موسوعة كربلاء الجزء ١

موسوعة كربلاء 8%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 735

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 735 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 468573 / تحميل: 5522
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

تغيب الشمس وتطلع فأكثروا ذكر الله عز وجل في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله من

_________________________________________

وأقول : يمكن إضافة الوقتين إلى الليل لمجاورة أحدهما لابتداء الليل ، والآخر لانتهائهفإنهما ساعتا غفلة ، أي يغفل الناس فيهما عن ذكر الله ، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى قوله تعالى «وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ » وفي القاموس : غفل عنه غفولا تركه وسها عنه كأغفله أو غفل صار غافلا وغفل عنه وأغفله أوصل غفلته إليه ، والاسم الغفلة والغفل محركة.

فائدة

اعلم أن الآيات المتكاثرة والأخبار المتواترة تدل على فضل الدعاء والذكر ولا سيما التهليل في هذين الوقتين ، وكثير منها ظاهرها الوجوب ، وإن لم يقل به صريحا أحد ، وفيه علل كثيرة.

الأولى : شكر النعم التي مضت على الإنسان في اليوم الماضي ، أو الليلة الماضية من الصحة والعافية والأمن من البلايا والتوفيق للطاعة وغير ذلك.

الثانية : أنه يستقبل يوما أو ليلة يمكن نزول البلايا والطوارق فيه ، ويمكن أن يحصل له فيه صنوف الخيرات ، والطاعات والصحة والسلامة ، وأنواع الفوائد الدنيوية والأخروية ، وأضدادها من الذنوب والخطيئات والبلايا والآفات ، وهاذان الوقتان من أوقات التقديرات كما دلت عليه الروايات ، فلا بد له من تمهيد ما يستجلب له الخيرات ويدفع عنه الآفات.

الثالثة : أن في هاذين الوقتين الفراغ للعبادة والذكر والدعاء أكثر من سائر الأوقات ففي الصباح لم يشتغل بأعمال اليوم وفي السماء قد فرغ منها ، ولم يشتغل بعد بأعمال الليل.

الرابعة أن فيهما تظهر قدرة الله الجليلة من إذهاب الليل والإتيان بالنهار ، وبالعكس ، مع ما فيهما من المنافع العظيمة والفوائد الجسمية الدالة على كمال

٢٢١

شر إبليس وجنوده وعوذوا صغاركم في تلك الساعتين فإنهما ساعتا غفلة.

_________________________________________

حكمته ولطفه لعباده فيستحق بذلك ثناء طريفا وشكرا جديدا.

الخامسة : أنه يظهر في الوقتين ظهورا بينا أن جميع الممكنات في معرض التغير والتبدل والفناء ، وأنها مسخرة لإرادة رب الأرض والسماء ، وهو سبحانه باق على حال لا يعتريه الزوال ولا يخاف عليه الأهوال ولا تتبدل عليه الأحوال كما قال الخليلعليه‌السلام ( لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) (١) فيتنبه العارف المترقي إلى درجة اليقين أنه سبحانه المستحق للتسبيح ، والتهليل ، والتحميد ، والتمجيد ، والثناء العتيد.

السادسة : أن في هاتين الساعتين تنادي جميع المخلوقات في الأرضين والسماوات ، أنها مخلوقة مربوبة ، مفتقرة إلى صانع حكيم ، منزه عن صفات الحدوث والإمكان وسمات العجز والنقصان كما قال سبحانه( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (٢) بسمع اليقين ينبغي أن يوافقهم في ذلك ، بل ينادي روحه ونفسه وجسده وأعضاؤه بشراشرها بلسان الحال ، فيجب أن يوافقها بالمقال في جميع الأحوال ، لا سيما في هاتين الحالتين اللتين ظهور ذلك فيهما أكثر من سائر الأحوال وهذه قريبة من السابقة.

السابعة : أنه ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه كل يوم بل كل ساعة قبل أن يحاسب في القيامة كما ورد عنهمعليهم‌السلام « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا » لا سيما في هذين الوقتين اللذين هما وقتا صعود ملائكة الليل والنهار ، فعند المساء ينبغي أن ينظر ويتفكر فيما عمل به في اليوم وساعاته ، وما قصر فيه من عبادة ربه وطاعاته ، وما أتى به من سيئاته فيستغفر ربه ويحمده ويمجده استدراكا لما فات منه من الحسنات ، واستمحالا فتيلا في ذلك بالذكر

__________________

(١) الأنعام : ٧٦.

(٢) الإسراء : ٤٤.

٢٢٢

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن عطية ، عن رزين صاحب الأنماط ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال من قال اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك المقربين وحملة عرشك المصطفين أنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم وأن محمدا عبدك ورسولك وأن فلان بن فلان إمامي ووليي وأن أباه ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليا والحسن والحسين وفلانا و

_________________________________________

والدعاء والاستغفار ، ويتوب إلى ربه المطلع على الخفايا والأسرار ، والنكات في ذلك كثيرة لا يمكن إحصاؤها وبما نبهنا عليه يمكن أن يتفطن العارف الخبير ببعض ما تركنا والله الموفق.

الحديث الثالث : مجهول ، وفي المحاسن ، عن أبي يوسف ، عن ابن أبي عمير ، عن الأنماطي ، عن كليمة صاحب الكلل عنهعليه‌السلام وبينهما اختلاف ، وعلى ما رواه الكليني ، لا إشعار فيه بالقراءة عند الصباح بل فيه إيماء باختصاصه بالمساء ، وفي المحاسن هكذا قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : من قال هذا القول إذا أصبح فمات في ذلك اليوم دخل الجنة ، فإن قال إذا أمسى فمات من ليلته دخل الجنة اللهم ـ إلى قوله ـ ورسولك وفلان ، وفلان حتى ينتهي إليه ـ إلى قوله ـ وأبرأ من فلان وفلان وفلان وفلان أربعة ، فإن مات في يومه أو ليلته دخل الجنة.« الرحمن » بالرفع خبر ثان ، لأن أو خبر مبتدإ محذوف أي أنت الرحمن ، وكذا« الرحيم » يحتمل الوجهين.

