موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 487898 / تحميل: 5771
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

٦٠ ـ إخبار أبي ثمامة الصائدي [عمرو بن كعب] بزوال الشمس للصلاة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧)

ورأى أبو ثمامة الصائدي(١) زوال الشمس ، فقال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله نفسي لك الفدا ، أرى هؤلاء قد اقتربوا ، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك ، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه إلى السماء وقال له : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين ، نعم هذا أول وقتها ، سلوهم أن يكفّوا عنا حتى نصلي. فقال له الحصين بن نمير : إنها لا تقبل منك!.فقال له حبيب بن مظاهر : لا تقبل الصلاة زعمت من آل رسول الله وتقبل منك يا ختّار

وفي (مقتل أبي مخنف) ص ٦٥ : فعند ذلك تقدم أبو ثمامة الصيداوي إلى الحسينعليه‌السلام وقال : يا مولاي إننا مقتولون لا محالة ، وقد حضرت الصلاة فصلّ بنا ، فإني أظنها آخر صلاة نصليها ، لعلنا نلقى الله تعالى على أداء فريضة من فرائضه في هذا الموضع العظيم. فقال له : أذّن يرحمك الله. فلما فرغ من الأذان نادى الحسينعليه‌السلام : يا عمر بن سعد أنسيت شرائع الإسلام ، ألا تكفّ عنا الحرب حتى نصلي؟!. فلم يجبه عمر. فناداه الحصين بن نمير : يا حسين صلّ فإن صلاتك لا تقبل!. فقال له حبيب بن مظاهر : ويلك لا تقبل صلاة الحسين وتقبل صلاتك يابن الخمّارة؟!(وفي رواية المقرم ، ص ٣٠١ : وتقبل منك يا حمار). فحمل عليه الحصين ، فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشبّت به ووقع عنها الحصين ، فاحتوشه أصحابه فاستنقذوه.

مصرع حبيب بن مظاهر الأسدي

__________________

(١) روى بعضهم (الصيداوي) والأصح (الصائدي) نسبة إلى صائد بطن من همدان. وقد اختلف في اسم أبي ثمامة ، فبعضهم قال (عمرو بن كعب) وبعضهم (عمرو بن عريب) وبعضهم (عمرو بن عبد الله) الصائدي ، والأول أصح.

٨١

٦١ ـ مصرع حبيب بن مظاهر الأسدي على يد الحصين بن نمير ورجل من تميم ، وقيل بديل بن صريم :

(مقتل المقرّم ، ص ٣٠١)

ثم خرج حبيب بن مظاهر وعمره ينوف على الخامسة والسبعين ، وقاتل قتالا شديدا ، فقتل على كبره اثنين وستين رجلا ، وهو يقول :

أنا حبيب وأبي مظهّر

وفارس الهيجاء ليث قسور

وفي يميني صارم مذكّر

وأنتم ذو عدد وأكثر

ونحن منكم في الحروب أصبر

أيضا وفي كل الأمور أقدر

والله أعلى حجة وأظهر

وفيكم نار الجحيم تسعر

وفي رواية أخرى أنه قال :

أنا حبيب وأبي مظهّر

فارس هيجاء ونار تسعر

أنتم أعدّ عدّة وأكثر

ونحن أعلى حجّة وأظهر

وأنتم عند الهياج أغدر

ونحن أوفى منكم وأصبر

حقا وأتقى منكم وأعذر

وحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه ، وطعنه آخر من تميم برمحه ، فسقط إلى الأرض ، فذهب ليقوم وإذا الحصين بن نمير يضربه بالسيف على رأسه ، فسقط لوجهه ، ونزل إليه التميمي واحتزّ رأسه. فهدّ مقتله الحسينعليه‌السلام فقال : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي(١) واسترجع كثيرا.

وفي (مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف) ص ٦٦ : ثم قال الحسينعليه‌السلام :لله درّك يا حبيب ، لقد كنت فاضلا تختم القرآن في ليلة واحدة.

وقيل : قتله بديل بن صريم(٢) .

٦٢ ـ القاسم بن حبيب يأخذ بثأر أبيه من قاتله :

(لواعج الأشجان ، ص ١٤١ ط نجف)

وقال الحصين التميمي (لبديل) : أنا شريكك في قتله [أي قتل حبيب]. قال : لا

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٩ ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥١.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٨ ، وذكر أن حبيب استشهد بعد برير وقبل زهير.

٨٢

والله. قال : أعطني الرأس أعلقه في عنق فرسي ليرى الناس أني شاركتك في قتله ، ثم خذه فلا حاجة لي فيما يعطيك ابن زياد!. فأعطاه الرأس ، فجال به في الناس ثم ردّه إليه. فلما رجع إلى الكوفة علّقه في عنق فرسه.

وكان لحبيب ابن يسمى (القاسم) قد راهق ، فجعل يتبع الفارس الّذي معه رأس أبيه ، فارتاب به. فقال : مالك تتبعني؟. قال : إن هذا الرأس الّذي معك رأس أبي ، فأعطني إياه حتى أدفنه. فقال : إن الأمير لا يرضى أن يدفن ، وأرجو أن يثيبني.فقال : لكن الله لا يثيبك إلا أسوأ الثواب ، وبكى الغلام.

ثم لم يزل يتبع أثر قاتل أبيه بعدما أدرك ، حتى قتله وأخذ بثأر أبيه ، وذلك أنه كان في عسكر ، فهجم عليه وهو في خيمة له نصف النهار ، فقتله وأخذ رأسه.

ترجمة الصحابي حبيب بن مظاهر الأسدي

هو حبيب بن مظاهر بن رئاب بن الأشتر الأسدي الكندي. إماميّ ثقة ، وأدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسينعليه‌السلام . وكان حافظا للقرآن من أوله إلى آخره. وسمع الحديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو صحابي.

قال أرباب التاريخ : إن حبيبا نزل الكوفة وصحب علياعليه‌السلام في حروبه كلها. وكان من خاصته وحملة علومه ، علّمه الإمام عليعليه‌السلام علم المنايا والبلايا. وكان من جملة الذين كاتبوا الحسينعليه‌السلام ووفّى له. وعند ورود مسلم بن عقيل الكوفة صار حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسينعليه‌السلام ، حتى إذا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وتخاذل أهل الكوفة عن سفير الحسين اختفيا ، إلى أن ورد الحسين كربلاء ، خرجا متخفيين ولحقا به وصارا من أصحابه.

ثم كان حبيب على ميسرة الحسينعليه‌السلام يوم كربلاء ، وعمره خمس وسبعون سنة. وهو واحد من سبعين بطلا استبسلوا في ذلك اليوم. وعرض عليهم الأمان فأبوا ، وقالوا : لا عذر لنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن قتل الحسينعليه‌السلام وفينا عين تطرف ، حتى قتلوا حوله.

٨٣

٦٣ ـ رثاء الحسينعليه‌السلام لحبيب بن مظاهر ، وبروز زهير بن القين :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦٦)

روى أبو مخنف قال : لما قتل العباس وحبيب بن مظاهر(١) بان الانكسار في وجه الحسينعليه‌السلام ، ثم قال : لله درّك يا حبيب ، لقد كنت فاضلا تختم القرآن في ليلة واحدة. قال : فقام إليه زهير بن القين وقال : بأبي أنت وأمي يابن رسول الله ما هذا الانكسار الّذي أراه في وجهك ، ألست تعلم أنا عليا لحق؟. قال : بلى وإله الخلق ، إني لأعلم علما يقينا أني وإياكم على الحق والهدى. فقال زهير : إذا لا نبالي ونحن نصير إلى الجنة ونعيمها. ثم تقدم أمام الحسين فقال : يا مولاي أتأذن لي بالبراز؟.فقال : ابرز. قال : ثم حمل على القوم ، ولم يزل يقاتل حتى قتل خمسين فارسا ، وخشي أن تفوته الصلاة مع الحسينعليه‌السلام فرجع وقال : يا مولاي إني خشيت أن تفوتني الصلاة فصلّ بنا.

الصلاة في المعركة

٦٤ ـ صلاة الظهر ، وقد صلاها الحسينعليه‌السلام في نصف من أصحابه ، وهي صلاة الخوف :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧ ؛ واللواعج ، ص ١٣٧ ؛ ومقتل المقرم ، ص ٢٠٣)

فقال الحسينعليه‌السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي : تقدّما أمامي حتى أصلي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه ، حتى صلّى بهم صلاة الخوف(٢) . ويقال : إنه صلى وأصحابه فرادى بالإيماء(٣) .

شهادة سعيد بن عبد الله الحنفيرحمه‌الله

__________________

(١) تفرّد أبو مخنف في مقتله باعتبار شهادة العباسعليه‌السلام قبل الأصحاب ، واعتبر استشهاد حبيب في أول المبارزين ، ثم تبعه زهير رضوان الله عليهم.

(٢) مقتل العوالم ص ٨٨ ، ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ١٧ ، والذي نراه أن الصلاة كانت قصرا لعدم الإقامة ، وليست صلاة الخوف.

(٣) مثير الأحزان لابن نما ، ص ٤٤.

٨٤

٦٥ ـ مصرع سعيد بن عبد الله الحنفي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧ ؛ واللواعج ، ص ١٣٨)

فوصل إلى الحسينعليه‌السلام سهم ، فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من النبال بنفسه ، وما زال يرمى بالنبل ولا تخطئ ، فما أخذ النبل الحسينعليه‌السلام يمينا وشمالا إلا قام بين يديه ، فما زال يرمى حتى سقط إلى الأرض ، وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود وأبلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك(١) . والتفت إلى الحسينعليه‌السلام قائلا : أوفّيت يابن رسول الله؟ قال : نعم أنت أمامي في الجنة(٢) .

(وفي رواية) أنه قال : اللهم لا يعجزك شيء تريده ، فأبلغ محمدا (ص) نصرتي ودفعي عن الحسينعليه‌السلام ، وارزقني مرافقته في دار الخلود.

ثم قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوجد في جسمه ثلاثة عشر سهما ، سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح(٣) .

