عمرو بن سعيد بن العاص. (وفي رواية ابن أعثم) «عمر بن سعد بن أبي وقاص» ، وهو اشتباه وتصحيف. فأقام الحسينعليه‌السلام مؤذّنا يؤذّن رافعا صوته ، فيصلي بالناس. وهاب عمرو بن سعيد أن يميل الحجّاج مع الحسينعليه‌السلام لما يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق ، فانحدر إلى المدينة ، وكتب بذلك إلى يزيد.

وفي (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، ص ١٧ : وقد كان عبد الله ابن الزبير سبقه إلى مكة ، ولزم الكعبة يصلي بالناس ويطوف البيت. وكان يأتي إلى الحسينعليه‌السلام ويجلس معه الجلسة الخفيفة.

ابن الزبير يمتعض من مجيء الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق للخوارزمي)

وكان الحسينعليه‌السلام أثقل خلق الله على عبد الله بن الزبير ، لأنه كان يطمع أن يتابعه أهل مكة. فلما قدم الحسينعليه‌السلام اختلفوا إليه [أي ترددوا عليه] وصلّوا معه. ومع ذلك فقد كان ابن الزبير يختلف إليه بكرة وعشية ، ويصلي معه.

وأقام الحسينعليه‌السلام بمكة باقي شهر شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة.وبمكة يومئذ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

٤٣٣

(الشكل ٤) : مخطط الكعبة المشرّفة حرسها الله

٤٣٤

٤٨٦ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عمر في مكة بشأن البيعة ليزيد ، ونصيحة ابن عمر له :(المصدر السابق)

فأقبلا جميعا ، وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، حتّى دخلا على الحسينعليه‌السلام . فقال عبد الله بن عمر :

يا أبا عبد الله ، اتّق الله رحمك الله الّذي إليه معادك ، فقد عرفت عداوة هذا البيت لكم ، وظلمهم إياكم. وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية ، ولست آمن أن يميل الناس إليه ، لمكان هذه الصفراء والبيضاء ، فيقتلونك ويهلك فيك بشر كثير ، فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم ينصروه ليخذلنّهم الله إلى يوم القيامة». وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس ، وتصبر كما صبرت لمعاوية من قبل ، فلعل الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين. فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الرحمن ، أنا أبايع يزيد وأدخل في صلحه ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أبيه ما قاله؟!.

٤٨٧ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عباس ، وبيان فضلهعليه‌السلام وما فعله به الناس :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩١)

فقال ابن عباس : صدقت يا أبا عبد الله ، قد قال النبي : «ما لي وليزيد ، لا بارك الله في يزيد ، فإنه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فو الذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم». ثم بكى ابن عباس وبكى معه الحسينعليه‌السلام ، ثم قال له : يابن عباس أتعلم أني ابن بنت رسول الله؟. فقال : الله م نعم ، لا نعرف في الدنيا أحدا هو ابن بنت رسول الله غيرك ، وأنّ نصرك لفرض على هذه الأمة كفريضة الصيام والزكاة ، التي لا تقبل إحداهما دون الأخرى. فقالعليه‌السلام : يابن عباس فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وطنه وداره ، وموضع قراره ومولده ، وحرم رسوله ، ومجاورة قبره ومسجده ، وموضع مهاجرته ، وتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار ، ولا يأوي إلى وطن ، يريدون بذلك قتله وسفك دمه ، وهو لم يشرك بالله شيئا ولا اتخذ دون الله وليا ، ولم يتغيّر عما كان عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفاؤه من بعده. فقال ابن عباس : ما أقول فيهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ، لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى( يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً (١٤٢)مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ) (١٤٣) [النساء : ١٤٢ ـ ١٤٣] فعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى.

٤٣٥

وأما أنت أبا عبد الله ، فإنك رأس الفخار : ابن رسول الله ، وابن وصيه ، وفرخ الزهراء نظيرة البتول ، فلا تظن يابن رسول الله بأن الله غافل عما يعمل الظالمون ، وأنا أشهد أن من رغب عن مجاورتك ومجاورة بنيك ، فما له في الآخرة من خلاق.

فقال الحسينعليه‌السلام : اللهم اشهد. فقال ابن عباس : جعلت فداك يابن رسول الله كأنك تنعى إليّ نفسك ، وتريد مني أن أنصرك ، فوالله الّذي لا إله إلا هو لو ضربت بين يديك بسيفي حتّى ينقطع ، وتنخلع يداي جميعا ، لما كنت أبلغ من حقك عشر العشير. وها أنا بين يديك فمرني بأمرك.

فقال ابن عمر : الله م عفوا ، ذرنا من هذا يابن عباس.

ترجمة عبد الله بن عباس

قال السيد إبراهيم الميانجي في (العيون العبرى) ص ٥٤ :

عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو حبر الأمة وعالمها ، دعا له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفقه والحكمة والتأويل ، مقبول من الطرفين. وكان محبا لعليعليه‌السلام وتلميذه. حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن يخفى.

