موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 470196 / تحميل: 5543
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

السقوط ؛ لأنّه ثبت نسب الثالث ، فاعتبر موافقته لثبوت نسب الثاني(١) .

ولو أقرّ بأُخوّة مجهولَيْن وصدّق كلّ واحدٍ منهما الآخَر ، ثبت نسبهما.

فإن كذّب كلّ واحدٍ منهما الآخَر ، فللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : ثبوت النسبين ؛ لوجود الإقرار ممّن يحوز التركة(٢) .

وإن صدّق أحدهما الآخَر وكذّبه الآخَر ، ثبت نسب المصدِّق ، دون المكذِّب.

هذا إذا لم يكن المجهولان توأمين ، فإن كانا توأمين فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخَر ، فإذا أقرّ الوارث بأحدهما ثبت نسب كليهما.

مسألة ١٠٠٢ : لو أقرّ بنسب مَنْ يحجب الـمُقر - كما إذا مات عن أخٍ أو عمٍّ فأقرّ بابنٍ للميّت - فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه لا يثبت نسبه ، وإلّا لزم الدور ؛ لأنّه لو ثبت لورث ، ولو ورث لحجب الـمُقرّ ، ولو حجب لخرج عن أهليّة الإقرار ، فإذا بطل الإقرار بطل النسب.

وأصحّهما عندهم - وهو مذهبنا - : إنّه يثبت النسب ؛ لأنّ ثبوت النسب بمجرّده لا يرفع الإقرار ، وإنّما يلزم ذلك من التوريث(٣) ، وسيأتي‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٤: ٢٧٢ ، البيان ١٣ : ٤٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٣١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧ - ٦٨.

(٣) هذا الوجه الأصحّ قد سقط من الطبع في « العزيز شرح الوجيز » وهو موجود في « فتح العزيز » المطبوع بهامش « المجموع » ١١ : ٢٠١.

٤٦١

البحث فيه. ثمّ التو ريث قد ينتفي لأسباب وتوابع ، فلا يبعد أن يكون هذا منها(١) .

وعندنا أنّ الـمُقرّ به يرث ، وسيأتي.

مسألة ١٠٠٣ : الـمُقرّ به لا يخلو إمّا أن يحجب الـمُقرّ عن الميراث ، أو لا يحجب ، أو يحجب بعض الورثة الـمُقرّين دون بعضٍ.

فإن لم يحجب الـمُقرّ ، اشتركا في التركة على فريضة الله تعالى.

ولو أقرّ أحد الابنين المستغرقين بأخٍ وأنكر الآخَر ، فالذي ذهبنا إليه أنّ الـمُقرّ به يرث السدس يأخذه من نصيب الـمُقرّ.

وظاهر مذهب الشافعي - وهو منصوصة - أنّه لا يرث ؛ لأنّ الإرث فرع النسب ، وأنّه غير ثابتٍ كما سبق ، وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع(٢) .

وعن بعض الشافعيّة : إنّ الـمُقرّ به يرث ، فيشارك الـمُقرّ فيما في يده. وهو منسوب إلى ابن سريج ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد(٣) . وقد تقدّم(٤) بيانه.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ - ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٨٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٩ ، الوسيط ٣ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢١ / ١٠٥٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٨٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٩ ، الوسيط ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٨ ، البيان ١٣ : ٤٤٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٣٠ ، المبسوط - للسرخسي - ٣٠ : ٧٢ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٠ - ٦٢١ / ١٠٥٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٥٦ ، المعونة ٢ : ١٢٥٦ - ١٢٥٧ ، المغني ٥ : ٣٢٥ ، و ٧ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٠٤ - ٢٠٥.

(٤) في ص ٤٥٧ ، ضمن المسألة ٩٩٩.

٤٦٢

مسألة ١٠٠٤ : لو خلّف الميّت ابنين فقال أحدهما : فلانة بنت أبينا ، وأنكر الآخَر ، حرم على الـمُقرّ نكاحها وإن كان ذلك فرع النسب الذي لم يثبت.

ولو قال أحدهما : إنّ العبد الذي في التركة ابن أبينا ، لم يثبت النسب ؛ لعدم الاتّفاق.

لكنّ الأقرب : إنّه يُعتق ؛ لإقراره بأنّه حُرٌّ ، فيثبت عتق نصيبه ، ولا يسري ؛ لأنّه لم يباشر العتق ، فلا يُقوَّم عليه.

وللشافعيّة في الحكم بعتقه وجهان(١) .

ولو قال أحد شريكي العقار لثالثٍ : بعتُ منك نصيبي ، فأنكر ، لا يثبت الشراء.

وفي ثبوت الشفعة للشريك خلاف.

ولو قال : لزيدٍ على عمرو كذا وأنا به ضامن ، فأنكر عمرو ، ففي مطالبة الـمُقرّ بالضمان خلاف.

والأصحّ عند الشافعيّة : المطالبة(٢) .

ولو اعترف الزوج بالخلع وأنكرت المرأة ، ثبتت البينونة وإن لم يثبت المال الذي هو الأصل.

فعلى ظاهر مذهب الشافعيّة هذه الأحكام في ظاهر الحكم ، فأمّا في الباطن فهل على الـمُقرّ إذا كان صادقاً أن يشركه فيما في يده؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا ، كما في الظاهر.

والثاني : نعم - وهو الصحيح عندهم - لأنّه عالم باستحقاقه ، فيحرم

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨.

٤٦٣

عليه منع حقّه منه (١) .

وعلى هذا فبما يشركه؟ فيه وجهان :

أحدهما : بنصف ما في يده ؛ لأنّ قضيّة ميراث البنين التسويةُ ، فلا يسلم لأحدهم شي‌ء إلّا ويسلم للآخَر مثله ، والثالث بزعمهما غصبهما بعض حقّهما ، وبه قال أبو حنيفة.

وأصحّهما عندهم : ما ذهبنا نحن إليه ، وهو قول مالك وأحمد : بثلث ما في يده ؛ لأنّ حقّ الثالث بزعم الـمُقرّ شائع فيما في يده وما في يد صاحبه ، فله الثلث من هذا والثلث من ذاك(٢) .

ويقال : الوجهان مبنيّان على القولين فيما إذا أقرّ أحد الابنين بدَيْنٍ على أبيه وأنكر الآخَر ، هل على الـمُقرّ توفية جميع الدَّيْن ممّا في يده ، أم لا يلزمه إلّا القسط؟ فإن قلنا بالثاني - وهو مذهبنا - لم يلزمه إلّا الثلث ؛ لجَعْلنا الحقَّ الثابت بالإقرار شائعاً في التركة.

ولكلّ واحدٍ من الوجهين عبارة تجري مجرى الضابط لأخوات هذه الصورة.

فالعبارة على وجه النصف أنّا ننظر في أصل المسألة على قول المنكر ونصرف إليه نصيبه منها ، ثمّ نقسّم الباقي بين الـمُقرّ والـمُقرّ به ، فإن انكسر صحّحناه بالضرب.

وأصل المسألة في الصورة التي نحن فيها اثنان على قول المنكر ،

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٩١ ، البيان ١٣ : ٤٤٩ - ٤٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٢ ، البيان ١٣ : ٤٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨ ، وراجع بقيّة المصادر في الهامش (١ و ٤) من ص ٤٥٧.

٤٦٤

ندفع إليه واحداً من هما ، يبقى واحد لا ينقسم على اثنين ، فنضرب اثنين في أصل المسألة ، يكون أربعةً : سهمان منها للمنكر ، ولكلّ واحدٍ من الآخَرين سهم.

وعلى الوجه الذي حكمنا فيه بالثلث نأخذ أصل المسألة على قول المنكر ، وأصلها على قول الـمُقرّ ، ونضرب أحدهما في الآخَر ، ونقسّم الحاصل باعتبار مسألة الإنكار ، فندفع نصيب المنكر منه إليه ، ثمّ باعتبار مسألة الإقرار ، فندفع نصيب الـمُقرّ منه إليه ، وندفع الباقي إلى الـمُقرّ به.

ومسألة الإنكار فيما نحن فيه من اثنين ، ومسألة الإقرار من ثلاثة ، فنضرب أحدهما في الآخَر يكون ستّةً : ثلاثة منها للمنكر ، وسهمان للمُقرّ ، وسهم للمُقرّ له.

ولو كانت المسألة بحالها وأقرّ أحد الابنين بآخَرين(١) ، فعلى الوجه الأوّل المسألة على قول المنكر من اثنين ، ندفع نصيبه إليه ، يبقى واحد لا ينقسم على ثلاثة ، نضرب ثلاثة في اثنين ، يكون ستّةً : ثلاثة منها للمنكر ، ولكلّ واحدٍ من الباقين سهم.

وعلى الوجه الثاني أصلها على قول المنكر من اثنين ، وعلى قول الـمُقرّ من أربعة ، نضرب أحدهما في الآخَر يكون ثمانيةً : أربعة منها للمنكر ، واثنان للمُقرّ ، ولكلّ واحدٍ من الـمُقرّ بهما سهم(٢) .

