موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 10%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 471874 / تحميل: 5572
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

إذا عرفت هذا ، فإنّ ضمّ المشرف إليه على جهة الاستظهار والاستحباب ، دون الإيجاب ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

ولو علم الحاكم خيانته فيها ، فالأقرب : وجوب ضمّ مشرفٍ إليه ، فإذا انتهى التعريف حولاً مَلَكها ملتقطها ؛ لأنّ سبب الملك منه وُجد.

أمّا الشافعيّة فسواء قالوا : إنّه تُنتزع اللّقطة من يده أو يُضمّ إليه مشرف ففي التعريف لهم قولان :

أشبههما عندهم : إنّه لا يعتمد في التعريف عليه ؛ لأنّه ربما يخون فيه حتى لا يظهر المالك ، بل يضمّ إليه نظر العَدْل ومراقبته.

والثاني : إنّه يكتفى بتعريفه ؛ فإنّه الملتقط ، فإذا تمّ التعريف فللملتقط التملّك(٢) .

تذنيب : الأقرب : إنّ الفاسق يُمنع من لقطة الحرم ؛ لأنّها مجرّد أمانةٍ ، والفاسق ظالم ، فلا يُركن إليه في تركها معه ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) فحينئذٍ لو التقط منه انتزعه الحاكم ، كما قلنا في الكافر.

وأكثر العامّة لم يفرّقوا بين اللّقطتين ، وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.

مسألة ٣١٤ : التقاط العبد لا يخلو من أقسام ثلاثة : إمّا أن يكون السيّد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٣) سورة هود : ١١٣.

١٨١

قد أذن له فيه ، أو نهاه عنه ، أو لم يأذن فيه ولا نهى عنه.

فإن كان المولى قد أذن له في الالتقاط - مثل أن يقول : مهما وجدتَ ضالّةً فخُذْها وائتني بها - جاز ذلك عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - كما لو أذن له المولى في قبول الوديعة ، فإنّه يصحّ منه قبولها ، ولعموم الخبر(٢) ، ولأنّ الالتقاط سبب يملك به الصبي ويصحّ منه ، فصحّ من العبد ، كالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد ، ولأنّ مَنْ جاز له قبول الوديعة صحّ منه الالتقاط ، كالحُرّ.

وللشافعيّة فيه طريقان :

أحدهما : القطع بالصحّة ؛ لما تقدّم.

والثاني : إنّ فيه قولين ، أحدهما : المنع ؛ لما في اللّقطة من معنى الولاية ، والإذن لا يفيده أهليّة الولاية.

وفي رواية الخاصّة عن أبي خديجة عن الصادقعليه‌السلام : إنّه سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللّقطة ، فقال : « ما للمملوك واللّقطة؟ والمملوك لا يملك من نفسه شيئاً ، فلا يُعرّض لها المملوك ، فإنّه ينبغي للحُرّ أن يعرّفها سنةً في مجمعٍ ، فإن جاء طالبها دفعها إليه ، وإلّا كانت في ماله ، فإن مات كانت ميراثاً لولده ولمن ورثه ، فإن جاء طالبها بعد ذلك دفعوها إليه »(٣) .

ولأنّ الالتقاط أمانةٌ وولايةٌ في السنة الأُولى ، وتملّكٌ بعوضٍ في السنة‌

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٤٧٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٧٤ ، الهامش (١)

(٣) الكافي ٥ : ٣٠٩ / ٢٣ ، الفقيه ٣ : ١٨٨ / ٨٤٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٧ بتفاوتٍ.

١٨٢

الأُخرى ، والعبد ليس من أهل الولايات ، ولا يملك المال ، ولا له ذمّة يستوفى منها(١) .

والرواية لا تعطي التحريم ، فيحتمل الكراهة ، والولاية قد ثبتت له مع إذن مولاه ، والتملّك لمولاه.

وإن كان المولى قد نهاه عن الالتقاط ، حرم عليه ؛ لأنّه محجور عليه في التصرّف ، إلّا بإذن المولى ، فإن التقط والحال هذه كان للمولى انتزاعها من يده.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بمنع العبد مع نهي مولاه من الالتقاط.

والثاني : طرد القولين(٢) .

وإن كان المولى لم يأمره بالالتقاط ولا نهاه عنه ، فإنّه يصحّ التقاطه عندنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين(٣) - لأنّ يد العبد يد سيّده ، فكأنّ السيّد هو الملتقط ، وكما أنّه يعتبر اصطياده واحتطابه ، كذا يعتبر التقاطه ، ويكون الحاصل للسيّد ، ولا عبرة بقصده.

وهذا القول نقله المزني عمّا وضعه بخطّه ، قال : ولا أعلمه سُمع منه(٤) .

____________________

(١) البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٣) المغني ٦ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٢ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٤) مختصر المزني : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣.

١٨٣

والثاني - نصّ عليه في الأُم ، واختاره المزني - : إنّه لا يصحّ ؛ لأنّ اللّقطة أمانة وولاية في الابتداء ، وتملّكٌ في الانتهاء ، والعبد لا يملك ، ولا هو من أهل الأمانة والولاية(١) .

قال ابن سريج : القولان مبنيّان على أنّ العبد يملك ، فأمّا إذا فرّعنا على الجديد - وهو أنّه لا يملك - فليس له الالتقاط بحالٍ(٢) .

وقال بعضهم : في هذا التباس من جهة أنّه ليس القولان في أنّ العبد هل يملك مطلقاً؟ وإنّما هُما في أنّه هل يملك بتمليك السيّد؟ ولا تمليك هنا من جهة السيّد(٣) .

مسألة ٣١٥ : قد بيّنّا أنّ العبد يصحّ التقاطه ، فإذا التقط شيئاً صحّ منه أن يُعرّفه ، كما صحّ التقاطه - وهو أحد قولَي الشافعي(٤) - كالحُرّ ، فإذا كمل حول التعريف لم يكن للعبد أن يتملّكها لنفسه ؛ لأنّه ليس أهلاً للتملّك مطلقاً عندنا - وهو الجديد للشافعي(٥) - وبدون تمليك السيّد على قول بعض علمائنا(٦) والشافعي في القديم(٧) ، وهنا لم يُملّكه السيّد.

____________________

(١) الأُم ٤ : ٦٨ ، مختصر المزني : ١٣٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٢ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣.

(٤) البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٠٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٦٧ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠.

(٦) لم نتحقّقه.

(٧) الحاوي الكبير ٥ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٠٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٦٧ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠.

١٨٤

فإن اختار العبد التملّكَ على الوجه الذي لو فَعَله الحُرّ مَلَك به ، لم يملك به ؛ لأنّ التملّك على وجه الاقتراض ، واقتراضه بغير إذن سيّده لا يصحّ ، إلّا أنّها تكون في يده مضمونةً ؛ لأنّها في يده بقرضٍ فاسد ، فإذا تلفت ضمنها في ذمّته يتبع بها بعد العتق.

وله التملّك للسيّد بإذنه.

ولو لم يأذن السيّد ، فالأقوى : إنّه لا يدخل في ملك السيّد بنيّة العبد التملّك له.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على الوجهين في أنّه هل يصحّ اتّهاب العبد بدون إذن السيّد؟ أو على القولين في شرائه بغير إذنٍ.

والثاني : القطع بالمنع ، بخلاف الهبة ؛ لأنّ الهبة لا تقتضي عوضاً ، وبخلاف الشراء ؛ فإنّا إن صحّحناه علّقنا الثمن بذمّة العبد ، وهنا يبعد أن لا يطالب مالك اللّقطة السيّدَ المتملّك ؛ لأنّه لم يرض بذمّة العبد(١) .

والأصحّ عندهم : المنع ، سواء ثبت الخلاف أم لا(٢) .

وعلى هذا فقد قال بعض الشافعيّة : إنّه لا يصحّ تعريفه دون إذن السيّد أيضاً(٣) .

لكنّ الأصحّ عندهم : إلحاق التعريف بالالتقاط(٤) .

قال الجويني : نعم ، إن قلنا : انقضاء مدّة التعريف يوجب الملك ، فيجوز أن يقال : لا يصحّ تعريفه ، ويجوز أن يقال : يصحّ ، ولا يثبت الملك‌

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

١٨٥

في هذه الصورة ، كما لا يثبت إذا عرف من قصده الحفظ أبداً(١) .

وعلى القول الثاني للشافعي بأنّه لا يصحّ التقاط العبد لا يعتدّ بتعريفه(٢) .

ثمّ إن لم يعلم السيّد بالتقاطه ، فالمال مضمون في يد العبد ، والضمان يتعلّق برقبته ، سواء أتلفه أو تلف بتفريطه أو بغير تفريطٍ ، كما في المغصوب.

وإن علم السيّد ، فأقسامه ثلاثة :

أحدها : أن يأخذه من يده.

وينبغي أن يُقدَّم عليه مقدّمة هي : إنّ الحاكم لو أخذ المغصوب من الغاصب ليحفظه للمالك هل يبرأ الغاصب من الضمان؟ فيه للشافعيّة وجهان ، ظاهر القياس منهما البراءة ؛ لأنّ يد الحاكم نائبة عن يد المالك.

فإن قلنا : لا يبرأ ، فللقاضي أخذها منه.

وإن قلنا : يبرأ ، فإن كان المال عرضةً للضياع والغاصب بحيث لا يبعد أن يفلس أو يغيب وجهه ، فكذلك ، وإلّا فوجهان :

أحدهما : إنّه لا يأخذ ، فإنّه أنفع للمالك.

والثاني : يأخذ ؛ نظراً لهما جميعاً(٣) .

وليس لآحاد الناس أخذ المغصوب إذا لم يكن في معرض الضياع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٠ ، البيان ٧ : ٤٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥ - ٤٥٦.

١٨٦

ولا الغاصب بحيث تفوت مطالبته ظاهراً.

وإن كان كذلك ، فوجهان :

أظهرهما عندهم : المنع ؛ لأنّ القاضي هو النائب عن الناس ، ولأنّ فيه ما يؤدّي إلى الفتنة وشهر السلاح.

والثاني : الجواز احتساباً ونهياً عن المنكر.

فعلى الأوّل لو أخذ ضمن ، وكان كالغاصب من الغاصب.