« وإن فلان بن فلان » أي يسمي إمام العصر ، أو القائمعليه‌السلام والأول أظهر ، وعلى التقديرين ضمير إليه عائد إليه ، والتخصيص على الأول ، لأن إمام العصر أخص بالداعي وأحق بالذكر ، وعلى الثاني لأن الإيمان به مستلزم للإيمان بالجميع ، وأنه المنتظر لشفاء غيظ صدورهم والغلبة لأعدائهم ، وأنه لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق والذكر أخيرا أيضا للتأكيد إن كان ذكره في الأخير أيضا مقصودا كما هو الظاهر« إمامي » أي يجب على الاقتداء به في جميع الأمور

٢٢٣

فلانا حتى ينتهي إليه أئمتي وأوليائي على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث يوم القيامة وأبرأ من فلان وفلان وفلان فإن مات في ليلته دخل الجنة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال وبكر بن محمد ، عن أبي إسحاق الشعيري ، عن يزيد بن كلثمة ، عن أبي عبد الله أو ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : تقول إذا أصبحت ـ أصبحت بالله مؤمنا على دين محمد وسنته ودين علي وسنته ودين

_________________________________________

« ووليي » أي أولى بي وبالتصرف في ، من نفسي ومن كل أحد« وإن أباه » فيما عندنا من النسخ بصيغة المفردفقوله : « رسول الله » عطف بيان له و« عليا » عطف على أباه ويحتمل أن يكون « آباءه » بصيغة الجمع فقوله عليا عطف على رسول الله ، وعلى الأول تخصيص الأبوة بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه الذي نفاه المخالفون « على ذلك أحيى » إلخ قيل هذا القول أما بالنظر إلى رسوخ اعتقاده والاعتماد عليه ، أو للطلب من الله أن يجعله كذلك« وفلان » في الثاني في أكثر نسخ الكتاب ثلاثة وفي بعضها أربعة ، كالمحاسن فالرابع معاوية عليهم اللعنة ، وقيل : فلان في غير الأول غير منون لأنها كناية عن غير المنصرف« دخل الجنة » ظاهره أنه يدخلها بلا عقوبة ، وقد يقال : إن المذكور أصل الإيمان وهو بدون الأعمال لا يوجب دخول الجنة ابتداء لأن المعاصي في المشية فلا بد من حمل الدخول على الدخول في الجملة ، وإن كان بعد الجزاء ، ولا يخفى بعده إذ لا فائدة حينئذ لهذا العمل.

الحديث الرابع : كالسابق.

« وأصبحت » من الأفعال التامة و« مؤمنا » حال عن ضمير أصبحت« وبالله » متعلق به والتقديم للحصر أي لا أشرك بعد غيره في الإلهية« آمنت بسرهم وعلانيتهم » أي من دعى منهم الإمامة ظاهرا ، كأمير المؤمنين ، والحسن صلوات الله عليهما ، ومن اتقى ولم يدع ظاهرا كسائر الأئمةعليهم‌السلام أو المراد بالسر ، العقائد وبالعلانية الأقوال والأعمال ، أو المراد بالسر ما اختص بهمعليهم‌السلام من الجميع ، وبالعلانية ما اشترك بينهم وبين سائر المسلمين ، أو المراد بالسر ما يتقون فيه من المخالفين

٢٢٤

الأوصياء وسنتهم آمنت بسرهم وعلانيتهم وشاهدهم وغائبهم وأعوذ بالله مما استعاذ منه ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام والأوصياء وأرغب إلى الله فيما رغبوا إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

٥ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن علي بن الحسين صلوات الله عليهما كان إذا أصبح قال : « أبتدئ يومي هذا بين يدي نسياني وعجلتي بسم الله وما شاء الله فإذا فعل ذلك العبد أجزأه مما نسي في يومه ».

_________________________________________

وبالعلانية ما لا يتقون فيه ، وهذا قريب من السابق ، أو بحكم التقية وحكم الواقع ، أو المراد بالسر ما لا يصل إليه عقول سائر الخلق من المعارف الربانية وبعض درجاتهم وحالاتهم وبالعلانية ما سوى ذلك ، وهذا أظهر الوجوه ، وشاهدهم غير القائمعليه‌السلام وغائبهم هوعليه‌السلام ، وقيل : الشاهد الموجود ، والغائب الماضي إلى جوار الله ، ولا يخفى بعده ، وفي القاموس :رغب فيه كسمع زغبا ويضم ورغبة أراده ، وعنه لم يرده وإليه رغبا محركة ورغبة بالضم ويحرك ابتهل أو هو الضراعة والمسألة« فيما رغبوا إليه » العائد محذوف أي إليه فيه.

الحديث الخامس : صحيح.

« أبتدئ يومي هذا » أي أفتتح يومي أو أبتدئ في يومي هذا باسم الله أو بقول بسم الله ، وما شاء الله عطف على اسم الله أو بسم الله ، وقيل : على أبتدئ ، وحاصل الكلام يحتمل وجوها :

الأول : أن يكون المعنى ، أبتدئ قبل كل عمل قبل أن أنسى الله سبحانه وأعجل عن ذكره إلى غيره ، وقوله : « فإذا فعل ذلك » من كلام الصادقعليه‌السلام « أجزأه مما نسي من ذكر الله » في هذا اليوم ، لأنه افتتح يومه بذكره تعالى.

الثاني : أنه لما وجب أن يكون العبد جميع أفعاله مقرونة بالتسمية والتمشية ،

٢٢٥

٦ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن شهاب وسليم الفراء ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال هذا

_________________________________________

ويعرف أنه لا يتم له فعل ، ولا يصدر منه أمر إلا بالاستعانة به سبحانه وبأسمائه العظام ، ولا يكون شيء إلا بمشيته سبحانه كما مر تحقيقه في الأصول ، وقد يغفل الإنسان عن ذلك أما للنظر إلى الأسباب الظاهرة ، والغفلة عن مسبب الأسباب ، وقد ينسى التسمية لا بد من ذكرها وتذكرها ، ويترك قول ما شاء الله عند رؤية نعم الله ، وتذكر أنها من قبل الله وتركهما إما لغفلة ، أو لتعجيله في أمر فيذكر في أول يومه هذين القولين ، ويتذكر هاتين العقيدتين ، ليكون كل أفعاله وأقواله مقرونة بهما ، وإن تحققت الفاصلة بينهما ، وقوله : « أجزأه » أي كفاه ، وقام مقام المنسي ، وفي النهاية أجزأني الشيء أن كفاني فضمير المفعول ، راجع إلى العبد ، وضمير الفاعل إلى فعل ذلك وهذا أظهر الوجوه ، وله مؤيدات من سائر الأدعية.

الثالث : أن يكون المعنى أقول بسم الله وما شاء الله قبل أن يقع مني نسيان وعجلة ، لئلا يقعا مني ، وآخر الخبر يأبى عنه.