وقال بعضهم : نصرف بالتوسّط بين الوجهين ، وهو أن ننظر فيما حصل في يد الـمُقرّ أحصل بقسمةٍ أجبره المنكر عليها ، أم بقسمةٍ هو مختار فيها؟

____________________

(١) في « ج » : « بأخوين » بدل « بآخَرين ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٤.

٤٦٥

أمّا على تقدير الإج بار : فالجواب ما ذكرنا في الوجه الثاني.

وأمّا على تقدير الاختيار : فننظر إن كان عالماً عند القسمة بأنّ معهما ثالثاً مستحقّاً ، فالجواب ما ذكرناه في الوجه الأوّل ؛ لأنّه متعدٍّ بتسليم نصف حصّة الثالث إليه ، فيغرم ما حصل في يد صاحبه ، كما يغرم الحاصل في يده.

وإن لم يكن عالماً حينئذٍ ثمّ علم ، فوجهان ، وُجّه أحدهما : بأنّه لا تقصير(١) منه ، والثاني : بأنّه لا فرق بين العلم والجهل فيما يرجع إلى الغرم(٢) .

مسألة ١٠٠٥ : لو كان الـمُقرّ به ممّن يحجب الـمُقرّين عن الميراث أو بعضهم ، كما لو كان الوارث في الظاهر أخاً أو ابنَ عمّ أو معتقاً فأقرّ بابنٍ للميّت ، حاز المالَ الابنُ بأجمعه ، ولا شي‌ء للمُقرّ.

وأمّا الشافعي فقال : إن لم يثبت نسبه فذاك ، وإن ثبت ففي الميراث وجهان :

أحدهما : المنع ، وهو الأظهر عندهم.

والثاني : إنّه يرث - وبه قال ابن سريج - و(٣) يحجب الـمُقرّ(٤) ، كما اخترناه نحن.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لا يقتص » بدل « لا تقصير ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٤ - ٣٦٥.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أو » بدل « و». والمثبت هو الصحيح.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٢ ، البيان ١٣ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨ ، المغني ٥ : ٣٣٠.

٤٦٦

ومنعوا لزوم بطلان ا لإقرار من حرمانه ، وقالوا : المعتبر كونه وارثاً لو لا إقراره ، وذلك لا ينافي خروجه عن الوارثيّة بالإقرار ، كما أنّ المعتبر كونه حائزاً للتركة لو لا إقراره ، وذلك لا ينافي خروجه عن كونه حائزاً بالإقرار ، فلا جرم لو أقرّ الابن الحائز للتركة في الظاهر بأُخوّة غيره قُبِل وتشاركا في الإرث ، كذا هنا(١) .

ولو خلّف بنتاً هي معتقة فأقرّت بأخٍ ، ورثا عندنا جميعَ المال.

وللشافعيّة في ميراثه وجهان - تفريعاً على الوجه الأوّل في المسألة السابقة - :

أحدهما : يثبت ويكون المال بينهما أثلاثاً ؛ لأنّ توريثه لا يحجبها.

والثاني : لا ؛ لأنّه يحجبها عن عصوبة الولاء ، فصار كما لو خلّف بنتاً ومعتقاً فأقرّا بابنٍ للميّت ، لا يثبت الميراث ؛ لحجبه المعتق(٢) .

وقد عرفت مذهبنا في ذلك.

ولو ادّعى مجهولٌ على أخ الميّت أنّه ابن الميّت فأنكر الأخ ونكل عن اليمين فحلف المدّعي اليمينَ المردودة ، ثبت نسبه.

ثمّ إن جعلنا النكولَ وردَّ اليمين كالبيّنة ورث وحجب الأخ ، وإن جعلناهما كالإقرار ففيه الخلاف المذكور فيما إذا أقرّ الأخ به.

ولو مات عن بنتٍ وأُختٍ فأقرّتا بابنٍ للميّت ، فعندنا لا اعتبار بإقرار الأُخت ؛ إذ لا يثبت في حقّها ؛ حيث إنّها لا ترث عندنا ، ولا في حقّ البنت ، لكنّ المعتبر إقرار البنت ، فتُقسّم التركة أثلاثاً : للبنت الثلث ، وللابن الثلثان.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨.

٤٦٧

أمّا العامّة فإنّهم حيث ورّثوا الأُخت هنا اعتبروا إقرارها.

ثمّ اختلف قول الشافعيّة.

فقال بعضهم : نصيب الأُخت يُسلّم إليها على الوجه الأظهر عندهم ؛ لأنّه لو ورث الابن لحجبها.

وعلى الثاني يأخذ ما في يدها كلّه(١) .

وكذا الحكم فيما لو خلّف زوجةً وأخاً فأقرّا بابنٍ ، فعندنا للزوجة الثُّمن ، والباقي للابن.

وعند الشافعيّة للزوجة الربع على الوجه الأظهر عندهم ، وهذا الابن لا ينقص حقّها ، كما لا يسقط الأخ(٢) .

مسألة ١٠٠٦ : لو خلّف ابناً واحداً فأقرّ بآخَر ، لم يثبت نسب الآخَر ، إلّا إذا صدّقه أو أقام البيّنة ، ومع البيّنة يُحكم بالنسب مطلقاً ، ومع التصديق يتوارثان بينهما ، ولا يتعدّى التوارث إلى غيرهما.

ولو كان للمُقرّ به ورثة مشهورون ، لم يُقبل إقراره في النسب وإن تصادقا ، وكان له الميراث.

ولو أقرّ أحد الابنين ببنتٍ وأنكر الآخَر ، دفع الـمُقرّ خُمْس ما في يده. ولو أقرّا معاً ، ثبت لها خُمْس الجميع.

ولو تناكر الابنان اللّذان أقرّ بهما الوارث دفعةً ، لم يلتفت إلى تناكرهما ، لكن لا يثبت النسب ، ويأخذان الميراث.

مسألة ١٠٠٧ : لا يشترط في الـمُقرّ أن يكون جميعَ الورثة ، عندنا‌ ، بل لو أقرّ بعضهم دون بعضٍ لزم المـُقرّ حكم إقراره في نصيبه ، دون نصيب‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٩.

٤٦٨

الباقي ، فلا يشترط إقرار جميع الورثة.

ولا يشترط عندنا عدد الشهادة ، بل لو أقرّ واحد لزمه الحكم في نصيبه.

وقال الشافعي : يشترط إقرار جميع الورثة(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يشترط الجميع ، بل عدد الشهادة شرط ، فإذا لم يكن إلّا ابنٌ واحد لم يثبت النسب بإقراره(٢) .

فإذا خلّف بنين عدّة فأقرّ اثنان منهم ، فإن كانا عَدْلين أُجيزت شهادتهما على باقي الورثة ، وثبت النسب والميراث ، وإن لم يكونا عَدْلين أخذ الـمُقرّ به من نصيبهما بالنسبة خاصّةً ، وبه قال مالك(٣) .

مسألة ١٠٠٨ : إقرار الورثة بزوجٍ أو زوجةٍ للميّت مقبولٌ ، ويشارك الـمُقرّ به.

ولو أقرّ بعضهم ، ثبت نصيبه عندنا خاصّةً بالنسبة إليه ، دون باقي الورثة.

وللشافعي قولان في أنّه هل يُقبل إقرار جميع الورثة بالزوج أو‌

____________________

(١) مختصر المزني : ١١٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٩٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٨ - ٣٠٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٨ ، البيان ١٣ : ٤٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦ ، المغني ٥ : ٣٢٦ - ٣٢٧ ، و ٧ : ١٤٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٠١.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ٢٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٩٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٨ ، البيان ١٣ : ٤٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، المغني ٥ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٩ ، و ٧ : ٢٠١.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٩٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٦ ، المغني ٥ : ٣٢٧ ، و ٧ : ١٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٩ ، و ٧ : ٢٠١.

٤٦٩

الزوجة؟ ففي الجديد - كما قلناه - : إنّه يُقبل. وفي القديم قولٌ : إنّه لا يُقبل. فإن قبلنا فلو أقرّ أحد الابنين المستغرقين وأنكر الآخَر ، فالتوريث على ما ذكرناه فيما إذا أقرّ أحدهما بأخٍ وأنكر الآخَر(١) .

ولو قال ابن الميّت : فلان أخي ، ثمّ فسّره بالأُخوّة من الرضاع أو في الدين ، فالأقوى عندي : القبول ؛ لاحتماله ، وهو أعلم بمراده من لفظه.

وقال بعض الشافعيّة : لا يُقبل هذا التفسير ؛ لأنّه خلاف الظاهر ، ولهذا لو فسّر بأُخوّة الإسلام لم يُقبل(٢) .

وهو ممنوع.

ولو أقرّ على أبيه بالولاء ، فقال : إنّه معتق فلان ، ثبت الولاء عليه.

وشرط الشافعيّة أن يكون الـمُقرّ مستغرقاً ، كالنسب(٣) .

ونحن لا نشترط ذلك.

مسألة ١٠٠٩ : قد بيّنّا أنّ الـمُقرّ به إذا كان بالغاً رشيداً افتقر المـُقرّ إلى تصديقه ، سواء كان الـمُقرّ به ولداً أو غيره.

وللشيخرحمه‌الله قول : إنّ الولد الكبير لا يعتبر تصديقه ، بل لو كذّب الـمُقرّ في إقراره ثبت نسبه ، كالصغير(٤) .