ترجمة سعيد بن عبد الله الحنفي

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ١١٦)

كان سعيد ممن استشهد مع الحسينعليه‌السلام يوم الطف. وكان من وجوه الشيعة بالكوفة ، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم ، وكان ممن حمل الكتب إلى الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة إلى مكة والحسينعليه‌السلام فيها.

ولما أراد الحسينعليه‌السلام أن يصلي الظهر يوم العاشر من المحرم ، انتدبه ليقف أمامه ريثما يتمّ الصلاة ، فوقف بين يديه يقيه السهام ، طورا بوجهه وطورا بصدره وطورا بيديه وطورا بجبينه ، حتى صار جسمه كالقنفذ ، فسقط إلى الأرض صريعا ، وقد وفّى ما عليه في نصرة سيد شباب أهل الجنة ، وسبقه إلى الجنة.

__________________

(١) مقتل العوالم ، ص ٨٨.

(٢) ذخيرة الدارين ، ص ١٧٨.

(٣) اللهوف لابن طاووس ، ص ٦٢.

٨٥

٦٦ ـ بشارة الحسينعليه‌السلام لأصحابه بالجنة ودعوتهم للثبات والدفاع :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦٧)

فلما فرغعليه‌السلام من صلاة الظهر قال لأصحابه : يا كرام هذه الجنة قد فتّحت أبوابها واتصلت أنهارها وأينعت ثمارها وزيّنت قصورها وتؤلّفت ولدانها وحورها.وهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهداء الذين قتلوا معه ، وأبي وأمي ، يتوقعون قدومكم عليهم ، ويتباشرون بكم وهم مشتاقون إليكم ، فحاموا عن دينكم وذبّوا عن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن إمامكم وابن بنت نبيكم ، فقد امتحنكم الله تعالى بنا ، فأنتم في جوار جدنا والكرام علينا وأهل مودتنا ، فدافعوا بارك الله فيكم عنا فلما سمعوا ضجوا بالبكاء والنحيب وقالوا : نفوسنا دون أنفسكم ودماؤنا دون دمائكم وأرواحنا لكم الفداء. والله لا يصل إليكم أحد بمكروه وفينا الحياة(١) وقد وهبنا للسيوف نفوسنا ، وللطير أبداننا ، فلعلنا نقيكم زحف الصفوف ، ونشرب دونكم الحتوف ، فقد فاز من كسب اليوم خيرا ، وكان لكم من المنون مجيرا.

خيل الحسينعليه‌السلام تعقر

٦٧ ـ عمر بن سعد يعقر خيل الحسينعليه‌السلام ومصرع أبي ثمامة الصائدي :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٥)

ثم إن عمر بن سعد وجّه عمرو بن سعيد في جماعة من الرماة فرموا أصحاب الحسينعليه‌السلام حتى عقروا خيولهم(٢) ولم يبق مع الحسين فارس إلا الضحاك بن عبد الله المشرقي. يقول : لما رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بفرسي وأدخلتها فسطاطا لأصحابنا. واقتتلوا أشد القتال(٣) . وكان كل من أراد الخروج ، ودّع الحسينعليه‌السلام بقوله : السلام عليك يابن رسول الله ، فيجيبه الحسينعليه‌السلام :وعليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب : ٢٣](٤) .

__________________

(١) أورد المقرم في مقتله شبيه هذا الكلام ، ص ٣٠٤ نقلا عن (أسرار الشهادة) ص ١٧٥.

(٢) مثير ابن نما ، ص ٣٤٥. وعقر الخيل : أي جرحها ونحرها.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٥.

(٤) مقتل العوالم ، ص ٨٥ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥.

٨٦

شهادة أبي ثمامة الصائديرحمه‌الله

وخرج أبو ثمامة الصائدي فقاتل حتى أثخن بالجراح. وكان مع عمر بن سعد ابن عم له يقال له (قيس بن عبد الله) بينهما عداوة ، فشدّ عليه وقتله ، رضوان الله عليه.

٦٨ ـ مصرع زهير بن القين البجلي على يد كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي :(مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٢٠)

ثم خرج زهير بن القين البجلي وهو يقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

وفي يميني مرهف الحدّين

أذودكم بالسيف عن حسين

ابن علي الطاهر الجدّين

إن حسينا أحد السبطين

من عترة البرّ التقي الزّين

ذاك رسول الله غير المين(١)

أضربكم ولا أرى من شين

يا ليت نفسي قسّمت قسمين

شهادة زهير بن القين البجلي

وروي أن زهيرا لما أراد الحملة ، وقف على الحسينعليه‌السلام وضرب على كتفه وقال :

اقدم حسين هاديا مهديّا

اليوم تلقى جدّك النبيا

وحسنا والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الفتيالكميّا

وأسد الله الشهيد الحيّا

وأضاف أبو مخنف في مقتله ، ص ٦٨ البيتين التاليين :

وفاطما والطاهر الزكيا

ومن مضى من قبلنا تقيا

فالله قد صيّرني وليّا

في حبكم أقاتل الدّعيّا

__________________

(١) المين : الكذب. والشّين : العيب والقبح.

٨٧

فقال الحسينعليه‌السلام : وأنا ألقاهما على أثرك(١) .

ثم قاتل قتالا شديدا ، فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي ، فقتلاه. فقال الحسينعليه‌السلام حين صرع زهير : لا يبعدنّك الله يا زهير ، ولعن الله قاتلك ، لعن الذين مسخهم قردة وخنازير.

ترجمة زهير بن القين البجلي

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ١١٧)

هو زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي. كان رجلا شريفا في قومه ، نازلا فيهم بالكوفة ، شجاعا له في المغازي مواقف مشهورة ، ومواطن مشهودة. وكان في البداية عثمانيا ثم اهتدى إلى ولاية أهل البيتعليهم‌السلام ، ولازم الحسينعليه‌السلام من الطريق ، وحامى عنه كأعزّ أنصاره ، حتى استشهد رضوان الله عليه.

وبلغ من أهمية زهير في وقعة الطف أن وضعه الحسينعليه‌السلام على ميمنة جيشه ، وجعل الصحابي حبيبا على الميسرة ، ووقف هو في القلب. فكان زهير وحبيب بالنسبة للحسينعليه‌السلام مثل الجناحين بالنسبة للطائر ، لا يستطيع المضي إلا بهما.

ولما صمم زهير على الشهادة ، خرج برفقة الحر ، وكلاهما من التائبين ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم ، شدّ الآخر فخلّصه ، حتى قتل الحر ، ولم يلبث أن قتل زهير. وما ذلك إلا ليبيّنا للملأ أنهما اهتديا معا ، وقاتلا في سبيل الحق معا ، واستشهدا مع سيد شباب أهل الجنة معا ، فزفّا إلى الجنة معا ، رضوان الله عليهما.

شهادة عمرو بن قرظة الأنصاريرحمه‌الله

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٦ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٣.

٨٨

٦٩ ـ مصرع عمرو بن قرظة الأنصاري من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، ومصرع أخيه من أصحاب عمر بن سعد :

(مقتل المقرّم ، ص ٣٠٦)

وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري ، فاستأذن الحسينعليه‌السلام فأذن له. فبرز وهو يرتجز ويقول(١) :

قد علمت كتيبة الأنصار

أني سأحمي حوزة الذّمار

ضرب غلام ليس بالفرّار

دون حسين مهجتي وداري

فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء ، وبالغ في خدمة سلطان السماء ، حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد(٢) .

وجاء عمرو بن قرظة الأنصاري ووقف أمام الحسينعليه‌السلام يقيه العدو ويتلقى السهام بصدره وجبهته ، فلم يصل إلى الحسينعليه‌السلام سوء. ولما كثر فيه الجراح التفت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام وقال : أوفيت يابن رسول الله؟. قال : نعم أنت أمامي في الجنة ، فأقرئ رسول الله مني السلام وأعلمه أني في الأثر ، وخرّ ميّتا(٣) رضوان الله عليه.

فنادى أخوه علي بن قرظة وكان مع عمر بن سعد : يا حسين يا كذاب ، غررت أخي حتى قتلته؟!. فقالعليه‌السلام : إني لم أغرّ أخاك ، ولكن الله هداه وأضلّك.فقال : قتلني الله إن لم أقتلك. ثم حمل على الحسينعليه‌السلام ليطعنه فاعترضه نافع بن هلال الجملي ، فطعنه حتى صرعه(٤) .

شهادة نافع بن هلال الجملي

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٢.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٥٠.

(٣) مقتل العوالم ص ٨٨. وذكر ابن حزم في (جمهرة أنساب العرب) أنه كان لقرظة بن عمرو ابنان : عمرو بن قرظة وقتل مع الحسينعليه‌السلام ، وآخر مع عمر بن سعد ولم يسمّه.

(٤) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٧.

٨٩

٧٠ ـ شجاعة أسير : قتال نافع بن هلال الجملي ، ومصرعه أسيرا :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٧)

ثم خرج نافع بن هلال الجملي [وقيل : هلال بن نافع(١) ] وجعل يرميهم بالسهام فلا تخطئ ، وكان خاضبا يده ، وكان يرمي ويقول :

أرمي بها معلّمة أفواقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

مسمومة تجري بها أخفاقها

ليملأنّ أرضها رشّاقها

فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه. ثم ضرب إلى قائم سيفه فاستلّه ، وحمل وهو يقول(٢) :

أنا الغلام اليمنيّ الجملي

ديني على دين حسين وعلي

إن أقتل اليوم فهذا أملي

وذاك رأيي وألاقي عملي

(وفي مقتل الحسين للمقرّم) قال : ورمى نافع بن هلال الجملي بنبال مسمومة كتب اسمه عليها(٣) وهو يقول(٤) : (البيتين السابقين).

فقتل اثني عشر رجلا سوى من جرح. ولما فنيت نباله جرّد سيفه يضرب فيهم ، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه وأخذوه أسيرا(٥) ، فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه. فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك؟. قال : إن الله يعلم ما أردت. فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك؟!. فقال : والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ، وما ألوم نفسي عليا لجهد ، ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني(٦) . وجرّد الشمر سيفه ، فقال له نافع : والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٢ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٩ ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٤.

(٤) مقتل العوالم ، ص ٩٠.

(٥) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١.

(٦) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٣.

