موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 472258 / تحميل: 5576
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وادي : معرفة غير مضاف ، علم للوادي الذي به فج الروحاء ، وتقدم في مفرش قول ابن عمر : هبطت بطن واد فإذا ظهر من بطن واد مع بيان المزية.

وادي أبي كبير : فوق المخرم والمعرس وصدر الحفيرة.

وادي أحيليين :بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة ثم مثناة تحتية ثم لام ومثناتين كذلك ، تقدم في نار الحجاز.

وادي الأزرق : بسكون الزاي ثم راء ، سبق في جمدان أنه بعد أمج بميل وفي الصحيح أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مر بوادي الأزرق فقال : كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية له جؤار إلى الله بالتلبية ، ثم أتى على ثنية هرشى فقال : «كأني أنظر إلى يونس بن متّى» ، الحديث.

وقوله : «ثم أتى» يعني في الرجوع إلى المدينة.

وادي بطحان : وغيره من الأودية التي بالمدينة سبقت في الفصل الخامس وما قبله.

وادي الجزل : بالجيم والزاي ، الوادي الذي به الرحبة ، وسقيا لجزل قرب وادي القرى ، ويلقى وادي إضم في نخيل ذي المروة.

وادي دحيل : سبق في حمى النقيع.

وادي الدوم : معترض في شمالي خيبر إلى قبلتها ، أوله من الشمال غمرة ، ومن القبلة القصيبة ، وهو فاصل بين خيبر والعراص.

وادي السّمك : بفتح السين المهملة ثم السكون ، بناحية الصفراء ، يسلكه الحاج أحيانا ، ذكره المجد في السين.

وادي القرى :واد كثير القرى ، بين المدينة والشام ، وقال الحافظ ابن حجر : هي مدينة قديمة بين المدينة والشام ، وأغرب ابن قرقول فقال : إنها من أعمال المدينة ، انتهى.

ولا إغراب فيه لتصريح صاحب المسالك به كما سبق في تبوك ، وسبق أن دومة الجندل من أعمال المدينة ، وأنها بوادي القرى ، بل يظهر أنها أبعد منه لأنها على خمس عشرة أو ست عشرة ليلة من المدينة ، وأما وادي القرى ففي طبقات ابن سعد أن أسامة بن زيد لما رجع من غزوة الروم أجدّ السير ، فورد وادي القرى في سبع ليال ، ثم قصد يعدو في السير فسار إلى المدينة ستا ، وسبق أن حجر ثمود على يوم من وادي القرى ، وأن العلا بناحية وادي القرى.

وروى البيهقي : من طريق الواقدي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر إلى وادي القرى ، فلما نزلنا إلى وادي القرى انتهينا إلى يهود

١٦١

وقد ثوى إليها ناس من العرب ، وذكر استقبال يهود لهم بالرمي وهم يصيحون في آطامهم وقتالهم حتى أمسوا ، قال : وغدا عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم. وفتحها عنوة ، وغنمه الله أموالهم ، أصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا ، فأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بوادي القرى أربعة أيام ، وقسم ما أصاب ، وترك الأرض والنخل بأيدي يهود ، وعاملهم عليها ، فلما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر وفدك ووادي القرى صالحوه على الجزية ، وأقاموا بأيديهم أموالهم فلما كان عمر أخرج يهود خيبر وفدك ، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى ؛ لأنهما داخلتان في أرض الشام ويروى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام فانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن ترفع من خيبر ومن وادي القرى ، وقال أحمد بن جابر : قيل : إن عمر أجلى يهود وادي القرى ، وقيل : لم يجلهم.

وسبق في ذي المروة أن بعضهم عده من وادي القرى ، وأنه إن ثبت فهو غير وادي القرى المذكور ، وسبق في بلاكث وبرمة ما يؤيده ، وعليه أهل المدينة اليوم ؛ لأنهم يسمون ناحية ذي المروة وناحية ذي خشب وادي القرى ، ولعلها قرى عرينة.

واردات : هضبات صغار بحمى ضرية ، فيها يقول الأخطل :

إذا ما قلت قد صالحت بكرا

أبي الأضغان والنسب البعيد

ومهراق الدماء بواردات

تبيد لمجريات ولا تبيد

واسط : أطم لبني خدرة ، وأطم آخر لبني خزيمة رهط سعد بن عبادة ، وآخر لبني مازن بن النجار ، وموضع بين ينبع وبدر ، وجبل تنتطح سيول العقيق عنده ثم يفضي إلى الجثجاثة ، وفيه يقول كثير :

أقاموا ، فأما آل عزة غدوة

فبانوا ، وأما واسط فمقيم

واقم : كصاحب ، أطم بني عبد الأشهل ، نسبت إليه حرّتهم ، وله يقول شاعرهم :

نحن بنينا واقما بالحره

بلازب الطين وبالأصرّه

وواقم أيضا : أطم بالمسكبة شرقي مسجد قباء لأبي عويم بن ساعدة ، وأطم آخر في موضع الدار التي يقال لها واقم بقباء كان لأحيحة قبل تحوله للعصبة.

الوالج : كان به الشيخان ، وهما أطمان كما سبق ، وبطرفه مما يلي قناة أطم يقال له الأزرق.

الوبرة :بسكون الموحدة ، قرية على عين من جبال آرة ، وجاء ذكرها في حديث

١٦٢

أهبان الأسلمي أنه كان يسكن يين وهي من بلاد أسلم : يينا هو يرعى بحرة الوبرة عدا الذئب على غنمه ، الحديث ، قاله المجد تبعا لياقوت ، وهو وهم ؛ لأن الوبرة هذه بالفرع كما يؤخذ مما سبق في آرة ، على أربعة أيام من المدينة ويين على بريد من المدينة كما سيأتي ، وتقدم عن المجد في حرة الوبرة ما يخالف المذكور هنا ، وهو الصواب ، وقد وقع الموضعان كذلك في كلام ياقوت فتبعه المجد.

وبعان : بالفتح ثم الكسر وإهمال العين آخره نون ، ويقال باللام بدل الباء ، قرية على أكناف آرة ، قاله المجد.

وجمة : بالفتح وسكون الجيم ، جبل يدفع سيله في عنقه.

الوحيدة : مؤنث الوحيد للمنفرد ، من أعراض المدينة بينها وبين مكة.

ودّان : بالفتح ودال مهملة مشددة آخره نون ، قرية من نواحي الفرع لضمرة وغفار وكنانة ، على ثمانية أميال من الأبواء ، أكثر نصيب من ذكرها قال :

أقول لركب قافلين عشية

قفا ذات أوشال ومولاك قارب

قفوا أخبروني عن سليمان إنني

لمعروفه من أهل ودّان راغب

فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله

ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب

وقال أبو زيد : ودّان من الجحفة على مرحلة ، بينها وبين الأبواء ستة أميال وبها كان أيام مقامي بالحجاز رئيس لبني جعفر بن أبي طالب ، ولهم بالفرع وساية ضياع وعشيرة ، وبينهم وبين الحسنيين حروب ، ولم يزل كذلك حتى استولت طائفة من اليمن تعرف ببني حرب على ضياعهم.

ودعان : بالفتح ثم السكون وعين مهملة آخره نون ، موضع بينبع.

هضب الوراق جبل تقدم في حمى ضرية.

ورقان : بالفتح ثم الكسر وقد تسكن وبالقاف ، جبل عظيم أسود على يسار المصعد من المدينة ، وينقاد من سيالة إلى الجي بين العرج والرويثة ، وبسفحه عن يمينه سيالة ثم الروحاء ثم الرويثة ثم الجي ، وفي ورقان أنواع الشجر المثمر وغير المثمر والقرظ والسماق ، وفيه أوشال وعيون ، سكانه بنو أوس من مزينة قوم صدق أهل عمود ، قاله عرام.

وقال الأسدي : إنه على يسار الطريق حين يخرج من السيالة ، ويقال : إنه يتصل إلى مكة ، انتهى.

وذكر عرام أن الذي يليه عند الجي القدسان ، يفصل بينه وبينهما عقبة ركوبة ، وسبق

١٦٣

في فضل أحد من حديث الطبراني أن ورقان من جبال الجنة ، وحديث «خير الجبال أحد والأشعر وورقان» وأنه أحد الأجبل التي وقعت بالمدينة من الجبل الذي تجلى الله تعالى له ، وفي رواية أنه أحد الأجبل التي بنيت الكعبة منها ، وسبق في مسجد عرق الظبية قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «هل تدرون ما اسم هذا الجبل» يعني ورقان «هذا حمت ، جبل من جبال الجنة ، اللهم بارك فيه وبارك لأهله» ثم قال «هذا سجاسج للروحاء ، هذا واد من أودية الجنة» قال ابن شبة : يقال يوم حمت ؛ إذا كان شد الحر : أي هو قوى شديد.

الوسباء : بالفتح وسكون السين المهملة ثم باء موحدة وبالمد ، ماء لبني سليم بلحف أبلى.

وسط : بل بحمى ضرية ، ينسب إليه دارة وسط بناحيته اليسرى.

وسوس : من الوسواس من أودية القبلية ، يصب من الأجرد على الحاضرة والنكباء ، وهما فرعان بهما نخل لجهينة وغيرهم ، والحاضرة عين لبني عبد العزيز بن عمر في صدر الحرار.

الوشيجة : بالفتح وكسر الشين المعجمة ثم مثناة تحت وجيم وهاء ، من أودية العقيق ذو وشيع بالفتح ثم الكسر آخره عين مهملة ، من أموال المدينة.

الوطيح : بالفتح وكسر الطاء المهملة وياء وحاء مهملة ، من أعظم حصون خيبر ، سمي بوطيح بن مازن رجل من ثمود ، وفي كتاب أبي عبيدة «الوطيحة» بزيادة هاء.

وظيف الحمار : بالظاء المعجمة والمثناة تحت والفاء ، ستدق الذراع والساق من الحمار ونحوه ، هو من العقيق ما بين سقاية سليمان بن عبد الملك إلى زغابة.

وفي طبقات ابن سعد في قصة ما عز : أنه لما مسّته الحجارة فر يعدو قبل العقيق فأدرك بالمكيمن ، وكان الذي أدركه عبد الله بن أنيس بوظيف الحمار ، فلم يزل يضربه حتى قتله ، انتهى. والمكيمن : بالعقيق ، لكنه بعيد من الموضع المذكور

وعيرة : بالفتح وكسر العين المهملة وسكون المثناة تحت وفتح الراء ثم هاء ، جبل شرقي ثور ، أكبر منه وأصغر من أحد.

ولعان : لغة في وبعان كما سبق.

حرف الياء

يتيب : بالفتح ثم كسر المثناة فوق ثم مثناة تحت ثم موحدة ، جبل له ذكر في حدود الحرم ، وفي نزول أبي سفيان به حين حرق صورا من صيران العريص كذا قاله المجد ، وسبق في حدود الحرم ما يخالفه في الضبط.

١٦٤

يثرب : تقدم في أسماء المدينة ، وقال ابن زبالة : يثرب أم قرى المدينة ، وهي ما بين طرف قناة إلى طرف الجرف ، أي هذا حدها من المشرق والمغرب وما بين المال الذي يقال له البرني إلى زبالة أي من الشام والقبلية ، وفي شامي الموضع المعروف اليوم بيثرب نخل يعرف بالمال ، وزبالة تقدم بيانها.