وليس بمعتمدٍ.

ولو أقرّ الأخوان بابنٍ للميّت وكانا عَدْلين ، ثبت نسبه ، وحاز الميراث ، ولا دَوْر عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٩.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٣١٨ - ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٩.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٤١.

٤٧٠

ولو كانا فاسقين ، أ خذ الميراث ، ولم يثبت النسب ، وإنّما يثبت النسب بشهادة رجلين عَدْلين ، ولا يُقبل فيه شاهد وامرأتان ، ولا شهادة فاسقين وإن كانا وارثين.

وإذا أقرّ الولد بآخَر فأقرّا بثالثٍ ، ثبت نسب الثالث إن كانا عَدْلين.

ولو أنكر الثالث الثاني ، لم يثبت نسب الثاني ، وأخذ السدسَ ، والثالثُ النصفَ ، والأوّل الثلثَ. فإن مات الثالث عن ابنٍ مُقرّ ، دفع السدس إلى الثاني أيضاً.

ولو كان الأوّلان معلومَي النسب ، لم يُلتفت إلى إنكاره لأحدهما ، وكانت التركة أثلاثاً.

ولو أنكر الأوّل وكان معلومَ النسب ، لم يُلتفت إلى إنكاره ، وإلّا فله النصف ، وللأوّل السدس إن صدّقه الثاني.

ولو أقرّ الوارث بمَنْ هو أولى منه ، كان المال للمُقرّ له ، فلو أقرّ العمّ بأخٍ سلَّم إليه التركة ، فإن أقرّ الأخ بولدٍ سُلّمت التركة إلى الولد.

ولو كان الـمُقرّ العمَّ بعد إقراره بالأخ ، فإن صدّقه الأخ فالمال للولد ، وإن كذّبه فالتركة للأخ ، ويغرم العمّ التركة للولد إن نفى وارثاً غيره ، وإلّا ففيه إشكال.

مسألة ١٠١٠ : لو أقرّ الأخ بولدٍ للميّت ، فالمال للولد.

فإن أقرّ بآخَر فإن صدّقه الأوّل فالتركة بينهما ، وإن كذّبه فالتركة للأوّل ، ويغرم النصف للثاني.

وإن أنكر الثاني الأوّلَ فإن أقرّ بثالثٍ وكان الأوّل قد كذّب الثاني ، فإن صدّقه الأوّل فللثالث نصف التركة ، وإن كذّبه الأوّل في الثالث أيضاً غرم الـمُقرّ للثالث الثلثَ.

٤٧١

ولو أقرّ الأخ بولدٍ ثمّ أقرّ بآخَر أيضاً ، فصدّقه الأوّل وأنكر الثاني الأوّلَ ، فالتركة للثاني ولا غرم.

ولو أقرّت الزوجة أو الزوج لولد الميّت وهناك إخوة مشهورون ، فإن صدّقهما الإخوة فللزوج أو الزوجة نصيبهما الأدنى ، والباقي للولد ، ولا شي‌ء للإخوة.

وكذا كلّ وارثٍ في الظاهر إذا أقرّ بمن هو أولى منه ، دفع ما في يده إلى الـمُقرّ له ، وإن أقرّ بمساوٍ فبالنسبة.

وإن كذّبهما الإخوة ، فلهم النصف مع الزوج ، وثلاثة الأرباع مع الزوجة ، وللزوج النصف يدفع نصفه إلى الولد ، وللمرأة الربع تدفع نصفه إلى الولد.

مسألة ١٠١١ : لو أقرّ الأخ بولدين دفعةً فصدّقه كلّ واحدٍ عن نفسه خاصّةً ، لم يثبت النسب ، ويثبت الميراث ، فيأخذ كلّ واحدٍ النصفَ ، ولو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى تناكرهما.

ولو خلّف الميّت أخوين فأقرّ أحدهما بولدٍ وكذّبه الآخَر ، أخذ الولد نصيبَ الـمُقرّ خاصّةً ، فإن أقرّ المنكر بآخَر دفع إليه ما في يده.

ولو أقرّ بزوجٍ لذات الولد أعطاه ربع ما في يده ، ولو لم يكن ولد أعطاه النصفَ.

فإن أقرّ بزوجٍ آخَر لم يُقبل ، فإن كذّب إقراره الأوّل غرم للثاني ما دفع إلى الأوّل.

وهل يثبت الغرم بمجرّد الإقرار أو بالتكذيب؟ الظاهر من كلام الأصحاب : الثاني.

ولو أقرّ بزوجةٍ لذي الولد أعطاها ثُمن ما في يده ، ولو لم يكن ولد‌

٤٧٢

أعطاها الربعَ.

فإن أقرّ بأُخرى فإن صدّقته الأُولى اقتسمتا ، وإلّا غرم لها نصف ما أخذت الأُولى من حصّته.

ولو أقرّ بثالثةٍ أعطاها الثلث ، فإن أقرّ برابعةٍ أعطاها الربع ، فإن أقرّ بخامسةٍ لم يلتفت إليه على إشكالٍ.

فإن أنكر إحدى الأربع غرم لها ربع الثُّمْن أو ربع الربع.

ولو كان إقراره بالأربع دفعةً واحدة ، ثبت نصيب الزوجيّة لهنّ ، ولا غرم ، سواء تصادقن أو لا.

مسألة ١٠١٢ : لو أقرّ الأخ من الأب بأخٍ من الأُمّ ، أعطاه السدس.

فإن أقرّ الأخ من الأُمّ بأخوين منها وصدّقه الأوّل ، سلّم الأخ من الأُمّ إليهما ثلث السدس بينهما بالسويّة ، ويبقى معه الثلثان ، وسلّم إليهما الأخ من الأب سدساً آخَر.

ويحتمل أن يسلّم الأخ من الأُمّ الثلثين ، ويرجع كلٌّ منهم على الأخ من الأب بثلث السدس.

ولو كذّبه فعلى الأوّل يكون للأوّل ثلثا السدس ، ولهما الثلث ، وعلى الثاني السدس بينهم أثلاثاً.

ولو أقرّ الولد بالزوجة أعطاها الثُّمْن ، فإن أقرّ بأُخرى أعطاها نصف الثُّمْن إذا كذّبته الأُولى ، فإن أقرّ بثالثةٍ فاعترفت الأُوليان بها واعترفت الثانية بالأُولى ، استعاد من الأُولى نصف الثُّمْن ، ومن الثانية سُدسَه ، فيصير معه ثلثا الثُّمن يسلّم إلى الثالثة منه ثلثاً ويبقى له ثلثٌ آخَر.

٤٧٣

ولو كان أحد المذكور ين عبداً أو كافراً فأقرّ الحُرّ المسلم بآخَر فأُعتق العبد أو أسلم الكافر قبل القسمة ، شارك ، وإلّا فلا.

ولو كذّب بعد زوال المانع أو قبله الثاني ، فلا شي‌ء له ، إلّا أن يرجع إلى التصديق.

ولو كان أحدهما غيرَ مكلّفٍ فأقرّ المكلّف بآخَر ، عزل لغير المكلّف النصف ، فإن اعترف بعد زوال المانع ، دفع الفاضل عن نصيبه ، وإن كذّب ملك المعزول.

ولو مات قبل الكمال وقد تخلّف السدس خاصّةً ، فإن كان قد أفرزه الحاكم للإيقاف فهو للمُقرّ له ، وإلّا فثلثاه.

مسألة ١٠١٣ : لو أقرّ أحد الولدين بابنٍ فأنكر الثاني ثمّ مات المنكر عن ابنٍ مصدَّق ، فالأقرب : ثبوت نسب العمّ.

ويحتمل العدم ، لكن يأخذ من تركة الميّت ما فضل عن نصيبه.

ولو أقرّ الولد بزوجةٍ وللميّت أُخرى ، فإن صدّقته الأُخرى فالثُّمن بينهما ، وإلّا فللأُخرى ، ولا غرم على إشكالٍ.

ولو أقرّ الأخ من الأُمّ بأخٍ إمّا من الأب أو من الأُمّ أو منهما ، فكذّبه الأخ من الأب ، فللمُقرّ حصّته كملاً.

وكذا لو أقرّ بأخوين من الأب أو منهما.

ولو كانا من الأُمّ فإنّه يدفع إليهما ثلث السدس ؛ لاعترافه بأنّهما شريكان في الثلث ، لكلٍّ منهما تُسْعٌ وفي يده تُسْع ونصف تُسْعٍ ، فيفضل في يده نصف تُسْعٍ.

ولو أقرّ الأخوان من الأُمّ بأخٍ منها ، دفعنا إليه ثلث ما في يدهما ،

٤٧٤

سواء صدّقهما الأخ من الأب أو كذّبهما.

ولو أقرّ به أحدهما خاصّةً ، دفع إليه ثلث ما في يده.

ولا اعتبار بتصديق الأخ من الأب أو تكذيبه ، لكن لو صدّق وكان عَدْلاً كان شاهداً ، فإن كان الـمُقرّ عَدْلاً ثبت النسب ، وإلّا فلا.