٩٠

الله بدمائنا ، فالحمد لله الّذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه. ثم قدّمه الشمر وضرب عنقه(١) .

ترجمة نافع بن هلال المذحجي الجملي

كان نافع سيدا شريفا سريّا شجاعا. وكان قارئا كاتبا ومن حملة الحديث.وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام شهد حروبه الثلاث : الجمل وصفين والنهروان. وعندما بلغه امتناع الحسينعليه‌السلام من البيعة خرج إليه فاستقبله في الطريق. وكان قد أوصى أن يتبع بفرسه المسمى (بالكامل) ، فأتبع مع جماعة من أصحابه. وقد قتل أسيرا رضوان الله عليه.

شهادة جون مولى أبي ذررحمه‌الله

٧١ ـ مصرع جون مولى أبي ذرّ الغفاري :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٢)

ثم خرج جون مولى أبي ذر الغفاري ، وهو شيخ كبير السن من الموالي ، وكان عبدا أسود ، فجعل يحمل عليهم ويقول(٢) :

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود

بالمشرفيّ القاطع المهنّد

أحمي الخيار من بني محمّد

أذبّ عنهم باللسان واليد

أرجو بذاك الفوز يوم المورد

من الإله الواحد الموحدّ

ووقف جون(٣) مولى أبي ذرّ الغفاري أمام الحسينعليه‌السلام يستأذنه ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٣ ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٤.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٩.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٩. وذكر ابن شهر اشوب في مناقبه ، ج ٢ ص ٢١٨ ط إيران ، أن اسمه (جوين) وهو اشتباه ، ولم يذكر الخوارزمي هذا الكلام في مقتله واكتفى بالشعر.

٩١

فقالعليه‌السلام : يا جون ، إنما تبعتنا طلبا للعافية ، فأنت في إذن مني (وفي اللهوف :فلا تبتل بطريقتنا) فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول : أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدة أخذلكم!. والله إن ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس(١) عليّ بالجنة ، ليطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي. لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الحسين(٢) . فقتل ٢٥ شخصا حتى قتل رضوان الله عليه.

(وفي رواية أبي مخنف في مقتله ، ص ٧١) قال : «فلم يزل يقاتل حتى قتل سبعين رجلا ، فوقعت في محاجر عينه ضربة ، وكبا به جواده إلى الأرض ، فوقع على أمّ رأسه ، فأحاطوا به من كل جانب ومكان ، فقتلوه». فوقفعليه‌السلام وقال : اللهم بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرّف بينه وبين آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : أن الناس كانوا يحضرون المعركة فيدفنون القتلى ، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسك(٣) .

ترجمة جون مولى أبي ذرّ الغفاري

(مجلة البيان النجفية ، السنة ٢ العدد ٣٥ ـ ٣٩)

هو جون بن حوي بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن حوي النوبي. اشتراه الإمام عليعليه‌السلام من الفضل بن العباس ابن عبد المطلب بمائة وخمسين دينارا ، ووهبه لأبي ذرّ ليخدمه. فانتقل من بيئة تزخر بالثراء والجاه إلى أخرى قد خيّم عليها جلال الزهد والتقوى ، وغمرها سلطان الإيثار والقناعة والتقشف. رافق جون أباذر في حياته وعاش معه مآسيه ، وكان رفيقه المخلص في (الربذة) حتى قضى رضوان الله عليه ، فبكاه بدموع سخيّة.

__________________

(١) تنفّس عليّ بالجنة (بصيغة الأمر) : أي تفضّل عليّ بما يدخلني الجنة.

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٦١.

(٣) مثير الأحزان للجواهري ، ص ٧٥.

٩٢

وحين بلغه نبأ مسير الحسينعليه‌السلام لمناهضة الباطل وتجديد الدين ، تجددت في نفسه مآسيه السابقة وذكرياته السالفة ، فأسرع لنصرة الحسينعليه‌السلام وخدمة أهل البيت (ع) ، حتى استشهد رضوان الله عليه ، بعد بلاء مرير ، وبعد أن أظهر لجيوش الأعداء ، كيف يكون الإباء والشمم والإيمان بالمبدأ ، وأنه ليس هناك إلا النفس الكريمة تسيل على حدّ السيوف في مثل لمح البصر ، فتروي نبتة الحق والحقيقة ، وتفوز بالخلود في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

٧٢ ـ تنافس بقية الأصحاب على الموت :

(مقتل أبي مخنف المقتبس من الطبري ، ص ١٣٨)

قال أبو مخنف : فلما رأى أصحاب الحسينعليه‌السلام [أنهم قد غلبوا] وأن الأعداء قد كثروا ، وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسيناعليه‌السلام ولا أنفسهم ، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه.

شهادة حنظلة بن أسعد الشباميرحمه‌الله

٧٣ ـ مصرع حنظلة بن أسعد الشبامي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٤)

ثم جاء إليه حنظلة بن أسعد العجلي الشبامي(١) فوقف بين يدي الحسينعليه‌السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، وأخذ ينادي :( يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠)مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١)وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢)يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (٣٣) [غافر : ٣٠ ـ ٣٣]. ويا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم

__________________

(١) ذكر الطبري أن اسمه (حنظلة بن سعد) ، وفي اللهوف أنه (الشامي) وأنه استشهد قبل صلاة الخوف.

٩٣

الله بعذاب( وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) [طه : ٦١]. فقال له الحسينعليه‌السلام : يابن أسعد رحمك الله ، إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين!. فقال : صدقت جعلت فداك ، أفلا نروح إلى ربنا فنلحق بإخواننا(١) !. فقال له الحسينعليه‌السلام : رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى. فقال : السلام عليك يابن رسول الله ، وعلى أهل بيتك ، وجمع الله بيننا وبينك في الجنة. فقال الحسينعليه‌السلام : آمين آمين. ثم تقدم فقاتل قتالا شديدا ، فحملوا عليه فقتلوه.

شهادة شوذب مولى بني شاكررحمه‌الله

٧٤ ـ مصرع شوذب مولى بني شاكر :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ١٦٠)

وأقبل عابس بن شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى بني شاكر. وكان شوذب من الرجال المخلصين ، وداره مألف للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيتعليهم‌السلام .فقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟. قال : أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أقتل. قال : ذلك الظن بك ، فتقدم بين يدي أبي عبد اللهعليه‌السلام حتى يحتسبك كما احتسب غيرك ، وحتى أحتسبك أنا ، فإن هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه ، فإنه لا عمل بعد اليوم ، وإنما هو الحساب. فتقدم شوذب فقال :السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله. ثم قاتل حتى قتل.

شهادة عابس بن شبيب الشاكريرحمه‌الله

__________________

(١) اللهوف لابن طاووس ، ص ٦١ و ٦٢ ؛ ومقتل المقرم ، ص ٣١١ عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٤.

٩٤

٧٥ ـ مصرع عابس بن شبيب الشاكري على يد جماعة من القوم :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٣)

وجاء عابس بن شبيب الشاكري ، فتقدم وسلّم على الحسينعليه‌السلام وقال له : يا أبا عبد الله ، أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ منك. ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلت!. السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أني على هداك وهدى أبيك. ثم مشى بالسيف نحوهم. قال ربيع بن تميم : فلما رأيته مقبلا عرفته ـ وقد كنت شاهدته في المغازي فكان أشجع الناس ـ فقلت للقوم : أيها الناس ، هذا أسد الأسود ، هذا ابن شبيب ، لا يخرجنّ إليه أحد منكم. فأخذ ينادي : ألا رجل؟. ألا رجل لرجل!.فتحاماه الناس لشجاعته. فقال لهم عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة(١) فرموه بالحجارة من كل جانب. فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ، وشدّ على الناس فهزمهم بين يديه.

(قال الراوي) : فو الله لقد رأيته يطرد أكثر من مئتين من الناس ، ثم أحاطوا به من كل جانب فقتلوه ، فرأيت رأسه في أيدي الرجال ، كلّ يقول : أنا قتلته(٢) .

ترجمة عابس بن شبيب الشاكري الهمداني

بنو شاكر بطن من همدان. ذكر أرباب السير أن عابسا كان رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا مجتهدا. وكان من رجال الشيعة ، وكذلك بنو شاكر كانوا من المخلصين بولاء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وفيهم قال عليعليه‌السلام يوم صفين :«لو تمّت عدّتهم ألفا لعبد الله حقّ عبادته». وكانوا من شجعان العرب وحماتهم ، وكانوا يلقبون (فتيان الصباح). وكان عابس رسول مسلم بن عقيل إلى الحسينعليه‌السلام وقد أرسله بكتابه إليه ، وقد صحبه (شوذب) مولاه ، واستشهد معه.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٢ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٤.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٥٨.

٩٥

مصرع سعد ابن حنظلة التميميرحمه‌الله

٧٦ ـ مصرع سعد بن حنظلة التميمي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٤)

ثم خرج من بعده سعد بن حنظلة التميمي ، وهو يقول :

صبرا على الأسياف والأسنّه

صبرا عليها لدخول الجنّه

وحور عين ناعمات هنّه

لمن يريد الفوز لا بالظّنّه

يا نفس للراحة فاطرحنّه

وفي طلاب الخير فارغبنّه

ثم حمل وقاتل قتالا شديدا ، حتى قتل رضوان الله عليه.

مصرع عمير ابن عبد الله المذحجيرحمه‌الله

٧٧ ـ مصرع عمير بن عبد الله المذحجي :

(المصدر السابق)

ثم خرج من بعده عمير بن عبد الله المذحجي ، وهو يقول :

قد علمت سعد وحيّ مذحج

أني لدى الهيجاء ليث محرج

أعلو بسيفي هامة المدجج

وأترك القرن لدى التعرّج

فريسة الضبع الأزلّ الأعرج

فمن تراه واقفا بمنهجي؟!

ولم يزل يقاتل قتالا شديدا ، حتى قتله مسلم الضبابي وعبد الله البجلي ، اشتركا في قتله.