الرابع : ما قيل أن المعنى أبتدئ وأقدم بين يدي نسياني عن الخيرات وسرعتي فيها هاتين الكلمتين الشريفتين ، وفي الأول توسل بالذات الواجب وجوده لذاته المستجمع لجميع كمالاته وصفاته ، وفي الثانية تفويض للأمر إليه وإذعان بأنه لا يقع في ملكه شيء إلا بمشيته إلا أن مشيته في فعل العباد غير حتمية وتعلقها بالطاعة بالذات وبالمعصية بالعرض لأنه أراد انطباق علمه بالمعلوم وهي تستلزم إرادة المعلوم بالعرش فمشيئته المتعلقة بالطاعة بالذات من وجه وبالعرض من وجه آخر ومشيته المتعلقة بالمعصية بالعرض فقط ومنه يظهر سر ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، انتهى ، وأقول : هو في غاية العبد لفظا ومعنى.

الحديث السادس : مرسل.

وكونه محفوفابجناح جبرئيل كناية عن كونه محفوظا من جميع

٢٢٦

حين يمسي حف بجناح من أجنحة ـ جبرئيلعليه‌السلام حتى يصبح أستودع الله العلي الأعلى الجليل العظيم نفسي ومن يعنيني أمره أستودع الله نفسي المرهوب المخوف المتضعضع لعظمته كل شيء ثلاث مرات.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحجال ، عن علي بن عقبة وغالب بن عثمان عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

_________________________________________

الآفات ، وفي المصباح :استودعته مالا دفعته له وديعة ليحفظه ، وفي النهاية :العلي الذي ليس فوقه شيء في الرتبة ، والحكم فعيل بمعنى مفعول من علا يعلو ، انتهى ، والأعلى تأكيد ومبالغة في علوه ، وإنه أعلى من أن يدرك علوه ، أو يدانيه أحد في علوه ، وفي النهاية :الجليل هو الموصوف بنعوت الجلال والحاوي جميعها هو الجليل المطلق ، وهو راجع إلى كمال الصفات ، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات ، والعظيم راجع إلى كمال الذات والصفات ، وقال فيه أتاه جبرئيل فقال بسم الله أرقيك من كل داء يعنيك أي يقصدك يقال عنيت فلانا عنيا إذا قصدته ، وقيل معناه من كل داء يشغلك يقال : هذا أمر لا يعنيني أي لا يشغلني ويهمني ، ومنه الحديث « من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » أي ما لا يهمه ويقال :عنيت أعني بها فأنالها معنى ، وعنيت به فأنا عان ، والأول أكثر أي اهتممت بها واشتغلت.

« أستودع الله نفسي » كذا في النسخ ، والظاهر تأخير نفسي عن كل شيء معقوله ومن يعنيني أمره كما في سائر الروايات ، وعلى تقدير صحته فالمرهوب صفة للجلالة ، والفرق بينه وبين المخوف أن الرهبة ملاحظة العظمة من حيث هي ، والخوف بملاحظتها مع ملاحظة التقصير كذا قيل ، وقال الراغب :الرهبة ، والرهب ، والرهب مخافة مع تحرز واضطراب ، وفي القاموستضعضع خضع وذل وافتقر.

الحديث السابع : كالسابق ، والمرادبالصلوات صلاة المغرب ، والجمع

٢٢٧

قال إذا أمسيت قل ـ اللهم إني أسألك عند إقبال ليلك وإدبار نهارك وحضور صلواتك وأصوات دعائك أن تصلي على محمد وآل محمد وادع بما أحببت.

_________________________________________

باعتبار تعدد المكلفين كما قيل ، أو مع نوافلها أو مع صلاة العشاء ونوافلها أيضا ، والدعاة جمع الداعي والمراد بها المؤذنون فإنهم يدعون الناس إلى الصلاة ، أو طالبوا الحاجات منه تعالى.

الحديث الثامن : ضعيف.

« إلا قال له » أي اليوم بلسان الحال أو الملك الموكل به بلسان المقال ، وقيل : يبقى للأقوال والأفعال والأعمال آثار في بدن الإنسان تظهر في القيامة فهي شهادتها ، نسبت إلى اليوم مجازا فهو يخوف الإنسان بلسان الحال من ذلك ، وقد يقال : إن للجمادات وسائر الموجودات أرواحا وشعورا وتسبيحا ، كما قال تعالى( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) (١) والإيمان الإجمالي بأمثال ذلك ، وعدم الخوض فيها أحوط وأولى« فإنك لن تراني بعدها » الضمير راجع إلى الأعمال والأقوال ، أو إلى الساعات والأزمنة ، وفي الفقيه بعد هذا أبدا ويمكن أن يكون المراد عدم الرؤية في دار التكليف ، فلا ينافي الشهادة يوم القيامة ، والغرض إني لا أرجع إليك في الدنيا حتى يمكنك تدارك ما فات في ، واليوم الآخر الذي تدركه له حقوق عليك وأعمال تختص به فلا يمكن تدارك ذلك فيه أيضا.

وقال الجوهري :الرحب بالضم السعة ، وقولهم مرحبا وأهلا أي أتيت سعة وأتيت أهلا. فاستأنس ولا تستوحش انتهى ، وقيل : منصوب بفعل محذوف ، والباء للسببية أي صادفنا سعة في الحال وسرورا بسبب مجيئك ،والكاتب الشهيد أي الشاهد علي أو الحاضر ، والخطاب في« اكتبا » للملكين ، وكون الخطاب لليوم ، والملك بعيد وعلى التقديرين المراد بالكاتب الجنس ، والأمر لكاتب السيئات بالتبع ، أو لمدخليته في كتابة الحسنات أيضا« على اسم الله » أي مستعينا بذكر

__________________

(١) الإسراء : ٤٤.

٢٢٨

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد فقل في خيرا واعمل في خيرا أشهد لك به يوم القيامة فإنك لن تراني بعدها أبدا قال وكان عليعليه‌السلام إذا أمسى يقول مرحبا بالليل الجديد والكاتب الشهيد اكتبا على اسم الله ثم يذكر الله عز وجل.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن عبد الله بن بكير ، عن شهاب بن عبد ربه قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا تغيرت الشمس فاذكر الله عز وجل وإن كنت مع قوم يشغلونك ـ فقم وادع.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي قرة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ثلاث تناسخها الأنبياء من

_________________________________________

اسم الله ، أو بعون الله ، أو ابتداء بكتابة اسمه تعالى ، ثم اكتبا أعمالي ويمكن أن يقرأ « علي » بتشديد الياء أي لي لكنه بعيد ، والضمير المستتر في يذكر عائد إلى عليعليه‌السلام .