* * *

٤٧٥

الفصل السادس : في ا للواحق‌

مسألة ١٠١٤ : لو كانت جارية في يد إنسانٍ فجاء غيره وقال له : بعتك هذه الجارية بكذا وسلّمتُها إليك فأدِّ الثمن ، وقال المتشبّث : بل زوّجتنيها على صداق كذا وهو علَيَّ ، فإن جرى هذا التنازع وصاحب اليد لم يولدها ، حلف كلّ واحدٍ منهما على نفي ما يدّعيه الآخَر ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما مُدّعٍ وقد اتّفقا معاً على إباحة الوطء ، فإن حلفا سقط دعوى الثمن والنكاح ، ولا مهر ، سواء دخل بها صاحب اليد أو لم يدخل ؛ لأنّه وإن أقرّ بالمهر لمن كان مالكاً(١) فهو منكر له ، وتعود الجارية إلى المالك.

وفي جهة رجوعها احتمال بين أنّها تعود إليه ، كما يعود المبيع إلى البائع لإفلاس المشتري بالثمن ، وبين أنّها تعود بجهة أنّها لصاحب اليد بزعمه ، وهو يستحقّ الثمن عليه ، وقد ظفر بغير جنس حقّه من ماله.

وللشافعيّة وجهان(٢) كهذين.

فعلى هذا الثاني يبيعها ويستوفي ثمنها ، فإن فضل شي‌ء فهو لصاحب اليد ، ولا يحلّ له وطؤها.

وعلى الأوّل يحلّ له وطؤها والتصرّف فيها ، ولا بدّ من التلفّظ بالفسخ.

____________________

(١) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مالكها ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ - ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٧.

٤٧٦

وإن حلف أحدهما دون الآخَر ، فإن حلف مدّعي الثمن على نفي التزويج ونكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء ، حلف المدّعي اليمينَ المردودة على الشراء ، ووجب الثمن.

وإن حلف صاحب اليد على نفي الشراء ونكل الآخَر عن اليمين على نفي التزويج ، حلف صاحب اليد اليمينَ المردودة على النكاح ، وحُكم له بالنكاح وبأنّ رقبتها للآخَر.

ثمّ لو ارتفع النكاح بطلاقٍ أو غيره ، حلّت للسيّد في الظاهر ، وكذا في الباطن إن كان كاذباً.

وعن بعض الشافعيّة : إنّه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه ، اكتفي من الثاني بيمينٍ واحدة يجمع فيها بين النفي والإثبات(١) .

والمشهور عند الشافعيّة : الأوّل(٢) .

مسألة ١٠١٥ : لو جرى هذا التنازع وصاحب اليد قد أولدها ، فالولد حُر ، والجارية أُمّ ولدٍ له باعتراف المالك القديم وهو يدّعي الثمن ، فيحلف صاحب اليد على نفيه ، فإن حلف على نفي الشراء سقط عنه الثمن المدّعى.

وهل يرجع المالك عليه بشي‌ء؟ فيه احتمال أن يرجع بأقلّ الأمرين من الثمن أو المهر ؛ لأنّه يدّعي الثمن وصاحب اليد يُقرّ له بالمهر ، فالأقلّ منهما [ متّفق ](٣) عليه ، وأن لا يرجع عليه بشي‌ء ؛ لأنّ صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه ، والمهر الذي يُقرّ به لا يدّعيه الآخَر ، فلا يتمكّن من المطالبة به.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « متيقّن ». والمثبت هو الصحيح.

٤٧٧

وللشافعيّة (١) كهذين الاحتمالين.

وهل لصاحب اليد تحليف المالك على نفي الزوجيّة بعد ما حلف على نفي الشراء؟ فيه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : لا ؛ لأنّه لو ادّعى ملكها وتزويجها بعد اعترافه أنّها أُمّ ولدٍ للآخَر لا يُقبل منه فكيف يحلف على ما لو أقرّ به لم يُقبل!؟

والثاني : نعم ، طمعاً في أن ينكل فيحلف فيثبت له النكاح(٢) .

ولو نكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء ، حلف المالك القديم اليمينَ المردودة ، واستحقّ الثمن.

وعلى كلّ حال فالجارية مقرّرة في يد صاحب اليد وأنّها أُمّ ولده أو زوجته ، وله وطؤها في الباطن ، وفي الحلّ ظاهراً وجهان للشافعيّة :

أظهرهما عندهم : الحلّ.

ووجه المنع : إنّه لا يدري أنّه أيطأ زوجته أو أمته؟ وإذا اختلفت الجهة وجب الاحتياط للبُضْع ، كما قال الشافعي [ فيما ](٣) إذا اشترى زوجته بشرط الخيار : إنّه لا يطأها في زمن الخيار ؛ لأنّه لا يدري أيطأ زوجته أو أمته؟(٤) .

واعتذر الجويني عن قول الشافعي هذا ، وقال : ليس المنع من الوطئ في هذه الصورة لاختلاف الجهة ، بل لأنّ الملك في زمن الخيار للمشتري على قولٍ ، وإذا ثبت الملك انفسخ النكاح ، والملك الثابت ضعيف لا يفيد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إنّه » والمثبت من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٨ - ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٨.

٤٧٨

حلّ الوطىء (١) .

ونفقتها على صاحب اليد إن جوّزنا له الوطء ، وإلّا فللشافعي قولان :

أحدهما : إنّها على المالك القديم ؛ لأنّها كانت عليه ، فلا يُقبل قوله في سقوطها وإن قُبِل فيما عليه ، وهو زوال الملك وثبوت الاستيلاد.

وأصحّهما عندهم : إنّها في كسب الجارية ، ولا يُكلّف بها المالك القديم ، كما لا يُكلّف نفقة الولد وإن كانت حُرّيّته مستفادةً من قوله أيضاً ، فعلى هذا لو لم يكن لها كسبٌ كانت من محاويج المسلمين(٢) .

ولو ماتت الجارية قبل موت المستولد ، ماتت قِنّةً ، وللمالك القديم أخذ الثمن ممّا تركته من كسبها ؛ لأنّ المستولد يقول : إنّها بأسرها له ، وهو يقول : إنّها للمستولد وله عليه الثمن ، فيأخذ حقّه منها ، والفاضل موقوف لا يدّعيه أحد.

وإن ماتت بعد موت المستولد ، ماتت حُرّةً ، ومالُها لوارثها النسيب ، فإن لم يكن فهو موقوف ؛ لأنّ الولاء لا يدّعيه واحد منهما ، وليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها ؛ لأنّ الثمن بزعمه على المستولد ، وهي قد عُتقت بموته ، فلا يؤدّى دَيْنه ممّا جمعَتْه بعد الحُرّيّة.

هذا كلّه فيما إذا أصرّا على كلاميهما ، أمّا إذا رجع المالك القديم وصدّق صاحبَ اليد ، لم يُقبل في حُرّيّة الولد وثبوت الاستيلاد ، فيكون اكتسابها له ما دام المستولد حيّاً ، فإذا مات عُتقت ، وكان اكتسابها لها.

ولو رجع المستولد وصدّق المالكَ القديم ، لزم الثمن ، وكان ولاؤها‌ له.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٨.

٤٧٩

مسألة ١٠١٦ : إذا أقّر الورثة بأسرهم بدَيْنٍ على الميّت أو بشي‌ء من ماله للغير ، كان مقبولاً‌ ؛ لأنّه كإقرار الميّت ، وذلك لأنّ الإقرار هنا في الحقيقة على أنفسهم ؛ لانتقال التركة إليهم.

ولو أقرّ بعض الورثة عليه بدَيْنٍ وأنكر البعض ، فإن أقرّ اثنان وكانا عَدْلين ثبت الدَّيْن على الميّت بشهادتهما.

وإن لم يكونا عَدْلين ، نفذ إقرار الـمُقرّ في حقّ نفسه خاصّةً ، ويؤخذ منه من الدَّيْن الذي أقرّ به بنسبة نصيبه من التركة ، فإذا كانت التركة مائةً ونصيب الـمُقرّ خمسين فأقرّ الوارث بخمسين للأجنبيّ وكذّبه الآخَر الذي نصيبه أيضاً خمسون ، أُخذ من نصيب الـمُقرّ خمسة وعشرون ، وهو القدر الذي يصيبه من الدَّيْن ؛ لأنّا نبسط جميع الدَّيْن على جميع التركة ، وقد أصاب الـمُقرّ من التركة نصفها ، فعليه نصف الدَّيْن - وبه قال الشافعي في الجديد(١) - لأنّ الوارث لا يُقرّ بالدَّيْن على نفسه ، وإنّما يُقرّ على الميّت بحكم الخلافة عنه ، فلا ينفذ إقراره إلاّ بقدر الخلافة ، ولأنّ أحد الشريكين في العبد إذا أقرّ بجنايةٍ لم يلزمه إلّا بقدر حصّته ، فكذا هنا.

