موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 16%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 487311 / تحميل: 5756
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

٣٦٩ ـ إرسال الرؤوس والسبايا إلى الشام :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٤٥)

بينما يقول الشيخ المفيد : فأرسل ابن زياد الرؤوس مع زحر بن قيس (وفي بعض الكتب : زجر ، وهو خطأ) ، وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة ، حتى وردوا بها على يزيد ابن معاوية بدمشق.

ثم أمر ابن زياد بنساء الحسينعليه‌السلام وصبيانه فجهزوا ، وأمر بعلي بن الحسينعليه‌السلام فغلّ بغلّ إلى عنقه(١) (وفي رواية : في يديه ورقبته) على حال تقشعر منها الأبدان(٢) وتضطرب لها النفوس ، أسى وحزنا.

ثم سرّح بهم في إثر الرؤوس مع محفّر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن (وشبث بن ربعي وعمرو بن الحجاج ، وضم إليهم ألف فارس ، وحملهم على الأقتاب).

وأمرهم أن يلحقوا الرؤوس ، ويشهروهم في كل بلد يأتونها(٣) . فجدوا السير حتى لحقوا بهم في بعض المنازل. ولم يكن علي بن الحسينعليهما‌السلام يكلّم أحدا من القوم في الطريق كلمة ، حتى بلغوا دمشق. فلما انتهوا إلى باب يزيد ، رفع محفّر بن ثعلبة صوته فقال : هذا محفّر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة. فأجابه علي بن الحسينعليهما‌السلام فقال : ما ولدت أم محفّر أشرّ وألأم!.

وفي (جمهرة النسب) لابن الكلبي ، ج ١ ص ١٧٢ ، قال : منهم محفّز بن ثعلبة الّذي ذهب برأس الحسينعليه‌السلام إلى الشام ، وقال : أنا محفّز بن ثعلبة جئت برؤوس اللئام الكفرة!. فقال يزيد بن معاوية : ما تحفّزت عنه أم محفّز ألأم وأفجر.

٣٧٠ ـ مسير الرؤوس والسبايا إلى الشام :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٣٨)

وقال أبو مخنف : ثم استدعى اللعين عبيد الله بالشمر وخولي وشبث وحجر [لعله تصحيف : حجّار بن أبجر] وضم إليهم ألفا وخمسمائة فارس وزوّدهم ، وضم إليهم

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٦٤ ؛ والخطط المقريزية ، ج ٢ ص ٢٨٨.

(٢) تاريخ القرماني ، ص ١٠٨. وخالف ابن تيمية ضرورة التاريخ ، فقال كما في (المنتقى من منهاج الاعتدال) للذهبي ، ص ٢٨٨ : سيّر ابن زياد حرم الحسين بعد قتله إلى المدينة.

(٣) المنتخب للطريحي ، ص ٣٣٩ ط ٢.

٣٢١

الأسارى والحرم والرؤوس ، وبعثهم إلى دمشق. وأمرهم بإشهار الحرم والرؤوس في الأمصار.

٣٧١ ـ من كان رئيس العسكر الذين سيّروا الرؤوس والسبايا إلى الشام؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : إن محفّر بن ثعلبة كان هو المسلّم إليه الرؤوس الشريفة والحرم ، وهو كان رئيسا على الحراس والمستحفظين للرؤوس والحرم. وأما أمير المعسكر ورئيس الكل فهو خولي ، حين خروجهم من الكوفة. أما ابن سعد فقد كان عند خروجهم إلى الشام مقيما في الكوفة ومتخلفا عن العسكر.

أما عدد العسكر الذين أرسلوا مع الرؤوس والسبايا ، فكان ألفين أو أكثر ، منهم خمسون كانوا مسؤولين عن الرأس الشريف.

٣٧٢ ـ وصول رأس الحسينعليه‌السلام قبل غيره إلى دمشق مع رسالة :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٣٦)

وسبق زحر بن قيس الجعفي برأس الحسينعليه‌السلام إلى دمشق ، حتى دخل على يزيد ، فسلّم عليه ودفع إليه كتاب عبيد الله بن زياد.

قال : فأخذ يزيد كتاب عبيد الله بن زياد ، فوضعه بين يديه. ثم قال : هات ما عندك يا زحر. فقال زحر : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك وقصّ عليه ما حصل في كربلاء باختصار.

(أقول) : لعل سبب الإسراع بإيصال الرأس الشريف إلى دمشق هو أمران :

١ ـ الإسراع في أخذ الجائزة.

٢ ـ الخوف من سرقة الرأس في الطريق.

والأمر الأخير يبيّن لنا سبب الحراسة الشديدة التي كانت على الرؤوس ، فقد بعث ابن زياد جيشا كاملا قوامه ألفان من العسكر ليحرسوا [١٧] رأسا من أعيان الشهداء ، وحوالي ستين شخصا من السبايا.

٣٧٣ ـ كيف سيّروا السبايا على المطايا إلى الشام؟ :

قال المازندراني في (معالي السبطين) : اختلف في كيفية حمل السبايا.

قال ابن عبد ربه في (العقد الفريد) : وحمل أهل الشام بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا على أحقاب الإبل.

٣٢٢

وسوف نستعرض فيما يلي بعض أقوال الرواة في هذا الحادث الأليم ، ونترك للقارئ الحكم على مرتكبيه. وكما قال الشاعر :

لو بسبطي قيصر أو هرقل

فعلوا فعل يزيد ما عدا

قال الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي في كتابه (الإتحاف بحبّ الأشراف) ص ٥٦: ثم أرسل ابن زياد السبايا مع عمر بن سعد إلى يزيد بن معاوية ، ومعه الصبيان والنساء مشدودين على أقتاب الجمال ، موثّقين بالحبال ، والنساء مكشّفات الوجوه والرؤوس. وفي عنق علي بن الحسينعليهما‌السلام ويديه الغل.

وقال المؤرخ القرماني الدمشقي في (أخبار الدول) ص ١٠٨ :

ثم إن عبيد الله بن زياد جهّز علي بن الحسينعليهما‌السلام ومن كان معه من حرمه ، بحيث تقشعرّ من ذكره الأبدان ، وترتعد منه مفاصل الإنسان ، إلى البغيض يزيد بن معاوية ، مع الشمر.

٣٧٤ ـ على أي شيء أركبوا السباياعليهم‌السلام ؟ :(البحار ، ج ٤٥ ص ١٥٤ ط ٣)

قال صاحب (إقبال الأعمال) : رأيت في كتاب (المصابيح) بإسناده إلى الإمام جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال : قال لي أبي محمّد الباقرعليه‌السلام : سألت أبي علي ابن الحسينعليهما‌السلام عن حمل يزيد له ، فقال : حملني على بعير يظلع [أي جمل يعرج في مشيته] بغير وطاء ، ورأس الحسينعليه‌السلام على علم. ونسوتنا خلفي على بغال [واكفة(١) ] ، والفارطة(٢) خلفنا وحولنا بالرماح. إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح. حتى إذا دخلنا دمشق ، صاح صائح : يا أهل الشام ، هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون. يقول الشاعر :

وما الدهر حتى العيد إلا مآتم

وهل ترك العاشور للناس من عيد

أيفرح قلب ، والفواطم حسّر

يسار بها أسرى على قتب القود(٣)

__________________

(١) في الأصل (فأكفّ) : أي أميل وأشرف على السقوط ، ولعلها تصحيف. والصحيح [واكفة] :أي خيل بدون سرج.

(٢) الفارطة : المتقدمة والسابقة ، أو الظالمة المتجاوزة الحد.

(٣) القود : طائفة من الخيل تقاد في السفر مع الركب ولا تركب ، وهي مهيأة للدفاع عن الركب وليس للركوب.

٣٢٣

٣٧٥ ـ تخرّص ابن كثير! :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢١٣)

بعد أن ذكر ابن كثير كيفية تسيير السبايا إلى يزيد ، على جمال بدون وطاء ، حاول أن يدافع عن يزيد فقال :

وهذا يردّ قول الرافضة : أنهم حملوا على جنائب الإبل سبايا عرايا ، حتى كذب من زعم منهم أن الإبل البخاتي(١) إنما نبتت لها الأسنمة من ذلك اليوم ، لتستر عوراتهن ، من قبلهن ودبرهن.

(أقول) : والله ما سمعنا بهذا يا متعصب!.

٣٧٦ ـ كم استغرق الطريق إلى دمشق؟ :

(المفيد في ذكرى السبط الشهيد لعبد الحسين إبراهيم العاملي ، ص ١٤٤)

يقول السيد عبد الحسين العاملي : لقد كانت مسافة الطريق شهرا للإبل ذوات الصبر والقوة ، ولكن الحداة الغلاظ الشداد ، أرهقوا قدرتها وأوجعوا صبرها ، فقطعت المسافة في عشرة أيام.

توضيح :

إن المسافة من الكوفة إلى دمشق عن طريق الموصل وحلب حوالي ١٨٠٠ كم ، يحتاج الجمل لقطعها دون توقف شهرا كاملا ، لأن الجمل يسير كل يوم نحو ٦٠ كم.

وقد كان الأمر جاء من يزيد بتسيير السبايا من أطول طريق مأهول بالسكان ، مع أنه كان بإمكانهم الوصول إلى دمشق عن طريق الصحراء ، مختصرين نصف المسافة.

٣٧٧ ـ الهدف من سلوك الطريق الطويلة الآهلة بالسكان هو التشهير بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(تاريخ مشهد الإمام الحسين في حلب للعلامة السيد حسين مكي ، ص ٩)

يقول السيد حسينرحمه‌الله : كان بوسع ابن زياد أن يرسل الرؤوس والسبايا من الكوفة إلى دمشق عبر الطريق الصحراوية القصيرة الواصلة بين الكوفة ودمشق. بيد

__________________

(١) البخت : الإبل الخراسانية ، وهي جمال طوال الأعناق يقال لها الجمال البخاتية ، وسواها تسمى الإبل العراب. ويظهر من قول ابن كثير أن المقصود بها الإبل ذات السنامين.

٣٢٤

أن يزيد وابن زياد كانا يهدفان إلى التشهير بمقتل الحسينعليه‌السلام وإلى إذاعة خبر مقتلهعليه‌السلام في الآفاق ، ليعلم الناس بقتله ، وحتى لا يبقى لأي مناصر للحق في الأمة الإسلامية أمل في مقاومة يزيد ، لأن الحسينعليه‌السلام كان علم الحق ونبراسه ، ومرجع الهدى وممثله. وقد رأى يزيد حين أمر ابن زياد بإرسال الرؤوس والسبايا إلى الشام وشهرهم في كل بلد ، أن من أبلغ أنواع الإخبار بمقتل الحسينعليه‌السلام أن يرى رأس الحسينعليه‌السلام يطاف به في البلاد ، وأن ترى نساؤه وصبيانه سبايا ، يسار بهم في البلاد ، ويشهر أمرهم في كل مكان يأتونه ، ولذا سلكوا بهم الطريق العامر بالبلاد الآهل بالسكان ، وهو الطريق من الكوفة إلى الموصل ، ثم إلى حلب فحماة فحمص فدمشق.