الحديث التاسع : مجهول.

« إذا تغيرت الشمس » تطلق الشمس على جرمها وضوئها والخبر يحتملهما والمراد تغير لونها واصفرارها قريبا من غروبها« يشغلونك » من باب منع أو باب الأفعال ، وقيل الثانية قليلة أو ردية ، ويروي أنه كتب رجل إلى الصاحب بن عباد : المأمول من الأمير إشغالي ببعض إشغاله فكتب الصاحب على عريضته من كتب إشغالي لا يصلح لإشغالي« فقم » أي إلى موضع لا يشغلك فيه أحد« وادع الله » وأذكره فإنها ساعة الإجابة وقبول الدعاء والعبادة.

الحديث العاشر : ضعيف.

وكان المرادبالتناسخ الانتساخ ونسخ بعضهم عن بعض ، ويحتمل أن يكون

٢٢٩

آدمعليه‌السلام حتى وصلن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أصبح يقول ـ اللهم إني أسألك إيمانا تباشر به قلبي ويقينا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ورضني بما قسمت لي.

_________________________________________

من تناسخ الميراث أو التداول في القاموس : نسخ الكتاب كمنع كتبه عن معارضة كانتسخه واستنسخه ، والمنقول منه النسخة بالضم ، والتناسخ والمناسخة في الميراث موت ورثة بعد ورثة ، وأصل الميراث قائم لم يقسم ، وتناسخ الأزمنة تداولها« كان إذا أصبح يقول » الضمائر الثلاثة راجعة إلى رسول الله ، أو إلى كل واحد من الأنبياء وكان الأول أظهر.

« تباشر به قلبي » المباشرة ملاقاة البشرة ، وفي القاموس. باشر الأمر وليه بنفسه ، والمرأة جامعها ، أو صار في ثوب واحد فباشرت بشرته بشرتها ، فهذه الفقرة تحتمل وجوها :

الأول : أن يكون المعنى تجده في قلبي ، ولا يكون إيمانا ظاهريا بمحض اللسان ، وهذا ما فهم أكثر مشايخنا ، ولعل وجه الدلالة أن من طلب شيئا من موضع ووجده فيه أو في محل لا يكون غالبا إلا بأن يدخل الموضع أو يباشر الشيء الذي قام ذلك الشيء به بكفه ، فعبر عن كون الإيمان في القلب بمباشرة الله القلب بسببه ، أي إيمانا تباشر بسبب ذلك الإيمان وتفحصه والعلم به قلبي.

والثاني : أن يكون عبارة عن استقرار الإيمان وثباته وعدم كونه مستودعا فالمراد إما مباشرته به ووجدانه فيه دائما أو إشارة إلى أن الإيمان القلبي لا يزول والمستودع لا يكون قلبيا.

الثالث : أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملا تكون بسبب ذلك الإيمان مباشرا لقلبي مستقرا فيه ، أي يكون محلا لمعرفتك وحبك كما ورد في الخبر « قلب المؤمن عرش الرحمن ».

الرابع : أن يكون المعنى أسألك إيمانا ثابتا تجده في قلبي يوم لقائك أي

٢٣٠

ورواه بعض أصحابنا وزاد فيه حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما

_________________________________________

عند الموت أو في القيامة ، وهذا مما أفاده الوالد العلامة ره.

الخامس : أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملا تكون بسببه مالكا لازمة نفسي مدبرا الأمور قلبي كما ورد « قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء » وخاطب سبحانه مقر بي جنابه بقوله( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) (١)

السادس : أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملا يقينيا يباشرك قلبي ، ويراك على سبيل القلب كما ورد « أعبد الله كأنك تراه » وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام « لم أكن لأعبد ربا لم أره » وقال : « لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ».

السابع : ما قيل أي تلي بإثباته قلبي بنفسك يقال : باشر الأمر إذا وليه بنفسه.

الثامن : أن تكون الباء للتعدية ، أي تجعله مباشرا لقلبي مستقرا فيه ، وأكثر هذه الوجوه مما خطر بالبال والله أعلم بأسرار تلك الفقرة ، ومن قال ويحضرني وجوه دقيقة أخرى لا نطيل بإيرادها المقال.

« ويقينا » أي بالقضاء والقدر ، وقد مر في باب اليقين أنه يطلق غالبا على الإيمان الكامل بذلك ، ولذا قال« حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي » وهو إشارة إلى قوله تعالى : «قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » وقيل : حتى أعلم أي حتى أعمل بمقتضى علمي وهو التوكل كما قال تعالى ـ بعد قوله قُلْ لَنْ يُصِيبَنا. « وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » وقد يطلق اليقين على مطلق الإيمان الكامل بجميع العقائد الإيمانية بحيث يظهر على الجوارح آثاره ، وقال المحقق الطوسي ره ـ في أوصاف الأشراف ـ اليقين هو العلم بالحق مع العلم بأنه لا يكون غيره فهو مركب من علمين.

« إلا ما كتبت لي » أي في اللوح أو هو كناية عن القضاء والقدر ، وهو لا

__________________

(١) الإنسان : ٣٠.

٢٣١

عجلت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا وصلى الله على محمد وآله

١١ ـ وروي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام الحمد لله الذي أصبحنا والملك له وأصبحت

_________________________________________

ينافي مدخلية العبد واختياره في بعضها ، أو هو في غير التكاليف وقد مر تحقيقه في أبواب العدل.

« ورضا بما قسمت لي » هذه هي الكلمة الثالثة إشارة إلى قوله سبحانه( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) (١) قوله : وزاد فيه هذه الفقرات من تتمة الكلمة الثالثة ، ويمكن أن لا تكون في هذه الرواية لفظة ثلاث« تعجيل ما أخرت » من متاع الدنيا وزهراتها« ولا تأخير ما عجلت » أي من نوائب الأزمنة ومصيباتها ، ويمكن التعميم فيهما كما يقول بعض الجاهلين لو كان هذا المطر قبل ذلك أو بعد ذلك كان أنفع مثلا ، وقيل في حذف المستغاث له دلالة على التعميم ، ويمكن تخصيصه بالشدائد الحاضرة وتخصص« أصلح لي شأني كله » بالتقصيرات الماضية ، والشأن الخطب والأمر والحال ، وقد تخفف الهمزة وتخصيصقوله « ولا تكلني » بالأموال الآتية ، وقال الجوهري : وكل إليه الأمر وكلا ووكولا سلمه وتركه وأقول : يحتمل أن يكون قوله : « يا حي إلخ » مشتركا بين الروايتين والاختصاص بالثانية أظهر.