وفي قديم الشافعي : إنّ على الـمُقرّ توفيةَ جميع الدَّيْن من نصيبه من التركة ، فإن كان وافياً ، وإلّا صُرف جميع نصيبه في الدَّيْن - وبه قال أبو حنيفة - لأنّ الدَّيْن مقدَّم على الميراث ، فإذا أقرّ بدَيْنٍ على الميّت ، لم يحل أخذ شي‌ء من التركة ما بقي شي‌ء من الدَّيْن - وبه قال ابن سريج من الشافعيّة - لأنّ الـمُقرّ في نصيبه لا يقصر عن الأجنبيّ في جملة التركة ،

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٣٢٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٠٨ / ١٩٠٣.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

٦٩٣ ـ اغتنموا الفرص فإنها تمرّ مرّ السحاب :

(سيد الشهداء للسيد مصطفى الاعتماد ، ص ٦٣)

لقد صدق الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حيث قال :

«اغتنموا الفرص ، فإنها تمرّ مرّ السحاب».

وأية فرصة مواتية كهذه الفرصة التي سنحت لعبيد الله بن الحر الجعفي ، حيث جاءه الحسينعليه‌السلام يتخطى الأرض بقدميه ، وهو يدعوه إلى النجاة والتشرف بمثل هذا المصرع العظيم الّذي تتمناه الملايين من البشر ، فيعرض عنها ، ويندم بعده بما يشاء الندم ، فلم ينفع الظالمين الندم ، بعد تفويتهم الفرصة ، مكابرة وعنادا ، أو تجهّلا وغباء( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٥٢) [غافر : ٥٢].

٦٩٤ ـ شخصان يعتذران عن نصرة الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٢٦ ط ٣ نجف)

وفي هذا الموضع اجتمع بالحسينعليه‌السلام عمرو بن قيس المشرقي وابن عمه ، فقال لهما الحسينعليه‌السلام : جئتما لنصرتي؟. قالا له : إنا كثيرو العيال ، وفي أيدينا بضائع للناس ، ولم ندر ماذا يكون ، ونكره أن نضيّع الأمانة.

فقال لهماعليه‌السلام : انطلقا فلا تسمعا لي واعية ، ولا تريا لي سوادا ، فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا ، فلم يجبنا أو يغثنا ، كان حقا على اللهعزوجل أن يكبّه على منخريه في النار(١) .

٦٩٥ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع ابنه علي الأكبرعليه‌السلام وقد رأى رؤيا أثناء رحيله من قصر بني مقاتل :

(لواعج الأشجان ، ص ٨٧)

فلما كان آخر الليل أمر الحسينعليه‌السلام فتيانه فاستقوا من الماء ، ثم أمر بالرحيل.ثم ارتحل من (قصر بني مقاتل) ليلا.

__________________

(١) عقاب الأعمال للصدوق ص ٣٥ ؛ ورجال الكشّي ص ٧٤.

٥٨١

قال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة ، فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة(١) [الخفقة : النومة اليسيرة] ثم انتبه ، وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين. وكرر ذلك مرتينأو ثلاثا.

فأقبل إليه ابنه علي بن الحسينعليهما‌السلام فقال : يا أبة جعلت فداك ، ممّ حمدت واسترجعت؟. قال : يا بني إني خفقت برأسي خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.

فقال له علي الأكبرعليه‌السلام : يا أبة لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق؟!. قال :بلى والذي إليه مرجع العباد. قال : إذن لا نبالي أن نموت محقّين. فقال له الحسينعليه‌السلام : جزاك الله من ولد ، خير ما جزى ولدا عن والده.

[قرى طف كربلاء]

«نينوى»

٦٩٦ ـ الحسينعليه‌السلام يتياسر حتّى يصل إلى نينوى :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٨٨)

فلما أصبح الحسينعليه‌السلام نزل فصلى الغداة ، ثم عجّل الركوب. فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّ بهم ، فيأتيه الحرّ فيردّه وأصحابه. فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردا شديدا يتياسرون كذلك ، حتّى انتهوا إلى (نينوى).

٦٩٧ ـ كتاب ابن زياد إلى الحر بالتضييق على الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فإذا براكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا ، مقبل من الكوفة ، وهو مالك بن النّسر الكندي ، فوقفوا جميعا ينتظرونه. فلما انتهى إليهم سلّم على الحر وأصحابه ، ولم يسلّم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه. ودفع إلى الحر كتابا من ابن

__________________

(١) كذا في تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣١ ؛ وفي مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢٢٦ ومناقب ابن شهراشوب ج ٢ ص ٢٤٥ : أن الحسينعليه‌السلام رأى ذلك في (الثعلبية). وفي مقتل العوالم ص ٤٨ أنهعليه‌السلام نام القيلولة في (العذيب) ، ومثل ذلك في مقتل أبي مخنف ص ٤٨. ذكر هذا كله السيد المقرم في مقتله من حاشية ص ٢٢٧.

٥٨٢

زياد ، فإذا فيه : أما بعد ، فجعجع بالحسين [أي ضيّق عليه واحبسه] حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء ، في غير حصن ولا ماء. (وفي مثير ابن نما : لأنه عات ظلوم). وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتّى تأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.

٦٩٨ ـ الحر يمنع الحسينعليه‌السلام من نزول (نينوى) أو (الغاضرية) أو (شفية)(١) :

(المصدر السابق)

فعرض لهم الحر وأصحابه ومنعوهم من المسير ، وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان ، على غير ماء ولا قرية.

فقال الحسينعليه‌السلام : ويلك ما دهاك ، ألست قد أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق ، فأخذنا وقبلنا مشورتك؟. فقال الحر : صدقت يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن هذا كتاب الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك.

فقال له الحسينعليه‌السلام : دعنا ويحك ننزل هذه القرية (يعني : نينوى) أو هذه (يعني : الغاضرية) أو هذه (يعني : شفية). فقال : لا أستطيع ، هذا رجل قد بعث عليّ عينا.

٦٩٩ ـ من كلام لهعليه‌السلام وقد دعاه زهير بن القين إلى مبادءة أصحاب الحر بالقتال بعد أن منعوه من نزول نينوى :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)

فقال للحسينعليه‌السلام رجل من أصحابه يقال له زهير بن القين البجلي :

يابن رسول الله ذرنا نقاتل هؤلاء القوم ، فإن قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا معهم بعد هذا(٢) فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. فقال له الحسينعليه‌السلام : صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت لأبدأهم بالقتال حتّى يبدؤوني.

__________________

(١) انظر التعريف ببعض قرى الطف بعد قليل ، مع المصور الجغرافي لفرع نهر الفرات المار قريبا من كربلاء ، والمسمى : نهر العلقمي (الشكل ١١).

(٢) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٧ ط نجف.

٥٨٣

فقال له زهير : فسر بنا حتّى ننزل كربلاء(١) فإنها على شاطئ الفرات ، فنكون هناك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا بالله عليهم. فدمعت عينا الحسينعليه‌السلام حين ذكر (كربلاء) وقال : الله م إني أعوذ بك من الكرب والبلاء.

(وفي مقتل المقرم ، ص ٢٢٨) : قال زهير بن القين : يابن رسول الله إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به. فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بقتال. ثم قال زهير : ههنا قرية بالقرب منا على شط الفرات ، وهي في عاقول(٢) حصينة ، والفرات يحدق بها إلا من وجه واحد.قال الحسينعليه‌السلام : ما اسمها؟. فقال : تسمى العقر(٣) . فقالعليه‌السلام : نعوذ بالله من العقر. والتفت الحسين إلى الحر وقال : سر بنا قليلا ثم ننزل. فساروا جميعا حتّى إذا أتوا أرض كربلاء وقف الحر وأصحابه أمام الحسينعليه‌السلام ومنعوهم عن المسير ، وقالوا : إن هذا المكان قريب من الفرات.

ويقال : بينا هم يسيرون إذ وقف جواد الحسينعليه‌السلام ولم يتحرك ، كما أوقف الله ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الحديبية. فعندها سأل الحسين عن الأرض؟ فقال له زهير : سر راشدا ولا تسأل عن شيء حتّى يأذن الله بالفرج. إن هذه الأرض تسمى الطف(٤) . فقالعليه‌السلام : فهل لها اسم غيره؟. قال : تعرف كربلاء. فدمعت عيناه وقال : الله م أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ههنا محطّ ركابنا ومسفك دمائنا

__________________

(١) كربلاء : موضع في طريق البرية عند الكوفة. وتقع كربلاء على خط الطول ٤٣ درجة و ٥٥ دقيقة شرقي غرينتش ، وعلى خط العرض ٣٤ درجة و ٤٥ دقيقة شمال خط الاستواء ، في المنطقة المعتدلة الشمالية. وذكر المؤرخون أن كربلاء كانت في عهد البابليين معبدا ، وأن اسمها محرّف من كلمتي (كرب) بمعنى معبد أو مصلّى أو حرم ، و (أبلا) بمعنى (إله) باللغة الآرامية ، فيكون معناها (حرم الإله).

(٢) العاقول : منعطف الوادي والنهر.

(٣) جاء في كتاب (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ١٢٨ أن هناك قريتين مندرستين تقعان على الفرات جنوب الأنبار (الفلوجة اليوم) يقال لهما عقر الغربي ، وهي التي أشار إليها زهير على الحسينعليه‌السلام أن ينزل بها.