وعلى الثاني لا يضمن ، وبراءة الغاصب على الخلاف السابق ، وأولى بأن لا يبرأ(١) .

وفصّل قومٌ بين أن يكون هناك قاضٍ يمكن رفع الأمر إليه فلا يجوز ، وبين أن لا يكون فيجوز(٢) .

إذا عرفتَ ذلك ، فقد قال أكثر الشافعيّة : إذا أخذ السيّد اللّقطة من العبد صار هو الملتقط ؛ لأنّ يد العبد إذا لم تكن يدَ التقاطٍ كان الحاصل في يده ضائعاً بَعْدُ ، ويسقط الضمان عن العبد ؛ لوصوله إلى نائب المالك ، فإن كان أهلاً للالتقاط كان نائباً عنه(٣) .

وبمثله أجابوا فيما لو أخذه أجنبيٌّ ، إلّا أنّ بعضهم جعل أخذ الأجنبيّ على الخلاف فيما لو تعلّق صيدٌ بشبكة إنسانٍ فجاء غيره وأخذه(٤) .

واستبعد الجويني قولَهم : « إنّ أخذ السيّد التقاطٌ » لأنّ العبد ضامن بالأخذ ، ولو كان أخذ السيّد التقاطاً لسقط الضمان عنه ، فيتضرّر به المالك(٥) .

وقال بعضهم : إنّ السيّد ينتزعه من يده ، ويسلّمه إلى الحاكم ليحفظه‌

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٦.

١٨٧

للمالك أبداً(١) .

وأمّا الجويني فإنّه قال : إذا قلنا : إنّه ليس بالتقاطٍ فأراد أخْذَه بنفسه وحِفْظه لمالكه ، ففيه وجهان مرتَّبان على أخذ الآحاد المغصوبَ للحفظ ، وأولى بعدم الجواز ؛ لأنّ السيّد ساعٍ لنفسه غير محتسبٍ ، ثمّ يترتّب على جواز الأخذ حصول البراءة ، كما قدّمناه.

وإن استدعى من الحاكم انتزاعه ، فهذه الصورة أولى بأن يزيل الحاكم فيها اليد العادية ، وإذا أزال فأولى بأن تحصل البراءة ؛ لتعلّق غرض السيّد بالبراءة وكونه غير منسوبٍ إلى العدوان حتى يغلظ عليه(٢) .

الثاني : أن يُقرّه في يده ويستحفظه عليه ليعرّفه.

فإن كان العبد أميناً جاز ، كما لو استعان به في تعريف ما التقطه بنفسه.

والأقرب عندهم : عدم سقوط الضمان ، وقياس كلام جمهورهم سقوطه(٣) .

وإن لم يكن أميناً فالمولى متعدٍّ بإقراره عليه ، وكأنّه أخذه منه وردّه إليه.

الثالث : أن يُهمله ، فلا يأخذه ولا يُقرّه ، بل يعرض عنه ، فللشافعي قولان :

ففي رواية المزني : إنّ الضمان يتعلّق برقبة العبد كما كان ، ولا يُطالَب به السيّد في سائر أمواله ؛ لأنّه لا تعدّي منه ، ولا أثر لعلمه ، كما لو رأى عبده يُتلف مالاً فلم يمنعه منه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٦ - ٤٥٧.

١٨٨

وفي رواية الربيع : تعلّقه بالعبد وبجميع أموال السيّد ؛ لأنّه متعدٍّ بتركه في يد العبد(١) .

ثمّ اختلفوا فيهما على أربعة طُرقٍ :

قال الأكثر : المسألة على قولين ، أظهرهما : تعلّقه بالعبد وبسائر أموال السيّد ، حتى لو هلك العبد لا يسقط الضمان ، ولو أفلس السيّد قُدّم صاحب اللّقطة في العبد على سائر الغرماء. ومَنْ قال به لم يُسلّم عدمَ وجوب الضمان فيما إذا رأى عبده يُتلف مالاً فلم يمنعه.

وبعضهم حَمَل منقولَ المزني على ما إذا كان العبد مميّزاً ، وحَمَل منقول الربيع على ما إذا كان غير مميّزٍ.

وقطع بعضهم بما رواه المزني ، وبعضهم بما رواه الربيع ، وغلّطوا المزني في النقل ، واستشهدوا بأنّه روى في الجامع الكبير كما رواه الربيع ، فأشعر بغفلته هنا عن آخر الكلام(٢) .

وهذا كلّه ساقط عندنا حيث قلنا : إنّ للعبد الالتقاط.

مسألة ٣١٦ : إذا التقط العبد ولم يأمره السيّد به ولا نهاه عنه ، صحّ التقاطه.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يعلم السيّد بالالتقاط أو لا يعلم.

فإن لم يعلم ، فالمال أمانة في يد العبد.

فإن أعرض عن التعريف ، ضمن ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٠ ، البيان ٧ : ٤٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٤ ، البيان ٧ : ٤٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

١٨٩

كالحُرّ ؛ فإنّ فيه وجهين لهم لو أعرض عن التعريف(١) .

ولو أتلفه العبد بعد مدّة التعريف أو تملّكه لنفسه فهلك عنده ، تعلّق المال بذمّة العبد ، كما لو استقرض قرضاً فاسداً واستهلكه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يتعلّق برقبته ، كما لو غصب شيئاً فتلف عنده ، وليس كالقرض ، فإنّ صاحب المال سلّمه إليه(٢) .

والحكم في الأصل عندنا ممنوع.

ولو أتلفه في المدّة ، تعلّق بذمّته عندنا يُتبع به بعد العتق.

وأكثر الشافعيّة قالوا : يتعلّق برقبته(٣) .

وكذا لو تلف بتقصيرٍ منه عندنا ، ويتعلّق بذمّته.

وعندهم يتعلّق برقبته ، وفرّقوا بينه وبين الإتلاف بعد المدّة - حيث كان على الخلاف السابق - بأنّ الإتلاف في السنة خيانة محضة ؛ لأنّه لم يدخل وقت التملّك ، وأمّا بعدها فالوقت وقت الارتفاق والإنفاق ، فاستهلاك العبد يشابه استقراضاً فاسداً(٤) .

وحكى بعض الشافعيّة أنّ المسألة على قولين :

أحدهما : التعلّق بالرقبة.

والثاني : التعلّق بالذمّة ؛ لأنّا إذا جوّزنا له الالتقاط فكان المال قد حصل في يده برضا صاحبه ، وحينئذٍ فالإتلاف لا يقتضي إلّا التعلّق بالذمّة ، كما لو أُودع العبد مالاً فأتلفه ، يكون الضمان في ذمّته(٥) .

ولمانعٍ أن يمنع ذلك ؛ لأنّ الضمان في الوديعة أيضاً يتعلّق برقبته عند‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

(٢ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٨.

١٩٠

بعض الشافعيّة(١) .

وأمّا عندنا فيتعلّق بذمّته أيضاً.

وإن علم به السيّد ، فله انتزاعها من يده ، كالأموال التي يكتسبها العبد ؛ فإنّ اللّقطة نوعٌ منها ، ثمّ يصير السيّد كالملتقط بنفسه إن شاء حفظها على مالكها ، وإن شاء عرّفها وتملّكها ، ولو كان العبد قد عرّف بعضَ الحول احتسب به وأكمل الحول.

وإن أقرّه في يد العبد ، فإن كان خائناً ضمن بإبقائه في يده عند الشافعيّة(٢) .

والأقوى ذلك إن كان قد قبضه المولى ثمّ دفعه إليه ، وإلّا فلا.

ولو كان أميناً ، لم يضمن ، سواء قبضها ثمّ دفعها إليه ، أو أقرّها في يده من غير قبضٍ.

ولو تلف المال في يد العبد في مدّة التعريف ، فلا ضمان.

وإن تلف بعدها ، فإن أذن السيّد في التملّك وجرى التملّكُ ضمن.

وإن لم يَجْر التملّك بَعْدُ ، فالأقوى : تعلّق الضمان بالسيّد ؛ لأنّه أذن في سبب الضمان ، فأشبه ما لو أذن له في أن يسوم شيئاً فأخذه وتلف في يده ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يضمن ، كما لو أذن له في الغصب فغصب(٣) .

فإن قلنا بالثاني ، تعلّق الضمان برقبة العبد عندهم(٤) .

وإن قلنا بالأوّل ، تعلّق بذمّة العبد يتبع به بعد العتق ، كما أنّ السيّد مطالب به.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٦.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٨.

١٩١

وإن كان السيّد لم يأذن له في التملّك ، تعلّق الضمان بذمّة العبد - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه دَيْنٌ لزم لا برضا مستحقّه ، ولا يتعلّق الضمان بالسيّد بحالٍ ؛ لعدم الإذن.

والثاني للشافعيّة : إنّه يتعلّق برقبته(٢) .

ولو أتلفه العبد بعد المدّة ، تعلّق بذمّته.

وللشافعيّة قولان(٣) .

وهل يثبت الفرق بين أن يقصد العبد الالتقاط لنفسه أو لسيّده؟

الأقرب : انتفاء الفرق ؛ فإنّ كلّ واحدٍ منهما يقع الالتقاط فيه(٤) للسيّد.

واختلفت الشافعيّة.

فقال بعضهم : إنّ القولين في المسألة مفروضان فيما إذا نوى بالالتقاط نفسَه ، فأمّا إذا نوى سيّدَه فيحتمل أن يطّرد القولان ، ويحتمل القطع بالصحّة(٥) .

وعكس بعضهم ، فقال : القولان فيما إذا التقط ليدفعها إلى سيّده ، فأمّا إذا قصد نفسَه فليس له الالتقاط قولاً واحداً ، بل هو متعدٍّ بالأخذ(٦) .

مسألة ٣١٧ : قد بيّنّا أنّه يجوز التقاط العبد.

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّه لا يجوز ، فإذا التقطها ضمنها في رقبته عنده ، سواء أتلفها ، أو تلفت في يده بتفريطٍ أو بغير تفريطٍ ؛ لأنّه أخذ مال غيره على وجه التعدّي ، وسواء كان قبل الحول أو بعده ؛ لأنّ تعريفه‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٨.

(٤) في « ج » : « منه » بدل « فيه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٨ - ٤٥٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

١٩٢

لا يصحّ ، لأنّه ليس من أهل الالتقاط عنده(١) .

