موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 10%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 468096 / تحميل: 5506
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فقال : أليس حكمك في مصر ؟

قال : وهل مصر تكون عوضاً عن الجنّة ، وقتل ابن أبي طالب ثمناً لعذاب النار الذي ( لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) ؟(سورة الزخرف / ٧٥)

فقال معاوية : إنّ لك حكمك أبا عبد اللّه إن قُتل ابن أبي طالب ، رويداً لا يسمع أهل الشام كلامك

فقام عمرو ، فقال : معاشر أهل الشام سوّوا صفوفكم قصّ الشارب ، وأعيرونا جماجمكم ساعة ؛ فقد بلغ الحقّ مقطعه ، فلم يبقَ إلاّ ظالم أو مظلوم(٢٤)

ونعود إلى معسكر الحقّ ؛ لنسمع الكلمات المضيئة لأبي الهيثم بن التيهان وكان من أصحاب رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ، بدريّاً نقيباً عقبيّاً يسوّي صفوف أهل العراق ، ويقول : يا معشر أهل العراق ، إنّه ليس بينكم وبين الفتح في العاجل ، والجنّة في الآجل إلاّ ساعة من النهار ، فارسوا أقدامكم وسوّوا صفوفكم ، وأعيروا ربّكم جماجمكم ، واستعينوا باللّه إلهكم ، وجاهدوا عدوّ اللّه وعدوّكم ، واقتلوهم قتلهم اللّه وأبادهم ، ( وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )(٢٥)

أمّا عن مواقف عمّار بن ياسر (رضوان اللّه عليه) في صف الإمام فهي في المكانة العليا ، ويمكن أن نتبيّنها من خلال هذه الرواية :

٢١

عن أسماء بن حكيم الفزاري ، قال : كنّا بصفين مع علي تحت راية عمّار بن ياسر ، ارتفاع الضحى وقد استظللنا برداء أحمر ، إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا ، فقال : أيّكم عمّار بن ياسر ؟

فقال عمّار : أنا عمّار

قال : أبو اليقظان ؟

قال : نعم

قال : إنّ لي إليك حاجة ، أفأنطق بها سرّاً أو علانية ؟

قال : اختر لنفسك أيّهما شئت ؟

قال : لا ، بل علانية

قال : فانطق

قال : إنّي خرجت من أهلي مستبصراً في الحق الذي نحن عليه ، لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وإنّهم على الباطل ، فلم أزل على ذلك مستبصراً حتى ليلتي هذه ، فإنّي رأيت في منامي مناديا تقدم فأذّن وشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ، ونادى بالصلاة ، ونادى مناديهم مثل ذلك ، ثمّ أُقيمت الصلاة فصلّينا صلاة واحدة ، وتلونا كتاباً واحداً ، ودعونا دعوة واحدة ، فأدركني الشك في ليلتي هذه ، فبتّ بليلة لا يعلمها إلاّ اللّه حتى أصبحت ، فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له ، فقال : (( هل لقيت عمّار بن ياسر ؟ ))

٢٢

قلت : لا

قال : (( فالقه ، فانظر ما يقول لك عمّار فاتبعه ))

فجئتك لذلك

فقال عمّار : تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي ، فإنّها راية عمرو بن العاص ، قاتلتها مع رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة فما هي بخيرهنّ ولا أبرهنّ ، بل هي شرّهنّ وأفجرهنّ أشهدت بدراً وأُحداً ويوم حنين ، أو شهدها أب لك فيخبرك عنها ؟

قال : لا

قال : فإنّ مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ، يوم بدر ويوم أُحد ويوم حنين ، وإنّ مراكز رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب ، فهل ترى هذا العسكر ‏ومَنْ فيه ؟ واللّه لوددت أنّ جميع مَنْ فيه ممّنْ أقبل مع معاوية يريد قتالنا ، مفارقاً للذي نحن عليه كانوا خلقاً واحداً ، فقطعته وذبحته ، واللّه لدماؤهم جميعاً أحلّ من دم عصفور ، أفترى دم عصفور حراماً ؟

قال : لا ، بل حلال

قال : فإنّهم حلال كذلك أتراني بيّنت لك ؟

قال : قد بيّنت لي

قال : فاختر أيّ ذلك أحببت

٢٣

فانصرف الرجل ، فدعاه عمّار ثمّ قال : أما إنّهم سيضربونكم بأسيافكم حتى يرتاب المبطلون منكم ، فيقولوا : لو لم يكونوا على حقّ ما ظهروا علينا ، واللّه ما هم من الحقّ ما يقذى عين ذباب ، واللّه لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنّا على حقّ وأنّهم على باطل(٢٦)

وعمّار إذ يقف هذا الموقف ، إنّما يصغي إلى صوت اللّه تعالى يدعوه : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ )( سورة البقرة / ١٩٣)

٣ ـ مفهوم الفتنة ، والعجز عن الوقوف مع الحقّ

قال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا )(سورة التوبة / ٤٩)

جرت على السُنّة بعض الباحثين ؛ قديماً وحديثاً ، مقولة أنّ هذه الأحداث كانت فتنة لا يدري المرء فيها وجه الخطأ من الصواب ، أو الحقّ من الباطل ، وكلمه (الفتنة) هنا بمعنى انعدام القدرة على التمييز

٢٤

وهذه الحالة ، أي انعدام القدرة على التمييز ، قد تكون نابعة من قدرة الشخص نفسه وضميره ومعارفه ، أو من الظروف الملتبّسة بالأحداث ، كأن تكون أحداثاً ومعارك لا تُعرف الهوية الحقيقية لأبطالها ، ولا تاريخهم الشخصي أو تاريخهم العام ، ولا يمكن معرفة تسلسل الوقائع التي قادت إلى هذه اللحظة

وأعتقد أنّ هذا الكلام لا ينطبق بحال على هذه الكارثة الفاجعة ، أو على مجموعة الكوارث التي حلّت بأُمّة محمد (صلّى الله عليه وآله) ، فلا يبقى إلاّ أن نقول : إنّ عدم وضوح الرؤية إنّما هو نابع من الحالة الشخصية والنفسية لبعض الأشخاص الذين عجزت نفوسهم وهممهم عن ملاحقة تيار الحقّ الصامد بقيادة أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) ، فاختاروا موقفاً يكون شعاره (ولا تفتنّي) ، وحقيقته كما قال سبحانه وتعالى : ( أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا )

لم تكن الكارثة الفاجعة التي لحقت بالأُمّة الإسلامية في هذه المرحلة من بدايات تاريخها هيّنة ولا سهلة ؛ فقد كانت كارثة انشقاق أوّلاً ، ثمّ كارثة ضلال وإضلال ثانياً

٢٥

وقد مارسها أئمّة الفتنة والضلال من بني أُميّة ، إضافة إلى أنّ حادثة الانقسام لم تحدث في فراغ ، وإنّما شقّت معها جسد الأُمّة الوليد الذي لم يكن قد بلغ بعد مرحلة النضج ، ولا هي جرت في هدوء وصمت ، وإنّما صاحبها ضجيج وصخب أدى إلى التشويش على إمام الحقّ علي (عليه السّلام) ؛ ممّا أدّى إلى حالة من الارتياب أصابت الجميع ، وليس أدلّ على هذا من ذلك الرجل التائه الذي رأى الفريقين يصلّون ويقرؤون قرآناً واحداً ، فأصابته هزّة شديدة فذهب يسأل الإمام (عليه السّلام) ، فأحاله على عمّار (رضوان اللّه عليه) الذي أجابه إجابة العارف الخبير الذي لا يُخدع

ولكن من أين للأُمّة بمثل عمّار ، أو مالك الأشتر ، أو أبو الهيثمي التيهان ؟ هؤلاء الخلّص من أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله) ، الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه ، وعملوا بوصيته الخالدة : (( مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه ، وعادِ مَنْ عاداه ))

٤ ـ التحكيم : خديعة الذين جعلوا القرآن عضين

وتلبّس إبليس (الذين جعلوا القرآن عضين) قال تعالى : ( كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ )( سورة الحجر / ٩٠ - ٩١)

