موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 486792 / تحميل: 5747
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

على القطع بأنَّ الدين لم يصل إلى أعماق قلوبهم، ولم يفهموا الإسلام كما يريد الإسلام.قال أبو جعفر نقيب البصرة: (إنَّ الإسلام ماحلا عندهم، ولا ثبت في قلوبهم إلاّ بعد موته (يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين فُتحت عليهم الفتوح وجاءتهم الغنائم والأموال، وكثرت عليهم المكاسب، وذاقوا طعم الحياة، وعرفوا لذَّة الدنيا، ولبسوا الناعم، فاستدلُّوا بما فتح الله عليهم وأتاحه لهم على صحة الدعوى وصدق الرسالة.وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدهم بأن سيفتح عليهم كنوز كسرى وقيصر، فلمَّا وجدوا الأمر قد وقع بموجب ما قاله، عظَّموه وبجَّلوه وانقلبت تلك الشكوك وذلك النفاق وذلك الاستهزاء إيماناً ويقيناً وإخلاصاً، وتمسَّكوا بالدين ؛ لأنَّه زادهم طريقاً إلى نيل الدنيا).

وما مقدار هذا التأثُّر ؟ سؤال لم يجب عنه صاحب الكتاب غير أنَّه يصح منَّا أن نقول: لم يتركه هملاً ؛ فإنَّ الجواب يستفاد من عدة مواضع من الباب الثالث وما بعده، ويصح أن نلخِّصه بالجمل التالية: (ونزعات دينية جديدة ظهر أثرها فيما بعد، وأظهرها في الإسلام التشيُّع والصوفية) هذا هو الجواب

فيما نرى.ولعل صاحب الكتاب يرى أنَّ التشيُّع ظهر في الإسلام متأخِّراً، ولعله يرى أنَّ الذي أظهره النزاع بين الهاشميين والأُمويين، أو لعلّه يذهب مذهب المخرِّفة الإفرنسية الباحثة عن الفردوس القائلة: (إنَّ التشيُّع ظهر في فارس منذ التجأت إلى الفرس فاطمة أرملة علي)!! والذي نعتمده أنَّه يرى أنَّ النزعات تكوَّنت بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنَّ سببها مسألة الخلافة التي اشتد فيها الخلاف بين المسلمين.

وعلى كل حال، يظهر لنا بوضوح من مجموع كلامه أنَّ نزعة التشيُّع كانت نقمة على الإسلام، وأنَّها ظهرت في فارس، وفيها نمت بذرتها وأورق غصنها.فكأنَّه يزعم أنَّه يستحيل على العربي الذي فهم دين الإسلام أن يفهم التشيُّع.فهو ينقم على الفرس لأنَّهم فرس ؛ أي ليسوا عرباً! وهذا غير قابل للتعليل، وغير قابل للزوال ؛ لأنَّ الفارسي يستحيل أن يكون عربياً.وينقم عليهم لأنَّهم شيعة ؛ أي لأنَّهم يحبُّون عليَّاًعليه‌السلام وأولاده، إذ ليس التشيُّع أمراً وراء ذلك.

وأمَّا أنَّ التشيُّع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام، ولكن بمعنى ساذج (كما ذكره ص٣٣١) فإنَّا نرجئ الكلام فيه وفي زمان تكوُّن الشيعة إلى الفصل الذي عقده للكلام على

____________________

على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) الحديث.وهو صريح بما ذكرناه ،على أن المحدِّثين حيث يذكرون القصة ولا يذكرون عمر، فإنَّهم يذكرون لفظة: (إنَّ النبيَّ يهجر)، فراجع: البخاري، ج ٢، ص ١١٨، ومسند أحمد، ج ١، ص ٢٢٢، ومسلم في آخر كتاب الوصية من صحيحه، تجد تلك الوصية.

٢١

الشيعة ومذاهبهم، ولكن يصح أن نقول إجمالاً: إنَّ آراء الأُستاذ لا تخرج عن أنَّها تكهُّنات لا مبرِّر لها في التاريخ، ولا شاهد لها سوى العاطفة والجهل بتاريخ مبدأ التشيُّع ؛ فإنَّ التشيُّع لعليعليه‌السلام بدأ من يوم غدير خم، ذلك اليوم الذي حضره تسعون ألفاً من المسلمين أو يزيدون، وابن الجوزي في تذكرته ذكر أنَّه ١٢٠ ألفا.

يبقى نقطة واحدة في كلام صاحب الكتاب حاول غير مرة أن يجعلها حقيقة ذات قيمة تاريخية، هي: أنَّ نزعة التشيُّع دخلت مقارنة للفتح في بلاد فارس، وهذه مهزلة من التاريخ يمليها الأُستاذ على العالم وفي الجامعة المصرية، يحسب أنَّها ذات قيمة في سوق الحقائق، وليس هي إلاّ هفوات تاريخية قيمتها تحت الصفر.

يعلم كل من ألمَّ بالتاريخ أنَّ التشيُّع ظهر في بلاد فارس في آخر الدولة الأُموية، ولم يكن له ذلك الانتشار الذي يتذمَّر منه الأُستاذ ومَن لفَّ لفَّه، بل كان المتديِّنون به قليلين جداً، وإنَّما الذي كان رائجاً في أسواق فارس، التسَنُّن لا غير، ويصح أن نقول :إنَّ التسَنُّن حلَّ محل المجوسية في بلاد فارس، وكانت الكثرة المطلقة في بلاد فارس مشبَّعة بالنصب والمغالاة في بغض عليعليه‌السلام ، وهذا لا يخفى على مَن رجع الى تاريخ إيران بعد الفتح.قال في روضات الجنَّات نقلاً عن بعض أعلام عصره: إنَّ أهل أصفهان استمهلوا ولاة عمر بن عبد العزيز بجعلٍ كثير حتى يُتِمَّ أربعينهم في سبِّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بعدما أُخبروا برفع ذلك.

أبو ذر الغفاري ينقاد لرأي مزدك الفارسي

أُمثولة من صفحات التاريخ السوداء التي رسمتها يد العصبية الأثيمة يوقِّع على نغماتها اليوم، في عصر تمحيص الحقائق عصر النور، أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام ؛ فيرتاح لقول الطبري بأنَّ ابن السوداء أفسد أبا ذر على معاوية، وينشرح صدره حيث وقف على وجه الشبه بين رأي أبي ذر ومزدك من الناحية المالية فقط (ص ١٣١).

كنَّا نظنُّ أنَّ العصبية تصرَّمت أيَّامها وتقلَّصت روحها الخبيثة، بيد أنَّا نرى أنفسنا في معترك جديد وثورة براكين من العصبية تتقاذف منها قنابل جديدة (من عيار خمسين)، ولقد كانت العصبية في القرون الخالية تقف عند حد ربَّما لا تتجاوزه إلاّ نادراً، ولكن سِفر حياتنا المضطرب يحمل لنا على صفحاته أشكالاً من الهياكل المجسَّمة يصح لنا أن نسمِّيها العصبية، بيدها اليمنى سيف التبشير مسلولاً وباليسرى المعول لهدم الدين من أساسه، وتتجلَّى هذه الروح

٢٢

في كتاب الأدب الجاهلي ؛ حيث يرى مرة أن الإسلام تأثَّر باليهودية وثانياً بالنصرانية وثالثاً أنَّ القرآن تأثَّر بشعر أميَّة بن الصلت، ولو فتحنا كتاب فجر الإسلام لرأينا تلك الروح لها تلك النغمة من بعض الجهات ؛ فإنَّه يحدِّثنا أنَّ أبا ذر الغفاريرضي‌الله‌عنه - ذلك العالم الكبير الصحابي - تأثَّرت عقليَّته بالمذهب المزدكي من الناحية المالية فقط، ولم يقتنع أبو ذر بذلك التأثر الروحي واعتناق هذا المذهب الجديد فحسب، بل حملته نفسه (بزعم الأستاذ أحمد أمين) على جعله مذهبا لمسلمي الشام حين إذ ذاك، فرفع عقيرته قائلاً: (يا معشر الأغنياء، وأسوا الفقراء) ويتلو:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ ِلأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) .

هذه هي الشريعة الجديدة التي سيطرت على عقلية أبي ذر وقادته إلى حمل الناس عيها ولم يستطع العيش بدونها، هذه مزعمة هذا الفيلسوف الجديد الذي أخذ على عاتقه مسؤولية البحث في الحياة العقلية في صدر الإسلام، فخبط في مواضع من كتابه وخلط، وقد وقفت على شيء منها وستقف في غضون الفصول الآتية على الكثير.

وما أغرب الدهشة التي تستولي علينا عندما نقوم بتحليل هذه العبارات التي أضاع الأستاذ الوقت في رقمها، ولو استعملنا الصراحة في التعبير لقادنا ذلك إلى القول بأنَّ الأستاذ يرى أنَّ الإسلام تأثَّر بمذهب مزدك لا أنَّ أبا ذر المتأثِّر.. ولا نقول ذلك على سبيل التكهُّن أو الظن في الاستنتاج، فإنَّ تلاوة أبي ذر للآية الكريمة لأكبر دليل على ذلك ؛ وبتعبير أصح: إنَّ وجود آية في الكتاب العزيز تؤيِّد نظرية أبي ذر الجديدة كافٍ في الدلالة على أنَّ القرآن الشريف تأثَّر بمذهب مزدك، وأنَّ أبا ذر تأثَّرت نفسيته بالقرآن لا غير...

ومهما اطمأنت نفوسنا إلى الشك واتخذناه مذهباً في البحث، فلا أراني شاكاً في هذه النتيجة، وأفسح مجالاً للقارئ المتكهرب قلبه بأسلاك الشكوك فلينظر إلى هذه النتيجة فهل يمكن التخلُّص منها؟ وكيف يمكن الفرار عنها؟ عبثاً يحاول المحاولون غير هذا ؛ فإنَّهم إنْ أطلُّوا على الماضي ووضعوا نفسية أبي ذر الشريفة في بوتقة التحليل، فلا يخالجهم شك بأنَّها نفسية يستحيل عليها بأن تتأثَّر بغير القرآن الشريف وقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تدين بغير الحقائق التي لا يدخلها أي شك. هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يملي علينا شيئاً من نفسية هذا الصحابي الكبير فيقول - كما في رواية أبي عثمان سعيد بن نصر بسنده عن أبي الدرداء: (ما أظلَّت الخضراء ولا أقلَّت الغبراء أصدق لهجة

٢٣

من أبي ذر)(١) .

ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده)، وفي رواية بعضهم: (مَن سرَّه أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر) وأمير المؤمنين عليعليه‌السلام يكشف لنا الستار عن حياته العلمية فيقول حينما سئل عنه: (ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس، ثم وكأ عليه ولم يُخرج منه شيئاً)(٢) .

هذه نفسية أبي ذررضي‌الله‌عنه تنكشف أمامنا طيبة طاهرة زكية لا تعدو الحق الصراح وتشبه أن تكون نفس ملك مقرَّب.إذاً كيف انقادت لرأي مزدك؟ أيُّ مالٍ هذا الذي كان به أبو ذر مزدكياً اشتراكياً؟ وهل في سائر الأحوال كان كذلك؟

نستعرض صفحات التاريخ لنسمع حديثها، وها هي تلك الصفحات التي يسميها الناس تاريخاً ويعتمدون عليها تحدِّثنا - والحديث ذو شجون - أنَّه كان في سائر الأحوال اشتراكياً، يقول ابن الأثير والطبري - واللفظ للأول - : (وكان أبو ذر يذهب إلى أنَّ المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه أكثر من قوت يومه وليلته، أو شيء ينفقه في سبيل الله أو يعدَّه لكريم... يقول: فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء وشكا الأغنياء ما يلقون منه(٣) وهذا اليسير من الكلام يملي علينا درساً كاملاً من حياة الصحابي الاشتراكية المزدكية، فكانت حياة كاملة في الاشتراكية.

ويظهر أنَّ أداة السياسة الطائفية أعملت صناعة في هذا التاريخ لا تكاد تخفى(٤) ، ولو أنعمنا

____________________

(١) هذه رواية الاستيعاب في باب جندب، وفي ابن أبي الحديد، ج ١، ص ٢٤١ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : (ما أظلَّت الخضراء وأقلَّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر)، ورواه ورقاء وغيره مسنداً إلى أبي هريرة فراجع: الاستيعاب، ج ١، ص ٤٨ وفيه روى الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة، فسأله فقال: أين تركتَ أبا ذر؟ قال: بالربذة، فقال أبو الدرداء: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، لو أنَّ أبا ذر قطع مني عضواً ما هجته ؛ لِمَا سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه.مشيراً إلى الحديث، فتأمل.

(٢) قال في الاستيعاب في باب جندب: وكان من أوعية العلم المبرَّزين في الزهد والورع والقول بالحق، ثم ذكر الحديث.

(٣) ابن الأثير، ج ٣، ص ٤٢.

(٤) هذه الصناعة يعلمها كل مَن راجع التاريخ ؛ فابن الأثير يقول: (وقد ذكر في سبب ذلك أمور كثيرة ؛ من سبِّ معاوية إيَّاه وتهديده بالقتل، وحمله من المدينة إلى الشام بغير وطاء، ونفيه من المدينة على الوجه الشنيع لا يصح النقل به، ولو صحَّ لكان ينبغي أن يعتذر عن عثمان ؛ فإنَّ للإمام أن يؤدِّب رعيَّته) ج ٣، ص ٤٢، ومثله غيره.من هنا نستطيع أن نعرف تلك اليد الأثيمة التي كانت تعبث بالحقائق وتعلم قيمة هذا التاريخ الكاذب.