فإن علم به سيّده ، فإن انتزعها من يده كان له ذلك ، وسقط عن العبد الضمان ، وكانت أمانةً في يد السيّد ؛ لأنّه يأخذها على سبيل الالتقاط.

وهذا بخلاف ما لو غصب العبد شيئاً فأخذه سيّده منه ، فإنّه لا يزول عن العبد الضمان ؛ للفرق بينهما ، فإنّ السيّد لا ينوب عن المغصوب منه ، فلا يزول الضمان بأخذه ، وهنا ينوب عن صاحبها ، وله حفظها عليه.

وينبغي أن يكون لو أخذها من العبد غيرُ سيّده من الأحرار جاز ، وزال الضمان عنه ؛ لأنّ كلّ مَنْ هو مِنْ أهل الالتقاط نائب عن صاحبها.

إذا ثبت هذا ، فإن أخذها سيّده كان كما لو ابتدأ التقاطها إن شاء حفظها لصاحبها ، وإن شاء تملّكها بعد التعريف ، ولا يعتدّ بتعريف العبد عنده(٢) .

وإن أقرّها في يد العبد ، ضمن إن لم يكن أميناً ، وإلّا فلا.

فإذا قلنا : لا ضمان على المولى ، تعلّق الضمان برقبة العبد خاصّةً ، فإن تلف سقط الضمان.

وإن قلنا : يضمن السيّد ، تعلّق الضمان بمحلّين : رقبة العبد ، وذمّة السيّد.

فإن أفلس السيّد ، كان صاحب اللّقطة أحقَّ باستيفاء عوضها من العبد ؛ لأنّ حقّه تعلّق برقبته عنده(٣) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٠ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٢) راجع : الهامش (٢) من ص ١٨٥.

(٣) راجع : الهامش (١) من ص ١٨٨.

١٩٣

وإن مات العبد ، تعلّق بذمّة سيّده يدفعه من سائر أمواله.

مسألة ٣١٨ : إذا التقط العبد لقطةً ثمّ أعتقه السيّد قبل علمه باللّقطة ، أو بعد علمه وقبل أن يأخذها منه ، كان السيّد أحقَّ بأخذها من يده ؛ لأنّ التقاط العبد قد صحّ ، وكان كسباً له ، وما كسبه العبد قبل عتقه يكون للسيّد ، فيُعرّفها السيّد ويتملّكها ، فإن كان العبد قد عرّف ، اعتدّ به ، وهذا ظاهر مذهب الشافعي(١) .

وعن بعض الشافعيّة وجهان في أنّ السيّد أحقّ بها ؛ اعتباراً بوقت الالتقاط ، أو العبد ؛ اعتباراً بوقت الملك؟ وشبّهه بما إذا أُعتقت الأمة تحت عبدٍ ولم تفسخ حتى تحرّر العبد(٢) .

وعلى القول الثاني للشافعي من منع التقاط العبد للشافعيّة قولان ، أحدهما : إنّه ليس للسيّد أخذها من يد العبد ؛ لأنّه قبل أن يعتق لم يتعلّق بها حقُّ السيّد ؛ لكون العبد متعدّياً ، وقد زالت ولايته بالعتق ، فإذا أُعتق صار كأنّه اكتسبها بعد عتقه ، وصار كأنّه التقطها بعد حُرّيّته ، فلم يكن للسيّد فيها حقٌّ(٣) .

وهل للعبد تملّكها؟ الوجه ذلك ، ويجعل كأنّه التقطه بعد الحُرّيّة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني : المنع ؛ لأنّه لم يكن أهلاً للأخذ ، فعليه تسليمها إلى الإمام(٤) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦١ ، البيان ٧ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦١ - ٥٦٢ ، البيان ٧ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

١٩٤

تذنيب : للعبد أخذ لقطة الحرم ، كما له أخذ لقطة الحِلّ ، ولا يجوز له التملّك لا له ولا لسيّده على ما يأتي(١) ، والمدبَّر وأُمّ الولد كالقِنّ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٣١٩ : المكاتَب إن كان مشروطاً فكالقِنّ ، يجوز له الالتقاط ، لكن ليس للمولى انتزاعها من يده ؛ لأنّها كسب له إذا لم يكن لقطة الحرم.

نعم ، لو عجز فاستُرقّ كان للمولى انتزاعها من يده ، كالقِنّ.

وللشافعيّة في المكاتَب طريقان مبنيّان على اختلاف قولَي الشافعي ، فإنّه قال في الأُم : المكاتَب كالحُرّ(٢) ، وقال في موضعٍ آخَر : إنّه كالعبد(٣) .

واختلف أصحابه :

فقال بعضهم : إنّ المكاتَب كالحُرّ قولاً واحداً ، وقطع بصحّة التقاطه ؛ لأنّه مستقلّ بالتملّك والتصرّف كالحُرّ ، وله ذمّة يمكن استيفاء الحقوق منها ، ثمّ تأوّلوا قوله : « كالعبد » بأنّه أراد به إذا كانت الكتابة فاسدةً(٤) .

وقال بعضهم : فيه قولان :

أحدهما : إنّه كالحُرّ ؛ لأنّه ماله ، كذا قال الشافعي في الأُم(٥) ، ونقل المزني أنّ ماله يسلم له(٦) ، والأوّل أولى ؛ لأنّ المال في الحال له ، وقد يسلم له بتمام الكتابة ، وقد لا يسلم بفسخها.

والثاني : إنّه كالعبد ، وفي التقاطه قولان ؛ لتعارض معنى الولاية والاكتساب ، فإنّ الملك موجود في العبد ، وهو ينافي الولاية ، ولهذا‌

____________________

(١) في ص ٢٤٥ ، المسألة ٣٥٤ ، وص ٢٥١ ، المسألة ٣٥٦.

(٢) الأُم ٤ : ٦٨ ، مختصر المزني : ١٣٦.

(٣) قاله في الإملاء على ما في الحاوي الكبير ٨ : ٢١.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٤ و ٥٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨.

(٥ و ٦) راجع : الهامش (٢)

١٩٥

لا تصحّ الوصيّة إليه ، فجرى مجرى العبد(١) .

وللشافعيّة هنا أُمور غريبة.

أ : عن ابن القطّان رواية قاطعة بالمنع من التقاط المكاتَب ، بخلاف القِنّ ؛ لأنّ سيّده ينتزعه من يده ، وأمّا المكاتَب فقد انقطعت ولاية السيّد عنه على نقصانه(٢) .

ب : حكى القاضي ابن كج خلافاً في أنّ الخلاف المذكور في المكاتَب سواء صحّت الكتابة أو فسدت ، أو في المكاتَب كتابةً صحيحةً؟

وأمّا المكاتَب كتابةً فاسدةً فهو كالقِنّ لا محالة ، والصحيح عندهم : الثاني(٣) .

ج : نقل الجويني عن تفريع العراقيّين على القطع بالصحّة أنّ في إبقاء اللّقطة في يده قولين على قياس ما مرّ في الفاسق ، وكتبهم ساكتة عن ذلك ، إلّا ما شاء الله(٤) .

ونحن قد قلنا : إن التقاط المكاتَب صحيح ، فحينئذٍ يُعرّف اللّقطة ويتملّكها إن شاء ، وبدلها في كسبه ، وليس للمالك(٥) انتزاعها من يده ، وهو قول الشافعي(٦) على تقدير قوله بصحّة التقاطه.

وهل يُقدَّم صاحب اللّقطة بها على الغرماء؟ الأقرب عندي ذلك.

وللشافعيّة وجهان(٧) .

وعلى القول للشافعي بأنّ المكاتَب كالحُرّ لا بحث ، وبأنّه كالعبد إن قلنا : إنّه لا يصحّ التقاط العبد لا يصحّ التقاط المكاتَب ، ويكون متعدّياً‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٢١ ، الوسيط ٤ : ٢٨٧ ، البيان ٧ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ - ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٠.

(٥) أي : المولى.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٠.

١٩٦

بأخذها ، وعليه ضمانها ، وليس للسيّد انتزاعها من يده ؛ لانتفاء ولاية السيّد عن المكاتَب ، وإنّما يسلّمها إلى الحاكم ليُعرّفها ، فإذا مضى الحول تملّكها المكاتَب ؛ لأنّه من أهل التملّك ، هكذا قال بعض الشافعيّة(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه إذا فسد الالتقاط لم يجز له الالتقاط ، فلا يملكها بالحول والتعريف ، وإنّه إذا أخذها من يده مَنْ هو من أهل الالتقاط وإن كان أجنبيّاً يكون ملتقطاً ، ولم يعتبروا الولاية ، وليس السيّد في حقّ المكاتَب بأدنى حالاً من الأجنبيّ في القِنّ أن يجوز ذلك ، وبرئ من ضمانها كما قلنا في العبد إذا أخذها سيّده منه.

لا يقال : للسيّد يدٌ على العبد وعلى ما في يده ، دون المكاتَب.

لأنّا نقول : إنّما له ذلك فيما هو كسب للعبد ويُقرّ يده عليه ، وأمّا هذه اللّقطة فلا يُقرّ يد العبد عليها ، ولا له فيها كسب.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يسلّمها إلى الحاكم ليحفظها ، ولا يعرّفها(٢) .

والكلّ عندنا غلط.

مسألة ٣٢٠ : لو التقط المكاتَب ، صحّ عندنا ، فإذا اشتغل بالتعريف فأُعتق ، أتمّ التعريف وتملّك.

وإن عاد إلى الرقّ قبل تمام التعريف ، كان حكمه حكمَ القِنّ ، للمولى انتزاعها من يده وتقرير يده عليها.

وقال بعض الشافعيّة : يأخذها القاضي ويحفظها للمالك ، وإنّه ليس للسيّد أخذها وتملّكها ؛ لأنّ التقاط المكاتَب لا يقع للسيّد ابتداءً فلا ينصرف‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٢ ، البيان ٧ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٠.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٥٤٥.

١٩٧

إليه انتهاءً(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ الالتقاط اكتسابٌ ، واكتساب المكاتَب عند عجزه للسيّد.

ولو مات المكاتَب أو العبد قبل التعريف ، وجب أن يجوز للسيّد التعريف والتملّك ، كما أنّ الحُرّ إذا التقط ومات قبل التعريف ، يُعرّف الوارث ويتملّك.