٢٦

الفتنة تبلغ مداها ، والهزيمة على وشك أن تحلّ بجيش الردّة الأموي ، يتفتّق ذهن الوزير الأوّل عن مكيدة يكيد بها الأُمّة ، ويشقّ صفّها ، ويذهب ريحها ، وبهذا يتحقّق له من داخل الصف المسلم ما فشل في تحقيقه طوال قرابة عشرين عاماً من المواجهة المسلّحة مع الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قُبيل ادّعائه الإسلام

ولنرجع إلى تاريخ الطبري :

لمّا رأى عمرو بن العاص أنّ أمر أهل العراق قد اشتدّ وخاف الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك في أمر أعرضه عليك ، لا يزيدنا إلاّ اجتماعاً ، ولا يزيدهم إلاّ فرقة ؟

قال : نعم

قال : نرفع المصاحف ، ثمّ نقول : ما فيها حكم بيننا وبينكم ، فإن أبى بعضهم وجدت فيهم مَنْ يقول : بلى ، ينبغي أن نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم ، وإن قالوا : بلى ، نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنّا ، وهذه الحرب إلى أجل وحين

فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب اللّه (عزّ وجلّ) بيننا وبينكم ، مَنْ لثغور أهل الشام بعد أهل الشام ؟ ومَنْ لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟

٢٧

فلمّا رأى الناس المصاحف قد رُفعت ، قالوا : نُجيب إلى كتاب اللّه (عزّ وجلّ) وننيب إليه(٢٧)

وهنا لا بدّ لنا من وقفة مع قضية التحكيم رغم كونها ليست قضية أساسية في هذا البحث ، وإنّما نعرض لها في إطار بحث رؤية الأمويين للإسلام وحقيقة موقفهم من كتاب اللّه (عزّ وجلّ) وما ورد فيه من أحكام ، ومن ثمّ طبيعة دولتهم التي قامت بعد هذا من خلال هذه الرؤية

ثمّ نعرض موقف أئمّة الحق من آل محمد (عليهم السّلام) من هذه الدولة من خلال ثورة الإمام الشهيد الحسين (عليه السّلام)

فها هو عمرو بن العاص يعلن الغرض الحقيقي لطلاّب التحكيم ، فيقول : إنّ عرض التحاكم لكتاب اللّه (عزّ وجلّ) أمر يُراد به تفريق الصف المسلم ، أو الكيان الشرعي للأُمّة المتجمع خلف إمام الأُمّة علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وزيادة توحّد الفئة الباغية أو حزب الشيطان ، فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال ؟

ترى كيف كان موقف أبي جهل أو أبي سفيان من أئمّة الكفر والضلال من وحدة الصف المسلم ومن القيادة الشرعية للأُمّة ؟ هل كان أيّ من هؤلاء يحلم بأن يحقّق ما حقّقه معاوية وعمرو ؟ ولكن هذه المرّة يحاربون الإسلام بالسلاح نفسه الذي انتصر به على معسكر الشرك في الجولة الأولى ، ولكن هذه المرّة بعد أن جعله ابن أبي سفيان وابن العاص (عضين) ، أي مزقاً وهزوا

٢٨

ثمّ نرى ونسمع بعد ذلك مَنْ يحاول ويزعم ويدّعي أنّ الدولة الأُمويّة كانت تمثّل امتداداً للشرعية التي جاء بها رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)

أو يقول قائل : إنّ الحسين (عليه السّلام) قُتل بسيف جدّه رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ، هل كان الرسول على الباطل ؟! وهل جاء الرسول بقرآن يتّخذه معبراً ليجلس على أجساد المسلمين وينعم بأموالهم ؟! أم إنّه (صلّى الله عليه وآله) كان كما قال عنه ربّنا (عزّ وجلّ) : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )(سورة التوبة / ١٢٨) ، وقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )(سورة الجمعة / ٢)

ونعود إلى تاريخ الطبري لنسمع ردّ الإمام علي(عليه السّلام) على هذا العرض المخادع ، فلو كان القوم أصحاب ديانة حقّاً فلماذا لم يدخلوا في طاعة إمام الحقّ ؟! ولماذا استباحوا قتال مَنْ لا يحلّ قتاله من النساء والأطفال ولو كانوا مشركين ؟! فأيّ مصداقية لطلبهم التحاكم إلى كتاب اللّه ؟

٢٩

فكان ردّه (عليه السّلام) : (( عباد اللّه ، امضوا على حقّكم وصدقكم وقتال عدوّكم ؛ فإنّ معاوية وعمرو بن العاص ، وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمو ، وابن أبي سرح والضحّاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا اعرف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال

ويحكم ! إنّهم ما رفعوها ثمّ لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها ، وما رفعوها لكم إلاّ خديعة ودهناً ومكيدة ))

فقالوا له : ما يسعنا أن نُدعى إلى كتاب اللّه (عزّ وجلّ) فنأبى أن نقبله

فقال لهم : (( فإنّي إنّما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب ؛ فإنّهم قد عصوا اللّه (عزّ وجلّ) ونسوا عهده ونبذوا كتابه ))(٢٨)

وهكذا وقعت الكارثة والفتنة ؛ حيث امتنعت الرؤية الصائبة على أكثر المسلمين وصار الناس في حيرة ، وصدق اللّه (عزّ وجلّ) [ حيث يقول ] : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ )(سورة البقرة / ١٧) ، وأي ظلمة أشدّ من العجز عن إدراك الطريق ، صراط اللّه المستقيم ، ونهج الرسول وأئمّة الحقّ

أسباب قبول التحكيم

٣٠

لا بدّ لنا من تأمّل هذه المرحلة المفصلية في تاريخ الأُمّة ، فنسأل : لماذا قبل الإمام علي (عليه السّلام) التحكيم في نهاية المطاف ؟ ولماذا لم يصرّ على مواصلة القتال حتى القضاء على رأس الأفعى الأُمويّة ؟ فإذا قيل : إنّ الناس خذلوه ، قالوا : أليس هؤلاء هم الشيعة الذين خذلوا الحسين (عليه السّلام) بعد ذلك ؟!

لا سبيل أمامنا سوى مواصلة قراءة النصّ التاريخي حتى تتّضح الحقيقة لكلّ ذي عينين

ينقل لنا ابن أبي الحديد عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم ، قال : إنّه لمّا كان يوم الثلاثاء ، عاشر شهر ربيع الأوّل ، سنة سبع وثلاثين ، زحف أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) بجيشه ، وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين : يا أبا الحسن ابرز إليّ ، فخرج إليه علي (عليه السّلام) فقال : إنّ لك يا علي لقدماً في الإسلام والهجرة ، فهل لك في أمر أعرضه عليك ، يكون فيه حقن هذه الدماء ؟

قال : (( وما هو ؟ ))

قال : ترجع إلى عراقك فنخلّي بينك وبين العراق ، ونرجع نحن إلى شامنا فتخلّي بيننا وبين الشام

٣١

فقال علي (عليه السّلام) : (( قد عرفت ما عرضت ، إنّ هذه لنصيحة وشفقة ، ولقد أهمّني هذا الأمر وأسهرني ، وضربت أنفه وعينه فلم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما أنزل اللّه على محمد ؛ إنّ اللّه تعالى ذكره ، لم يرضَ من أوليائه أن يُعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بمعروف ، ولا ينهون عن منكر ، فوجدت القتال أهون عليّ من معالجة في الأغلال في جهنم ))

قال : فرجع الرجل وهو يسترجع(٢٩)

إمام الأُمّة يتلقّى عرضاً من مندوب بني أُميّة بتقسيم الأُمّة إلى قسمين (عراق وشام) هكذا ببساطة شديدة ، فيكون يومها إسلام عراقي وإسلام شامي ، واليوم إسلام أمريكي ، فهل كان بإمكانه القبول بهذا العرض المرادف للكفر ؟

التهب القتال ، ودارت آلة الحرب في ما عُرف بليلة الهرير ، وتشاور ابن آكلة الأكباد وابن النابغة حول الورقة الأخيرة للخروج من الهزيمة المروعة ، فلم يجد الشيطان أجدى ولا أنجح من الاستهزاء بكتاب اللّه وادّعاء التحاكم إليه ، كما صرّح هو بذلك