٢٤

النظر مليَّاً، لعلمنا حق العلم بأنَّ هذه الأسطورة التاريخية ما هي إلاّ تشويه لحياة هذا الصحابي الجليل الزاهد الورع الذي لم يخالط قوله غير الحق، والذي أطبق أهل القبلة على علو منزلته وسامي مقامه وقبول روايته، فشوهةً وبوهةً لهذا التاريخ أو المخاتلة والمراوغة في إظهار الحقائق، وبُعداً لهذه العصبية التي تتجلَّى بين سطور التاريخ وفي منعرجات حروفه، وكم للمؤرِّخين من أمثال هذه المراوغة!؟

كل أحد يعلم أنَّ أبا ذررضي‌الله‌عنه لم يكن سريع الانفعال والتأثُّر، ولا خاضعاً للعوامل السيئة التي تحدث غالباً من اختلاف المجتمع والتشاغب الحاصل من سوء التصرف في مجريات الأحوال.كل ذلك لم تنطبع عليه نفسية أبي ذر، فإنَّها كانت مطمئنة هادئة... ونحن نعلم أنَّ لأبي ذر ثورتين جاهر فيهما بمبدئه السامي الذي جعله نموذج حياته الشريفة منذ اطمأنت نفسه بالإسلام: إحداها بالمدينة أعقبها نفيه للشام، والثانية في الشام أعقبها إرجاعه على أخشن مركب للمدينة ونفيه للربذة.ولم يحدِّثنا أحد عن ثورة له من ذي قبل ؛ أي على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، ومهما تخرَّصنا في نفسية أبي ذررضي‌الله‌عنه وجعلنا مجالاً للشك، فلا أخال أنَّ المنصفين يفسحون لنا المجال للقول بأنَّ هذا الصحابي الجليل كان ينقاد في أعماله وثوراته لهوى النفس، أو أنّ الشيطان استزله فثار تلك الثورة التي سلبته الراحة والاستقرار حتى النفس الأخير من حياته الذي لفظه بالربذة... ولابد أن نعلم السبب الذي بعث أبا ذر وحرَّك عاطفته للثورة في ذلك الزمن العصيب وما هو؟

يستحيل علينا إذا أردنا حلَّ هذه المعضلة التاريخية أن نتمكَّن من ذلك ما دمنا نستعمل المغالطة وكتم الحقائق.إذاً لابد لنا ونحن نريد حلها من المصارحة في القول ليتضح لنا أنَّ أبا ذر لم يكن مزدكياً، ولم يأخذ هذه التعاليم عن ابن السوداء عبد الله بن سبا، وإنَّما هي تعاليم منقذ العالم من الجهالة والضلالة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويستحيل أيضاً علينا حلَّها وأخذ نتيجة ما، ما لم نحدِّد الحياة بشروط تلتئم مع روح الإسلام في بدئه ومع بيئة الحجاز القاحل، وبتعبير أصح من هذا: هناك عقبة كؤود تقف سدَّاً حائلاً دون أن تأخذ شكلاً من النتيجة الصالحة، إذا لم نضرب مثلاً يكون هو النموذج لحياة عاهل المسلمين في ذلك العصر، ولا أراني أتخطى حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنَّها المثل الأعلى، ولا أراك كيفما أدرت نظرك نحو تلك الحياة الشريفة إلاّ أنَّك تقف على حياة هادئة مطمئنة بسيطة خالية عن كل مظهر من

٢٥

المظاهر ؛ فنراهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعدل بين الرعية ويقسِّم بالسوية، لا تذهب به العاطفة إلى حيث زلة القدم، فلا يرى لقرابةٍ حقاً ما لم يكن أمر من الله عزَّ وجل، وهناك مظهر آخر ما أدقه لو تأمله خصماء أبي ذررضي‌الله‌عنه ، ذلك أنَّه طالما يطوي اليوم واليومين جوعاً، بلوالثلاثة، وهذه سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحدِّثنا أنَّه كان يشدُّ حجر المجاعة على بطنه الشريف، ونعيد الكرة فنقول: لا حرج إنْ قلنا إنَّه يلزم على راعي المسلمين أن يسلك هذه الطريق الواضحة، وكتب السِّير تحدِّثنا عن نحو من التشابه بين حياة أبي بكر وعمر وحياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن هلمَّ أيُّها القارئ لنسمع الحديث عن سيرة عثمان ونتفهَّمها جيداً لنرى هل تتَّفق مع سيرة مَن تقدَّمه؟ أو هل لها شبه ما بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ونحرص كل الحرص على أن نعتمد على المصادر التي يؤمن بها أحمد أمين ومَن يضرب على وتيرته.

يحدِّثنا ابن أبي الحديد(١) أنَّه عندما انقضى أمر الشورى واستقر الأمر لعثمان وبايعه الناس أوطأ بني أُميَّة رقاب الناس(٢) وأقطعهم الإقطاعات ؛ فوهب مروان بن الحكم خُمس غنائم أفريقيا، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن الحنبل جنيد الجمحي:

أحلف بالله ربِّ الأنام

ما ترك الله شيئاً سدى

ولكن خلقت لنا فتنة

لكي نبتلي بك أو نبتلى

فإنَّ الأمينين قد بيَّنا

منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهماً غيلة

ولا جعلا درهماً في هوى

وأعطيتَ مروان خمس البلاد

فهيهات سعيك ممَّن سعى

____________________

(١) شرح النهج، ج ١، ص ٦٦ و ٦٧.

(٢) وبذلك صدق عمر في تكهُّنه فيه ؛ قال ابن عباس - كما في شرح ابن أبي الحديد، مجلَّد ٣، ص ١٠٦ - : كنت عند عمر فتنفس نفساً ظننت أنَّ أضلاعه قد انفرجت، فقلت: ما أخرج هذا النفس منك يا أمير المؤمنين إلاّ هم شديد؟ قال: إي والله يابن عباس، إنِّي فكَّرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي.ثم قال: لعلك ترى صاحبك لها أهلا؟ قلت له: وما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه ؟! قال: صدقت، ولكنَّه امرؤ فيه دعابة، قلت: فأين أنت من طلحة ؟ قال: هوذو البأو بإصبعه المقطوعة.قلت: فعبد الرحمن ؟ قال: رجل ضعيف، لو صار الأمر إليه لوضع خاتمه في يد امرأته.قلت: فالزبير؟ قال شكس لقس، ويلاطم في البقيع في صاع من بُر.قلت: فسعد بن أبي وقَّاص ؟ صاحب مقنب وسلاح، قلت: فعثمان؟ قال : أُوَّه أُوَّه، مراراً.ثم قال: والله لئن وليها ليحملنَّ بني أبى معيط على رقاب الناس، ثم لتنهضنَّ إليه العرب فتقتله) أقول: وكأنَّها حاجة في نفس عمررضي‌الله‌عنه أن جعلها شورى في ستة وحرص على أن تكون في الصفة التي فيها عبد الرحمن بن عوف فقضاها.

٢٦

وأقطعه فدكاً، وما أدراك ما فدك؟! ذلك الذي مُنعت عنه وديعة محمد في أمته فاطمة الزهراء سيد نساء العالمين وبضعة سيد النبيين والمرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرواية رواها المانع، وأعطى عثمانُ عمَّه الحكم بن العاص، طريد رسول الله، مئة ألف درهم، وأعطى الحرث بن الحكم بن العاص ثلثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت مئة ألف درهم، وأعطى عبد الله بن أبي سرح ما أفاءه الله تعالى على المسلمين من فتح أفريقيا، وأعطى أبا سفيان بن حرب مئتي ألف درهم، وقسَّم الأموال التي جاء بها أبو موسى من العراق على بني أميَّة(١) ، وأعطى عبد الله بن خالد بن أُسيد صلة كانت أربعمئة ألف، انتهى ملخَّصاً.وقال أبو الفداء: (وأعطى مروان خُمس أفريقية وهو خمسمئة ألف دينار، ربع مليون ليرة، وفي ذلك يقول عبد الرحمن الكندي (وذكر الأبيات) وأقطع مروان بن الحكم فدكاً ؛ وهي صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي طلبتها فاطمة ميراثاً، فروى أبو بكر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث)، ولم تزل فدك في يد مروان إلى أن تولَّى عمر بن عبد العزيز فانتزعها من أهله وردَّها صدقة) انتهى(٢) وابن جرير الطبري يحدِّثنا فيقول: (كان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلاثمئة قنطار ذهب، فأمر بها عثمان لآل الحكم.قلت: أو لمروان؟ قال: لا أدري)(٣) أقول: هنا نقف هنيهة ؛ إذ يستوقف نظرنا حادث غريب لا نعرف كيف يتفق مع هذا السخاء المفرط، ذلك أنَّ عثمان لمَّا أرسل عبد الله بن سعد، وكان أخاه من الرضاع، لغزو أفريقية قال له: إن فتح الله عليك أفريقية فلك ممَّا أفاء الله على المسلمين خُمس الخُمس، ويقول ابن جرير الطبري: وقسَّم عبد الله ما أفاء الله عليهم على الجند وأخذ خُمس الخُمس، وبعث بأربعة أخماس إلى عثمان مع ابن وثيمة النظري، وضرب فسطاطاً في موضع القيروان وأوفد وفداً فشكوا عبد الله فيما أخذ، فقال لهم: إنَّا نفلته، وكذلك كان يصنع، وقد أمرت له بذلك وذاك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد، قالوا: فإنَّا نسخط، قال: فهو رد، وكتب إلى عبد الله بذلك(٤)

____________________

(١) إنَّا لنجهل حقيقة هذا التقسيم ويجهله كل أحد، ولعل عثمان لا يرى أحداً من الأنصار والمهاجرين مسلماً صحيح الإسلام إلاّ بني أبي معيط، إنَّ هذا لشيء عجاب.

(٢) ج ١، ص ١٨٧.

(٣) ج ٥، ص ٥٠.

(٤) عبد الله بن سعد هو عبد الله بن أبي سرح المذكور في كلام أبي الحديد كما عرفت، أسلم قبل الفتح وكان يكتب الوحي، ثم ارتد مشركاً وصار إلى قريش في مكة فقال لهم: إنِّي كنت أصرف محمداً حيث أريد، كان يملي علي َّعزيز حكيم، فأقول: حكيم عليم، فيقول: (نعم، صواب) ولمَّا كان يوم الفتح هدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمه وأمر بقتله ولو وجد تحت أستار الكعبة، ففرَّ إلى عثمان، فغيَّبه مدة، ثم أتى به إلى النبي وطلب أمانه، فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلاً ثم قال: (نعم)، وبعد أن خرج عثمان وعبد الله قال رسول الله لمَن حوله: (ما صمتُّ إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه) انتهى ملخَّصاً عن الاستيعاب، ج ١، حرف العين، باب عبد الله.

٢٧

فإنَّا كلَّما حاولنا تعليلاً صحيحاً لهذا الحادث الغريب في بابه، وكلَّما قلبنا الأمر ظهراً لبطن، لم يصل الفكر إلى حلٍّ صحيح يصح لنا أن نسميه

تعليلاً.إذن ،ونحن نريد الوصول إلى الحقيقة نرجعه إلى المدرِّس بكلية الآداب بالجامعة المصرية الأستاذ أحمد أمين.وينحصر السؤال بأمرين: لماذا توقَّف من إعطاء خُمس الخُمس - وقد نفله إيَّاه - وأناط الأمر بسخط الوفد وعدمه؟ لماذا لم يستشر المسلمين بإعطاء الخمس كله لمروان؟ ولا حرج علينا إن قلنا للأستاذ أنَّ كلمة (اجتهد) مرادفة لكلمة أخطأ أو اشتبه، على أنَّ الحادثتين من واد واحد وموضوعهما واحد وملاكهما واحد، فكيف يعقل اختلاف نظر المجتهد فيهما؟

وابن الأثير يحدِّثنا بحديث إن صح، وإن شاء الله لا يكون صحيحاً، يدلُّنا على الفوضى التي كانت تعمل في بيت المال في ذلك الوقت ؛ فإنَّها كانت تجرف ما في بيت المال إلى خزائن بني أميَّة، يقول: وحمل خمس أفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمئة ألف دينار، فوضعها عثمان

عنه، وكان هذا ممَّا أخذ عليه، وهذا أحسن ممَّا قيل في خمس أفريقية ؛ فإنَّ بعض الناس يقول: أعطى عثمان خمس أفريقية عبد الله بن سعد، وبعضهم يقول: أعطاه مروان بن الحكم.وظهر بهذا أنَّه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتح فيها جميع أفريقية(١) .

وتتجلَّى بوضوح هذه الفوضى الجارفة التي نشبت مخالبها في بيت المال، والتي لا تتَّفق مع عقلية أي عصر من العصور، إذا سمعنا المسعودي يقول في حديثه: (وكان عثمان في نهاية الجود والكرم والسماحة والبذل في القريب والبعيد، فسلك عماله وكثير من أهل عصره طريقته، وبنى داره في المدينة وشيَّدها بالحجر والكلس وجعل أبوابها من الساج والعرعر(٢) واقتنى أموالاً وجناناً وعيوناً بالمدينة... وذكر عبد الله بن عيينة أنَّ عثمان يوم قتل كان عند خازنه من المال خمسون ومئة ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مئة ألف دينار، وخلف خيلاً كثيرة وإبلاً، وقد ذكر سعيد بن المسيَّب أنَّ زيد بن ثابت حين مات خلف من الذهب والفضة ما يكسَّر بالفؤوس(٣) غير ما خلف من الضياع بقيمة مئة

____________________

(١) ج ٣، ص ٣٥.

(٢) العرعر كمرمر، قال في القاموس: شجر السرو فارسية، الواحدة سروة، وقيل: الساسم وهو شجر أسود، وقيل: إنَّه الأبنوس، وقيل:

الشيزي، وقيل: شجر يعمل منه القسي.

(٣) الفؤس والأفؤس جمع فأس ؛ وهي آلة ذات هراوة قصيرة يقطع بها الخشب وغيره، مؤنَّثة، وقد يترك همزها يقال: فاس الخشبة؛ أي شقَّها بالفاس.

٢٨

ألف دينار... ومات يعلى بن أميَّة وخلّف خمس مئة ألف دينار وديوناً على الناس وعقارات وغير ذلك ما قيمته مئة ألف دينار... إلى أن قال: وهذا باب يتَّسع ذكره ويكثر وصفه فيمن تملَّك من الأموال في أيَّامه، ولم يكن مثل ذلك في عصر عمر بن الخطاب، بل كانت جادَّته واضحة وطريقته بيِّنة، انتهى.