ذو يدوم : من أودية العقيق.

يديع : بالفتح وكسر الدال المهملة ومثناة تحتية ثم عين مهملة ، ناحية بين فدك وخيبر ، بها مياه وعيون لفزارة وغيرهم.

يراجم : غدير ببطن قاع النقيع في صير الجبل نصيف روى الزبير أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ من غدير يراجم بالنقيع وقال : إنكم ببقعة مباركة ، وقال تبع الملك :

ولقد شربت على يراجم شربة

كادت بباقية الحياة تذيع

يرعة : محركة والعين مهملة ، في ديار فزارة ، بين ثوابة والحراضة.

يلبن : بالفتح ثم السكون ثم موحدة مفتوحة ثم نون ، غدير بنقيع الحمى في صير ، وقال ابن السكيت : هو قلت (١) عظيم بالنقيع من حرة سليم ، قال الهجري : ويقول الفصحاء فيه «ألبن» بهمزة بدال الياء و «يلبن» بالياء ، وقال المجد : هو جبل قرب المدينة ، وقيل : غدير بها.

اليسيرة : بئر بني أمية بن زيد ، تقدمت في الآبار.

يليل : بياءين مفتوحتين بينهما لام وآخره لام ، واد بناحية ينبع والصفراء ، يصب في البحر ، وبه عين كبيرة تخرج من جوف رمل من أغزر ما يكون من العيون ، وتجري في الرمل فلا يستطيعون الزراعة عليها إلا في أحياء الرمل ، وبها نخل وبقول ، وتسمى النجير ، ويتلوها الجار ، وهو على شاطئ من النجير ، قاله عرام.

وفي غزوة بدر أن قريشا نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل ويليل بين بدر وبين العقنقل ، فيليل هذا غير يليل السابق ذكره في الخلائق ؛ لأن ذاك عند الضبوعة ، ومن مجتمعها تخرج إلى فرش ملل.

وروي برجال وثقوا عن سبرة بن معبد قال : رأى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سحابة ، فقالوا : يا رسول الله كنا نرجو أن تمطرنا هذه السحابة ، فقال : إن هذه أمرت أن تمطر بيليل ، يعني واديا يقال له يليل.

__________________

(١) القلت : النقرة في أرض أو بدن.

١٦٥

ينبع : بالفتح ثم السكون وضم الموحدة وإهمال العين مضارع «نبع الماء» أي : ظهر ، من نواحي المدينة على أربعة أيام منها ، وإنما أفردت عنها في الأعصر الأخيرة ، سميت به لكثرة ينابيعها ، قال بعضهم : عددت بها مائة وسبعين عينا.

ولما أشرف عليها علي رضي الله تعالى عنه ونظر إلى جبالها قال : لقد وضعت على نقي من الماء عظيم ، وسكانها جهينة وبنو ليث والأنصار ، وهي اليوم لبني حسن العلويين.

وروى ابن شبة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أقطع عليا بينبع ، ثم اشترى عليّ إلى قطيعة عمر شيئا.

وروى أيضا عن كشد بن مالك الجهني قال : نزل طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عليّ بالمنحار وهو موضع بين حوزة السفلى وبين منحوين على طريق تجار الشام يرقبان عير أبي سفيان ، فأجازهما كشد ، فلما أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ينبع أقطعها لكشد ، فقال : إني كبير ، ولكن أقطعها لابن أخي ، فأقطعها له ، فابتاعها منه عبد الرحمن بن سعد الأنصاري بثلاثين ألف درهم ، فخرج عبد الرحمن إليها وأصابه صافيها وربحها ، فقدرها ، وأقبل راجعا ، فلحق علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه دون ينبع ، فقال : من أين جئت؟ فقال : من ينبع ، وقد سئمتها ، فهل لك أن تبتاعها؟ قال علي : قد أخذتها بالثمن ، قال : هي لك ، فكان أول شيء عمله علي فيها البغيبغة.

وعن عمار بن ياسر قال : أقطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا بذي العشيرة من ينبع ، ثم أقطعه عمر بعد ما استخلف قطيعة ، واشترى عليّ إليها قطيعة ، وكانت أموال علي بينبع عيونا متفرقة تصدق بها.

وروى أحمد بن الضحاك أن أبا فضالة خرج عائدا لعلي بينبع ، وكان مريضا ، فقال له : ما يسكنك هذا المنزل؟ لو هلكت لم يلك إلا الأعراب أعراب جهينة ، فاحتمل إلى المدينة فإن أصابك قدر وليك أصحابك ، فقال علي : إني لست بميت من وجعي هذا ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إليّ أن لا أموت حتى أضرب ثم تخضب هذه يعني لحيته من هذه ، يعني هامته.

يهيق : موضع قرب المدينة ، قال المجد : لم أر من تعرض له ، وفي الحديث «ليوشكن أن يبلغ بنيانهم سيفا» يعني أهل المدينة.

يين : بياءين مفتوحة ثم ساكنة ثم نون ، وليس في كلامهم ما فاؤه وعينه ياء غيره ، وضبطه الصغاني بفتح الياءين.

قال نصر : يين واد به عين من أعراض المدينة ، على بريد منها ، وهي منازل أسلم من خزاعة.

١٦٦

وقال الزمخشري : يين عين بواد يقال له حورتان ، لبني زيد الموسوي من بني الحسن.

وفي سر الصناعة : يين واد بين ضاحك وضويحك ، جبلان بأسفل الفرش.

قلت : وسيلهما يصب في حورتين ، فلا تخالف ، وأثر العين والقرية اليوم موجود هناك ، وكان بها فواكه كثيرة ، حتى نقل الهجري أن يين بلد فاكهة المدينة ، وكانت تعرف من قريب بقرية بني زيد ، فوقع بينهم وبين بني يزيد حروب ، فجلا بنو زيد عنها إلى الصفراء ، وبنو يزيد إلى الفرع ، فخربت ، وكانت منازل بني أسلم قديما.

وعن أسماء بن خارجة الأسلمي قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم عاشوراء ، فقال : أصمت اليوم يا أسماء؟ فقلت : لا ، قال : فصم ، قلت : قد تغديت ، قال : صم ما بقي من يومك ، وأمر قومك يصومونه ، قال : فأخذت نعلي بيدي فما دخلت رجلي حتى وردت يين على قومي ، فقلت : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمركم أن تصوموا بقية يومكم.

وفي حديث أهبان الأسلمي ثم الخزاعي أنه كان يسكن يين ، فبينما هو يرعى بحرة الوبرة عدا الذئب على غنمه ، الحديث.

وقال ابن هرمة :

أدار سليمي بين يين فمثعر

أبيني ، فما استخبرت إلا لتخبري

ومحجة يين طريق درب الفقرة التي في شامي الجمّاوات : لأن يين على يمين طريق مكة قرب ملل ، وقال الهجري : قال أبو الحسن : عبود جبل بين مدفع مريين وبين ملل ومريين طريق ، أي يسلك هناك ويريد مريين بطريق عبود. وقال ابن إسحاق ، في المسير إلى بدر : ثم مر على تربان ، ثم على ملل ، ثم علي عميس الحمام من مريين ثم علي صخيرات الثمام ، ويين أيضا : بئر بوادي بوادي عياش ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

١٦٧

الباب الثامن

في زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم

وفيه أربعة فصول

الفصل الأول

في الأحاديث الواردة في الزيارة نصّا

الحديث الأول

روى الدار قطني والبيهقي وغيرهما ، قال الدار قطني : حدثنا القاضي المحاملي ، حدثنا عبيد بن محمد الوراق ، حدثنا موسى بن هلال العبدي ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

قال السبكي : كذا في عدة نسخ معتمدة من سنن الدار قطني عبيد الله مصغرا ، وكذلك الدار قطني في غير السنن ، واتفقت رواياته من طريق محمد بن أحمد بن محمد ومحمد بن عبد الملك بن بشران وأبي النعمان تراب بن عبيد كلهم عن الدار قطني عن المحاملي علي عبيد الله مصغرا ، ورواه غير الدار قطني عن غير المحاملي كما رواه البيهقي من طريق محمد بن رنجويه القشيري ، قال : حدثنا عبيد بن محمد بن القاسم بن أبي مريم الوراق ، حدثنا موسى بن هلال العبدي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، الحديث ؛ فثبت عن عبيد بن محمد وهو ثقة روايته على التصغير ، ورواه جماعة غيره عن موسى بن هلال منهم جعفر بن محمد البزوري حدثنا محمد بن هلال البصري عن عبيد الله مصغرا رواه العقيلي ومنهم محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، واختلف عليه ؛ فروي عنه مصغرا كغيره ، وروي عنه مكبرا ، ومرّض ذلك الحافظ يحيى بن علي القرشي ، وصوب التصغير ، وفي تاريخ ابن عساكر بخط البرزالي : لمحفوظ عن ابن سمرة «عبيد الله» وفي كامل ابن عدي «عبد الله أصح» قال السبكي : وفيه نظر ، والذي يترجح «عبيد الله» لتضافر روايات عبيد بن محمد كلها وبعض روايات ابن سمرة ، ولما سيأتي في الحديث الثالث من متابعة مسلمة الجهني لموسى بن هلال ، ويحتمل أن موسى سمع الحديث من عبيد الله وعبد الله جميعا ، وحدث به عن هذا تارة وعن هذا أخرى. وممن رواه عن موسى عن عبد الله مكبرا الفضل بن سهل ؛ فإن صح حمل على أنه عنهما ، إذ لا منافاة ، على أن المكبر روى له مسلم مقرونا بغيره ، وقال

١٦٨

أحمد : صالح ، وقال أبو حاتم : رأيت أحمد بن حنبل يحسن الثناء عليه ، وقال يحيى بن معين : ليس به بأس ، يكتب حديثه ، وقال : إنه في نافع صالح ، وقال ابن عدي : لا بأس به ، صدوق. وقال ابن حبان ما حاصله : إن الكلام عليه لكثرة غلطه لغلبة الصلاح عليه ، حتى غلب عن ضبط الأخبار.

قال السبكي : وهذا الحديث ليس في مظنة الالتباس عليه ، لا سندا ولا متنا ؛ لأنه في نافع ، وهو خصيص به ، ومتنه في غاية القصر والوضوح ، والرواة إلى موسى بن هلال ثقات ، وموسى قال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وقد روى عنه ستة منهم الإمام أحمد ، ولم يكن يروي إلا عن ثقة ، فلا يضره قول أبي حاتم الرازي : إنه مجهول ، وقول العقيلي : لا يتابع عليه ، وقول البيهقي : سواء قال عبيد الله أم عبد الله فهو منكر عن نافع ، لم يأت به غيره ، فهذا وشبهه يدلك على أنه لا علة لهذا الحديث إلا تفرد موسى به ، وأنهم لم يحتملوه له لخفاء حاله ، وإلا فكم من ثقة ينفرد بأشياء وتقبل منه.

قلت : ولهذا قال بعض الحفاظ ممن هو في طبقة ابن منده : هذا الخبر رواه عن موسى بن هلال محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، ومحمد بن جابر المحاربي ، ويوسف بن موسى القطان ، وهرون بن سفيان ، والفضل بن سهل ، والعباس بن الفضل ، وعبيد بن محمد الوراق ، وبعض هؤلاء قال في حديثه : عن عبيد الله بن عمر ، ذكرناه بأسانيده في الكتاب الكبير ، ولا نعلم رواه عن نافع إلا العمري ، ولا عنه إلا موسى بن هلال العبدي ، تفرد به ، انتهى.