ولمّا أصبح الصبح ، نظر عسكر العراق إلى عسكر الشام ليجدوا المصاحف قد رُبطت في أطراف الرماح

٣٢

قال أبو جعفر وأبو الطفيل : استقبلوا عليّاً بمئة مصحف ، ووضعوا في كلّ مجبنة مئتي مصحف ، فكان جميعها خمسمئة مصحف(٣٠)

كان هذا هو الحال على المستوى السياسي ، وسنقرأ بعد هذا بعض ردود أفعال مَنْ كانوا في صف الإمام علي (عليه السّلام) ؛ لنعرف حقيقة هؤلاء (الشيعة المزعومين)

أمّا على المستوى العسكري ، فيروي نصر بن مزاحم : وكان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ، عندما جاءه رسول الإمام علي (عليه السّلام) أن ائتني

فقال : ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي ، إنّي قد رجوت الفتح فلا تعجلني

فرجع يزيد بن هانئ إلى علي (عليه السّلام) فأخبره ، فما هو إلاّ أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر ، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ، ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام ، فقال القوم لعلي : واللّه ما نراك أمرته إلاّ بالقتال !

قال : (( أرأيتموني ساررت رسولي إليه ؟ أليس إنّما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون ؟! ))

٣٣

قالوا : فابعث إليه أن يأتيك ، وإلاّ فواللّه اعتزلناك !

فقال : (( ويحك يا يزيد ! قل له : أقبل فإنّ الفتنة قد وقعت ))

فأتاه فأخبره ، فقال الأشتر : أبرفع هذه المصاحف ؟!

قال : نعم

قال : واللّه ألا ترى إلى الفتح ! ألا ترى إلى ما يلقون ! ألا ترى إلى الذي يصنع اللّه لنا ؟ أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه ؟!

قال له يزيد : أتحبّ أنّك ظفرت هاهنا وأنّ أمير المؤمنين بمكانه الذي هو فيه يسلّم إلى عدوّه ؟!

قال : لا واللّه لا أحبّ ذلك

قال : فافهم قد قالوا له ، وحلفوا عليه لتُرسلنّ إلى الأشتر فليأتينّك أو لنقتلنّك بأسيافنا كما قتلنا عثمان ، أو لنسلمنّك إلى عدوّك

فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم وقال : يا أمير المؤمنين ، احمل الصف على الصف تصرع القوم

٣٤

فتصايحوا : إنّ أمير المؤمنين قد قبل الحكومة ، ورضي بحكم القرآن

فقال الأشتر : إن كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) قد قبل ورضي فقد رضيت

فأقبل الناس يقولون : قد رضي أمير المؤمنين ، قد قبل أمير المؤمنين ، وهو ساكت لا ينطق بكلمة مطرق إلى الأرض

ثمّ قام فسكت الناس كلّهم ، فقال : (( إنّ امرئ لم يزل معكم على ما أحبّ إلى أن أُخذت منكم الحرب ، وقد واللّه أُخذت منكم وتُركت ، وأُخذت من عدوّكم ولم تُترك ، وإنّها فيكم أنكى وأنهك ، ألا إنّي كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأموراً ، وكنت ناهياً فأصبحت منهيّاً ، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ))

ثمّ قعد(٣١)

٣٥

هل بعد هذا يُقال أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان راضياً ؟ وهل كان بإمكانه (سلام اللّه عليه) إجبارهم على النهوض لقتال الظالمين ؟ ولو كان إجبار الناس على الاستجابة للأمر الإلهي من مهّام الرسل والأنبياء والأئمّة ، فلماذا عاتب القرآن القاعدين عن الجهاد بقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ )(سورة التوبة / ٣٨) ، ولمّا فرّ مَنْ فرّ من المسلمين من أصحاب محمد (صلّى اللّه عليه وآله) : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ )(سورة التوبة / ٢٥) ، ولمّا فرّوا يوم أُحد : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا )(سورة آل عمران / ١٥٥) ؟

وإن لم نكن في صدد تحقيق تاريخ بعض رؤساء العشائر الذين كانوا مع الإمام علي تفصيلاً ، فإنّنا نكتفي بأن نورد ما قاله الدكتور طه حسين في كتابه (علي وبنوه) : وأكبر الظنّ أنّ بعض الرؤساء من أصحاب علي لم يكونوا يخلصون له نفوسهم ولا قلوبهم ، ولم يكونوا ينصحون له ؛ لأنّهم كانوا أصحاب دنيا لا أصحاب دين ، وكانوا يندمون في دخائل أنفسهم على تلك الأيام الهينة اللينة التي قضوها أيام عثمان ينعمون بالصلات والجوائز والأقطاع

ويجب أن نذكر أيضاً أنّ علياً لم ينهض إلى الشام بأهل الكوفة وبمَنْ تابعه من أهل الحجاز وحدهم ، وإنّما نهض كذلك بألوف من أهل البصرة ، كان منهم مَنْ وفى له يوم الجمل ، وكان منهم مَنْ اعتزل الناس في ذلك اليوم أيضاً ، وكان منهم مع ذلك كثير من الذين انهزموا بعد مقتل طلحة والزبير(٣٢)

٣٦

لم يكن هؤلاء إذاً من الشيعة ، ولا من العارفين بفضل آل بيت محمد عامّة والإمام علي خاصة ، وإلا لما هدّدوا بقتله ، أو تسليمه إلى ابن آكلة الأكباد كما أسلفنا

ولسنا نجد ما يصف هؤلاء أبلغ من كلمات الإمام (عليه السّلام) مخاطباً إيّاهم : (( أما والذي نفسي بيده ، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم ، ليس لأنّهم أولى بالحقّ منكم ، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم ، وإبطائكم عن حقّي ، ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها ، وأصبحتُ أخاف ظلم رعيتي

استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ، وأسمعتكم فلم تسمعوا ، ودعوتكم سرّاً وجهراً فلم تستجيبوا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا أشهود كغياب ، وعبيد كأرباب ؟! أتلوا عليكم الحكم فتنفرون منها ، وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرّقون عنها ، وأحثّكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرّقين أيادي سَبَا ترجعون إلى مجالسكم ، وتتخادعون عن مواعظكم

أقوّمكم غدوة وترجعون إليّ عشيّة ، كظهر الحنيّة عجز المقوِّم وأعضل المقوَّم

أيّها القوم الشاهدة أبدانهم ، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، المبتلى بهم أمراؤهم ، صاحبكم يطيع اللّه وأنتم تعصونه ، وصاحب أهل الشام يعصى اللّه وهم يطيعونه ! لوددت واللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم ))(٣٣)

٣٧

وهكذا سارت أمور هذه الأُمّة المنكوبة ، أمر الباطل يعلو وأمر الحق يهبط ، اجتماع على الباطل والدنيا في معسكر الشام ، وتفرّق عن الحقّ في المعسكر المقابل حتى بلغ الكتاب أجله ، ففاض الكيل وطفّ الصاع ، حتى قُتل الإمام (عليه السّلام) على يد أشقاها ابن ملجم المرادي

وهكذا غاب عن الحضور ولا نقول عن الوجود شمس هذه الأُمّة بعد رسولها الإمام علي (عليه السّلام) ، أوّل مَنْ أسلم وأوّل مَنْ صلّى خلف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ، وباب مدينة علم رسول اللّه ، وهكذا صار المشروع الأموي قاب قوسين أو أدنى من التحقّق

هدنة في صراع يمتدّ قروناً

بويع للإمام الحسن (عليه السّلام) بالخلافة بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) عام (٤٠ هـ ، ٦٦١ م) ، وقد زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، ولم يعد للقوم صبر ولا رغبة في قتال القاسطين

أحبّ القوم الحياة ورغبوا فيها ، يستوي لديهم أن يكون قائدهم علياً أو معاوية ، بل لعلّ معاوية أصلح لدنيا بعض الذين لم يعد لهم إلاّ الحياة الدنيا