(٤) الطف في اللغة : ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. وسمي (الطف) لأنه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء ، بمعنى أطلّ. وطف الفرات : هو الشاطئ الّذي به قتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، وهي أرض بادية قريبة من الريف.

٥٨٤

ومحل قبورنا. (وفي لواعج الأشجان ، ص ١٠٣ : ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا) بهذا حدّثني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

٧٠٠ ـ تعريف ببعض قرى طف كربلاء :

ينقسم نهر الفرات عند وصوله إلى منطقة كربلاء إلى فرعين :

ـ الأول : فرع شرقي ، يشكل شط الحلة أو (سورا).

ـ الثاني : فرع غربي ، يشكل نهر العلقمي ، وهو يمرّ قريبا من كربلاء في الشمال ، ثم يمرّ من الكوفة في الجنوب ، وكان لذلك يسمى : شط الكوفة ، ويسمى اليوم شط (الهندية).

ويقع على نهر العلقمي في الشمال تجمّع قرى طف كربلاء (انظر الشكل ١١ التالي) مثل : نينوى والغاضرية وشفية والعقر.

ـ فأما (نينوى) : فتقع شرق كربلاء على الضفة الشرقية لنهر نينوى ، الّذي يتفرع عن الفرات الأصلي.

وقال شيخنا المظفر : كانت نينوى قرية مسكونة ، وأراد الحسينعليه‌السلام النزول بها ، فمنعه الحر.

وفي (مجلة المقتبس ، ج ١٠ سنة ١٣٣٠ ه‍) : كانت نينوى من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف عمرانها زمن الإمام الصادقعليه‌السلام . وفي أوائل القرن الثالث لم يبق لها خبر.

ومنطقة نينوى تمتد من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء. ولا بأس أن ننوه بأن نينوى هذه هي غير (نينوى) التي في شمال العراق ، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محاذاة الموصل.

ـ وأما (الغاضرية) أو الغاضريات : نسبة إلى غاضرة ، وهي امرأة من بني عامر ، وهم بطن من أسد ، كانوا يسكنون هذه الأرض. وتقع اليوم شمالي

(الهيابي) التي فيها مصانع الآجر. وتبعد شمالا عن بلدة كربلاء كيلومترا تقريبا ، وهي تمتد من (لجنقة) فما دونها إلى بلدة كربلاء.

ـ وأما (شفية) : فهي بئر لبني أسد.

ـ وأما (العقر) : فقد كانت بها منازل بخت نصّر.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٠ ص ١٨٨ ؛ واللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٤٥.

٥٨٥

(الشكل ١١) : خارطة كربلاء يوم ورود الحسين (ع) إليها

مأخوذة من كتاب (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء للسيد عبد الحسين الكليدار)

(الشكل ١٢) مصور الحائر الحسيني والمخيّم والقبر الشريف

٥٨٦

٧٠١ ـ جواد الحسينعليه‌السلام يتوقف عن المسير في كربلاء :

(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٤٣٩ ط ٢)

فسار الحسينعليه‌السلام والحر ، حتّى انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف الجواد الّذي تحت الحسينعليه‌السلام ولم ينبعث من تحته ، وكلما حثّه على المسير لم ينبعث خطوة واحدة. فقال الإمامعليه‌السلام : يا قوم ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : نينوى.فقال : هل لها اسم غير هذا؟. قالوا : نعم ، تسمى (كربلاء). فعند ذلك تنفّس الصعداء ، فقال : هذه والله كرب وبلاء. ههنا والله ترمّل النسوان ، وتذبّح الأطفال ، وههنا والله تهتك الحريم. فانزلوا بنا يا كرام. فههنا محل قبورنا ، وههنا والله محشرنا ومنشرنا ، وبهذا أوعدني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا خلف لوعده.

٧٠٢ ـ ما اسم هذه الأرض؟ :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٧)

ذكر الدميري في (حياة الحيوان) أن الحسينعليه‌السلام لما وصل إلى كربلاء سأل عن اسم المكان؟. فقالوا له : كربلاء ، فقال : كرب وبلاء. لقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين ، وأنا معه. فوقف ، وسأل عن هذا المكان؟. وقال : ههنا محطّ ركابهم ، وههنا مهراق دمائهم. فسئل عن ذلك؟. فقال : نفر من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلون ههنا ثم أمر بأثقاله فحطّت في ذلك المكان.

٧٠٣ ـ سؤال الحسينعليه‌السلام عن اسم كربلاء ، وخبر القارورة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٩ ط ٢ نجف)

ثم قال الحسينعليه‌السلام : ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : كربلا ، ويقال لها أرض نينوى ، قرية بها. فبكى ، وقال : كرب وبلاء. أخبرتني أم سلمة قالت : كان جبرئيل عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت معي ، فبكيت ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعي ابني ، فتركتك. فأخذك ووضعك في حجره. فقال جبرئيل : أتحبه؟. قال : نعم. قال : فإن أمتك ستقتله!. قال : وإن شئت أن أريك تربة أرضه التي يقتل فيها؟. قال : نعم.قالت : فبسط جبرئيل جناحيه على أرض كربلاء فأراه إياها.

فلما قيل للحسينعليه‌السلام : هذه أرض كربلاء ، شمّها وقال : هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنني أقتل فيها. (وفي رواية) :فقبض منها قبضة فشمّها.

٥٨٧

٧٠٤ ـ أول نزول الحسينعليه‌السلام كربلاء :

(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين الموسوي الحائري ، ص ١١٧)

قال في (روضة الشهداء) : فلما سمع الحسينعليه‌السلام باسم [كربلاء] نزل عن الفرس. فلما وطئ الأرض بأقدامه الشريفة تغيّر لون التراب وصار كلون الزعفران ، وسطع منه غبار علا وجهه ولحيته بحيث اغبرّ رأسه ولحيته الشريفة. فنظرت أم كلثومعليها‌السلام إليه ، قالت : واعجباه من هذه البيداء ، ما أشدّ وأعظم هولها ، أرى منها هولا عظيما. فسلّاها الحسينعليه‌السلام .

٧٠٥ ـ الحسينعليه‌السلام ينعى نفسه :(المصدر السابق)

وفي بعض كتب التواريخ : أن الحسينعليه‌السلام أخذ من تراب كربلاء وشمّها ، وقال : ههنا والله تخضب لحيتي بدمي. ههنا والله تقطّع أوداجي ، ويعزّى جدي وأبي وأمي من ملائكة السماء. هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيلعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأني أقتل فيها.

٧٠٦ ـ نزول كربلاء :

(في سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٣٠٨) : فعدل الحسينعليه‌السلام

إلى كربلاء ، وأسند ظهره إلى [قصميا] ، (وفي تذكرة الخواص لسبط

ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ : إلى [قصب]) حتّى لا يقاتل إلا من وجه واحد. وكان معه خمسة وأربعون فارسا ، ونحو من مئة راجل.

٧٠٧ ـ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج ٢ ، ص ٥)

قال : فلقيه الجيش على خيولهم بوادي السباع ، فلقوهم وليس معهم ماء.فقالوا : يابن بنت رسول الله ، اسقنا. قال : فأخرج لكل فارس صحفة من ماء ، فسقاهم بقدر ما يمسك برمقهم. ثم قالوا : سر يابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما زالوا يرجونه ، وأخذوا به على الجرف ، حتّى نزلوا بكربلاء.

فقال الحسينعليه‌السلام : أي أرض هذه؟. قالوا : كربلاء. قال : هذا كرب وبلاء.قال : فنزلوا وبينهم وبين الماء ربوة ، فأراد الحسينعليه‌السلام وأصحابه الماء ، فحالوا بينهم وبينه!. فقال له شهر بن حوشب : لا تشربوا منه حتّى تشربوا من الحميم!.

٥٨٨

الباب الخامس

في كربلاء

الفصل ١٨ ـ كربلاء ونزول كربلاء

ـ اليوم الثالث من المحرّم : لقاء عمر بن سعد

ـ اليوم السادس من المحرم : تجهيز الجيوش

ـ اليوم السابع من المحرم : الحصار ومنع الماء

الفصل ١٩ ـ اليوم التاسع من المحرّم : خطبة امتحان الأصحاب

ـ ليلة العاشر من المحرم : صلاة ودعاء

الفصل ٢٠ ـ يوم عاشوراء : خطبة الحسينعليه‌السلام الأولى والثانية

ـ فهارس الجزء الأول من الموسوعة

٥٨٩
٥٩٠

الفصل الثامن عشر

في كربلاء

(الخميس ٢ محرم سنة ٦١ ه‍)

وكان نزول الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم الخميس الثاني من شهر المحرّم سنة ٦١ هجرية. وقد قطع في مسيرته ستة عشر منزلا ، مكث في بعضها يوما أو يومين أو ثلاثة أيام ، وكان مجموع سفره ٢٤ يوما.

* تعريف بالباب الخامس :

يشمل هذا الباب إقامة الحسينعليه‌السلام في كربلاء من اليوم الثاني من المحرم وحتى اليوم العاشر منه ، حين وضع عمر بن سعد السهم في كبد قوسه ، وقال :اشهدوا لي عند الأمير أنني أول من رمى. فينتهي بذلك الجزء الأول من الموسوعة ، ليبدأ الجزء الثاني مع بداية القتال يوم عاشوراء.