الحديث الحادي عشر : مرسل.

ويحتمل أن يكون عطفا على السند السابق فيكون مثله.

« أصبحنا والملك له » الإصباح الدخول في الصباح والواو للحال والملك بالضم العظمة والسلطة والتصرف بالأمر والنهي في الجمهور والقدرة على إجراء ما أراد منهم ، والملك الحقيقي مخصوص به ، وملك من سواه بيده كما قال سبحانه

__________________

(١) الحديد : ٢٣.

٢٣٢

عبدك وابن عبدك وابن أمتك في قبضتك اللهم ارزقني من فضلك رزقا من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب واحفظني من حيث أحتفظ ومن حيث لا أحتفظ اللهم ارزقني من فضلك ولا تجعل لي حاجة إلى أحد من خلقك اللهم ألبسني العافية

_________________________________________

( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) (١) الآية ، وقيل المحمود عليه الإصباح المقيد أو القيد ، والأول نعمة لنا ، والثاني وهو كون الملك له تعالى صفة له ، وبكل واحدة منهما يستحق الحمد« وأصبحت » في الأول عمم نعمة الإصباح وفي الثاني خصه بنفسه وقوله عبدك حال وكذا ما عطف عليه وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ، إشارة إلى أنه بالحمد الأول صار مستحقا للحضور والمخاطبة كما قبل في سورة الحمد ، وربما يقرأعبدك بالضم ليكون مبتدأ ، وقوله « في قبضتك » خبره ، والجملة حالا وهو بعيد ، وكونه في قبضته سبحانه كناية عن اقتداره واستيلائه وتسلطه عليه فإن ما كان في كف أحد يقدر على التصرف فيه كيف شاء ، ومنه قوله تعالى( وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) (٢) قال البيضاوي : تنبيه على عظمته وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأفهام بالإضافة إلى قدرته تعالى ، ودلالة على أن تخريب العالم أهون شيء عليه على طريقة التخييل والتمثيل من غير اعتبار اليمين حقيقة ولا مجازا كقولهم ( شابت لمة الليل ) وقال الجوهري : قبضت الشيء قبضا أخذته ويقال صار الشيء في قبضك وفي قبضتك أي في ملكك والقبضة بالضم ما قبضت عليه من شيء.

« من حيث أحتسب » أي أظن« ومن حيث لا أحتسب » أي لا أظن أو من حيث أعده من جهات حصول رزقي ومن حيث لا أعد وقال تعالى( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) (٣) قيل أي لا يظن من حسبت ، أو

__________________

(١) آل عمران : ٢٦.

(٢) الزمر : ٦٧.

(٣) الطلاق : ٣.

٢٣٣

وارزقني عليها الشكر يا واحد يا أحد يا صمد يا الله الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ يا الله يا رحمان يا رحيم يا مالك الملك ورب الأرباب وسيد السادات

_________________________________________

لم يكن في حسابه من حسب ، وقوله تعالى( يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ ) (١) أي يظنهم وفي الحديث ( أبي الله إلا أن يرزق المؤمنين من حيث لا يحتسبون )« من حيث احتفظ » الاحتفاظ هنا بمعنى التحفظ والتحرز والتيقظ ، وإن لم أره في كتب اللغة بهذا المعنى ، أي من حيث أعلم ضرره وأتحرز منه ، ومن حيث لا أعلم ولا أتحرز.

« وسيد السادات » أي مالك الملاك ، وقال في النهاية : السيد يطلق على الرب ، والمالك ، والشريف ، والفاضل ، والكريم ، والحليم ، والمتحمل أذى قومه ، والزوج ، والمقدم ، وأصله من ساد يسود فهو سيود فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت ، وقال فيه : إنه جاء رجل فقال أنت سيد قريش فقال : السيد الله ، أي هو الذي يحق له السيادة ، كأنه كره أن يحمد في وجهه وأحب التواضع ، وفيه أنه قال للحسن بن علي إن ابني هذا سيد فقيل أراد به الحكيم لأنه قال في تمامه وإن الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

وقال الراغب : السيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة ، وينسب ذلك فيقال سيد القوم ، ولا يقال سيد الثوب ، وسيد الفرس ، يقال ساد القوم يسودهم ، ولما كان من شرط المتولي للجماعة أن يكون مهذب النفس ، قيل لكل من كان فاضلا في نفسه سيد ، وعلى ذلك قوله تعالى( وَسَيِّداً وَحَصُوراً ) (٢) وقوله( وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ ) (٣) فسمي الزوج سيدا لسياسة زوجته ، وقوله عز وجل( إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا ) (٤) أي ولاتنا وسائسينا.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٣.

(٢) آل عمران : ٣٩.

(٣) يوسف : ٢٥.

(٤) الأحزاب : ٦٧.

٢٣٤

ويا الله يا لا إله إلا أنت اشفني بشفائك من كل داء وسقم فإني عبدك وابن عبدك أتقلب في قبضتك

_________________________________________

« يا لا إله إلا أنت » الموصول مقدر أي يا من لا إله إلا أنت« بشفائك » أي بلا توسط أحد من المخلوقين أو بالشفاء الكامل فإن ما ينسب إلى الكامل يكون كاملا ، وقد يقال« من كل داء وسقم » متعلق بشفائك لا بقوله اشفني ، ويمكن أن يكون المراد بالداء الأمراض الروحانية ، وبالسقم العلل الجسمانية« أتقلب في قبضتك » أي أتحول وأتصرف من حال إلى حال من الشباب والمشيب ، والصحة والسقم ، وسائر الأحوال المختلفة في قبضتك ، وقدرتك واختيارك ، أو أتصرف في الأمور في قبضتك ، إشارة إلى الأمر بين الأمرين أي وإن كنت أتصرف في الأمور ، لكن لم أخرج من قدرتك وقبضتك واختيارك ولم يصدر عني أمر إلا بمشيتك وقضائك وقدرك ، وهذا معنى لطيف جليل خطر بالبال ، قال في القاموس : قلبه يقلبه حوله عن وجهه ، كأقلبه وقلبه ، والشيء حوله ظهرا لبطن كقلبه ، وتقلب في الأمور تصرف كيف شاء انتهى ، وقال تعالى( أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) (١) أي متقلبين في متاجرهم وأسفارهم وقال « تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ » أي تصرفهم فيها للتجارة ، أي فلا يغرنك تقلبهم وخروجهم من بلد إلى بلد فإن الله تعالى محيط بهم ، وقال( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (٢) أي المصلين ، وتقلبه فيهم تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم ، وقال « تقلب فيه القلوب والأبصار »(٣) أي تضطرب من الهول والفزع وتشخص أو ينقلب أحوالها فتفقه القلوب وتبصر الأبصار بعد إن كانت لا تفقه ولا تبصر ، وقال( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) (٤) أي تردد وجهك وتصرف نظرك تطلعا للوحي.