قال السبكي عقب ما تقدم : وأما بعد قول ابن عدي في موسى ما قال ووجود متابع فإنه يتعين قبوله ، ولذلك ذكره عبد الحق في الأحكام الوسطى والصغرى ، وسكت عليه مع قوله في الصغرى «إنه تخيرها صحيحة الإسناد ، معروفة عند النقاد» وقد نقلها الأثبات ، وتداولها الثقات ، وذكر نحوه في الوسطى المعروفة اليوم بالكبرى ، وسبقه ابن السكن إلى تصحيح الحديث الثالث كما سيأتي ، وهو متضمن لمعنى هذا ، وأقل درجات هذا الحديث الحسن إن نوزع في صحته لما سيأتي من شواهده ، وتضافر الأحاديث يزيدها قوة ، حتى إن الحسن قد يترقى بذلك إلى درجة الصحيح.

وقال الذهبي : طرق هذا الحديث كلها لينة يقوى بعضها بعضا ؛ لأنه ما في رواتها متهم بالكذب ، قال : ومن أجودها إسنادا حديث حاطب «من رآني بعد موتي فكأنما رآني في حياتي» أخرجه ابن عساكر وغيره ، انتهى.

ومعنى قوله «وجبت» أنها ثابتة لا بد منها بالوعد الصادق.

١٦٩

وقوله «له» إما أن يراد بخصوصه فيخص الزائر بشفاعة لا تحصل لغيره ، وإما أن يراد أنه تفرد بشفاعة مما يحصل لغيره ، والإفراد للتشريف والتنويه بسبب الزيارة ، وإما أن يراد أنه بعدم تركه الزيارة يجب دخوله فيمن تناله الشفاعة ؛ فهو بشرى بموته مسلما ، فيجري على عمومه ، ولا يضم فيه شرط الوفاة على الإسلام ، بخلافه على الأولين.

وقوله «شفاعتي» في هذه الإضافة تشريف ، فإن الملائكة والأنبياء والمؤمنين يشفعون ، والزائر له نسبة خاصة فيشفع هو فيه بنفسه ، والشفاعة تعظم بعظم الشافع.

الحديث الثاني

روى البزار من طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري : حدثنا عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من زار قبري حلّت له شفاعتي».

قال البزار : عبد الله بن إبراهيم حدث بأحاديث لم يتابع عليها ، وإنما يكتب من حديثه ما لا يحفظ إلا عنه ، وقال أبو داود : إنه منكر الحديث.

قال السبكي : وهذا الحديث هو الأول ، ولذلك عزاه عبد الحق للدار قطني والبزار ، إلا أن في الأول «وجبت» وفي هذا «حلت» فلذلك أفردته ، والقصد تقوية الأول به ، فلا يضره ما قيل في الغفاري ، وكذا ما قيل في عبد الرحمن بن زيد ، إذ ليس راجعا إلى تهمة كذب ولا فسق ، ومثله يحتمل في المتابعات والشواهد ، وقد روى الترمذي وابن ماجه لعبد الرحمن بن زيد ، وقال ابن عدي : إن له أحاديث حسانا ، وإنه ممن احتمله الناس وصدقه بعضهم ، وإنه ممن يكتب حديثه ، وصحح الحاكم حديثا من جهته في التوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

الحديث الثالث

روى الطبراني في الكبير والأوسط ، والدار قطني في أماليه ، وأبو بكر بن المقرئ في معجمه ، من رواية مسلمة بن سالم الجهني قال : حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من جاءني زائرا لا تحمله حاجة إلا زيارتي كان حقّا عليّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة» وفي معجم ابن المقرئ عن مسلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من جاءني زائرا كان له حقا على اللهعزوجل أن أكون له شفيعا يوم القيامة» فقد تابع مسلمة الجهني موسى بن هلال في شيخه عبيد الله العمري ، والطرق كلها في روايته متفقة على عبيد الله المصغر الثقة ، إلا أن مسلمة بن حاتم

١٧٠

الأنصاري رواه عن مسلمة عن عبد الله مكبرا ، وأورد الحافظ ابن السكن هذا الحديث في باب «ثواب من زار قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم » من كتابه المسمى بالسنن الصحاح المأثورة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو إمام حافظ ثقة مات بمصر سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، وكتابه هذا محذوف الأسانيد ، ومقتضى ما شرطه في خطبته أن يكون هذا الحديث مما أجمع على صحته.

قلت : ولهذا نقل عنه جماعة منهم الحافظ زين الدين العراقي أنه صححه ، فإما أن يكون ثبت عنده من غير طريق مسلمة أو أنه ارتقى إلى ذلك بكثرة الطرق ، وتبويبه دال على أنه فهم من هذا الحديث الزيارة بعد الموت ، أو أن ما بعد الموت داخل في العموم ، قال السبكي : وهو صحيح.

الحديث الرابع

روى الدار قطني ، والطبراني في الكبير والأوسط ، وغيرهما من طريق حفص بن داود القارئ عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي».

ورواه ابن الجوزي في «مثير الغرام الساكن» من طريق الحسن بن الطيب : حدثنا علي بن حجر حدثنا حفص بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي وصحبه» قال أبو اليمن بن عساكر : تفرد بقوله «وصحبتي» الحسن بن الطيب عن علي بن حجر ، وفيه نظر ، وهي زيادة منكرة ، قال السبكي : ولم ينفرد بها ابن الطيب ؛ فقد رواه كذلك ابن عدي في كامله من طريق الحسن بن سفيان عن علي بن حجر بالسند المتقدم ، ورواه أبو يعلى من طريق حفص بن سليمان عن كثير بن شنطير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر بدون قوله «وصحبني».

قلت : والتشبيه بمن صحبني لا يقتضي التشبيه به من كل وجه حتى يناقضه قوله «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا الحديث» كما زعمه بعضهم.

وروى بعض الحفاظ المعاصرين لابن منده هذا الحديث من طريق حفص بن سليمان عن ليث بلفظ «من حج فزارني في حياتي» قال السبكي : وحفص بن أبي داود وثّقه أحمد ، ثم روى ذلك عنه من طريقين ، قال : وذلك مقدم على من روى عنه تضعيفه ، وضعفه جماعة ، وهم حفص بن سليمان القارئ الغاضري على ما قاله البخاري وابن أبي حاتم وابن عدي وابن حبان وغيرهم ، وهو لم ينفرد بهذا الحديث ، ودعوى البيهقي انفراده به

١٧١

بحسب اطلاعه ؛ فقد جاء في الكبير والأوسط للطبراني متابعته ؛ فإنه رواه من طريق عائشة بنت يونس امرأة الليث عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي» قال الهيتمي : فيه عائشة بنت يونس ، ولم أجد من ترجمها.

الحديث الخامس

روى ابن عدي في الكامل من طريق محمد بن محمد بن النعمان حدثني جدي قال : حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني» قاله ابن عدي : ولا أعلم رواه عن مالك غير النعمان بن شبل ، ولم أر في أحاديثه حديثا غريبا قد جاوز الحد فأذكره ، وروى في صدر ترجمته عن عمران بن موسى أنه وثقه وعن موسى بن هارون أنه متهم ، قال السبكي : هذه التهمة غير مفسدة ، فالحكم بالتوثيق مقدم عليها ، والحديث ذكره الدار قطني في غرائب مالك بالسند المتقدم وقال : تفرد به هذا الشيخ وهو منكر ، والظاهر أن ذلك بحسب تفرده ، وعدم احتماله له بالنسبة إلى الإسناد المذكور ، ولا يلزم أن يكون المتن في نفسه منكرا ولا موضوعا ، وذكر ابن الجوزي له في الموضوعات سرف منه.

الحديث السادس

روى الدار قطني في السنن في الكلام على حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «من استطاع أن يموت في المدينة فليفعل» من طريق موسى بن هارون عن محمد بن الحسن الجيلي عن عبد الرحمن بن المبارك عن عون بن موسى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني إلى المدينة كنت له شهيدا وشفيعا» قيل للجيلي : إنما هو سفيان بن موسى ، قال : اجعلوه علي بن موسى. قال موسى بن هارون : ورواه إبراهيم بن الحجاج عن وهيب عن أيوب عن نافع مرسلا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا أدري أسمعه إبراهيم بن الحجاج أولا؟

قلت : والصواب أنه من رواية سفيان بن موسى ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.

قيل : وأخطأ راويه في متنه ، والمعروف من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «من استطاع منكم أن يموت بالمدينة ـ الحديث» وفيه نظر.

الحديث السابع

روى أبو داود الطيالسي قال : حدثنا سوار بن ميمون أبو الجراح العبدي قال : حدثني رجل من آل عمر ، عن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «من

١٧٢

زار قبري أو قال من زارني ـ كنت له شفيعا ، أو شهيدا ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه اللهعزوجل في الآمنين يوم القيامة».

قال السبكي : سوّار بن ميمون روى عنه شعبة ، فدل على ثقته عنده ، فلم يبق من ينظر فيه إلا الرجل الذي من آل عمر ، والأمر فيه قريب ، لا سيما في هذه الطبقة التي هي طبقة التابعين.

الحديث الثامن

روى أبو جعفر العقيلي من رواية سوّار بن ميمون المتقدم عن رجل من آل الخطاب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين يوم القيامة» وفي رواية أخرى عن هارون بن قزعة عن رجل من آل الخطاب مرفوعا نحوه ، وزاد عقب قوله في جواري يوم القيامة «ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيدا ، أو شفيعا ، يوم القيامة» وقال في آخره «من الآمنين يوم القيامة» بدل «في الآمنين». وهارون بن قزعة ذكره ابن حبان في الثقات ، والعقيلي لم يذكر فيه أكثر من قول البخاري : إنه لا يتابع عليه ، فلم يبق فيه إلا الرجل المبهم وإرساله.

وقوله فيه «من آل الخطاب» يوافق قوله في رواية الطيالسي «من آل عمر» وقد أسنده الطيالسي عن عمر رضي الله تعالى عنه ، لكن البخاري لما ذكره في التاريخ قال : هارون بن قزعة عن رجل من ولد حاطب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من مات في أحد الحرمين» روى عنه ميمون بن سوار لا يتابع عليه ، وقال ابن حبان : إن هارون بن قزعة روى عن رجل من ولد حاطب المراسيل ، وعلى كلا التقديرين فهو مرسل جيد ، وسيأتي عن هارون بن قزعة أيضا مسندا بلفظ خر في الحديث التاسع ، قاله السبكي.

الحديث التاسع

روى الدار قطني وغيره من طريق هارون بن قزعة عن رجل من آل حاطب عن حاطب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة» وفي رواية أحمد بن مروان صاحب المجالسة عن هارون بن أبي قزعة مولى حاطب عن حاطب ، والرواية «عن رجل عن حاطب» كما سبق أولى الصواب.

الحديث العاشر

روى أبو الفتح الأزدي في الثاني من فوائده من طريق عمار بن محمد : حدثني خالي سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللهرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله

١٧٣

صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حج حجة الإسلام ، وزار قبري ، وغزا غزوة ، وصلى في بيت المقدس ، لم يسأله اللهعزوجل فيما افترض عليه».

