موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 468188 / تحميل: 5510
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

وفي أصول الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن داود قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إذا زنى الرّجل فارقه روح الإيمان.

قال: فقال: هذا مثل قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) . ثمّ قال غير هذا، أبين منه. ذلك قول الله ـ عزّ وجلّ(٢) :( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) . هو الّذي فارقه.

( وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ ) ، أي: وحالكم أنّكم لا تأخذونه في حقوقكم.

( إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) : إلّا أن تتسامحوا فيه. مجاز من أغمض بصره، إذا غضّه(٣) .

وقرئ من باب التّفعيل، أي: تحملوا على الإغماض، أو توجدوا مغمضين.

وفي الكافي(٤) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) ، قال: كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا أمر بالنّخل أن يزكّى، يجيء قوم بألوان من التّمر. وهو من أردأ التّمر يؤدّونه من زكاتهم تمرا. يقال له «الجعرور» و «المعافارة» قليلة اللّحا، عظيمة النّوى. وكان بعضهم يجيء بها عن التّمر الجيّد. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لا تخرصوا هاتين التّمرتين. ولا تجيئوا منهما بشيء.

وفي ذلك نزل:( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا ) .

والإغماض أن يأخذ هاتين التّمرتين.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ ) عن إنفاقكم. وإنّما يأمركم به لانتفاعكم.

( حَمِيدٌ ) (٢٦٧) بقبوله وإثابته.

( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ) في الإنفاق. والوعد في الأصل شائع في الخير والشّرّ.

وقرئ الفقر، بالضّمّ والسّكون وبضمّتين وفتحتين.

( وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ) : ويغريكم على البخل. والعرف يسمّي البخيل فاحشا.

وقيل(٥) : المعاصي.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢٨٤، ح ١٧.

(٢) المجادلة / ٢٢.

(٣) أ: إذ لفضه.

(٤) الكافي ٤ / ٤٨، ح ٩.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٤٠.

٤٤١

( وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ ) ، أي: في الإنفاق.

( وَفَضْلاً ) : خلفا أفضل ممّا أنفقتم.

( وَاللهُ واسِعٌ ) : الفضل لمن أنفق وغيره.

( عَلِيمٌ ) (٢٦٨) بالإنفاق وغيره.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ) ، قال: الشّيطان يقول: «لا تنفق مالك. فإنّك تفتقر.» والله يعدكم مغفرة منه وفضلا، أي: يغفر لكم إن أنفقتم لله. و «فضلا»، قال: يخلف عليكم.

وفي كتاب علل الشّرائع(٢) : أبي ـ رضي الله عنه ـ قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ، عن [ابن](٣) عبّاس، عن أسباط، عن عبد الرّحمن قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: إنّي ربّما حزنت. فلا أعرف في حال ولا مال ولا ولد. وربّما فرحت. فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد.

فقال: إنّه ليس من أحد إلّا ومعه ملك وشيطان. فإذا كان فرحه، كان دنّو الملك منه. فإذا كان حزنه، كان دنوّ الشّيطان منه. وذلك قول الله ـ تبارك وتعالى:( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ. وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ. وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً. وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) .

( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ ) :

[مفعول أوّل آخر للاهتمام بالمفعول الثّاني.

( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ) :

بناءه للمفعول. لأنّه المقصود. وقرأ يعقوب بالكسر، أي: ومن يؤته الله.

( فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) :

والمراد بالحكمة، طاعة الله، ومعرفة الإسلام، ومعرفة الإمام الّتي هي العمدة في كلتا المعرفتين الأوّلتين.

وفي محاسن البرقيّ(٤) : عنه، عن أبيه، عن النّضر بن سويد، عن الحلبيّ، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تبارك وتعالى :

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٩٢.

(٢) علل الشرائع ١ / ٩٣، ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المحاسن / ١٤٨، ح ٦٠.

٤٤٢

( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) قال: هي طاعة الله ومعرفة الإسلام(١) .

وفي مجمع البيان(٢) : ويروى عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أتاني القرآن، وأتاني من الحكمة مثل القرآن. وما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلّا كان خرابا. ألا فتفقّهوا، وتعلّموا، ولا تموتوا(٣) جهّالا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله:( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) قال: الخير الكثير: معرفة أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام. وفيه(٥) ، خطبة له ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفيها: رأس الحكمة، مخافة الله.

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تعالى:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) فقال: إنّ الحكمة المعرفة والتّفقّة في الدّين. فمن فقّه منكم، فهو حكيم. وما [من](٧) أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس، من فقيه.

وفي كتاب الخصال(٨) ، عن الزّهريّ عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ قال: كان آخر ما أوصى به الخضر، موسى بن عمران ـ عليهما السّلام ـ أن قال [له]:(٩) لا تعيرنّ أحدا ـ إلى قوله ـ ورأس الحكمة مخافة الله ـ تبارك وتعالى.

عن محمّد بن أحمد بن محمّد(١٠) بن أبي نصر(١١) قال أبو الحسن ـ عليه السّلام: من علامات الفقه: الحلم، والعلم، والصّمت. إنّ الصّمت باب من أبواب الحكمة. وإنّ الصّمت يكسب المحبّة. وإنّه دليل على كلّ خير.

عن أبي جعفر ـ عليه السّلام(١٢) ـ قال بينما(١٣) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذات

__________________

(١) المصدر: الإمام.

(٢) مجمع البيان ١ / ٣٨٢.

(٣) المصدر: فلا تموتوا.

(٤) تفسير القمي ١ / ٩٢.

(٥) نفس المصدر ١ / ٢٩١.

(٦) تفسير العياشي ١ / ١٥١، ح ٤٩٨.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) الخصال / ١١١، ح ٨٣.

(٩) يوجد في المصدر.

(١٠) نفس المصدر / ١٥٨، ح ٢٠٢. وفيه: عن أحمد بن محمّد.

(١١) المصدر: محمد بن أبي نصر البزنطي.

(١٢) نفس المصدر / ١٤٦، ح ١٧٥.

(١٣) المصدر: بينا. (ظ)

٤٤٣

يوم، في بعض أسفاره، إذ لقيه ركب. فقالوا: السّلام عليك، يا رسول الله! فالتفت إليهم. وقال(١) : ما أنتم؟ فقالوا(٢) : مؤمنون.

قال: فما حقيقة إيمانكم؟

قالوا: الرّضا بقضاء الله، والتّسليم لأمر الله، والتّفويض إلى الله.

فقال رسول الله: علماء حكماء وكادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء. فإن كنتم صادقين، فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتّقوا الله الّذي إليه ترجعون.

وفي أصول الكافي(٣) عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أيّوب ابن الحرّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) فقال: طاعة الله، ومعرفة الإمام.

يونس(٤) ، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) قال: معرفة الإمام، واجتناب الكبائر الّتي أوجب الله عليها النّار.

عليّ بن إبراهيم(٥) ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد ذكر القرآن: لا تحصى عجائبه. ولا تبلى غرائبه. مصابيح الهدى(٦) . ومنار الحكمة.

وفي مصباح الشّريعة(٧) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: الحكمة ضياء المعرفة، و (ميزان)(٨) التّقوى، وثمرة الصّدق.

ولو قلت: ما أنعم الله على عباده(٩) بنعمة أنعم وأعظم(١٠) وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة، لقلت: [صادقا](١١) قال الله ـ عزّ وجلّ:( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً. وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ) ، أي: لا يعلم ما أودعت وهيّأت في

__________________

(١) المصدر: فقال.

(٢) المصدر: قالوا.

(٣) الكافي ١ / ١٨٥، ح ١١.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٢٨٤، ح ٢٠.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٥٩٨ ـ ٥٩٩، ضمن ح ٢.

(٦) المصدر: فيه مصابيح الهدى.

(٧) شرح فارسى لمصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة / ٥٣٣ ـ ٥٣٥.

(٨) المصدر وهامش الأصل (خ ل): ميراث.

(٩) المصدر: على عبد من عباده.

(١٠) المصدر: أعظم وأنعم.

(١١) يوجد في المصدر.

٤٤٤

الحكمة إلّا من استخلصته لنفسي وخصصته بها.

والحكمة هي النجاة. وصفة الحكيم، الثّبات عند أوائل الأمور، والوقوف عند عواقبها، وهو هادي خلق الله إلى الله.

( وَما يَذَّكَّرُ ) : وما يتّعض بما قصّ من الآيات، أو ما يتفكّرون. فإنّ المتفكّر كالمتذكّر لما أودع الله في قلبه من العلوم، بالقوّة.

( إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٢٦٩): ذوو العقول الخالصة عن شوائب الوهم، والرّكون إلى متابعة الهوى.

وفي أصول الكافي(١) : بعض أصحابنا(٢) ـ رفعه ـ عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام: يا هشام: إنّ الله(٣) ذكر أولي الألباب بأحسن الذّكر، وحلاهم بأحسن الحلية. فقال:( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ) .

( وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ ) : قليلة أو كثيرة، سرّا أو علانية، في حقّ أو باطل،( أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ ) : في طاعة، أو معصية.

( فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ ) . فيجازيكم عليه.

ودخول «الفاء»، إمّا في خبر المبتدأ، لتضمّنه معنى الشّرط، أو في الشّرط لكون كلمة، ما من أداة الشّرط.

( وَما لِلظَّالِمِينَ ) الّذين يضعون الشيء في غير موضعه، فينفقون في المعاصي، وينذرون فيها، أو يمنعون الصّدقات، ولا يوفون بالنّذور.

( مِنْ أَنْصارٍ ) (٢٧٠) ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه. جمع ناصر، كأصحاب: جمع صاحب.

( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) : فنعم شيئا أبداها.

كلمة «ما» تمييز. والمضاف محذوف.

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ، بفتح النّون وكسر العين، على الأصل. وقرأ أبو بكر وقالون بكسر النّون وسكون العين. وروي بكسر النّون وإخفاء حركة العين.

__________________

(١) الكافي ١ / ١٥، ضمن ح ١٢.

(٢) المصدر: أبو عبد الله الأشعري عن بعض أصحابنا.

(٣) المصدر: «ثم» بدل «إن الله».

٤٤٥

( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) :

والمراد بالصّدقات، سوى الزّكاة. وصلة قرابتك الواجبة، من الصّدقات النّافلة.

فإنّ الإعلان بالزّكاة والأمور المفروضة، أفضل.

روي في الكافي(١) ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت: قوله:( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ. وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) .

قال: ليس من الزّكاة وصلتك قرابتك. ليس من الزّكاة.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ ]) (٣) ( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) (٤) قال: هي سوى الزّكاة. إنّ الزّكاة علانية غير سرّ.