مسألة ٣٢١ : مَنْ نصفه حُرٌّ ونصفه رقيقٌ يصحّ التقاطه ؛ لأنّ القِنّ عندنا يجوز التقاطه ، فالمعتق بعضه أولى.

وقال الشافعي : إنّه كالمكاتَب(٢) .

وللشافعيّة طريقان :

منهم مَنْ قال : يصحّ التقاطه قولاً واحداً ؛ لاستقلاله بالملك والتصرّف وقوّة ذمّته(٣) .

ومنهم مَنْ قال : فيه قولان ، كالعبد(٤) .

وقال بعضهم بالتفصيل ، وهو : إنّه يصحّ التقاطه بقدر الحُرّيّة قولاً واحداً ، والطريقان إنّما هُما في نصيب الرقّيّة(٥) .

فعلى القول بمنع الالتقاط يكون متعدّياً بالأخذ ، ضامناً بقدر الحُرّيّة في ذمّته يؤخذ منه إن كان له مال ، وبقدر الرقّ في رقبته ، بناءً على أنّ إتلافه متعلّق برقبته(٦) .

وعندنا أنّه متعلّق بذمّته أيضاً يُتبع به بعد العتق لو تعدّى في اللّقطة ،

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩.

(٣ و ٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٦ ، البيان ٧ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١.

١٩٨

ولا يؤخذ نصيب الرقّيّة من نصيب الحُرّيّة.

وذكر بعض الشافعيّة وجهين في أنّه ينتزع منه ، أو يبقى في يده ويُضمّ إليه مُشرف؟ والظاهر عندهم : الانتزاع(١) .

ثمّ بعد الانتزاع وجهان في أنّه يُسلّم إلى السيّد ، أو يحفظه الحاكم إلى ظهور مالكه؟ والأظهر عندهم : الثاني(٢) .

فإن سلّم إلى السيّد ، قال بعضهم : إنّ السيّد يُعرّفه ويتملّكه(٣) .

وقال بعضهم : يكون بينهما بحسب الرقّ والحُرّيّة ، ويصيران كشخصين التقطا مالاً(٤) .

وقال بعضهم : بل يختصّ السيّد بها ؛ إلحاقاً للقطته بلقطة القِنّ(٥) .

مسألة ٣٢٢ : مَنْ نصفه حُرٌّ ونصفه عبدٌ يصحّ التقاطه على ما تقدّم ، وهو أحد قولَي الشافعي(٦) .

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون بينه وبين سيّده مهايأة ، أو لا.

فإن لم يكن هناك مهايأة ، كان ما يكتسبه بينهما على النسبة ، ومن جملته الالتقاط.

وإن كان بينهما مهايأة ، فاللّقطة من الاكتسابات النادرة ، فعندنا أنّها تدخل في المهايأة - وهو أحد قولَي الشافعي - لأنّ هذا كسب ، فكان حكمه حكمَ سائر الاكتسابات.

والثاني : لا تدخل ؛ لأنّ الالتقاط نادر غير معلوم الوجود ولا مظنونه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١.

(٢ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، الوسيط ٤ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٦ ، البيان ٧ : ٤٧٤.

١٩٩

فلا تدخل تحت المهايأة(١) .

والمعتمد ما قلناه.

فعلى ما اخترناه إن وقعت اللّقطة في نوبة المولى كانت للمولى ، وإن وقعت في نوبة العبد كانت له ، وأيّهما وقعت له فإنّه يُعرّفها ويتملّكها.

والاعتبار بيوم الالتقاط ؛ لأنّه وقت حصول الكسب ، لا بوقت الملك ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر ، وهو : اعتبار وقت التملّك(٣) .

ولو وقع الالتقاط في نوبة أحدهما وانقضاء مدّة التعريف في نوبة الآخَر ، فعندنا الحكم بنوبة الالتقاط.

وعند مَن اعتبر التملّك ألحقه به ، وعلى القول بعدم دخول النادر في المهايأة يكون الحكم فيه كما لو لم يكن بينهما مهايأة(٤) .

مسألة ٣٢٣ : قد بيّنّا أنّ المدبَّر والمعتق بصفةٍ(٥) عند مَنْ جوّزه وأُمّ الولد حكمهم حكم القِنّ يصحّ التقاطهم عندنا - وللشافعي قولان(٦) - كالقِنّ أيضاً ، إلّا أنّ أُمّ الولد إذا التقطت فأتلفت اللّقطة أو تلفت في يدها يكون حكمها عندنا حكمَ القِنّ من أنّها تُتبع بعد العتق.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، الوسيط ٤ : ٢٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٢ - ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١ - ٤٦٢.

(٢ و ٣) الوسيط ٤ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٥) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة بدل « بصفة » : « نصفه ». وهو تصحيف.

(٦) البيان ٧ : ٤٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

قال : ومدينة بابل بناها (بيوراسب) الجبار ، واشتق اسمها من اسم المشتري ، لأن (بابل) باللسان البابلي الأول اسم المشتري. ولما استتم بناؤها جمع إليها كل من قدر عليه من العلماء ، وبنى لهم اثني عشر قطرا ، على عدد البروج ، وسماها بأسمائهم. فلم تزل عامرة حتّى كان الاسكندر ، وهو الّذي خرّبها.

وبابل اليوم هي اسم ناحية ، منها الكوفة والحلة. وأما المدينة فهي خراب لا يوجد غير أطلالها ، التي تقع شمال الحلة على مسافة ٣ أميال (٦ كم). وهي الآن بعيدة عن ضفة شط الحلة اليمنى ، وكان الشط يمرّ بها في العهد القديم ، قبل تحويله.

وفي كتاب (أضواء على معالم محافظة كربلاء) لمحمد النويني ، ج ١ ص ٢٤ :تقع بابل على مقربة من شط الفرات الشرقي ، وقد كانت عاصمة للدولة البابلية.

وفي بابل جرت أكبر موقعة بين سعد بن أبي وقاص وجيوش الفرس سنة ١٦ ه‍ حين فتح المدائن. ويقال إن فيها ألقى النمرود سيدنا إبراهيم الخليلعليه‌السلام في النار ، فكانت عليه بردا وسلاما.

ـ كور بابل :(المصدر السابق)

أما كور بابل فيضم مجموعة القرى التالية ، التي تقع على فرع الفرات المسمى بنهر العلقمي [انظر الشكل ١٢] ، بعضها على شرقه كالعقر والغاضرية ، وبعضها على غربه وهي شفية. أما نينوى فتقع قرب شط الفرات الأصلي على شط فرعه المسمى نهر نينوى.

٧١٧ ـ العقر :

قال الخليل : سمعت أعرابيا من أهل الصمّان يقول : كل فرجة تكون بين شيئين فهي: عقر وعقر لغتان.

والعقر : عدة مواضع ، منها عقر بابل ، قرب كربلاء. وقد روي أن الحسينعليه‌السلام لما انتهى إلى كربلاء ، وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد ، قال :ما اسم تلك القرية؟. وأشار إلى العقر. فقيل له : اسمها العقر ، فقال : نعوذ بالله من العقر!. فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها؟. قالوا : كربلاء!. قال : أرض كرب وبلاء. وأراد الخروج منها فمنع ـ كما هو مذكور في مقتله ـ حتّى كان منه ما كان.

٦٠١

٧١٨ ـ الغاضرية :

قرية منسوبة إلى بني غاضرة من بني أسد ، الذين قد اشترى منهم الحسينعليه‌السلام أرض كربلاء ، وهي الأرض المنبسطة التي كانت مزرعة لبني أسد ، شمالي الهيابي ، وتعرف بأراضي الحسينية. وقد نزلها بنو أسد بعد اختطاط الكوفة ونزول القبائل المضرية واليمانية.

٧١٩ ـ النواويس :(أضواء على معالم محافظة كربلاء ، ص ٢٥)

كانت النواويس مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الاسلامي ، وتقع في أراضي الحسينية قرب نينوى ، وهي الأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء التي تعرف بكربلاء القديمة ، يستخرج منها بعض الحباب الخزفية التي كان البابليون يدفنون موتاهم فيها.

وقد ذكرها الإمام الحسينعليه‌السلام في خطبته المشهورة عند ما عزم على المسير إلى الكوفة ، فقال : «كأني بأوصالي [هذه] تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء».

٧٢٠ ـ الحائر :

وهي الأراضي المنخفضة من كربلاء التي تضمّ قبر الحسينعليه‌السلام إلى رواق بقعته الشريفة. وقد حار الماء حولها على عهد المتوكل العباسي ، أي دار حول القبر دون أن يمسه ، وذلك عندما حاول المتوكل الغاشم حرث القبر الشريف ، وسلّط عليه الماء ليعفّي أثره.

وسوف يأتي بحث مستفيض حول (الحائر)و (الحرم) عند الكلام عن مرقد الحسينعليه‌السلام في كربلاء ، في أواخر الجزء الثاني من الموسوعة.

٧٢١ ـ المدائن :(الفهرست : معجم الخريطة التاريخية ، ص ٩٥)

المدائن (أو مدائن كسرى) : هي قاعدة مملكة الفرس لعهد الفتح الاسلامي ، وتدعى عند اليونان (طيسفون). تقع على الشاطئ الأيسر من نهر دجلة ، وأطلالها اليوم على بعد ٢٦ كم جنوب بغداد. وفيها آثار إيوان كسرى أنوشروان (طاق كسرى) الّذي وصفه البحتري في قصيدته السينية المشهورة. ومنذ أن دفن فيها الصحابي الجليل سلمان الفارسي أصبحت القرية تسمى (سلمان باك) : أي سلمان الطاهر.

٦٠٢

يقول اليعقوبي في كتابه (البلدان) ص ١٠٦ :

من أراد من بغداد إلى المدائن وما والاها مما على حافتي دجلة من المدن والطساسيج ، خرج من بغداد فسلك أي الجانبين الشرقي من دجلة أو الغربي في قرى عظام فيها ديار الفرس ، حتّى يصير إلى المدائن ، وهي على سبعة فراسخ من بغداد. والمدائن دار ملوك الفرس ، وكان أول من نزلها أنوشروان ، وهي عدة مدن في جانبي دجلة ، منها اسبانير في الجانب الشرقي ، وفيها إيوان كسرى العظيم الّذي ليس للفرس مثله ، ارتفاع سمكه ثمانون ذراعا. وفي هذه المدينة كان ينزل سلمان الفارسي.