٩٦

٧٨ ـ شهادة عبد الرحمن اليزني :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧ ؛ واللواعج ، ص ١٤٣)

ثم خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني ، وهو يقول :

أنا ابن عبد الله من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

أضربكم ضرب فتى من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن

ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٧٩ ـ شهادة يحيى بن سليم المازني :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧)

ثم خرج من بعده يحيى بن سليم المازني ، وهو يقول :

لأضربنّ القوم ضربا فيصلا

ضربا شديدا في العداة معجلا

لا عاجزا عنهم ولا مهلهلا

ولا أخاف اليوم موتا مقبلا

ما أنا إلا الليث يحمي أشبلا

ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٨٠ ـ شهادة قرّة بن أبي قرة الغفاري :

(المصدر السابق ، ص ١٨)

ثم خرج من بعده قرّة بن أبي قرة الغفاري ، وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأنني الليث الهزبر الضاري

لأضربن معشر الفجّار

بكل عضب ذكر بتّار

يشع لي في ظلمة الغبار

دون الهداة السادة الأبرار

رهط النبي أحمد المختار

ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٨١ ـ شهادة رجل من بني أسد :

(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدّى [أي ينزل في البدو ، أي يقيم في الصحراء] فينزل قريبا من الموضع الّذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام ، فكنا لا

٩٧

نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!.قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام ، قال أبي : انطلقوا بنا ننظر هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام ؟. فأتينا المعركة وطوّفنا ، فإذا الأسدي مقتول.

(أقول) : لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحارث الكاهلي أو الأسدي ، لأن الكاهلي أسدي. وهو نفسه أنس بن كاهل الأسدي الّذي ذكر في زيارة الناحية المقدسة. وذكر في بعض المصادر : مالك بن أنس الكاهلي ، وهو تصحيف.

وقد مرّت هذه الفقرة في الجزء الأول من الموسوعة برقم ٢١٤ بعنوان : ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء ، فراجع.

مصرع أنس بن الحارث الكاهليرحمه‌الله

٨٢ ـ مصرع أنس بن الحارث الكاهلي ، وكان صحابيا :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٣)

وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخا كبيرا صحابيا ، رأى النبي (ص) وسمع حديثه ، وشهد معه بدرا وحنينا. فاستأذن الحسينعليه‌السلام وبرز شادّا وسطه بالعمامة ، رافعا حاجبيه بالعصابة. ولما نظر إليه الحسينعليه‌السلام بهذه الهيئة بكى ، وقال : شكر الله سعيك يا شيخ.

ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل على كبره ثمانية عشر رجلا ، وقتل أمام الحسينعليه‌السلام (١) .

وفي (وسيلة الدارين) ص ١٠٢ : روى أهل السير أنه لما جاءت نوبة أنس ، استأذن الحسينعليه‌السلام في القتال ، فأذن له ، فبرز وهو يقول :

__________________

(١) ذكر أبو مخنف في مقتله ، ص ٧٣ ما يشبه هذا الكلام عن (جابر بن عروة الغفاري) وكان شيخا كبيرا صحابيا.

٩٨

قد علمت كاهل ثم ذودان

والخندفيّون وقيس عيلان

بأن قومي آفة الأقران

لدى الوغى وسادة الفرسان

نباشر الموت بطعن آن

لسنا نرى العجز عن الطعان

آل علي شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان

ثم حمل فقاتل حتى قتل أربعة عشر رجلا [على رواية ابن شهر اشوب] ، وثمانية عشر رجلا [على رواية الصدوق في أماليه] ، ثم قتل رضوان الله عليه.

ترجمة الصحابي أنس بن الحارث الكاهلي

(وسيلة الدارين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ١٠١)

هو أنس بن الحارث بن نبيه بن كاهل الأسدي. كان صحابيا كبيرا ممن رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع حديثه. وكان فيما سمع منه وحدّث به ، ما رواه جمّ غفير من العامة والخاصة عنه ، أنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول والحسين في حجره : «إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق. ألا فمن شهده فلينصره». فلما رآه أنس في العراق وشهده ، نصره وقتل معه.

(ذكر ذلك الجزري في أسد الغابة ، وابن حجر في الإصابة وغيرهما).

٨٣ ـ شهادة عمرو بن مطاع الجعفي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٨)

ثم خرج من بعده عمرو بن مطاع الجعفي ، وهو يقول :

أنا ابن جعف وأبي مطاع

وفي يميني مرهف قطّاع

وأسمر سنانه لمّاع

يرى له من ضوئه شعاع

اليوم قد طاب لنا القراع

دون حسين وله الدفاع

(وفي مقتل أبي مخنف ، ص ٧١) عبّر عنه بلفظ (عمير) وذكر رجزه :

أنا عمير وأبي المطاع

وفي يميني صارم قطّاع

كأنه من لمعه شعاع

إذا فقد طاب لنا القراع

دون الحسين الضرب والصراع

صلى عليه الملك المطاع

٩٩

ولم يزل يقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

٨٤ ـ شهادة أنيس بن معقل الأصبحي :

(المصدر السابق ، ص ١٩)

ثم خرج من بعده أنيس بن معقل الأصبحي ، فجعل يقول :

أنا أنيس وأنا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف فيصل

أعلو به الهامات بين القسطل

حتى أزيل خطبه فينجلي

عن الحسين الفاضل المفضّل

ابن رسول الله خير مرسل

ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل [على رواية ابن شهر اشوب] نيّفا وعشرين رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

٨٥ ـ شهادة الحجاج بن مسروق الجعفي :

(المصدر السابق ، ص ٢٠)

ثم برز من بعده الحجاج بن مسروق الجعفي ، وهو مؤذّن الحسينعليه‌السلام ، وكان قد خرج من الكوفة إلى مكة فالتحق بالحسينعليه‌السلام ، وصحبه منها إلى العراق ، فجعل يقول :

اقدم حسينا هاديا مهديّا

اليوم تلقى جدّك النبيّا

ثم أباك ذا الندى عليا

ذاك الّذي نعرفه وصيّا

والحسن الخير الرضا الوليا

وأسد الله الشهيد الحيّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وفاطما والطاهر الزكيّا

ومن مضى من قبله تقيا

فالله قد صيّرني وليّا

في حبكم أقاتل الدعيّا

وأشهد الشهيد الحيّا

لتبشروا يا عترة النبيا

بجنّة شرابها رويّا

والحوض حوض المرتضى عليا

وقد مرّ شبيه هذه الأبيات في شهادة زهير بن القين (رض).

ثم حمل على القوم وقاتل قتال المشتاقين ، حتيقتل منهم ثمانية عشر رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

٨٦ ـ مبارزة الاثنين :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٩٤)

ولما نظر من بقي من أصحاب الحسينعليه‌السلام إلى كثرة من قتل منهم ، أخذ

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

فلما صار ب (زبالة) قام فيهم خطيبا فقال : ألا إنه أتاني خبر فظيع. ألا إن أهل الكوفة وثبوا على مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة فقتلوهما ، وقتلوا أخي من الرضاعة عبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم أن ينصرف فلينصرف من غير حرج ، وليس عليه منا ذمام. فتفرق الناس وأخذوا يمينا وشمالا ، حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة وعددهم (٨٢) ، وإنما أراد ألا يصحبه إنسان إلا على بصيرة. ولما كان السحر أمر أصحابه فاستسقوا ماء وأكثروا ، ثم رحل من زبالة متجها إلى (القاع).

وأورد أبو مخنف في مقتله ص ٤٣ شبيه هذا الكلام ، هذا نصه :

وجعلعليه‌السلام لا يمرّ ببادية إلا ويتبعه خلق كثير ، حتّى انتهى إلى (زبالة) فنزل بها ، ثم قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى عليه ، ثم نادى بأعلى صوته : أيها الناس إنما جمعتكم على أن العراق في قبضتي ، وقد جاء في خبر صحيح أن مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة قتلا ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن كان منكم يصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح ، وإلا فلينصرف من موضعه هذا ، فليس عليه من ذمامي شيء. فسكتوا جميعا وجعلوا يتفرقون يمينا وشمالا ، حتّى لم يبق معه إلا أهل بيته ومواليه ، وقالوا : والله ما نرجع حتّى نأخذ بثأرنا ونذوق الموت غصّة بعد غصة ، وهم نيّف وسبعون رجلا ، وهم الذين خرجوا معه من مكة.

٦٧٢ ـ رجل نصراني يسلم على يد الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : لما نزل الحسينعليه‌السلام الثعلبية ، أقبل رجل نصراني وأمه ، فأسلما على يديه.

(أقول) : لعله وهب بن حباب الكلبي ، وأمه أم وهب.

«بطن العقبة»

٦٧٣ ـ لقاء الحسينعليه‌السلام بعمرو بن لوذان في (بطن العقبة) وما جرى بينهما من محاورة :(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ٩٠)

ولما كان وقت السحر أمرعليه‌السلام غلمانه وفتيانه ، فاستقوا الماء وأكثروا ، ثم سارعليه‌السلام حتّى مرّ (ببطن العقبة) في طريقه إلى الكوفة. وهناك لقي شيخا من بني

٥٦١

عكرمة يقال له عمرو بن لوذان ، فسأله أين تريد؟. فقال الحسينعليه‌السلام : الكوفة.فقال الشيخ : أنشدك الله لما انصرفت. فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحدّ السيوف ، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء ، فقدمت عليهم ، كان ذلك رأيا ، فأما على هذه الحال التي تذكر ، فإني لا أرى لك أن تفعل. ثم قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الأمم.

٦٧٤ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام في (بطن العقبة) لجعفر بن سليمان الضبعي :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢١٣)

وقالعليه‌السلام لجعفر بن سليمان الضبعي في (بطن العقبة) : إنهم لن يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام الأمة(١) .

٦٧٥ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بشهادته وهو في طريقه إلى كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢١١ ؛ وتاريخ الإسلام للذهبي ، ج ٢ ص ٣٤٥ ؛ وتاريخ ابن كثير ، ج ٨ ص ١٦٩)

عن يزيد الرّشك ، قال : حدثني من شافه الحسينعليه‌السلام قال : رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض. فقلت : لمن هذه؟. قالوا : هذه لحسينعليه‌السلام . قال :فأتيته ، فإذا شيخ يقرأ القرآن ، والدموع تسيل على خديه ولحيته. (قال) فقلت : بأبي أنت وأمي يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أنزلك هذه البلاد ، والفلاة التي ليس بها أحد؟.فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ، ولا أراهم إلا قاتليّ. فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها ، فيسلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأمة [يعني مقنعتها].