ولد في الشّعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، ومات بالطائف سنة ٦٨ ه‍ في فتنة ابن الزبير ، وكان قد كفّ بصره في أواخر حياته وعمره سبعون سنة.

وصلى عليه محمّد بن الحنفية ، وضرب على قبره فسطاطا (انظر المعارف لابن قتيبة).وقال المسعودي في (مروج الذهب) : ذهب بصر ابن عباس لبكائه على علي بن أبي طالب والحسن والحسينعليه‌السلام ، وهو الّذي يقول :

إن يأخذ الله من عينيّ نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير مدّخل

وفي فمي صارم كالسيف مشهور

وقال مسروق كما في (التنقيح) : كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس قلت :أجمل الناس ؛ فإذا حدّث قلت : أعلم الناس ؛ فإذا تكلم قلت : أفصح الناس!.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، عن عليعليه‌السلام قال :

لله درّ ابن عباس ، فإنه ينظر من ستر رقيق.

٤٣٦

ترجمة عبد الله بن الزبير بن العوّام

كان يكنّى أبا بكر وأبا حبيب. ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا. طلب الخلافة لنفسه بالحجاز ، فسار إليه الحجّاج فحاصره بمكة خمسة أيام ، ثم أصابته رميّة فمات في البيت الحرام. وهو الكبش الّذي تنبّأ به أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه ستنتهك به حرمة البيت. وبعد أن قتل أمر بصلبه فصلب بمكة ، وكان ذلك سنة ٧٣ ه‍.

(انظر المعارف لابن قتيبة)

٤٨٨ ـ عداوة ابن الزبير لأهل البيتعليهم‌السلام :

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان الشيرازي ، ص ١٣٩)

عن سعيد بن جبير أن ابن عباس دخل على ابن الزبير ، فقال له ابن الزبير : إلام تؤنبّني وتعنّفني؟. فقال ابن عباس : إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«بئس المسلم يشبع ويجوع جاره». وأنت ذلك الرجل. فقال ابن الزبير : والله إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة ، وتشاجرا.

فخرج ابن عباس من المدينة مكرها ، فأقام بالطائف حتّى مات.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٢٥١ :

وبقي عبد الله بن الزبير يجدّ في مناوأة محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وبقية أهل البيتعليهم‌السلام ، حتّى حبسهما إذ لم يجيباه إلى البيعة.

وحين تلاسن مع عبد الله بن عباس بعد مقتل المختار ، قال ابن الزبير له : لقد علمت أنك ما زلت لي ولأهل بيتي مبغضا ، ولا زلت لكم يا بني هاشم منذ نشأت مبغضا ، ولقد كتمت بغضكم أربعين سنة. فقال ابن عباس له : فازدد في بغضنا ، فوالله ما نبالي أحببتنا أم أبغضتنا!.

ثم خرج ابن عباس ومحمد بن الحنفية وأصحابهما من مكة إلى الطائف. فلم يزل ابن عباس بالطائف حتّى أدركته الوفاة ، فصلى عليه محمّد بن الحنفية رضي الله عنه ودفنه هناك سنة ٦٨ ه‍ ، وهو ابن ٧٢ سنة.

٤٣٧

وبقي بعده محمّد في الطائف. وذكر القتيبي أن محمدا توفي أيضا بالطائف سنة ٨٢ ه‍ ، وهو ابن ٦٥ سنة.

٤٨٩ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عمر ، وبيان أن الله سبحانه سينتقم من قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :

(مقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٩٢)

ثم أقبل ابن عمر على الحسينعليه‌السلام وقال له : مهلا أبا عبد الله عما أزمعت عليه ، وارجع معنا إلى المدينة ، وادخل في صلح القوم ، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك ، ولا تجعل لهؤلاء القوم الذين لا خلاق لهم ، على نفسك حجة وسبيلا. وإن أحببت أن لا تبايع فإنك متروك حتّى ترى رأيك ، فإن يزيد ابن معاوية عسى ألا يعيش إلا قليلا ، فيكفيك الله أمره. فقال الحسينعليه‌السلام : أفّ لهذا الكلام أبدا ما دامت السموات والأرض. أسألك بالله يا أبا عبد الرحمن أعندك أني على خطأ من أمري هذا؟. فإن كنت على خطأ فردّني عنه ، فإني أرجع وأسمع وأطيع. فقال ابن عمر :الله م لا ، ولم يكن الله تبارك وتعالى ليجعل ابن بنت رسوله على خطأ [يعترف له بالعصمة] ، وليس مثلك في طهارته وموضعه من الرسول ، أن يسلّم على يزيد بن معاوية باسم الخلافة. ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الجميل بالسيوف ، وترى من هذه الأمة ما لا تحب. فارجع معنا إلى المدينة ، وإن شئت أن لا تبايع فلا تبايع أبدا ، واقعد في منزلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : هيهات يابن عمر ، إن القوم لا يتركوني ، إن أصابوني وإن لم يصيبوني ، فإنهم يطلبوني أبدا حتّى أبايع وأنا كاره أو يقتلوني.