أمر القائد الجديد جيشه وأتباعه بأن يستعدّوا للقتال ، فخطبهم قائلاً : (( أمّا بعد ، فإنّ اللّه كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً ، ثمّ قال لأهل الجهاد من المؤمنين : ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ، فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون إلاّ بالصبر على ما تكرهون اخرجوا رحمكم اللّه إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا ))

٣٨

قال : وإنّه في كلامه ليتخوّف خذلان الناس له

قال : فسكتوا ، فما تكلّم منهم أحد ، ولا أجابه بحرف

فلمّا رأى ذلك عدي بن حاتم ، قام فقال : أنا ابن حاتم ! سبحان اللّه ! ما أقبح هذا المقام ! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم ؟! أين خطباء مضر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة ؟! فإذا جدّ الجدّ فرواغون كالثعالب ، أما تخافون مقت اللّه ولا عيبها وعارها ؟!(٣٤)

يتّضح من طبيعة خطاب الإمام الحسن (عليه السّلام) للقوم ، واستخدامه لهذه العبارات : ( إنّ اللّه فرض القتال وسمّاه كرهاً ) ، و( لستم نائلون ما تحبّون إلاّ بالصبر على ما تكرهون ) ، ثمّ حالة الصمت التي انتابت الناس ، إنّ الهزيمة النفسية قد أصابتهم ولم تعد بهم رغبة في جهاد ولا بذل ولا تضحية ؛ فقد جرّبوا الدنيا وحلاوتها وباتوا يريدونها ، وهم لن يجدوا ما يطمعون فيه ، وخاصة رؤسائهم في ظلّ العدل ، وإنّما اشرأبّت نفوسهم إلى بني أُميّة قادة المرحلة القادمة ، ومنظّرو الإسلام الأُموي الذي كان المقدّمة الطبيعية لكلّ الانحرافات وأصناف الشذوذ التي عانت منها الأُمّة المسلمة وصولاً للإسلام الأمريكي

نعود إلى النصّ التاريخي فنقرأ : قال عدي بن حاتم ما قال ، ثمّ أعلن توجّهه إلى معسكر القتال

وقام قيس بن سعد بن عبادة ومعقل بن قيس الرياحي فقالوا مثل ما قال عدي بن حاتم وتحرّكوا إلى معسكرهم ، ومضى الناس خلفهم متثاقلين

٣٩

وعبّأ الإمام الحسن (عليه السّلام) جيشه ، ثمّ خطبهم فقال : (( الحمد للّه كلّما حمده حامد ، وأشهد ألاّ إله إلاّ اللّه كلّما شهد له شاهد ، وأشهد أنّ محمداً رسول اللّه ، أرسله بالحق ، وائتمنه على الوحي (صلّى اللّه عليه وآله)

أمّا بعد ، فواللّه إنّي لأرجو أن أكون بحمد اللّه ومنّه ، وأنا أنصح خلقه لخلقه ، وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة ، ولا مريداً له بسوء ولا غائلة

ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة ، ألا وإنّي ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم ، فلا تخالفوا أمري ولا تردّوا عليّ رأيي

غفر اللّه لي ولكم ، وأرشدني وإيّاكم لما فيه محبّته ورضاه إن شاء اللّه ))

ثمّ نزل

قال : فنظر الناس بعضهم إلى بعض ، وقالوا : ما ترونه يريد بما قال ؟

قالوا : نظنّه يريد أن يصالح معاوية ، ويكل الأمر إليه كفر واللّه الرجل !

ثمّ شدّوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاّه من تحته ، ثمّ شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد اللّه بن جعال الأزدي فنزع مطرفة عن عاتقه ، فبقي جالساً متقلّداً سيفاً بغير رداء ، فدعا بفرسه فركبه فلمّا مرّ في مظلم ساباط ‏قام إليه رجل من بني أسد فأخذ بلجام فرسه ، وقال : اللّه أكبر يا حسن ، أشرك أبوك ، ثمّ أشركت أنت ؟!

وطعنه بالمعول ، فوقعت في فخذه ، فشقّه حتى بلغت أربيته ، وحُمِلَ الحسن (عليه السّلام) على سرير إلى المدائن ...(٣٥)

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

٦٩٣ ـ اغتنموا الفرص فإنها تمرّ مرّ السحاب :

(سيد الشهداء للسيد مصطفى الاعتماد ، ص ٦٣)

لقد صدق الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حيث قال :

«اغتنموا الفرص ، فإنها تمرّ مرّ السحاب».

وأية فرصة مواتية كهذه الفرصة التي سنحت لعبيد الله بن الحر الجعفي ، حيث جاءه الحسينعليه‌السلام يتخطى الأرض بقدميه ، وهو يدعوه إلى النجاة والتشرف بمثل هذا المصرع العظيم الّذي تتمناه الملايين من البشر ، فيعرض عنها ، ويندم بعده بما يشاء الندم ، فلم ينفع الظالمين الندم ، بعد تفويتهم الفرصة ، مكابرة وعنادا ، أو تجهّلا وغباء( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٥٢) [غافر : ٥٢].

٦٩٤ ـ شخصان يعتذران عن نصرة الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٢٦ ط ٣ نجف)

وفي هذا الموضع اجتمع بالحسينعليه‌السلام عمرو بن قيس المشرقي وابن عمه ، فقال لهما الحسينعليه‌السلام : جئتما لنصرتي؟. قالا له : إنا كثيرو العيال ، وفي أيدينا بضائع للناس ، ولم ندر ماذا يكون ، ونكره أن نضيّع الأمانة.

فقال لهماعليه‌السلام : انطلقا فلا تسمعا لي واعية ، ولا تريا لي سوادا ، فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا ، فلم يجبنا أو يغثنا ، كان حقا على اللهعزوجل أن يكبّه على منخريه في النار(١) .

٦٩٥ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع ابنه علي الأكبرعليه‌السلام وقد رأى رؤيا أثناء رحيله من قصر بني مقاتل :

(لواعج الأشجان ، ص ٨٧)

فلما كان آخر الليل أمر الحسينعليه‌السلام فتيانه فاستقوا من الماء ، ثم أمر بالرحيل.ثم ارتحل من (قصر بني مقاتل) ليلا.

__________________

(١) عقاب الأعمال للصدوق ص ٣٥ ؛ ورجال الكشّي ص ٧٤.

٥٨١

قال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة ، فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة(١) [الخفقة : النومة اليسيرة] ثم انتبه ، وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين. وكرر ذلك مرتينأو ثلاثا.

فأقبل إليه ابنه علي بن الحسينعليهما‌السلام فقال : يا أبة جعلت فداك ، ممّ حمدت واسترجعت؟. قال : يا بني إني خفقت برأسي خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.

فقال له علي الأكبرعليه‌السلام : يا أبة لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق؟!. قال :بلى والذي إليه مرجع العباد. قال : إذن لا نبالي أن نموت محقّين. فقال له الحسينعليه‌السلام : جزاك الله من ولد ، خير ما جزى ولدا عن والده.

[قرى طف كربلاء]

«نينوى»

٦٩٦ ـ الحسينعليه‌السلام يتياسر حتّى يصل إلى نينوى :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٨٨)

فلما أصبح الحسينعليه‌السلام نزل فصلى الغداة ، ثم عجّل الركوب. فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّ بهم ، فيأتيه الحرّ فيردّه وأصحابه. فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردا شديدا يتياسرون كذلك ، حتّى انتهوا إلى (نينوى).

٦٩٧ ـ كتاب ابن زياد إلى الحر بالتضييق على الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فإذا براكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا ، مقبل من الكوفة ، وهو مالك بن النّسر الكندي ، فوقفوا جميعا ينتظرونه. فلما انتهى إليهم سلّم على الحر وأصحابه ، ولم يسلّم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه. ودفع إلى الحر كتابا من ابن

__________________

(١) كذا في تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣١ ؛ وفي مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢٢٦ ومناقب ابن شهراشوب ج ٢ ص ٢٤٥ : أن الحسينعليه‌السلام رأى ذلك في (الثعلبية). وفي مقتل العوالم ص ٤٨ أنهعليه‌السلام نام القيلولة في (العذيب) ، ومثل ذلك في مقتل أبي مخنف ص ٤٨. ذكر هذا كله السيد المقرم في مقتله من حاشية ص ٢٢٧.