__________________

(١) النحل : ٤٦.

(٢) الشعراء : ٢١٩.

(٣) النور : ٣٧.

(٤) البقرة : ١٤٤.

٢٣٥

١٢ ـ عنه ، عن محمد بن علي رفعه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه كان يقول ـ اللهم إني وهذا النهار خلقان من خلقك اللهم لا تبتلني به ولا تبتله بي اللهم ولا تره

_________________________________________

الحديث الثاني عشر : مرفوع ، وضميرعنه راجع إلى أحمد بن محمد.

وفي الفقيه في دعاء آخر شبيه بهذا الدعاء « اللهم إن الليل والنهار خلقان هن خلقك فلا تبتليني فيهما بجرأة على معاصيك إلخ » فقرأ السيد الداماد (ره) خلفان بكسر الخاء المعجمة والفاء إشارة إلى قوله تعالى «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً » وهو تصحيف لطيف مخالف للمضبوط في النسخ المعتبرة ، ثم اعلم أنه على نسخة الكافي يمكن أن يقرأالنهار بالنصب عطفا على اللفظ وبالرفع عطفا على المحل ، والابتلاء الامتحان ، أو الوقوع في البلاء والشدة ، وابتلاء الإنسان باليوم الابتلاء بالبلايا والمصائب فيه فكأن اليوم أوقعه فيها فالإسناد مجازي ، ويحتمل أن يكون الباء للظرفية لكنه بعيد ، وابتلاء اليوم بالإنسان أن يوقع فيه الشرك والكفر أو المعاصي لأنه يضيع يومه بها فكأنه قد أذاها ، فالإسناد أيضا على المجاز أو المراد ابتلاء الملائكة الموكلين باليوم أو بالإنسان فيه ، أو يقال : إن جميع المخلوقات لما كانت في مقام التذلل ، والخضوع ، والسجود ، والانقياد ، والتسبيح له تعالى فهي منكرة للمعاصي طبعا ، وهي مخالفة لمقتضاها فهي مبتلى بها ، وعلى القول بأن لها أرواحا وشعورا لا يحتاج إلى تكلف. وقوله « ولا تره » تفسير وتأكيد له ، وقد يخص الابتلاء بالشرك والكفر حذرا من التكرار ، وهو تكلف ، ويمكن إدخال الجميع في كل من الفقرتين الأولين ، فتكون الثانية تأكيدا للأولى تفننا في الكلام فإن الابتلاء بالمعاصي لما كان في اليوم يمكن نسبته إليه مع قطع النظر عن أن لمقتضيات الأزمنة مدخلا في ذلك ، وأيضا لما كان لأفعال الإنسان مدخلا في البلايا والمصائب ، وهي من هذه الجهة مخالفة لمقتضى اليوم ، كما قال تعالى( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) (١)

__________________

(١) الشورى : ٣٠.

٢٣٦

مني جرأة على معاصيك ولا ركوبا لمحارمك اللهم اصرف عني الأزل واللأواء والبلوى وسوء القضاء وشماتة الأعداء ومنظر السوء في نفسي ومالي.

_________________________________________

ويمكن أن يراد بالمعاصي الكبائر ولذا نسب الجرأة إليها ، وبالمحارم الصغائر أو الأعم ، ويمكن أن يقال : في الركوب إشعار بالإصرار ، « والمحارم » جمع المحرم على مفعول بناء التفعيل« والأزل » بالفتح الضيق والشدة« واللأواء » الشدة وضيق المعيشة« والبلوى » اسم لما يبتلي ويختبر به من المحنة ، والبلية ، والغم من بلوته وابتليته اختبرته.

« وسوء القضاء » السوء بالضم اسم من ساءه سوءا إذا فعل به ما يكره ، والمراد به الآفات والبليات وغيرها مما تعلق به القضاء قد يدفع بالدعاء كما مر« وشماتة الأعداء » هي الفرح والسرور بذل الغير وهو أنه وبليته ،« ومنظر السوء في نفسي ومالي » السوء يقرأ بالضم والفتح والفتح أحسن.

في القاموس : ساءه سوءا وسواءة ومساءة فعل به ما يكره والسوء بالضم الاسم منه ، ورجل سوء ورجل السوء بالفتح والإضافة ، وقال المنظر والمنظرة ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك.

وقال الجوهري : ساءه يسوؤه سوء بالفتح نقيض سره ، والاسم السوء بالضم ، وقرئ قوله تعالى «عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ » يعني الهزيمة والشر ومن فتح فهو من المساءة ، وتقول هذا رجل سوء بالإضافة ثم تدخل عليه الألف واللام فتقول هذا رجل السوء.

قال الأخفش : ولا يقال الرجل السوء ، ويقال الحق اليقين ، وحق اليقين جميعا لأن السوء ليس بالرجل ، واليقين هو الحق ، قال : ولا يقال هذا رجل السوء بالضم ، انتهى : إذا عرفت هذا فهذه العبارة تحتمل وجهين :

الأول : أن يكون « منظر » مصدرا ميميا أي النظر إلى أمر يسوؤني في نفسي ومالي

٢٣٧

قال وما من عبد يقول حين يمسي ويصبح ـ رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيا وبالقرآن بلاغا وبعلي إماما ثلاثا إلا كان حقا على الله العزيز الجبار أن يرضيه يوم القيامة.

_________________________________________

الثاني : أن يكون منظر بمعنى ما ينظر إليه ، فالإضافة بيانية ، وعلى التقديرين سوء النفس شامل للعيوب النفسانية ، والجسمانية ، والعاهات البدنية ، وفي المال تلفه أو نقصه ، أو الخسران فيه أو كساده ، بل كونه حراما أو شبهة أو مخلوطا بالحرام ، وفي بعض الأدعية للسفر « أعوذ بك من كابة المنقلب وسوء المنظر في النفس ، والأهل ، والمال ، والولد.