وكأنَّ المسعودي أراد المقايسة بين عمر وعثمان فقال: حج عمر فأنفق في ذهابه ومجيئه إلى المدينة ستة عشر ديناراً، وقال لولده عبد الله: لقد أسرفنا في نفقاتنا في سفرنا، انتهى(١) .

ونحن نترك المقايسة بين حياة هذين الخليفتين للقارئ الكريم، وله نترك الحكم والتحليل الفني ليستطيع أن يعلم أنَّ أبا ذررضي‌الله‌عنه لم يكن مزدكياً ولا اشتراكياً وإن كان ولا بد أن تصفه بشيء من ذلك، فلابد أن تحمل هذه الألقاب على الخليفتين، بل وعلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونعوذ بالله من ذلك.

شاهد أبو ذر بأمِّ عينه ما سمعناه بعد ألف وثلاثمئة ونيف وعشرين سنة، إذن يحق له أن يستغرب تلك الفوضى في بيت المال التي لم يكن رآها من قبل، ويصح - وأيم الله - أن تكون سبباً لتهيُّجه وثورته بالمدينة وأن يتلو قوله تعالى:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) الآية.

لا يشك أحد في أنَّ أبا ذر لمَّا رأى هذا العطاء بسخاء مفرط وسرف في مال المسلمين من غير مبالاة، رفع عقيرته يقول مرة:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) ، وثانية يقول: (وبشِّر الكافرين بعذاب أليم) ولم يكن في رأيه هذا منقاداً لمزدك وإنما للتعاليم الإسلامية التي كان عليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده، وقد تفهَّمناها فهماً حقيقياً من سيرة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

____________________

(١) مروج الذهب، ص ١٥٠ من هامش الجزء الخامس من تاريخ ابن الأثير.

(٢) فإنَّه كان يأتدم بإدام واحد بخل أو ملح، وكان يلبس الكرباس، ويجمع كل هذا أنَّه كان أخشن الناس مأكلاً وملبساً. قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت إليه يوم عيد فقدِّم إليه جراب مختوم، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً، فقُدِّم فأكل، فقلت: يا أمير المؤمنين، فكيف تختمه؟ قال: (خفتُ هذين الولدين أن يليِّناه بسمن أو زيت) وكان ثوبه مرقوعاً بجلد تارة وبليف أخرى) وهو القائل - بأبي هو وأمي - في كتابه لعثمان بن حنيف: (ألا وإنَّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه) وقال فيه: (فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا... ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفَّى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيُّر الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة مَن لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع )إلى آخر الكتاب.أقول: هكذا يجب أن تكون حياة خليفة المسلمين.

٢٩

وبأيسر نظرة في التاريخ يعلم الباحث أن أبا ذر لم ينفرد بالإنكار على عثمان، بل شاركه غيره من الصحابة في الاحتجاج على أعماله.يقول ابن أبي الحديد: (ولمَّا تكاثرت أحداثه وتكاثر طمع الناس فيه، كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى مَن بالآفاق: إنَّكم إن كنتم تريدون الجهاد فهلمُّوا إلينا ؛ فإنَّ دين محمد قد أفسده خليفتكم فاخلعوه، فاختلفت عليه القلوب)(١) وفي الحق أنَّ أبا ذر لم يكن أشد إنكاراً على عثمان ولا أشد احتجاجاً من غيره من الصحابة، فإنَّ هناك مصادر كثيرة تبعث في النفس اليقين أنَّ لهجة الاحتجاج عليه من الصحابة شديدة جداً ؛ فهذا ابن الأثير وغيره يحدِّثنا عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنَّها كانت تقول: (اقتلوا نعثلاً فقد كفر) وفي ذلك يقول ابن أم كلاب

وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام

وقلتِ لنا: إنَّه قد كفر(٢)

ويقول العلّامة المعتزلي ابن أبي الحديد: (فجاء زيد بن أرقم - وكان صاحب بيت المال - بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان وبكى، فقال: أتبكي لأني وصلت رحمي، قال: لا، ولكن أبكي لأنِّي أظنَّك أنَّك أخذت هذا المال عوضاً عمَّا كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو أعطيت مروان مئة درهم لكان كثيراً، فقال: القِ المفاتيح يا ابن أرقم ؛ فإنَّا سنجد غيرك(٣) .

ولا أحب أن أكثر عليك سرد الاحتجاجات من سائر الصحابة وحسبنا شاهداً تلك القيامة التي قامت وهاتيك الضوضاء التي علت فأدت إلى قتل خليفة المسلمين بمرأىً ومسمع من الصحابة أجمع، ومهما ضعفت مداركنا وأردنا أن نخدع أنفسنا بتلك السطور التاريخية فلا يسعنا أن نقف أمام تلك الحوادث جامدين لا نعلم ماذا نقول ؛ فإنَّه من المستحيل أن نؤمن بأن تلك الحملة العنيفة على خليفة المسلمين كانت عن عبث أو ضلَّ المسلمون والصحابة وأضاعوا رشدهم ونبذوا الدين ظهريا فلا يرون لخليفتهم حرمة، فيهاجمونه لا عن سبب، وعلى أيِّ محمل من المحامل الصحيحة نحمل كلام عائشة أم المؤمنين وهي ممَّن يحتج بكلامها(٤) .

____________________

(١) شرح النهج، ج ١، ص ١٦٥.

(٢) ابن الأثير، ج ٣، ص ٨٠، والطبري، ج ٥، ص ١٧٤.

(٣) شرح النهج، ج ١، ص ٦٧.

(٤) لعلك تقول: إنَّ أم المؤمنين رجعت عن قولها (اقتلوا نعثلاً فقد كفر)، وقالت لابن أم كلاب: (ويلك، قولي الأخير خير من قولي الأول) ذكر ذلك الطبري وغيره، ولكن أقول: إنَّ هذا الكلام منها لا قيمة له ولا وزن بعد أن عرفنا مغزاه والمقصد الذي ترمي إليه، وتستوضح ذلك المقصد من قولها (رضي الله عنها) له: (والله، ليت أن هذه انطبقت على هذه إنْ تمَّ الأمر لصاحبك) فإنَّ هذا الكلام يوضح لنا نفسية أم المؤمنين ؛ ويبيِّن لنا أنَّها لم تأسف على قتل عثمان وإنَّما تألَّمت لأنَّ علياًعليه‌السلام ولي الأمر، ونحن صعب علينا كشف هذا السر الغامض وإن أحب ذلك دعاة التفرقة وأنصار الحرية والتجدُّد.

٣٠

وأمَّا لو عمدنا إلى شرح الأسباب التي حرَّكت عواطف أبي ذر فثار في الشام منتصراً للحق الذي اتخذه مبدأ منذ دخل في الإسلام لطال بنا الكلام، ولكن نقول إجمالاً أنَّ معاوية مثَّل دوراً كاملاً في الفظاعة والخلاعة والتهتُّك، وناهيك أنَّ الأموال كانت تصرف على إماتة السنن وإحياء الباطل ،كانت تصرف على الخمور والفجور وبناء القصور وهتك الحرمات وارتكاب المحرمات، وأنَّ أبا ذر نفسه يقول في حديثه: (والله، حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله وسنة نبيه، وإنَّي لأرى حقَّاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذَّباً، وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه)(١) ، ولا أريد أن أحدِّثك بكل تلك الفظائع التي يندى منها جبين الإنسانية، ولا بكل بوائقه التي تسيخ منها الأرض، ولا أحدِّثك ببعضها ؛ فدونك السير والتواريخ تجد صحائفه سوداء من بوائق معاوية وقبائحه ومخازيه.

إلى هنا يكفينا هذا المقدار فلا نطيل الحديث... ومن هنا تقدر أن تعلم قيمة تلك الفلسفة التي جاء بها أحمد أمين، وغير مغالين إن قلنا: إنَّها لا وزن لها ولا قيمة في سوق الحقائق.

نحن نرى أحمد أمين نفسه (في صفحة ٩٧) يقول: وقد عجزوا (يعني أهل الردة) عن أن ينظروا إلى أنَّ الزكاة كجزء من المال يؤخذ للصرف في الصالح العام، وهو ما يرمي إليه الإسلام، فما باله تعامى عن تلك الأموال التي كانت تجرفها السياسة إلى خزائن بني أميَّة فلم يدلنا في أي صالح من المصالح العامة أنفقت؟ والى أيِّ مسلم عابد أو مربية أيتام أعطيت؟؟ وكأنَّ العصبية أخذت بخناقه دون أن يجاهر بشيء من الحقائق، فلم يرَ ملجأ يأوي إليه إلاّ التحامل على أبي ذر فرماه بالمزدكية (ففي سبيل حرية البحث يحتسب أبو ذر هذه الوصمة).أجل، ونفسح المجال للمعترض بأن يقول: أيُّ دخل لهذه الأموال التي كان ينفقها عثمان بثورة أبي ذر ؛ ذلك أنَّ كلام أبي ذر (كما دلَّتنا عليه سيرته) كان موجَّهاً للأغنياء، حيث كان يمشي بالأسواق حتى شكا منه الأغنياء إلى غير ذلك؟ قلنا: هذا اعتراض يولده ضيق الخناق والمخاتلة في الحق الصراح ؛ ذلك أنَّك عرفت أنَّ أبا ذر كان ثالث المسلمين أو رابعهم، إذن عاش ردحاً من الزمن في زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدة خلافة أبي بكر وعمر، والأغنياء وأصحاب الأموال

____________________

(١) ابن أبي الحديد، ج ١، ص ٢٤٠، ولا تضرُّنا دعوى صاحب الكتاب أنَّ ابن أبي الحديد شيعي معتدل ؛ فإنَّ الأستاذ اعتمد عليه في النقل واحتج به في مواضع من كتابه، ومن القبيح أن تكون باؤه تجر وباؤنا لا تجر، على أنَّه سيمرُّ عليك البرهان بأنَّه معتزل حنفي.

٣١

بمرأى منه، ولم يحدِّثنا أحد ولا تاريخ أنَّه انتقد غنياً أو تكلَّم بكلمة تشعر بشيء من ذلك ؛ إذن فما باله ثار تلك الثورة عليهم في مدة خلافة عثمان، كأنَّه حسب أنَّهم ضلُّوا الطريق أو أشركوا بالله، سبحانك اللهم لا شيء من ذلك، فلينصفنا المنصفون وما أقلَّهم.

عقائد الفرس وأثرها في نفوس بعض المسلمين

يستعرض صاحب الكتاب طوراً آخر من أطوار البحث العلمي الدقيق الجميل (بزعمه) ؛ ذلك أنَّه يلقي على مسرح التأليف درساً جديداً في الأدب وفي عقلية الإسلام، فيقول: (ممَّا يتَّصل بعقائد الفرس الدينية وكان له أثر في نفوس بعض المسلمين أنَّهم كانوا ينظرون إلى ملوكهم كأنَّهم كائنات إلهية اصطفاهم الله للحكم بين الناس وخصهم بالسيادة وأيدهم بروح منه فهم ظل الله في أرضه(ص ١٣٢) ولقد فسَّر ذلك البعض من المسلمين بقوله: (فنظرة الشيعة في علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين في الملوك الساسانيين)(ص ١٣٤) وهو حديث طريف من أستاذ الجامعة المصرية التي تدرَّس فيها العصبية العمياء باسم الأدب مرة، واسم عقلية الإسلام ثانية، والأعجب أنَّ الجامعة تحسب أنَّ هذه الأبحاث ذات قيمة، وأنَّها أقيمت على أساس رصين من البرهان المنطقي.ولقد استقى صاحب الكتاب هذا الرأي من منبع أوربي، فإنَّه أخذه (تقليداً) عن دوزي ؛ حيث ذهب إلى أنَّ أساس الشيعة فارسي، وفي أثناء إثبات هذه المحاولة قال: (وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى المَلِك نظرة فيها معنى إلهي فنظر الشيعة هذا النظر نفسه في علي وأبنائه) وأنت ترى أنَّ أحمد أمين يستقي من هذا المنبع.

الشيعة يعتقدون في علي وأبنائهعليهم‌السلام أنَّهم (ظل الله في أرضه)، ولكن هل انحدر إليهم هذا الاعتقاد من الفرس أو كانوا به شذَّاذاً؟ وفي الحق أنَّهم اقتفوا أثر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإنَّا نراه يقول: (أهل بيتي فيكم كسفينة نوح مَن ركبها ومَن تخلَّف عنها غرق)، وقال: (إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي)الحديث(١) والشيعة لا يحاولون معنى من (ظل الله في أرضه) غير هذا المعنى الذي بيّنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث، من أنَّهم أمان أهل الأرض، وأنَّهم في هذه الأمة كباب حطة في بني إسرائيل، وأنَّهم كسفينة نوح، وأنَّهم أعدال كتاب الله، فإن كان هذا الاعتقاد من الشيعة في علي وأبنائه ذنباً فالمسؤول عن

____________________

(١) هذا حديث صحَّ عن ثلاثين صحابياً، وهو متواتر معنى بألفاظ متقاربة.

٣٢

ذلك إنما هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ هو الذي أمرهم بهذا، وللشيعة به الأسوة الحسنة.