عليّ بن إبراهيم(٥) ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن عبد الله بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: كلّ(٦) ما فرض الله عليك، فإعلانه أفضل من إسراره. وكلّما كان تطوّعا، فإسراره أفضل من إعلانه. ولو أنّ رجلا حمل(٧) زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية، كان ذلك حسنا جميلا.

عليّ بن إبراهيم(٨) ، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن رجل، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ:( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) قال: يعني الزّكاة المفروضة.

قلت(٩) :( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ ) .

قال: يعني النّافلة. إنّهم كانوا يستحبّون إظهار الفرائض وكتمان النّوافل.

الحسين بن محمّد(١٠) ، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن مرداس، عن صفوان بن

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤٩٩، ذيل ح ٩.

(٢) نفس المصدر ٣ / ٥٠٢، ح ١٧.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) المصدر: فقال. وفي أ: قال: ليس من الزكاة لا.

(٥) نفس المصدر ٣ / ٥٠١، ح ١٦، وللحديث صدر.

(٦) المصدر: فكلّ.

(٧) المصدر: يحمل.

(٨) نفس المصدر ٤ / ٦٠، ح ١.

(٩) المصدر: قال: قلت.

(١٠) نفس المصدر ٤ / ٨، ح ٢.

٤٤٦

يحيى، والحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار السّاباطيّ قال: قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: يا عمّار! الصّدقة، والله! في السّرّ، أفضل من الصّدقة في العلانية.

وكذلك والله العبادة في السّرّ، أفضل منها في العلانية.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) .

قال: ليس تلك الزّكاة. ولكنّه الرّجل يتصدّق لنفسه الزّكاة(٢) ، علانية، ليس بسرّ.

واعلم! أنّ بعض تلك الأحاديث، يدلّ على أنّ في الآية استخداما، والمراد بالصّدقات، الصّدقات الواجبة، وبضميرها المندوبة. ويمكن حمل البعض الآخر عليه ـ أيضا ـ إلّا الخبر الأوّل. ويمكن أن يقال أيضا إنّه تفسير لقوله: «وإن تخفوها» ـ إلى آخره.

( وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ ) :

قرأ ابن عامر وعاصم، في رواية حفص، بالياء، أي: والله يكفّر أو الإخفاء.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم، في رواية ابن عيّاش ويعقوب، بالنّون، مرفوعا على أنّه جملة فعليّة، مبتدأة، أو اسميّة، معطوفة على ما بعد الفاء، أي: ونحن نكفّر.

وقرأ نافع وحمزة والكسائيّ به، مجزوما على محلّ الفاء وما بعده.

وقرئ مرفوعا ومجزوما.

والفعل للصّدقات.

( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) (٢٧١): ترغيب في الإسرار.

( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ) : ليس عليك أن تجعل كلّ النّاس مهديّين، بمعنى الإلزام على الحقّ. لأنّك لا تتمكّن منه. وإنّما عليك إراءة الحقّ، والحثّ عليه.

( وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) . لأنّه يقدر عليه.

( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ) ، من نفقة معروفة،( فَلِأَنْفُسِكُمْ ) : فهو لأنفسكم. لا ينتفع به غيركم. فلا تمنّوا عليه. ولا تنفقوا الخبيث.

( وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ ) ، أي: حال كونكم غير متقين إلّا لابتغاء وجهه.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٥١، ح ٤٩٩.

(٢) المصدر: والزكاة.

٤٤٧

وقيل(١) : نفي في معنى النّهي.

( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) ثوابه، أضعافا مضاعفة. فهو تأكيد للشّرطيّة السّابقة، أو ما يخلف المنفق استجابة، لقوله ـ عليه السّلام(٢) : أللّهمّ اجعل لمنفق خلفا، ولممسك تلفا.

( وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) (٢٧٢): بتنقيص ثواب نفقتكم، أو إذهاب ثوابها.

( لِلْفُقَراءِ ) : متعلق بمحذوف، أي: اعمدوا للفقراء، أو اجعلوا ما تنفقونه لهم، أو صدقاتكم للفقراء.

( الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، أي: أحصرهم الاشتغال بالعبادة،( لا يَسْتَطِيعُونَ ) لاشتغالهم،( ضَرْباً فِي الْأَرْضِ ) : ذهابا فيها للكسب.

في مجمع البيان(٣) : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: نزلت الآية في أصحاب الصّفّة.

( يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ ) بحالهم.

وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة، بفتح السّين.

( أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) : من أجل تعفّفهم عن السّؤال.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قال العالم ـ عليه السّلام: الفقراء هم الّذين لا يسألون(٥) لقول الله تعالى في سورة البقرة:( لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ ) ـ إلى قوله ـ( إِلْحافاً ) .

( تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ ) من الضّعف، ورثاثة الحال. والخطاب للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو لكلّ أحد.

( لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ) : إلحاحا. وهو أن يلازم المسئول حتّى يعطيه شيئا، من قولهم: لحفني من فضل لحافه، أي: أعطاني من فضل ما عنده.

قيل(٦) : «المعنى: أنّهم لا يسألون. وإن سألوا عن ضرورة، لم يلحّوا.» والخبر الذي

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤١.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٨٧.

(٤) تفسير القمي ١ / ٢٩٨.

(٥) يوجد في المصدر، بعد هذه الفقرة: وعليهم مؤنات من عيالهم. والدليل على أنّهم هم الذين لا يسألون قول الله تعالى

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٤١.

٤٤٨

رواه عليّ بن إبراهيم عن العالم ـ عليه السّلام ـ يردّه: بل هو نفي للأمرين، كقوله على لاحب: لا يهتدي بمناره.

ونصبه على المصدر. فإنّه نوع من السّؤال، أو على الحال.

وفي مجمع البيان(١) : وفي الحديث: إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده، ويكره البؤس والتبوّس، ويحب الحليم المتعفّف من عباده، ويبغض الفاحش البذيء السائل الملحف.

وعنه ـ عليه السّلام(٢) ـ قال: إنّ الله كرّه لكم ثلاثا.

قيل: وما هنّ(٣) ؟ قال: كثرة السّؤال، وإضاعة المال، ونهى عن عقوق الأمّهات ووأد البنات(٤) .

وقال ـ عليه السّلام(٥) : الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي الّتي تليها(٦) ، ويد السائل السّفلى إلى يوم القيامة. ومن سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة كدوحا، أو خموشا، أو خدوشا في وجهه.

قيل: وما غناه؟

قال: خمسون درهما أو عدلها من الذّهب.

( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (٢٧٣): ترغيب في الإنفاق، وخصوصا على هؤلاء.

( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) ، أي: يعمّون الأوقات والأحوال بالخير.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن أبي إسحاق قال: كان لعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ أربعة دراهم. لم يملك غيرها. فتصدّق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرّا، وبدرهم علانية. فبلغ ذلك النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله. فقال: يا عليّ! ما حملك على ما صنعت؟

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٨٧.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) «وما هنّ» ليس في المصدر.

(٤) المصدر: ووأد البنات ومنع وهات.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) المصدر: تليه.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٥١، ح ٥٠٢.

٤٤٩

قال: إنجاز موعود الله.

فأنزل الله:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) (إلى آخر(١) الآية)

وفي الكافي(٢) عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له(٣) : قوله ـ عزّ وجلّ:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) .

قال: ليس من الزّكاة.

والحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا(٤) ، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن الوليد الوصافيّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: صدقة السّرّ، تطفئ غضب الرّبّ ـ تبارك وتعالى.

وفي من لا يحضره الفقيه(٥) : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في قول الله تعالى:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) قال: نزلت في النّفقة على الخيل.

قال مصنّف هذا الكتاب(٦) : روي(٧) أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. وكان سبب نزولها أنّه كان معه أربعة دراهم فتصدّق بدرهم منها باللّيل، وبدرهم بالنّهار، وبدرهم في السّرّ، وبدرهم في العلانيّة. فنزلت هذه الآية. والآية إذا نزلت في شيء، فهي منزلة في كلّ ما يجري فيه. فالاعتقاد في تفسيرها أنّها نزلت في أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وجرت في النّفقة على الخيل وأشباه ذلك. (انتهى).

وفي مجمع البيان(٨) : قال ابن عبّاس نزلت (هذه) الآية في عليّ ـ عليه السّلام.

كانت معه أربعة دراهم فتصدّق بواحد ليلا، وبواحد نهارا، وبواحد سرّا، وبواحد علانيّة.

وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ. وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢٧٤): خبر الّذين

__________________

(١) «إلى آخر» ليس في المصدر.

(٢) الكافي ٣ / ٤٩٩، ح ٩. وللحديث صدر وذيل.

(٣) المصدر: «قلت»، بدل: «قال قلت له.»

(٤) نفس المصدر ٤ / ٨، ح ٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٨٨، ح ٨٥٢.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) المصدر: هذه الآية روى. (٨) مجمع البيان ١ / ٣٨٨.

٤٥٠

ينفقون.

والفاء للسّببيّة. وقيل(١) : للعطف.

والخبر محذوف، أي: ومنهم الّذين ينفقون. ولذلك جوّز الوقف على «وعلانية.»( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا ) ، أي: الآخذون للرّبا. وإنّما ذكر الأكل، لأنّه معظم منافع المال. وهو بيع جنس بما يجانسه، مع الزّيادة، بشرط كونه مكيلا، أو موزونا، والقرض مع اشتراط النّفع.

وإنّما كتب بالواو، كالصّلوة، للتّفخيم على لغة من يفخّم. وزيدت الألف بعدها، تشبيها بألف الجمع.

( لا يَقُومُونَ ) إذا بُعثوا من قبورهم، أو في المحشر، أو في الدّنيا، يؤول عاقبة أمرهم إلى ذلك.

في تفسير العيّاشيّ(٢) : عن شهاب بن عبد ربّه قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: آكل الرّبا لا يخرج من الدّنيا حتّى يتخبّطه الشّيطان.

وفي الأخبار ما يدلّ على الأوّلين. ويمكن الجمع بأنّ ابتداء حصول هذه الحالة في الدّنيا.

( إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ ) : قياما كقيام المصروع، بناء على ما يزعم النّاس أنّ الشّيطان يمسّ الإنسان، فيصرع.

و «الخبط»: صرع على غير اتّساق، كالعشواء، أو الإفساد.

( مِنَ الْمَسِ ) : متعلّق بلا يقومون، أي: «لا يقومون من المسّ الّذي بهم، بسبب أكل الربا»، أو بيقوم، أو بيتخبطه. فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين، لا لاختلال عقلهم. ولكن لأنّ الله أربى ما في بطونهم ما أكلوه من الربا، فأثقلهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: لـمّا أسري بي إلى السّماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم، فلا يقدر أن يقوم، من عظم بطنه.