٥٨٢

زياد ، فإذا فيه : أما بعد ، فجعجع بالحسين [أي ضيّق عليه واحبسه] حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء ، في غير حصن ولا ماء. (وفي مثير ابن نما : لأنه عات ظلوم). وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتّى تأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.

٦٩٨ ـ الحر يمنع الحسينعليه‌السلام من نزول (نينوى) أو (الغاضرية) أو (شفية)(١) :

(المصدر السابق)

فعرض لهم الحر وأصحابه ومنعوهم من المسير ، وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان ، على غير ماء ولا قرية.

فقال الحسينعليه‌السلام : ويلك ما دهاك ، ألست قد أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق ، فأخذنا وقبلنا مشورتك؟. فقال الحر : صدقت يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن هذا كتاب الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك.

فقال له الحسينعليه‌السلام : دعنا ويحك ننزل هذه القرية (يعني : نينوى) أو هذه (يعني : الغاضرية) أو هذه (يعني : شفية). فقال : لا أستطيع ، هذا رجل قد بعث عليّ عينا.

٦٩٩ ـ من كلام لهعليه‌السلام وقد دعاه زهير بن القين إلى مبادءة أصحاب الحر بالقتال بعد أن منعوه من نزول نينوى :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)

فقال للحسينعليه‌السلام رجل من أصحابه يقال له زهير بن القين البجلي :

يابن رسول الله ذرنا نقاتل هؤلاء القوم ، فإن قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا معهم بعد هذا(٢) فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. فقال له الحسينعليه‌السلام : صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت لأبدأهم بالقتال حتّى يبدؤوني.

__________________

(١) انظر التعريف ببعض قرى الطف بعد قليل ، مع المصور الجغرافي لفرع نهر الفرات المار قريبا من كربلاء ، والمسمى : نهر العلقمي (الشكل ١١).

(٢) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٧ ط نجف.

٥٨٣

فقال له زهير : فسر بنا حتّى ننزل كربلاء(١) فإنها على شاطئ الفرات ، فنكون هناك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا بالله عليهم. فدمعت عينا الحسينعليه‌السلام حين ذكر (كربلاء) وقال : الله م إني أعوذ بك من الكرب والبلاء.

(وفي مقتل المقرم ، ص ٢٢٨) : قال زهير بن القين : يابن رسول الله إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به. فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بقتال. ثم قال زهير : ههنا قرية بالقرب منا على شط الفرات ، وهي في عاقول(٢) حصينة ، والفرات يحدق بها إلا من وجه واحد.قال الحسينعليه‌السلام : ما اسمها؟. فقال : تسمى العقر(٣) . فقالعليه‌السلام : نعوذ بالله من العقر. والتفت الحسين إلى الحر وقال : سر بنا قليلا ثم ننزل. فساروا جميعا حتّى إذا أتوا أرض كربلاء وقف الحر وأصحابه أمام الحسينعليه‌السلام ومنعوهم عن المسير ، وقالوا : إن هذا المكان قريب من الفرات.

ويقال : بينا هم يسيرون إذ وقف جواد الحسينعليه‌السلام ولم يتحرك ، كما أوقف الله ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الحديبية. فعندها سأل الحسين عن الأرض؟ فقال له زهير : سر راشدا ولا تسأل عن شيء حتّى يأذن الله بالفرج. إن هذه الأرض تسمى الطف(٤) . فقالعليه‌السلام : فهل لها اسم غيره؟. قال : تعرف كربلاء. فدمعت عيناه وقال : الله م أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ههنا محطّ ركابنا ومسفك دمائنا

__________________

(١) كربلاء : موضع في طريق البرية عند الكوفة. وتقع كربلاء على خط الطول ٤٣ درجة و ٥٥ دقيقة شرقي غرينتش ، وعلى خط العرض ٣٤ درجة و ٤٥ دقيقة شمال خط الاستواء ، في المنطقة المعتدلة الشمالية. وذكر المؤرخون أن كربلاء كانت في عهد البابليين معبدا ، وأن اسمها محرّف من كلمتي (كرب) بمعنى معبد أو مصلّى أو حرم ، و (أبلا) بمعنى (إله) باللغة الآرامية ، فيكون معناها (حرم الإله).

(٢) العاقول : منعطف الوادي والنهر.

(٣) جاء في كتاب (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ١٢٨ أن هناك قريتين مندرستين تقعان على الفرات جنوب الأنبار (الفلوجة اليوم) يقال لهما عقر الغربي ، وهي التي أشار إليها زهير على الحسينعليه‌السلام أن ينزل بها.

(٤) الطف في اللغة : ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. وسمي (الطف) لأنه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء ، بمعنى أطلّ. وطف الفرات : هو الشاطئ الّذي به قتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، وهي أرض بادية قريبة من الريف.

٥٨٤

ومحل قبورنا. (وفي لواعج الأشجان ، ص ١٠٣ : ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا) بهذا حدّثني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

٧٠٠ ـ تعريف ببعض قرى طف كربلاء :

ينقسم نهر الفرات عند وصوله إلى منطقة كربلاء إلى فرعين :

ـ الأول : فرع شرقي ، يشكل شط الحلة أو (سورا).

ـ الثاني : فرع غربي ، يشكل نهر العلقمي ، وهو يمرّ قريبا من كربلاء في الشمال ، ثم يمرّ من الكوفة في الجنوب ، وكان لذلك يسمى : شط الكوفة ، ويسمى اليوم شط (الهندية).

ويقع على نهر العلقمي في الشمال تجمّع قرى طف كربلاء (انظر الشكل ١١ التالي) مثل : نينوى والغاضرية وشفية والعقر.

ـ فأما (نينوى) : فتقع شرق كربلاء على الضفة الشرقية لنهر نينوى ، الّذي يتفرع عن الفرات الأصلي.

وقال شيخنا المظفر : كانت نينوى قرية مسكونة ، وأراد الحسينعليه‌السلام النزول بها ، فمنعه الحر.

وفي (مجلة المقتبس ، ج ١٠ سنة ١٣٣٠ ه‍) : كانت نينوى من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف عمرانها زمن الإمام الصادقعليه‌السلام . وفي أوائل القرن الثالث لم يبق لها خبر.

ومنطقة نينوى تمتد من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء. ولا بأس أن ننوه بأن نينوى هذه هي غير (نينوى) التي في شمال العراق ، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محاذاة الموصل.

ـ وأما (الغاضرية) أو الغاضريات : نسبة إلى غاضرة ، وهي امرأة من بني عامر ، وهم بطن من أسد ، كانوا يسكنون هذه الأرض. وتقع اليوم شمالي

(الهيابي) التي فيها مصانع الآجر. وتبعد شمالا عن بلدة كربلاء كيلومترا تقريبا ، وهي تمتد من (لجنقة) فما دونها إلى بلدة كربلاء.

ـ وأما (شفية) : فهي بئر لبني أسد.

ـ وأما (العقر) : فقد كانت بها منازل بخت نصّر.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٠ ص ١٨٨ ؛ واللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٤٥.

٥٨٥

(الشكل ١١) : خارطة كربلاء يوم ورود الحسين (ع) إليها

مأخوذة من كتاب (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء للسيد عبد الحسين الكليدار)

(الشكل ١٢) مصور الحائر الحسيني والمخيّم والقبر الشريف

٥٨٦

٧٠١ ـ جواد الحسينعليه‌السلام يتوقف عن المسير في كربلاء :

(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٤٣٩ ط ٢)

فسار الحسينعليه‌السلام والحر ، حتّى انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف الجواد الّذي تحت الحسينعليه‌السلام ولم ينبعث من تحته ، وكلما حثّه على المسير لم ينبعث خطوة واحدة. فقال الإمامعليه‌السلام : يا قوم ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : نينوى.فقال : هل لها اسم غير هذا؟. قالوا : نعم ، تسمى (كربلاء). فعند ذلك تنفّس الصعداء ، فقال : هذه والله كرب وبلاء. ههنا والله ترمّل النسوان ، وتذبّح الأطفال ، وههنا والله تهتك الحريم. فانزلوا بنا يا كرام. فههنا محل قبورنا ، وههنا والله محشرنا ومنشرنا ، وبهذا أوعدني جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا خلف لوعده.