وسوف يتمّ تقسيم هذا الباب إلى فصول متميزة حسب التوقيت الزمني للأيام التسعة التي قضاها الحسينعليه‌السلام في كربلاء ففي اليوم الثاني قامعليه‌السلام بنصب الخيام وترتيبها. وفي اليوم الثالث التقى مع طلائع جيش عمر بن سعد الذين جاؤوا لقتاله. وفي اليوم السادس وردت عليه الجيوش إلى كربلاء حتّى تكاملت ثلاثين ألفا. وفي اليوم السابع جاء الأمر من ابن زياد بمنع الماء عن الحسينعليه‌السلام ، فنزل عمرو بن الحجاج واستحل مشرعة الفرات ، وبدأ الحصار على الحسينعليه‌السلام .وفي الأثناء كانت المفاوضات تتمّ بين الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد دون جدوى.وفي اليوم التاسع من المحرم بدأ زحف الجيش الأموي نحو مخيّم الحسينعليه‌السلام ، فطلب منهم الحسينعليه‌السلام بواسطة أخيه العباس الإمهال إلى اليوم التالي ليقضوا آخر ليلة من حياتهم بالصلاة والدعاء. ثم يشمل الفصل الأخير حوادث اليوم العاشر من المحرم ، من الصباح وحتى بدء القتال بعد صلاة الظهر وسوف نبدأ هذا الباب بإعطاء لمحة عن نهر الفرات ، ثم عن كربلاء : تاريخها وجغرافيتها وفضلها.

٥٩١

«نهر الفرات»

٧٠٨ ـ مجرى نهر الفرات :

ينبع نهر الفرات من تركيا ، ثم يمرّ بسورية حيث يرفده البليخ عند الرقة ، والخابور عند البصيرة. ثم يدخل الأراضي العراقية عند (البوكمال) فيمرّ بعانة وهيت والرمادي [انظر المصور] ثم الفلوجة والمسيّب ، حيث ينقسم إلى فرعين.

(الشكل ١٣) : مجرى نهر الفرات ودجلة

يقول الأستاذ طه الهاشمي في كتابه (مفصّل جغرافية العراق) ص ١٤٧ : وفي جنوب قرية المسيّب الواقعة على الضفة اليسرى ، ينقسم نهر الفرات إلى فرعين :الفرع الغربي ويسمى بشط الهندية ، والفرع الشرقي ويسمى بشط الحلة.

وفى شمال (السماوة) قليلا يجتمع الفرعان معا [انظر الشكل ١٣ و ١٤].

٥٩٢

وعندما قلّت المياه في شط الحلة ، شيّدوا سدة الهندية لتوزيع المياه بشكل متساو على الفرعين. وهو يقع جنوب المسيب وعلى بعد ٥ أميال ، حيث يفترق الفرعان.

وقد كان شط الهندية يدعى قديما (شط الكوفة) لأنه يمرّ من الكوفة. وقد سماه بعض المؤرخين العرب : نهر العلقمي أيضا.

وبعد اجتماع الفرعين ، يلتقي نهر الفرات بنهر دجلة في شط العرب الّذي يصب في الخليج العربي [طول نهر الفرات الكلي ٢٧٣٦ كم].

يقول المسعودي في (التنبيه والإشراف) : ثم ينقسم الفرات إلى جهتين : قسم منهما يتوجه يسيرا نحو المغرب يسمى (العلقمي) يمرّ بالكوفة وغيرها ، والقسم الآخر يسمى (سورا) يمرّ بمدينة سورا ، ويسقي كثيرا من أعمال السواد.

ولا بأس أن ننوه بأن مجاري الأنهار القديمة تختلف كثيرا عن مجاريها الحالية ، بفعل العوامل الطبيعية ، فكم من أنهار قد انتقلت من مكانها إلى مكان آخر ، وكم من شاطئ كان بحرا في الماضي ثم أصبح اليوم أرضا يابسة ، كما حصل لمصب شط العرب في الخليج ، فقد كانت البصرة في الماضي ميناء على البحر ، واليوم تبعد عنه عدة كيلومترات.

وأغلب الظن أن مجرى نهر الفرات الّذي كانت الكوفة عليه ، قد ابتعد باستمرار باتجاه الشرق حتّى أصبح على ما هو عليه اليوم.

٧٠٩ ـ نهر العلقمي :(نهضة الحسين لهبة الدين الشهرستاني ، ص ٩٠)

يقول السيد هبة الدين : وأما نهر الفرات ، فكان عموده الكبير ينحدر من أعاليه يسقي القرى إلى ضواحي الكوفة. وكذلك ينشق من عمود النهر من شمالي المسيب نهر كفرع منه ، يسيل على بطاح ووهاد شمال شرقي كربلاء ، حتّى ينتهي إلى قرب مثوى سيدنا العباسعليه‌السلام ثم إلى نواحي الهندية ، ثم ينحدر فيقترن بعمود الفرات في شمال غربي قرية ذي الكفل ، ويسمى حتّى اليوم (العلقمي).

وفي (مدينة الحسين) لمحمد حسن مصطفى آل كليدار ، ج ٢ ص ٤ ، يقول :

سمي فرع الفرات القريب من كربلاء (بالعلقمي) لأحد سببين :

١ ـ ذهب فريق من المؤرخين إلى الاعتقاد بأن القسم المحاذي من هذا النهر لطف كربلاء قد كلّف بحفره رجل من بني علقمة ، بطن من تميم ، جدهم علقمة بن زرارة بن عدس ، فسمي النهر (بالعلقمي).

٥٩٣

(الشكل ١٤) : مصور نهر دجلة والفرات ، والمواقع الهامة عليهما

٥٩٤

٢ ـ والفريق الثاني من المؤرخين قالوا : سمي النهر بالعلقمي لكثرة شجر العلقم (الحنظل) حول حافتي النهر. ذكر ذلك النويري في كتابه (بلوغ الأرب في فنون الأدب).

ونهر العلقمي هو الّذي ملكه عمرو بن الحجاج بأمر من ابن زياد ، فبعث خمسمائة من خيله فاستحلوه ، ومنعوا الحسينعليه‌السلام من الوصول إليه منذ اليوم السابع. وقد حاول العباسعليه‌السلام الاستسقاء منه أكثر من مرة ، وفي المرة الأخيرة استشهد وهو راجع منه ، يحمل القربة إلى الأطفال الظمأى والنساء العطشى. وكان على ضفة النهر بعض النخيل.

وقد صاغ بعض الشعراء أبياتا فيها تورية بين (العلقمي) والعلقم ، مؤداها أن نهر العلقمي ليته كان علقما إذ لم يشرب منه العباسعليه‌السلام حين ذهب للاستسقاء ، فقتل قرب النهر دون أن يشرب ، يقول :

وهوى بجنب العلقميّ فليته

للشاربين به يداف العلقم

وفي حين نقل الحسينعليه‌السلام كل المستشهدين إلى مكان واحد قريبا من المخيم ، فإن العباس هو الوحيد الّذي ترك في مكانه ، ودفن في مكان استشهاده الّذي يبعد ٣٥٠ مترا شرق مرقد الحسينعليه‌السلام وقريبا من النهر.

ملفّ كربلاء

٧١٠ ـ مدينة كربلاء :

(أضواء على معالم محافظة كربلاء لمحمد النويني ، ص ٢٥)

تقع مدينة كربلاء في الجنوب الغربي من بغداد ، على بعد ١٠٥ كم ، وتقع شمال غرب الكوفة على بعد ٧٢ كم. وهي تقع في بقعة يحيط بها النخيل الوارف ، تحفّها بساتين الفاكهة. وفيها مرقد مولانا الحسينعليه‌السلام وأخيه العباسعليه‌السلام بمنائرهما وقبابهما الذهبية.

والملاحظ أن كربلاء بعيدة قليلا عن ماء الفرات (نهر العلقمي). ويسمى المكان الّذي نزل فيه الحسينعليه‌السلام يوم الثاني من المحرم وخيّم فيه هو وأصحابه (بالمخيّم) ويقع جنوب غرب مرقد الحسينعليه‌السلام . ويسمى الجزء من نهر العلقمي القريب من المرقد (المسنّاة) وهو الّذي حاول العباسعليه‌السلام الاستسقاء منه وقتل قريبا منه ، حيث قبره الآن (انظر الشكل ١٢).

٥٩٥

٥٩٦

ويخترق اليوم مدينة كربلاء طولا فرع من نهر الحسينية لتأمين الشرب ، وهو يتفرع عن الفرات بالقرب من سدّ الهندية.

ويبلغ تعداد مدينة كربلاء حوالي مائة ألف نسمة ، وهي أصغر من النجف حيث قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولم تكن كربلاء في العهد القديم قبل الفتح الاسلامي بلدة تستحق الذكر ، بل كانت قرية بسيطة عليها مزارع وضياع الدهّاقين الفرس.