فقلت: من هؤلاء؟ يا جبرئيل!

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٤٢.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ١٥٢ ح ٥٠٣.

(٣) تفسير القمي ١ / ٩٣.

٤٥١

قال: هؤلاء( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) .

( ذلِكَ ) العقاب،( بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ) : بسبب أنّهم نظّموا البيع والربا في سلك واحد، لافضائهما إلى الرّبح. فاستحلّوه استحلاله. وهو من باب القلب. والأصل إنّما الربا مثل البيع. عكس للمبالغة. كأنّهم جعلوا الربا أصلا، وقاسوا البيع به.

( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) : في موضع الحال.

في عيون الأخبار(١) ، في باب ما كتب الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله في العلل وعلّة تحريم الربا: إنّما نهى الله لما فيه من فساد الأموال. لأنّ الإنسان إذا اشترى الدّرهم بالدّرهمين، كان ثمن الدّرهم درهما، وثمن الآخر باطلا، فيقع(٢) الربا، واشتراءه(٣) وكسا(٤) على كلّ حال على المشتري وعلى البائع. فحظر(٥) الله تعالى الربا لعلّة فساد الأموال، كما حظر على السّفيه أن يدفع إليه ماله، لـمّا يتخوّف عليه من إفساده، حتّى يؤنس منه رشد(٦) . فلهذه العلّة حرّم الله تعالى الرّبا، وبيع الدّرهم بالدّرهمين، يدا بيد. وعلّة تحريم الربا بعد البيّنة، لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرّم. وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله لها. ولم يكن ذلك منه إلّا استخفافا بالمحرّم الحرم(٧) . والاستخفاف بذلك دخول في الكفر.

وعلّة تحريم الربا بالنسيئة، لعلّة ذهاب المعروف، وتلف الأموال، ورغبة النّاس في الرّبح، وتركهم الفرض، وصنائع المعروف، وما في(٨) ذلك من الفساد والظّلم وفناء الأموال.

وفي الكافي(٩) عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى ،

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩٣ ـ ٩٤.

(٢) المصدر: فبيع.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: «وكس» والفقرة الأخيرة في المصدر هكذا: فبيع الربا وكس.

(٥) المصدر: فحرّم.

(٦) المصدر: رشده.

(٧) المصدر: إلّا استخفاف بالتحريم للحرام.

(٨) المصدر: لما.

(٩) الكافي ٥ / ١٤٦، ح ٧.

٤٥٢

عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: إنّي رأيت الله تعالى قد ذكر الربا في غير آية وكرّره.

فقال: أوتدري لم ذاك؟

قلت: لا. قال: لئلّا يمتنع النّاس من اصطناع المعروف.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّما حرّم الله ـ عزّ وجلّ الرّبا لئلّا(٢) يمتنع النّاس من اصطناع المعروف.

روى عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: درهم ربا(٤) ، أعظم عند الله، من سبعين زنية بذات محرم، في بيت الله الحرام.

وقال: الربا سبعون(٥) جزءا، أيسره أن ينكح الرّجل أمّه في بيت الله الحرام.

( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ ) ، أي: وعظ وتوبة.

في تفسير العيّاشيّ(٦) : عن محمّد بن مسلم: أنّ رجلا سأل أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ وقد عمل بالربا حتّى كثر ماله، بعد أن سأل غيره من الفقهاء، فقالوا: ليس يقبل(٧) منك شيء، إلّا أن تردّه إلى أصحابه.

فلمّا قصّ على أبي جعفر(٨) ـ عليه السّلام ـ قال له أبو جعفر ـ عليه السّلام: مخرجك في كتاب الله، قوله:( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ. وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) .

والموعظة التّوبة.

وفي أصول الكافي(٩) : عليّ بن إبراهيم [عن أبيه](١٠) ، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ :

__________________

(١) نفس المصدر والموضع، ح ٨.

(٢) المصدر: لكيلا.

(٣) تفسير القمي ١ / ٩٣ ـ ٩٤.

(٤) المصدر: من ربا.

(٥) المصدر: قال: إن للربا سبعين.

(٦) تفسير العياشي ١ / ١٥٢، ح ٥٠٦.

(٧) المصدر: يقبل.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فلمّا قصّ أبا جعفر ـ عليه السّلام.

(٩) الكافي ٢ / ٤٣١، ح ٢.

(١٠) يوجد في المصدر.

٤٥٣

( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) قال: الموعظة التّوبة.

( مِنْ رَبِّهِ ) ، أي: بلغه النّهي عن الربا من ربّه.

( فَانْتَهى ) عن أخذه. وتاب عنه.

( فَلَهُ ما سَلَفَ ) : ما تقدّم من أخذه. ولا يستردّ منه.

و «ما» في موضع الرّفع بالظّرف إن جعلت «من» موصولة، وبالابتداء إن جعلت شرطيّة على رأي سيبويه.

«إذا» الظّرف معتمد على ما قبله.

( وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) ، أي: يجازيه على انتهائه، أو يحكم في شأنه. ولا اعتراض لكم عليه.

في الكافي(١) : أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبي المغرا [، عن الحلبيّ](٢) قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كلّ ربا أكله النّاس بجهالة، ثمّ تابوا عنه، فإنّه يقبل منهم، إذا عرف منهم التّوبة. وأيّما رجل أفاد مالا كثيرا قد أكثر فيه من الرّبا، فجهل ذلك، ثمّ عرفه بعد، فأراد أن ينزعه، فما مضى فله، ويدعه فيما يستأنف.

عليّ بن إبراهيم(٣) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه: إنّ(٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد وضع ما مضى من الرّبا. وحرّم عليهم ما بقي. فمن جهله، وسع له جهله، حتّى يعرفه. فإذا عرف تحريمه، حرّم عليه، ووجب عليه فيه العقوبة، إذا ركنه(٥) ، كما يجب على من يأكل الرّبا.

عدّة من أصحابنا(٦) ، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل أربى بجهالة، ثمّ أراد أن يتركه.

قال: قال: أمّا ما مضى فله. وليتركه فيما يستقبل.

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٤٥، ح ٥. وللحديث صدر.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع، ح ٤. وقد أسقط قطعة من وسط الحديث.

(٤) المصدر: فانّ.

(٥) المصدر: ركبه. (ظ)

(٦) نفس المصدر ٥ / ١٤٦، ح ٩. وللحديث تتمة طويلة.

٤٥٤

( وَمَنْ عادَ ) إلى تحليل الربا إذا الكلام فيه،( فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٢٧٥) لأنّهم كفروا به، كما مرّ في حديث العيون.

وفي الكافي(١) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن منصور، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الرّجل يأكل الربا، وهو يرى أنّه له حلال.

قال: لا يضرّه حتّى يصيبه متعمّدا. فإذا أصابه متعمّدا، فهو بالمنزل(٢) الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ.

( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا ) : يذهب بركته. ويهلك المال الّذي فيه.

في من لا يحضره الفقيه(٣) : وسأل رجل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) . وقد أرى من يأكل الربا، يربو ماله.

قال: فأيّ محق أمحق من درهم ربا يمحق الدّين وإن تاب منه، ذهب ماله وافتقر.

( وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) : يضاعف ثوابها. ويبارك فيما أخرجت منه.

في تفسير العيّاشيّ(٤) : عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الله يقول: ليس من شيء إلّا وكلت به من يقبضه غيري إلّا الصّدقة. فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفا، حتّى أنّ الرّجل والمرأة يتصدّق(٥) بالتّمرة وبشقّ تمرة فأربيها(٦) ، كما يربي الرّجل فلوه وفصيله، فيلقى في يوم القيامة(٧) وهو مثل أحد وأعظم من أحد.

وعن أبي حمزة(٨) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال الله ـ تبارك وتعالى: أنا خالق كلّ شيء. وكلت بالأشياء غيري إلّا الصّدقة ـ وذكر نحو ما سبق.

وعن عليّ بن جعفر(٩) ، عن أخيه موسى ـ عليه السّلام ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: أنه ليس شيء إلّا وقد وكل به

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٤٤، ح ٢.

(٢) المصدر: بالمنزلة.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١٧٦، ح ٧٩٥.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٥٢، ح ٥٠٧.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: تصدّق.

(٦) المصدر: فأربيها له.

(٧) المصدر: فيلقاني يوم القيامة.

(٨) نفس المصدر ١ / ١٥٣، ح ٥٠٩.

(٩) نفس المصدر والموضع، ح ٥١٠.

٤٥٥

ملك غير الصّدقة. فإنّ الله يأخذه(١) بيده، ويربيه كما يربي أحدكم ولده، حتّى تلقاه(٢) يوم القيامة وهي مثل أحد.

وفي مجمع البيان(٣) : روى عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ انه قال: [إنّ الله تعالى](٤) يقبل الصّدقات. ولا يقبل منها إلّا الطّيّب. ويربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم مهره أو فصيله، حتّى أنّ اللّقمة لتصير مثل أحد.

وفي أمالي الصّدوق(٥) ـ ره ـ بإسناده إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: من تصدّق بصدقة في شعبان، ربّاها ـ جلّ وعزّ(٦) ـ كما يربّي أحدكم فصيله، حتّى يوافي يوم القيامة وقد صارت(٧) مثل أحد.

( وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ ) : لا يرضاه.

( أَثِيمٍ ) (٢٧٦): منهمك في الإثم.

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالله ورسله وأوصياء رسله،( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) : عطف على «آمنوا» ولا يدلّ على خروج العمل عن الإيمان، كما لا يدلّ عطف.

( وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ ) عليه، على خروجه عنه.

( لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) على آت.

( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢٧٧) على فائت.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ) : واتركوا بقايا ما شرطتم على النّاس من الرّبا.

( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٢٧٨) بقلوبكم. فإنّ دليله امتثال ما أمرتم به.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : أنّ سبب(٩) نزولها أنّه لـمّا أنزل الله:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ ) فقام خالد بن الوليد إلى

__________________

(١) المصدر: يأخذ.

(٢) المصدر: يلقاه.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٩٠.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) أمالي الصدوق / ٥٠١، ح ٧.

(٦) المصدر: ربّاها ـ جلّ وعزّ ـ له.

(٧) المصدر: صارت له.

(٨) تفسير القمي ١ / ٩٣.

(٩) المصدر: فانّه كان سبب.

٤٥٦

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: يا رسول الله! ربا أبي في ثقيف. وقد أوصاني عند موته بأخذه.

فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ الآية(١) .

قال: من أخذ الرّبا وجب عليه القتل [وكلّ من اربى وجب عليه القتل](٢) .

( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا ) : فاعلموا. من أذن بالشيء، إذا علم به.