٧٠٢ ـ ما اسم هذه الأرض؟ :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٧)

ذكر الدميري في (حياة الحيوان) أن الحسينعليه‌السلام لما وصل إلى كربلاء سأل عن اسم المكان؟. فقالوا له : كربلاء ، فقال : كرب وبلاء. لقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين ، وأنا معه. فوقف ، وسأل عن هذا المكان؟. وقال : ههنا محطّ ركابهم ، وههنا مهراق دمائهم. فسئل عن ذلك؟. فقال : نفر من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلون ههنا ثم أمر بأثقاله فحطّت في ذلك المكان.

٧٠٣ ـ سؤال الحسينعليه‌السلام عن اسم كربلاء ، وخبر القارورة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٩ ط ٢ نجف)

ثم قال الحسينعليه‌السلام : ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : كربلا ، ويقال لها أرض نينوى ، قرية بها. فبكى ، وقال : كرب وبلاء. أخبرتني أم سلمة قالت : كان جبرئيل عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت معي ، فبكيت ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعي ابني ، فتركتك. فأخذك ووضعك في حجره. فقال جبرئيل : أتحبه؟. قال : نعم. قال : فإن أمتك ستقتله!. قال : وإن شئت أن أريك تربة أرضه التي يقتل فيها؟. قال : نعم.قالت : فبسط جبرئيل جناحيه على أرض كربلاء فأراه إياها.

فلما قيل للحسينعليه‌السلام : هذه أرض كربلاء ، شمّها وقال : هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنني أقتل فيها. (وفي رواية) :فقبض منها قبضة فشمّها.

٥٨٧

٧٠٤ ـ أول نزول الحسينعليه‌السلام كربلاء :

(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين الموسوي الحائري ، ص ١١٧)

قال في (روضة الشهداء) : فلما سمع الحسينعليه‌السلام باسم [كربلاء] نزل عن الفرس. فلما وطئ الأرض بأقدامه الشريفة تغيّر لون التراب وصار كلون الزعفران ، وسطع منه غبار علا وجهه ولحيته بحيث اغبرّ رأسه ولحيته الشريفة. فنظرت أم كلثومعليها‌السلام إليه ، قالت : واعجباه من هذه البيداء ، ما أشدّ وأعظم هولها ، أرى منها هولا عظيما. فسلّاها الحسينعليه‌السلام .

٧٠٥ ـ الحسينعليه‌السلام ينعى نفسه :(المصدر السابق)

وفي بعض كتب التواريخ : أن الحسينعليه‌السلام أخذ من تراب كربلاء وشمّها ، وقال : ههنا والله تخضب لحيتي بدمي. ههنا والله تقطّع أوداجي ، ويعزّى جدي وأبي وأمي من ملائكة السماء. هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيلعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأني أقتل فيها.

٧٠٦ ـ نزول كربلاء :

(في سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٣٠٨) : فعدل الحسينعليه‌السلام

إلى كربلاء ، وأسند ظهره إلى [قصميا] ، (وفي تذكرة الخواص لسبط

ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ : إلى [قصب]) حتّى لا يقاتل إلا من وجه واحد. وكان معه خمسة وأربعون فارسا ، ونحو من مئة راجل.

٧٠٧ ـ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج ٢ ، ص ٥)

قال : فلقيه الجيش على خيولهم بوادي السباع ، فلقوهم وليس معهم ماء.فقالوا : يابن بنت رسول الله ، اسقنا. قال : فأخرج لكل فارس صحفة من ماء ، فسقاهم بقدر ما يمسك برمقهم. ثم قالوا : سر يابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما زالوا يرجونه ، وأخذوا به على الجرف ، حتّى نزلوا بكربلاء.

فقال الحسينعليه‌السلام : أي أرض هذه؟. قالوا : كربلاء. قال : هذا كرب وبلاء.قال : فنزلوا وبينهم وبين الماء ربوة ، فأراد الحسينعليه‌السلام وأصحابه الماء ، فحالوا بينهم وبينه!. فقال له شهر بن حوشب : لا تشربوا منه حتّى تشربوا من الحميم!.

٥٨٨

الباب الخامس

في كربلاء

الفصل ١٨ ـ كربلاء ونزول كربلاء

ـ اليوم الثالث من المحرّم : لقاء عمر بن سعد

ـ اليوم السادس من المحرم : تجهيز الجيوش

ـ اليوم السابع من المحرم : الحصار ومنع الماء

الفصل ١٩ ـ اليوم التاسع من المحرّم : خطبة امتحان الأصحاب

ـ ليلة العاشر من المحرم : صلاة ودعاء

الفصل ٢٠ ـ يوم عاشوراء : خطبة الحسينعليه‌السلام الأولى والثانية

ـ فهارس الجزء الأول من الموسوعة

٥٨٩
٥٩٠

الفصل الثامن عشر

في كربلاء

(الخميس ٢ محرم سنة ٦١ ه‍)

وكان نزول الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم الخميس الثاني من شهر المحرّم سنة ٦١ هجرية. وقد قطع في مسيرته ستة عشر منزلا ، مكث في بعضها يوما أو يومين أو ثلاثة أيام ، وكان مجموع سفره ٢٤ يوما.

* تعريف بالباب الخامس :

يشمل هذا الباب إقامة الحسينعليه‌السلام في كربلاء من اليوم الثاني من المحرم وحتى اليوم العاشر منه ، حين وضع عمر بن سعد السهم في كبد قوسه ، وقال :اشهدوا لي عند الأمير أنني أول من رمى. فينتهي بذلك الجزء الأول من الموسوعة ، ليبدأ الجزء الثاني مع بداية القتال يوم عاشوراء.

وسوف يتمّ تقسيم هذا الباب إلى فصول متميزة حسب التوقيت الزمني للأيام التسعة التي قضاها الحسينعليه‌السلام في كربلاء ففي اليوم الثاني قامعليه‌السلام بنصب الخيام وترتيبها. وفي اليوم الثالث التقى مع طلائع جيش عمر بن سعد الذين جاؤوا لقتاله. وفي اليوم السادس وردت عليه الجيوش إلى كربلاء حتّى تكاملت ثلاثين ألفا. وفي اليوم السابع جاء الأمر من ابن زياد بمنع الماء عن الحسينعليه‌السلام ، فنزل عمرو بن الحجاج واستحل مشرعة الفرات ، وبدأ الحصار على الحسينعليه‌السلام .وفي الأثناء كانت المفاوضات تتمّ بين الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد دون جدوى.وفي اليوم التاسع من المحرم بدأ زحف الجيش الأموي نحو مخيّم الحسينعليه‌السلام ، فطلب منهم الحسينعليه‌السلام بواسطة أخيه العباس الإمهال إلى اليوم التالي ليقضوا آخر ليلة من حياتهم بالصلاة والدعاء. ثم يشمل الفصل الأخير حوادث اليوم العاشر من المحرم ، من الصباح وحتى بدء القتال بعد صلاة الظهر وسوف نبدأ هذا الباب بإعطاء لمحة عن نهر الفرات ، ثم عن كربلاء : تاريخها وجغرافيتها وفضلها.

٥٩١

«نهر الفرات»

٧٠٨ ـ مجرى نهر الفرات :

ينبع نهر الفرات من تركيا ، ثم يمرّ بسورية حيث يرفده البليخ عند الرقة ، والخابور عند البصيرة. ثم يدخل الأراضي العراقية عند (البوكمال) فيمرّ بعانة وهيت والرمادي [انظر المصور] ثم الفلوجة والمسيّب ، حيث ينقسم إلى فرعين.