بحث جغرافي

نهر دجلة

قبل التعرف على الطريق الّذي سلكته الرؤوس والسبايا ، لا بدّ لنا من التعرّف على نهر دجلة ، الّذي يشكّل جزءا هاما من بداية الطريق ، ما بين مسكن والموصل.

٣٧٨ ـ تعريف بنهر دجلة :

يبلغ طول نهر دجلة ١٨٣٥ كم ، وهو ينبع من منطقة جبلية في تركيا ، تكسوها الثلوج شتاء. ثم يأتي إلى (جزيرة ابن عمر) حيث المنطقة المشتركة بين العراق وتركيا وسورية. فيشكل جزءا من الحدود السورية مع العراق على طول ٢٠ كم. ثم يدخل العراق (انظر الشكل ٨) فيمرّ بالموصل ، ثم يرفده الزاب الأعلى (الكبير) عند الحديثة ، ويرفده الزاب الأسفل (الصغير) عند السن. ثم يمرّ بتكريت ثم سامراء ، ثم يرفده نهر العظيم عند (بلد). ثم يمرّ ببغداد ، ثم بالمدائن (سلمان باك) حيث يكون أقرب ما يكون من نهر الفرات ، ويرفده هناك نهر ديالي. ثم يمرّ بالعزيزية والكوت والعمارة ، إلى أن ينتهي إلى القرنة ، وهي نقطة التقاء نهري دجلة والفرات ، حيث يؤلفان شط العرب الّذي يمرّ بالبصرة وعبادان ، ثم يصب في الخليج عند الفاو.

وبما أن مسير العسكر كان يتوخى دائما القرب من المياه والأنهار ، لذلك فإن مسير الرؤوس والسبايا من الكوفة إلى الموصل ، كان في قسمه الأول على نهر الفرات ، ثم انتقل بمحاذاة بغداد إلى نهر دجلة ، باتجاه الشمال حتى الموصل ، ثم

٣٢٥

انعطف الطريق إلى الغرب مارا بالجزيرة السورية إلى الرقة فحلب ، ثم انحرف باتجاه الجنوب مارا بحماة وحمص وبعلبك إلى دمشق (انظر الشكل ١٠).

٣٧٩ ـ جدول الدجيل

(مفصّل جغرافية العراق لطه الهاشمي ، ص ٥٠٩)

الدّجيل مصغر دجلة ، وهو فرع النهر الّذي كان يأخذ الماء من دجلة في جنوب

(الدور) من الضفة اليمنى للنهر ، ثم يعود فيصب بدجلة في شمال العاصمة بغداد. وهو يجري موازيا لنهر دجلة من الغرب ، ويسقي القرى والمزارع بين سامراء وبغداد (انظر الشكل التالي).

(الشكل ٧)

(مصور نهر الدجيل)

تحقيق الطريق من الكوفة إلى دمشق

٣٨٠ ـ تحقيق الطريق الّذي سلكته الرؤوس والسبايا من الكوفة إلى الشام :

سوف نذكر أولا الطرق التي كانت متّبعة في العراق والجزيرة والشام ، مع تقدير مسافاتها ، ثم ننتقل إلى المواقع التي مرّت بها الرؤوس والسبايا ، كما وردت في كتب التاريخ والمقاتل. علما بأن المسيرة من الكوفة إلى دمشق يبلغ طولها نحو ١٨٠٠ كيلومتر ، ولا يمكن أن تقطع في أقل من عشرة أيام.

٣٢٦

(الشكل ٨)

مصور نهر دجلة والفرات قديما

(عن كتاب : بلدان الخلافة الشرقية تأليف كي لسترنغ ، ص ٦٦٦)

٣٢٧

٣٨١ ـ المسافات من بغداد إلى الكوفة :

(أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للبشاري ، ص ١٣٤ ط ٢ ليدن)

وأما المسافات فتأخذ من بغداد إلى نهر الملك مرحلة(١) ، ثم إلى (القصر) مرحلة ، ثم إلى (حمام ابن عمر) مرحلة ، ثم إلى (الكوفة) مرحلة ، ثم إلى (القادسية) مرحلة.

وفي (البلدان) لليعقوبي ، ص ٩٢ :

من بغداد إلى الكوفة ثلاثون فرسخا(٢) ، وهي ثلاث مراحل : أولها (قصر ابن هبيرة) على اثني عشر فرسخا من بغداد ، كان يزيد ابن عمر بن هبيرة الفزاري ابتناه في أيام مروان بن محمّد بن مروان. وابن هبيرة يومئذ عامل مروان على العراق.وأراد البعد من الكوفة ، وهي مدينة عامرة جليلة ينزلها العمال والولاة ، وأهلها أخلاط من الناس. وهي على نهر يأخذ من الفرات يقال له (الصراة). وبين قصر ابن هبيرة وبين معظم الفرات مقدار ميلين إلى جسر على معظم الفرات يقال له جسر سورا. ومن قصر ابن هبيرة إلى موضع يقال له (سوق أسد) غربي الفرات ، في الطّسّوج(٣) الّذي يقال له الفلوجة. ومن سوق أسد إلى الكوفة. والمسافات من بغداد إلى الكوفة في عمارات وقرى عظام متصلة عامرة ، فيها أخلاط من العجم ومن العرب.

وفي كتاب (الخراج) لأبي الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي ص ١٨٨ :

فمن مدينة السلام [يقصد بغداد] إلى جسر (كوثي) على نهر الملك سبعة فراسخ ، ومن جسر كوثي إلى قصر ابن هبيرة خمسة فراسخ (انظر الشكل ١٢ فيما بعد) ، ومن قصر ابن هبيرة إلى (سوق أسد) سبعة فراسخ ، ومن سوق أسد إلى (ساهي) خمسة فراسخ ، ومن ساهي إلى مدينة الكوفة خمسة فراسخ. (ومن الكوفة إلى القادسية ٨ فراسخ)

__________________

(١) المرحلة : هي المسافة التي يقطعها المسافر في اليوم ، والفرسخ : ما يقطعه في ساعة.

(٢) الفرسخ ٣ أميال* ٥ ، ٥ كم ، والميل ـ ٦ ، ١ كم.

(٣) الطّسّوج : هو الناحية.

٣٢٨

٣٨٢ ـ المسافات من بغداد إلى الموصل :(مفصّل جغرافية العراق ، ص ٢٠٩)

طريق (بغداد ـ تكريت ـ شرقاط ـ موصل) :

يبلغ طول هذا الطريق زهاء [٢٦٨ ميلا ـ ٤٨٢ كم] ووجهته العامة إلى الشمال.وهو يسلك ضفة دجلة الغربية ، ويمرّ بأراض سهلة مكشوفة قليلة السكن ، وطبيعة الأرض فيه ترابية ورملية. يقطع الطريق بعض الوديان التي تصبّ في دجلة ، وفي الجداول التي تأخذ الماء منها ، إما على الجسور أو على القناطر.

يمرّ الطريق بالكاظمية وسميكة وبلد وتكريت حتى يصل إلى الشريمية. وفي محطة الشريمية يدخل الطريق المنطقة المرتفعة التي يبلغ ارتفاعها زهاء [١٥٠٠ يردة ـ ١٣٧٠ م] ويقطع منطقة متموجة ، ويصل إلى شرقاط ، ثم إلى القيّارة والشورة وحمام العليل ، حتى يصل الموصل.

٣٨٣ ـ المسافات من الموصل إلى نصيبين(المصدر السابق ، ص ١٩٤)

طريق (الموصل ـ تلعغر ـ سنجار ـ نصيبين) :

اتجاه الطريق العام من الشرق إلى الغرب ، فإلى الشمال الغربي فالشمال. يمرّ الطريق بأراض سهلة ترابية ورملية ، عدا قسم من جبل سنجار ، فهو جبل حجري.

يبلغ طول القسم الواقع بين الموصل وسنجار زهاء (٧٩ ميلا ـ ١٤٢ كم) وهو يصلح لسير السيارات والعجلات.

يمرّ الطريق بعين (أبو مارية) في شرقي (تلعفر) ، ويصل هذه القرية في الميل ٣٩. وفي الميل ٧٤ يصل (عين الغزال) ، فيدخل منطقة الروابي حتى يصل قرية

(بلد سنجار) ، وهي على سفح جبل سنجار الجنوبي.

أما القسم الواقع بين بلد سنجار ونصيبين فيبلغ طوله زهاء [٨٠ ميلا ـ ١٤٤ كم] يمرّ بصحراء قاحلة قليلة المياه ، لا تصلح لسير السيارات. وبعد قرية سنجار يتسلق الطريق جبل سنجار ويمر بمضيق شلو ، ثم ينزل من الجبل المذكور ويدخل السهل.وبعد أن يجتاز وادي (الردّ) وعدة وديان تصب فيه ، يصل (نصيبين).

٣٨٤ ـ الطريق التي تربط الموصل بدير الزور (ثم حلب):

(المصدر السابق ، ص ٢٠٣)

يبلغ طول هذا الطريق زهاء [٢١٠ ميلا ـ ٣٧٨ كم] فيه ثلاث عشرة مرحلة

٣٢٩

للمشاة ، ووجهته العامة إلى الغرب وإلى الجنوب الغربي. يمرّ بأراض سهلة ويقطع نهر الخابور على جسر جديدة في قرية (الصور) ، ويقطع نهر الفرات على الجسر في دير الزور. وبعد أن بترك مدينة الموصل يسلك طريق (الموصل ـ سنجار) إلى موقع (عين الغزال) ، ومنه يدخل في البادية حتى يصل موقع (البديع) وهو واقع في الميل التسعين. وبعد دير الزور يسلك الطريق ضفة وادي الفرات اليمنى إلى (مسكنة) ، ثم يتجه نحو الشمال الغربي ويصل مدينة حلب. ويبلغ طول طريق (دير الزور ـ حلب) زهاء [٢٠٥ ميلا ـ ٣٦٩ كم] ، فيكون طول طريق (الموصل ـ دير الزور ـ حلب) زهاء [٤١٥ ميلا ـ ٧٤٧ كم].

ـ طريق الجزيرة الطويل

(تقويم البلدان لأبي الفداء ، ص ٢٧٤)

ذكر شيء من مسافات الجزيرة : من الأنبار إلى تكريت مرحلتان ، ومن تكريت إلى الموصل ستة أيام. [ومن الموصل إلى (آمد) أربعة أيام. ومن آمد إلى سميساط ثلاثة أيام]. ومن الموصل إلى نصيبين أربع مراحل. ومن نصيبين إلى رأس عين (عين الورد) ثلاث مراحل. ومن رأس عين إلى الرقة أربعة أيام. ومن رأس عين إلى (حرّان) ثلاثة أيام. ومن حران إلى الرّها (اورفه) يوم واحد.