٦٧٦ ـ تعريف ببعض منازل الطريق :

(معجم البلدان لياقوت الحموي)

قال هشام : (واقصة)و (شراف) ابنتا عمرو بن معتق ، من أحفاد إرم ابن سام بن نوحعليه‌السلام . (واقصة) : منزل بطريق مكة بعد (القرعاء) نحو مكة وقبل (العقبة) لبني

__________________

(١) فرام المرأة : هو ما تحتشي به المرأة في موضعها ، وقيل هو خرقة الحيض. والأمة : هي العبدة المملوكة.

٥٦٢

شهاب من طيّئ. ويقال لها : واقصة الحزون ، وهي دون (زبالة) بمرحلتين. وإنما قيل لها واقصة الحزون ، لأن الحزون [أي الأراضي الصعبة الوعرة] أحاطت بها من كل جانب.

ـ تعريف بنوعيات الأرض من الكوفة إلى مكة :

والسائر إلى مكة ينهض في أول الحزن(١) من (العذيب) في أرض يقال لها (البيضة) ، حتّى يبلغ مرحلة (العقبة) في أرض يقال لها البسيطة ، ثم يقع في (القاع) وهو سهل. ويقال : (زبالة) أسهل منه. فإذا جاوزت ذلك استقبلت الرمل ، فأول رمل تلقاها يقال لها الشيحة [انظر الشكل ١٠].

(الشكل ١٠) : طبيعة الأرض من الكوفة إلى مكة

من العذيب تكون الأرض حزنة ثم بسيطة ثم سهلة ثم تبدأ الرمال من الشيحة

وهكذا انتهت سنة ٦٠ ه‍

وبدأت سنة ٦١ هجرية

(وذلك قبل يومين من وصول الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء)

__________________

(١) الحزن : ما غلظ من الأرض ، ضد السهل.

٥٦٣

بداية سنة ٦١ هجرية

(١ محرم الحرام سنة ٦١ ه‍)

(١ تشرين الأول سنة ٦٨٠ م)

مدخل :

انتهت سنة ٦٠ هجرية ، وبدأت سنة ٦١ ه‍ بشهرها المحرم الحرام ، الّذي حرّم الله فيه القتل والقتال حتّى مع الكفار ، والذي ارتكبت فيه أكبر مجزرة في تاريخ الأمم والإسلام. حيث قتل الحزب الأموي الحاكم سيد شباب أهل الجنة ، الحسين بن عليعليهما‌السلام ، كما ذبح أخاه العباسعليه‌السلام وابنه علي الأكبرعليه‌السلام وابن أخيه القاسم بن الحسنعليه‌السلام ، وأربعا وعشرين بدرا من بدور بني هاشم ، من سلالة المجاهد الأكبر أبي طالبعليه‌السلام ، الّذي علمّ أولاده نصرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنصروا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام علياعليه‌السلام وابنيه الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فكانوا خير خلف لخير سلف.

وقد مضى على مسير الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء ٢٢ يوما ، وبقي له يومان ليصل إليها.

«شراف»

٦٧٧ ـ التزود بالماء من (شراف):

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)

ثم سار الحسينعليه‌السلام من بطن العقبة حتّى نزل (شراف). فلما كان في السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا. ثم سار منها حتّى انتصف النهار.

٦٧٨ ـ طلائع الخطر :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)

فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه ، فقال الحسينعليه‌السلام : الله أكبر ، لم كبّرت؟. قال : رأيت النخل. فقال له جماعة من أصحابه : إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط!. فقال لهم الحسينعليه‌السلام : فما ترون؟. قالوا : نراه والله أسنة الرماح وآذان الخيل.

٥٦٤

ثم قالعليه‌السلام : فهل لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم بوجه واحد؟. فقالوا : بلى ، هذا (ذو حسم) إلى جنبك ، فمل إليه عن يسارك ، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد. فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه.

لقاء الحرّ بن يزيد التميميّ

«ذو حسم»

٦٧٩ ـ التقاء الحسينعليه‌السلام بأول كتيبة للجيش الأموي بقيادة الحر بن يزيد الرياحي :(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)

فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي [جمع هادي : وهو العنق ومقدمة كل شيء] الخيل ، فتبيّناها وعدلنا. فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، كأن أسنتهم اليعاسيب [جمع يعسوب : وهو النحل ، وشبّه لمعان أسنّتهم بلمعان أجنحة النحل أثناء طيرانها] وكأن راياتهم أجنحة الطير. فاستبقنا إلى (ذي حسم) فسبقناهم إليه.

وأمر الحسينعليه‌السلام بأبنيته فضربت. وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر ابن يزيد التميمي ، حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسينعليه‌السلام في حرّ الظهيرة ، والحسينعليه‌السلام وأصحابه معتمّون متقلدون أسيافهم.

٦٨٠ ـ الحسينعليه‌السلام يسقي جنود أعدائه :

(المصدر السابق ؛ ومقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٠)

فقال الحسينعليه‌السلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفا [أي اسقوهم قليلا]. وكانوا شاكّين في السلاح ، لا يرى منهم إلا الحدق.فأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ، ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ منها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه ، وسقي آخر ، حتّى سقوها عن آخرها.

قال علي بن الطعّان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه. فلما رأى الحسينعليه‌السلام ما بي وبفرسي من العطش ، قال : أنخ الرواية ،

٥٦٥

فلم أفهم (لأن الرواية عندي السّقاء). ثم قال : يابن الأخ أنخ الجمل ، فأنخته(١) .فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء. فقال الحسينعليه‌السلام :أخنث السقاء [أي اعطفه] فلم أفهم ، ولم أدر كيف أفعل!. فقامعليه‌السلام فعطفه بيده ، فشربت وسقيت فرسي.

وكان مجيء الحر بن يزيد من القادسية ، وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير ، وأمره أن ينزل القادسية ، ويقدّم الحر بين يديه في ألف فارس ، يستقبل بهم الحسينعليه‌السلام . وكانت ملاقاة الحر للحسينعليه‌السلام على مرحلتين من الكوفة [حوالي ٩٠ كم].

ـ تعليق السيد عبد العزيز المقرّم :

يقول السيد المقرّم : فانظر إلى هذا اللطف والحنان من أبي الضيم الحسينعليه‌السلام على هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة ، التي تعزّ فيها الجرعة الواحدة ، وهو عالم بحراجة الموقف ونفاد الماء ، ولكن العنصر النبوي والكرم العلوي ، لم يتركا صاحبهما إلا أن يحوز الفضل. وإن فعلها فقد فعلها أبوه من قبله في صفين ، وكل إناء ينضح بما فيه.

٦٨١ ـ الحسينعليه‌السلام يتعرف على الحر :

(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٤٢)

ثم قال الحر : السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته. فقال الحسينعليه‌السلام : وعليك السلام ، من أنت يا عبد الله؟. فقال : أنا الحر بن يزيد.فقال : يا حرّ ، ألنا أم علينا؟. فقال الحر : والله يابن رسول الله لقد بعثت لقتالك ، وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلى رجلي ، ويدي مغلولة إلى عنقي ، وأكبّ على حرّ وجهي في النار. يابن رسول الله ، ارجع إلى حرم جدك ، أين تذهب فإنك مقتول!.

__________________

(١) الرواية في لسان أهل الحجاز : اسم للجمل الّذي يستقى عليه. وفي لسان أهل العراق : اسم للسقاء الّذي يملأ بالماء. فلذلك لم يفهم ابن الطعان مراد الحسينعليه‌السلام حتّى قال له : أنخ الجمل.

٥٦٦

٦٨٢ ـ من خطبة للحسينعليه‌السلام بعد لقائه بالحر في (ذي حسم) وقد صلّىعليه‌السلام صلاة الظهر بالعسكرين :

(مقتل الخوارزمي ، ص ٢٣١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٨٠)

قال الشيخ المفيد : فلم يزل الحر موافقا للحسينعليه‌السلام حتّى حضرت صلاة الظهر. فقال الحسينعليه‌السلام للحجاج بن مسروق : أن أذّن يرحمك الله وأقم الصلاة حتّى نصلي. فأذّن الحجّاج للظهر. فلما فرغ صاح الحسينعليه‌السلام بالحر :يابن يزيد أتريد أن تصلي بأصحابك ، وأنا أصلّي بأصحابي؟. فقال الحر : لا بل تصلي ، ونحن نصلّي بصلاتك يا أبا عبد الله!. فقالعليه‌السلام للحجاج : أقم ، فأقام.

وتقدم الحسينعليه‌السلام للصلاة ، فصلى بالعسكرين جميعا. فلما فرغ وثب قائما متكئا على قائم سيفه ، وكان في إزار ورداء ونعلين. فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :أيها الناس معذرة إليكم ، أقدّمها إلى الله وإلى من حضر من المسلمين. إني لم آتكم (وفي رواية : لم أقدم إلى بلدكم) حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ، أن أقدم إلينا ، فإنه ليس علينا إمام ، فلعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئن إليه وأثق به من عهودكم ومواثيقكم أدخل معكم إلى مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين ولقدومي عليكم باغضين ، انصرفت عنكم إلى المكان الّذي منه جئت إليكم. فسكتوا جميعا(١) .

ثم دخلعليه‌السلام فاجتمع إليه أصحابه. وانصرف الحر إلى مكانه الّذي كان فيه ، فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من أصحابه. وعاد الباقون إلى صفّهم الّذي كانوا فيه ، فأعادوه. ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها.

٦٨٣ ـ كتاب ابن زياد للحر يأمره فيه بالتضييق على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣١)

فبينا هم على تلك الحال ، وإذا بكتاب ورد من الكوفة من عبيد الله بن زياد إلى الحر: أما بعد يا حر ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فجعجع(٢) بالحسين بن علي ، ولا

__________________

(١) كذا في مقتل المقرم ص ٢١٥ ، ومناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٦ ط نجف. ولم يذكر الخوارزمي موضع الخطبة وهو (شراف). وفي مقتل أبي مخنف ، ص ٤٤ أنه خطبها في (الثعلبية).