كل مسلم قرأ آية المباهلة يعلم أنَّ علياًعليه‌السلام كنفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكل من قرأ آية التطهير والأحاديث الصحيحة الواردة في نزولها يعلم أنَّ علياً وأبناءه هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرا، وقد افترض الله مودَّتهم في محكم الكتاب ؛ إذن لا ضير إن اعتقدت الشيعة فيه وفي أبنائهعليهم‌السلام ذلك، ولكن الغريب المدهش، والداهية الدهياء، والنازلة التي تصم المسامع، اعتقاد إخواننا أهل السنة (الذين تسرَّب الإيمان الكامل إلى أعماق قلوبهم في أمرائهم وملوكهم الذين ارتكبوا البوائق والفضائح، وشربوا الخمور وارتكبوا الفجور، وسفكوا الدماء وهتكوا الأعراض وو... إلى ما هنالك من منكرات تسيخ منها الأرض ويندى منها جبين الإنسانية ؛ يعتقدون في معاوية ويزيد وأمثالهما من سائر الملوك والأمراء أنَّهم ظل الله في أرضه، وإليك نموذجاً: قال سعد الدين التفتازاني في مقدمة مطوَّله: (كل ذلك بميامن دولة سلطان الإسلام، ظل الله على الأنام، مالك رقاب الأمم، خليفة الله في العالم) وأعاد تلك النغمة في مختصره فقال: (رافع منار الشريعة النبوية، كهف الأنام، ملاذ الخلائق قاطبة، ظل الإله، جلال الحق والدين) .وقال عبد الرحيم السالكوني في حاشيته على شرح الشمسية: (جعلته عراضة لمَن خصَّه الله بالسلطة الأبدية، وأيَّده بالدولة السرمدية، مروِّج الملَّة الحنيفية البيضاء، مؤسِّس قواعد الشريعة الغراء، ظل الله في الأرض، غياث الإسلام والمسلمين) .وقال فيلسوف المؤرِّخين وإمام متجِّددي عصرنا الحاضر ابن خلدون في مقدمته: (مظهر الآيات الربانية، نور الله الواضح، ونعمته العذبة الموارد، ولطفه الكامن بالمراصد للشدائد، ورحمته الكريمة المقالد) .وجاء في نقش خطبة قابيتا على حجر بجبل عرفات ما نصُّه: (مولانا السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، حاوي فضيلتي السيف والقلم، ظل الله الممدود على العالم، أبو النصر قابيتا... إلخ) وجاء في وقفية كسوة الكعبة بخط قاضي المعسكر محمد بن قطب الدين ما نصُّه: (... السلطان الأعظم، والخاقان الأكمل، ظل الله في أرضه، السلطان سليمان شاه بن السلطان سليم... إلخ)(١) .

____________________

(١) الحق أنَّ هذا الشيوع من الغلو أفسح مجالاً واسعاً للشعراء وسهَّل لهم طريق المبالغة والعلو إلى ما فوق المعقول ؛ فربَّما يضع الشاعرُ الخليفة أو الأمير موضع الربوبية فيخاطبه بنحو ما يخاطب الله تعالى، ونضرب لك مثلاً قول بعضهم:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهَّار

وهذا باب واسع يوقف الباحث موقف الإعياء، وقد شاءت هذه التطرُّفات في اللهجات عند الأقدمين، سواء في ذلك الشيعة والسنة، فالذي يريد أن يحلِّل النفسيات يقف موقفاً رهيباً خطراً حينما يقف عند هذا البيت وأمثاله

٣٣

وجاء في مستهل المعاهدة بين تركيا وفرنسا سنة ١٧٤٠ في زمن السلطان محمود خان بن السلطان مصطفى، وهي أول معاهدة بين تركيا وفرنسا: (أنا سلطان السلاطين وملك الملوك، واهب تيجان المُلك، ظل الله على الأرضين باد شاه وسلطان البحر... إلخ)(١) ولقد شاعت هذه المبالغات على ألسنة العلماء.ولو رجعنا إلى مؤلَّفاتهم، خصوصاً بعد القرن الخامس من الهجرة، لرأيناهم إذا ذكروا أحد الملوك أو الأمراء وضعوه قريباً من مقام العزة الإلهية ورفعوه عن مصاف البشر، ومَن يرجع إلى مؤلَّفاتهم يجمع من هذه الألقاب الضخمة مجلَّداً كبيراً، ولا يعطونها جزافاً ؛ فلقد رووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إذا مررت ببلد ليس فيه سلطان فلا تدخله؛ إنَّما السلطان ظل الله في أرضه).

ولم يقف إخواننا أهل السنة عند هذا الحد، بل تجاوزوه إلى إطلاق بعض الصفات على بعض أوليائهم كما حدَّثنا بذلك المنفلوطي في نظراته عن إطلاق بعضهم صفات وألقاباً على الشيخ عبد القاهر الجيلاني هي بمقام الإلوهية أشبه منها بمقام النبوة: (سيد السماوات والأرض، والنفَّاع والضرَّار، والمتصرِّف في الأكوان، والمطَّلع على أسرار الخليقة، ومحيي الموتى، ومبرئ الأعمى والأبرص والأكمه، وماحي الذنوب، ودافع البلاء، والرافع والواضع، وصاحب الوجود التام) هذه بعض الألقاب التي أطلقوها على رجل مهما صوَّرته الأيَّام والظروف فلا تصوِّره أكثر من أنَّه كان رجلاً شريفاً صالحاً، على أنَّ ذلك وقع محلَّ شك من بعض العلماء وألَّف في ذلك كتاباً وردَّ عليه بعضهم ردَّاً مفصَّلاً سمَّاه: السيف الرباني في عنق الطاعن في الشيخ الجيلاني، وهذا البريد المصري يحمل في كل يوم أكداساً من المكاتيب من جميع الجهات المصرية إلى الإمام الشافعي وفيها التوسُّلات والشكايات، وفيها يطلبون معونة الشافعي على قضاء حوائجهم، ويستصرخه المظلوم على ظالمه، والرجل على زوجته، والوالد على ولده، والدائن على مدينه، إلى ما هنالك من آلام وأحزان ومصائب، ولربَّما كان هذا أمراً عاديَّاً عند مصر

____________________

لا يرى مناصاً عندما يريد أن يكشف عن معتقده إلاّ أن يقول: أشرك بالله - مثلاً - أو أنَّه حُلولي... إلى غير ذلك من العقائد التي تخرجه عن ربقة الإسلام، وبنظرنا أنَّ هذا ليس بصحيح ؛ لأنَّ شعر الأقدمين والكثير من المتأخرين بني على الغلو، فلا يصح أن يتخذ مقياسا للعقائد ومرآة للأخلاق، كما وأنَّه لا يصح أن يكون مرآة صادقة للوطنية ؛ فكم رأينا من الشعراء مَن يتغنَّى باسم الوطن، ولكن إلى إيِّ حد يتفانى بحب الوطن؟ إلى أن يتسنَّم الكرسي ويمتلئ فوه بالدرهم والدينار، وإذاً فالحق أنَّ لا نأخذ شعر الأقدمين دليلاً على شيء، وكذلك شعر الذين يتغنُّون باسم الوطن ومهوى أفئدتهم الأصفر الرنَّان.

(١) العرفان، مجلَّد ٥، ص ٣٩٩.

٣٤

(الراقية)، وبعض الجرائد تحدِّثنا أنَّه يصل إلى ضريح الشافعي مئات من العرائض والتوسُّلات من أنحاء القطر المصري تقدَّر بثلاثة آلاف عريضة في كل شهر!!(١) هذا ومصر أم المدنية والحضارة العربية والشافعي لا يزيد عن كونه فقيهاً من فقهاء المسلمين.

وهذا الاعتقاد لم يكن راسخاً في نفوس العلماء والعامة الساذجة فحسب، بل السلطان نفسه أو الخليفة (مهما كانت هويته ونفسيَّته) كان يُكذِبُ نفسه فيعتقد أنَّه ظل الله، ولقد رأيتَ ما كتبه السلطان محمود، ويقول المنصور العبَّاسي في خطبته التي خطبها في مكَّة: (أيُّها الناس، إنِّي سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه ؛ فقد جعلني الله عليه قفلاً إن شاء أن يفتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم وإن شاء أن يقفلني عليها قفلني)(٢) .

لقد تعالى المنصور على أعواد المنابر ورفع عقيرته بهذه الكلمات، فهل يخالجك شك أو وهم بأنَّ أحداً ممَّن حضر - وهم حجَّاج بيت الله الحرام وفيهم العلماء والقضاة والعباد - أنكر عليه، وهل حدَّثك التاريخ بذلك؟! كلاّ وألف كلاّ.. وكأنَّه لا ينافي أن يكون المنصور سلطان الله في أرضه أو ظل الله ويقترف سائر المنكرات التي حرَّمها الله تعالى في كتابه، فيشرب الخمور ويرتكب الفحشاء والمنكر ويحضر مجالس اللهو والطرب، ولا ينافي أنَّ العلماء يعتقدون أنَّه الحاكم بأمر الله، وأنَّه سلطان الله في أرضه والأمين على خلقه، ولا يعدُّون هذا من عقائد الفرس في شيء، ولكن اعتقاد الشيعة في علي وأبنائهعليهم‌السلام أنَّه ظل الله في أرضه بدعة في الدين وعقيدة سرت إليهم من الفرس بزعم أحمد أمين، ففي ذمَّة البحث ما يلاقيه الشيعة.

لم نستنتج اعتقاد إخواننا أهل السنة في أولئك الخلفاء والأمراء - الذين حدَّثنا عنهم التاريخ - عن تكهُّن وتنبؤ، فإنَّ نظرة بسيطة في معنى الخلافة عندهم توقف الباحث على أنَّ تلك الجمل الضخمة صادرة عن اعتقاد ومن أعماق القلوب، ولقد سمعت من قبل أنَّهم رووا: (إذا مررت ببلد وليس فيه سلطان، فلا تدخله ؛ إنما السلطان ظل الله في أرضه) وفسرَّ ذلك بعضهم برحمة الله ومعونته ؛ فالخلافة عندهم من الأصول التي قرَّرها الإسلام وجعلها فرضا دينياً، قال عبد السلام في حاشيته على الجوهري: (الخلافة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله )، وابن خلدون يقول: (وأمَّا تسميته خليفة، فلكونه يخلف النبي في أمته فيقال له:

____________________

(١) الدنيا المصوَّرة، عدد ١٣، سنة ١٩٢٩.

(٢) العقد الفريد، ج ٢، ص ٣٧٠.

٣٥

خليفة بإطلاق)(١) وفي موضع آخر يقول: (فهي بالحقيقة خلافة عن صاحب الشرع)(٢) .والظاهر أنَّه لا ريب في أنَّ الخلافة عندهم من الله تعالى، ويرشدنا إلى ذلك قول ابن أبي الحديد المعتزلي في أوَّل خطبة كتابه شرح نهج البلاغة: (الحمد لله الذي قدَّم المفضول على الفاضل) وقول ابن خلدون: (وعندهم أنَّ الله جلّ شأنه كما اختار محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله لدعوة الحق وإبلاغ شريعته المقدَّسة إلى الخلق فقد اختاره لحفظ الدين وسياسة الدنيا) وعندهم أنَّ الخليفة حمى الله في أرضه، اصطفاه الله للحكم بين الناس ؛ يحق له التصرُّف في أموالهم ورقابهم وهو مقدَّس الحكم والعمل، ونحن نعلم أنَّ الخليفة من زمن معاوية حتى آخر دولة بني عثمان - اللهم إلاّ القليل - كان مظهراً من مظاهر الفساد، وعنواناً من عناوين الرذيلة، يرتكب كل رذيلة، ولا يتناهى عن منكر، ويصرف الوقت بين حانات الخمور، وفي أحضان الغواني والغلمان، وفي ذلك يقول الشاعر:

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا

خليفة الله بين الناي والعود(٣)

وإذن نحن نسأل أحمد أمين وغيره عن النظريتين ؛ أي نظرية الشيعة في علي وأبنائهعليهم‌السلام ونظرية إخواننا أهل السنة في الخلفاء والأمراء، ولا نعلم هل نجد المنصف ليحكم بالحق ويرى أي النظريتين مطابقة لِمَا هو المعقول أو لا نجد؟!

كنت أود أن لا أقف مع إخواننا أهل السنة هذا الموقف الحرج، وكنَّا في فسحة من ذلك، بيد أنَّ صاحب الكتاب ومَن لفَّ لفَّه من المعجبين بتقاليدهم وآرائهم وفيما يكتبون ويقولون، أوقفونا هذا الموقف ؛ لأنهم لم يبقوا في القوس منزعاً، وتفنَّنوا في اضطهاد الشيعة وأسفّوا بعيداً( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) .

الآن وقد تبين لك بوضوح أنَّ يد العصبية الأثيمة والتحامل الذميم هي التي سجَّلت تلك العبارة: (فنظرة الشيعة...إلخ) وعلمت أنَّ قيمتها قليلة، فلننظر إلى معنى عقدالجمل؛ أي الجملة التي جعلها أحمد أمين خبر عن المبتدأ، وهي قوله: (هي نظرة آبائهم الأولين في الملوك الساسانيين) فإنَّ الشيعة يختلفون قومية، ففيهم العربي والهندي والتركي والروسي والصيني وفيهم الفارسي، فهل يرى أنَّ كل هذه الأصناف فرس وملوكهم ساسانيون؟ أو أنَّه يرى أنَّ كل شيعي هو ينتمي إلى أصل فارسي فلا محالة يكون متأثراً بالعقيدة الفارسية، بالرغم عن البيئة التي يعيش

____________________

(١) مقدمة ابِّن خلدون، ص ٢١٢.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) لبَشَّار بن بُرد.

٣٦

فيها والطقوس والآداب والأخلاق التي قد تناقض آداب وأخلاق أصله الفارسي؟ كل ذلك تركه هملاً، ولا شك أن هذا جناية تاريخية كبرى على الناشئة المصرية (النبيلة) يقترفها صاحب الكتاب ؛ ذلك أنَّها تنشأ وتشب على جهل أمة يزيد عددها على الثمانين مليوناً وفيها العربي الذي تربطه مع مصر الصلة القومية وفيها الهندي والتركي وغيرهما، وأيُّ نقص أكبر من هذا النقص الذي تراه في مدرِّس الآداب في الجامعة المصرية فإنَّه يجهل كل الجهل تاريخ طائفة من المسلمين نسبتها إليهم الثلث تقريباً، ويجهل أو يتجاهل أن التشيع ظهر في العرب قبل ظهوره بفارس وسترى ذلك مفَّصلاً، وفي سوريا - وهي عربية - ظهر التشيُّع في خلافة عثمان بسبب أبي ذر الغفاريرضي‌الله‌عنه الذي كان داعية لعليعليه‌السلام واستجاب له الكثيرون في جبل عامل ؛ ولهذا السبب وحده استغاث معاوية منه بعثمان، وهذا هو معنى إفساد الشام عليه، وهو السبب في حمل أبي ذر على بعير ظالع بلا وطاء، ولهذا شتم معاوية أبا ذر الذي لم يفارق الحق، وسيمرُّ عليك طرف من ذلك. وأمَّا ظهور التشيع في فارس، فقد كان متأخِّراً جداً، وقد رأيت من قبل أنَّه كان في آخر الدولة الأموية.وأمَّا شيوعه فيها، فكان حول القرن الثامن عن يد العلاّمة الحسن بن المطهَّر الحلِّيرضي‌الله‌عنه ، كل ذلك يجهله مدرِّس الآداب، وكل ذلك له الصلة التامة في الأدب، وإذن الذي نظنُّه أنَّ الناشئة المصرية تتلقَّى من درس الأدب الجهل الفاضح.