وقرأ حمزة وعاصم في رواية ابن عبّاس: فآذنوا، أي: فأعلموا بها غيركم، من الإذن وهو الاستماع. فإنّه من طرق العلم.

( بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) ، أى: فاعلموا بها.

وتنكير «حرب»، للتّعظيم، أي: حرب عظيم. وذلك يقتضي أن يقاتل المربي(٣) بعد الاستتابة، حتّى يفيء إلى أمر الله. وذلك يقتضي كفره.

( وَإِنْ تُبْتُمْ ) : رجعتم من الإيتاء واعتقاد حلّه،( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) : فيه دلالة على أنّ المربي لو لم يتب لم يكن له رأس ماله. وهو كذلك. لأنّ المصرّ على التّحليل مرتدّ وماله فيء.

( لا تَظْلِمُونَ ) بأخذ الزّيادة.

( وَلا تُظْلَمُونَ ) (٢٧٩) بالمطل والنّقصان من رأس المال.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن أبي عمرو الزّبيرىّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ التّوبة مطهّرة من دنس الخطيئة. قال:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ـ إلى قوله ـ( لا تَظْلِمُونَ ) . فهذا ما دعى الله إليه [عباده](٥) من التّوبة، ووعدهم(٦) عليها من ثوابه. فمن خالف ما أمره الله به من التّوبة، سخط الله عليه، وكانت النّار أولى به وأحقّ.

وفي الكافي(٧) : أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبي المغرا، عن الحلبيّ قال: قال

__________________

(١) يوجد في المصدر بدل «الآية» متن الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) .

(٢) ليس في أ.

(٣) أ: الحربي.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٥٣، ح ٥١٢.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: وعد.

(٧) الكافي ٥ / ١٤٥، ح ٤. وللحديث صدر وذيل.

٤٥٧

أبو عبد الله ـ عليه السّلام: لو أنّ رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف أنّ في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التّجارة (بغير) حلال كان حلالا طيّبا. فليأكله. وإن عرف منه شيئا أنّه ربا. فليأخذ رأس ماله. وليردّ الربا.

[عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن الرّجل يكون له دين إلى أجل مسمّى. فيأتيه غريمه. يقول: أنقدني كذا وكذا. وأضع عنك بقيّته. أو يقول: أنقدني بعضه. وأمدّ لك في الأجل فيما بقي عليك.

قال: لا أرى به بأسا. إنّه لم يزدد على رأس ماله. قال الله ـ عزّ وجلّ:( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ. لا تَظْلِمُونَ. وَلا تُظْلَمُونَ ) .

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: أتى رجل أبي. فقال: إنّي ورثت مالا. وقد علمت أنّ صاحبه الّذي ورثته منه قد كان يربي(٣) . وقد أعرف أنّ فيه ربا. وأستيقن ذلك. وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه. وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز. فقالوا: لا يحلّ أكله.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: إن كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفا ربا، وتعرف أهله، فخذ رأس مالك، وردّ ما سوى ذلك. وإن كان مختلطا، فكله هنيئا [مريئا].(٤) فإنّ المال مالك. واجتنب ما كان يصنع صاحبه].(٥)

( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ ) ، أي: إن وقع غريم ذو عسر.

وقرئ: ذا عسرة.

و «المعسر»: من لم يقدر على ما يفضل عن قوته وقوت عياله على الاقتصاد.

قال في مجمع البيان(٦) روي ذلك عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

والظّاهر أنّ المراد، ما فضل عن قوت اليوم واللّيلة.

( فَنَظِرَةٌ ) ، أي: فالحكم نظرة، أو فعليكم نظرة، أو فليكن نظرة. وهي الإنظار.

__________________

(١) نفس المصدر ٥ / ٢٥٩، ح ٤.

(٢) نفس المصدر ٥ / ١٤٥، ح ٥.

(٣) المصدر: يربو.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) ر. مجمع البيان ١ / ٣٩٣.

٤٥٨

وقرئ: فناظره، على لفظ الخبر، على معنى فالمستحقّ ناظره، أي: منتظره، أو صاحب نظريّة على طريق النّسب، أو على لفظ الأمر، أي: فسامحه بالنّظرة.

وعلى كلّ تقدير، فإنظار المعسر واجب في كلّ دين. قال في مجمع البيان(١) : وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

( إِلى مَيْسَرَةٍ ) : يسار.

وقرأ نافع وحمزة بضمّ السّين. وهما لغتان، كمشرقة ومشرفة.

وقرئ بهما مضافين، بحذف التّاء عند الإضافة، كقوله: وأخلفوك عند الأمر الّذي وعدوا.

وفي الكافي(٢) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمّد قال: سأل الرّضا ـ عليه السّلام ـ رجل وأنا أسمع، فقال له: جعلت فداك! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) ، أخبرني عن هذه النّظرة الّتي ذكرها الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه. لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر(٣) ، لا بدّ له من أن ينظر، وقد أخذ مال هذا الرّجل، وأنفقه على عياله، وليس له غلّة ينتظر إدراكها، ولا دين ينتظر محلّه، ولا مال غائب ينتظر قدومه؟

قال: نعم. ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام. فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة الله. فإن كان أنفقه في معصية الله، فلا شيء له على الإمام.

قلت: فما لهذا الرّجل(٤) ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه: في طاعة الله أم في (معصية الله)؟

قال: يسعى له في ماله، فيردّه(٥) ، وهو صاغرا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : حدّثني أبي، عن السّكونيّ، عن مالك بن مغيرة، عن حمّاد بن سلمة، عن جدعان، عن سعيد بن المسيّب، عن عائشة أنّها قالت: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) الكافي ٥ / ٩٣، ح ٥.

(٣) المصدر: المعسر إليه.

(٤) المصدر: الرجل الّذى.

(٥) المصدر: فيردّه عليه.

(٦) تفسير القمي ١ / ٩٤.

٤٥٩

المسلمين [واستبان للوالي عسرته إلّا برئ هذا المعسر من دينه، وصار دينه على والي المسلمين](١) فيما في يديه من أموال المسلمين.

قال: ومن كان له على رجل مال أخذه ولم ينفقه في إسراف أو معصية فعسر عليه أن يقضيه فعلى من له المال أن ينظره حتّى يرزقه الله فيقضيه. وإذا(٢) كان الإمام العادل قائما، فعليه أن يقضى عنه دينه، لقول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: من ترك مالا فلورثته. ومن ترك دينا أو ضياعا فعلى والي المسلمين وعلى(٣) الإمام ما ضمّنه الرّسول.

( وَأَنْ تَصَدَّقُوا ) : بالإبراء.

وقرأ عاصم بتخفيف الصّاد.

( خَيْرٌ لَكُمْ ) : أكثر ثوابا من الإنظار،( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٢٨٠) أنّه معسر.

في الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: صعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ المنبر ذات يوم. فحمد الله. وأثنى عليه. وصلّى على أنبيائه ـ صلّى الله عليهم. ثمّ قال: أيّها النّاس! ليبلغ الشّاهد منكم الغائب: ألا ومن أنظر معسرا، كان له على الله في كلّ يوم صدقة بمثل ماله، حتّى يستوفيه.

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام:( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أنّه معسر. فتصدّقوا عليه بما لكم (عليه). فهو خير لكم.

محمّد بن يحيى(٥) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من أراد أن يظلّه الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه؟

قالها ثلاثا. فهابه النّاس أن يسألوه.

فقال: فلينظر معسرا(٦) ، أو ليدع له من حقّه.

محمّد بن(٧) يحيى، عن عبد الله بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) المصدر: وإن.

(٣) «والي المسلمين وعلى» ليس في المصدر.

(٤) الكافي ٤ / ٣٥، ح ٤.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ١.

(٦) أ: و.

(٧) نفس المصدر والموضع، ح ٢.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

نمير السكوني في أربعة آلاف ، و [مضاير بن رهينة] المازني في ثلاثة آلاف ، ونصر ابن فلان في ألفين ؛ فذلك عشرون ألفا ، ما بين فارس وراجل.

وعن بعض من حضر المعركة (وهو عبد الله بن عمار بن يغوث) قال :

«والله ما رأيت مكثورا قط ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا».

مما يؤكد أن عددهم لا يقل عن عشرين ألفا ، وأنهم تكاملوا في كربلاء إلى ثلاثين ألفا ، ما عدا المدد المتصل بهم والذي لم يصل بعد إلى كربلاء.

٧٤٨ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد (٢):

(كتاب الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٥٩)

ثم كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد : إني لم أجعل لك علة في قتال الحسين ، من كثرة الخيل والرجال. فانظر أن لا تبدأ أمرا حتّى تشاورني ، غدوّا وعشيا مع كل غاد ورائح ، والسلام.

والتأمت العساكر إلى عمر بن سعد [في كربلاء] لست مضين من المحرم.

٧٤٩ ـ عناصر الجيش الأموي :

(حياة الإمام الحسين للسيد باقر القرشي ، ج ٣ ص ١٥٦)

يتألف الجيش الأموي من خمسة عناصر ، ومن بينها :

١ ـ الانتهازيون : وهم أصحاب المصالح ، مثل : عمر بن سعد ، وحجار بن أبجر ، وشبث بن ربعي ، وشمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، ويزيد بن الحرث.

٢ ـ المرتزقة : غايتهم الحصول على مغانم الحرب والأموال. وهم الذين نهبوا ثقل الحسينعليه‌السلام ، وعمدوا إلى سلب حرائر النبوة وعقائل الوحي ، فلم يتركوا ما عليهن من حلي وحلل ، وسلبوا الإمام الحسينعليه‌السلام وسائر الشهداء من الملابس ولا مات الحرب [أي الدروع].

٣ ـ الممسوخون : وهم الحاقدون على كل الناس ، ورغبتهم الذبح واقتراف الجرائم ، مثل : شمر ، وحرملة بن كاهل ، والحكيم بن الطفيل الطائي ، وسنان بن أنس ، وعمرو بن الحجاج ، وأمثالهم من «كلاب الطراد «كما سمّاهم بذلك بعض المؤرخين. وقد صدرت منهم في كربلاء من القساوة والهمجية ما تترفع عنه الوحوش والكلاب.

٦٢١

٤ ـ المكرهون : وهم الذين كانت عواطفهم مع الحسينعليه‌السلام ، ولكن الجبن وخور النفس منعهم من نصرته. وهؤلاء لم يشتركوا في الحرب ، وكانوا يدعون للحسين بالنصرة. وكان بعضهم من أشياخ الكوفة يقفون على تل يبكون ويقولون :اللهم أنزل عليه نصرك!. وقد أنكر عليهم واحد منهم فقال لهم : يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصروه؟!(١) .