(٢) جعجع بالحسين : أي احبسه وضيّق عليه.

٥٦٧

تفارقه حتّى تأتيني به ، فإني قد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى تأتي بإنفاذ أمري إليك والسلام.

فلما قرأ الحر الكتاب بعث إلى ثقات أصحابه فدعاهم ، ثم قال : ويحكم إنه قد ورد عليّ كتاب عبيد الله بن زياد ، يأمرني أن أقدم على الحسين بما يسوؤه ، ولا والله ما تطاوعني نفسي ولا تجيبني إلى ذلك أبدا. فالتفت رجل من أصحاب الحر يكنى (أبا الشعثاء الكندي) إلى رسول ابن زياد وقال له : فيم جئت ثكلتك أمك؟. فقال له الرسول : أطعت إمامي ووفّيت بيعتي وجئت برسالة أميري. فقال له أبو الشعثاء :لعمري لقد عصيت ربك وإمامك ، وأهلكت نفسك ، واكتسبت والله عارا ونارا ، فبئس الإمام إمامك الّذي قال فيه الله :( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) [القصص : ٤١](١) .

٦٨٤ ـ من خطبة لهعليه‌السلام بالعسكرين بعد أن صلى بهما صلاة العصر :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٢)

ودنت صلاة العصر ، فأمر الحسينعليه‌السلام مؤذنه أيضا بالأذان ، فأذّن وأقام ، وتقدمعليه‌السلام فصلى بالعسكرين. فلما انصرف من صلاته وثب قائما على قدميه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله تعالى وتعرفوا الحق لأهله يكن رضا الله عنكم. وإنا أهل بيت نبيكم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أولى بولاية هذه الأمور عليكم ، من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالظلم والجور والعدوان ، وإن كرهتمونا وجهلتم حقنا ، وكان رأيكم على خلاف ما جاءت به كتبكم ، انصرفت عنكم(٢) .

فقال له الحر : أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر. فقال الحسينعليه‌السلام لبعض أصحابه : يا عقبة بن سمعان أخرج إليّ الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ. فأخرج خرجين مملوءين صحفا من كتب أهل الكوفة ، فنثرت بين يديه.

__________________

(١) كان أبو الشعثاء الكنديرحمه‌الله منصفا. وستجد عدوله إلى الحسينعليه‌السلام واستشهاده معه في الجزء الثاني من هذه الموسوعة.

(٢) مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم ، ص ٢١٦.

٥٦٨

فقال له الحر : إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك(١) . وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على الأمير عبيد الله. فتبسّم الحسينعليه‌السلام وقال له :يابن يزيد ، الموت أدنى إليك من ذلك!.

ترجمة عقبة بن سمعان

عقبة بن سمعان ، عدّه الشيخ الطوسي في (رجاله) من أصحاب الحسينعليه‌السلام . وقد ذكره الطبري وغيره من مؤرخي الواقعة ، ويفهم مما ذكروه أنه كان عبدا للرباب زوجة الحسينعليه‌السلام ، وأنه كان يتولى خدمة أفراسه وتقديمها له. فلما استشهد الحسينعليه‌السلام فرّ على فرس ، فأخذه أهل الكوفة ، فزعم أنه عبد للرباب بنت امرئ القيس الكلابية ، فأطلق سراحه.وجعل يروي الواقعة كما حدثت ، ومنه أخذ كثير من أخبارها. (مقتل أبي مخنف المقتبس ، ص ١٣)

٦٨٥ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع الحر وقد حاول التضييق عليه حتّى يقدمه على عبيد الله بن زياد بالكوفة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٢)

ثم التفت الحسينعليه‌السلام إلى أصحابه فقال : احملوا النساء ليركبن ، حتّى ننظر ما الّذي يقدر أن يصنع هذا [أي الحر] وأصحابه فتقدمت خيل أهل الكوفة فحالت بينهم وبين المسير. فضرب الحسينعليه‌السلام بيده إلى سيفه وصاح بالحر : ثكلتك أمك يابن يزيد ، ما الّذي تريد أن تصنع؟. فقال الحر : أما والله يا أبا عبد الله ، لو

__________________

(١) جاء في (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، أنه لما نادى الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء :يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ويا فلان ويا فلان ألم تكتبوا إليّ ، فقالوا :ما ندري ما تقول. وكان الحر بن يزيد الرياحي من ساداتهم ، فقال له : بلى والله لقد كاتبناك ونحن الذين أقدمناك ، فأبعد الله الباطل وأهله ، والله لا أختار الدنيا على الآخرة. يقول الشيخ حبيب آل إبراهيم في كتابه (ذكرى الحسين) من حاشية.

ص ٨٢ : فيمكن أن يكون حمل الحر على الإنكار تعصبه لمن كان معه أولا ، فلما رأى منهم ما رأى رجع إلى الحق وهداه الله تعالى.

٥٦٩

قالها غيرك من العرب لرددتها عليه كائنا من كان ، ولكن والله مالي إلى ذكر أمك [أي فاطمة] من سبيل ، غير أنه لا بدّ لي من أن أنطلق بك إلى الأمير. قالعليه‌السلام :إذن والله لا أتبعك. فقال الحر : إذن والله لا أدعك.

فقال الحسينعليه‌السلام : فذر إذن أصحابك وأصحابي وابرز إليّ ، فإن قتلتني حملت رأسي إلى ابن زياد ، وإن قتلتك أرحت الخلق منك. فقال الحر : إني لم أؤمر بقتالك ، وإنما أمرت أن لا أفارقك أو أقدم بك على الأمير. وأنا والله كاره أن يبتليني الله بشيء من أمرك. غير أني أخذت بيعة القوم وخرجت إليك. وأنا أعلم أنه ما يوافي القيامة أحد من هذه الأمة إلا وهو يرجو شفاعة جدك ، وإني والله لخائف إن أنا قاتلتك أن أخسر الدنيا والآخرة ، ولكن أما أنا يا أبا عبد الله فلست أقدر على الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا ، ولكن خذ غير الطريق وامض حيث شئت (وفي رواية : ولكن خذ طريقا نصفا بيننا لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة(١) ) حتّى أكتب إلى الأمير أن الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه ، وأنا أنشدك الله في نفسك (وفي رواية : وإني أذكّرك الله في نفسك(٢) ) فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ. فقال الحسينعليه‌السلام : كأنك تخبرني بأني مقتول!. فقال له : نعم يا أبا عبد الله ، لا أشك في ذلك إلا أن ترجع من حيث جئت. فقال الحسينعليه‌السلام :لا أدري ما أقول لك ، ولكني أقول كما قال أخو الأوس وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخوّفه ابن عمه حين لقيه ، وقال : أين تذهب فإنك مقتول ، فقال له :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مذموما(٣) وخالف مجرما

أقدّم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقى خميسا في النزال(٤) عرمرما

فإن عشت لم أذمم(٥) وإن متّ لم ألم

كفى بك ذلّا أن تعيش وترغما

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢١٧. وفي تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٢٨ ط أولى مصر ، قال الحر : «فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية" وبينه وبين العذيب ٣٨ ميلا.

(٢) مقتل الحسين للمقرم ص ٢١٧.

(٣) وفي رواية : (مثبورا).

(٤) وفي رواية (في الهياج). والخميس : الجيش ، لأنه مؤلف من خمس فرق. ويوم الهياج : يوم القتال. العرمرم : الجيش الكثير.

(٥) وفي رواية (لم أندم).

٥٧٠

٦٨٦ ـ التقاء الحسينعليه‌السلام بالحر وإخباره بمصرع مسلم :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف)

قال علماء السير : ولم يزل الحسينعليه‌السلام قاصدا الكوفة ، مجدّا في السير ، ولا علم له بما جرى على مسلم بن عقيل. حتّى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال تلقّاه الحر بن يزيد التميمي ، فسلّم عليه وقال له : أين تريد يابن رسول الله؟. فقال :أريد هذا المصر. فقال له : ارجع فوالله ما تركت لك خلفي خيرا ترجوه. وأخبره بقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة. وقدوم ابن زياد الكوفة واستعداده له.

فهمّ بالرجوع ، وكان معه إخوة مسلم بن عقيل ، فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب بثأرنا أو نقتل. فقالعليه‌السلام : لا خير في الحياة بعدكم(١) .

«البيضة»

٦٨٧ ـ من كتاب للحسينعليه‌السلام إلى أشراف الكوفة بعد علمه بمقتل مسلم ابن عقيل ، يدعوهم فيه إلى البرّ بعهودهم ، ويبيّن لهم أن الهدف من نهضته هو تقويم الانحراف :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة المؤمنين. أما بعد فقد علمتم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال في حياته : «من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، ثم لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله».وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتولوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا في الأرض الفساد ، وعطّلوا الحدود والأحكام ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله. وإني أحقّ بهذا الأمر ، لقرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن وفيتم لي بيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ، ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهليكم وأولادكم ، فلكم بي أسوة. وإن لم تفعلوا

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٢٠.

٥٧١

ونقضتم عهودكم ونكثتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم ، والمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) [الفتح : ١٠] وسيغني الله عنكم والسلام. ثم طوى الكتاب وختمه ، ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي ، وأمره أن يسير به إلى الكوفة(١) .