« وبالقرآن بلاغا » إشارة إلى ما وصف الله تعالى في مواضع من القرآن بالبلاغ منها قوله سبحانه في سورة إبراهيم( هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ ) (١) وقال الطبرسي (ره) : هو إشارة إلى القرآن ، أي هذا القرآن عظة للناس بالغة كافية ، وقيل هو إشارة إلى ما تقدم ذكره ، أي هذا الوعيد كفاية لمن تدبره من الناس ، والأول هو الصحيح ، ومنها قوله تعالى في سورة الأحقاف «بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ » وقال الطبرسي : أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم والبلاغ بمعنى التبليغ ، ومنها قوله عز وجل في سورة الأنبياء «إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ » قالوا أي في هذا القرآن ودلائله كفاية ووصلة إلى البغية والبلاغ سبب الوصول إلى الحق.

والحاصل : أن البلاغ بالفتح الكفاية ، والاسم من الإبلاغ والتبليغ وهما الإيصال ، وقد يقوم مقامهما ويفيد مفادهما ، وفي القرآن تبليغ رسالات الله وكفاية لمن تدبر فيه وعمل به لأن فيه الدلالة على الإمام ، وعلى أن لكل قوم وكل عصر هاديا وإماما يبين للناس ما أشكل عليهم فمن عمل به لا يشتبه عليه أمر« قال

__________________

(١) إبراهيم : ٥٢.

٢٣٨

قال وكان يقولعليه‌السلام إذا أمسى : « أصبحنا لله شاكرين وأمسينا لله حامدين فلك الحمد كما أمسينا لك مسلمين سالمين ».

قال وإذا أصبح قال أمسينا لله شاكرين وأصبحنا لله حامدين والحمد لله كما

_________________________________________

وكان يقول » أي أمير المؤمنينعليه‌السلام « إذا أمسى » أي دخل في وقت المساء« أصبحنا لله شاكرين » قيل أصبح وأمسى هنا إما لاقتران مضمون الجملة بهذين الوقتين أو بمعنى صار لإفادة الانتقال من حال إلى حال ، مجردا عن ملاحظة الوقت له ، أو تامة « ولله » على الأولين متعلق بما بعده وتقديمه لقصد الحصر أو الاهتمام ، وعلى الأخير حال كما بعده أو متعلق به والتقديم لما ذكر ، وإنما قدم الشكر على الحمد لأن العرفي منه أعظم من الحمد ، واللغوي أهم لكونه في مقابل النعمة وأعم باعتبار صدوره من كل واحد من الموارد الثلاثة« والحمد لله كما أمسينا » إشارة إلى أن هاتين النعمتين ، يعني الكون من أهل الإسلام أو التسليم والانقياد ، والكون من أهل السلامة من الآفات يقتضيان الحمد لله رعاية لحسن المعاملة وأداء لحق النعمة« وإذا أصبح قال » إنما غير الأسلوب فقال في السابق أولا أصبحنا ، وقال هنا أولا أمسينا لرعاية تقديم ما هو المقدم بحسب الواقع في الموضعين ، انتهى.

وقيل : الفرق بين الشكر والحمد هنا ، إن الأول تعظيم بجميع الجوارح التي تعلقت بها الفرائض ، والثاني تعظيم باللسان فقط« وشاكرين » في الموضعين حال محققة ، إذ تقدير الله تعالى الشكر في اليوم الماضي معلوم لنا في أول الليل ، بسبب أداء الفرائض مثل الصلاة وتقديره تعالى الشكر في الليل غير معلوم لنا في أوله ، بل المعلوم الحمد فقط ، فلذا نسب الشكر إلى الماضي والحمد إلى الحال ، والأمر في الفقرة الثانية أيضا كذلك والكاف في كما في الموضعين للتشبيه ، وما مصدرية والظرف قائم مقام المفعول المطلق للنوع بتقدير حمدا ، كما وأقيم هنا المقتضي للشيء

٢٣٩

أصبحنا لك مسلمين سالمين ».

١٣ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبيعليه‌السلام يقول إذا أصبح بسم الله وبالله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم إليك أسلمت نفسي وإليك فوضت أمري وعليك توكلت

_________________________________________

مقامه فإن الإمساء بالسلامة مثلا يقتضي نوعا عظيما من الحمد ، فكأنه وقع ذلك الحمد نفي هذا الوقت ينتنئ مثله ونظائر هذا كثيرة نحو ـ أحسن كما أحسن الله إليك ـ« ولك » متعلق بكل من مسلمين ، وسالمين ، والمرادبالإسلام هنا الانقياد ، وبالسلامة ، والسلامة من الغش والخلوص لله تعالى ، انتهى.

الحديث الثالث عشر : موثق.

« بسم الله » أي أبتدئ هذا الدعاء أو كل أعمالي في هذا اليوم أو متبركا أو مستعينا بسم الله ، وقيل الاسم مقحم« وبالله » أي أستعين بالله« وإلى الله » أي مرجعي أو التجائي إليه« وفي سبيل الله » أي جعلت نفسي أو أعمالي وإرادتي كلها في سبيل الله ، حتى تكون أعمالي خالصة له وموافقة لرضاه ، وقيل : أي أنا مستقيم في سبيل الله ، وأنا مستقر ثابت على ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو أعمالي موافقة لملة رسول الله وشريعته ، وقيل الجار في هذه المواضع متعلق بفعل مقدر وتقديره بعده لقصد الحصر ، والعطف من باب عطف الجملة على الجملة ، كما في حمدا له ، وشكرا له.

« إليك أسلمت نفسي » أي سلمتها إليك لا إلى غيرك ، فعليك حفظها وإصلاحها ، وفي القاموس : أسلم انقاد وصار مسلما كتسلم ، والعدو خذله وأمره إلى الله سلمه.« وإليك فوضت أمري » قال في النهاية : في حديث الدعاء ،فوضت أمري إليك أي رددته ، يقال : فوض إليه الأمر تفويضا إذا رده إليه وجعله الحاكم فيه انتهى ، ومن فوض أمره إلى الله هداه إلى الخيرات ووقاه من الشرور ، وكما قال تعالى «فَوَقاهُ

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

٧٨٠ ـ الحسينعليه‌السلام يبعث أنس بن كاهل لينصح عمر بن سعد :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦١)

قال : ودعاعليه‌السلام برجل من أصحابه يقال له «أنس بن كاهل «وقال له : امض إلى هؤلاء القوم وذكّرهم الله تعالى ورسوله ، عساهم يرجعون عن قتالنا ، وأعلم أنهم لا يرجعون ، ولكن لتكون لي عليهم حجة يوم القيامة.