٧١١ ـ حال كربلاء قبل الإسلام :(الأرض والتربة الحسينية ، ص ٣٧)

يصف أحدهم مزايا هذه الأرض الطبيعية وما كان لها من المكانة والحرمة عند الأمم القديمة قبل الإسلام بقوله : وإن أسمى تلك البقاع وأنقاها تربة ، وأطيبها طينة ، وأزكاها نفحة ، هي تربة كربلاء ، تلك التربة الحمراء الزكية ، وكانت قبل الإسلام قد اتخذت نواويس ومعابد ومدافن للأمم الغابرة ، كما يشير به كلام الإمام الحسينعليه‌السلام في خطبته حيث يقول : «كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين (النواويس) وكربلاء».

٧١٢ ـ مكانة كربلاء بعد الاسلام :

مدينة كربلاء المقدسة من أهم مدن العراق ، تمتاز بقدسيتها وبتاريخها الحافل بالأمور العظام والحوادث الجسام.

فقد أخبرتنا الأسفار التاريخية عن معارك خطيرة دارت رحاها في ربوع هذه المحافظة ، منها معركة القادسية بين العرب والفرس سنة ١٤ ه‍ ، التي انتصر فيها المسلمون على أعظم امبراطورية فارسية ، بقيادة سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر ابن الخطاب. والقادسية تبعد عن الكوفة جنوبا بمقدار مرحلة [أي حوالي ٤٥ كم].

ثم كانت معركة كربلاء سنة ٦١ ه‍ ، التي كانت أكبر معركة تصحيحية في صدر الإسلام. فزادت قدسية كربلاء منذ أن حلّ فيها ثاني السبطين وريحانة رسول الله الحسينعليه‌السلام .

٧١٣ ـ اشتقاق اسم كربلاء :

تعددت الآراء حول أصل تسمية (كربلاء) نذكر منها ستة آراء :

١ ـ فالكربلة : رخاوة في القدمين ، يقال : جاء يمشي مكربلا. فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة ، فسميت كربلاء.

٥٩٧

٢ ـ ويقال كربلت الحنطة : إذا هذّبتها ونقّيتها. فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدّغل ، فسميت بذلك.

٣ ـ الكربل : اسم ورد أحمر ، قد نبت في هذه الأرض ، فسميت الأرض باسم كربلاء.

٤ ـ وقيل : إن اسمها مأخوذ من كرب وبلاء ، لأنها من أول ما خلقت هذه الأرض كانت محلا للبلاء والهول والاضطراب حتّى أن كل من كان يمرّ بها كانت تحدث له أشياء عجيبة ، ويشعر بالغم والهم حتّى يخرج منها.

وتذكر الروايات أن أكثر الأنبياء مرّوا بها ، منهم آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إضافة لآخرين مثل الإمام عليعليه‌السلام وسلمان وغيرهما.

٥ ـ إن (كربلاء) لها جذر ديني قديم ، وهي مركبة من كلمتين : (كرب) بمعنى حرم ، و (ابلا) بمعنى الإله ، أي أنها (حرم الإله) ، وهو لفظ آشوري ، مما يدل على أنه كان هناك فيها حرم إله يعبد.

ويذكر السيد إبراهيم الزنجاني في (وسيلة الدارين) ص ٧٣ أن أصل الكلمة معبد ، فيقول : يرجع تاريخ كربلاء إلى عهد البابليين ، وقد كانت معبدا لسكان بلدين هما : نينوى ، وعقر بابل ، بابل الكلدانيين الواقعين بالقرب منها. واسم كربلاء مؤلف من كلمتين : (رب) بمعنى مصلّى أو معبد أو حرم ، و (إيلا) بمعنى الله ، باللغة الآرامية ، أي (حرم الله).

٦ ـ (أقول) : وحين التقيت بالأخ الدكتور سهل البدري في طهران ذكر لي معنى جديدا عن كربلاء قال : بنتيجة تحقيقاتي عن كربلاء ، وجدت أنها في اللغة السامرية والبابلية تعني (الرجل القربان) ، وفي اللغات الأكادية والعبرية والآشورية والآرامية تعني (قربان الله).

٧ ـ أنها مشتقة من (كور بابل) أي مجموعة قرى بابلية.

يقول السيد عبد الرزاق الحسني في (موجز تاريخ البلدان العراقية) ص ٥٤ : رأى بعضهم أن التوصل إلى معرفة كربلاء وتاريخها القديم قبل الإسلام قد يأتي عن طريق معرفة اشتقاق هذه الكلمة ، فاحتمل أن تكون لفظة (كربلاء) منحوتة من كلمة (كور بابل) العربية ، بمعنى مجموعة قرى بابلية كثيرة ، منها :

٥٩٨

ـ نينوى : القريبة من أراضي سد الهندية.

ـ الغاضرية : المشهورة اليوم بأراضي الحسينية.

ـ كربلة : وهي القريبة اليوم من مدينة كربلاء جنوبا وشرقا.

ـ كربلاء (أو عقر بابل) : وهي قرية في الشمال الغربي من الغاضرية وبأطلالها أثريات مهمة.

ـ النواويس : التي كانت مقبرة عامة قبل الفتح الاسلامي.

ـ الحير (أو الحائر) : وهو اليوم موضع قبر الحسينعليه‌السلام إلى حدود الصحن الشريف.

وغير ذلك من القرى الكثيرة (راجع نهضة الحسين للشهرستاني ، ص ٦٦).

مناقشة وردّ اشتباه :

يقول السيد محمّد حسن آل كليدار في كتابه (مدينة الحسين) ص ١٢ :

كور بابل ليست أصل كربلا : لما فتح الساسانيون العراق على عهد شابور ذي الأكتاف ، قسّموا العراق إلى إستانات [ولايات] ، وكل إستانة إلى طسج [قضاء] ، وقسّموا هذه الطساسيج إلى رساتيق [نواحي] ، فأصبحت الأراضي الواقعة بين عين التمر والفرات طسجا ، وهي ستة طساسيج من إستانة (بهقباد) ، ومنها طسج بابل ، وطسج النهرين (الّذي تنتمي إليه مدينة كربلاء).

ولما فتح المسلمون العراق في عهد عمر بن الخطاب عام ١٤ ه‍ بقيادة سعد ابن أبي وقاص ، أصبح اسم الطّسج السابق : كور بابل.

وقد أخطأ بعض المؤرخين في ترجمة الاسم الأصلي لكربلاء ، والتبس الأمر عليهم فظنوا أنه محرّف من كور بابل ، والصحيح أنه من كرب إيلا ، أي حرم الإله.

٧١٤ ـ أسماء كربلاء :

لكربلاء أسماء متعددة قديمة. بعضها مختص بها ، ويختلف باختلاف المساحة المقصودة من المدينة أو الحرم. وقد يكون بعض تلك الألفاظ هو أسماء ، وبعضها الآخر أوصاف لها. وبعضها يطلق على قرى وأماكن قريبة منها وواقعة في منطقتها.

فمن أسمائها : نينوى والغاضرية والنواويس والعقر والطف ومشهد الحسينعليه‌السلام والحائر والحير وشاطئ الفرات وعموراء وصفورا ومارية.

٥٩٩

إلا أن أهم هذه الأسماء هو (الحائر) لما أحيط بهذا الاسم من الحرمة والتقديس ، أو أنيط به من أعمال وأحكام في الفقه والعبادات.

وإليك تعريف سريع ببعض المواقع الهامة في منطقة كربلاء :

٧١٥ ـ الطّف :

الطفّ في اللغة له عدة معان :

١ ـ ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. قال أبو سعيد : سمي الطف لأنه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء ، بمعنى : أطلّ.

٢ ـ الطف : طف الفرات ، أي الشاطئ.

٣ ـ الطف : أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية ، فيها كان مقتل الحسينعليه‌السلام . وهي أرض بادية قريبة من الريف ، فيها عدة عيون ماء جارية ، منها : الصيد ، والقطقطانة ، والرّهيمة ، وعين جمل وذواتها. وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الّذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم.

٧١٦ ـ بابل :

(الفهرست : معجم الخريطة التاريخية للممالك الإسلامية لأمين واصف بك ، ص ١٩)

بابل مدينة من أقدم وأكبر مدن العالم القديم ، على الجانب الأيسر من نهر الفرات. بناها الكلدانيون ، وهي مدينة النمرود. اشتهرت في الأزمان الغابرة بالثروة والحضارة. وفيها مات الاسكندر المكدوني سنة ٣٢٣ ق. م وحملت جثته إلى الاسكندرية.

قال المفسرون في قوله تعالى :( وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ) [البقرة : ١٠٢] هي بابل العراق ، التي اتخذها البابليون عاصمة لهم.

قال : فأما الملوك الأوائل ، أعني ملوك النبط وفرعون وإبراهيم ، فإنهم كانوا نزلا ببابل ، وكذلك بخت نصّر ، الّذي يزعم أهل السير أنه ممن ملك الأرض بأسرها ، انصرف بعد ما أحدث ببني إسرائيل ما أحدث ، انصرف إلى بابل فسكنها.

قال أبو المنذر هشام بن محمّد الكلبي : إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك. وكان بابها مما يلي الكوفة. وكان الفرات يجري ببابل حتّى صرفه بخت نصّر إلى موضعه الآن ، مخافة أن يهدم عليه سور المدينة ، لأنه كان يجري معه.

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735