(الشكل ١٣) : مجرى نهر الفرات ودجلة

يقول الأستاذ طه الهاشمي في كتابه (مفصّل جغرافية العراق) ص ١٤٧ : وفي جنوب قرية المسيّب الواقعة على الضفة اليسرى ، ينقسم نهر الفرات إلى فرعين :الفرع الغربي ويسمى بشط الهندية ، والفرع الشرقي ويسمى بشط الحلة.

وفى شمال (السماوة) قليلا يجتمع الفرعان معا [انظر الشكل ١٣ و ١٤].

٥٩٢

وعندما قلّت المياه في شط الحلة ، شيّدوا سدة الهندية لتوزيع المياه بشكل متساو على الفرعين. وهو يقع جنوب المسيب وعلى بعد ٥ أميال ، حيث يفترق الفرعان.

وقد كان شط الهندية يدعى قديما (شط الكوفة) لأنه يمرّ من الكوفة. وقد سماه بعض المؤرخين العرب : نهر العلقمي أيضا.

وبعد اجتماع الفرعين ، يلتقي نهر الفرات بنهر دجلة في شط العرب الّذي يصب في الخليج العربي [طول نهر الفرات الكلي ٢٧٣٦ كم].

يقول المسعودي في (التنبيه والإشراف) : ثم ينقسم الفرات إلى جهتين : قسم منهما يتوجه يسيرا نحو المغرب يسمى (العلقمي) يمرّ بالكوفة وغيرها ، والقسم الآخر يسمى (سورا) يمرّ بمدينة سورا ، ويسقي كثيرا من أعمال السواد.

ولا بأس أن ننوه بأن مجاري الأنهار القديمة تختلف كثيرا عن مجاريها الحالية ، بفعل العوامل الطبيعية ، فكم من أنهار قد انتقلت من مكانها إلى مكان آخر ، وكم من شاطئ كان بحرا في الماضي ثم أصبح اليوم أرضا يابسة ، كما حصل لمصب شط العرب في الخليج ، فقد كانت البصرة في الماضي ميناء على البحر ، واليوم تبعد عنه عدة كيلومترات.

وأغلب الظن أن مجرى نهر الفرات الّذي كانت الكوفة عليه ، قد ابتعد باستمرار باتجاه الشرق حتّى أصبح على ما هو عليه اليوم.

٧٠٩ ـ نهر العلقمي :(نهضة الحسين لهبة الدين الشهرستاني ، ص ٩٠)

يقول السيد هبة الدين : وأما نهر الفرات ، فكان عموده الكبير ينحدر من أعاليه يسقي القرى إلى ضواحي الكوفة. وكذلك ينشق من عمود النهر من شمالي المسيب نهر كفرع منه ، يسيل على بطاح ووهاد شمال شرقي كربلاء ، حتّى ينتهي إلى قرب مثوى سيدنا العباسعليه‌السلام ثم إلى نواحي الهندية ، ثم ينحدر فيقترن بعمود الفرات في شمال غربي قرية ذي الكفل ، ويسمى حتّى اليوم (العلقمي).

وفي (مدينة الحسين) لمحمد حسن مصطفى آل كليدار ، ج ٢ ص ٤ ، يقول :

سمي فرع الفرات القريب من كربلاء (بالعلقمي) لأحد سببين :

١ ـ ذهب فريق من المؤرخين إلى الاعتقاد بأن القسم المحاذي من هذا النهر لطف كربلاء قد كلّف بحفره رجل من بني علقمة ، بطن من تميم ، جدهم علقمة بن زرارة بن عدس ، فسمي النهر (بالعلقمي).

٥٩٣

(الشكل ١٤) : مصور نهر دجلة والفرات ، والمواقع الهامة عليهما

٥٩٤

٢ ـ والفريق الثاني من المؤرخين قالوا : سمي النهر بالعلقمي لكثرة شجر العلقم (الحنظل) حول حافتي النهر. ذكر ذلك النويري في كتابه (بلوغ الأرب في فنون الأدب).

ونهر العلقمي هو الّذي ملكه عمرو بن الحجاج بأمر من ابن زياد ، فبعث خمسمائة من خيله فاستحلوه ، ومنعوا الحسينعليه‌السلام من الوصول إليه منذ اليوم السابع. وقد حاول العباسعليه‌السلام الاستسقاء منه أكثر من مرة ، وفي المرة الأخيرة استشهد وهو راجع منه ، يحمل القربة إلى الأطفال الظمأى والنساء العطشى. وكان على ضفة النهر بعض النخيل.

وقد صاغ بعض الشعراء أبياتا فيها تورية بين (العلقمي) والعلقم ، مؤداها أن نهر العلقمي ليته كان علقما إذ لم يشرب منه العباسعليه‌السلام حين ذهب للاستسقاء ، فقتل قرب النهر دون أن يشرب ، يقول :

وهوى بجنب العلقميّ فليته

للشاربين به يداف العلقم

وفي حين نقل الحسينعليه‌السلام كل المستشهدين إلى مكان واحد قريبا من المخيم ، فإن العباس هو الوحيد الّذي ترك في مكانه ، ودفن في مكان استشهاده الّذي يبعد ٣٥٠ مترا شرق مرقد الحسينعليه‌السلام وقريبا من النهر.

ملفّ كربلاء

٧١٠ ـ مدينة كربلاء :

(أضواء على معالم محافظة كربلاء لمحمد النويني ، ص ٢٥)

تقع مدينة كربلاء في الجنوب الغربي من بغداد ، على بعد ١٠٥ كم ، وتقع شمال غرب الكوفة على بعد ٧٢ كم. وهي تقع في بقعة يحيط بها النخيل الوارف ، تحفّها بساتين الفاكهة. وفيها مرقد مولانا الحسينعليه‌السلام وأخيه العباسعليه‌السلام بمنائرهما وقبابهما الذهبية.

والملاحظ أن كربلاء بعيدة قليلا عن ماء الفرات (نهر العلقمي). ويسمى المكان الّذي نزل فيه الحسينعليه‌السلام يوم الثاني من المحرم وخيّم فيه هو وأصحابه (بالمخيّم) ويقع جنوب غرب مرقد الحسينعليه‌السلام . ويسمى الجزء من نهر العلقمي القريب من المرقد (المسنّاة) وهو الّذي حاول العباسعليه‌السلام الاستسقاء منه وقتل قريبا منه ، حيث قبره الآن (انظر الشكل ١٢).

٥٩٥

٥٩٦

ويخترق اليوم مدينة كربلاء طولا فرع من نهر الحسينية لتأمين الشرب ، وهو يتفرع عن الفرات بالقرب من سدّ الهندية.

ويبلغ تعداد مدينة كربلاء حوالي مائة ألف نسمة ، وهي أصغر من النجف حيث قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولم تكن كربلاء في العهد القديم قبل الفتح الاسلامي بلدة تستحق الذكر ، بل كانت قرية بسيطة عليها مزارع وضياع الدهّاقين الفرس.

٧١١ ـ حال كربلاء قبل الإسلام :(الأرض والتربة الحسينية ، ص ٣٧)

يصف أحدهم مزايا هذه الأرض الطبيعية وما كان لها من المكانة والحرمة عند الأمم القديمة قبل الإسلام بقوله : وإن أسمى تلك البقاع وأنقاها تربة ، وأطيبها طينة ، وأزكاها نفحة ، هي تربة كربلاء ، تلك التربة الحمراء الزكية ، وكانت قبل الإسلام قد اتخذت نواويس ومعابد ومدافن للأمم الغابرة ، كما يشير به كلام الإمام الحسينعليه‌السلام في خطبته حيث يقول : «كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين (النواويس) وكربلاء».

٧١٢ ـ مكانة كربلاء بعد الاسلام :

مدينة كربلاء المقدسة من أهم مدن العراق ، تمتاز بقدسيتها وبتاريخها الحافل بالأمور العظام والحوادث الجسام.

فقد أخبرتنا الأسفار التاريخية عن معارك خطيرة دارت رحاها في ربوع هذه المحافظة ، منها معركة القادسية بين العرب والفرس سنة ١٤ ه‍ ، التي انتصر فيها المسلمون على أعظم امبراطورية فارسية ، بقيادة سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر ابن الخطاب. والقادسية تبعد عن الكوفة جنوبا بمقدار مرحلة [أي حوالي ٤٥ كم].