ومما لا شبهة فيه أن هؤلاء قد اقترفوا إثما عظيما ، وشاركوا المحاربين جريمتهم ، لأنهم لم يقوموا بإنقاذ الإمام وحمايته من المعتدين.

٥ ـ الخوارج : وهم من أحقد الناس على الإمام عليعليه‌السلام وآل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن الإمام علياعليه‌السلام قد وترهم في واقعة النهروان ، فتسابقوا إلى قتل العترة الطاهرة للتشفّي منها.

٧٥٠ ـ سوق الحدادين يعجّ بصانعي السيوف والرماح والسهام لقتال الحسينعليه‌السلام :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين ، ص ٧٨)

وقيل : إنه من اليوم السادس من المحرم كان سوق الحدادين بالكوفة ، قائما على ساق لهم : وهج ورهج ، ووجبة وجلبة. فكل من تلقاه إما أن يشتري سيفا أو رمحا أو سهما أو سنانا ، ويحدّدها عند الحداد ، وينقعها بالسم ، لإراقة دم ريحانة الرسول ومهجة فؤاد البتول. وكانت السهام كلها مسمومة ، وبعضها ذو شعبة أو شعبتين ، وبعضها ذو ثلاث شعب.

أما السهم الّذي وقع في نحر الطفل الرضيع فكان ذا شعبتين ، فذبحه من الوريد إلى الوريد. وأما السهم الّذي وقع على قلب الحسين ـ روحي له الفدا ـ فكان له ثلاث شعب ، فخرق أحشاءه وخرّق قلبه الشريف ، حتّى خرج من قفاه.

٧٥١ ـ التعداد الكمي للجيش الحسيني :

(الوثائق الرسمية ، ص ١١٠)

وأما التعداد الكمي للجيش الحسيني ، الّذي قاتل مع الحسينعليه‌السلام ، فقد اختلف الرواة وأرباب المقاتل في تحديده الكمي.

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٢ ص ٥١٧.

٦٢٢

فقد ذكر الشيخ المفيد في (الإرشاد) وابن الأثير في (الكامل) ج ٣ ص ٢٨٦ وغيرهم : أنهم اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ، والمجموع :

٣٢ فارسا+ ٤٠ راجلا ـ ٧٢ محاربا

وبعضهم قال بأكثر من هذا العدد ، ففي رواية الطبري أنهم كانوا أربعين فارسا ومائة راجل. وفي رواية الإمام الباقرعليه‌السلام أنهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. وأنا أرجّح الرواية الأخيرة لأنها عن معصوم.

(أقول) : والظاهر أن الذين اعتبروا العدد ٧٢ اقتصروا على عدّ الرجال العرب الأحرار ، دون الموالي والعبيد ، الذين كانوا بكثرة مع الحسينعليه‌السلام ؛ من مواليه ومن موالي أصحابه. فمن هنا جاء الفرق بين العدد ٧٢ والعدد ١٤٥.

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين) : قمت بعملية جرد لإحصاء جميع أسماء أصحاب الحسينعليه‌السلام وأهل بيته الذين حاربوا معه في اليوم العاشر من المحرم ، وقد ذكرهم بأسمائهم الشيخ محمّد السماوي في كتابه (إبصار العين في أنصار الحسين) ، فكان عددهم

لا يتجاوز المائة وعشرة رجال ، من المشاة والفرسان. وهم طائفتان :

١ ـ من بني هاشم ، وعددهم ستة عشر ١٦ رجلا.

٢ ـ من الأصحاب ، وهم من مختلف القبائل والأجناس ، وعددهم ٩٤ رجلا.

(أقول) : وسوف يأتي تحقيق كامل بأسماء هؤلاء الأنصار من الآل والأصحاب في أول الجزء الثاني من هذه الموسوعة إنشاء الله.

اليوم السابع من المحرّم

(الحصار ومنع الماء)

٧٥٢ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد (٣) بمنع الماء عن الحسينعليه‌السلام :

(الوثائق الرسمية للقزويني ، ص ١١٢)

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني : ثم إن عبيد الله بن زياد أخذ يرسل الكتاب تلو الكتاب ، والرسول تلو الرسول ، يحثّ عمر بن سعد على مقاتلة الحسينعليه‌السلام . فبعث إليه كتابا آخر جاء فيه :

٦٢٣

أما بعد ، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة ، كما صنع بالتقيّ الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان(١) .

الحصار

ولما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد ، أمر عمرو بن الحجاج ومعه خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة ، وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، ومنعوهم أن يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسينعليه‌السلام بثلاثة أيام.

٧٥٣ ـ عبد الله بن الحصين الأزدي يتوعّد الحسينعليه‌السلام بالموت عطشا ، ودعاء الحسينعليه‌السلام عليه :

(الوثائق الرسمية ، ص ١١٢)

ثم إن عبد الله بن (أبي) الحصين الأزدي نادى في لؤم وحقارة وخسّة نفس وخبث سريرة : يا حسين أما تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء ، ووالله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشا.

فتأثر الحسينعليه‌السلام من كلامه ، وقال : الله م اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا.

قال حميد بن مسلم : والله لعدته بعد ذلك في مرضه ، فوالله الّذي لا إله غيره ، لقد رأيته يشرب الماء حتّى يبغر(٢) ، ثم يقيء ويصيح : العطش ، ثم يعود فيشرب الماء حتّى يبغر ، ثم يقيئه ويتلظى عطشا ، فما زال ذلك دأبه حتّى هلك.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ ط ٢ نجف :

وناداه عمرو بن الحجاج : يا حسين ، هذا الماء تلغ فيه الكلاب وتشرب منه خنازير أهل السواد والحمر والذئاب ، وما تذوق منه والله قطرة حتّى تذوق الحميم في نار الجحيم. فكان سماع هذا الكلام على الحسينعليه‌السلام أشدّ من منعهم إياه الماء.

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣١٢.

(٢) بغر البعير : شرب ولم يرو ، فأخذه داء من الشرب. والبغر : كثرة شرب الماء ، أو داء وعطش.

٦٢٤

٧٥٤ ـ عند ما أضرّ العطش بالحسينعليه‌السلام ومن معه ، حفروا بئرا فشربوا منها ثم غاضت :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٤)

وورد أمر من ابن زياد بالتضييق على الحسين ومنعه من الماء كما فعل بعثمان.ولما أضرّ العطش بالحسينعليه‌السلام وبمن معه ، أخذ فأسا وجاء إلى وراء خيمة النساء ، فخطا على الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ، ثم احتفر هناك ، فنبعت له هناك عين من الماء العذب ، فشرب الحسينعليه‌السلام وشرب أصحابه بأجمعهم ، وملؤوا أسقيتهم ، ثم غارت العين فلم يشهد لها أثر.

وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد فكتب إلى عمر بن سعد : بلغني أن الحسين يحفر الآبار ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه ، فانظر إذا ورد عليك كتابي هذا فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت ، وضيّق عليهم ولا تدعهم أن يذوقوا من الماء قطرة ، وافعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان ، والسلام(١) .

فضيّق عليهم ابن سعد غاية التضييق ، ودعا برجل يقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي ، فضمّ إليه خيلا كثيرة ، وأمره أن ينزل على الشريعة التي هي حذاء معسكر الحسينعليه‌السلام ، فنزلت الخيل على شريعة الماء.

تعليق :

لقد دأب الإعلام الأموي على تشويه الحقائق وإيهام الرعاع من الناس أن الحسينعليه‌السلام له ضلع في مقتل الخليفة عثمان عطشا ، علما بأنه مع أخيه الحسنعليه‌السلام وبأمر من أبيهما الإمام عليعليه‌السلام كانا من المدافعين عن عثمان والواقفين على باب بيته بسيوفهم يوم مقتله. أما القاتل الحقيقي الّذي ورّط عثمان في الفتنة ، ثم أسلمه إلى الهلاك والقتل في آخر لحظة ، فهو معاوية. واللبيب يميّز بين أعمال من اتخذوا الغدر والوصولية مبدأ لهم ، وبين من التزموا بالحق

لا يحيدون عنه قيد أنملة ، وهم عليعليه‌السلام وأولاده. وكيف يقاس من انطبعت أعمالهم بالرجس ، بمن طهّرهم الله من كل رجس؟!.

__________________

(١) ذكر المقرم في مقتله ص ٢٤٤ ما يشبه هذا الكلام ، منقولا عن الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٤ ؛ وإرشاد المفيد وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٢.

٦٢٥

٧٥٥ ـ عبيد الله بن زياد يمارس الحرب الاقتصادية ضد الحسينعليه‌السلام بأبشع صورها ، فيمنعه من الماء ويعزله عن العالم :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ١٨٣)

وقد استعمل ابن زياد مع الحسينعليه‌السلام الحرب الاقتصادية بأبشع صورها ، وأقصى ما يتصوّر ؛ من معاملة وحشية وخطة همجية. فطوّق جيش الحسينعليه‌السلام لمنع الإمدادات الخارجية ، وقطع الاتصال بينه وبين العالم الخارجي ، حتّى وصلت الحال إلى حدّ منع الماء عنه وعن عياله وأطفاله.

٧٥٦ ـ حقوق الحسينعليه‌السلام في ماء الفرات :

(معالي السبطين لمحمد مهدي المازندراني ، ج ١ ص ١٩٥)

قال المرحوم الحاج شيخ جعفر : اعلم أن للحسينعليه‌السلام في الماء حقوقا أربعة :

الأول : حقه في الماء ، من حيث الاشتراك مع جميع الناس ، فإن الناس كلهم شركاء في الماء.

الثاني : حقه في الماء ، من حيث الاشتراك مع جميع ذوات الأرواح ، فإن لكل ذات روح في الماء حقا ، ومنه كل الحيوان.

الثالث : من حيث ثبوت حق السقي له على أهل الكوفة ، فإنه قد سقاهم ثلاث مرات ؛ مرة في الكوفة في زمان أبيهعليه‌السلام ، وتارة في صفين ، وأخرى في القادسية ، حين الملاقاة مع عسكر الحر بن يزيد الرياحي.

الرابع : له حقّ في الفرات مخصوص ، فإن نهر الفرات نحلة الله لفاطمةعليها‌السلام ومهر الزهراء.

ولم يراعوا لعنهم الله هذه الحقوق ، ومنعوه منه كما منعوا منه أصحابه وعياله وأطفاله ، وذلك قبل مقتلهعليه‌السلام بثلاثة أيام.