٣٨٥ ـ المنازل من حلب إلى دمشق(البلدان لليعقوبي ، ص ١١٠)

من أراد أن يسلك من (حلب) الطريق الأعظم إلى (دمشق) ، خرج من حلب إلى مدينة (قنّسرين) ثم إلى (تل منّس) وهو أول عمل جند حمص. ومنها إلى مدينة (حماة) وأهل هذه المدينة قوم من اليمن. ثم إلى (الرستن) ثم إلى مدينة

(حمص). وبحمص أقاليم منها : مدينة (شيزر) ومدينة (كفرطاب).

ومن حمص إلى مدينة دمشق أربع مراحل ؛ في المرحلة الأولى (جوسية) والثانية (قارا) والثالثة (القطيفة) ومنها إلى مدينة دمشق.

ومن سلك من حمص على طريق البريد ، أخذ من (جوسية) إلى البقاع ، ثم إلى مدينة (بعلبك) ومنها إلى (عقبة الرمان) ثم إلى مدينة دمشق.

وأهل بعلبك من الفرس ، وفي أطرافها قوم من اليمن. وطرابلس وجبيل وصيداء وبيروت ، أهل هذه الكور كلها قوم من الفرس نقلهم إليها معاوية بن أبي سفيان.

وفي (المسالك والممالك) لعبيد الله بن خرداذبة ، ص ٩٨ :

٣٣٠

الطريق من حمص إلى دمشق على بعلبك (طريق البريد) :

من حمص إلى جوسيّة أربع سكك. ثم إلى بعلبك ست سكك ، ثم إلى دمشق تسع سكك.

٣٨٦ ـ من أين سار الإمام عليعليه‌السلام من الكوفة إلى (صفّين)؟ :

لما قرر الإمام عليعليه‌السلام المسير إلى صفين لحرب معاوية ، كان أمامه طريقان :

الأول طويل : وهو طريق الموصل نصيبين ، ويمرّ بأعلى الجزيرة.

والثاني قصير : وهو الطريق المحاذي لنهر الفرات ، ويمرّ ب (هيت)و (عانات) إلى الرقّة.

وكما سنرى فإن الإمام علياعليه‌السلام أمر قسما من جيشه [٣ آلاف جندي] بالتوجه وفق الطريق الطويل ، بقيادة معقل بن قيس ، بينما توجه هو وجيشه وفق الطريق القصير (محاذيا للفرات من الشرق مارا بالأنبار). والتقى القسمان عند الرقة ، وعبروا من جسر الرقة إلى الجنوب حيث دارت المعركة في جبل صفّين.

ولعل سبب إرسال معقل من الطريق الطويل ، هو لإخضاع أهل الجزيرة لحكم الإمامعليه‌السلام قبل مواجهة معاوية ، فأكثرهم كانوا موالين لبني أمية.

وفي تصوري أن الطريق الطويلة السابقة هي التي سيّروا منها الرؤوس والسبايا في طريقهم إلى حلب فدمشق.

٣٨٧ ـ الإمام عليعليه‌السلام يأمر معقل بن قيس بسلوك طريق الموصل إلى الرقة :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ، ص ١٤٨ ط ٢)

عن أبي الودّاك ، أن علياعليه‌السلام بعث من (المدائن) معقل بن قيس الرياحي في ثلاثة آلاف رجل ، وقال له : خذ على الموصل ، ثم نصيبين ، ثم القني بالرقة ، فإني موافيها

فخرج معقل حتى أتى (الحديثة) وهي إذ ذاك منزل الناس ، وإنما بنى مدينة (الموصل) بعد ذاك محمّد بن مروان.

هذا يدلّ على أن الموصل المقصودة في الأخبار هي غير مدينة الموصل الحالية.

هذا وكان الإمامعليه‌السلام قد بعث مقدمة لجيشه في اثني عشر ألفا ، وأمرهم بالمسير على شاطئ الفرات الغربي ، من قبل البر. فساروا حتى بلغوا (عانات). ثم ارتأوا أن يعبروا منها إلى الضفة الشرقية ، ليلحقوا بجيش الإمامعليه‌السلام ، فمنعهم

٣٣١

أهلها. فاضطروا للرجوع ، وعبروا النهر من (هيت) ، ثم لحقوا علياعليه‌السلام متأخرين بقرية دون قرقيسيا [البصيرة اليوم](انظر الشكل ٩).

ويقول فلهوزن في (تاريخ الدولة العربية) ص ٧٣ :

ولا نكاد نجد من أخبار موقعة صفّين عند الطبري إلا ما يذكره أبو مخنف :

سلك عليعليه‌السلام مع جملة جيشه الطريق الحربي العادي مع نهر الدجلة ، ثم اخترق أرض الجزيرة. وعند قرقيسيا لحقت به مقدمة جيشه التي كان عليها أن تسير مع الشاطئ الأيمن للفرات. وبعد أن عبر عليعليه‌السلام الفرات عند الرقة ، التقت مقدمة جيشه بطلائع جيش الشام (انظر المخطط التالي).

(الشكل ٩)

مسير جيوش الإمام عليعليه‌السلام من الكوفة إلى صفين

٣٣٢

ويمكن استخلاص الطريق التي سلكها الإمام عليعليه‌السلام من الكوفة إلى الرقة ، من كتاب (موقعة صفين) لنصر بن مزاحم ، كما يلي :

الكوفة ـ شاطئ نرس ـ بابل ـ جسر الصراة ـ دير كعب ـ ساباط ـ بهرسير المدائن. ثم انطلق من هناك نحو الغرب إلى الضفة الشرقية للفرات ، فمرّ بالأنبار [الرمادي اليوم] ، ثم هيت ، ثم عانة ، ثم قرقيسيا ، حتى وصل الرقة.

٣٨٨ ـ كيف سيّروا الرؤوس والسبايا من أطول طريق مأهولة :

(تاريخ مشهد الإمام الحسين في حلب للسيد حسين يوسف مكي ، ص ٨)

قال ابن أعثم الكوفي في كتاب (الفتوح) ج ٥ ص ٢٣٦ :

فسار القوم بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكوفة إلى بلاد الشام على محامل بغير وطاء ، من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل ، كما تساق أسارى الترك والديلم

[وقريب منه نصّ الطبري في تاريخه ، ونص الخوارزمي في مقتله].

وقد ذكر العلامة السيد حسين يوسف مكي العاملي في كتابه المذكور أعلاه رواية الخوارزمي ، ثم علّق عليها ، قال :

والخوارزمي وإن لم يذكر الطريق التي سلكوها بالرؤوس والسبايا ، إلا أن قوله «من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل» يقتضي أن يكونوا قد سلكوا الطريق الشمالية إلى الموصل ثم إلى حلب ومنها إلى دمشق. لأنه لم تكن هناك طريق آهلة بالسكان توصل من الكوفة إلى دمشق غير هذه الطريق. وهذه الطريق نفسها التي سلكها الإمام عليعليه‌السلام إلى حرب صفين ، والتي سلكها جيش معاوية إلى حرب الإمام الحسنعليه‌السلام أيضا ، لأن جيشه وصل إلى (مسكن) ، وهي المعسكر الّذي اتخذه الإمام الحسنعليه‌السلام لمواجهة جيش معاوية ، وفيها التقى الجيشان.

وتقع مسكن هذه بين بغداد وسامراء ، وتبعد عن بغداد سبعين كيلومترا شمالا.

ثم قالرحمه‌الله ، ص ٩ : ويشير ابن شهر اشوب في مناقبه إلى أنهم سلكوا هذه الطريق ، وهو في صدد تعداد مناقب الحسينعليه‌السلام ورأسه الشريف قال : «ومن مناقبهعليه‌السلام ما ظهر من المشاهد التي يقال لها (مشهد الرأس) من كربلاء إلى عسقلان ، وما بينهما في الموصل ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك».

فكلامه هذا يدل على أن للرأس الشريف في كل ما ذكره من البلاد مشهد.

٣٣٣

وفي الحقيقة إن الطريق التي سلكتها الرؤوس هي الطريق الممتدة من الكوفة إلى الموصل [في الشمال الغربي من العراق] ، ثم إلى نصيبين [في الشمال الشرقي من سورية] ثم إلى الرقة فحلب فدمشق.

المنازل التي مرّ بها موكب الرؤوس والسبايا

سوف نستعرض أولا ما ورد في عدة مصادر حول هذه المنازل ، ثم نحاول رسم الطريق ، بعد إجراء إحصاء للمواقع في كل المصادر المعتمدة.

٣٨٩ ـ المنازل التي مرت بها الرؤوس والسبايا أثناء تسييرها من الكوفة إلى دمشق :(مقتل أبي مخنف ، من ص ١١٠ ـ ١٢١)

(قال أبو مخنف) : ثم إن ابن زياد دعا بشمر بن ذي الجوشن وخولي ، وضمّ إليهما ألفا وخمسمائة فارس ، وأمرهم أن يسيروا بالسبايا والرأس إلى الشام ، وأن يشهروهم في جميع البلدان.

فنزلوا القادسية وساروا بالسبايا والرؤوس إلى شرقي الحصّاصة وعبروا تكريت. ثم أخذوا على طريق البر ، ثم على الأعمى ، ثم على دير عروة ثم على صليتا ، ثم على وادي النخلة فنزلوا فيها وباتوا. ثم أخذوا على أرميناء وساروا حتى وصلوا إلى لينا وكانت عامرة بالناس. ثم أخذوا على الكحيل وأتوا جهينة ومنها إلى (الموصل). ثم أخذوا على تل باعفر ، ثم على جبل سنجار فوصلوا إلى (نصيبين) فنزلوا وشهروا الرأس والسبايا.

(قال أبو مخنف) : وجعلوا يسيرون إلى عين الورد وأتوا إلى قريب دعوات ونصبوا الرأس الشريف فيها ، وباتوا ثملين من الخمور إلى الصباح. ثم أتوا إلى (قنّسرين) وكانت عامرة بأهلها فلم يدخلوهم فرحلوا عنهم. ثم أتوا إلى معرة النعمان ثم نزلوا شيزر. ثم ساروا إلى كفر طاب ، ثم أتوا سيبور فمنعهم أهلها من النزول فيها ، وحصلت معركة شديدة بين الفريقين. ثم ساروا حتى وصلوا (حما) ثم ساروا إلى (حمص). ثم أتوا بعلبك وباتوا فيها ثملين ، ورحلوا منها وأدركهم المساء عند صومعة راهب ، ثم جدّوا في السير حتى دخلوا (دمشق).

(قال أبو مخنف) : وكان عدد الرؤوس التي دخلت دمشق ثمانية عشر رأسا ، ورأس الحسينعليه‌السلام بيد شمر ، والسبايا على المطايا بغير وطاء.