نزول كربلاء

٧٢٢ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام أول نزوله كربلاء ، وفيه يذكر ما حلّ به :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٦)

وكان نزول الحسينعليه‌السلام في (كربلاء) في الثاني من المحرم سنة ٦١ ه‍.فجمع ولده وإخوته وأهل بيته ، فنظر إليهم وبكى ، ثم قال : الله م إنا عترة نبيك محمّد صلواتك عليه ، قد أزعجنا وأخرجنا وطردنا عن حرم جدنا ، وتعدّت بنو أمية علينا.

الله م فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين(١) .

٧٢٣ ـ من خطبة لهعليه‌السلام في أصحابه ، وفيها يذكر مصرعه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٧)

ثم خطبعليه‌السلام في أصحابه ، فقال :

أما بعد ، فإن الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون(٢) .

ثم قال لهم : أهذه كربلاء؟. قالوا له : نعم. فقال : هذه موضع كرب وبلاء. ههنا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، ومسفك دمائنا.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٣٠.

(٢) مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٣١ نقلا عن البحار ، ج ١٠ ص ١٩٨.

٦٠٣

موقف الإنسان من الدين والدنيا :

(سيد الشهداء للسيد مصطفى الاعتماد ، ص ٦٨)

قال الإمام الحسينعليه‌السلام : الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون

هذه الجمل الذهبية التي فاه بها الإمام الحسينعليه‌السلام كحقيقة أبدية تعبّر أصدق تعبير ، عن تعلّقات النفس البشرية ، وتطوراتها الفجائية ، على أثر المطامع والأغراض الدنيوية الرخيصة. فارتكاز الناس أبدا على الحياة الدنيا ، أما الدين فليس لديهم بحيث يستحق أيما اهتمام إذا تعارض مع الدنيا. أما إذا كان الدين إلى جانب لا يمسّ مصالحهم بسوء فهو حق يعترف به ، ولكن لو تراءى شبح البلايا ، فانهم يتسللون لواذا من تحت راية الحق والحقيقة ، بلا هوادة أو تحاش.

٧٢٤ ـ تخييم الحسينعليه‌السلام في كربلاء مع أهله وأصحابه :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١٤٦)

لما نزل أصحاب الحسينعليه‌السلام في كربلاء ، ضربوا أخبيتهم امتثالا لأمره ، فضربوا خيامهم قبالة الشمال الشرقي أبوابها. وأول خيمة نصبوها خيمة الحسينعليه‌السلام العظمى حيث هي محل مجتمعهم وناديهم ، ثم ضربوا أخبية عيالات الحسينعليه‌السلام غربي الخيمة العظمى على مسافة خمسين ذراعا ، وحجبوها بالزقاقات والأستار المزركشة بالأبريسم ، ثم خيّم أهل بيته خلف الخيمة العظمى ، أي قبلها متصلة بخيم الهاشميات ، ثم نصب الأنصار خيامهم شرقي خيم الهاشميين ، فكانت الخيم كلها كنصف دائرة محيطة بخيمة الحسين العظمى. ومن وراء الخيم مرابط الخيول ومعاطن الإبل (أي مرابضها).

٧٢٥ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام وهو يصلح سيفه بعد أن خيّم في كربلاء ، وحديثه مع زينبعليها‌السلام بعد أن نعى نفسه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٧)

قال الخوارزمي : فنزل القوم وحطّوا الأثقال ناحية من الفرات. وضربت خيمة الحسينعليه‌السلام لأهله وبنيه وبناته ، وضربت خيم إخوته وبني عمه حول خيمته.

وجلس الحسينعليه‌السلام في خيمته يصلح سيفه ومعه جون مولى أبي ذرّ الغفاري ، فجعل يصلحه ويقول :

٦٠٤

(الشكل ١٦):

رسم تمثيلي لتوزيع خيام الحسينعليه‌السلام في كربلاء

يا دهر أفّ لك من خليل

كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب وطالب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وكلّ حي سالك سبيلي

ما أقرب الوعد من الرحيل

وإنما الأمر إلى الجليل

سبحانه جلّ عن المثيل(١)

قال زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام : وجعل أبي يردد هذه الأبيات فحفظتها منه ، وخنقتني العبرة ولزمت السكوت حسب طاقتي. فأما عمتي زينب فلما سمعت بذلك استعبرت وبكت ، وكانت ضعيفة القلب ، فبان عليها الحزن والجزع ، فأقبلت تجرّ أذيالها إلى الحسينعليه‌السلام وقالت : يا أخي ويا قرّة عيني ، ليت الموت أعدمني الحياة. يا خليفة الماضين وثمال الباقين(٢) . فنظر إليها الحسينعليه‌السلام وقال : يا أختاه لا يذهبنّ بحلمك الشيطان [وفي رواية : تعزّي بعزاء الله] فإن أهل

__________________

(١) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٩ ط نجف ، بدون الشطرة الأخيرة ، وأورد هذا الشعر ليلة عاشوراء.

(٢) الثّمال : الغياث ، وأصله من الثميلة ، وهي البقية من الماء.

٦٠٥

السماء يموتون وأهل الأرض لا يبقون ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون. فأين أبي وجدي اللذان هما خير مني ، فلي بهما ولكل مؤمن أسوة حسنة.وعزّاها ، ثم قال لها : بحقي عليك يا أختاه ، إذا أنا قتلت فلا تشقّي عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها(١) . ثم ردّها إلى خدرها.

(وروي) أنه لما سمعت ذلك أخته زينب أو أم كلثوم جاءت إلى الحسينعليه‌السلام وقالت: يا أخي هذا كلام من أيقن بالموت ، قال : نعم يا أختاه. قالت : إذن فردّنا إلى حرم جدنا. فقال : يا أختاه لو ترك القطا (ليلا) لنام. فقالت : واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة ، مات جدي رسول الله ومات أبي علي وماتت أمي فاطمة ومات أخي الحسن ، وبقي ثمال أهل البيت ، واليوم ينعى إليّ نفسه. وبكت ، فبكت النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب ، وجعلت أخته تنادي : وا محمداه وا أبا القاسماه ، اليوم مات جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وا أبتاه وا علياه ، اليوم مات أبي علي. وا أماه وا فاطماه ، اليوم ماتت أمي فاطمة. وا أخاه وا حسناه ، اليوم مات أبي علي. وا أماه وا فاطماه ، اليوم ماتت أمي فاطمة. وا أخاه وا حسناه ، اليوم مات أخي الحسن.وا أخاه وا حسيناه ، وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله. فعزّاها الحسين وصبّرها ، وقال :يا أختاه تعزّي بعزاء الله ، وارضي بقضاء الله ، فإن أهل السماء يفوتون ، وأهل الأرض يموتون ، وجميع البرية لا يبقون ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، فتبارك الله الّذي إليه جميع الخلق يرجعون ، فهو الّذي خلق الخلق بقدرته ، ويفنيهم بمشيئته ، ويبعثهم بإرادته. يا أختاه كان جدي وأبي وأمي وأخي خيرا مني وأفضل ، وقد ذاقوا الموت وضمّهم التراب ، وإن لي ولك ولكل مؤمن برسول الله أسوة حسنة.

ثم قالعليه‌السلام : يا زينب ويا أم كلثوم ويا فاطمة ويا رباب ، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليّ جيبا ، ولا تخمشن عليّ وجها ، ولا تقلن فيّ هجرا.

(وفي تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٣) عن زين العابدينعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام قال هذه الأبيات عشية اليوم التاسع من المحرم.

قال علي بن الحسينعليه‌السلام : إني لجالس في العشية التي قتل أبي الحسين بن عليعليهما‌السلام في صبيحتها ، وعندي عمتي زينب تمرّضني ، إذ دخل أبي وهو يقول :[يا دهر أفّ لك من خليل] إلى آخر الأبيات المتقدمة.

__________________

(١) مقتل الحسين لأبي مخنف ص ٥٠ ، وأورد المقرم نظير هذا الكلام ص ٢٦٤ في ليلة عاشوراء منقولا عن الله وف. ولدى الرجوع إلى الله وف ص ٤٥ تبيّن أنه أورده هنا أول نزولهعليه‌السلام كربلاء.

٦٠٦

يقول زين العابدينعليه‌السلام : ففهمت ما قال ، وعرفت ما أراد ، وخنقتني العبرة فرددتها ، وعلمت أن البلاء قد نزل بنا.

وأما عمتي زينبعليها‌السلام فإنها لما سمعت ما سمعت ، وهي امرأة ـ ومن شأن النساء الرقة والجزع ـ لم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها حاسرة ، حتّى انتهت إليه ، وهي تقول :

واثكلاه!. ليت الموت أعدمني الحياة. اليوم ماتت أمي فاطمة ، وأبي علي ، وأخي الحسنعليهم‌السلام . يا خليفة الماضي وثمال الباقي.

فنظر إليها الحسينعليه‌السلام ، ثم قال : يا أخيّة لا يذهبنّ حلمك الشيطان ، فإن الموت نازل لا محالة. فقالت : بأبي وأمي أتستقتل ، نفسي لك الفدا؟. فردّت عليه غصته ، وترقرقت عيناه بالدموع ، ثم قال : لو ترك القطا ليلا لنام!. فقالت زينبعليها‌السلام : يا ويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصابا؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي. ثم لطمت وجهها ، وأهوت إلى جيبها فشقّته ، وخرّت مغشيا عليها.

فقام إليها الحسينعليه‌السلام فصبّ على وجهها الماء حتّى أفاقت ، وقال لها : يا أخيّة ، اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله ، فإن سكان السموات يفنون ، وأهل الأرض كلهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون.

ثم قال لها : يا أختاه ، إني أقسمت عليك فأبرّي قسمي ؛ لا تشقّي عليّ جيبا ، ولا تخمشي عليّ وجها ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور ، إذا أنا هلكت.