ولئن قيل: إنَّ كلام صاحب الكتاب يختص بشيعة الفرس ؛ إذ الكلام في مذاهبهم، قلنا: إنَّ الألف واللام الجنسية الداخلة على لفظة (شيعة) ينافي ذلك، على أنَّ الشيعة (الاثني عشرية) لا يختلفون في المذهب ولا في النظريات ؛ فالفارسي والعربي والهندي سواءٌ من حيث الاعتقاد بعلي وأبنائهعليهم‌السلام .

ثنويَّة الفُرس منبع يستقي منه (الرافضة)

وهنا حديث غريب يوقِّعه صاحب الكتاب على وتر النعرة القومية ويقتفي أثر سلفه وينسج على ذلك المنوال ؛ فهو يستسلم للتقاليد قبل كل شيء وفي كل شيء، فكأنَّه لا يعلم بأنَّه سوف يكون مؤاخذاً في كل ما يكتب وفي كل ما يقول فهو يسترسل وراء النفس الطموحة ووراء تلك العاطفة الممقوتة لا يلوي على شيء، فلقد رأيته يرمي الشيعة بأنَّهم تأثَّروا بعقائد الفرس، وتلو هاتيك الجملة القاسية بلا فصل يقول: (وثنويَّة الفُرس كان منبعاً يستقي منه الرافضة (كذا) في الإسلام فحرَّك ذلك المعتزلة لدفع حجج الرافضة (كذا) وأمثالهم) ولنقف مع أحمد أمين يسيراً للحساب

٣٧

ولنرى ما هي تلك الينابيع التي استقت منها (الرافضة)؟ وما هي تلك الشواذ التي عزَّزها (الرافضة) في الإسلام؟الرجعة ... ويزعم أنَّ الشيعة أخذتها من عبد الله بن سبأ وكان يهودياً،تحريم النار على الشيعة إلاّ قليلاً ... ويزعم أنَّ الشيعة أخذتها عن اليهود،تأليه علي عليه‌السلام ... ويزعم أنَّهم أخذوه عن النصرانية،الصراط والحساب وغيرهما من الأمور التي يعتقد بها سائر المسلمين ... كل ذلك يقرِّره صاحب الكتاب في مواضع من كتابه، وكلَّها ليست من ثنوية الفرس.إذن ما هي تلك الينابيع التي يستقي منها الرافضة ؟ لا ندري ولا صاحب الكتاب يدري.نعم، يبقى هناك شيء آخر هوتناسخ الأرواح وتجسيم الإله ويقرِّر الأستاذ أنَّها عقائد برهمية ومجوسية ظهرت تحت اسم التشيُّع، وهنا محل المثل المشهور: رمتني بدائها وانسلّت ؛ أليس قد أجمع الأشاعرة وغيرهم من فرق أهل السنة خلا المعتزلة أنَّ الله يُرى يوم القيامة؟ ونحن نرجئ الكلام في هذه المسألة إلى محلِّه وسيمر عليك، ولكن يحسن منَّا أن نقول كلمة موجزة هنا هي: إنَّ تجسيم الإله أمر لازم لمقالة أهل السنة الذين أجمعوا أنَّ الله يُرى يوم القيامة، والتستر أنَّه يرى بلا كيفية لا ينفع ؛ لأنَّ ذلك غير معقول.والتجسيم مذهب الحنابلة ولعلماء أهل السنة أقوال مختلفة في التجسيم تنوف على عشرة أقوال حتى قال بعضهم: (اعفوني عن الفرج واللحية وسلوني عمَّا وراء ذلك).

الرافضة تستمدُّ من ابن ديصان

وهناك عبارة ثالثة - والحق أنَّها ثالثة الأثافي - هي قوله: (ومنها استمد الرافضة (كذا) بعض أقوالهم)(ص ١٦٥).

خلاصة ما يرمي الأستاذ به الشيعة: ابن ديصان كان ذا مذهب ديني مزيجاً من الثنوية والنصرانية، وكان ينكر بعث الأجسام ويقول: إنَّ المسيح ليس جسماً حقيقياً، بل صورة شبِّهت للناس، وهناك تعاليم كثيرة لا تنطبق مع الإسلام بقيت بعد ظهور الإسلام ومنها استمد الرافضة.انتهى بتصرُّف منَّا.

أحكام تستوجب الدهشة والاستغراب لم نسمعها من ذي قبل، وهجمات شديدة عنيفة وادعاءات تستوقف الباحث مرتكباً فلا يعلم من أين يلتمس الشاهد والدليل والمثال لتلك الاستمدادات وليس من الممكن الاعتماد على الذوق أو التكهن ؛ إذ لا يؤمن معهما العثرة في البحث... إذن في مثل المقام لابد أن يقف الباحث والمستعلم ليستنزل الوحي أو ينظر (بالمكرسكوب) إلى نفسية أحمد أمين ليعلم ما الذي استمدَّته (الرافضة) من مذهب ابن ديصان؟ وما هي شواهد الاستمداد؟ وما هي الأدلة على هذا الحكم ليكون حقيقة راهنة عند باحث مثقَّف؟

٣٨

والذي نراه على سبيل الظن أنَّ غرض صاحب الكتاب أنَّ (الرافضة) استمدَّت من الديصانية القول بإنكار البعث، وإنْ كان هذا مراده، فما كنَّا نظن أنَّ الهوس يبلغ به إلى هذا الحد ؛ فإنَّ (الرافضة) ترى أن بعث الأجسام من الضروريات الدينية التي نطق بها القرآن، ومنكره كافر بالإجماع والضرورة من مذهبهم، ولا شك بأنَّه ضروري عند سائر الملل التي تنتمي إلى دين من الأديان السماوية، ولم ينكره سوى فرقة الصدوقيين أو الصادوقيين، فإنَّهم أنكروا البعث تمسُّكاً بمبادئ إبيقورس اليوناني.قال العلامة الجليل البحَّاثة الشيخ جواد البلاغي: (فأنكروا خلود النفس وبقاءها بعد الموت كما أنكروا القيامة، بل وأنكروا وجود الأرواح من ملائكة وشياطين، ويقال :إنَّ مبدأ دعوتهم كان نحو المئتين والثمانين سنة قبل المسيح ؛ وقد ساعدهم على هذا الابتداع أنَّ التوراة الرائجة في عهد ابتداعهم... لم تبق فيها النقليات ذكر القيامة)(١) غفرانك اللَّهُم من هذا الافتراء على طائفة لا تبرح تتلو القرآن في آناء الليل وأطراف النهار وقد صدع بالحق بأفصح بيان بثبوت المعاد وبعث الأجسام وأنذر وبشَّر، وأنَّه كائن لا محالة، وكافح الأوهام ودفع الشكوك والخيالات:( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) الشيعة أبرُّ وأتقى من أن تنكر المعاد، وأشد محافظة على أصول الدين وفروعه، وأعلم بمحكم الكتاب ومتشابهه.

ولكي يكون صاحب الكتاب ومَن لفَّ لفَّه على يقين من رأي (الرافضة) في البعث نضرب له مثلاً خلاصة ما ذكره إمام المفسِّرين المحقِّق الطوسي في تفسيره مجمع البيان - وهو من أجل تفاسير الإمامية - في تفسير قوله تعالى:( وَقَالُواْ ) أي منكرو البعث( أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا ) أي بالية إلى حدٍّ صارت غباراً أو تراباً( أَإنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ) بعد تناثر لحومنا وصيرورة عظامنا بالية متحطمة نبعث جديداً!( قُلْ ) يا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم :لا تقتصروا في ضرب المثل على تحطيم العظام، بل( كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ) واجهدوا بأن لا تعودوا، وإن استطعتم أن تكونوا حجارة أو حديداً، فكونوا كذلك ترقِّياً بضرب المَثَل( أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ) أي أعظم من ذلك وأصعب ؛ فإنَّكم لا تفوِّتون الله وسيعيدكم أحياء وتردُّون إلى صوركم التي

____________________

(١) الرحلة المدرسية، ج ٣، ص ١٩٢.

٣٩

كنتم عليها، فإذا قلت لهم ذلك( فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ ) يعيدكم القادر( الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) وخلقكم ابتداء بلا مثال وأنشأكم إنشاء بلا روية

أجالها ولا تجربة استفادها، فإنَّ مَن كانت له القدرة على ابتدائكم لا عن مثال فهو أقدر على إعادتكم وإرجاعكم إلى الهيئة التي كنتم عليها، والذي يبلغ بخلقكم إلى ما ترون هل يعزجه إرجاعكم إلى الصور التي كنتم عليها؟) انتهى ملخَّصاً.ولقد قام الإجماع عند الإمامية (الشيعة) على أنَّ البعث حق

ثابت.ومن هنا يعلم صاحب الكتاب أنَّ البعث الجسماني من الضروريات القطعية عندهم، ويا ليته استند في نسبة ذلك إليهم إلى رجل أو امرأة من (الرافضة) أو إلى مؤلَّف من مؤلَّفاتهم، ولكن لا (ويا للأسف) إنَّ أحكامه ودعاويه كلُّها جزافيَّة، لا يؤيِّدها دليل ولا برهان.

والدعاوى إلاّ يقام عليها

بيِّنات أبناؤها أدعياء

وإذن نحن لا نعرف مدَّعيات صاحب الكتاب، وليس علينا ولا على أحد أن يفهم عنديَّاته، فمرة مزدكية ومرة مانيوية وثالثة ثنوية ورابعة ديصانية وخامسة نصرانية ويهودية، كأنَّ الإسلام لم يعرفه سوى أهل السنة؟! فإلى متى هذه المهاجمات والحملات باسم الحقائق؟ ونحن نراعي الوفاق والوئام ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً فلذلك نقف مع أحمد أمين موقف المدافع، ولو أردنا المهاجمة لسردنا له من الحقائق المؤيِّدة بالبرهان القاطع ما يوقفه حائراً، ولا بأس علينا أن نقول: إنْ دام صاحب الكتاب ومَن لفَّ لفَّه من المهوسين المغرورين يتهجَّمون بالأقوال الكاذبة والآراء الفاسدة الزائفة، سوف يلجئوننا إلى المصارحة والمكاشفة بما لا تُحمد معه العاقبة (إنَّ بني عمِّك فيهم رماح).

شخصية عليٍّ يصعب تصويرها

حقَّاً يصعب على كل كاتب مهما كان بليغاً ويصعب على كل مصوِّر مهما كان فناناً ونقَّاشاً أن يصوِّر شخصية يعسوب الدين نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكاشف الكرب عن وجهه عليعليه‌السلام ، إنَّ نفساً عبقرية كبيرة عظيمة، نفساً قدسية ما تقرَّبت إلى اللاّت والعزَّى ولا عبدت غير الله تعالى يستحيل تصويرها.

يقول صاحب الكتاب: (وشخصية رابعة هي أصعب ما يكون تصويراً)( ص ١٧٨) ولا نعرف السبب الذي أوقفه حائراً ومضطرباً أمام هذه الشخصية فلم يستطع أن يلتمس شيئاً من التاريخ ولا من كتب المناقب والسير والرجال ليتعرَّف قيمتها؟! فكلُّها - فيما يزعم - مضطربة مشوَّشة محرَّفة زاد فيها الوضَّاعون، ولعله من القرآن الشريف لم يتمكَّن أن يلتمس شيئاً، لأنَّ الرافضة أزادوا

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

فما رعت كوفان حرمة له

ولا وعت بما أتى في (هل أتى)

٦٤٦ ـ تحقيق أشهر المواضع التي مرّ بها ركب الشهادة بقيادة الإمام الحسينعليه‌السلام أثناء مسيره من مكة المكرمة إلى كربلاء(١)

تبلغ المسافة التي قطعها الإمام الحسينعليه‌السلام من مكة إلى كربلاء حوالي ١٦٠٠ كم. وقد مرّ أثناء مسيره بمواضع كثيرة كما هو مبيّن في المخطط الجغرافي المرفق بعد صفحات ، نعدّ من أشهرها :

١ ـ بستان ابن عامر [والأصح : ابن معمّر] : هو أول منزل مرّ به الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ التنعيم : موضع في حلّ مكة ، يبعد عن مكة شمالا فرسخين [١٢] كم.وسمي به لأنه عن يمينه جبل اسمه نعيم وآخر عن شماله اسمه ناعم والوادي نعيمان.

٣ ـ الصّفاح : بين حنين وأنصاب الحرم ، يسرة الداخل إلى مكة.

٤ ـ وادي العقيق : ويمتد من الجنوب إلى الشمال ، وفيه ثلاثة مواضع هي :

٥ و ٦و ٧ ـ ذات عرق ، غمرة ، المسلح. ويعتبر السنة ذات عرق ميقات العراقيين وأهل الشرق ، بينما يحتاط فقهاء الإمامية بالإحرام من المسلح ، وهو أبعد من مكة.وتبعد ذات عرق مرحلتين [٩٠ كم] عن مكة.

٨ ـ الحاجر من بطن الرّمّة : بطن الرمة منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة ، وفيه يجتمع أهل الكوفة والبصرة ، ويقع شمال نجد. والحاجر : ما يمسك الماء من شفة الوادي.