٣٣٤

٣٩٠ ـ رواية (ينابيع المودة)(ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٢ ص ١٧٧)

نقل القندوزي هذه الرواية عن (مقتل أبي مخنف المفصل) قال :

فساروا على ساحل الفرات ، فنزلوا على أول منزل ، وكان المنزل خرابا ثم وصلوا : تكريت ـ وادي النخلة ـ مرشاد ـ بعلبك ـ صومعة الراهب ـ دمشق.

٣٩١ ـ رواية (نور العين في مشهد الحسين):

(نور العين لأبي اسحق الإسفريني ، ص ٨٣)

عدّد الإسفريني المنازل كما يلي : الكوفة ـ أول منزلة ـ جرايا ـ تكريت ـ الموصل ـ كفرنوبة ـ حلب ـ قنّسرين ـ مدينة النعمان ـ كفر طاب ـ شيزر ـ حماة ـ حمص ـ خندق الطعام ـ جوسية ـ بعلبك ـ صومعة راهب [وكيف أخذ الراهب الرأس المقدس] ـ دمشق.

٣٩٢ ـ رواية (صاحب القمقام)(القمقام لفرهاد ميرزا ، ص ٤٩٥)

عن صاحب (المنتخب) أنهم مروا على : تكريت ـ دير عمر ـ وادي نخلة [باتوا فيه] ـ لينا ـ وادي الكحيلة ـ الجهينة ـ نصيبين ـ عين الوردة ـ حرّان ـ حلب ـ معارة نعمان ـ شيزر ـ حمص ـ بعلبك ـ دير النصارى ـ دمشق.

٣٩٣ ـ رواية (وسيلة الدارين):

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين لابراهيم الموسوي الزنجاني ، ص ٣٦٩)

عدّد الزنجاني أكثر من عشرين موضعا كما يلي :

أول منزل للسبايا وأهل البيتعليهم‌السلام دير في الطريق ـ القادسية ـ شرقي الحصّاصة [قرية من توابع الكوفة قرب قصر ابن هبيرة] ـ ثم عبروا تكريت ـ طريق البر ـ دير عروة ـ صليا ـ وادي النخلة ـ أرميناء ـ لينا ـ الكحيل ـ جهينة ـ عسقلان ـ الموصل ـ تلعفر ـ جبل سنجار ـ نصيبين ـ دعوات ـ قنسرين ـ جبل الجوشن قرب حلب ـ معرة النعمان ـ شيزر ـ كفر طاب ـ سيبور ـ حماة ـ حمص ـ بعلبك ـ دمشق.

٣٩٤ ـ تحقيق المنازل التي مرّ بها ركب الرؤوس والسبايا :

بعد مراجعة أغلب المصادر المعتمدة ، يمكن وضع تصور قريب من الواقع للطريق التي سلكتها الرؤوس والسبايا في مسيرتهم من الكوفة إلى دمشق ، وذلك وفق الترتيب التالي :

٣٣٥

(الشكل ١٠)

مخطط مسير الرؤوس والسبايا من الكوفة إلى الموصل ثم حلب فدمشق

٣٣٦

٣٣٧

١ ـ أول منزل خراب

٢ ـ دير في الطريق

٣ ـ القادسية

٤ ـ شرقي الحصّاصة (قصر ابن هبيرة)

٥ ـ جرايا

٦ ـ مسكن

٧ ـ تكريت

٨ ـ طريق البر

٩ ـ الأعمى

١٠ ـ دير عروة (دير عمر)

١١ ـ صليتا (صليا)

١٢ ـ وادي النخلة [مبيت]

١٣ ـ أرميناء

١٤ ـ مرشاد

١٥ ـ لينا

١٦ ـ برساباد

١٧ ـ الكحيل (الأكحل)

١٨ ـ جهينة

١٩ ـ عسقلان

٢٠ ـ الموصل

٢١ ـ تل أعفر

٢٢ ـ جبل سنجار

٢٣ ـ نصيبين [مبيت]

٢٤ ـ كفرنوبة

٢٥ ـ عين الوردة (راس العين)

٢٦ ـ دير الراهب

٢٧ ـ حرّان

٢٨ ـ دعوات [مبيت]

٢٩ ـ الرقّة

٣٠ ـ دوسر (جعبر)

٣١ ـ بالس (مسكنة)

٣٢ ـ حلب : جبل الجوشن [مبيت]

٣٣ ـ قنّسرين

٣٤ ـ معرة النعمان

٣٥ ـ كفر طاب

٣٦ ـ شيزر [مبيت]

٣٧ ـ سيبور (معركة)

٣٨ ـ حماة : جبل زين العابدين [مبيت]

٣٩ ـ الرستن

٤٠ ـ حمص : كنيسة جرجيس الراهب

٤١ ـ خندق الطعام

٤٢ ـ جوسية ـ جبل الحسين

٤٣ ـ اللبوة

٤٤ ـ بعلبك [مبيت]

٤٥ ـ صومعة الراهب (دير النصارى)

٤٦ ـ حجر قرب دمشق.

وقد أثبتنا هذه المواضع على المخطط التاريخي السابق.

٣٣٨

بحث جغرافي

تعريف بأشهر المواضع والبلدان

نقوم أولا بالتعريف بأشهر الأماكن التي مرّ بها ركب الرؤوس والسبايا ، ثم ننتقل إلى ذكر تلك الأماكن ونشرح ما حصل لهم في كل موضع منها.

٣٩٤ ـ دير في الطريق :(معجم البلدان لياقوت الحموي)

في أول مسير السباياعليهم‌السلام مروا على دير في الطريق ، وهذا الدير يقع حتما بين الكوفة والقادسية كما سنرى. ولدى التنقيب في (معجم البلدان) عن الأديرة التي تقع في تلك المنطقة ، عثرت على دير وحيد يقع بين الكوفة والقادسية ، لعله هو الدير المقصود ، واسمه دير سرجس وبكّس.

يقول ياقوت الحموي : دير سرجس وبكّس :

هو دير منسوب إلى راهبين بنجران. وهو دير بين الكوفة والقادسية على وجه الأرض ، وبينه وبين القادسية ميل ، وكان محفوفا بالكروم والأشجار والحانات.وقد خرّب وبطل ، ولم يبق منه إلا خرابات على ظهر الطريق يسميها الناس قباب أبي نواس.

(أقول) ويوافق ذلك ما ذكر في الرواية من أن جماعة الشمر باتوا يشربون الخمر.ومنطقة الكوفة والحيرة [التي تقع على بعد ٧ كم جنوبها] تعتبر مجمّعا للأديرة.ومن الأديرة الواقعة بظاهر الكوفة : دير عبد المسيح ، ودير الأعور.

٣٩٥ ـ القادسية(أخبار الدول للقرماني)

تدل الروايات أن ركب السبايا مرّ بعد ذلك على القادسية قبل التوجه شمالا. وقد مرّ التعريف بالقادسية في الجزء الأول من الموسوعة ص ٦٥٧ ، وهي بلدة بقرب الكوفة على طريق الحاج ، وكانت فيها وقعة القادسية. وتبعد عن الكوفة إلى الجنوب نحو ١٥ فرسخا [٨٠ كم].

وفي (لسان العرب) : القادسية قرية بين الكوفة وعذيب.

وهناك بلدة أخرى باسم (القادسية) من نواحي دجيل بقرب سامراء يعمل فيها الزجاج ، وليست هي المقصودة.

٣٣٩

وإذا صحّ أن السبايا مرّوا من القادسية (الأولى) فيكونوا قد سايروا نهر الفرات إلى الجنوب قليلا ، حتى وصلوا القادسية ، ثم اتخذوا طريقا صحراويا دائريا إلى الشمال ، يبعدهم عن أعين الناس أول انفصالهم عن الكوفة.

٣٩٦ ـ الحصّاصة(معجم البلدان لياقوت الحموي)

الحصّاصة هي من الحصّ ، وهو ذهاب النبت عن الأرض. وهي من قرى سواد العراق ، قرب قصر ابن هبيرة من أعمال الكوفة.

ورويت أيضا (الجصّاصة) وهي الموضع الّذي يعمل فيه الجص.

٣٩٧ ـ قصر ابن هبيرة(تقويم البلدان لأبي الفداء ، ص ٣٠٠)

مدينة قريبة من عمود نهر الفرات ، ويطلع إليها من الفرات أنهار متفرقة. وكربلاء محاذية لقصر ابن هبيرة من الغرب في البرية. وفيها قصر بناه يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري والي العراق في أيام مروان الحمار ، وهي بالقرب من جسر سورا من نواحي بابل القديم.

قال في (العزيزي) : ومن قصر ابن هبيرة إلى عمود الفرات الأعظم فرسخان.

وقال ياقوت في (معجم البلدان) : لما ولي يزيد بن عمر بن هبيرة العراق من قبل مروان بن محمّد بن مروان ، بنى قصره المعروف بقصر ابن هبيرة بالقرب من جسر سورا ، وسمّاه الهاشمية ، وفيه عدة حمامات.

٣٩٨ ـ مسكن(معجم البلدان لياقوت الحموي)

هو موضع قريب من (أوانا) على نهر دجيل عند دير الجاثليق. وذكرنا سابقا أنها تبعد عن بغداد ٧٠ كم شمالا ، وقد كان فيها معسكر الإمام الحسنعليه‌السلام لمواجهة جيش معاوية ، وفيها التقى الجيشان وحصل الصلح.

٣٩٩ ـ تكريت(المصدر السابق)

بلدة مشهورة بين بغداد والموصل ، وهي إلى بغداد أقرب ، وبينها وبين بغداد ٣٠ فرسخا [١٦٥ كم]. ولها قلعة حصينة في طرفها الأعلى راكبة على دجلة ، وهي غربي دجلة. قيل سمّيت باسم تكريت بنت وائل أخت بكر بن وائل. وأول من بنى القلعة هو سابور بن أردشير بن بابك ، وقد بناها الملك الفارسي لتكون بينهم وبين الروم إذا ما داهموهم. وكان على القلعة مرزبان [وهو المسؤول عن حراسة

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

فلما صار ب (زبالة) قام فيهم خطيبا فقال : ألا إنه أتاني خبر فظيع. ألا إن أهل الكوفة وثبوا على مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة فقتلوهما ، وقتلوا أخي من الرضاعة عبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم أن ينصرف فلينصرف من غير حرج ، وليس عليه منا ذمام. فتفرق الناس وأخذوا يمينا وشمالا ، حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة وعددهم (٨٢) ، وإنما أراد ألا يصحبه إنسان إلا على بصيرة. ولما كان السحر أمر أصحابه فاستسقوا ماء وأكثروا ، ثم رحل من زبالة متجها إلى (القاع).