ثم كانت معركة كربلاء سنة ٦١ ه‍ ، التي كانت أكبر معركة تصحيحية في صدر الإسلام. فزادت قدسية كربلاء منذ أن حلّ فيها ثاني السبطين وريحانة رسول الله الحسينعليه‌السلام .

٧١٣ ـ اشتقاق اسم كربلاء :

تعددت الآراء حول أصل تسمية (كربلاء) نذكر منها ستة آراء :

١ ـ فالكربلة : رخاوة في القدمين ، يقال : جاء يمشي مكربلا. فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة ، فسميت كربلاء.

٥٩٧

٢ ـ ويقال كربلت الحنطة : إذا هذّبتها ونقّيتها. فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدّغل ، فسميت بذلك.

٣ ـ الكربل : اسم ورد أحمر ، قد نبت في هذه الأرض ، فسميت الأرض باسم كربلاء.

٤ ـ وقيل : إن اسمها مأخوذ من كرب وبلاء ، لأنها من أول ما خلقت هذه الأرض كانت محلا للبلاء والهول والاضطراب حتّى أن كل من كان يمرّ بها كانت تحدث له أشياء عجيبة ، ويشعر بالغم والهم حتّى يخرج منها.

وتذكر الروايات أن أكثر الأنبياء مرّوا بها ، منهم آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إضافة لآخرين مثل الإمام عليعليه‌السلام وسلمان وغيرهما.

٥ ـ إن (كربلاء) لها جذر ديني قديم ، وهي مركبة من كلمتين : (كرب) بمعنى حرم ، و (ابلا) بمعنى الإله ، أي أنها (حرم الإله) ، وهو لفظ آشوري ، مما يدل على أنه كان هناك فيها حرم إله يعبد.

ويذكر السيد إبراهيم الزنجاني في (وسيلة الدارين) ص ٧٣ أن أصل الكلمة معبد ، فيقول : يرجع تاريخ كربلاء إلى عهد البابليين ، وقد كانت معبدا لسكان بلدين هما : نينوى ، وعقر بابل ، بابل الكلدانيين الواقعين بالقرب منها. واسم كربلاء مؤلف من كلمتين : (رب) بمعنى مصلّى أو معبد أو حرم ، و (إيلا) بمعنى الله ، باللغة الآرامية ، أي (حرم الله).

٦ ـ (أقول) : وحين التقيت بالأخ الدكتور سهل البدري في طهران ذكر لي معنى جديدا عن كربلاء قال : بنتيجة تحقيقاتي عن كربلاء ، وجدت أنها في اللغة السامرية والبابلية تعني (الرجل القربان) ، وفي اللغات الأكادية والعبرية والآشورية والآرامية تعني (قربان الله).

٧ ـ أنها مشتقة من (كور بابل) أي مجموعة قرى بابلية.

يقول السيد عبد الرزاق الحسني في (موجز تاريخ البلدان العراقية) ص ٥٤ : رأى بعضهم أن التوصل إلى معرفة كربلاء وتاريخها القديم قبل الإسلام قد يأتي عن طريق معرفة اشتقاق هذه الكلمة ، فاحتمل أن تكون لفظة (كربلاء) منحوتة من كلمة (كور بابل) العربية ، بمعنى مجموعة قرى بابلية كثيرة ، منها :

٥٩٨

ـ نينوى : القريبة من أراضي سد الهندية.

ـ الغاضرية : المشهورة اليوم بأراضي الحسينية.

ـ كربلة : وهي القريبة اليوم من مدينة كربلاء جنوبا وشرقا.

ـ كربلاء (أو عقر بابل) : وهي قرية في الشمال الغربي من الغاضرية وبأطلالها أثريات مهمة.

ـ النواويس : التي كانت مقبرة عامة قبل الفتح الاسلامي.

ـ الحير (أو الحائر) : وهو اليوم موضع قبر الحسينعليه‌السلام إلى حدود الصحن الشريف.

وغير ذلك من القرى الكثيرة (راجع نهضة الحسين للشهرستاني ، ص ٦٦).

مناقشة وردّ اشتباه :

يقول السيد محمّد حسن آل كليدار في كتابه (مدينة الحسين) ص ١٢ :

كور بابل ليست أصل كربلا : لما فتح الساسانيون العراق على عهد شابور ذي الأكتاف ، قسّموا العراق إلى إستانات [ولايات] ، وكل إستانة إلى طسج [قضاء] ، وقسّموا هذه الطساسيج إلى رساتيق [نواحي] ، فأصبحت الأراضي الواقعة بين عين التمر والفرات طسجا ، وهي ستة طساسيج من إستانة (بهقباد) ، ومنها طسج بابل ، وطسج النهرين (الّذي تنتمي إليه مدينة كربلاء).

ولما فتح المسلمون العراق في عهد عمر بن الخطاب عام ١٤ ه‍ بقيادة سعد ابن أبي وقاص ، أصبح اسم الطّسج السابق : كور بابل.

وقد أخطأ بعض المؤرخين في ترجمة الاسم الأصلي لكربلاء ، والتبس الأمر عليهم فظنوا أنه محرّف من كور بابل ، والصحيح أنه من كرب إيلا ، أي حرم الإله.

٧١٤ ـ أسماء كربلاء :

لكربلاء أسماء متعددة قديمة. بعضها مختص بها ، ويختلف باختلاف المساحة المقصودة من المدينة أو الحرم. وقد يكون بعض تلك الألفاظ هو أسماء ، وبعضها الآخر أوصاف لها. وبعضها يطلق على قرى وأماكن قريبة منها وواقعة في منطقتها.

فمن أسمائها : نينوى والغاضرية والنواويس والعقر والطف ومشهد الحسينعليه‌السلام والحائر والحير وشاطئ الفرات وعموراء وصفورا ومارية.

٥٩٩

إلا أن أهم هذه الأسماء هو (الحائر) لما أحيط بهذا الاسم من الحرمة والتقديس ، أو أنيط به من أعمال وأحكام في الفقه والعبادات.

وإليك تعريف سريع ببعض المواقع الهامة في منطقة كربلاء :

٧١٥ ـ الطّف :

الطفّ في اللغة له عدة معان :

١ ـ ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. قال أبو سعيد : سمي الطف لأنه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء ، بمعنى : أطلّ.

٢ ـ الطف : طف الفرات ، أي الشاطئ.

٣ ـ الطف : أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية ، فيها كان مقتل الحسينعليه‌السلام . وهي أرض بادية قريبة من الريف ، فيها عدة عيون ماء جارية ، منها : الصيد ، والقطقطانة ، والرّهيمة ، وعين جمل وذواتها. وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الّذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم.

٧١٦ ـ بابل :

(الفهرست : معجم الخريطة التاريخية للممالك الإسلامية لأمين واصف بك ، ص ١٩)

بابل مدينة من أقدم وأكبر مدن العالم القديم ، على الجانب الأيسر من نهر الفرات. بناها الكلدانيون ، وهي مدينة النمرود. اشتهرت في الأزمان الغابرة بالثروة والحضارة. وفيها مات الاسكندر المكدوني سنة ٣٢٣ ق. م وحملت جثته إلى الاسكندرية.

قال المفسرون في قوله تعالى :( وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ) [البقرة : ١٠٢] هي بابل العراق ، التي اتخذها البابليون عاصمة لهم.

قال : فأما الملوك الأوائل ، أعني ملوك النبط وفرعون وإبراهيم ، فإنهم كانوا نزلا ببابل ، وكذلك بخت نصّر ، الّذي يزعم أهل السير أنه ممن ملك الأرض بأسرها ، انصرف بعد ما أحدث ببني إسرائيل ما أحدث ، انصرف إلى بابل فسكنها.

قال أبو المنذر هشام بن محمّد الكلبي : إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك. وكان بابها مما يلي الكوفة. وكان الفرات يجري ببابل حتّى صرفه بخت نصّر إلى موضعه الآن ، مخافة أن يهدم عليه سور المدينة ، لأنه كان يجري معه.

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735