استشهاد قيس بن مسهر الصّيداويرحمه‌الله

٦٨٨ ـ مصرع قيس بن مسهر الصيداوي على يد عبيد الله بن زياد :

(المصدر السابق)

فلما انتهى قيس إلى القادسية ، اعترضه الحصين بن تميم [الصحيح : الحصين بن نمير] ليفتشه ، فأخرج قيس الكتاب وخرّقه. فحمله الحصين إلى ابن زياد. فلما مثل

__________________

(١) في اللهوف ص ٤٣ أن هذا الكتاب كتبه الحسينعليه‌السلام من الحاجر. وفي كتاب الفتوح لابن أعثم أنه كتبه في (عذيب الهجانات). وفي مناقب ابن شهراشوب أنه كتبه من كربلاء أول نزوله بها ، وأنه أرسله مع قيس بن مسهر. وذكر المقرم ص ٢١٨ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٢٩ ، أن هذا الكلام خطبهعليه‌السلام في موضع (البيضة) بعد خطبتيه المتقدمتين في جماعة الحر ، وعليه فقد اختلف بين أن يكون هذا الكلام خطبة أم كتابا. وجاء في (لواعج الأشجان) ص ٩٤ أن ذكر لفظة (والسلام) في آخر الكلام على رواية الطبري وابن الأثير يؤيد أنه كتاب لا خطبة ، لأن ذلك متعارف في الكتب لا في الخطب. هذا وإن أغلب الروايات دلّت على أن إرسال قيس كان من الطريق لا من كربلاء كما روى ابن شهراشوب ، فضلا عن أن التمكن من إرساله من كربلاء بعيد ، والله أعلم.

(أقول) : وقد ذكرنا سابقا أن الحسينعليه‌السلام قد بعث قيس بن مسهر بكتاب إلى أهل الكوفة جوابا على كتاب مسلم من (الحاجر) وهو مغاير لهذا الكلام ، فإذا صحّ أن هذا الكلام هو كتاب لا خطبة ، وأنه بعثه مع قيس كما تدل الروايات ، فتكون نسبة الكتاب الأول إلى قيس غير صحيحة ، وأنها لعبد الله بن يقطر كما رجّحنا.

٥٧٢

بين يديه ، قال له : من أنت؟. قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه. قال : فلماذا خرّقت الكتاب؟. قال : لئلا تعلم ما فيه. قال : وممن الكتاب وإلى من؟. قال : من الحسينعليه‌السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم. فغضب ابن زياد ، فقال : والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين بن علي وأباه وأخاه ، وإلا قطّعتك إربا إربا.فقال قيس : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما سبّ الحسينعليه‌السلام وأبيه وأخيه فأفعل (وفي رواية أنه قال له : اصعد المنبر ، فسبّ الكذّاب ابن الكذاب ، الحسين ابن علي).

فصعد قيس المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي وآله ، وأكثر من الترحم على علي والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية. ثم قال : أيها الناس ، إن هذا الحسين بن عليعليهما‌السلام خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنا رسوله إليكم ، وقد خلّفته (بالحاجر) فأجيبوه.

فأمر به ابن زياد ، فرمي من أعلى القصر ، فتقطعّ (وتكسّرت عظامه) فمات.(وفي مقتل المقرم ص ٢١٩) ويقال : كان به رمق ، فذبحه عبد الملك ابن عمير اللخمي. فعيب عليه ، فقال : أردت أن أريحه.

ترجمة قيس بن مسهر الصيداوي

قيس أحد بني الصيداء ، وهي قبيلة من بني أسد. قال علماء السير : كان قيس رجلا شريفا شجاعا مخلصا في محبة أهل البيتعليهم‌السلام . وقد بعثه أهل الكوفة بكتبهم إلى الحسينعليه‌السلام بمكة ، ثم أرسله الحسينعليه‌السلام مع مسلم بن عقيل ، ثم أرجعه مسلم بكتاب منه إلى الحسين ، فردّعليه‌السلام الجواب معه.وبقي مصاحبا لمسلم حتّى أتى الكوفة ، ولما بايعه من بايعه من أهلها كتب إلى الحسين مع قيس إلى مكة. وبقي قيس مع الحسينعليه‌السلام حتّى بلغ (الحاجر) ، فبعثه إلى أهل الكوفة بكتاب ، فأمسكه الحصين بن نمير كما ذكرنا ، وقتله.

٥٧٣

توضيح : (حول مهمات الشهيد قيس بن مسهر)

كانت مهمات قيس بن مسهر الصيداوي خطيرة ، وهي تأمين المراسلة بين الحسينعليه‌السلام والعراق. فبعثه أهل الكوفة أولا برسالة إلى الحسينعليه‌السلام وهو بمكة. ثم صحب مسلم بن عقيل حتّى قدم الكوفة. ثم بعثه مسلم برسالة إلى الحسينعليه‌السلام يخبره فيها بمبايعة أهل الكوفة. ثم حين خرج الحسينعليه‌السلام من مكة إلى العراق صحبه قيس ، حتّى إذا انتهىعليه‌السلام إلى الحاجر بعثه إلى أهل الكوفة يخبرهم بقدومه. وفي الطريق قبض عليه الحصين بن نمير التميمي ، فأتلف الرسالة كما مرّ ، وجيء به إلى ابن زياد فقتله صبرا ، رضوان الله عليه.

وبما أن هناك تضاربا كبيرا بين استشهاد (عبد الله بن يقطر)و (قيس بن مسهر) فقد رجّحنا أن يكون الحسينعليه‌السلام بعث عبد الله بن يقطر بكتاب من (الحاجر) وبلغه نبأ استشهاده في (زبالة). ثم بعث قيس بن مسهر بكتاب من (البيضة) ووصله خبر استشهاده في (العذيب) ، فهذا أقرب إلى تسلسل الأحداث والروايات كما أسلفنا.

«الرّهيمة»

٦٨٩ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع رجل من أهل الكوفة يدعى أبا هرّة الأزدي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)

ولما أصبحعليه‌السلام إذا برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرّة الأزدي(١) قد أتاه فسلّم عليه ، ثم قال له : يابن رسول الله ما الّذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أبا هرّة إن بني أمية قد أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت. يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنّهم الله تعالى ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلّطنّ الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ ، إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم.

__________________

(١) هذا الكلام مطابق لما جاء في (اللهوف) ص ٣٩. وذكر المقرم في مقتله ص ٢١٨ هذا الكلام أنه جرى بين الحسينعليه‌السلام ورجل من أهل الكوفة يقال له أبو هرم ، وذلك في موضع يدعى (الرهيمة) نقلا عن (أمالي الصدوق) ص ٩٣. وفي مقتل الخوارزمي ومثير الأحزان لابن نما ، أنه جرى في (الثعلبية).

٥٧٤

«عذيب الهجانات»

٦٩٠ ـ وصول خبر مصرع قيس بن مسهر الصيداوي في (عذيب الهجانات):

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٠ ط أولى مصر)

فلما وصل الحسينعليه‌السلام إلى (عذيب الهجانات)(١) فإذا بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة ، وهم : عمرو بن خالد الصيداوي ، وسعد مولاه ، ومجمع ابن عبد الله المذحجي ، ونافع بن هلال. ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عدي على فرسه ، وكان قد امتار لأهله من الكوفة ميرة. فخرج بهم على غير الطريق ، حتّى إذا قاربوا الحسينعليه‌السلام حدا بهم الطرماح يقول :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٣)

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وشمّري قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر

آل رسول الله أهل الفخر

السادة البيض الوجوه الغرّ

الطاعنين بالرماح السّمر

الضاربين بالصفاح البتر

حتّى تحليّ بكريم النّجر

الماجد الحر الرحيب الصدر

أتى به الله لخير أمر

عمّره الله بقاء الدهر

وزاده من طيّبات الذكر

يا مالك النفع معا والضرّ

أيّد حسينا سيدي بالنصر

على الطغاة من بقايا الكفر

على اللعينين سليلي صخر

يزيد لا زال حليف الخمر

وابن زياد العاهر ابن العهر

فقال لهم الحسينعليه‌السلام : أخبروني خبر الناس وراءكم. فقال له مجمع بن عبد الله العائذي وهو أحد الأربعة : أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم [الغرائر : جمع غرارة ، وهي الكيس من الشعر أو الصوف] يستمال ودّهم ، ويستخلص به نصيحتهم ، فهم إلب واحد [أي جماعة] عليك. وأما سائر الناس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال : أخبروني فهل

__________________

(١) ذكر المقرم في مقتله ص ٢٢٠ هذا الموضع ولم يذكره الخوارزمي. وذكر أبو مخنف في مقتله مثل هذا الكلام ص ٤٦. وعذيب الهجانات : موضع كان النعمان بن المنذر يضع فيه هجانه لترعى ، فسمي : عذيب الهجانات.

٥٧٥

لكم برسولي إليكم؟. قالوا : من هو؟. قال : قيس بن مسهر الصيداوي. فقالوا :نعم ، أخذه الحصين بن نمير ، فبعث به إلى ابن زياد فقتله. فترقرقت عينا الحسينعليه‌السلام ولم يملك دمعه. ثم قال :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (٢٣) [الأحزاب : ٢٣]. الله م اجعل لنا ولهم الجنة نزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك ، يا أرحم الراحمين.

٦٩١ ـ نصيحة الطرماح ودعوته للحسينعليه‌السلام إلى قومه من طيء :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٧٧)

وقال الطرمّاح بن عدي : والله (لا) أرى معك كثير أحد ، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم. ولقد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهر الكوفة ، وفيه من الناس ما لم تر عيناي ـ جمعا في صعيد واحد ـ أكثر منه قط ، ليسيروا إليك. فأنشدك الله إن قدرت على أن لا تقدم إليهم شبرا فافعل. فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به ، حتّى ترى رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتّى أنزلك جبلنا (أجأ)(١) فهو والله جبل امتنعنا به من ملوك غسان وحمير والنعمان بن المنذر ، ومن الأحمر والأبيض. والله ما إن دخل علينا ذل قط ، فأسير معك حتّى أنزلك القرية. ثم تبعث إلى الرجال ممن ب (أجا) وسلمى من طيّئ ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتّى تأتيك طيء رجالا وركبانا. ثم أقم فينا ما بدا لك. فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي ، يضربون بين يديك بأسيافهم ، فوالله لا يوصل إليك أبدا وفيهم عين تطرف.

فجزاه الحسينعليه‌السلام وقومه خيرا ، وقال : إن بيننا وبين القوم عهدا وميثاقا ، ولسنا نقدر على الانصراف حتّى تتصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة.

فاستأذن الطرمّاح وحده بأن يوصل الميرة إلى أهله ، ويعجّل المجيء لنصرته ، فأذن له ، وصحبه الباقون.

فأوصل الطرماح الميرة إلى أهله ورجع سريعا ، فلما بلغ (عذيب الهجانات) بلغه خبر قتل الحسينعليه‌السلام ، فرجع إلى أهله(٢) .