وأورد أبو مخنف في مقتله ص ٤٣ شبيه هذا الكلام ، هذا نصه :

وجعلعليه‌السلام لا يمرّ ببادية إلا ويتبعه خلق كثير ، حتّى انتهى إلى (زبالة) فنزل بها ، ثم قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى عليه ، ثم نادى بأعلى صوته : أيها الناس إنما جمعتكم على أن العراق في قبضتي ، وقد جاء في خبر صحيح أن مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة قتلا ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن كان منكم يصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح ، وإلا فلينصرف من موضعه هذا ، فليس عليه من ذمامي شيء. فسكتوا جميعا وجعلوا يتفرقون يمينا وشمالا ، حتّى لم يبق معه إلا أهل بيته ومواليه ، وقالوا : والله ما نرجع حتّى نأخذ بثأرنا ونذوق الموت غصّة بعد غصة ، وهم نيّف وسبعون رجلا ، وهم الذين خرجوا معه من مكة.

٦٧٢ ـ رجل نصراني يسلم على يد الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : لما نزل الحسينعليه‌السلام الثعلبية ، أقبل رجل نصراني وأمه ، فأسلما على يديه.

(أقول) : لعله وهب بن حباب الكلبي ، وأمه أم وهب.

«بطن العقبة»

٦٧٣ ـ لقاء الحسينعليه‌السلام بعمرو بن لوذان في (بطن العقبة) وما جرى بينهما من محاورة :(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ٩٠)

ولما كان وقت السحر أمرعليه‌السلام غلمانه وفتيانه ، فاستقوا الماء وأكثروا ، ثم سارعليه‌السلام حتّى مرّ (ببطن العقبة) في طريقه إلى الكوفة. وهناك لقي شيخا من بني

٥٦١

عكرمة يقال له عمرو بن لوذان ، فسأله أين تريد؟. فقال الحسينعليه‌السلام : الكوفة.فقال الشيخ : أنشدك الله لما انصرفت. فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحدّ السيوف ، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء ، فقدمت عليهم ، كان ذلك رأيا ، فأما على هذه الحال التي تذكر ، فإني لا أرى لك أن تفعل. ثم قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الأمم.

٦٧٤ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام في (بطن العقبة) لجعفر بن سليمان الضبعي :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢١٣)

وقالعليه‌السلام لجعفر بن سليمان الضبعي في (بطن العقبة) : إنهم لن يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام الأمة(١) .

٦٧٥ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بشهادته وهو في طريقه إلى كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢١١ ؛ وتاريخ الإسلام للذهبي ، ج ٢ ص ٣٤٥ ؛ وتاريخ ابن كثير ، ج ٨ ص ١٦٩)

عن يزيد الرّشك ، قال : حدثني من شافه الحسينعليه‌السلام قال : رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض. فقلت : لمن هذه؟. قالوا : هذه لحسينعليه‌السلام . قال :فأتيته ، فإذا شيخ يقرأ القرآن ، والدموع تسيل على خديه ولحيته. (قال) فقلت : بأبي أنت وأمي يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أنزلك هذه البلاد ، والفلاة التي ليس بها أحد؟.فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ، ولا أراهم إلا قاتليّ. فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها ، فيسلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأمة [يعني مقنعتها].

٦٧٦ ـ تعريف ببعض منازل الطريق :

(معجم البلدان لياقوت الحموي)

قال هشام : (واقصة)و (شراف) ابنتا عمرو بن معتق ، من أحفاد إرم ابن سام بن نوحعليه‌السلام . (واقصة) : منزل بطريق مكة بعد (القرعاء) نحو مكة وقبل (العقبة) لبني

__________________

(١) فرام المرأة : هو ما تحتشي به المرأة في موضعها ، وقيل هو خرقة الحيض. والأمة : هي العبدة المملوكة.

٥٦٢

شهاب من طيّئ. ويقال لها : واقصة الحزون ، وهي دون (زبالة) بمرحلتين. وإنما قيل لها واقصة الحزون ، لأن الحزون [أي الأراضي الصعبة الوعرة] أحاطت بها من كل جانب.

ـ تعريف بنوعيات الأرض من الكوفة إلى مكة :

والسائر إلى مكة ينهض في أول الحزن(١) من (العذيب) في أرض يقال لها (البيضة) ، حتّى يبلغ مرحلة (العقبة) في أرض يقال لها البسيطة ، ثم يقع في (القاع) وهو سهل. ويقال : (زبالة) أسهل منه. فإذا جاوزت ذلك استقبلت الرمل ، فأول رمل تلقاها يقال لها الشيحة [انظر الشكل ١٠].

(الشكل ١٠) : طبيعة الأرض من الكوفة إلى مكة

من العذيب تكون الأرض حزنة ثم بسيطة ثم سهلة ثم تبدأ الرمال من الشيحة

وهكذا انتهت سنة ٦٠ ه‍

وبدأت سنة ٦١ هجرية

(وذلك قبل يومين من وصول الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء)

__________________

(١) الحزن : ما غلظ من الأرض ، ضد السهل.

٥٦٣

بداية سنة ٦١ هجرية

(١ محرم الحرام سنة ٦١ ه‍)

(١ تشرين الأول سنة ٦٨٠ م)

مدخل :

انتهت سنة ٦٠ هجرية ، وبدأت سنة ٦١ ه‍ بشهرها المحرم الحرام ، الّذي حرّم الله فيه القتل والقتال حتّى مع الكفار ، والذي ارتكبت فيه أكبر مجزرة في تاريخ الأمم والإسلام. حيث قتل الحزب الأموي الحاكم سيد شباب أهل الجنة ، الحسين بن عليعليهما‌السلام ، كما ذبح أخاه العباسعليه‌السلام وابنه علي الأكبرعليه‌السلام وابن أخيه القاسم بن الحسنعليه‌السلام ، وأربعا وعشرين بدرا من بدور بني هاشم ، من سلالة المجاهد الأكبر أبي طالبعليه‌السلام ، الّذي علمّ أولاده نصرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنصروا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام علياعليه‌السلام وابنيه الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فكانوا خير خلف لخير سلف.

وقد مضى على مسير الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء ٢٢ يوما ، وبقي له يومان ليصل إليها.

«شراف»

٦٧٧ ـ التزود بالماء من (شراف):

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)

ثم سار الحسينعليه‌السلام من بطن العقبة حتّى نزل (شراف). فلما كان في السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا. ثم سار منها حتّى انتصف النهار.

٦٧٨ ـ طلائع الخطر :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)

فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه ، فقال الحسينعليه‌السلام : الله أكبر ، لم كبّرت؟. قال : رأيت النخل. فقال له جماعة من أصحابه : إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط!. فقال لهم الحسينعليه‌السلام : فما ترون؟. قالوا : نراه والله أسنة الرماح وآذان الخيل.

٥٦٤

ثم قالعليه‌السلام : فهل لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم بوجه واحد؟. فقالوا : بلى ، هذا (ذو حسم) إلى جنبك ، فمل إليه عن يسارك ، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد. فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه.

لقاء الحرّ بن يزيد التميميّ

«ذو حسم»

٦٧٩ ـ التقاء الحسينعليه‌السلام بأول كتيبة للجيش الأموي بقيادة الحر بن يزيد الرياحي :(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)

فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي [جمع هادي : وهو العنق ومقدمة كل شيء] الخيل ، فتبيّناها وعدلنا. فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، كأن أسنتهم اليعاسيب [جمع يعسوب : وهو النحل ، وشبّه لمعان أسنّتهم بلمعان أجنحة النحل أثناء طيرانها] وكأن راياتهم أجنحة الطير. فاستبقنا إلى (ذي حسم) فسبقناهم إليه.

وأمر الحسينعليه‌السلام بأبنيته فضربت. وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر ابن يزيد التميمي ، حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسينعليه‌السلام في حرّ الظهيرة ، والحسينعليه‌السلام وأصحابه معتمّون متقلدون أسيافهم.

٦٨٠ ـ الحسينعليه‌السلام يسقي جنود أعدائه :

(المصدر السابق ؛ ومقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٠)

فقال الحسينعليه‌السلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفا [أي اسقوهم قليلا]. وكانوا شاكّين في السلاح ، لا يرى منهم إلا الحدق.فأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ، ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ منها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه ، وسقي آخر ، حتّى سقوها عن آخرها.

قال علي بن الطعّان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه. فلما رأى الحسينعليه‌السلام ما بي وبفرسي من العطش ، قال : أنخ الرواية ،

٥٦٥

فلم أفهم (لأن الرواية عندي السّقاء). ثم قال : يابن الأخ أنخ الجمل ، فأنخته(١) .فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء. فقال الحسينعليه‌السلام :أخنث السقاء [أي اعطفه] فلم أفهم ، ولم أدر كيف أفعل!. فقامعليه‌السلام فعطفه بيده ، فشربت وسقيت فرسي.

وكان مجيء الحر بن يزيد من القادسية ، وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير ، وأمره أن ينزل القادسية ، ويقدّم الحر بين يديه في ألف فارس ، يستقبل بهم الحسينعليه‌السلام . وكانت ملاقاة الحر للحسينعليه‌السلام على مرحلتين من الكوفة [حوالي ٩٠ كم].

ـ تعليق السيد عبد العزيز المقرّم :

يقول السيد المقرّم : فانظر إلى هذا اللطف والحنان من أبي الضيم الحسينعليه‌السلام على هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة ، التي تعزّ فيها الجرعة الواحدة ، وهو عالم بحراجة الموقف ونفاد الماء ، ولكن العنصر النبوي والكرم العلوي ، لم يتركا صاحبهما إلا أن يحوز الفضل. وإن فعلها فقد فعلها أبوه من قبله في صفين ، وكل إناء ينضح بما فيه.

٦٨١ ـ الحسينعليه‌السلام يتعرف على الحر :

(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٤٢)

ثم قال الحر : السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته. فقال الحسينعليه‌السلام : وعليك السلام ، من أنت يا عبد الله؟. فقال : أنا الحر بن يزيد.فقال : يا حرّ ، ألنا أم علينا؟. فقال الحر : والله يابن رسول الله لقد بعثت لقتالك ، وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلى رجلي ، ويدي مغلولة إلى عنقي ، وأكبّ على حرّ وجهي في النار. يابن رسول الله ، ارجع إلى حرم جدك ، أين تذهب فإنك مقتول!.

__________________

(١) الرواية في لسان أهل الحجاز : اسم للجمل الّذي يستقى عليه. وفي لسان أهل العراق : اسم للسقاء الّذي يملأ بالماء. فلذلك لم يفهم ابن الطعان مراد الحسينعليه‌السلام حتّى قال له : أنخ الجمل.