٧٥٧ ـ نصيحة الهمداني لعمر بن سعد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٣٣)

قال الراوي : فلما نزل الحسينعليه‌السلام في أرض كربلاء ، أول من حال بينه وبين ماء الفرات عمر بن سعد. فاشتدّ العطش بالحسينعليه‌السلام وأطفاله وأهل بيتهعليهم‌السلام . وقام رجل من أصحاب الحسينعليه‌السلام [لعله يزيد بن الحصين

٦٢٦

الهمداني] وقال : يابن رسول الله أتأذن لي أن أمضي إلى ابن سعد فأكلمه في أمر الماء ، وأعرّفه بعطش الحرم والأطفال ، فعساه يرتدع عن القتال؟. فقالعليه‌السلام :ذلك إليك ، افعل ما شئت.

قال : فجاء الهمداني ووبّخه بكلام ، فكان من عذره أن قال : يا أخا همدان ، والله إني أعرف الناس بحق الحسين وحرمته عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكني حائر في أمري ، ما أدري كيف أصنع؟ وفي هذا الوقت كنت أتفكر في أمري ، بين ترك ملك الرّي وقتل الحسين. ثم قال : نفسي لأمّارة بالسوء ، ما تحسّن لي ترك ملك الري ، وأني إذا قتلت حسينا أكون أميرا على سبعين ألف فارس!.

قال : فنهض من عنده مكسور القلب ، ورجع إلى الحسينعليه‌السلام وقال :

يا مولاي إن القوم استحوذ عليهم الشيطان ، وإن عمر بن سعد قد عزم على قتلك وقتل أصحابك وأهل بيتك ، ورضي بدخول النار بولاية الريّ ، ذلك هو الخسران المبين.

الاستسقاء الأول

٧٥٨ ـ معركة على الماء : استسقاء العباسعليه‌السلام بمساعدة نافع بن هلال الجملي :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٤ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٩٨)

فلما اشتدّ العطش بالحسينعليه‌السلام وأصحابه ، دعا أخاه العباسعليه‌السلام وضمّ إليه ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، وبعث معهم عشرين قربة في جوف الليل ، حتّى دنوا من الفرات ، وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل اللواء.

فقال عمرو بن الحجاج : من الرجل؟ فقال له نافع بن هلال : أنا ابن عم لك من أصحاب الحسينعليه‌السلام جئت حتّى أشرب من هذا الماء الّذي منعتمونا منه. فقال له عمرو : اشرب هنيئا مريئا. فقال له نافع : ويحك كيف تأمرني أن أشرب من الماء ، والحسينعليه‌السلام ومن معه يموتون عطشا؟!. فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.

فصاح نافع بأصحابه فدخلوا الفرات ، وصاح عمرو بأصحابه ليمنعوهم. فحمل عليهم العباسعليه‌السلام ونافع بن هلال فكشفوهم. واقتتل القوم على الماء قتالا شديدا ، فكان قوم يقاتلون وقوم يملؤون القرب ، حتّى ملؤوها وأقبلوا بالماء.

٦٢٧

ثم عاد عمرو بن الحجاج وأصحابه وأرادوا أن يقطعوا عليهم الطريق ، فقاتلهم العباسعليه‌السلام وأصحابه حتّى ردّوهم. وقتل من أصحاب عمرو بن الحجاج جماعة ، ولم يقتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام أحد.

ثم رجع القوم إلى معسكرهم بالماء ، فشرب الحسينعليه‌السلام ومن كان معه ، ولقّب العباس يومئذ بالسّقّاء(١) .

(يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٢٤٦) : ولكن لا يفوتنا أن تلك الكمية القليلة من الماء ، ما عسى أن تجدي أولئك الجمع ، الّذي هو أكثر من مائة وخمسين رجالا ونساء وأطفالا ، أو إنهم ينيفون على المائتين. ومن المقطوع به أنها لم ترو أكبادهم إلا مرة واحدة ، فسرعان أن عاد إليهم الظمأ ، وإلى الله المشتكى!.

٧٥٩ ـ خطاب الحسينعليه‌السلام بالقوم يذكّرهم فيه بحسبه ونسبه :

(لواعج الأشجان ، ص ١١٦ ط ٤ ؛ ومثير الأحزان للجواهري ، ص ٦٤)

ثم وثب الحسينعليه‌السلام متوكئا على قائم سيفه ، ونادى بأعلى صوته : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد ، أول نساء هذه الأمة إسلاما؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن سيّد الشهداء حمزة عم أبي؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفرا الطيار في الجنة عمي؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا متقلده؟.قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا لابسها؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أول القوم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما ، وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟. قالوا : الله م نعم قال : فبم تستحلّون دمي؟ وأبي الذائد عن الحوض ، يذود عنه رجالا كما

__________________

(١) من الغريب أن أبا مخنف في مقتله ذكر أن العباسعليه‌السلام استشهد هنا وهو يستسقي ، ولم يرجع بالماء إلى الحسينعليه‌السلام . وقد انفرد بهذه الرواية ، وسنذكرها في مصرع العباسعليه‌السلام فيما بعد.

٦٢٨

يذاد البعير الصاد عن الماء ، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة!. قالوا : قد علمنا ذلك كله ، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا.

المفاوضات

قال الشيخ المفيد : لما رأى الحسينعليه‌السلام نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتله ، أنفذ إلى عمر بن سعد أنني أريد أن ألقاك. فاجتمعا ليلا ، وتناجيا طويلا.

٧٦٠ ـ مكالمة الحسينعليه‌السلام لعمر بن سعد ونصيحته ، وأعذار ابن سعد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٥)

وأرسل الحسينعليه‌السلام إلى ابن سعد مع عمرو بن قرظة الأنصاري ، أني أريد أن أكلّمك الليلة ، فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك. فخرج إليه عمر بن سعد في عشرين فارسا ، والحسينعليه‌السلام في مثل ذلك. ولما التقيا أمر الحسينعليه‌السلام أصحابه فتنحّوا عنه ، وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبرعليه‌السلام . وأمر ابن سعد أصحابه فتنحّوا عنه ، وبقي معه ابنه حفص وغلام له يقال له : لاحق.

فقال الحسينعليه‌السلام لابن سعد : ويحك أما تتّقي الله الّذي إليه معادك؟. أتقاتلني وأنا ابن من علمت!. يا هذا ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنه أقرب لك من الله. فقال له عمر : أخاف أن تهدم داري. فقال الحسينعليه‌السلام : أنا أبنيها لك. فقال عمر :أخاف أن تؤخذ ضيعتي. فقالعليه‌السلام : أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز(١) . ويروى أنهعليه‌السلام قال لعمر :

(أعطيك البغيبغة ، وكانت عظيمة فيها نخل وزرع كثير ، دفع معاوية فيها ألف ألف دينار فلم يبعها له(٢) ). فقال عمر : لي عيال أخاف عليهم. فقال : أنا أضمن سلامتهم. ثم سكت فلم يجبه عن ذلك. فانصرف عنه الحسينعليه‌السلام وهو يقول : ما لك ذبحك الله على فراشك سريعا عاجلا ، ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك. فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلا يسيرا. فقال له عمر مستهزئا : يا أبا عبد الله في الشعير عوض عن البرّ. ثم رجع عمر إلى معسكره.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٤٨ عن مقتل العوالم ص ٧٨.

(٢) مقتل المقرم ص ٢٤٨ عن تظلم الزهراء ص ١٠٣.

٦٢٩

(أقول) : وقد صدق دعاء الحسينعليه‌السلام على عمر بن سعد ، فقد مات مذبوحا على فراشه (راجع ترجمته في الجزء الثاني من الموسوعة).

٧٦١ ـ حبّ الدنيا رأس كل خطيئة :

(بقلم المؤلف)

المقصود بالدنيا ما تشتمل عليه من متع عابرة وشهوات حيوانية ولذائذ آنيّة ، وما تنطوي عليه من تهالك وتحاسد وتباغض.

وهذه الرغبات المادية قد أباحها الشارع وأعطانا الحق في ممارستها ، ولكن في حدود معتدلة ومعقولة ، بحيث لا تؤدي إلى الحرص والطمع والانحراف والتهافت.

ورغم هذا كله ، نجد كثيرا من الناس تطغيهم نفسيتهم الأمارة بالسوء ، فيختارون الضلال على الهدى ، ويفضّلون الباطل على الحق ، وينحرفون منجرفين بتيار الهوى والشذوذ ؛ وذلك رغم وضوح الدلائل لديهم ، وقيام الحجة عليهم ، فيكون وبالهم كبيرا ، وعقاب أعمالهم شديدا.

من هؤلاء البغاة المنحرفين [عمر بن سعد بن أبي وقّاص] الّذي لم يرع للحسينعليه‌السلام قرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يحفظ له منزلة ولا قدرا ، وجاء يريد مساومته على الصلح مع يزيد ، الفاسق الفاجر ، كيما تنطفئ شعلة الثورة على الجور والطغيان ، وينعم هو في ظل يزيد بولاية الرّي وجرجان ، فيشبع دوافع نفسه الشريرة في التكالب على المال والأملاك والإمارة والسلطان.

لقد بات عمر بن سعد في صراع كبير بين الباطل والحق ، بين الاستجابة للدنيا أو الاستجابة للآخرة ، بين قتل الحسينعليه‌السلام أو ترك ولاية الري وجرجان. لقد بات في صراع مرير بين نفسه الأمّارة بالسوء وبين نفسه اللوّامة ، ولسان حاله يقول :

دعاني عبيد الله من دون قومه

إلى خطةّ ، فيها خرجت لحيّني

فوالله ما أدري وإني لحائر

أفكّر في أمري على خطرين

أأترك ملك الرّي والريّ منيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين

حسين ابن عمّي والحوادث جمّة

لعمري ولي في الريّ قرّة عين

يقولون : إن الله خالق جنّة

ونار وتعذيب وغلّ يدين

فإن صدقوا فيما يقولون إنني

أتوب إلى الرحمن من سنتين

وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة

وملك عقيم دائم الحجلين

٦٣٠

ولقد نصحه الحسينعليه‌السلام نصائح كثيرة ، لم تلق منه غير اختلاق الذرائع والأعذار ، التي تتركز كلها حول حرصه على المصالح الدنيوية والمكاسب المادية.

وظلعليه‌السلام جاهدا في نصيحة عمر بن سعد ـ باعتباره القائد العام لجيش البغي والعدوان ـ وهو يتنصّل بشتى المعاذير ، والحسينعليه‌السلام يردّها عليه واحدة واحدة ، حتّى لم يبق في جعبة ابن سعد عذرا يعتذر به.

وماذا كان يحجب تلك الحجج والبراهين ، والدعوات والنصائح ، عن أن تجد طريقها إلى ضمير ابن سعد ، فيتحول عن طريق الذنوب والآثام والكبائر الجسام ، لو لا أن حبّ الدنيا قد أعمى قلبه ، والتكالب عليها قد أظلم صدره. فصدق فيه قول الإمام عليعليه‌السلام : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة».