ألا تعلم أبا عبد الرحمن أن من هوان هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى ابن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضرّ ذلك يحيى بن زكريا بل ساد الشهداء ، فهو سيدهم يوم القيامة(١) .

وفي رواية ابن نما : «وإن رأسي يهدى إلى بغيّ من بغايا بني أمية».

ألا تعلم أبا عبد الرحمن أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى

__________________

(١) روى ابن شهراشوب في المناقب ، ج ٣ ص ٢٣٧ قصة مقتل يحيى بن زكريا ، وذكر قبلها : عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : «خرجنا مع الحسينعليه‌السلام ، فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكريا».

٤٣٨

طلوع الشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجّل الله عليهم ، ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام(١) . فاتّق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي(٢) واذكرني في صلاتك ، فوالذي بعث جدي محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشيرا ونذيرا لو أن أباك عمر بن الخطاب أدرك زماني لنصرني كما نصر جدي ، ولقام من دوني كقيامه من دون جدي. يابن عمر فإن كان الخروج معي يصعب عليك ويثقل ، فأنت في أوسع العذر ، ولكن لا تتركنّ لي الدعاء في دبر كل صلاة ، واجلس عن القوم ، ولا تعجل بالبيعة لهم حتّى تعلم ما تؤول إليه الأمور.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٣٨٩ :

ثم قالعليه‌السلام : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرها سليم. متواترة محنها ، متكاثرة فتنها. أعظم الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم المؤمنون ، ثم الأمثل فالأمثل.

٤٩٠ ـ وصية الحسينعليه‌السلام لابن عباس وذكره بخير ، وبيان إقامته في مكة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٣)

ثم أقبل الحسينعليه‌السلام على ابن عباس رضي الله عنه وقال له : وأنت يابن عباس ابن عم أبي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد والسداد. وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك وتشير عليه بالصواب ، فامض إلى المدينة في حفظ الله ، ولا تخف عليّ شيئا من أخبارك ، فإني مستوطن هذا الحرم ومقيم به ، ما رأيت أهله يحبونني وينصرونني ، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم ، واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم يوم ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل ، فكانت النار عليه بردا وسلاما.

__________________

(١) ذكر المقرم في مقتله ، ص ١٥٥ نقلا عن مثير ابن نما واللهوف : ان عبد الله بن عمر طلب من الحسين البقاء في (المدينة) فأبى ، وقال : إن من هوان الدنيا

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ١٧.

٤٣٩

فبكى ابن عباس وابن عمر ذلك الوقت بكاء شديدا ، وبكى الحسينعليه‌السلام معهما ، ثم ودّعهما. فصار ابن عباس وابن عمر إلى المدينة.

٤٩١ ـ عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ، وضمّ مكة والمدينة بإمرة عمرو ابن سعيد بن العاص (الأشدق):

بعد أن بلغ يزيد تسامح الوليد بن عتبة مع الحسينعليه‌السلام وضعفه في التصرف في الأمور ، عزله عن المدينة وأقرّ عليها عمرو بن سعيد بن العاص المعروف (بالأشدق) والي مكة ، فأصبحت مكة والمدينة تحت إمرته ، فقدم المدينة في شهر رمضان سنة ٦٠ ه‍.

٤٩٢ ـ بشارات مشؤومة بقدوم الوالي الجديد إلى المدينة :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)

قال : وذكروا أنه لما بويع يزيد بن معاوية ، خرج الحسينعليه‌السلام حتّى قدم مكة ، فأقام هو وابن الزبير.

قال : وقدم عمرو بن سعيد بن العاص في رمضان أميرا على المدينة وعلى الموسم ، وعزل الوليد بن عتبة. فلما استوى على المنبر رعف ، فقال أعرابي مستقبله : مه مه!. جاءنا والله بالدم. فتلقاه رجل بعمامته ، فقال : مه!. عمّ والله الناس. ثم قام يخطب ، فناوله آخر عصا لها شعبتان ، فقال الأعرابي : مه!. شعب والله أمر الناس. ثم نزل.

ترجمة عمرو بن سعيد (الأشدق)

قتله عبد الملك بن مروان بيده سنة ٧٠ ه‍. وذلك أنه بايع عبد الملك كرها ، فلما خرج عبد الملك إلى قتال الزبير خالفه عمرو إلى دمشق ، فغلب عليها وبايعه أهلها بالخلافة. وذكر الطبري أنه لما صعد المنبر خطب الناس فقال : إنه لم يقم أحد من قريش قبلي على هذا المنبر إلا زعم أن له جنة ونارا ، يدخل الجنة من أطاعه والنار من عصاه ، وإني أخبركم أن الجنة والنار بيد الله ، وأنه ليس إليّ من ذلك شيء ، وأن لكم عليّ حسن المواساة.

قال : فرجع عبد الملك وحاصره ، ثم خدعه وآمنه ، ثم غدر به فقتله. فيقال إنه ذبحه بيده. وكان عمرو أول من أسرّ البسملة في الصلاة مخالفة لابن الزبير ، لأنه كان يجهر بها (روى ذلك الشافعي وغيره بإسناد صحيح).

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735