٩ ـ الخزيميّة : نسبة إلى خزيمة بن حازم ، وهي قبل زرود.

__________________

(١) ما نذكره من ترتيب المنازل مأخوذ من (معجم البلدان) لياقوت الحموي.

توضيح : الميل : نحو ٢ كم. والفرسخ : نحو ٦ كم. والمرحلة : نحو ٤٥ كم. ذلك أن الفرسخ ٣ أميال هاشمية ، والميل أربعة آلاف ذراع هاشمي. فإذا اعتبرنا الذراع ٤٦ سم ، نجد : الميل ٤٦ ٤٠٠٠ ١٨٤٠ م ٨٤ / ١ كم. فيكون الميل حوالي ٨٥ / ١ كم ، وهو يكافئ الميل البحري [أما الميل البري فيساوي ٦ ر ١ كم]. ويكون الفرسخ ٨٥ / ١ ٣ ٥٥ / ٥ كم ٦ كم. والمرحلة ـ ٨ فراسخ ٦ / ٥ ٨ ٤٥ كم. وهي المسافة التي يقطعها الجمل في يوم كامل.

٥٤١

١٠ ـ زرود : هي رمال بين الثعلبية والخزيمية ، وهي دون الخزيمية بميل.

١١ ـ الثعلبية : سميت باسم ثعلبة من بني أسد ، وهو الّذي حفر فيها عينا.

١٢ ـ الشّقوق : منزل لبني أسد ، فيه قبر العبّادي.

١٣ ـ زبالة : فيها حصن وجامع لبني أسد. سمّيت باسم زبالة بنت مسعر ، امرأة من العمالقة. ويوم زبالة من أيام العرب.

١٤ ـ بطن العقبة.

١٥ ـ شراف : سمي باسم رجل يقال له شراف استخرج عينا ، ثم حدثت آبار كثيرة ماؤها عذب. ومن شراف إلى واقصة ميلان [٤ كم].

١٦ ـ ذو حسم : جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد به.

١٧ ـ البيضة : ما بين واقصة إلى عذيب الهجانات ، وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة.

١٨ ـ عذيب الهجانات : العذيب واد لبني تميم وهو حدّ السواد ، وهو مسلحة الفرس ، بينه وبين القادسية ستة أميال ، ويقال له عذيب الهجانات لأن هجائن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كانت ترعى فيه.

ـ والقادسية : جنوب الكوفة بمسافة مرحلة ، وهي التي وقعت فيها الوقعة الشهيرة ، التي انتصر فيها سعد بن أبي وقاص على جيش الفرس ، ومهّد لفتوح العراق بعد ذلك.

١٩ ـ الرّهيمة (بالتصغير) : عين تبعد عن (خفية) ثلاثة أميال (٦ كم) ، وتبعد خفية عن الرحبة مغربا بضعة عشر ميلا.

٢٠ ـ قصر بني مقاتل : قصر ينسب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة ، يقع بين عين التمر والقطقطانة والقريّات. خرّبه عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، ثم جدده.ويسمى (الأخيضر).

ـ القطقطانة : قرية تقع غرب الكوفة ، تبعد عن الرّهيمة إلى الكوفة نيفا وعشرين ميلا.

ـ خفان : عين جنوب الكوفة ، عليها قرية لولد عيسى بن موسى الهاشمي.

٥٤٢

٢١ ـ نينوى : تقع شرق كربلاء. كانت من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف عمرانها زمن الإمام الصادقعليه‌السلام . وفي أوائل القرن الثالث الهجري لم يبق لها خبر. ومنطقة نينوى تمتد من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء. ونينوى هي الموضع المعروف بباب طويريح شرقي كربلاء تقول الروايات : فلم يزل الحسينعليه‌السلام يتياسر حتّى انتهى إلى (نينوى) ، فطلب من الحرّ أن ينزل نينوى أو الغاضريات أو شفية.

أو العقر ، فلم يوافقه على ذلك. فسار حتّى نزل كربلاء ، وهي أرض جرداء ، ليس فيها كلأ ولا ماء.

٢٢ ـ الغاضريات : قرية منسوبة إلى غاضرة من بني أسد ، وهي تقع على بعد كيلومتر تقريبا شمال كربلاء.

٢٣ ـ شفية : بئر لبني أسد.

٢٤ ـ العقر : كانت بها منازل بخت نصّر.

٢٥ ـ الطفّ : القرى الثلاث الأخيرة هي من قرى الطف ، وهي متقاربة.والطف في اللغة : ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. وطف الفرات : هو الشاطئ الّذي به قتل الحسينعليه‌السلام ، وهي أرض بادية تطلّ على الريف.

٢٦ ـ كربلاء : تقع على بعد عدة كيلومترات من مشرعة الفرات شمال غرب الكوفة. وقد كانت في عهد البابليين معبدا. والاسم محرّف من كلمتي.

[كرب] بمعنى معبد أو مصلّى أو حرم ، و [أبلا] بمعنى إله باللغة الآرامية ، فيكون معناها (حرم الإله) ولما سأل الحسينعليه‌السلام عن اسم هذه الأرض ، فقيل له كربلاء ، قال : الله م أعوذ بك من الكرب والبلاء. ههنا محطّ ركابنا ومسفك دمائنا ومحلّ قبورنا ، بهذا حدّثني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦٤٧ ـ بيان ما لقي الحسينعليه‌السلام من أحداث هامة في بعض المواضع التي مرّ بها أثناء مسيرته إلى كربلاء :

مكة المكرمة : البقعة المقدسة التي فيها البيت الحرام والكعبة المشرّفة. وقد غادرها الإمام الحسينعليه‌السلام مرغما نتيجة ملاحقة السلطة له للقبض عليه أو قتله ولو كان متمسّكا بأستار الكعبة( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٢١) [القصص : ٢١].

٥٤٣

(الشكل ٩):

مخطط المنازل التي مرّ بها الحسينعليه‌السلام أثناء مسيره من مكة إلى كربلاء

٥٤٤

التنعيم : لقي الحسينعليه‌السلام في هذا الموضع عيرا أرسلها إلى يزيد واليه على اليمن ، فأخذهاعليه‌السلام .

ذات عرق : لقي فيها بشر بن غالب وسأله عن حال الناس في الكوفة.

الحاجر : بعث منها إلى أهل الكوفة مع قيس بن مسهر جواب كتاب مسلم ابن عقيل.

بعض العيون : لقي فيها عبد الله بن مطيع العدوي ، وتحاور معه.

الخزيميّة : سمعت زينبعليه‌السلام هاتفا ينعي أخاها الحسينعليه‌السلام .

زرود : لقي فيهاعليه‌السلام زهير بن القين وهو راجع من الحج ، وكلّمه فانقلب إلى نصرته ، وقد كان كارها له.

الثعلبية : وفيها بلغه خبر مقتل مسلم وهانئ بن عروة.

الشقوق : لقي فيهعليه‌السلام الشاعر الفرزدق بن غالب وسأله عن أهل الكوفة.

زبالة : ورد عليه فيها مقتل أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر رسوله إلى مسلم.وأنشد فيهاعليه‌السلام : فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة

بطن العقبة : نصحه فيها عمرو بن لوذان بالرجوع.

ذو حسم : طلع عليه الحر بن يزيد الرياحي في ألف فارس.

العذيب : بلغه فيه خبر مقتل قيس بن مسهر الصيداوي. وحذّره الطّرمّاح بن عدي الطائي من أهل الكوفة ، وطلب منه اللجوء إلى قومه.

الرّهيمة : لقي فيهاعليه‌السلام أبا هرة الأزدي ، وتناقش معه في سبب المسير.

قصر بني مقاتل : لقي فيهعليه‌السلام عبيد الله بن الحر الجعفي ، وطلب نصرته فأبى.

نينوى : جاء أمر ابن زياد للحر بأن يضيّق على الحسينعليه‌السلام ولا ينزله إلا بالعراء ، على غير حصن ولا ماء. فاضطر إلى النزول في كربلاء.

وكان ذلك في ٢ محرم الحرام سنة ٦١ ه‍.

٥٤٥

مسيرة الحسينعليه‌السلام

قال الامام الحسين (ع) لاصحابه يوم نزوله كربلاء :

الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق" على السنتهم ، يحوطونه مادرّت معائشهم ، فاذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون. الى أن قال :

ألا ترون الى الحق لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه ، فاني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين الا بر ما.

قال الحسينعليه‌السلام للحر متمثلا بقول أخي الأوس لابن عمه :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

اقدّم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقى خميسا في النزال عرمرما

فإنم عشت لم أذمم وأن متّ لم ألم

كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

بدء المسير إلى العراق

(الثلاثاء ٨ ذو الحجة سنة ٦٠ ه‍)

قال تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) [النساء : ١٠٠]

٦٤٨ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع رسل والي مكة وقد جاؤوا يمنعونه من المسير :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٧ ط أولى مصر)

(عن أبي مخنف) قال : لما خرج الحسينعليه‌السلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص ، وعليهم يحيى بن سعيد. فقالوا له : انصرف ، أين تذهب؟. فأبى عليهم ومضى. وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط. ثم إن الحسين وأصحابه امتنعوا منهم امتناعا شديدا. ومضى الحسينعليه‌السلام على وجهه ، فنادوه : يا حسين ألا تتقي الله؟. تخرج من الجماعة ، وتفرّق بين هذه الأمة!. فتأوّل الحسين قول اللهعزوجل

٥٤٦

( لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) [يونس : ٤١].

قال السيد علي بن الحسين الهاشمي في كتابه (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ٢٠ : وكان عمرو بن سعيد قد بعث كتابا إلى الحسينعليه‌السلام بناء على إشارة عبد الله بن جعفر. وقيل لحق عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد بالحسين في بعض الطريق ، فلما سلّمه يحيى الكتاب ، جهدا في أن يرجع فامتنع ، وقال : إني رأيت رؤيا فيها رسول الله ، وأمرت بأمر أنا ماض له ، عليّ كان أو لي. فقالا له : وما تلك الرؤيا؟. قال : ما حدّثت أحدا بها وما أنا محدث بها حتّى ألقى ربي فلما أيس منه عبد الله بن جعفر ، أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزوم المسير معه والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى إلى مكة. وقيل ورد الكتاب على الحسينعليه‌السلام في ذات عرق.

ثم إن الحسينعليه‌السلام جدّ بسيره حتّى انتهى إلى بستان ابن معمّر [بني عامر] وهو أول منزل لمن يفصل من مكة على هذا الطريق.

«بستان بني عامر»

٦٤٩ ـ مسير الحسينعليه‌السلام إلى العراق ولقاؤه بالفرزدق الشاعر :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي : وأما الحسينعليه‌السلام فإنه خرج من مكة سابع ذي الحجة سنة ستين. فلما وصل إلى (بستان بني عامر) لقي الفرزدق الشاعر ، وكان يوم التروية ، فقال له : إلى أين يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الموسم؟ قال : لو لم أعجل لأخذت أخذا. فأخبرني يا فرزدق عما وراءك. فقال : تركت الناس بالعراق ، قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية ، فاتّق الله في نفسك وارجع.

فقال لهعليه‌السلام : يا فرزدق ، إن هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد في الأرض ، وأبطلوا الحدود ، وشربوا الخمور ، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين. وأنا أولى من قام بنصرة دين الله ، وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا. فأعرض عنه الفرزدق وسار.

٦٥٠ ـ نصيحة عبد الله بن عمر للحسينعليه‌السلام بعدم الخروج :

(تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ، ص ١٩٢)

عن يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسدي قال : سمعت الشعبي يحدّث عن ابن

٥٤٧

عمر ، أنه كان بماء له ، فبلغه أن الحسين بن عليعليهما‌السلام قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ثلاث ليال ، فقال له : أين تريد؟. فقال : العراق. وإذا معه طوامير وكتب ، فقال : هذه كتبهم وبيعتهم. فقال : لا تأتهم ، فأبى. قال [ابن عمر] : إني محدّثك حديثا. إن جبرئيل أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخيّره بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنكم بضعة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لا يليها أحد منكم أبدا. وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم [فارجعوا]. فأبى أن يرجع.

قال : فاعتنقه ابن عمر وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل.

رواية أخرى : (أمالي الشيخ الصدوق ، ص ١٣٣ ط بيروت)

وسمع عبد الله بن عمر بخروج الحسينعليه‌السلام ، فقدّم راحلته وخرج خلفه مسرعا ، فأدركه في بعض المنازل. فقال : أين تريد يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال :العراق. قال : مهلا ارجع إلى حرم جدك. فأبى الحسينعليه‌السلام عليه. فلما رأى ابن عمر إباءه ، قال : يا أبا عبد الله ، اكشف لي عن الموضع الّذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّله منك. فكشف الحسينعليه‌السلام عن سرّته ، فقبّلها ابن عمر ثلاثا ، وبكى. وقال :أستودعك الله يا أبا عبد الله ، فإنك مقتول في وجهك هذا.

(وفي رواية ابن نما ، ص ٢٩) : أنه ذكر لعبد الله بن عمر ما حصل ليحيى بن زكرياعليه‌السلام .

٦٥١ ـ الحسينعليه‌السلام يذكر يحيىعليه‌السلام في أكثر من منزل :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٦ ط نجف)

عن علي بن الحسينعليهما‌السلام قال : خرجنا مع الحسينعليه‌السلام فما نزل منزلا ولا ارتحل منه ، إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله. وقال يوما : ومن هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل [يعرّض بما سيحصل معه].