(أقول) : ومما يرجح أن تكون هذه الحادثة حدثت في هذا الموقف وليس ليلة العاشر من المحرم ، أن الحسينعليه‌السلام لا يصبّ على وجه زينب الماء في تلك الليلة ، وهو لا يملك منه قطرة لشرب الأطفال والعيال.

ـ تعليق على قولهعليه‌السلام : يا دهر أفّ لك من خليل :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٧٦)

يقول الفاضل الدربندي : إن قصد الحسينعليه‌السلام من الدهر هنا ، ليس الزمان وإنما الدنيا ، أو إن قصده من الدهر أهل الدهر ؛ وغرضه من قوله هو توبيخ أهل الدنيا الذين يغترون بها. وهذا مثل قول الإمام عليعليه‌السلام : «يا دنيا غرّي غيري».لأن الدهر بمعنى الزمان هو من خلق الله ، ولا يجوز سبّه ، مصداقا لما ورد في بعض الآثار : «لا تسبّوا الدهر ، فإن الدهر هو الله». أي هو من مخلوقات الله.

٦٠٧

٧٢٦ ـ من خطبة للحسينعليه‌السلام في أصحابه ، وفيها يصف حال الدنيا :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٣٢)

ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمّد وآله ، وقال :

أما بعد ، فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون. وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ، ولم يبق منها إلا صبابة(١) كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقّا ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما(٢) .

[الأجوبة]

٧٢٧ ـ جواب زهير بن القين البجلي مؤثرا النهوض مع الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٣٣)

فقام زهير بن القين ، وقال : سمعنا يابن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلّدين ، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.

٧٢٨ ـ جواب برير بن خضير الهمداني فاديا نفسه للحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٦)

وقال للحسين رجل من أصحابه يقال له برير بن خضير الهمداني : يابن رسول الله لقد منّ الله تعالى علينا بك أن نقاتل بين يديك ، وتقطّع فيك أعضاؤنا ، ثم يكون جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفيعنا يوم القيامة(٣) فلا أفلح قوم ضيّعوا

__________________

(١) الصبابة : بقية الماء في الإناء. والمرعى الوبيل : أي الثقيل والوخيم. والبرم : ما يوجب السآمة والضجر.

(٢) كذا في الله وف ص ٤٤ ، والعقد الفريد ج ٢ ص ٣١٢ ، وحلية الأولياء لأبي نعيم ج ٣ ص ٣٩ ، وتاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٣٣٣. وعند الطبري ج ٦ ص ٢٢٩ أنه خطبهعليه‌السلام بذي حسم.وفي مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٢ ، وذخائر العقبى ص ١٤٩ ، ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٥ أنه خطب ذلك يوم عاشوراء. وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ج ٣ ص ٢٠ أنه خطبه بأصحابه لما نزل به ابن سعد.

(٣) مقتل المقرم ص ٢٣٣ نقلا عن اللهوف ص ٤٤.

٦٠٨

ابن بنت نبيهم ، أفّ لهم غدا ما يلاقون ، سينادون بالويل والثبور في نار جهنم وهم فيها خالدون.

٧٢٩ ـ جواب نافع بن هلال الجملي فاديا نفسه للحسينعليه‌السلام ومواسيا له :

(المصدر السابق)

وقال للحسينعليه‌السلام رجل آخر من شيعته يقال له نافع بن هلال الجملي (وفي رواية الخوارزمي : هلال بن نافع) : يابن رسول الله أنت تعلم أن جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يقدر أن يشرب الناس محبته ، ولا أن يرجعوا إلى ما كان أحب ، فكان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمرّ من الحنظل ، حتّى قبضه الله تبارك وتعالى إليه. وإن أباك عليا صلوات الله عليه قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصرته وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم قعدوا عنه وخذلوه ، حتّى مضى إلى رحمة الله ورضوانه وروحه وريحانه. وأنت اليوم يابن رسول الله على مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضرّ إلا نفسه ، والله تبارك وتعالى مغن عنه. فسر بنا يابن رسول الله راشدا معافى ، مشرّقا إن شئت أو مغرّبا ، فوالذي لا إله إلا هو ما أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك(١) .

٧٣٠ ـ كتاب الحر إلى ابن زياد :

(الوثائق الرسمية لعبد الكريم القزويني ، ص ٩٩)

ولما استقرّ المكان بالحسينعليه‌السلام وركبه الثائر ، كتب الحر بن يزيد التميمي قائد الكتيبة الأولى إلى عبيد الله بن زياد يخبره بقدوم الحسينعليه‌السلام ونزوله كربلاء.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٣٣ نقلا عن مقتل العوالم ص ٧٦. وذكر السيد علي بن الحسين الهاشمي النجفي في كتابه (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ١٠٢ كل ما سبق من ردود أصحاب الحسينعليه‌السلام أنها كانت في موضع (البيضة) بين شراف والعذيب ، بعد أن خطب فيهم خطبة : «من رأى منكم سلطانا جائرا ..." وقد أوردناها سابقا على أنها رسالة لا خطبة كما رجّحنا.

٦٠٩

٧٣١ ـ كتاب عبيد الله بن زياد للحسينعليه‌السلام يخبره فيه بكتاب يزيد له بقتله أو يبايع :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٩)

ولما وصل كتاب الحر إلى عبيد الله بن زياد ، كتب ابن زياد للحسينعليه‌السلام : أما بعد يا حسين ، فقد بلغني نزولك كربلاء ، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير ، ولا أشبع من الخمير ، حتّى ألحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد. فلما ورد كتابه وقرأه الحسينعليه‌السلام رمى به من يده ، وقال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق. فقال له الرسول : جواب الكتاب؟. فقال له : لا جواب له عندي ، لأنه قد حقّت عليه كلمة العذاب(١) .

فغضب ابن زياد ، وانتدب عمر بن سعد لقتال الحسينعليه‌السلام .

اليوم الثالث من المحرّم

٧٣٢ ـ ندب عمر بن سعد لقتال الحسينعليه‌السلام والخيار الصعب :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٩)

ثم جمع عبيد الله بن زياد أصحابه ، فقال : أيها الناس ، من منكم يتولّى قتال الحسين بولايته أيّ بلد شاء؟. فلم يجبه أحد!.

فالتفت إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وكان ابن زياد قبل ذلك بأيام قد عقد له وولاه (الرّي وتستر) وأمره بحرب الديلم ، وأعطاه عهده. وأخّره من أجل شغله بأمر الحسينعليه‌السلام .

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ ط ٢ نجف :

وقال ابن زياد لعمر بن سعد : اكفني هذا الرجل ، وكان عمر يكره قتاله. فقال :اعفني!. فقال : لا أعفيك. وكان ابن زياد قد ولّى عمر بن سعد (الرّي وخوزستان).فقال : قاتله وإلا عزلتك ، فقال : أمهلني الليلة ، فأمهله. ففكر ، فاختار ولاية الري على قتل الحسينعليه‌السلام . فلما أصبح غدا عليه ، فقال : أنا أقاتله!.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٣٦ ، ومناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٨ ط نجف.

٦١٠

(أقول) : والذي حدث أن عمر حارب الحسينعليه‌السلام وقتله ، ولكنه لم يعطه ابن زياد الولاية التي كان وعده بها ، فخسر الدنيا والآخرة.

وفي (كامل ابن الأثير) ج ٣ ص ٣٧٩ :

وكتب عهده على الري ، فعسكر بالناس في (حمام أعين). فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال له : سر إلى الحسينعليه‌السلام .

٧٣٣ ـ عمر بن سعد يستشير أصحابه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٩)

قال الخوارزمي : فقال عمر بن سعد : فأمهلني أيها الأمير اليوم ، حتّى أنظر في أمري. قال : فقد أمهلتك.

فانصرف عمر بن سعد ، وجعل يستشير إخوانه ومن يثق به ، فلا يشير عليه أحد بذلك ، غير أنه يقول له : اتّق الله ولا تفعل.

وأقبل إليه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته ، فقال : أنشدك الله يا خال ، أن تسير إلى قتال الحسينعليه‌السلام ، فإنك تأثم بذلك وتقطع رحمك ، فوالله لأن خرجت من مالك ودنياك وسلطان الأرض كلها ، خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين بن فاطمةعليه‌السلام . فسكت عمر ، وفي قلبه من (الرّي) ما فيه.

وبات ليلته قلقا مضطربا ، لأن نفسه في صراع بين الدنيا وقتل الحسينعليه‌السلام .وسمع يقول :

دعاني عبيد الله من دون قومه

إلى خطةّ فيها خرجت لحيني

فوالله ما أدري وإني لحائر

أفكّر في أمري على خطرين

أأترك ملك الرّي والريّ منيتي

أم ارجع مذموما بقتل حسين

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب ، وملك الريّ قرّة عيني

(وفي مقتل أبي مخنف ، ص ٥١) وأجابه هاتف يقول :

ألا أيها النغل الّذي خاب سعيه

وراح من الدنيا ببخسة عين

ستصلى جحيما ليس يطفى لهيبها

وسعيك من دون الرجال بشين

إذا أنت قاتلت الحسين بن فاطم

وأنت تراه أشرف الثّقلين

فلا تحسبنّ الريّ يا أخسر الورى

تفوز به من بعد قتل حسين

ولما أصبح ذهب إلى عبيد الله بن زياد.