٥٦٦

٦٨٢ ـ من خطبة للحسينعليه‌السلام بعد لقائه بالحر في (ذي حسم) وقد صلّىعليه‌السلام صلاة الظهر بالعسكرين :

(مقتل الخوارزمي ، ص ٢٣١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٨٠)

قال الشيخ المفيد : فلم يزل الحر موافقا للحسينعليه‌السلام حتّى حضرت صلاة الظهر. فقال الحسينعليه‌السلام للحجاج بن مسروق : أن أذّن يرحمك الله وأقم الصلاة حتّى نصلي. فأذّن الحجّاج للظهر. فلما فرغ صاح الحسينعليه‌السلام بالحر :يابن يزيد أتريد أن تصلي بأصحابك ، وأنا أصلّي بأصحابي؟. فقال الحر : لا بل تصلي ، ونحن نصلّي بصلاتك يا أبا عبد الله!. فقالعليه‌السلام للحجاج : أقم ، فأقام.

وتقدم الحسينعليه‌السلام للصلاة ، فصلى بالعسكرين جميعا. فلما فرغ وثب قائما متكئا على قائم سيفه ، وكان في إزار ورداء ونعلين. فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :أيها الناس معذرة إليكم ، أقدّمها إلى الله وإلى من حضر من المسلمين. إني لم آتكم (وفي رواية : لم أقدم إلى بلدكم) حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ، أن أقدم إلينا ، فإنه ليس علينا إمام ، فلعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئن إليه وأثق به من عهودكم ومواثيقكم أدخل معكم إلى مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين ولقدومي عليكم باغضين ، انصرفت عنكم إلى المكان الّذي منه جئت إليكم. فسكتوا جميعا(١) .

ثم دخلعليه‌السلام فاجتمع إليه أصحابه. وانصرف الحر إلى مكانه الّذي كان فيه ، فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من أصحابه. وعاد الباقون إلى صفّهم الّذي كانوا فيه ، فأعادوه. ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها.

٦٨٣ ـ كتاب ابن زياد للحر يأمره فيه بالتضييق على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣١)

فبينا هم على تلك الحال ، وإذا بكتاب ورد من الكوفة من عبيد الله بن زياد إلى الحر: أما بعد يا حر ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فجعجع(٢) بالحسين بن علي ، ولا

__________________

(١) كذا في مقتل المقرم ص ٢١٥ ، ومناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٦ ط نجف. ولم يذكر الخوارزمي موضع الخطبة وهو (شراف). وفي مقتل أبي مخنف ، ص ٤٤ أنه خطبها في (الثعلبية).

(٢) جعجع بالحسين : أي احبسه وضيّق عليه.

٥٦٧

تفارقه حتّى تأتيني به ، فإني قد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى تأتي بإنفاذ أمري إليك والسلام.

فلما قرأ الحر الكتاب بعث إلى ثقات أصحابه فدعاهم ، ثم قال : ويحكم إنه قد ورد عليّ كتاب عبيد الله بن زياد ، يأمرني أن أقدم على الحسين بما يسوؤه ، ولا والله ما تطاوعني نفسي ولا تجيبني إلى ذلك أبدا. فالتفت رجل من أصحاب الحر يكنى (أبا الشعثاء الكندي) إلى رسول ابن زياد وقال له : فيم جئت ثكلتك أمك؟. فقال له الرسول : أطعت إمامي ووفّيت بيعتي وجئت برسالة أميري. فقال له أبو الشعثاء :لعمري لقد عصيت ربك وإمامك ، وأهلكت نفسك ، واكتسبت والله عارا ونارا ، فبئس الإمام إمامك الّذي قال فيه الله :( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) [القصص : ٤١](١) .

٦٨٤ ـ من خطبة لهعليه‌السلام بالعسكرين بعد أن صلى بهما صلاة العصر :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٢)

ودنت صلاة العصر ، فأمر الحسينعليه‌السلام مؤذنه أيضا بالأذان ، فأذّن وأقام ، وتقدمعليه‌السلام فصلى بالعسكرين. فلما انصرف من صلاته وثب قائما على قدميه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله تعالى وتعرفوا الحق لأهله يكن رضا الله عنكم. وإنا أهل بيت نبيكم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أولى بولاية هذه الأمور عليكم ، من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالظلم والجور والعدوان ، وإن كرهتمونا وجهلتم حقنا ، وكان رأيكم على خلاف ما جاءت به كتبكم ، انصرفت عنكم(٢) .

فقال له الحر : أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر. فقال الحسينعليه‌السلام لبعض أصحابه : يا عقبة بن سمعان أخرج إليّ الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ. فأخرج خرجين مملوءين صحفا من كتب أهل الكوفة ، فنثرت بين يديه.

__________________

(١) كان أبو الشعثاء الكنديرحمه‌الله منصفا. وستجد عدوله إلى الحسينعليه‌السلام واستشهاده معه في الجزء الثاني من هذه الموسوعة.

(٢) مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم ، ص ٢١٦.

٥٦٨

فقال له الحر : إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك(١) . وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على الأمير عبيد الله. فتبسّم الحسينعليه‌السلام وقال له :يابن يزيد ، الموت أدنى إليك من ذلك!.

ترجمة عقبة بن سمعان

عقبة بن سمعان ، عدّه الشيخ الطوسي في (رجاله) من أصحاب الحسينعليه‌السلام . وقد ذكره الطبري وغيره من مؤرخي الواقعة ، ويفهم مما ذكروه أنه كان عبدا للرباب زوجة الحسينعليه‌السلام ، وأنه كان يتولى خدمة أفراسه وتقديمها له. فلما استشهد الحسينعليه‌السلام فرّ على فرس ، فأخذه أهل الكوفة ، فزعم أنه عبد للرباب بنت امرئ القيس الكلابية ، فأطلق سراحه.وجعل يروي الواقعة كما حدثت ، ومنه أخذ كثير من أخبارها. (مقتل أبي مخنف المقتبس ، ص ١٣)

٦٨٥ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع الحر وقد حاول التضييق عليه حتّى يقدمه على عبيد الله بن زياد بالكوفة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٢)

ثم التفت الحسينعليه‌السلام إلى أصحابه فقال : احملوا النساء ليركبن ، حتّى ننظر ما الّذي يقدر أن يصنع هذا [أي الحر] وأصحابه فتقدمت خيل أهل الكوفة فحالت بينهم وبين المسير. فضرب الحسينعليه‌السلام بيده إلى سيفه وصاح بالحر : ثكلتك أمك يابن يزيد ، ما الّذي تريد أن تصنع؟. فقال الحر : أما والله يا أبا عبد الله ، لو

__________________

(١) جاء في (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، أنه لما نادى الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء :يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ويا فلان ويا فلان ألم تكتبوا إليّ ، فقالوا :ما ندري ما تقول. وكان الحر بن يزيد الرياحي من ساداتهم ، فقال له : بلى والله لقد كاتبناك ونحن الذين أقدمناك ، فأبعد الله الباطل وأهله ، والله لا أختار الدنيا على الآخرة. يقول الشيخ حبيب آل إبراهيم في كتابه (ذكرى الحسين) من حاشية.

ص ٨٢ : فيمكن أن يكون حمل الحر على الإنكار تعصبه لمن كان معه أولا ، فلما رأى منهم ما رأى رجع إلى الحق وهداه الله تعالى.

٥٦٩

قالها غيرك من العرب لرددتها عليه كائنا من كان ، ولكن والله مالي إلى ذكر أمك [أي فاطمة] من سبيل ، غير أنه لا بدّ لي من أن أنطلق بك إلى الأمير. قالعليه‌السلام :إذن والله لا أتبعك. فقال الحر : إذن والله لا أدعك.

فقال الحسينعليه‌السلام : فذر إذن أصحابك وأصحابي وابرز إليّ ، فإن قتلتني حملت رأسي إلى ابن زياد ، وإن قتلتك أرحت الخلق منك. فقال الحر : إني لم أؤمر بقتالك ، وإنما أمرت أن لا أفارقك أو أقدم بك على الأمير. وأنا والله كاره أن يبتليني الله بشيء من أمرك. غير أني أخذت بيعة القوم وخرجت إليك. وأنا أعلم أنه ما يوافي القيامة أحد من هذه الأمة إلا وهو يرجو شفاعة جدك ، وإني والله لخائف إن أنا قاتلتك أن أخسر الدنيا والآخرة ، ولكن أما أنا يا أبا عبد الله فلست أقدر على الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا ، ولكن خذ غير الطريق وامض حيث شئت (وفي رواية : ولكن خذ طريقا نصفا بيننا لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة(١) ) حتّى أكتب إلى الأمير أن الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه ، وأنا أنشدك الله في نفسك (وفي رواية : وإني أذكّرك الله في نفسك(٢) ) فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ. فقال الحسينعليه‌السلام : كأنك تخبرني بأني مقتول!. فقال له : نعم يا أبا عبد الله ، لا أشك في ذلك إلا أن ترجع من حيث جئت. فقال الحسينعليه‌السلام :لا أدري ما أقول لك ، ولكني أقول كما قال أخو الأوس وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخوّفه ابن عمه حين لقيه ، وقال : أين تذهب فإنك مقتول ، فقال له :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مذموما(٣) وخالف مجرما

أقدّم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقى خميسا في النزال(٤) عرمرما

فإن عشت لم أذمم(٥) وإن متّ لم ألم

كفى بك ذلّا أن تعيش وترغما

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢١٧. وفي تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٢٨ ط أولى مصر ، قال الحر : «فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية" وبينه وبين العذيب ٣٨ ميلا.

(٢) مقتل الحسين للمقرم ص ٢١٧.

(٣) وفي رواية : (مثبورا).

(٤) وفي رواية (في الهياج). والخميس : الجيش ، لأنه مؤلف من خمس فرق. ويوم الهياج : يوم القتال. العرمرم : الجيش الكثير.

(٥) وفي رواية (لم أندم).

٥٧٠

٦٨٦ ـ التقاء الحسينعليه‌السلام بالحر وإخباره بمصرع مسلم :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف)

قال علماء السير : ولم يزل الحسينعليه‌السلام قاصدا الكوفة ، مجدّا في السير ، ولا علم له بما جرى على مسلم بن عقيل. حتّى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال تلقّاه الحر بن يزيد التميمي ، فسلّم عليه وقال له : أين تريد يابن رسول الله؟. فقال :أريد هذا المصر. فقال له : ارجع فوالله ما تركت لك خلفي خيرا ترجوه. وأخبره بقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة. وقدوم ابن زياد الكوفة واستعداده له.

فهمّ بالرجوع ، وكان معه إخوة مسلم بن عقيل ، فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب بثأرنا أو نقتل. فقالعليه‌السلام : لا خير في الحياة بعدكم(١) .

«البيضة»

٦٨٧ ـ من كتاب للحسينعليه‌السلام إلى أشراف الكوفة بعد علمه بمقتل مسلم ابن عقيل ، يدعوهم فيه إلى البرّ بعهودهم ، ويبيّن لهم أن الهدف من نهضته هو تقويم الانحراف :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة المؤمنين. أما بعد فقد علمتم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال في حياته : «من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، ثم لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله».وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتولوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا في الأرض الفساد ، وعطّلوا الحدود والأحكام ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله. وإني أحقّ بهذا الأمر ، لقرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن وفيتم لي بيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ، ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهليكم وأولادكم ، فلكم بي أسوة. وإن لم تفعلوا

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٢٠.