قال السبكي : وعمار هو ابن أخت سفيان ، روى له مسلم والحسن بن عثمان الزيادي ، ووثقه الخطيب ، والراوي عنه ما علمت من حاله شيئا. وصاحب الخبر أبو الفتح من أهل العلم والفضل ، وكان حافظا ، ذكره الخطيب وابن السمعاني. وأثنى عليه محمد بن جعفر بن علان ، وقال أبو النجيب الأرموي : رأيت أهل الموصل يوهّنونه جدا ، وسئل البرقاني عنه ، فأشار إلى أنه كان ضعيفا ، وذكر غيره كلاما أشد من هذا الحديث.

الحديث الحادي عشر

روى أبو الفتوح سعيد بن محمد اليعقوبي في جزئه رواية إسماعيل المشهور بابن الأنباطي عنه قال فيه من طريق خالد بن يزيد : حدثنا عبد الله بن عمر العمري قال : سمعت سعيدا المقبري يقول : سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حيّ ، ومن زارني كنت له شهيدا ، أو شفيعا ، يوم القيامة».

وخالد بن يزيد إن كان العمري فقد قال ابن حبان : إنه منكر الحديث.

الحديث الثاني عشر

روى ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن أبي فديك عن سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من زارني بالمدينة كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة» وفي رواية «كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» ورواه البيهقي بهذا الطريق ، ولفظه «من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ، ومن زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة».

وإسماعيل مجمع عليه ، وسليمان ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال أبو حاتم : إنه منكر الحديث ليس بقوى.

قلت : وزعم ابن عبد الهادي أن روايته عن أنس منقطعة ، وأنه لم يدركه ، فإنه إنما يروى عن التابعين وأتباعهم.

الحديث الثالث عشر

روى ابن النجار في أخبار المدينة له ، قال : أنبأنا أبو محمد بن علي أخبرنا أبو يعلى الأزدي أخبرنا أخبرنا أبو إسحاق البجلي أخبرنا أبو سعيد بن أبي سعيد النيسابوري أخبرنا إبراهيم بن محمد المؤدب حدثنا محمد بن محمد حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا جعفر بن

١٧٤

هارون حدثنا سمعان بن المهدي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني ميتا فكأنما زارني حيا ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر».

قلت : لم يتكلم عليه السبكي ، وقال الذهبي : سمعان بن مهدي عن أنس لا يعرف ، ألصقت به نسخة مكذوبة ، رأيتها ، قبح الله من وضعها ، انتهى.

قال الحافظ ابن حجر : وهي من رواية محمد بن مقاتل عن جعفر بن هارون الواسطي عن سمعان ، وهي أكثر من ثلاثمائة حديث ، أكثر متونها موضوعة ، انتهى.

الحديث الرابع عشر

روى أبو جعفر العقيلي في الضعفاء في ترجمة فضالة بن سعيد بن زميل المازني من طريقه عن محمد بن يحيى المازني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي ، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا ، أو قال شفيعا» وذكره ابن عساكر من جهته بإسناده إلا أنه قال «من رآني في المنام كان كمن رآني في حياتي» والباقي سواء.

وفضالة قال العقيلي : حديثه غير محفوظ ، لا يعرف إلا به ، قال السبكي : كذا رأيته في كتاب العقيلي. ونقل ابن عساكر عنه أنه قال : لا يتابع على حديثه من جهة تثبت ، ولا يعرف إلا به. ومحمد بن يحيى المازني قال ابن عدي : أحاديثه مظلمة منكرة ، ولم يذكر ابن عدي هذا الحديث في أحاديثه ، ولم يذكر فيه ولا العقيلي في فضالة شيئا من الجرح سوى التفرد والنكارة.

الحديث الخامس عشر

روى بعض الحفاظ في زمن ابن منده قال : حدثنا أبو الحسن حامد بن حماد بن المبارك بسرّمن رأى بنصيبين حدثنا أبو أيوب إسحاق بن يسار بن محمد النصيبي حدثنا أسيد بن زيد حدثنا عيسى بن بشير عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان» وهو في مسند الفردوس ، ولم يذكره السبكي.

وأسيد بن زيد هو الجمال ، قال الحافظ ابن حجر : هو ضعيف ، أفرط ابن معين فكذبه ، وله في البخاري حديث واحد معروف بغيره ، انتهى ، فهو ممن يستشهد به. وعيسى بن بشير : مجهول ، ومن بعده ثقة.

١٧٥

الحديث السادس عشر

روى يحيى بن الحسن بن جعفر الحسيني في أخبار المدينة له من طريق النعمان بن شبل قال : حدثنا محمد بن الفضل مديني سنة ست وسبعين عن جابر عن محمد بن علي عن علي رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن لم يزرني فقد جفاني» ولم يتكلم السبكي عليه.

والنعمان بن شبل : تقدم الكلام عليه في الحديث الخامس ، وعن محمد بن الفضل قال : إنه مديني ، فهو غير محمد بن الفضل بن عطية الذي كذبوه ، خلاف قول ابن عبد الهادي إنه هو ؛ لأن ذاك كوفي ، ويقال : مروزي نزل بخارى. وجابر إن كان الجعفي كما قال ابن عبد الهادي فهو ضعيف ، فيه كلام كثير وثقة شعبة والثوري. ومحمد بن علي إن كان أبا جعفر الباقر فالسند منقطع ؛ لأنه لم يدرك جده علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، وإن كان ابن الحنفية فقد أدرك أباه عليا ، وقد قال أبو سعيد عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الجركوسي في شرف المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم : روى عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن لم يزر قبري فقد جفاني». وعبد الملك هذا توفي سنة ست وأربعمائة بنيسابور ، وقبره فيها مشهور يزار ، قاله السبكي ، قال : وقد روى حديث علي من طريق أخرى ليس فيها تصريح بالرفع ، ذكرها ابن عساكر من طريق عبد الملك بن هرون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي رضي الله تعالى عنه قال : من سأل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الدرجة والوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة ، ومن زار قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان في جوار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعبد الملك بن هارون بن عنترة فيه كلام كثير ، رماه يحيى بن معين وابن حبان ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال أحمد : ضعيف الحديث ، اه.

قلت : وقد رأيت في نسخة من كتاب يحيى رواية ابنه طاهر بن يحيى عنه عقب حديث عليّ المتقدم ما لفظه : حدثنا أبو يحيى محمد بن الفصل بن نباتة النميري قال : حدثنا الجمالي قال : حدثنا الثوري عن عبد الله بن السائب عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مثله ، اه. ولم أر ذلك في النسخة التي هي رواية ابن ابنه الحسين بن محمد بن يحيى عن جده يحيى.

الحديث السابع عشر

روى يحيى أيضا قال : حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا عبد الله بن وهب عن رجل عن

١٧٦

بكر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من أتى المدينة زائرا لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، ومن مات في أحد الحرمين بعث آمنا» ولم يتكلم عليه السبكي.

ومحمد بن يعقوب هو أبو عمر الزبيري المدني ، صدوق. وعبد الله بن وهب ثقة ، ففيه الرجل المبهم. وبكر بن عبد الله إن كان المزني فهو تابعي جليل ؛ فيكون مرسلا ، وإن كان هو بكر بن عبد الله بن الربيع الأنصاري فهو صحابي.

الفصل الثاني

في بقية أدلة الزيارة ، وإن لم تتضمّن لفظ الزيارة نصّا

وبيان تأكد مشروعيتها وقربها من درجة الوجوب ، حتى أطلقه بعضهم عليها ، وبيان حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قبره ، ومشروعية شدّ الرحال إليه ، وصحة نذر زيارتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والاستئجار للسلام عليه.

روى أبو داود بسند صحيح كما قال السبكي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من أحد يسلم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أردعليه‌السلام » وقد صدّر به البيهقي باب زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، واعتمد عليه جماعة من الأئمة فيها منهم الإمام أحمد ، قال السبكي : وهو اعتماد صحيح ؛ لتضمنه فضيلة رد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهي عظيمة.

وذكر ابن قدامة الحديث من رواية أحمد بلفظ «ما من أحد يسلّم عليّ عند قبري» فإن ثبت فهو صريح في تخصيص هذه الفضيلة بالمسلم عند القبر ، وإلا فالمسلّم عند القبر امتاز بالمواجهة بالخطاب ابتداء وجوابا ، ففيه فضيلة زائدة على الرد على الغائب ، مع أن السلام عليه صلى الله تعالى عليه وسلم على نوعين : الأول ما يقصد الدعاء منا بالتسليم عليه من الله ، سواء كان بلفظ الغيبة أو الحضور ، كقولنا : صلى الله تعالى عليه وسلم ، والصلاة والسلام عليك يا رسول الله ، سواء كان من الغائب عنه أو الحاضر عنده ، وهذا هو الذي قيل باختصاصه بهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الأمة ، حتى لا يسلم على غيره من الأمة إلا تبعا كالصلاة عليه ، فلا يقال : فلانعليه‌السلام . الثاني : ما يقصد به التحية كسلام الزائر إذا وصل إلى قبره ، وهو غير مختص ، بل يعم الأمة ، وهو مبتدع للرد على المسلم بنفسه أو برسوله فيحصل ذلك منهعليه‌السلام . وأما الأول فالله أعلم ، فإن ثبت امتاز الثاني بالقرب والخطاب ، وإلا فقد حرم من لم يزر هذه الفضيلة ، وهو مقتضي ما فسر به الحديث الإمام الجليل أبو عبد الرحمن عبد الله بن زيد المقبري أحد أكابر شيوخ البخاري ، حيث قال في قوله «ما من أحد يسلم عليّ الحديث" : هذا في الزيارة إذا زارني فسلّم عليّ رد الله عليّ

١٧٧

روحي حتى أرد عليه ، وأما حديث «أتاني ملك فقال يا محمد أما يرضيك أن لا يصلي عليه أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ، أو لا يسلم عليك إلا سلمت عليه عشرا ؛ فالظاهر أنه في السلام بالنوع الأول.

وروى النسائي وإسماعيل القاضي بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض يبلّغون من أمتي السلام ، وجاءت أحاديث أخرى في عرض الملك لصلاة الأمة وسلامها على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا في حق الغائب. وأما الحاضر عند القبر ، فهل يكون كذلك أو يسمعه صلى الله تعالى عليه وسلم بلا واسطة؟ فيه حديثان : أحدهما : «من صلى عليّ عند قبري سمعته ، ومن صلى علي نائيا بلّغته» رواه جماعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا من طريق أبي عبد الرحمن محمد بن مروان السدي الصغير ، وهو ضعيف. قال الطيالسي : حدثنا العلاء بن محمود حدثنا أبو عبد الرحمن قال البيهقي : أبو عبد الرحمن هذا هو محمد بن مروان السدي فيما أرى وفيه نظر ، انتهى. قلت : وروى نحوه أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان بن عبد الرحمن بن المرزبان الخلال من طريق أبي البحتري ، وهو ضعيف جدا ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «من صلى عليّ عند قبري رددت عليه ، ومن صلى علي في مكان آخر بلغونيه». والحديث الثاني وهو أضعف من الأول عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضا «من صلى علي عند قبري وكّل الله بها ملكا يبلغني ، وكفى أمر آخرته ، وكنت له شهيدا وشفيعا» وفي رواية «ما من عبد يسلم علي عند قبري إلا وكل الله بها ملكا يبلغني ، وكفى أمر آخرته ودنياه ، وكنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة» فإن ثبت الأول فكفى بذلك شرفا ، وإلا فهو مرجو ، فينبغي الحرص عليه ، قال السبكي : وسيأتي ما يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يسمع من يسلم عليه عند قبره ويرد عليه عالما بحضوره عند قبره. وكفى بهذا فضلا حقيقا بأن ينفق فيه ملك الدنيا حتى يتوصل إليه من أقطار الأرض.