٦١١

ـ نصيحة الصديق كامل :(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨٠)

وكان عند عمر بن سعد رجل من أهل الخير يقال له (كامل) ، وكان صديقا لأبيه من قبله. فقال له : يا عمر ، مالي أراك بهيئة وحركة ، فما الّذي أنت عازم عليه؟.وكان كامل كاسمه ذا رأي وعقل ودين كامل. فقال له ابن سعد : إني قد وليت أمر هذا الجيش في حرب الحسينعليه‌السلام ، وإنما قتله عندي وأهل بيته كأكلة آكل وكشربة ماء ، وإذا أنا قتلته خرجت إلى ملك الريّ. فقال له كامل : أفّ لك يا عمر بن سعد ، تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول الله؟!. أفّ لك ولدينك يا عمر ، أسفهت الحق وضللت الهدى؟!. أما تعلم إلى حرب من تخرج ، ولمن تقاتل؟. إنا لله وإنا إليه راجعون. والله لو أعطيت الدنيا وما فيها على قتل رجل واحد من أمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما فعلت. فكيف تريد قتل الحسين ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. وما الّذي تقول غدا لرسول الله إذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرة عينه وثمرة فؤاده ، وابن سيدة نساء العالمين وابن سيد الوصيين ، وهو سيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين.وإنه في زماننا هذا بمنزلة جده في زمانه ، وطاعته فرض علينا كطاعته. وإنه باب الجنة والنار ، فاختر لنفسك ما أنت مختار. وإني أشهد بالله أن من حاربه أو قتله أو أعان عليه أو على قتله ، لا يلبث في الدنيا بعده إلا قليلا. فقال له عمر بن سعد :فبالموت تخوّفني ، وإني إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس ، وأتولى ملك الري. فقال له كامل : إني أحدثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفّقت لقبوله. اعلم أني سافرت مع أبيك سعد إلى الشام ، فانقطعت بي مطيّتي عن أصحابي وتهت وعطشت ، فلاح لي دير راهب ، فملت إليه ونزلت عن فرسي ، وأتيت إلى باب الدير لأشرب ماء. فأشرف عليّ راهب من ذلك الدير وقال : ما تريد؟. فقلت له : إني عطشان. فقال لي : أنت من أمة هذا النبي ، الّذي يقتل بعضهم بعضا على حب الدنيا مكالبة ، ويتنافسون فيها على حطامها؟. فقلت له : أنا من الأمة المرحومة ، أمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال : إنكم أشرّ أمّة ، فالويل لكم يوم القيامة ، وقد عدوتم إلى عترة نبيكم ، تسبون نساءه وتنهبون أمواله!. فقلت : لا يا راهب ، نحن نفعل ذلك؟!. قال : نعم. وإنكم إذا فعلتم ذلك عجّت السموات والأرضون والبحار والجبال والبراري والقفار والوحوش والأطيار باللعنة على قاتله ، ثم لا يلبث قاتله في الدنيا إلا قليلا. ثم يظهر رجل يطلب بثأره ، فلا يدع أحدا شرك في دمه إلا قتله ، وعجّل الله بروحه إلى النار. ثم قال الراهب : إني لا أرى لك قرابة

٦١٢

من قاتل هذا ابن الطيّب. والله إني لو أدركت أيامه لوقيته في نفسي من حرّ السيوف.فقلت : يا راهب إني أعيذ نفسي أن أكون ممن يقاتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .فقال : إن لم تكن أنت فرجل قريب منك. وإن قاتله عليه نصف عذاب أهل النار ، وإن عذابه أشدّ عذابا من عذاب فرعون وهامان. ثم ردّ الباب في وجهي ، ودخل يعبد الله تعالى ، وأبى أن يسقيني الماء.

قال كامل : فركبت فرسي ولحقت أصحابي. فقال لي أبوك سعد : ما أبطأك عنا يا كامل؟. فحدّثته بما سمعته من الراهب. فقال لي : صدقت.

ثم إن سعدا أخبرني أنه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبل ، فأخبره أنه هو أبو الرجل الّذي يقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فخاف أبوك سعد من ذلك ، وخشي أن تكون أنت قاتله ، فأبعدك عنه وأقصاك. فاحذر يا عمر أن تخرج عليه ، فيكون عليك نصف عذاب أهل النار.

٧٣٤ ـ محاولة تنصّل فاشلة :(المصدر السابق)

ولما أصبح عمر بن سعد ذهب إلى عبيد الله بن زياد ، فقال له ابن زياد : ما عندك يا عمر؟. فقال : أيها الأمير إنك قد ولّيتني هذا العمل [يقصد ولاية الريّ] وكتبت العهد ، وقد سمع الناس به ، فإن رأيت أن تنفذه لي ، وتبعث إلى قتال الحسين غيري من أشراف أهل الكوفة ، فإن بها مثل : أسماء بن خارجة ، وكثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، وعبد الرحمن بن قيس ، وشبث بن ربعي ، وحجّار ابن أبجر.

فقال له : يا عمر ، لا تعلمني بأشراف الكوفة ، فإني لا أستأمرك فيمن أريد أن أبعث ، فإن سرت إلى الحسين ، فرّجت عنا هذه الغمة ، فأنت الحبيب القريب ، وإلا فاردد إلينا عهدنا ، والزم منزلك ، فإنا لا نكرهك. فسكت عمر بن سعد.

٧٣٥ ـ تهديد ووعيد :(المصدر السابق ، ص ٢٤٠)

وغضب عبيد الله بن زياد ، فقال : والله يابن سعد ، لئن لم تسر إلى الحسين وتتولّ حربه وتقدم عليه بما يسوء ، لأضربنّ عنقك ، ولأهدمنّ دارك ، ولأنهبنّ مالك ، ولا أبقي عليك كائنا ما كان. فقال عمر : فإني سائر إليه غدا إنشاء الله. فجزاه عبيد الله خيرا ، وسرى عنه غضبه ، ووصله وأعطاه.

وضمّ إليه أربعة آلاف فارس ، وقال له : خذ بكظم الحسين وحل بينه وبين الفرات.

٦١٣

فسار عمر بن سعد من غده في أربعة آلاف ، حتّى نزل كربلاء في اليوم الثالث من المحرم. وجهّز خمسمائة فارس بقيادة عمرو بن الحجاج ، فنزلوا على شريعة الفرات.

وفي (الأخبار الطوال) لأبي حنيفة الدينوري ص ٢٥٤ :

ثم وجهّ [ابن زياد] : الحصين بن نمير ، وحجّار بن أبجر ، وشبث بن ربعي ، وشمر بن ذي الجوشن ، ليعاونوا عمر بن سعد على أمره.

قالوا : وكان ابن زياد إذا وجّه الرجل إلى قتال الحسينعليه‌السلام في الجمع الكثير ، يصلون إلى كربلاء ولم يبق منهم إلا القليل ، كانوا يكرهون قتال الحسينعليه‌السلام ، فيرتدعون ويتخلفون.

٧٣٦ ـ ظهور كرامة للإمام عليعليه‌السلام بشأن من يقتل الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف)

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي عمر بن سعد يوما وهو شاب ، فقال : ويحك يابن سعد ، كيف بك إذا قمت يوما مقاما تخيّر فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟!.

(لقاء عمر بن سعد)

٧٣٧ ـ رسول عمر بن سعد يسأل الحسينعليه‌السلام عما جاء به إلى هذا الموضع ، وجواب الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٠)

ولما جاء عمر بن سعد كربلاء ، دعا رجلا من أصحابه يقال له : عروة بن قيس الأحمسي ، فقال له : امض إلى الحسين وسله : ما الّذي جاء به إلى هذا الموضع؟وما الّذي أخرجه من مكة بعدما كان مستوطنا بها؟!. فقال عروة : أيها الأمير ، إني كنت قبل اليوم أكاتب الحسينعليه‌السلام ويكاتبني ، وإني لأستحي أن أصير إليه ، فإن رأيت أن تبعث غيري!. ثم طلب أيضا من الرؤساء أن يذهبوا إلى الحسينعليه‌السلام ويسألوه عن مقدمه ، فأبوا وكرهوا لأنهم ممن كاتبوه بالتوجه إليهم.

فبعث رجلا يقال له قرة بن قيس الحنظلي ، فلما أشرف ورآه الحسينعليه‌السلام قال :هل تعرفون هذا؟. فقال حبيب بن مظاهر الأسدي : نعم يابن رسول الله ، هذا رجل

٦١٤

من بني تميم ثم من بني حنظلة ، وكنت أعرفه حسن الرأي ، وما ظننت أن يشهد هذا المشهد. ثم تقدم الحنظلي حتّى وقف بين يدي الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه وأبلغه رسالة عمر بن سعد.

فقال له الحسينعليه‌السلام : يا هذا أبلغ صاحبك عني أني لم أرد هذا البلد ، ولكن كتب إليّ أهل مصركم هذا أن آتيهم فيبايعوني ويمنعوني وينصروني ولا يخذلوني ، فإن كرهوني انصرفت عنهم من حيث جئت. فقال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرّة عهدي بك وأنت حسن الرأي في أهل هذا البيت ، فما الّذي غيّرك حتّى جئت بهذه الرسالة. فأقم عندنا وانصر هذا الرجل الّذي قد أتانا الله به. فقال الحنظلي :لعمري لنصرته أحق من نصرة غيره ، ولكن أرجع إلى صاحبي بالرسالة وأنظر في ذلك. ثم انصرف فأخبره بجواب الحسينعليه‌السلام . فقال ابن سعد : الحمد لله ، والله إني لأرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.

(وفي رواية أبي مخنف) أن الّذي أتى إلى الحسينعليه‌السلام هو رجل من خزيمة.

(قال في مقتله ص ٥٢) فقال له زهير : الق سلاحك وادخل. فقال : حبا وكرامة.ثم ألقى سلاحه ودخل عليه فقبّل يديه ورجليه ، وقال : يا مولاي ما الّذي جاء بك إلينا وأقدمك علينا؟. فقال : كتبكم. فقال : الذين كاتبوك هم اليوم من خواص ابن زياد. فقال لهعليه‌السلام : ارجع إلى صاحبك وأخبره بذلك. فقال : يا مولاي من الّذي يختار النار على الجنة ، فوالله ما أفارقك حتّى ألقى حمامي بين يديك. فقال له الحسينعليه‌السلام : واصلك الله كما واصلتنا بنفسك. ثم أقام عند الحسينعليه‌السلام حتّى قتل.

٧٣٨ ـ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد يخبره فيه بموقف الحسينعليه‌السلام ، وجواب الكتاب :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤١)

ثم كتب ابن سعد إلى عبيد الله بن زياد :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، من عمر بن سعد. أما بعد فإني نزلت بالحسين ، ثم بعثت إليه رسولا أسأله عما أقدمه إلى هذا البلد؟. فذكر أن أهل الكوفة أرسلوا إليه يسألونه القدوم عليهم ، ليبايعوه وينصروه ، فإن بدا لهم في نصرته [أي بدا لهم شيء يمنعهم من نصرته] فإنه ينصرف من حيث جاء ، فيكون بمكة

٦١٥

أو يكون بأي بلد أمرته ، فيكون كواحد من المسلمين. فأحببت أن أعلم الأمير بذلك ليرى رأيه ، والسلام.