٥٧١

ونقضتم عهودكم ونكثتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم ، والمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) [الفتح : ١٠] وسيغني الله عنكم والسلام. ثم طوى الكتاب وختمه ، ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي ، وأمره أن يسير به إلى الكوفة(١) .

استشهاد قيس بن مسهر الصّيداويرحمه‌الله

٦٨٨ ـ مصرع قيس بن مسهر الصيداوي على يد عبيد الله بن زياد :

(المصدر السابق)

فلما انتهى قيس إلى القادسية ، اعترضه الحصين بن تميم [الصحيح : الحصين بن نمير] ليفتشه ، فأخرج قيس الكتاب وخرّقه. فحمله الحصين إلى ابن زياد. فلما مثل

__________________

(١) في اللهوف ص ٤٣ أن هذا الكتاب كتبه الحسينعليه‌السلام من الحاجر. وفي كتاب الفتوح لابن أعثم أنه كتبه في (عذيب الهجانات). وفي مناقب ابن شهراشوب أنه كتبه من كربلاء أول نزوله بها ، وأنه أرسله مع قيس بن مسهر. وذكر المقرم ص ٢١٨ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٢٩ ، أن هذا الكلام خطبهعليه‌السلام في موضع (البيضة) بعد خطبتيه المتقدمتين في جماعة الحر ، وعليه فقد اختلف بين أن يكون هذا الكلام خطبة أم كتابا. وجاء في (لواعج الأشجان) ص ٩٤ أن ذكر لفظة (والسلام) في آخر الكلام على رواية الطبري وابن الأثير يؤيد أنه كتاب لا خطبة ، لأن ذلك متعارف في الكتب لا في الخطب. هذا وإن أغلب الروايات دلّت على أن إرسال قيس كان من الطريق لا من كربلاء كما روى ابن شهراشوب ، فضلا عن أن التمكن من إرساله من كربلاء بعيد ، والله أعلم.

(أقول) : وقد ذكرنا سابقا أن الحسينعليه‌السلام قد بعث قيس بن مسهر بكتاب إلى أهل الكوفة جوابا على كتاب مسلم من (الحاجر) وهو مغاير لهذا الكلام ، فإذا صحّ أن هذا الكلام هو كتاب لا خطبة ، وأنه بعثه مع قيس كما تدل الروايات ، فتكون نسبة الكتاب الأول إلى قيس غير صحيحة ، وأنها لعبد الله بن يقطر كما رجّحنا.

٥٧٢

بين يديه ، قال له : من أنت؟. قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه. قال : فلماذا خرّقت الكتاب؟. قال : لئلا تعلم ما فيه. قال : وممن الكتاب وإلى من؟. قال : من الحسينعليه‌السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم. فغضب ابن زياد ، فقال : والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين بن علي وأباه وأخاه ، وإلا قطّعتك إربا إربا.فقال قيس : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما سبّ الحسينعليه‌السلام وأبيه وأخيه فأفعل (وفي رواية أنه قال له : اصعد المنبر ، فسبّ الكذّاب ابن الكذاب ، الحسين ابن علي).

فصعد قيس المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي وآله ، وأكثر من الترحم على علي والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية. ثم قال : أيها الناس ، إن هذا الحسين بن عليعليهما‌السلام خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنا رسوله إليكم ، وقد خلّفته (بالحاجر) فأجيبوه.

فأمر به ابن زياد ، فرمي من أعلى القصر ، فتقطعّ (وتكسّرت عظامه) فمات.(وفي مقتل المقرم ص ٢١٩) ويقال : كان به رمق ، فذبحه عبد الملك ابن عمير اللخمي. فعيب عليه ، فقال : أردت أن أريحه.

ترجمة قيس بن مسهر الصيداوي

قيس أحد بني الصيداء ، وهي قبيلة من بني أسد. قال علماء السير : كان قيس رجلا شريفا شجاعا مخلصا في محبة أهل البيتعليهم‌السلام . وقد بعثه أهل الكوفة بكتبهم إلى الحسينعليه‌السلام بمكة ، ثم أرسله الحسينعليه‌السلام مع مسلم بن عقيل ، ثم أرجعه مسلم بكتاب منه إلى الحسين ، فردّعليه‌السلام الجواب معه.وبقي مصاحبا لمسلم حتّى أتى الكوفة ، ولما بايعه من بايعه من أهلها كتب إلى الحسين مع قيس إلى مكة. وبقي قيس مع الحسينعليه‌السلام حتّى بلغ (الحاجر) ، فبعثه إلى أهل الكوفة بكتاب ، فأمسكه الحصين بن نمير كما ذكرنا ، وقتله.

٥٧٣

توضيح : (حول مهمات الشهيد قيس بن مسهر)

كانت مهمات قيس بن مسهر الصيداوي خطيرة ، وهي تأمين المراسلة بين الحسينعليه‌السلام والعراق. فبعثه أهل الكوفة أولا برسالة إلى الحسينعليه‌السلام وهو بمكة. ثم صحب مسلم بن عقيل حتّى قدم الكوفة. ثم بعثه مسلم برسالة إلى الحسينعليه‌السلام يخبره فيها بمبايعة أهل الكوفة. ثم حين خرج الحسينعليه‌السلام من مكة إلى العراق صحبه قيس ، حتّى إذا انتهىعليه‌السلام إلى الحاجر بعثه إلى أهل الكوفة يخبرهم بقدومه. وفي الطريق قبض عليه الحصين بن نمير التميمي ، فأتلف الرسالة كما مرّ ، وجيء به إلى ابن زياد فقتله صبرا ، رضوان الله عليه.

وبما أن هناك تضاربا كبيرا بين استشهاد (عبد الله بن يقطر)و (قيس بن مسهر) فقد رجّحنا أن يكون الحسينعليه‌السلام بعث عبد الله بن يقطر بكتاب من (الحاجر) وبلغه نبأ استشهاده في (زبالة). ثم بعث قيس بن مسهر بكتاب من (البيضة) ووصله خبر استشهاده في (العذيب) ، فهذا أقرب إلى تسلسل الأحداث والروايات كما أسلفنا.

«الرّهيمة»

٦٨٩ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع رجل من أهل الكوفة يدعى أبا هرّة الأزدي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)

ولما أصبحعليه‌السلام إذا برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرّة الأزدي(١) قد أتاه فسلّم عليه ، ثم قال له : يابن رسول الله ما الّذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أبا هرّة إن بني أمية قد أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت. يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنّهم الله تعالى ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلّطنّ الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ ، إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم.

__________________

(١) هذا الكلام مطابق لما جاء في (اللهوف) ص ٣٩. وذكر المقرم في مقتله ص ٢١٨ هذا الكلام أنه جرى بين الحسينعليه‌السلام ورجل من أهل الكوفة يقال له أبو هرم ، وذلك في موضع يدعى (الرهيمة) نقلا عن (أمالي الصدوق) ص ٩٣. وفي مقتل الخوارزمي ومثير الأحزان لابن نما ، أنه جرى في (الثعلبية).

٥٧٤

«عذيب الهجانات»

٦٩٠ ـ وصول خبر مصرع قيس بن مسهر الصيداوي في (عذيب الهجانات):

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٠ ط أولى مصر)

فلما وصل الحسينعليه‌السلام إلى (عذيب الهجانات)(١) فإذا بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة ، وهم : عمرو بن خالد الصيداوي ، وسعد مولاه ، ومجمع ابن عبد الله المذحجي ، ونافع بن هلال. ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عدي على فرسه ، وكان قد امتار لأهله من الكوفة ميرة. فخرج بهم على غير الطريق ، حتّى إذا قاربوا الحسينعليه‌السلام حدا بهم الطرماح يقول :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٣)

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وشمّري قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر

آل رسول الله أهل الفخر

السادة البيض الوجوه الغرّ

الطاعنين بالرماح السّمر

الضاربين بالصفاح البتر

حتّى تحليّ بكريم النّجر

الماجد الحر الرحيب الصدر

أتى به الله لخير أمر

عمّره الله بقاء الدهر

وزاده من طيّبات الذكر

يا مالك النفع معا والضرّ

أيّد حسينا سيدي بالنصر

على الطغاة من بقايا الكفر

على اللعينين سليلي صخر

يزيد لا زال حليف الخمر

وابن زياد العاهر ابن العهر

فقال لهم الحسينعليه‌السلام : أخبروني خبر الناس وراءكم. فقال له مجمع بن عبد الله العائذي وهو أحد الأربعة : أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم [الغرائر : جمع غرارة ، وهي الكيس من الشعر أو الصوف] يستمال ودّهم ، ويستخلص به نصيحتهم ، فهم إلب واحد [أي جماعة] عليك. وأما سائر الناس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال : أخبروني فهل

__________________

(١) ذكر المقرم في مقتله ص ٢٢٠ هذا الموضع ولم يذكره الخوارزمي. وذكر أبو مخنف في مقتله مثل هذا الكلام ص ٤٦. وعذيب الهجانات : موضع كان النعمان بن المنذر يضع فيه هجانه لترعى ، فسمي : عذيب الهجانات.

٥٧٥

لكم برسولي إليكم؟. قالوا : من هو؟. قال : قيس بن مسهر الصيداوي. فقالوا :نعم ، أخذه الحصين بن نمير ، فبعث به إلى ابن زياد فقتله. فترقرقت عينا الحسينعليه‌السلام ولم يملك دمعه. ثم قال :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (٢٣) [الأحزاب : ٢٣]. الله م اجعل لنا ولهم الجنة نزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك ، يا أرحم الراحمين.

٦٩١ ـ نصيحة الطرماح ودعوته للحسينعليه‌السلام إلى قومه من طيء :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٧٧)

وقال الطرمّاح بن عدي : والله (لا) أرى معك كثير أحد ، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم. ولقد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهر الكوفة ، وفيه من الناس ما لم تر عيناي ـ جمعا في صعيد واحد ـ أكثر منه قط ، ليسيروا إليك. فأنشدك الله إن قدرت على أن لا تقدم إليهم شبرا فافعل. فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به ، حتّى ترى رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتّى أنزلك جبلنا (أجأ)(١) فهو والله جبل امتنعنا به من ملوك غسان وحمير والنعمان بن المنذر ، ومن الأحمر والأبيض. والله ما إن دخل علينا ذل قط ، فأسير معك حتّى أنزلك القرية. ثم تبعث إلى الرجال ممن ب (أجا) وسلمى من طيّئ ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتّى تأتيك طيء رجالا وركبانا. ثم أقم فينا ما بدا لك. فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي ، يضربون بين يديك بأسيافهم ، فوالله لا يوصل إليك أبدا وفيهم عين تطرف.