__________________

(١) لدى الرجوع إلى المصورات الجغرافية ، تبّين أن (أجا) جبل يقع إلى جهة الغرب من بلدة (حائل) المعروفة في السعودية.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٠.

٥٧٦

(أقول) : هذا معارض لبعض الروايات التي تقول : إن الطرماح كان مع الحسينعليه‌السلام في كربلاء. وبعضها يذكر أنه جرح وسقط عن فرسه وبه رمق ، فأخذه قومه وداووه وبرئ. بينما يذكر بعضها أنه استشهد مع الحسينعليه‌السلام .

«قصر بني مقاتل»

٦٩٢ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبيد الله بن الحر الجعفي في (قصر بني مقاتل) ودعوته إلى نصرته فأبى :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٧ ؛ ومقتل المقرّم ، ص ٢٢٤)

ثم سار الحسينعليه‌السلام حتّى نزل (قصر بني مقاتل) ، فإذا بفسطاط مضروب(١) ورمح مركوز وسيف معلق وفرس واقف على مذود [أي معتلف]. فقال الحسينعليه‌السلام : لمن هذا الفسطاط؟. فقيل : لرجل يقال له عبيد الله بن الحر الجعفي.

وحكى في (القمقام) أن عبيد الله بن الحر كان عثمانيا ، وكان يعدّ من الشجعان ومن فرسان العرب ، وكان في وقعة صفين في جيش معاوية. ولما قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام انتقل إلى الكوفة وكان بها. حتّى إذا بلغه قدوم الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة خرج منها لئلا يحضر قتله».

فأرسل إليه الحسينعليه‌السلام برجل من أصحابه يقال له : الحجاج بن مسروق الجعفي. فأقبل حتّى دخل عليه في فسطاطه ، فسلّم عليه ، فردّ عليه عبيد الله السلام.ثم قال له : ما وراءك؟. قال : ورائي والله يابن الحر الخير. إن الله تعالى قد أهدى إليك كرامة عظيمة إن قبلتها. فقال عبيد الله : وما ذاك؟. قال الحجاج : هذا الحسين ابن عليعليهما‌السلام يدعوك إلى نصرته ، فإن قاتلت بين يديه أجرت ، وإن قتلت استشهدت. فقال عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله يا حجّاج ما خرجت من الكوفة إلا مخافة أن يدخلها الحسينعليه‌السلام وأنا فيها لا أنصره. فإنه ليس له فيها

__________________

(١) أورد الخوارزمي في مقتله أن ملاقاة عبيد الله بن الحر كانت بين الثعلبية وزرود. وذكر الجواهري في مثيره ص ٤٢ أن ملاقاته كانت في القطقطانية قبل قصر بني مقاتل. بينما ذكر المقرم في مقتله هذا الموضع ص ٢٢٢. وفي معجم البلدان : قصر بني مقاتل موضع بين عين التمر والشام. وفي ظني أنه هو قصر الأخيضر.

٥٧٧

شيعة ولا أنصار إلا مالوا إلى الدنيا وزخرفها ، إلا من عصم الله منهم. فرجع إليه وأخبره بذلك.

فقام الحسينعليه‌السلام فانتعل ، ثم صار إليه في جماعة من أهل بيته وإخوانه ، فدخل عليه الفسطاط ، فوسّع له عن صدر المجلس.

يقول ابن الحر : ما رأيت أحدا قطّ أحسن من الحسين ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قط رقّتي عليه ، حين رأيته يمشي والصبيان حوله. ونظرت إلى لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب ، فقلت له : أسواد أم خضاب؟. قال : يابن الحر عجّل عليّ الشيب. فعرفت أنه خضاب(١) .

ولما استقرّ المجلس بالحسينعليه‌السلام حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد يابن الحر ، فإن أهل مصركم هذا كتبوا إليّ وأخبروني أنهم مجتمعون عليّ أن ينصروني وأن يقوموا من دوني ، وأن يقاتلوا عدوي. وسألوني القدوم عليهم ، فقدمت ولست أرى الأمر على ما زعموا ، لأنهم قد أعانوا على قتل مسلم بن عقيل ابن عمي وشيعته ، وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد ، مبايعين ليزيد بن معاوية.

يابن الحر إن الله تعالى مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية ، وإني أدعوك إلى توبة تغسل ما عليك من الذنوب. أدعوك إلى نصرتنا أهل البيت ، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله تبارك وتعالى على ذلك وقبلناه ، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحق. فقال له عبيد الله : يابن رسول الله لو كان بالكوفة لك شيعة وأنصار يقاتلون معك لكنت أنا من أشدهم على عدوك ، ولكن يابن رسول الله رأيت شيعتك بالكوفة قد لزموا منازلهم خوفا من سيوف بني أمية ، فأنشدك الله يابن رسول الله أن تطلب مني غير هذه المنزلة ، وأنا أواسيك بما أقدر عليه. خذ إليك فرسي هذه (الملحقة) فوالله ما طلبت عليها شيئا قط إلا وقد لحقته ، ولا طلبت قط وأنا عليها فأدركت. وخذ سيفي هذا فوالله ما ضربت به شيئا إلا أذقته حياض الموت. فأعرض عنه الحسينعليه‌السلام بوجهه ، ثم قال : يابن الحر إنا لم نأتك لفرسك وسيفك ، إنما أتيناك نسألك النصرة ، فإن كنت بخلت علينا في

__________________

(١) لم يورد الخوارزمي هذه الفقرة في مقتله ، بل أوردها المقرم ص ٢٢٤ نقلا عن (خزانة الأدب) للبغدادي ، ج ١ ص ٢٩٨ ط بولاق ، وأنساب الأشراف ، ج ٥ ص ٢٩١.

٥٧٨

نفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك ، ولم أكن بالذي أتّخذ المضلّين عضدا(١) .(وفي اللواعج ص ٩٩ : ثم تلا قوله تعالى :( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (٥١) [الكهف : ٥١]. ولكن فرّ فلا لنا ولا علينا ، لأني قد سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من سمع بواعية أهل بيتي ، ثم لم ينصرهم على حقهم ، أكبّه الله على وجهه في نار جهنم». ثم قام الحسينعليه‌السلام من عنده وصار إلى رحله.

ـ تعليق السيد مرتضى العسكري :

(مرآة العقول للمجلسي ـ مقدمة الكتاب لمرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٢١٥)

قال السيد مرتضى العسكري : لعل الباحث يجد تناقضا بين موقف الإمامعليه‌السلام ممن تجمّع عليه في منزل (زبالة) يفرّقهم من حوله ، وبين موقف الإمام هنا مع ابن الحر ، وقبله مع زهير بن القين ، حيث كان يدعو الناس فرادى وجماعات إلى نصرته. ولكن من تدبّر في خطب الحسينعليه‌السلام وكلامه مع الناس ، أدرك أن الإمامعليه‌السلام كان يبحث عن أنصار حقيقيين ينضمون تحت لوائه ، ويبايعونه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستنكار بيعة أئمة الضلالة ، أمثال يزيد.أنصارا واعين لأهداف قيامه ، يقاومون الإغراء بالدنيا ، يصارعون الحكم الغاشم حتّى يقتلوا في سبيل ذلك.

ترجمة عبيد الله بن الحر الجعفي

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٢٣)

في تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ١٦٨ : كان عبيد الله بن الحر عثماني العقيدة ، ولأجله خرج إلى معاوية ، وحارب عليا يوم صفين. وفي ص ١٦٩ ذكر أحاديث في تمرده على الشريعة بنهبه الأموال وقطعه الطرق. وذكر ابن الأثير في تاريخه ، ج ٤ ص ١١٢ : أنه لما أبطأ على زوجته في إقامته بالشام زوّجها

__________________

(١) ذكر هذا الكلام أبو مخنف في مقتله بشكل مختصر ، ص ٤٧ ، وذكر أنهعليه‌السلام نزل بهذا الموضع بعد (العذيب).

٥٧٩

أخوها من عكرمة بن الخبيص ، ولما بلغه الخبر جاء وخاصم عكرمة إلى الإمام (علي بن أبي طالب). فقال له : ظاهرت علينا عدونا!. قال ابن الحر :أيمنعني عدلك من ذلك؟. فقالعليه‌السلام : لا. ثم أخذ أمير المؤمنين المرأة وكانت حبلى ، فوضعها عند ثقة حتّى وضعت ، فألحق الولد بعكرمة ، ودفع المرأة إلى عبيد الله ابن الحر ، فعاد إلى الشام إلى أن قتل الإمام عليعليه‌السلام .

وفي أيام عبد الملك سنة ٦٨ ه‍ قتل عبيد الله بالقرب من الأنبار.

ويذكر ابن حبيب في (المحبّر) ص ٤٩٢ : أن مصعب بن الزبير نصب رأس عبيد الله بن الحر الجعفي بالكوفة.

وجاء في (مجالس المؤمنين) : أن أول من زار حائر الحسينعليه‌السلام بعد مقتله هو عبيد الله بن الحر الجعفي. وقف على القبر الشريف واستعبر باكيا على ما فاته من القيام بالشهادة ، وفوزه بمراتب السعادة ، بين يدي سيّد السادة.

وفي (العيون العبرى) للسيد إبراهيم الميانجي ، ص ٧٥ :

ولعبيد الله هذا أشعار رائقة تخبر عن ندامته على قعوده عن نصرة الحسينعليه‌السلام . ويظهر من (مقتل الخوارزمي) أنه أنشدها على قبر الحسينعليه‌السلام ، فضجّ من معه بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم يصلّون ويبكون ويتضرعون ، منها:

فيا لك حسرة ما دمت حيا

تردّد بين صدري والتراقي

حسين حين يطلب نصر مثلي

على أهل الضلالة والنفاق

غداة يقول لي بالقصر قولا

أتتركني وتزمع بالفراق

ولو أني أواسيه بنفسي

لنلت كرامة يوم التّلاق

مع ابن المصطفى نفسي فداه

تولى ، ثم ودّع بانطلاق

فلو فلق التلهّف قلب حيّ

لهمّ اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الألى نصروا حسينا

وخاب الآخرون ذوو النفاق

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735