قلت : روى عبد الحق في الأحكام الصغرى وقال : إسناده صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فيسلم عليه إلا عرفه ، وردعليه‌السلام » ورواه ابن عبد البر وصححه كما نقله ابن تيمية ، لكن بلفظ «ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا ردّ الله عليه روحه حتى يردعليه‌السلام » وقال عبد الحق في كتاب العاقبة : ويروى من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها «ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده

١٧٨

إلا استأنس به حتى يقوم» وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه ردعليه‌السلام وعرفه ، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه ردعليه‌السلام .

والآثار في هذا المعنى كثيرة ، وقد ذكر ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ـ كما نقه ابن عبد الهادي ـ أن الشهداء بل كل المؤمنين إذا زارهم المسلم وسلّم عليهم عرفوا به ، وردواعليه‌السلام ، فإذا كان هذا في آحاد المؤمنين فكيف بسيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟

وذكر البارزي في «توثيق عرى الإيمان» عن سليمان بن سحيم قال : رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم فقلت : يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال : وأرد عليهم.

وروى ابن النجار عن إبراهيم بن بشار ، قال : حججت في بعض السنين ، فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلمت عليه ، فسمعت من داخل الحجرة : وعليك السلام ، وقد نقل مثل ذلك عن جماعة من الأولياء والصالحين.

ولا شك في حياته صلى الله تعالى عليه وسلم بعد وفاته ، وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم حياة أكمل من حياة الشهداء التي أخبر الله تعالى بها في كتابه العزيز ، ونبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم سيد الشهداء ، وأعمال الشهداء في ميزانه ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم «علمي بعد وفاتي كعلمي في حياتي» رواه الحافظ المنذري.

وروى ابن عدي في كامله عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» ورواه أبو يعلى برجال ثقات ، ورواه البيهقي وصححه ، وروى من طريق ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ ـ عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال «إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ، ولكن يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور» قال البيهقي :وإن صح بهذا اللفظ فالمراد والله أعلم ـ لا يتركون لا يصلون إلا هذا المقدار ، ثم يكونوا مصلين فيما بين يدي الله تعالى.

قال البيهقي : ولحياة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ـ بعد موتهم شواهد من الأحاديث الصحيحة ، ثم ذكر حديث «مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره» وغيره من أحاديث لقاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الأنبياء وصلاته بهم ، وحديث الصحيحين «فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن

١٧٩

استثنى اللهعزوجل » قال البيهقي : وهذا إنما يصح على أن اللهعزوجل يردّ على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أرواحهم ، فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيمن صعق ، ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه ، إلا في ذهاب الاستشعار في تلك الحالة. ويقال : إن الشهداء ممن استثنى اللهعزوجل بقوله :( إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ) قال : وروينا في ذلك خبرا مرفوعا ، وذكر أيضا حديث أوس بن أوس مرفوعا «أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي» قالوا : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون بليت ، فقال «إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه ، وذكر البيهقي له شواهد ، ثم ذكر حديث «إن لله ملائكة سيّاحين يبلغون عن أمتي السلام» وغيره.

وروى ابن ماجه بإسناد جيد ـ كما قال المنذري ـ عن أبي الدرداء قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة ، وإن أحد يصلّي علي إلا عرضت عليّ صلاته حين يفرغ منها» قال : قلت : وبعد الموت؟ قال «وبعد الموت ، إن الله حرم عليّ الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» فنبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حي يرزق ، هذا لفظ ابن ماجه ، قال السبكي : وفي إسناده زيد بن أيمن عن عبادة بن نسئ ، إلا أنه بتقوى باعتضاده بغيره.

وروى البزار برجال الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن لله ملائكة سيّاحين يبلغونّي عن أمتي» قال : وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «حياتي خير لكم ، تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم ، تعرض علي أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم».

وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي في أجوبة مسائل الجاجرميين : قال المتكلمون المحققون من أصحابنا : إن نبينا محمداصلى‌الله‌عليه‌وسلم حي بعد وفاته ، يسرّ بطاعات أمته ، وإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يبلون ، وسيأتي في الفصل الثالث قول ابن حبيب :فإنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع ويعلم وقوفك بين يديه.

وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد ما قبضوا ردّت إليهم أرواحهم ؛ فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، وقد رأى نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة المعراج جماعة منهم ، قال : وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتابا.

قلت : ويؤيد ذلك حديث «إن عيسى ابن مريمعليه‌السلام مار بالمدينة حاجا أو معتمرا ، وإن سلم عليّ لأردّنّ عليه».

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

ابن زياد بحبسهما بعد أن شتم المختار ، واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه(١) .وبقيا في السجن إلى أن قتل الحسينعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٥ ص ٢١٥.

(٢) المصدر السابق.

٥٠١

الفصل الخامس عشر :

عزم الحسينعليه‌السلام على المسير إلى العراق

(ونصائح الأصحاب)

إضافة لما ورد في هذا الفصل ، تراجع في الفصول السابقة من هذا الباب (النصائح) المتعددة الموجهة للحسينعليه‌السلام ، وردّ الإمام على هذه النصائح ، ففيها لمحات من فلسفة نهضة الحسينعليه‌السلام ، وفيها الإجابة على تساؤلات كثيرة حول أسباب نهضته المباركة ومراميها البعيدة.

وقد بدأت النصائح من المدينة ، واستمرت أثناء إقامته في مكة.

٥٨٨ ـ أقسام الناصحين :

يمكن تقسيم الذين نصحوا الحسينعليه‌السلام بعدم المسير إلى نوعين :

١ ـ المشفقون : وهم الذين نصحوه من منطلق المحبة والخوف عليه ، ومنهم محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وعمر الأطرف والسيدة أم سلمة ، وعبد الله بن مطيع العدوي والمسوّر بن مخرمة وعمرو بن عبد الرحمن المخزومي وغيرهم.

٢ ـ المندّدون : وهم الذين أنكروا عليه خروجه ، ونصحوه من منطلق أنه مخطئ ولا يجوز له ذلك ، وهم غالبا من غير خطّ أهل البيتعليهم‌السلام ، منهم : عبد الله بن عمر وأبو واقد الليثي وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية وسعيد بن المسيّب ...وغيرهم.

وأما عبد الله بن الزبير ، فظاهره الإشفاق وباطنه غير ذلك.

٥٨٩ ـ الذين نصحوا الحسينعليه‌السلام كان الأولى بهم مناصرته :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٨ طبع حجر إيران)

يقول الفاضل الدربندي : ثم لا يخفى عليك أن علماء أهل الخلاف لو كانوا أخذوا طريق الإنصاف وتركوا الاعتساف ، وتتبعوا الأخبار وتفحصوا السير والآثار ، لعلموا أن ما ظنّ به ابن عمر وابن عباس من أن سيد الشهداءعليه‌السلام لو

٥٠٢

خرج إلى العراق لقتل فيه ، إنما كان منبعثا من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإخباره بشهادة ولده وريحانته في أرض العراق ، فإنه يقتله أشرار هذه الأمة ، فلا تنالهم شفاعته ، وأن أنصار ولده والمستشهدين بين يديه يكونون في أعلى درجات الجنان معه. فلو كان النصحاء من الكاملين المؤمنين ، لاختاروا نصرة ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتركوا النصيحة له. لأنه كما نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبر بشهادته مرارا متضافرة ، إخبارا منجّزا ، بأنه يخرج إلى العراق ويقتل ، وأنه قد شاء الله تعالى أن يراه مقتولا ، لا معلّقا بأنه لو خرج لقتل ؛ فكذا قد نصّ بأنه إمام مفترض الطاعة ، وحجة الله على جميع أهل السموات والأرضين بعد أبيه وأخيهعليه‌السلام .

٥٩٠ ـ شخوص الحسينعليه‌السلام إلى المدينة لزيارة قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٣٩)

قال أبو مخنف : لما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة انقطع خبرهما عن الحسينعليه‌السلام فقلق قلقا عظيما. فجمع أهله وأخبرهم بما حدّثته به نفسه. وأمرهم بالرحيل إلى المدينة ، فخرجوا سائرين بين يديه إلى المدينة حتى دخلوها.

٥٩١ ـ زيارة الحسينعليه‌السلام لقبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورؤياه :

(المصدر السابق)

فأتى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتزمه وبكى بكاء شديدا ، فهوّمت عيناه بالنوم [أي نام نوما خفيفا] فرأى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : يا ولدي الوحا الوحا العجل العجل ، فبادر إلينا فنحن مشتاقون إليك. فانتبه الحسينعليه‌السلام قلقا مشوقا إلى جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥٩٢ ـ زيارة الحسينعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ١٤١)

وجاء الحسينعليه‌السلام إلى أخيه محمّد بن الحنفية وهو عليل ، فحدّثه بما رأى وبكى. فقال له : يا أخي ماذا تريد أن تصنع؟. قال : أريد الرحيل إلى العراق ، فإني على قلق من أجل ابن عمي مسلم بن عقيل. فقال له محمّد بن الحنفية : سألتك بحق جدك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا تفارق حرم جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن لك فيه أعوانا كثيرة. فقال الحسينعليه‌السلام : لا بدّ من العراق. فقال محمّد بن الحنفية : إني والله ليحزنني فراقك ، وما أقعدني عن المسير معك إلا لأجل ما أجده من المرض

٥٠٣

الشديد ، فوالله يا أخي ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح. فوالله لا فرحت بعدك أبدا. ثم بكى بكاء شديدا حتّى غشي عليه. فلما أفاق من غشيته قال :يا أخي أستودعك الله من شهيد مظلوم.

وودعه الحسينعليه‌السلام ورجع إلى مكة.

٥٩٣ ـ عبد الله بن عمر يشير على الحسينعليه‌السلام بالخضوع ، والحسين يبيّن هوان الدنيا ، وأن الله سينتقم من قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٨٩)

روى بعض الثقات أن عبد الله بن عمر لما بلغه أن الحسينعليه‌السلام متوجه إلى العراق ، جاء إليه وأشار عليه بالطاعة والانقياد لابن زياد ، وحذّره من مشاقّة أهل العناد.

فقال له الحسينعليه‌السلام : يا عبد الله ، إنّ من هوان هذه الدنيا على الله ، أن رأس يحيى بن زكرياعليه‌السلام أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، فامتلأ به سرورا ، ولم يعجّل الله عليهم بالانتقام ، وعاشوا في الدنيا مغتبطين. ألم تعلم يا عبد الله أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يفعلوا شيئا ، ولم يعجّل الله عليهم بانتقام ، بل أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.

ثم قال : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرّها سليم. متواترة محنها ، متكاثرة فتنها.أعظم الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم المؤمنون ، ثم الأمثل بالأمثل.