٦٥٢ ـ كتاب عمرو بن سعيد إلى يزيد يخبره بأمر الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق ، ص ٦٧)

وكتب عمرو بن سعيد ـ وهو والي المدينة ـ بأمر الحسينعليه‌السلام إلى يزيد. فلما قرأ يزيد الكتاب تمثّل بهذا البيت :

فإن لا تزر أرض العدو وتأته

يزرك عدوّ أو يلومنك كاشح

٥٤٨

«التّنعيم»

٦٥٣ ـ الحسينعليه‌السلام يلقى عيرا في (التنعيم) عليها حلل أرسلها إلى يزيد واليه على اليمن بحير بن يسار ، فيحجزها :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٠٢)

وسار الحسينعليه‌السلام من مكة ، ومرّ بالتنعيم(١) فلقي عيرا عليها ورس(٢) وحلل أرسلها إلى يزيد بن معاوية ، واليه على اليمن بحير بن يسار الحميري.

(وفي رواية الخوارزمي : بحير بن ريسان). فأخذها الحسينعليه‌السلام وقال لأصحاب الإبل : من أحب منكم أن ينصرف معنا إلى العراق أوفيناه كراءه وأحسنّا صحبته ، ومن أحب المفارقة أعطيناه من الكراء بقدر ما قطع من الطريق. ففارقه بعضهم ومضى من أحب صحبته(٣) . ثم وزّعها على الفقراء والمحتاجين من أصحابه.

تعليق السيد المقرّم :

كان الحسينعليه‌السلام يرى أن هذا ماله الّذي جعله الله تعالى له ، يتصرف فيه كيف شاء ، لأنه إمام على الأمة منصوب من المهيمن سبحانه ، وقد اغتصب يزيد وأبوه حقه وحق المسلمين ، فكان من الواجب عليه أن يحتوي على فيء المسلمين لينعش المحاويج منهم ، وقد أفاض على الأعراب الذين صحبوه في الطريق ، ورفعوا إليه ما مسّهم من مضض الفقر.

«الصّفاح»

٦٥٤ ـ كتاب عبد الله بن جعفرعليه‌السلام إلى الحسينعليه‌السلام بعثه مع ابنيه عون ومحمد :(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٩)

وبعث عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمد إلى الحسينعليه‌السلام وهو في الطريق ، بكتاب يقول فيه :

__________________

(١) التنعيم : موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة.

(٢) الورس : نبات كالسمسم يصبغ به ، ويتخذ منه الزعفران ، وهو يجلب من اليمن والحبشة.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٨ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٠ ؛ والبداية ، ج ٨ ص ١٦٦ ؛ والإرشاد للمفيد ؛ ومثير الأحزان لابن نما الحلي ، ص ٢١.

٥٤٩

أما بعد ، فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي ، فإني مشفق عليك من الوجه الّذي توجهت له ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك. وإن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين. فلا تعجل بالمسير ، فإني في إثر كتابي ، والسلام.

ثم صار عبد الله بن جعفر إلى الوالي عمرو بن سعيد فسأله أن يكتب للحسينعليه‌السلام كتابا ، تجعل له الأمان فيه ، وتمنّيه البر والصلة. فكتب له كتابا وأنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد. فلحقه يحيى مع عبد الله بن جعفر ، بعد إنفاذ ابنيه ، وجهدا به أن يرجع ، فلم يفعل

ولما أيس منه عبد الله بن جعفر ، أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه. ورجع هو إلى مكة.

(أقول) : وقد مرّ كتاب مشابه لهذا بعثه عبد الله بن جعفر من المدينة للحسينعليه‌السلام ينهاه فيه عن المسير إلى العراق ، ويمنّيه بأخذ الأمان له من والي المدينة.

«ذات عرق»

٦٥٥ ـ ما دار بين الحسينعليه‌السلام وبشر بن غالب الأسدي وقد اجتمع به (بذات عرق) وهو قادم من العراق :(مقتل الخوارزمي ، ص ٢٢١)

قال الحسين لبشر : كيف خلّفت أهل العراق؟. فقال : يابن رسول الله ، خلّفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية. فقال له الحسين : صدقت يا أخا بني أسد(١) إن الله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فقال له الأسدي : يابن رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى :( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) [الإسراء : ٧١]. فقال له الحسينعليه‌السلام : نعم يا أخا بني أسد ، هما إمامان ؛ إمام هدى دعا إلى هدى ، وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة. فهذا ومن أجابه إلى الهدى في الجنة ، وهذا ومن أجابه إلى الضلالة في النار(٢) ، وهو قوله تعالى :( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) (٧) [الشورى : ٧].

وما زالعليه‌السلام يواصل سيره حتّى أتى (غمرة).

__________________

(١) مثير الأحزان لابن نما ، ص ٢١.

(٢) ذكر المقرم في مقتله شبيه هذا الكلام ص ٢١١ منسوبا إلى شخص مجهول لقي الحسينعليه‌السلام في الثعلبية.

٥٥٠

٦٥٦ ـ كتاب يزيد إلى ابن زياد بر صد تحركات الحسينعليه‌السلام :

(مع الحسين في نهضته للسيد أسد حيدر ، ص ١٧٠ و ١٧١)

كتب يزيد إلى ابن زياد بعد توجه الحسينعليه‌السلام إلى العراق :

بلغني أن حسينا قد فصل من مكة متوجها إلى العراق ، فاترك العيون عليه ، وضع الأرصاد على الطريق ، واحبس على الظنّة ، واقتل على التهمة(١) .

وفي هذا الكتاب يقرر يزيد لابن زياد النقاط التالية :

١ ـ اتخاذ الجواسيس بكثرة.

٢ ـ وضع المعسكرات المؤدية إلى الكوفة لرصد الطرق.

٣ ـ شدة الحراسة والحذر ، والأخذ على الظنّة.

٤ ـ القتل على التهمة وبدون مهلة.

٥ ـ مواصلة الإخبار والاتصال مع يزيد بكل ما يحدث.

٦٥٧ ـ ابن زياد يرصد الطرق حول الكوفة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٨)

قال : ولما وصل كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن يأخذ على الحسين المراصد والمسالح والثغور ، أنفذ ابن زياد للحصين بن نمير التميمي ، وكان على شرطته ، أن ينزل القادسية وينظم المسالح ما بين القطقطانية إلى خفان. وتقدّم إلى الحر بن يزيد الرياحي أن يتقدم بين يدي الحصين في ألف فارس.

«الحاجر من بطن الرّمة»

٦٥٨ ـ كتاب الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة جوابا لكتاب مسلم بن عقيل بعثه من (الحاجر):(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٠ ط نجف)

ولما بلغ الحسينعليه‌السلام إلى الحاجر من بطن الرّمة(٢) [بتخفيف الميم] كتب كتابا إلى جماعة من أهل الكوفة ، منهم سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيّب بن

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ١٩ ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٥.

(٢) الحاجر : ما يمسك الماء من شفّة الوادي. وبطن الرّمة : منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة.

٥٥١

نجبة ، ورفاعة بن شداد وغيرهم. وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي(١) (ونرجّح أنه مع عبد الله بن يقطر(٢) ، وذلك قبل أن يعلم بقتل مسلم ، يقول فيه :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من الحسين بن عليعليهما‌السلام إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلا هو. أما بعد ، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم ، على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع ، وأن يثيبكم على ذلك اعظم الأجر. وقد شخصت إليكم من (مكة) يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية. فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدّوا ، فإني قادم عليكم في أيامي هذه إنشاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكان مسلم بن عقيل قد كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة ، فأقبل قيس [أو عبد الله بن يقطر] بكتاب الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة.

توضيح : (حول الكتب والرسل)

حصل عند الرواة اختلاط كبير بين قصة مقتل عبد الله بن يقطر ، وبين قصة مقتل قيس بن مسهر الصيداوي ، وهما رسولان للحسينعليه‌السلام بينه وبين مسلم بن عقيل وأهل الكوفة.

وقد مرت سابقا (في الصفحة ٥٧٤) قصة استشهاد عبد الله بن يقطر برواية الخوارزمي ، وهو منطلق من الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام بكتاب من مسلم بن عقيل ، فأمسكته شرطة الحصين وقدّمه إلى ابن زياد فقتله صبرا. ونحن نستبعد هذه الرواية ، التي تورد مقتل ابن يقطر في وقت مبكر ، قبل نهضة مسلم واستشهاده ، أي قبل مسير الحسينعليه‌السلام من مكة يوم التروية إلى العراق. فالملاحظ أن الحسينعليه‌السلام أثناء مسيره إلى الكوفة بلغه أولا نبأ استشهاد مسلم وهانئ ، ثم بلغه نبأ مقتل عبد الله ابن يقطر (في زبالة) ، ثم بلغه مقتل رسوله الآخر قيس بن مسهر (في العذيب). فمن المنطقي أن يكون الحسينعليه‌السلام قد بعث ابن يقطر بكتاب إلى أهل الكوفة وهو في الطريق ، ثم بعث قيس بن مسهر بكتاب آخر وهو في آخر الطريق. فأمسك عبد الله بن يقطر أولا وقتل ، ثم أمسك قيس بن مسهر وقتل. فأما الكتاب الأول الّذي ذكرناه

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٢٣.

(٢) مثير الأحزان للجواهري ، ص ٣٥.

٥٥٢

آنفا والذي بعثه الحسينعليه‌السلام إلى مسلم بن عقيل من (الحاجر) فهو يبلّغ فيه أهل الكوفة بأنهعليه‌السلام سار من مكة يوم التروية ، وهذا أظنه بعثه مع عبد الله بن يقطر.وأما الكتاب الثاني فهو الّذي اختلف في كونه خطبة أم كتابا ، وسوف يأتي أنه بعثه من (البيضة) وقد رجّحنا أنه كتاب ، وأوله «من رأى سلطانا جائرا ..». فالأغلب أنه بعثه مع قيس بن مسهر. فيكون ترتيب الأحداث كما يلي :

١ ـ بعث الحسينعليه‌السلام عبد الله بن يقطر بكتاب من (الحاجر) ، ثم بلغه مقتله في (زبالة).

٢ ـ بعثعليه‌السلام قيس بن مسهر بكتاب من (البيضة) ، ثم بلغه مقتله في (العذيب).

٣ ـ لما بعث الحسينعليه‌السلام الكتاب الأول لم يكن قد بلغه مقتل مسلم بن عقيل ، فقد بعثه من الحاجر ، وبعد مرحلتين وصل (الثعلبية) فجاءه نبأ شهادة مسلم وهانئرحمهما‌الله .

٦٥٩ ـ ابن زياد يمنع التجول خارج الكوفة ، من (خفان) إلى القادسية إلى (القطقطانة)(١) :

وكان ابن زياد لما بلغه مسير الحسينعليه‌السلام من مكة إلى الكوفة ، بعث الحصين بن نمير التميمي صاحب شرطته ، أن ينزل القادسية ، وينظّم المسالح ما بين (القطقطانية) غربا ، و (خفان) جنوبا [انظر الشكل ٧].

شهادة عبد الله بن يقطر أخي الحسين (ع) من الرضاعة

__________________

(١) في معجم البلدان ج ٢ ص ٤٥١ : (خفان) قرب الكوفة : عين عليها قرية لولد عيسى بن موسى الهاشمي. وفيه ج ٧ ص ٥٢٥ : (القطقطانة) تبعد عن الرهيمة إلى الكوفة نيّفا وعشرين ميلا.

٥٥٣

٦٦٠ ـ مصرع عبد الله بن يقطر على يد عبيد الله بن زياد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٨ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٧٦)

وكان الحسينعليه‌السلام قد بعث بأخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة وإلى مسلم بن عقيل [وهو لا يعلم بقتله] فأخذته خيل الحصين ، فسيّره من القادسية إلى ابن زياد. فقال له ابن زياد : اصعد المنبر فالعن الحسين وأباه

(الكذّاب ابن الكذّاب ، ثم انزل حتّى أرى فيك رأيي). فصعد المنبر ودعا للحسينعليه‌السلام ، ولعن يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وأبويهما. فرمي من فوق القصر (فتكسرت عظامه) ، فجعل يضطرب وبه رمق. فقام إليه عبد الملك بن عمير اللخمي ، فذبحه (فعيب عليه ، فقال : أردت أن أريحه).

«بعض العيون»

٦٦١ ـ نصيحة عبد الله بن مطيع العدوي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٦)

وسارعليه‌السلام من الحاجر ، وكان لا يمرّ بماء من مياه العرب إلا اتبعوه ، حتّى انتهى إلى ماء من المياه عليه عبد الله بن مطيع العدوي(١) فقال له : جعلت فداك يابن رسول الله ، لا تخرج إلى العراق فإن حرمتك من الله حرمة ، وقرابتك من رسول الله قرابة ، وقد قتل ابن عمك بالكوفة ، وإن بني أمية إن قتلوك لم يرتدعوا عن حرمة الله أن ينتهكوها ، ولم يهابوا أحدا بعدك أن يقتلوه. فالله الله أن تفجعنا بنفسك. فلم يلتفت الحسينعليه‌السلام إلى كلامه.

«الخزيميّة»

٦٦٢ ـ زينبعليها‌السلام تسمع في (الخزيميّة) هاتفا ينشد : (ألا يا عين فاحتفلي بجهد):(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٥)

ولما نزل الحسينعليه‌السلام بالخزيمية أقام فيها يوما وليلة ، فلما أصبح أقبلت إليه

__________________

(١) مرّ هذا الاسم عند خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة ص ٥١٢ و ٥١٣ ، وذلك أنه بينما كانعليه‌السلام في موضع يقال له (الشريفة) إذ استقبله عبد الله بن مطيع العدوي ، وحذّره من الاغترار بأهل الكوفة ، ونصحه بكلام مشابه لهذا الكلام.

٥٥٤

أخته زينبعليها‌السلام فقالت له : يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة؟. فقال لها :وما ذاك يا أختاه؟. فقالت : إني خرجت البارحة في بعض الليل لقضاء حاجة ، فسمعت هاتفا يقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا

بمقدار إلى إنجاز وعد

فقال لها الحسينعليه‌السلام : يا أختاه كل ما قضي فهو كائن(١) .

وسار الحسينعليه‌السلام من الخزيميّة يريد الثعلبية ، فمرّ في طريقه بزرود.