فلما قرأ عبيد الله كتابه ، فكّر في نفسه ساعة ، ثم أنشد :

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص

ثم قال : أيرجو ابن أبي تراب النجاة ، هيهات هيهات ، لا أنجاني الله من عذابه إن نجا الحسين مني.

٧٣٩ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد رقم (١) يطالبه بعرض البيعة على الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق)

ثم كتب إلى ابن سعد : أما بعد ، فقد بلغني كتابك وما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فإذا أتاك كتابي فاعرض عليه البيعة لأمير المؤمنين يزيد ، فإن فعل وبايع ، وإلا فائتني به والسلام.

فلما ورد الكتاب على عمر بن سعد وقرأه ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون. إن عبيد الله لا يقبل العافية ، والله المستعان.

ولم يعرض ابن سعد على الحسينعليه‌السلام بيعة يزيد ، لأنه علم أن الحسينعليه‌السلام لا يجيبه إلى ذلك أبدا.

٧٤٠ ـ خطبة ابن زياد يغري فيها الناس بالمال ، ويحرّضهم للخروج لحرب الحسينعليه‌السلام :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٢)

ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ، وخرج فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

أيها الناس ، إنكم بلوتم آل أبي سفيان ، فوجدتموهم كما تحبون. وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه ؛ حسن السيرة ، محمود الطريقة ، (ميمون النقيبة) ، محسنا إلى الرعية (متعاهدا للثغور) ، يعطي العطاء في حقه ، وقد أمنت السبل على عهده (وأطفئت الفتن بجهده). وكما كان معاوية في عصره ، كذلك ابنه يزيد في أثره ؛ يكرم العباد ويغنيهم بالأموال ويزيدهم بالكرامة ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة بالمائة ، وأمرني أن أوفّرها عليكم ، وآمركم أن تخرجوا إلى حرب عدوه الحسين بن علي ، فاسمعوا له وأطيعوا.

٦١٦

إعلان النفير العام

ثم نزل من المنبر ، ووضع لأهل الرياسة العطاء ، وأعطاهم. ونادى فيهم أن يتهيؤوا للخروج إلى عمر بن سعد ليكونوا عونا له على قتال الحسينعليه‌السلام .

وخرج إلى النّخيلة(١) وعسكر فيها. وبعث على الحصين بن نمير التميمي ، وحجّار بن أبجر ، وشمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وأمرهم بمعاونة عمر ابن سعد.

٧٤١ ـ استبطاء شبث بن ربعي وتمارضه :

(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٥٠)

ثم أرسل [عبيد الله بن زياد] إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا ، فإنا نريد أن نوجّه بك إلى حرب الحسين. فتمارض شبث ، فأرسل إليه : أما بعد ، فإن رسولي أخبرني بتمارضك ، وأخاف أن تكون من الذين( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ) (١٤) [البقرة : ١٤].(فانظر) إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا. فأقبل إليه شبث بن ربعي بعد العشاء (الآخرة) لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلّة. فلما دخل رحّب به وقرّب مجلسه ، ثم قال له :أريد أن تشخص (غدا) إلى قتال الحسين عونا لابن سعد. فقال : أفعل أيها الأمير (فخرج في ألف فارس).

٧٤٢ ـ قطع الطريق على من يريد الالتحاق بالحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ٢٤٠)

وجعل عبيد الله بن زياد زجر بن قيس الجعفي مسلحة في خمسمائة فارس ، وأمره أن يقيم بجسر الصراة ، يمنع من يخرج من أهل الكوفة يريد الحسينعليه‌السلام . فمرّ به عامر بن أبي سلامة بن عبد الله بن عرار الدالاتي. فقال له زجر : قد عرفت حيث تريد ، فارجع. فحمل عليه وعلى أصحابه فهزمهم ، ومضى وليس أحد منهم يطمع في الدنوّ منه. فوصل كربلاء ولحق بالحسينعليه‌السلام حتّى قتل معه. وكان قد شهد المشاهد مع أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

__________________

(١) النّخيلة : هي العباسية في كلام ابن نما ، وتعرف اليوم بالعباسيات ، وموقعها قريب من (ذي الكفل) وهي تبعد فرسخين شمال الكوفة.

٦١٧

٧٤٣ ـ إرهاب ابن زياد :

(الوثائق الرسمية للسيد عبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٠٥)

ثم إن عبيد الله بن زياد أخذ يرسل الكتيبة تلو الكتيبة ، والفوج تلو الفوج ، إلى عمر بن سعد ، ويحثّ الناس على الخروج لحرب الحسينعليه‌السلام بعد أن زاد في عطائهم مائة بالمائة.

ثم نودي في شوارع وسكك وأزقة الكوفة : «ألا برئت الذمّة ممن وجد في الكوفة ، ولم يخرج لحرب الحسين».

وبعث ابن زياد سويد بن عبد الرحمن المنقري في خيل إلى الكوفة ، وأمره أن يطوف بها ، فمن وجده قد تخلّف أتاه به.

فبينما هو يطوف في أحياء الكوفة ، إذ وجد رجلا من أهل الشام ، قد كان قدم الكوفة في طلب ميراث له (وفي رواية : لأخذ دين له في ذمة رجل من أهل العراق).فأرسل به إلى ابن زياد. فقال ابن زياد : اقتلوه ، ففي قتله تأديب لمن لم يخرج بعد ، فقتل(١) .

٧٤٤ ـ جيوش من الهمج الرّعاع :(الوثائق الرسمية ، ص ١٠٦)

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني :

فتأثّر الرأي العام بالجو اللاشعوري ، أو ما يسمى بالسلوك الجمعي ، وإذا بالغوغائية جماعات وجماعات تخرج لحرب ابن بنت نبيّها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير ملتفتة إلى ما ينتج من هذا المصير الوخيم الّذي أقبلت إليه مسرعة ، وفقد الفرد سيطرته على نفسه وعقله ، وأصبح يعيش في حالة هستيرية لا يعي ولا يشعر ، لأنه تأثّر بالعقل الجمعي وسلوكه ، وخصوصا بعد أن قتل جماعة من النخبة الواعية ، أمثال ميثم التمّار وغيره ، واعتقل البقية مثل : المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وسليمان بن صرد الخزاعي ، واختفى آخرون. وصفا الجو إلى ابن زياد حيث أخذ يلعب بالطبقة التي وصفها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بقوله :

«همج رعاع ، أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستنيروا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق».

__________________

(١) الأخبار الطوال للدينوري ، ص ٢٥٤.

٦١٨

اليوم السادس من المحرّم

(اكتمال الجيوش الأموية في كربلاء)

تجهيز الجيوش

٧٤٥ ـ القوات الأموية تزحف إلى كربلاء :

فأول من خرج إلى عمر بن سعد ، شمر بن ذي الجوشن الضّبابي في أربعة آلاف ، فصار ابن سعد في تسعة آلاف.

ثم أتبعه ابن زياد بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ،

والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف ،

ومضاير بن رهينة المازني في ثلاثة آلاف ،

ونصر بن خرشة في ألفين.

فتمّ له عشرون ألف فارس ، تكمّلت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم.

وبعث كعب بن طلحة في ثلاثة آلاف ، وشبث بن ربعي في ألف ، وحجّار بن أبجر في ألف فارس. فصار عمر بن سعد في خمسة وعشرين ألفا.

ولم يزل ابن زياد يرسل بالعساكر إلى عمر بن سعد حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفا ، ما بين فارس وراجل.

يقول ابن شهراشوب في (المناقب) ص ٢٤٨ :

وكان جميع أصحاب الحسينعليه‌السلام اثنين وثمانين رجلا ، منهم الفرسان اثنان وثلاثون فارسا ، ولم يكن لهم من السلاح إلا السيف والرمح.

٧٤٦ ـ التعداد الكمي للجيش الأموي في كربلاء :

(الوثائق الرسمية لثورة الحسين ، ص ١٠٧)

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني :

إن الاحصائيات التي رواها أرباب المقاتل وبعض الكتب التاريخية عن كمية تعداد الجيش الأموي الّذي أرسله عبيد الله بن زياد إلى كربلاء لحرب الحسينعليه‌السلام والقضاء على ثورته المقدسة ، هي على حسب الترتيب الزمني :

٦١٩

اسم قائد الكتيبة

عددها

كتيبة الحر بن يزيد التميمي

١٠٠٠ مقاتل

كتيبة عمر بن سعد (قائد الجيش)

٤٠٠٠ مقاتل

كتيبة شمر بن ذي الجوشن

٤٠٠٠ مقاتل

كتيبة يزيد بن ركاب الكلبي

٢٠٠٠ مقاتل

كتيبة الحصين بن نمير التميمي

٤٠٠٠ مقاتل

كتيبة مضاير بن رهينة المازني

٣٠٠٠ مقاتل

كتيبة نصر بن خرشة

٢٠٠٠ مقاتل

كتيبة كعب بن طلحة

٣٠٠٠ مقاتل

كتيبة شبث بن ربعي الرياحي

١٠٠٠ فارس

كتيبة حجّار بن أبجر

١٠٠٠ فارس

المجموع

٢٥٠٠٠ مقاتل

وما زال عبيد الله بن زياد يرسل إليه الخيل والرجال حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفا ، ما بين فارس وراجل. كما أن بقية الجيوش الأموية كانت في حالة إنذار واستنفار عام.

٧٤٧ ـ تحقيق حول أعداد جيش عمر بن سعد :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي : ولم يحضر قتال الحسينعليه‌السلام أحد من أهل الشام ، بل كلهم من أهل الكوفة ممن كاتبه ، وكانوا ستة آلاف مقاتل.

(أقول) : الّذي استفاضت فيه روايات الشيعة ـ وهم أهل هذا البيت ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه ـ أن العسكر الذين أحاطوا بالحسينعليه‌السلام يقربون إلى ثلاثين ألفا ، وهو المروي عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام .

وفي (مطالب السّؤول) : أنهم كانوا اثنين وعشرين ألفا.

وفي كتاب (محمّد بن أبي طالب) ما حاصله : إن ابن زياد سيّر ابن سعد إلى الحسينعليه‌السلام في تسعة آلاف ، ثم يزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ، والحصين ابن

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735