٥٩٤ ـ خطبة الحسينعليه‌السلام قبيل خروجه من مكة إلى العراق :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٩٣)

ولما عزم الحسينعليه‌السلام على الخروج إلى العراق ، قام خطيبا فقال :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلّى الله على رسوله.

٥٠٤

خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف!. وخير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس(١) وكربلا ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا(٢) . لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس(٣) ، تقرّبهم عينه ، وينجز بهم وعده. ألا ومن كان فينا باذلا مهجته ، موطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى.

٥٩٥ ـ نصيحة عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي للحسينعليه‌السلام بالعدول عن المسير إلى العراق :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٥)

دخل عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي على الحسينعليه‌السلام وقد عزم على المسير إلى العراق ، فقال : يابن رسول الله أتيتك لحاجة أريد أن أذكرها لك ، وأنا غير غاشّ لك فيها ، فهل لك أن تسمعها؟. فقالعليه‌السلام : قل ما أحببت ، فقال : أنشدك الله يابن عم ألا تخرج إلى العراق ، فإنهم من قد عرفت ، وهم أصحاب أبيك ، وولاتهم عندهم ، وهم يجبون البلاد ، والناس عبيد المال ، ولا آمن أن يقاتلك من كتب إليك يستقدمك. فقال الحسينعليه‌السلام : سأنظر فيما قلت ، وقد علمت أنك أشرت بنصح ، ومهما يقض الله من أمر فهو كائن البتة ، أخذت برأيك أم تركت.

__________________

(١) النواويس : أرض تقع شمال غربي كربلاء. والنواويس جمع ناووس : وهو من القبر ما سدّ لحده. وكانت بها مجموعة مقابر للنصارى والأنباط ، واليوم يقال لها أراضي الجمالية.وقيل : إنها في المكان الّذي فيه مزار الحر بن يزيد الرياحي. وعسلان الفلوات : ذئابها.والأوصال : الأعضاء.

(٢) الأكراش : جمع كرش. وجوفا : أي واسعة. والأجربة : الأوعية. والسّغب : الجائعة.وهذا الكلام كناية عن قتلهعليه‌السلام ونبذه بالعراء وتركه عرضة لما ذكر. والمعنى هنا مجازي ، إذ أن جسم المعصوم لا تقربه الوحوش ولا تمسّه بسوء. والمعنى أنهعليه‌السلام ستقتله عصابة وتسلبه ، وتوزّع أهله وتسبي نساءه وأولاده ، عصابة هي أشبه ما تكون بذئاب الفلوات الجائعة ، تقطّع أوصال القتيل وتبعثر أعضاءه. وكنّىعليه‌السلام عن أهله وأولاده بالأوصال ، لأن صلتها به تنقطع بوفاته.

(٣) حظيرة القدس : الجنة.

٥٠٥

فانصرف عنه عمر بن عبد الرحمن وهو يقول :

ربّ مستنصح سيعصى ويؤذى

ونصيح بالغيب يلفى نصيحا

وفي رواية (مثير الأحزان) لابن نما الحلي ، ص ٢٧ :

كم ترى ناصحا يقول فيعصى

وظنين المغيب يلفى نصيحا

٥٩٦ ـ نصيحة المسوّر بن مخرمة :(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢٠٢)

وكتب إليه المسوّر بن مخرمة : إياك أن تغترّ بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن الزبير : الحق بهم فإنهم ناصروك. إياك أن تبرح الحرم ، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة ، فسيضربون إليك آباط الإبل حتّى يوافوك ، فتخرج في قوة وعدّة.

فجزاه الحسينعليه‌السلام خيرا ، وقال : أستخير الله في ذلك.

٥٩٧ ـ كتاب عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية :

(تاريخ ابن عساكر ، بعد الحديث ٦٥٣ ، ص ١٩٨)

كتبت إلى الحسينعليه‌السلام عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه : أشهد لحدّثتني عائشة أنها سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يقتل حسين بأرض بابل».

فلما قرأعليه‌السلام كتابها ، قال : فلا بدّ لي إذا من مصرعي ، ومضى.

٥٩٨ ـ عبد الله بن الزبير يحمّس الحسينعليه‌السلام على الخروج إلى العراق ليصفو له الجو :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)

قال الخوارزمي : ثم أقبل عبد الله بن الزبير فسلّم على الحسينعليه‌السلام وجلس ساعة. ثم قال : أما والله يابن رسول الله ، لو كان لي بالعراق مثل شيعتك لما أقمت بمكة يوما واحدا ، ولو أنك أقمت بالحجاز ما خالفك أحد ، فعلى ماذا نعطي هؤلاء الدنيّة ونطمعهم في حقنا ، ونحن أبناء المهاجرين ، وهم أبناء المنافقين؟!.

قال : وكان هذا الكلام مكرا من ابن الزبير ، لأنه لا يحب أن يكون بالحجاز أحد يناويه. فسكت الحسينعليه‌السلام وعلم ما يريد.

٥٩٩ ـ كتاب عبد الله بن جعفر الطيار للحسينعليه‌السلام من المدينة يطلب منه عدم التعجل بالمسير إلى العراق :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)

٥٠٦

وبعث عبد الله بن جعفر كتابا مع ابنيه محمّد وعون من المدينة هذا نصه :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن علي ، من عبد الله بن جعفر. أما بعد فإني أنشدك الله ألا تخرج من مكة ، فإني خائف عليك من هذا الأمر الّذي قد أزمعت عليه ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، فإنك إن قتلت خفت أن يطفأ نور الله ، فأنت علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين. فلا تعجل بالمسير إلى العراق(١) فإني آخذ لك الأمان من يزيد ، ومن جميع بني أمية لنفسك ولمالك وأولادك وأهلك ، والسلام.

فكتب إليه الحسينعليه‌السلام : أما بعد ، فإن كتابك ورد عليّ ، فقرأته وفهمت ما فيه. اعلم أني رأيت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي ، فأخبرني بأمر

أنا ماض له ، كان لي الأمر أو عليّ ، فو الله يابن عم لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني حتّى يقتلوني. وو الله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في يوم السبت ، والسلام(٢) .

٦٠٠ ـ كتاب عمرو بن سعيد بن العاص(٣) من المدينة للحسينعليه‌السلام يعيذه فيه من الشقاق ويدعوه إلى المدينة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٨)

وكتب عمرو بن سعيد بن العاص والي الحجاز إلى الحسينعليه‌السلام من المدينة :أما بعد ، فقد بلغني أنك قد عزمت على الخروج إلى العراق ، ولقد علمت ما نزل بابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته ، وأنا أعيذك بالله تعالى من الشقاق ، فإني خائف عليك منه ، ولقد بعثت إليك بأخي (يحيى بن سعيد) فأقبل إليّ معه ، فلك عندنا الأمان والصلة ، والبر والاحسان ، وحسن الجوار ، والله بذلك عليّ شهيد ووكيل وراع وكفيل ، والسلام.

فكتب الحسينعليه‌السلام : أما بعد فإنه لم يشاقّ من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. وقد دعوتني إلى البر والإحسان ، وخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا. ونحن نسأله لك ولنا في هذه الدنيا

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٩٦.

(٢) المناقب لابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٤٥ طبع نجف.

(٣) كان عمرو بن سعيد بن العاص والي مكة ، والوليد بن عتبة والي المدينة ، فلما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله عن المدينة وولاها عمرو بن سعيد بن العاص إضافة لمكة ، فقدمها في شهر رمضان من سنة ٦٠ ه‍.

٥٠٧

عملا يرضى لنا يوم القيامة. فإن كنت بكتابك هذا إليّ أردت برّي وصلتي ، فجزيت بذلك خيرا في الدنيا والآخرة ، والسلام.

٦٠١ ـ كتاب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس بمكة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط ٢ نجف)

قال الواقدي : ولما نزل الحسينعليه‌السلام مكة ، كتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس :

أما بعد ، فإن ابن عمك حسينا ، وعدوّ الله ابن الزبير ، التويا ببيعتي ولحقا بمكة ، مرصدين للفتنة ، معرّضين أنفسهما للهلكة.

فأما ابن الزبير ، فإنه صريع الفنا ، وقتيل السيف غدا.

وأما الحسين ، فقد أحببت الإعذار إليكم أهل البيت مما كان منه. وقد بلغني أن رجالا من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ، ويمنّونه الخلافة ويمنّيهم الإمرة. وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام. وقد قطع ذلك الحسين وبتّه ، وأنت زعيم أهل بيتك وسيد أهل بلادك. فالقه فاردده عن السعي في الفرقة ، وردّ هذه الأمة عن الفتنة ، فإن قبل منك وأناب إليك ، فله عندي الأمان والكرامة الواسعة ، وأجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه ، وإن طلب الزيادة فاضمن له ما أراك الله ، أنفّذ ضمانك وأقوم له بذلك ، وله عليّ الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة ، بما تطمئن به نفسه ويعتمد في كل الأمور عليه.

عجّل بجواب كتابي ، وبكل حاجة لك إليّ وقبلي ، والسلام.

قال هشام بن محمّد : وكتب يزيد في أسفل الكتاب :

يا أيها الراكب العادي مطيّته

على عذافرة(١) في سيرها قحم

أبلغ قريشا على نأي المزار بها

بيني وبين الحسين : الله والرّحم

وموقف بفناء البيت أنشده

عهد الإله غدا يوفى به الذّمم

عنّيتم قومكم فخرا بأمّكم

أمّ لعمري حصان عفّة كرم

هي التي لا يداني فضلها أحد

بنت الرسول وخير الناس قد علموا

وفضلها لكم فضل ، وغيركم

من قومكم لهم في فضلها قسم

__________________

(١) العذافرة : الناقة الشديدة ، الوثيقة الظهر.

٥٠٨

إني لأعلم أو ظنّا كعالمه

والظنّ يصدق أحيانا فينتظم

أن سوف يترككم ما تدّعون بها

قتلى تهاداكم العقبان والرّخم

يا قومنا لا تشبّوا الحرب إذ سكنت

وأمسكوا بحبال السلم واعتصموا

قد غرّت الحرب من قد كان قبلكم

من القرون وقد بادت بها الأمم

فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا

فربّ ذي بذخ زلّت به القدم

قال الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٢١٩ :

وأتى كتاب من يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد يأمره فيه أن يقرأه على الموسم ، وفيه القصيدة السابقة.

ثم قال : وأتى مثله إلى أهل المدينة ؛ من قريش وغيرهم.

قال : فوجّه أهل المدينة بهذه الأبيات إلى الحسين ولم يعلموه أنها من يزيد.فلما نظرها الحسين علم أنها منه ، وكتب إليهم في الجواب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) (٤١) [يونس : ٤١].

٦٠٢ ـ جواب ابن عباس ليزيد على كتابه ، ونصيحته له :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٩ ط ٢ نجف)

فكتب ابن عباس ليزيد :

أما بعد ، فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة.

فأما ابن الزبير فرجل منقطع عنا برأيه وهواه ، يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرّها في صدره ، يوري علينا وري الزّناد ، لا فكّ الله أسيرها ، فارأ في أمره ما أنت راء.