فجزاه الحسينعليه‌السلام وقومه خيرا ، وقال : إن بيننا وبين القوم عهدا وميثاقا ، ولسنا نقدر على الانصراف حتّى تتصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة.

فاستأذن الطرمّاح وحده بأن يوصل الميرة إلى أهله ، ويعجّل المجيء لنصرته ، فأذن له ، وصحبه الباقون.

فأوصل الطرماح الميرة إلى أهله ورجع سريعا ، فلما بلغ (عذيب الهجانات) بلغه خبر قتل الحسينعليه‌السلام ، فرجع إلى أهله(٢) .

__________________

(١) لدى الرجوع إلى المصورات الجغرافية ، تبّين أن (أجا) جبل يقع إلى جهة الغرب من بلدة (حائل) المعروفة في السعودية.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٠.

٥٧٦

(أقول) : هذا معارض لبعض الروايات التي تقول : إن الطرماح كان مع الحسينعليه‌السلام في كربلاء. وبعضها يذكر أنه جرح وسقط عن فرسه وبه رمق ، فأخذه قومه وداووه وبرئ. بينما يذكر بعضها أنه استشهد مع الحسينعليه‌السلام .

«قصر بني مقاتل»

٦٩٢ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبيد الله بن الحر الجعفي في (قصر بني مقاتل) ودعوته إلى نصرته فأبى :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٧ ؛ ومقتل المقرّم ، ص ٢٢٤)

ثم سار الحسينعليه‌السلام حتّى نزل (قصر بني مقاتل) ، فإذا بفسطاط مضروب(١) ورمح مركوز وسيف معلق وفرس واقف على مذود [أي معتلف]. فقال الحسينعليه‌السلام : لمن هذا الفسطاط؟. فقيل : لرجل يقال له عبيد الله بن الحر الجعفي.

وحكى في (القمقام) أن عبيد الله بن الحر كان عثمانيا ، وكان يعدّ من الشجعان ومن فرسان العرب ، وكان في وقعة صفين في جيش معاوية. ولما قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام انتقل إلى الكوفة وكان بها. حتّى إذا بلغه قدوم الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة خرج منها لئلا يحضر قتله».

فأرسل إليه الحسينعليه‌السلام برجل من أصحابه يقال له : الحجاج بن مسروق الجعفي. فأقبل حتّى دخل عليه في فسطاطه ، فسلّم عليه ، فردّ عليه عبيد الله السلام.ثم قال له : ما وراءك؟. قال : ورائي والله يابن الحر الخير. إن الله تعالى قد أهدى إليك كرامة عظيمة إن قبلتها. فقال عبيد الله : وما ذاك؟. قال الحجاج : هذا الحسين ابن عليعليهما‌السلام يدعوك إلى نصرته ، فإن قاتلت بين يديه أجرت ، وإن قتلت استشهدت. فقال عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله يا حجّاج ما خرجت من الكوفة إلا مخافة أن يدخلها الحسينعليه‌السلام وأنا فيها لا أنصره. فإنه ليس له فيها

__________________

(١) أورد الخوارزمي في مقتله أن ملاقاة عبيد الله بن الحر كانت بين الثعلبية وزرود. وذكر الجواهري في مثيره ص ٤٢ أن ملاقاته كانت في القطقطانية قبل قصر بني مقاتل. بينما ذكر المقرم في مقتله هذا الموضع ص ٢٢٢. وفي معجم البلدان : قصر بني مقاتل موضع بين عين التمر والشام. وفي ظني أنه هو قصر الأخيضر.

٥٧٧

شيعة ولا أنصار إلا مالوا إلى الدنيا وزخرفها ، إلا من عصم الله منهم. فرجع إليه وأخبره بذلك.

فقام الحسينعليه‌السلام فانتعل ، ثم صار إليه في جماعة من أهل بيته وإخوانه ، فدخل عليه الفسطاط ، فوسّع له عن صدر المجلس.

يقول ابن الحر : ما رأيت أحدا قطّ أحسن من الحسين ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قط رقّتي عليه ، حين رأيته يمشي والصبيان حوله. ونظرت إلى لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب ، فقلت له : أسواد أم خضاب؟. قال : يابن الحر عجّل عليّ الشيب. فعرفت أنه خضاب(١) .

ولما استقرّ المجلس بالحسينعليه‌السلام حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد يابن الحر ، فإن أهل مصركم هذا كتبوا إليّ وأخبروني أنهم مجتمعون عليّ أن ينصروني وأن يقوموا من دوني ، وأن يقاتلوا عدوي. وسألوني القدوم عليهم ، فقدمت ولست أرى الأمر على ما زعموا ، لأنهم قد أعانوا على قتل مسلم بن عقيل ابن عمي وشيعته ، وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد ، مبايعين ليزيد بن معاوية.

يابن الحر إن الله تعالى مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية ، وإني أدعوك إلى توبة تغسل ما عليك من الذنوب. أدعوك إلى نصرتنا أهل البيت ، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله تبارك وتعالى على ذلك وقبلناه ، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحق. فقال له عبيد الله : يابن رسول الله لو كان بالكوفة لك شيعة وأنصار يقاتلون معك لكنت أنا من أشدهم على عدوك ، ولكن يابن رسول الله رأيت شيعتك بالكوفة قد لزموا منازلهم خوفا من سيوف بني أمية ، فأنشدك الله يابن رسول الله أن تطلب مني غير هذه المنزلة ، وأنا أواسيك بما أقدر عليه. خذ إليك فرسي هذه (الملحقة) فوالله ما طلبت عليها شيئا قط إلا وقد لحقته ، ولا طلبت قط وأنا عليها فأدركت. وخذ سيفي هذا فوالله ما ضربت به شيئا إلا أذقته حياض الموت. فأعرض عنه الحسينعليه‌السلام بوجهه ، ثم قال : يابن الحر إنا لم نأتك لفرسك وسيفك ، إنما أتيناك نسألك النصرة ، فإن كنت بخلت علينا في

__________________

(١) لم يورد الخوارزمي هذه الفقرة في مقتله ، بل أوردها المقرم ص ٢٢٤ نقلا عن (خزانة الأدب) للبغدادي ، ج ١ ص ٢٩٨ ط بولاق ، وأنساب الأشراف ، ج ٥ ص ٢٩١.

٥٧٨

نفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك ، ولم أكن بالذي أتّخذ المضلّين عضدا(١) .(وفي اللواعج ص ٩٩ : ثم تلا قوله تعالى :( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (٥١) [الكهف : ٥١]. ولكن فرّ فلا لنا ولا علينا ، لأني قد سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من سمع بواعية أهل بيتي ، ثم لم ينصرهم على حقهم ، أكبّه الله على وجهه في نار جهنم». ثم قام الحسينعليه‌السلام من عنده وصار إلى رحله.

ـ تعليق السيد مرتضى العسكري :

(مرآة العقول للمجلسي ـ مقدمة الكتاب لمرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٢١٥)

قال السيد مرتضى العسكري : لعل الباحث يجد تناقضا بين موقف الإمامعليه‌السلام ممن تجمّع عليه في منزل (زبالة) يفرّقهم من حوله ، وبين موقف الإمام هنا مع ابن الحر ، وقبله مع زهير بن القين ، حيث كان يدعو الناس فرادى وجماعات إلى نصرته. ولكن من تدبّر في خطب الحسينعليه‌السلام وكلامه مع الناس ، أدرك أن الإمامعليه‌السلام كان يبحث عن أنصار حقيقيين ينضمون تحت لوائه ، ويبايعونه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستنكار بيعة أئمة الضلالة ، أمثال يزيد.أنصارا واعين لأهداف قيامه ، يقاومون الإغراء بالدنيا ، يصارعون الحكم الغاشم حتّى يقتلوا في سبيل ذلك.

ترجمة عبيد الله بن الحر الجعفي

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٢٣)

في تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ١٦٨ : كان عبيد الله بن الحر عثماني العقيدة ، ولأجله خرج إلى معاوية ، وحارب عليا يوم صفين. وفي ص ١٦٩ ذكر أحاديث في تمرده على الشريعة بنهبه الأموال وقطعه الطرق. وذكر ابن الأثير في تاريخه ، ج ٤ ص ١١٢ : أنه لما أبطأ على زوجته في إقامته بالشام زوّجها

__________________

(١) ذكر هذا الكلام أبو مخنف في مقتله بشكل مختصر ، ص ٤٧ ، وذكر أنهعليه‌السلام نزل بهذا الموضع بعد (العذيب).

٥٧٩

أخوها من عكرمة بن الخبيص ، ولما بلغه الخبر جاء وخاصم عكرمة إلى الإمام (علي بن أبي طالب). فقال له : ظاهرت علينا عدونا!. قال ابن الحر :أيمنعني عدلك من ذلك؟. فقالعليه‌السلام : لا. ثم أخذ أمير المؤمنين المرأة وكانت حبلى ، فوضعها عند ثقة حتّى وضعت ، فألحق الولد بعكرمة ، ودفع المرأة إلى عبيد الله ابن الحر ، فعاد إلى الشام إلى أن قتل الإمام عليعليه‌السلام .

وفي أيام عبد الملك سنة ٦٨ ه‍ قتل عبيد الله بالقرب من الأنبار.

ويذكر ابن حبيب في (المحبّر) ص ٤٩٢ : أن مصعب بن الزبير نصب رأس عبيد الله بن الحر الجعفي بالكوفة.

وجاء في (مجالس المؤمنين) : أن أول من زار حائر الحسينعليه‌السلام بعد مقتله هو عبيد الله بن الحر الجعفي. وقف على القبر الشريف واستعبر باكيا على ما فاته من القيام بالشهادة ، وفوزه بمراتب السعادة ، بين يدي سيّد السادة.

وفي (العيون العبرى) للسيد إبراهيم الميانجي ، ص ٧٥ :

ولعبيد الله هذا أشعار رائقة تخبر عن ندامته على قعوده عن نصرة الحسينعليه‌السلام . ويظهر من (مقتل الخوارزمي) أنه أنشدها على قبر الحسينعليه‌السلام ، فضجّ من معه بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم يصلّون ويبكون ويتضرعون ، منها:

فيا لك حسرة ما دمت حيا

تردّد بين صدري والتراقي

حسين حين يطلب نصر مثلي

على أهل الضلالة والنفاق

غداة يقول لي بالقصر قولا

أتتركني وتزمع بالفراق

ولو أني أواسيه بنفسي

لنلت كرامة يوم التّلاق

مع ابن المصطفى نفسي فداه

تولى ، ثم ودّع بانطلاق

فلو فلق التلهّف قلب حيّ

لهمّ اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الألى نصروا حسينا

وخاب الآخرون ذوو النفاق

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735