ولقد وعده ابن زياد أن يعهد له بولاية الريّ ، فباع الفاسق دينه بالبغي والغيّ ، لكنه لم يسعد بولاية ولا عيش هنيّ ، بل ذبح على فراشه بتقدير خفيّ.

٧٦٢ ـ تعليق على انحراف عمر بن سعد :

(كشف الغمة في معرفة الأئمة لعلي بن عيسى الإربلي ، ج ٢ ص ٢٦٠)

قال المحقق أبو الحسن علي بن عيسى الإربلي :

التوفيق عزيز المنال ، ومن حقّت عليه كلمة العذاب لم ينجع فيه لوم اللّوّام ولا عذل العذّال. ومن غلبته نفسه ، تورّط من شهواتها في أعظم من القيود والأغلال.وكما أن الجنة لها رجال فالنار لها رجال ، وكما أعدّ الله لقوم الفوز والرضوان ، أعدّ للآخرين العقاب والنكال.

وهذا النجس ابن سعد أبعده الله ، عرف سوء فعله ، فأضلّه الله على علم ، وهو أقبح أنواع الضلال. وطبع الله على قلبه وختم على لبّه ، وجعل على بصره غشاوة فبئست الأحوال. وزهد في الآجلة وهي إلى بقاء ، ورغب في العاجلة وهي إلى زوال. وطمع في المال فخسر المآل. فأصلي نارا وقودها الناس والحجارة ، ولم يغن عنه رأيه في الريّ ولا نفعته الإمارة ، فخرج في طالع نحس ، وباع آخرته بثمن بخس ، وأصبح من سوء اختياره في أضيق حبس. فإنه عصى الله سبحانه طاعة للفجّار ، واتّخذ ابن زياد ربّا فأورده النار وبئس القرار. وباء في الدنيا بالعار ، وحشر في الآخرة مع مردة الكفّار.

وهكذا حال هذا الشقي الّذي سعى إلى سوء خاتمته وعاقبته ، فكان العذاب

٦٣١

الدائم مصيره والنار غايته ، فتبّا له محلأ عن موارد الأبرار ، وبعدا له وسحقا في هذه الدار وتلك الدار. فلقد أوغل في تمردّه ، وبالغ في وخامة كسب يده ، وترك الحق وراء ظهره وخلف أذنه. إذ لم ينظر في يومه لغده ، وعرف الصراط المستقيم فنكب طوعا عن سننه وجدده ، وصدّع قلب الرسول بما صنعه بولده ، وأبكى الأرض والسماء بجنايته ، وأحزن الملائكة الكرام والأنبياءعليهم‌السلام ببشاعة فعلته وقبح ملكته. وجاء بها شوهاء عقراء جذعاء تشهد بسوء ظفره ، وتنطق برديّ أثره ، ولؤم مخبره وفساد اختياره ونظره ، كافلة له بالعذاب الأليم ، إضافة له الخلود في نار الجحيم ، مقيما فيها أبدا إن شاء الله مع الشيطان الرجيم. طعامه فيها الزقّوم والغسلين وشرابه الحميم ، مخصوصا بمقت الله رب العالمين ، قريبا للعتاة المتمردين والطغاة الكافرين ، مصاحبا من شايعه وتابعه ورضي بفعله من الجنّة والناس أجمعين.

٧٦٣ ـ طلب عمر بن سعد الاجتماع بالحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ ط ٢ نجف)

وكان عمر بن سعد يكره قتال الحسينعليه‌السلام ، فبعث إليه يطلب الاجتماع به ، فاجتمعا خلوة. فقال له عمر : ما جاء بك؟ فقال : أهل الكوفة. فقال :

أما عرفت ما فعلوا معكم؟. فقال : من خادعنا في الله انخدعنا له. فقال له عمر :قد وقعت الآن ، فما ترى؟. فقال : دعوني أرجع فأقيم بمكة أو المدينة أو أذهب إلى بعض الثغور فأقيم به كبعض أهله. فقال : أكتب إلى ابن زياد بذلك.

٧٦٤ ـ عمر بن سعد يبسط بساطا :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٥٩ ط حجر إيران)

قال أبو مخنف : ثم إن عمر بن سعد عبر الفرات ، وكان يخرج كل ليلة ويبسط بساطا ويدعو الحسينعليه‌السلام ويتحدثان جميعا حتّى يمضي من الليل شطره. وكان (خولي بن يزيد) من أقسى الناس قلبا على الحسينعليه‌السلام ، فلما نظر ذلك كتب إلى ابن زياد.

فكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد : فإذا قرأت كتابي فأمره أن ينزل على حكمي ، فإن فعل وهو الفرض ، وإن أبى فامنعه من شرب الماء الفرات ، فقد حرّمته عليه وحلّلته على الكلاب والخنازير.

٦٣٢

٧٦٥ ـ ابن زياد يستنكر على عمر بن سعد محادثته للحسينعليه‌السلام وإمهاله :

(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٥٢)

وبلغ ابن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسينعليه‌السلام ويحدّثه ويكره قتاله. فكتب إلى عمر بن سعد : إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلنّ الحسين بن علي ، وخذ بكظمه ، وحل بينه وبين الماء ، كما حيل بين عثمان يوم الدار.

فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد أمر مناديه فنادى : إنا قد أجّلنا حسينا وأصحابه ليلتهم ويومهم.

عروض الحسينعليه‌السلام

٧٦٦ ـ مخاطبة الحسينعليه‌السلام لعمر بن سعد وما عرضه عليه :

(تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ص ٣٥٢)

فتوجه عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام . فلما أتاه قال له الحسينعليه‌السلام : اختر واحدة من ثلاث : إما أن تدعوني فألحق بالثغور ، وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد ، وإما أن تدعوني فأذهب من حيث جئت.

فقبل ذلك عمر بن سعد ، وكتب بذلك إلى عبيد الله. فكتب إليه عبيد الله : لا ولا كرامة ، حتّى يضع يده في يدي.

فقال الحسينعليه‌السلام : لا والله لا يكون ذلك أبدا.

٧٦٧ ـ طلب الحسينعليه‌السلام من عمر بن سعد أحد شروط ثلاثة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٩)

عن الحريري عن عبد ربه ، أن الحسين بن عليعليهما‌السلام لما رهقه السلاح ، قال :ألا تقبلون مني ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبل من المشركين؟. قالوا : وما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبل من المشركين؟. قال : إذا جنح أحدهم قبل منه. قالوا : لا. قال :فدعوني أرجع. قالوا : لا. قال : فدعوني آتي أمير المؤمنين. فأخذ له رجل السلاح ، فقال له : أبشر بالنار!. فقالعليه‌السلام : بل أبشر إن شاء الله برحمة ربيعزوجل ، وشفاعة نبيّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تعليق :(المصدر السابق)

إن الخصلة الأخيرة التي تذكرها هذه الرواية ، وهي أن يأتي الحسينعليه‌السلام

٦٣٣

فيضع يده في يد يزيد ، قد انفرد بإيرادها رواة السنة. والثابت عند الشيعة أن الحسينعليه‌السلام ما سألهم إلا الرجوع إلى حرم الله وحرم جده ، أو الانتشار في أرض الله الواسعة ، فأبوا.

٧٦٨ ـ ثلاثون رجلا من جند عمر بن سعد يتحولون إلى الحسينعليه‌السلام :

(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢٢٠)

وكان مع عمر بن سعد (من قريش) قريب من ثلاثين رجلا من أهل الكوفة ، فقالوا : يعرض عليكم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث خصال ، فلا تقبلون شيئا منها؟!. فتحولوا مع الحسينعليه‌السلام فقاتلوا حتّى قتلوا معه.

افتراءات عمر بن سعد

٧٦٩ ـ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد (٢) يتأول فيه على الحسينعليه‌السلام قبوله مفاوضة يزيد :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٤٩)

ثم كتب عمر بن سعد إلى ابن زياد : أما بعد ، فإن الله أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة. هذا الحسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الّذي منه أتى ، أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده ، فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لك رضا وللأمة صلاح(١) .

وفي الحقيقة إن بعض هذه العروض قد اختلقها عمر بن سعد من عنده ، لأن الحسينعليه‌السلام لم يعتقد أصلا بخلافة يزيد حتّى يفاوضه.

بقول السيد الأمين في (لواعج الأشجان) ص ١٠١ ط نجف :

عن عقبة بن سمعان أنه قال : والله ما أعطاهم الحسينعليه‌السلام أن يضع يده في يد يزيد ولا أن يسير إلى ثغر من الثغور ، ولكنه قال : دعوني أرجع إلى المكان الّذي أقبلت منه ، أو أذهب في هذه الأرض العريضة.

__________________

(١) الإتحاف بحب الأشراف ص ١٥ ؛ وتهذيب التهذيب ج ٢ ص ٢٥٣.

(أقول) : ولعل هذه المحاولة للإصلاح من قبل عمر بن سعد ، سببها القرابة التي بين الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد. إذ أن نسب عمر بن سعد يتصل مع بني هاشم في كلاب بن مرة ، فهو عمر بن سعد بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.

٦٣٤

وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ٢٥٨ ط ٢ نجف :

(وقد وقع في بعض النسخ) أن الحسينعليه‌السلام قال لعمر بن سعد : دعوني أمضي إلى المدينة أو إلى يزيد ، فأضع يدي في يده. ولا يصحّ ذلك عنه ، فإن عقبة بن سمعان قال: صحبت الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى العراق ، ولم أزل معه إلى أن قتل ، والله ما سمعته قال ذلك.

٧٧٠ ـ افتراء مقصود على الحسينعليه‌السلام :

(الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين لعبد الكريم القزويني ، ص ١١٦)

يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني :

وكيف يتفق هذا الكتاب مع أول وثيقة للحسينعليه‌السلام عند ما قال لوالي يزيد على المدينة الوليد بن عتبة : «أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ...» إلى أن قال : «ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ثم إن خبر هذا الكتاب أشاعه الأمويون ، وأرادوا أن يوهموا به الناس ، أن الحسينعليه‌السلام خشع وخضع ، وحنى رأسه لسلطان يزيد ، ليشوّهوا بذلك الموقف البطولي الّذي وقفه هو وأصحابه.

وقد حرص الأمويون وأعوانهم على إخفاء كثير من ملامح ثورة الحسينعليه‌السلام وملابساتها ، وأذاعوا كثيرا من الأخبار المكذوبة عنها ، ليوقفوا عملها التدميري في ملكهم وسلطانهم ، ولكن لم يفلحوا(١) .