وأما الحسين فإنه لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه ، سألته عن مقدمه ، فأخبرني أن عمّالك بالمدينة أساؤوا إليه وعجلوا عليه بالكلام الفاحش ، فأقبل إلى حرم الله مستجيرا به ، وسألقاه فيما أشرت إليه ، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ، ويطفئ به النائرة [أي الحرب] ، ويخمد به الفتنة ، ويحقن به دماء الأمة.

فاتقّ الله في السرّ والعلانية ، ولا تبيتنّ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ، ولا ترصده بمظلمة ، ولا تحفر له مهواة. فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه ، وكم من مؤمّل أملا لم يؤت أمله. وخذ بحظك من تلاوة القرآن ونشر السنّة ، وعليك بالصيام

٥٠٩

والقيام ، لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ، فإنّ كل ما اشتغلت به عن الله يضرّ ويفنى ، وكل ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى ، والسلام.

فلما قرأ يزيد كتاب ابن عباس أخذته العزة بالإثم ، وهمّ بقتل ابن عباس ، فشغله عنه أمر ابن الزبير ، ثم أخذه الله ـ بعد ذلك بيسير ـ أخذا عزيزا.

٦٠٣ ـ نصيحة عبد الله بن عباس للحسينعليه‌السلام وفيها يتخوّف عليه من أهل الكوفة ويدعوه للبقاء في مكة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٦)

وقدم ابن عباس في تلك الأيام إلى مكة ، وقد بلغه أن الحسين عزم على المسير ، فأتى إليه ودخل عليه مسلّما. ثم قال له : جعلت فداك ، إنه قد شاع الخبر بين الناس وأرجفوا بأنك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت عليه. فقال : نعم قد أزمعت على ذلك في أيامي هذه إنشاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقال ابن عباس : أعيذك بالله من ذلك ، فإنك إن سرت إلى قوم قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم واتقوا عدوهم ، ففي مسيرك إليهم لعمري الرشاد والسداد ، وإن سرت إلى قوم دعوك إليهم وأميرهم قاهر لهم ، وعمّالهم يجبون بلادهم ، فإنما دعوك إلى الحرب والقتال. وأنت تعلم أنه بلد قد قتل فيه.

أبوك ، واغتيل فيه أخوك ، وقتل فيه ابن عمك(١) وقد بايعه الناس ، وعبيد الله في البلد يفرض ويعطي ، والناس اليوم عبيد الدينار والدرهم ، فلا آمن عليك أن تقتل.فاتّق الله والزم هذا الحرم ، فإن كنت على حال لا بدّ أن تشخص ، فصر إلى اليمن ، فإن بها حصونا لك ، وشيعة لأبيك ، فتكون منقطعا عن الناس. فقال الحسينعليه‌السلام : لا بدّ من العراق!. قال : فإن عصيتني فلا تخرج أهلك ونساءك ، فيقال إن دم عثمان عندك وعند أبيك ، فو الله ما آمن أن تقتل ونساؤك ينظرن كما قتل عثمان. فقال الحسينعليه‌السلام : والله يابن عم لأن أقتل بالعراق أحبّ إليّ من أن أقتل بمكة ، وما قضى الله فهو كائن ، ومع ذلك أستخير الله وأنظر ما يكون.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٠ :

__________________

(١) يقصد به مسلم بن عقيل. ويستفاد من هذا الكلام أن الحسينعليه‌السلام علم بمقتل مسلم وهو في مكة ، مع أن مسلما استشهد يوم التروية في اليوم الّذي سار فيه الحسينعليه‌السلام إلى العراق.وتدل الروايات المؤكدة على أنهعليه‌السلام لم يبلغه ذلك إلا وهو في منتصف الطريق في (زرود).

٥١٠

قال هشام بن محمّد : ثم إن حسينعليه‌السلام كثرت عليه كتب أهل الكوفة وتواترت إليه رسلهم : «إن لم تصل إلينا ، فأنت آثم». فعزم على المسير ، فجاء إليه ابن عباس ونهاه عن ذلك ، وقال له : يابن عم ، إن أهل الكوفة قوم غدر ؛ قتلوا أباك ، وخذلوا أخاك وطعنوه وسلبوه وأسلموه إلى عدوه ، وفعلوا ما فعلوا.

فقال : هذه كتبهم ورسلهم ، وقد وجب عليّ المسير لقتال أعداء الله.

فبكى ابن عباس ، وقال : وا حسيناه.

وأورد المقرّم في مقتله ، ص ١٩٦ هذا الكلام على النحو التالي :

وقال ابن عباس للحسينعليه‌السلام : يابن العم إني أتصبّر وما أصبر ، وأتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم. أقم في هذا البلد ، فإنك سيد أهل الحجاز. وأهل العراق إن كانوا يريدونك كما زعموا فلينفوا عاملهم وعدوهم ، ثم اقدم عليهم. فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن ، فإن بها حصونا وشعابا(١) وهي أرض عريضة طويلة ، ولأبيك بها شيعة ، وأنت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبثّ دعاتك ، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الّذي تحب في عافية.

فقال الحسينعليه‌السلام : يابن العم إني والله لأعلم أنك ناصح مشفق ، وقد أزمعت على المسير. فقال ابن عباس : إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فإني لخائف أن تقتل وهم ينظرون إليك. فقال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة(٢) .

(وفي رواية) قال ابن عباس : استشارني الحسينعليه‌السلام في الخروج من مكة فقلت : لو لا أن يزري بي وبك لتشبّثت بيدي في رأسك. فقالعليه‌السلام : ما أحبّ أن تستحلّ بي (يعني مكة).

وفي (تاريخ مدينة دمشق) لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسينعليه‌السلام ص

__________________

(١) روى بعض هذا الكلام أبو مخنف في مقتله ، ص ٤١.

(٢) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٦ ؛ وفي القاموس المحيط وتاج العروس : الفرام دواء تضيّق به المرأة المسلك. وفي لواعج الأشجان للأمين ص ٧٤ : الفرام هو خرقة الحيض.

٥١١

٢٠٤ ، قال ابن عباس : وكان قوله هذا هو الّذي سلا بنفسي عنه. ثم بكى وقال :أقررت عين ابن الزبير.

ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب ، وابن الزبير على الباب. فلما رآه قال : يابن الزبير قد أتى ما أحببت قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز. ثم قال :

يا لك من قبّرة بمعمر

خلا لك الجوّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقّري

(أقول) : وفي أغلب المصادر أن هذه النصائح من ابن عباس كانت في يومين متتاليين.

وبعث الحسينعليه‌السلام إلى المدينة ، فقدم عليه من خفّ معه من بني عبد المطلب ، وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم.

٦٠٤ ـ نصيحة عبد الله بن عمر للحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)

قال الواقدي : ولما بلغ عبد الله بن عمر ما عزم عليه الحسينعليه‌السلام دخل عليه بنفر ، فلامه ووبخه ونهاه عن المسير ، وقال له : يا أبا عبد الله ، سمعت جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «مالي وللدنيا ، وما للدنيا ومالي». وأنت بضعة منه. وذكر له نحو ما ذكر ابن عباس.

فلما رآه مصرّا على المسير ، قبّله ما بين عينيه وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل.

٦٠٥ ـ نصيحة عبد الله بن الزبير للحسينعليه‌السلام وردّها :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١١)

(ذكر الطبري عن أبي مخنف) عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديين ، قالا : خرجنا حاجّين من الكوفة حتّى قدمنا مكة ، فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسينعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب. قال : فتقربنا منهما ، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسينعليه‌السلام : إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا الأمر ، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك. فقال الحسينعليه‌السلام : إن أبي حدثني أن بها كبشا سيستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن أكون

٥١٢

أنا ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت وتوليني أنا الأمر ، فتطاع ولا تعصى. فقال : وما أريد هذا أيضا.

(قالا) : ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا ، فما زالا يتناجيان حتّى سمعنا دعاء الناس متوجهين إلى منى عند الظهر.

(قالا) : فطاف الحسين بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وقصّ شعره ، وحلّ من عمرته. ثم توجه نحو العراق ، وتوجهنا نحو منى(١) .

وفي رواية (مقتل الخوارزمي) ص ٢١٩ : قال عبد الله بن الزبير للحسين بن عليعليه‌السلام : أين تذهب؟. إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك!. فقال له الحسين :لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي (يعني مكة).

وفي رواية المقرّم ، ص ١٩٤ : إن الحسينعليه‌السلام قال لابن الزبير : إن أبي حدثني أن بمكة كبشا به تستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش ، ولئن أقتل خارجا منها بشبر أحبّ إليّ من أن أقتل فيها(٢) . وايم الله لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت.

وعن معمّر ، قال : وسمعت رجلا يحدّث عن الحسين بن عليعليه‌السلام قال :سمعته يقول لعبد الله بن الزبير : أتتني بيعة أربعين ألفا يحلفون لي بالطلاق والعتاق ، من أهل الكوفة (وفي رواية : من أهل العراق). فقال له عبد الله بن الزبير : أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك؟!.

٦٠٦ ـ موقف عبد الله بن الزبير من الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)

ولما بلغ ابن الزبير عزمه ، دخل عليه وقال : لو أقمت ههنا بايعناك ، فأنت أحقّ من يزيد وأبيه.

وكان ابن الزبير أسرّ الناس بخروجه من مكة ، وإنما قال له هذا ، لئلا ينسبه إلى شيء آخر.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٧.

(٢) في (تاريخ مكة) للأزرقي ، ج ٢ ص ١٠٥ أنه قال ذلك لابن عباس.

٥١٣

وفي كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٦ :

ولما خرج من عنده ابن الزبير قال الحسين لمن حضر عنده : إن هذا ليس شيء من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز ، وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي ، فودّ أني خرجت حتّى يخلو له.

٦٠٧ ـ نصيحة أبي محمّد الواقدي :(لواعج الأشجان ، ص ٦٥)

قال أبو محمّد الواقدي وزرارة بن خلج [ذكر ذلك في الله وف ص ٢٦] : لقينا الحسين بن عليعليهما‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق ، فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه. فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا اللهعزوجل ، فقالعليه‌السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر ، لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقينا أن من هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينجو منهم إلا ولدي (علي)عليه‌السلام .

٦٠٨ ـ الحسينعليه‌السلام يرفض نصرة الملائكة ، حتّى يحرز الشهادة ::

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٦٢)

عن زرارة بن صالح قال : لقينا الحسين بن عليعليهما‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث.

إلى أن قال : فأومأ بيده إلى السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيه إلا الله. فقالعليه‌السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر نقاتلهم بهؤلاء.

٦٠٩ ـ جبرئيلعليه‌السلام يدعو إلى بيعة الله :(المصدر السابق)

ومن رواية ابن عباس قال : رأيت الحسينعليه‌السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة ، وكفّ جبرئيل في كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله. فقال : إن أصحاب الحسينعليه‌السلام لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم قبل شهودهم.

وفي هذا دلالة تامة على علوّ شأن من استشهدوا بين يدي الحسينعليه‌السلام ، وأن منزلتهم أعلى من الشهداء الذين سبقوهم. وبيان ذلك أن هذا النحو من الدعوة المتمثلة في نداء جبرئيل ودعوته إلى البيعة ، لم يتحقق في شأن دعوة نبي من

٥١٤

الأنبياء. وهذا يدل على أن المتخلّف عن نصرة الحسينعليه‌السلام لا لعذر ، ليس من أهل الإيقان والإيمان.