٦٦٣ ـ ابن زياد يمنع التجول حول الكوفة ، ويقطع الطريق في وجه الحسينعليه‌السلام :(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٢)

وكان عبيد الله بن زياد أمر (عسكره) فأخذوا ما بين (واقصة) إلى طريق الشام إلى طريق البصرة ، فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج.

وأقبل الحسينعليه‌السلام لا يشعر بشيء ، حتّى لقي الأعراب فسألهم ، فقالوا : لا والله ما ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج. فسار تلقاء وجهه.

«زرود»

٦٦٤ ـ قصة انقلاب زهير بن القين وانضمامه إلى الحسينعليه‌السلام في (زرود):

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٠٧)

ولما نزل الحسينعليه‌السلام في زرود(٢) نزل بالقرب من زهير بن القين البجلي (وكان عثماني العقيدة) ويكره النزول معه ، لكن الماء جمعهم في المكان.

وفي (مثير الأحزان) للجواهري ، ص ٣٨ :

وحدّث جماعة من فزارة وبجيلة ، قالوا : كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة ، وكنا نساير الحسينعليه‌السلام فلم يكن شيء أبغض علينا من أن ننازله في منزل. وكنا إذا نزل الحسينعليه‌السلام في منزل لم نجد بدّا من أن ننازله فيه ، إذا نزل هو وأصحابه في جانب ننزل في جانب آخر.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٠٧ نقلا عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٢٣.

(٢) في (المعجم مما استعجم) : زرود بفتح أوله وبالدال المهملة في آخره. وفي (معجم البلدان) ج ٤ ص ٣٢٧ : أنها رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج ، وهي دون الخزيمية بميل.

٥٥٥

فبينما نحن نتغدى من طعام لنا ، إذ أقبل رسول الحسينعليه‌السلام حتّى سلّم ودخل.ثم قال : يا زهير بن القين ، إن أبا عبد الله الحسينعليه‌السلام بعثني إليك لتأتيه!. فطرح كل إنسان منا ما في يده ، حتّى كأن على رؤوسنا الطير.

ـ شهامة دلهم بنت عمرو زوجة زهير :(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٣٨)

فقالت له امرأته (دلهم بنت عمرو) : سبحان الله ، أيبعث إليك الحسينعليه‌السلام ابن رسول الله ، ثم لا تأتيه؟!. لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت!.

فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء (إلى أصحابه فرحا) مستبشرا ، قد أشرق (أسفر) وجهه. فأمر بفسطاطه وثقله(١) ومتاعه فقوّض (وحوّل) إلى الحسينعليه‌السلام .

ثم قال لامرأته دلهم : أنت طالق ، إلحقي بأهلك ، فإني لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلا خيرا ، وقد عزمت على صحبة هذا الرجل لأفديه بروحي وأقيه بنفسي. ثم أعطاها مالها ، وسلّمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها.

فقامت إليه وبكت وودعته ، وقالت : خار الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسينعليه‌السلام .

وفي (الأخبار الطوال) للدينوري ، ص ٢٤٧ قال :

فقام زهير يمشي إلى الحسينعليه‌السلام ، فلم يلبث أن انصرف ، وقد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقلع ، وضرب إلى لزق فسطاط الحسينعليه‌السلام .

ثم قال لامرأته : أنت طالق ، فتقدمي مع أخيك حتّى تصلي إلى منزلك ، فإني قد وطّنت نفسي على الموت مع الحسينعليه‌السلام .

ثم قال لمن كان معه من أصحابه : من أحب منكم الشهادة فليقم ، ومن كرهها فليتقدم. فلم يقم معه منهم أحد. وخرجوا مع المرأة وأخيها حتّى لحقوا بالكوفة.

٦٦٥ ـ نبوءة سلمان في بلنجر(٢) :

(المفيد في ذكرى السبط الشهيد ، ص ٥٧)

ثم قال زهير لأصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني ، وإلا فهو آخر العهد مني لكم.

__________________

(١) الثّقل : كل شيء نفيس مصون.

(٢) بلنجر : بلدة ببلاد الخزر ، خلف باب الأبواب ، فتحت في زمن عثمان سنة ٣٢ ه‍ على يد سلمان الفارسي أو سلمان بن ربيعة الباهلي.

٥٥٦

وإني سأحدّثكم حديثا : قد غزونا بلنجر (وفي بعض النسخ : غزونا البحر ، وهو تصحيف من الناسخ) ، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم كثيرة ، فقال لنا سلمان الفارسيرحمه‌الله : أفرحتم بما فتح الله عليكم ، وبما أصبتم من الغنائم؟. قلنا :نعم. فقال سلمان : إذا أدركتم سيد شباب أهل الجنة من آل محمّد ، فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه ، مما أصبتم اليوم من الغنائم.

فأما أنا فأستودعكم الله. ومضى زهير فصار من أنصار الحسينعليه‌السلام .

(أقول) : وهذا من نبوءة سلمان وعلومه التي استمدها من محمّد وآلهعليهم‌السلام .

«الثّعلبيّة»

٦٦٦ ـ نبأ المأساة : وصول خبر استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة إلى الحسينعليه‌السلام في (الثعلبية):(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٩)

قال عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان : قدمنا على الحسينعليه‌السلام حين نزل (الثعلبية) فأخبرناه بمقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، وجرّهما من أرجلهما بأسواق الكوفة. فقال الحسينعليه‌السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا. قلنا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك وهؤلاء الصبية إلا انصرفت من مكانك هذا ، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوف منهم أن يكونوا عليك. فنظر الحسين إلى بني عقيل فقال لهم : ما ترون ، فقد قتل مسلم؟. فبادر بنو عقيل وقالوا : والله لا نرجع ، أيقتل صاحبنا وننصرف! لا والله لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق صاحبنا. فأقبل علينا الحسين وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء(١) فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير.فقلنا له : خار الله لك. فقال : رحمكما الله تعالى. فقال له أصحابه : إنك والله ما أنت بمثل مسلم ، ولو قدمت الكوفة ونظر الناس إليك لكانوا إليك أسرع ، وما عدلوا عنك ولا عدلوا بك أحدا ، فسكت.

وفي (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة ، ص ٥ :

__________________

(١) مقتل المقرم ، ص ٢١٠ عن كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٧.

٥٥٧

قال : وذكروا أن عبيد الله بن زياد بعث جيشا أمّر عليه عمرو بن سعيد [الصحيح : عمر بن سعد]. وقد جاء الحسينعليه‌السلام الخبر ، فهمّ أن يرجع ، ومعه خمسة من بني عقيل ، فقالوا له : أترجع وقد قتل أخونا ، وقد جاءك من الكتب ما تثق به؟!. فقال لبعض أصحابه : والله مالي عن هؤلاء من صبر ، يعني بني عقيل.

٦٦٧ ـ الحسينعليه‌السلام يواسي بنت مسلم الصغيرة :

(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٤٨)

روى بعض المؤرخين أن الحسينعليه‌السلام لما قام من مجلسه بالثعلبية (وقد بلغه نبأ استشهاد مسلم) توجه نحو النساء ، وانعطف على ابنة لمسلم صغيرة (عمرها ١١ سنة) فجعل يمسح على رأسها ، فكأنها أحسّت. فقالت : ما فعل أبي؟. فقال : يا بنيّة أنا أبوك. ودمعت عينه ، فبكت البنت وبكت النساء لذلك.

٦٦٨ ـ ما قالهعليه‌السلام لرجل من أهل الكوفة في (الثعلبية) يبيّن أن أهل البيتعليهم‌السلام هم معادن العلم :(مقتل المقرم ، ص ٢١١)

وفي (الثعلبية) اجتمع بالحسين رجل من أهل الكوفة ، فقال له الحسينعليه‌السلام :أما والله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل في دارنا ، ونزوله بالوحي على جدي.يا أخا أهل الكوفة : من عندنا مستقى العلم. أفعلموا وجهلنا! هذا مما لا يكون(١) .

(أقول) : وهذا كان جوابهعليه‌السلام لأغلب الذين نصحوه ، ولم يدركوا الغايات البعيدة من نهضتهعليه‌السلام ، ولم ينظروا نظرته الواعية العميقة إلى الأمور ولعمري من لأحد أن يداني الحسينعليه‌السلام في علمه ومعرفته ، وهو الّذي عاش في كنف الرسول والإمام ، يغرّ العلم غرّا ، ومنه أخذ الأئمة التسعة المعصومون من ولدهعليه‌السلام علوم الجفر والصحيفة الجامعة.

وقد أعطينا لمحة عن هذه العلوم في الفصل الخامس ، ص ٢٤٩ فراجع.

٦٦٩ ـ يحيى بن شدّاد يتخوّف على الحسينعليه‌السلام من قلة أنصاره :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٠)

عن يحيى بن شداد الأسدي ، قال : مرّ بنا الحسينعليه‌السلام بالثعلبية ، فخرجت إليه

__________________

(١) بصائر الدرجات للصفّار ص ٣ ؛ وأصول الكافي ، باب مستقى العلم من أهل البيتعليهم‌السلام .

٥٥٨

مع أخي ، فإذا عليه جبّة صفراء ، لها جيب في صدرها. فقال له أخي : إني أخاف عليك من قلة أنصارك!. فضرب بالسوط على عيبة قد حقبها خلفه ، وقال : هذه كتب وجوه أهل المصر.

«الشّقوق»

٦٧٠ ـ ملاقاة الحسينعليه‌السلام للفرزدق (بالشقوق) وهو راجع من الكوفة ، وتحذيره من أهلها :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٣ إليها

لقي الفرزدق [ابن غالب] الشاعر ، الحسينعليه‌السلام بالشّقوق ، وهو راجع من الكوفة(١) ، فسلّم عليه ، ثم دنا منه فقبّل يديه. فقال له الحسينعليه‌السلام : من أين أقبلت يا أبا فراس؟. فقال : من الكوفة يابن رسول الله. قال : فكيف خلّفت أهل الكوفة؟. قال : خلّفت قلوب الناس معك ، وأسيافهم مع بني أمية ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل في خلقه ما يشاء. فقال له الحسينعليه‌السلام : صدقت وبررت ، إن الأمر لله تبارك وتعالى ، كلّ يوم هو في شأن ؛ فإن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلن يبعد من الحقّ بغيته(٢) (وفي رواية : فلم يعتد من كان الحق نيّته والتقوى سريرته). فقال الفرزدق : جعلت فداك يابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته!. فاستعبر الحسينعليه‌السلام باكيا ، ثم قال : رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيته وغفرانه ورضوانه.أما إنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا. ثم أنشأ في ذلك يقول :

فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة

فإن ثواب الله أعلى وأنبل

__________________

(١) ذكر المقرم في مقتله ص ٢٠٣ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٨ وكامل ابن الأثير ج ٤ ص ١٦ والإرشاد للمفيد ، أن ملاقاة الفرزدق كانت في (الصفاح). وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٣٣٨ ومناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٥ ط نجف ، أن ملاقاته كانت (بذات عرق). وفي الله وف ص ٤١ : كانت ملاقاته في (زبالة). وذكر المقرم بعض هذا الكلام على أنه جرى بين الحسينعليه‌السلام ورجل من أهل الكوفة لقيه في (الشقوق) وذكر الأشعار. يتضح من ذلك التضارب الكبير بين الروايات.

(٢) ورد هذا الكلام في مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٦ ط نجف ، منسوبا إلى رجل مجهول ، وليس الفرزدق.

٥٥٩

٢ وإن تكن الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرئ في الله بالسيف أفضل

٣ وإن تكن الأرزاق قسما مقدّرا

فقلّة حرص المرء في الرزق أجمل

٤ وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

٥ عليكم سلام الله يا آل أحمد

فإني أراني عنكم سوف أرحل

٦ سأمضي وما بالقتل عار على الفتى

إذا في سبيل الله يمضي ويقتل

وقد أضاف عليها أبو مخنف في مقتله الأبيات التالية ، وأوردها قبيل استشهادهعليه‌السلام :

٧ أرى كل ملعون كفور منافق

يروم فناها جهله ثم يعمل

٨ لقد غرّكم حلم الإله ، وإنه

كريم حليم لم يكن قطّ يعجل

٩ لقد كفروا يا ويلهم بمحمد

وربهم في الخلق ما شاء يفعل(١)

ثم ودّعه الفرزدق في نفر من أصحابه ، ومضى يريد مكة.

«زبالة»

٦٧١ ـ ما قالهعليه‌السلام حين بلغه مقتل عبد الله بن يقطر في (زبالة) وترخيصه لمن تبعه من الناس بالانصراف :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٩)

ثم سار الحسينعليه‌السلام حتّى انتهى إلى (زبالة) فورد عليه هناك مقتل أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر(٢) (وكان سرّحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يدري أنه قد أصيب(٣) . وكان قد تبع الحسين خلق كثير من المياه التي يمرّ بها ، لأنهم كانوا يظنون استقامة الأمور لهعليه‌السلام .

__________________

(١) لم ترد هذه الأشعار جملة واحدة في مصدر من المصادر ، وقد ذكر ابن شهراشوب البيت الخامس ، ولم يذكره الخوارزمي. وقد اختلف في زمن إنشادها ، فذهب كل من الخوارزمي وأبي مخنف إلى أن الحسينعليه‌السلام أنشدها قبيل استشهاده وليس هنا.

(٢) ذكر المقرم في مقتله ص ٢١٢ : أنه ورد على الحسينعليه‌السلام في هذا الموضع خبر مقتل (قيس بن مسهر) نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٢٦ ، وبعد مراجعة تاريخ الطبري تبيّن أن هذه الرواية وردت في مقتل عبد الله بن يقطر. ومما يؤكد نسبتها لابن يقطر ، أن مقتل قيس بن مسهر ذكره المقرم فيما بعد في (العذيب) وهو الصحيح ، فاقتضى التنويه.

(٣) لعل هذه الرواية أصح من التي وردت سابقا ، والتي مؤداها أن مسلم بن عقيل بعث عبد الله بن يقطر من الكوفة للحسينعليه‌السلام فقبض عليه في القادسية وهو خارج من الكوفة ، ثم قتل.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735