وقد تصدّى لتكذيب هذا الكتاب أحد أصحاب الحسينعليه‌السلام وهو عقبة ابن سمعان ، كما جاء في (تاريخ الطبري) وهذا نصه من كامل ابن الأثير :

٧٧١ ـ ردّ افتراء : الحسينعليه‌السلام لم يعرض على عمر بن سعد أن يضع يده في يد يزيد :(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٨١)

وقد روي عن عقبة بن سمعان أنه قال :

صحبت الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة ، ومن مكة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قتل. وسمعت جميع مخاطباته للناس إلى يوم مقتله ، فوالله ما أعطاهم ما

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ١٧٠.

٦٣٥

يتذاكر به الناس ؛ من أنه يضع يده في يد يزيد ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين. ولكنه قال : دعوني أرجع إلى المكان الّذي أقبلت منه ، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة ، حتّى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس ، فلم يفعلوا.

٧٧٢ ـ (رواية أخرى) للخصال التي عرضها الحسينعليه‌السلام :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج ٢ ص ٥)

أما ابن قتيبة فيورد رواية أخرى لا بأس بإثباتها ، وفيها تصحيف بين عمر ابن سعد (وعمرو بن سعيد) ، وبين شمر بن ذي الجوشن (وشهر بن حوشب) يقول :

ثم بعث عبيد الله بن زياد (عمرو بن سعيد) يقاتلهم. قال الحسينعليه‌السلام : يا عمرو ، اختر مني ثلاث خصال : إما أن تتركني أرجع كما جئت ، فإن أبيت هذه فأخرى ، سيّرني إلى الترك أقاتلهم حتّى أموت ، أو تسيّرني إلى يزيد فأضع يدي في يده ، فيحكم فيّ بما يريد.

فأرسل عمرو إلى ابن زياد بذلك ، فهمّ أن يسيّره إلى يزيد ، فقال له (شهر بن حوشب) : قد أمكنك الله من عدوك وتسيّره إلى يزيد؟!. والله لئن سار إلى يزيد لا رأى مكروها ، وليكوننّ من يزيد بالمكان الّذي لا تناله أنت منه ، ولا غيرك من أهل الأرض. لا تسيّره ولا تبلعه ريقه حتّى ينزل على حكمك.

(قال) فأرسل إليه يقول : لا ، إلا أن تنزل على حكمي. فقال الحسينعليه‌السلام :أنزل على حكم ابن الزانية؟!. لا والله لا أفعل. الموت دون ذلك وأحلى.

(قال) وأبطأ (عمرو بن سعيد) عن قتاله ، فأرسل عبيد الله بن زياد إلى (شهر بن حوشب) أن تقدم عمرا يقاتل ، وإلا فاقتله وكن أنت مكانه.

مكيدة الشّمر

٧٧٣ ـ شمر يدبّر مكيدة لعمر بن سعد ليتولى مكانه :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٥١ ط ٣ نجف)

ولما قرأ ابن زياد كتاب ابن سعد ، قال : هذا كتاب ناصح مشفق على قومه. وهمّ ابن زياد أن يجيبه إلى ذلك.

فقال شمر بن ذي الجوشن الكلابي : أتقبل هذا منه بعد أن نزل بأرضك؟. والله

٦٣٦

لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ، ليكوننّ أولى بالقوة منك ، وتكون أولى بالضعف والوهن منه ، فلا ترض إلا بنزوله على حكمك.

فاستصوب رأيه ، وقال له : نعم ما رأيت.

٧٧٤ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد (٤) بواسطة شمر بن ذي الجوشن ، يستنكر عليه لينه وتساهله مع الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٧ ط نجف)

ثم أنفذ ابن زياد بشمر بن ذي الجوشن إلى ابن سعد بكتاب فيه : إني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ولا لتطاوله ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتعتذر له عندي ، ولا لتكون له شافعا. فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليّ سالمين ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون. فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره ، فإنه عاقّ شاقّ قاطع ظلوم فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل أمرنا وجندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنا قد أمّرناه بأمرنا(١) .(وفي رواية : فإنه أشدّ منك حزما ، وأمضى منك عزما(٢) ). وكان أمر شمرا أنه إن لم يفعل بما فيه ، فاضرب عنقه وأنت الأمير.

وجاء في (مقتل الحسين) للمقرم ، ص ٢٥٢ تتمة ذلك :

فلما جاء الشمر بالكتاب ، قال له ابن سعد : ويلك لا قرّب الله دارك ، وقبّح الله ما جئت به ، وإني لأظن أنك الّذي نهيته وأفسدت علينا أمرا رجونا أن يصلح.والله لا يستسلم «حسين» فإن نفس أبيه بين جنبيه.

فقال الشمر : أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك ، وإلا فخلّ بيني وبين العسكر. فقال له عمر : أنا أتولى ذلك ولا كرامة لك ، ولكن كن أنت على الرجالة(٣) .

٧٧٥ ـ وصول كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد مع الشمر وتأففه منه :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٨ ط ٢ نجف)

قال الواقدي : ولما وصل شمر إلى عمر بن سعد ، ناداه عمر بن سعد : لا أهلا

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٣.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٢٤٥.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٦.

٦٣٧

والله بك ولا سهلا يا أبرص ، لا قرّب الله دارك ، ولا أدنى مزارك ، وقبّح ما جئت به. ثم قرأ الكتاب ، وقال : والله لقد ثنيته عما كان في عزمه ولقد أذعن ، ولكنك شيطان فعلت ما فعلت. فقال له شمر : إن فعلت ما قال الأمير ، وإلا فخلّ بيني وبين العسكر.

فبعث عمر إلى الحسينعليه‌السلام فأخبره بما جرى. فقالعليه‌السلام : والله لا وضعت يدي في يد ابن مرجانة أبدا.

عرض الأمان

٧٧٦ ـ سبب كتابة ابن زياد أمانا للعباس وإخوتهعليهم‌السلام :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٦٦)

وكان عند ابن زياد رجل يقال له عبد الله بن أبي المحل بن حزام العامري ، وكانت عمته «أم البنين فاطمة بنت حزام». فقال : أصلح الله الأمير!. إن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد كان عندنا ههنا بالكوفة ، فخطب إلينا فزوّجناه بنتا ، يقال لها :أم البنين بنت حزام (الكلابية) ، فولدت له العباس وعبد الله وجعفرا وعثمان ، فهم بنو أختنا ، وهم مع الحسين أخيهم ، فإن رسمت لنا أن نكتب إليهم كتابا بأمان منك عليهم متفضّلا. فقال عبيد الله بن زياد : نعم وكرامة لكم. اكتبوا إليهم بما أحببتم ، ولهم عندي الأمان.

فكتب عبد الله بن أبي المحل إليهم بكتاب الأمان من عبيد الله بن زياد ، ودفع الكتاب إلى غلام له يقال له عرفان (وفي رواية الطبري : كزمان) حتّى أوصله إليهم.فلما قرأه الحسينعليه‌السلام قال للرسول : لا حاجة لنا في أمانك ، فإن أمان الله خير من أمان ابن مرجانة (وفي رواية ابن الأثير : ابن سمية).

٧٧٧ ـ الشّمر يعرض الأمان على بني أخته والعباس :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٦)

وأقبل شمر بن ذي الجوشن على عسكر الحسينعليه‌السلام ونادى بأعلى صوته : أين بنو أختي [يقصد العباس وإخوته] ، أين عبد الله وعثمان وجعفر بنو علي ابن أبي

٦٣٨

طالب(١) ؟ فسكتوا. فقال الحسينعليه‌السلام : أجيبوه ولو كان فاسقا ، فإنه بعض أخوالكم. فنادوه : ما شأنك وما تريد؟. فقال : يا بني أختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين ، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية. فناداه العباس بن عليعليه‌السلام : تبّت يداك يا شمر ، لعنك الله ولعن ما جئت به من أمانك هذا ، يا عدو الله. (وفي رواية : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له(٢) ؟). أتأمرنا أن نترك أخانا الحسين بن فاطمةعليه‌السلام وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء(٣) ؟.

فرجع شمر إلى عسكره مغيظا.

__________________

(١) تزوج الإمام عليعليه‌السلام من فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية (أم البنين) ، فأنجبت له :العباس وجعفر وعثمان وعبد الله ، وكلهم استشهدوا مع أخيهم الحسينعليه‌السلام . وقد ذكر شمر ما ذكر لقرابته من أمهم ، فهي من بني كلاب والشمر من بني كلاب أيضا.

(٢) مقتل المقرم ص ٢٥٢ عن تذكرة الخواص ، ص ١٤٢ ؛ وإعلام الورى ، ص ٢٨.

(٣) اللهوف ، ص ٥٠ ؛ ومقتل المقرم ص ٢٥٣ ، نقلا عن مثير ابن نما ، ص ٢٨.

٦٣٩

الفصل التاسع عشر

اليوم التاسع من المحرم

(وعشية يوم التاسع)

(الخميس في ٩ محرم الحرام سنة ٦١ ه‍)

٧٧٨ ـ مكالمة الحسينعليه‌السلام للقوم ونصيحته لهم :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٦)

قال اليعقوبي : فلما كان من الغد ، خرج الحسينعليه‌السلام فكلّم القوم ، وعظّم عليهم حقّه ، وذكّرهم اللهعزوجل ورسوله ، وسألهم أن يخلّوا بينه وبين الرجوع ، فأبوا إلا قتاله ، أو أخذه حتّى يأتوا به عبيد الله بن زياد. فجعل يكلم القوم بعد القوم ، والرجل بعد الرجل ، فيقولون : ما ندري ما تقول!.

٧٧٩ ـ خطبة للحسينعليه‌السلام ينصح فيها القوم :(مقتل أبي مخنف ص ٦٠)

لما أصبح الحسينعليه‌السلام أذّن وأقام وصلى بأصحابه. فلما فرغ استدعى بدرع جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعمم بعمامته السحاب ، وتقلّد بسيف أبيه ذي الفقار ، ونزل إلى القوم وقال : أيها الناس ، اعلموا أن الدنيا دار فناء وزوال ، متغيّرة بأهلها من حال إلى حال.

معاشر الناس ، عرفتم شرائع الإسلام ، وقرأتم القرآن ، وعلمتم أن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الملك الديّان ، ووثبتم على قتل ولده ظلما وعدوانا.

معاشر الناس ، أما ترون إلى ماء الفرات يموج كأنه بطون الحيات ، يشربه اليهود والنصارى ، والكلاب والخنازير ، وآل رسول الله يموتون عطشا!. فقالوا له : اقصر عن هذا الكلام فلن تذوق الماء ولا أحد من أصحابك ، بل تذوق الموت غصة بعد غصة. فلما سمع الحسينعليه‌السلام كلامهم رجع إلى أصحابه وقال لهم : إن القوم( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ ) (١٩) [المجادلة : ١٩].

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735