٦١٠ ـ وصية الحسينعليه‌السلام إلى بني هاشم :

(اللهوف ، ص ٣٦)

ذكر الكليني في كتاب (الرسائل) عن حمزة بن حمران عن الصادقعليه‌السلام قال :ذكرنا خروج الحسينعليه‌السلام وتخلّف ابن الحنفية عنه ، فقال الصادقعليه‌السلام : يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا. إن الحسين لما فصل متوجها ، أمر بقرطاس وكتب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من الحسين بن علي إلى بني هاشم : أما بعد ، إنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلّف عني لم يبلغ الفتح ، والسلام. وقيل بعثه إلى محمّد بن الحنفية(١) .

يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٢١٥ ، معلقا على قول الإمام الحسينعليه‌السلام لبني هاشم : ومن تخلّف لم يبلغ الفتح». أي من تخلّف عن نصرة الحسينعليه‌السلام لم يحرز النجاة والفلاح ، الّذي يحرزه من استشهد مع الحسينعليه‌السلام .

٦١١ ـ يزيد يأمر والي مكة بقتل الحسينعليه‌السلام غيلة ولو في حرم مكة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٢ ط نجف)

كان يزيد بن معاوية عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ، وولّى عمرو بن سعيد ابن العاص على المدينة ومكة معا ، فأقام عمرو في المدينة. ثم أمره يزيد بالمسير إلى مكة في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاجّ كلهم.

وأوصاه بالقبض على الحسينعليه‌السلام سرا ، وإن لم يتمكن منه يقتله غيلة. وأمره أن يناجز الحسينعليه‌السلام القتال إن هو ناجزه. فلما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد إلى مكة في جند كثيف.

ثم إن يزيد دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أي حال اتفق [نقل ذلك العلامة المجلسي في كتاب البحار].

__________________

(١) كتاب (الحسين في طريقه إلى الشهادة) للسيد علي بن الحسين الهاشمي ، ص ١٢٥.

٥١٥

فلما علم الحسينعليه‌السلام بذلك ، عزم على التوجه إلى العراق ، وحلّ من إحرام الحج ، وجعلها عمرة مفردة.

٦١٢ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام يقصّر حجه إلى عمرة مفردة ، استعدادا للمسير إلى العراق :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٩٣)

لما بلغ الحسينعليه‌السلام أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر كثيف ، وأمّره على الحاج وولاه أمر الموسم ، وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد(١) وبقتله على أي حال اتفق(٢) ، عزمعليه‌السلام على الخروج من مكة قبل إتمام الحج ، وجعلها عمرة مفردة ، وذلك كراهية أن تستباح به حرمة البيت(٣) .

وكان خروجهعليه‌السلام من مكة يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة ، ومعه أهل بيته ومواليه وشيعته ، من أهل الحجاز والبصرة والكوفة ، الذين انضموا إليه أيام إقامته بمكة فكان الناس يخرجون إلى منى للتزود بالماء ، والحسينعليه‌السلام يخرج إلى العراق. ولم يكن علمعليه‌السلام بمقتل مسلم بن عقيل الّذي استشهد في ذلك اليوم(٤) .

٦١٣ ـ الفرق بين العمرة والحج :

(الكافي للكليني ، ج ٤ ص ٥٣٥)

عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : إن المتمتّع مرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسينعليه‌السلام في ذي الحجة ، ثم راح يوم التروية إلى العراق ، والناس يروحون إلى (منى). ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج.

٦١٤ ـ ابن الزبير يودّع الحسينعليه‌السلام عند ما أزمع على السفر :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ، ج ١٧ ص ١٥٥)

عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : إن الحسينعليه‌السلام خرج من مكة قبل التروية بيوم ، فشيّعه عبد الله بن الزبير. فقال : يا أبا عبد الله ، قد حضر الحج وتدعه وتأتي

__________________

(١) المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٤ الليلة العاشرة.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧١.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٧٧ ؛ ومثير الأحزان لابن نما ، ص ٨٩.

(٤) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٢.

٥١٦

العراق؟!. فقالعليه‌السلام : يابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن أدفن بفناء الكعبة(١) .

٦١٥ ـ نصيحة محمّد بن الحنفية لأخيه الحسينعليه‌السلام ، وفيها يخبر الحسين أخاه برؤياه :(المنتخب للطريحي ، ص ٤٣٥ ط ٢)

وعن بعض الناقلين : إن محمّد بن الحنفية لما بلغه الخبر ، أن أخاه الحسينعليه‌السلام خارج من مكة يريد العراق ، كان في يده طشت فيه ماء وهو يتوضأ ، فجعل يبكي بكاء شديدا ، حتّى سمع وكف دموعه في الطّشت مثل المطر.

ثم إنه صلّى المغرب ، ثم سار إلى أخيه الحسينعليه‌السلام . فلما صار إليه قال له :يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم ومكرهم بأبيك وأخيك من قبلك ، وإني أخشى عليك أن يكون حالك كحال من مضى من قبلك. فإن أطعت رأيي قم بمكة ، وكن أعزّ من في الحرم المشرّف. فقال : يا أخي إني أخشى أن تغتالني أجناد بني أمية في حرم مكة ، فأكون كالذي يستباح دمه في حرم الله. فقال :

يا أخي فصر إلى اليمن ، فإنك أمنع الناس به. فقال الحسينعليه‌السلام : والله يا أخي لو كنت في جحر هامة من هوامّ الأرض لاستخرجوني منه حتّى يقتلوني. ثم قال : يا أخي سأنظر فيما قلت.

فلما كان وقت السحر ، عزم الحسينعليه‌السلام على الرحيل إلى العراق. فجاءه أخوه محمّد بن الحنفية وأخذ بزمام ناقته التي هو راكبها ، وقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما أشرت به عليك؟. فقال : بلى. قال : فما حداك على الخروج عاجلا؟.فقال : يا أخي إن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني بعد ما فارقتك وأنا نائم ، فضمّني إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيّ ، وقال : يا حسين قرة عيني ، اخرج إلى العراق ، فإن اللهعزوجل قد شاء أن يراك قتيلا مخضبا بدمائك.

فبكى ابن الحنفية بكاء شديدا ، وقال له : يا أخي إذا كان الحال هكذا ، فما معنى حملك هذه النسوة وأنت ماض إلى القتل؟. فقال : يا أخي قد قال لي جدي أيضا :إن اللهعزوجل قد شاء أن يراهنّ سبايا مهتكات ، يسقن في أسر الذل ، وهن أيضا لا يفارقنني ما دمت حيا.

__________________

(١) كامل الزيارات ، ج ٦ ص ٧٣ ؛ والبحار ، ج ٤٥ ص ٨٦.

٥١٧

فبكى ابن الحنفية بكاء شديدا ، وجعل يقول : أودعتك الله يا حسين في وداعة الله يا حسين.

٦١٦ ـ ورود عمرو بن سعيد إلى مكة يوم التروية :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)

ثم خرج [والي المدينة] إلى مكة ، فقدمها يوم التروية. فصلى الحسينعليه‌السلام ثم خرج.

فقال الناس للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، لو تقدمت فصليت بالناس. فإنه ليهمّ بذلك إذ جاء المؤذن ، فأقام الصلاة. فتقدم عثمان (والأصح : عمرو ابن سعيد) فكبّر ، فقال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إذا أبيت أن تتقدم فاخرج. فقال :الصلاة في الجماعة أفضل.

فلما انصرف عمرو بن سعيد بلغه أن الحسينعليه‌السلام خرج ، فقال : اركبوا كل بعير بين السماء والأرض فاطلبوه.

قال : فكان الناس يعجبون من قوله هذا. قال : فطلبوه ، فلم يدركوه.

٦١٧ ـ محاولة عبد الله بن جعفر إرجاع الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فأرسل عبد الله بن جعفر ابنيه (عونا ومحمدا) ليردّا الحسينعليه‌السلام فأبى أن يرجع. وخرج الحسينعليه‌السلام بابني عبد الله بن جعفر معه. ورجع عمرو بن سعيد بن العاص إلى المدينة. فأرسل إلى ابن الزبير فأبى أن يأتيه ، وامتنع برجال معه من قريش وغيرهم.

٦١٨ ـ سؤال الحسينعليه‌السلام للشاعر الفرزدق عن حال الناس ، وقد لقيه في الحرم المكي :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢١٨ ط نجف)

روي عن الفرزدق الشاعر أنه قال : حججت بأمّي في سنة ستين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم ، إذ لقيت الحسينعليه‌السلام خارجا من مكة مع أسيافه وأتراسه. فقلت : لمن هذا القطار؟. فقيل : للحسينعليه‌السلام . فأتيته ، فسلمت عليه

٥١٨

وقلت : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج؟. فقال : لو لم أعجل لأخذت!.

ثم قال لي : من أنت؟. فقلت : رجل من العرب ، فما فتّشني أكثر من ذلك. قال:أخبرني عن الناس خلفك. فقلت : الخبير سألت : «قلوب الناس معك وأسيافهم عليك». ثم حرّك راحلته ومضى (راجع مثير ابن نما ، ص ٢٨).

٦١٩ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص يستنكر مقاتلة الحسينعليه‌السلام بالسلاح :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٨)

كان عبد الله بن عمرو بن العاص من الصحابة ، يأمر الناس باتباع الإمام الحسينعليه‌السلام .

قال الفرزدق بعد ذكر لقائه السابق بالامامعليه‌السلام : ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيئته حسنة. فأتيته ، فإذا هو لعبد الله بن عمرو بن العاص ، فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن عليعليهما‌السلام . فقال لي : ويلك فهلّا اتّبعته؟. فوالله سيملكنّ ، ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه.

قال الفرزدق : فهممت والله أن ألحق به ، ووقع في قلبي مقالته ، ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم ، فصدّني ذلك عن اللحاق بهم.

٦٢٠ ـ كتاب من الوليد بن عتبة إلى ابن زياد بعدم الإساءة للحسينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٣٣)

قال المجلسي : واتصل خبر توجّه الحسينعليه‌السلام إلى العراق بالوليد بن عتبة أمير المدينة ، فكتب إلى ابن زياد : أما بعد ، فإن الحسين قد توجه إلى العراق ، وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء ، فتهيج على نفسك وقومك أمرا في هذه الدنيا لا يصدّه شيء ، ولا تنساه الخاصة والعامة أبدا ما دامت الدنيا.

توضيح : أورد الجواهري هذا الكتاب في مثيره أثناء مسير الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء. والذي يجب توضيحه أن الوليد بن عتبة لم يكن في ذلك الوقت واليا عليا المدينة ، فقد سبق أن يزيد عزله في منتصف شهر رمضان. فإن صحّت هذه الرواية

٥١٩

فالمقصود بها الوليد بن عتبة الّذي كان أميرا على المدينة. ويظهر في هذا الكتاب موقف الوليد بن عتبة الطيّب من الحسينعليه‌السلام ، والذي بدأه حين استدعى الحسينعليه‌السلام في المدينة لأخذ البيعة ، فساعده على الرحيل إلى مكة حتّى لا يبتلى بدمه ، وكان موقفه لا يقارن بموقف مروان الغادر ، وكلاهما من بني أمية.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735