قال : فانطلق أنس حتّى دخل على ابن سعد وهو جالس فلم يسلّم عليه. فقال له :

يا أخا كاهل ما منعك أن تسلّم عليّ ، ألست مؤمنا مسلما؟. والله ما كفرت وقد عرفت الله ورسوله. فقال له أنس : كيف عرفت الله ورسوله وأنت تريد أن تقتل ولده وأهل بيته ومن نصرهم؟ فنكّس ابن سعد رأسه وقال : إني أعلم أن قاتلهم في النار لا محالة ، ولكن لا بدّ أن أنفذّ أمر الأمير عبيد الله بن زياد. فرجع أنس إلى الحسينعليه‌السلام وأخبره بما قاله.

٧٨١ ـ الزحف المباشر : الجيش الأموي بقيادة عمر بن سعد يزحف لقتال الحسينعليه‌السلام بعد صلاة العصر :(لواعج الأشجان للأمين ، ص ٤٠٣)

ونهض عمر بن سعد عشية الخميس لتسع خلون من المحرم ، ونادى في عسكره بالزحف نحو الحسينعليه‌السلام ، وقال : يا خيل الله اركبي ، وبالجنة أبشري. فركب الناس ، ثم زحف نحوهم بعد العصر.

وكان الحسينعليه‌السلام جالسا أمام بيته محتبيا بسيفه ، وخفق برأسه فرأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنك صائر إلينا عن قريب».

(وفي رواية) أنهعليه‌السلام جلس فرقد ، ثم استيقظ وقال : يا أختاه رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسنعليه‌السلام وهم يقولون : يا حسين إنك رائح إلينا غدا.

٧٨٢ ـ زينبعليها‌السلام توقظ الحسينعليه‌السلام :(الوثائق الرسمية ، ص ١٢٣)

وبينما الحسينعليه‌السلام واضع رأسه بين ركبتيه ، سمعت الحوراء زينب بنت عليعليه‌السلام الصيحة وضجّة الخيل ، فدنت من أخيها ، وقالت : يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟. فنهض الحسينعليه‌السلام قائما ، وقصّ عليها رؤياه. فلطمت أخته وجهها ، وقالت : يا ويلتا!. فقال الحسينعليه‌السلام : ليس لك الويل يا أخيّة ، اسكتي رحمك الرحمن.

٦٤١

٧٨٣ ـ العباسعليه‌السلام يستعلم الأمر؟ :(مقتل المقرّم ، ص ٢٥٤)

فقالعليه‌السلام لأخيه العباس : اركب «بنفسي أنت(١) «حتّى تلقاهم ، واسألهم عما جاءهم وما الّذي يريدون؟. فركب العباس في عشرين فارسا ، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر وسألهم عن ذلك. قالوا : جاء أمر الأمير أن نفرض عليكم النزول على حكمه ، أو ننازلكم الحرب.

فانصرف العباس يخبر الحسينعليه‌السلام بذلك ، ووقف أصحابه يعظون القوم.

(وفي رواية مقتل الخوارزمي ج ١ ، ص ٢٥٠) أنه لما بعث الحسينعليه‌السلام أخاه العباسعليه‌السلام ليستطلع خبر ابن سعد ، قال : يا هؤلاء ما شأنكم وما تريدون؟.فقالوا : جاءنا الأمر من عبيد الله بن زياد أن نعرض عليكم ، إما أن تنزلوا على الحكم وإلا ناجزناكم. فرجع العباس إلى الحسينعليه‌السلام فأخبره بذلك ، فأطرق ساعة يفكر ، وأصحابه يخاطبون أصحاب عمر بن سعد.

٧٨٤ ـ محاورة حبيب بن مظاهر وزهير بن القين مع عسكر ابن سعد ، وبيان سبب عدول زهير إلى الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٠)

فقال لهم حبيب بن مظاهر الأسدي : أما والله لبئس القوم قوم يقدمون غدا على الله ورسوله وقد قتلوا ذريته وأهل بيته ، المتهجّدين بالأسحار ، الذاكرين الله بالليل والنهار ، وشيعته الأتقياء الأبرار. فقال له رجل من أصحاب ابن سعد يقال له عروة بن قيس (وفي رواية : عزرة بن قيس(٢) ) : إنك لتزكّي نفسك ما استطعت!. فقال له زهير بن القين : (يا عزرة إن الله قد زكّاها وهداها(٣) ). اتّق الله يابن قيس ولا تكن من الذين يعينون على الضلال وقتل النفوس الزكية الطاهرة وعترة خير الأنبياء وذرية أصحاب الكساء. فقال له ابن قيس : إنك لم تكن عندنا من شيعة أهل البيت ، وإنما

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٧ ؛ وروضة الواعظين ، ص ١٥٧ ؛ والإرشاد للمفيد ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٧٦. وظاهر من هذه العبارة مقام العباسعليه‌السلام عند أخيه الحسينعليه‌السلام حتّى أقامه مقام نفسه.

(٢) مقتل المقرم ص ٢٥٦ ، نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٧. وذكر الخوارزمي في مقتله أن هذه المحاورة جرت بعد خطبة امتحان الأصحاب.

(٣) المصدر السابق.

٦٤٢

كنت عثمانيا نعرفك ، فكيف صرت ترابيا؟. فقال له زهير : إني كنت كذلك ، غير أني لما رأيت الحسينعليه‌السلام مغصوبا على حقه ، ذكرت جده ومكانه منه ، فرأيت لنفسي أن أنصره وأكون من حزبه ، وأجعل نفسي من دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حق الله وحق رسوله. (وفي مقتل المقرم) قال عزرة : يا زهير ، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، وإنما كنت على غير رأيهم!. قال زهير : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم؟. أما والله ما كتبت إليه كتابا قط ، ولا أرسلت إليه رسولا ولا وعدته نصرتي ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه عدوه ، فرأيت أن أنصره وأن أكون من حزبه ، وأجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حق رسوله(١) .

٧٨٥ ـ استمهال القوم : الحسينعليه‌السلام يطلب من ابن سعد الإمهال باقي اليوم للصلاة والدعاء :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٠)

فقال الحسين للعباسعليه‌السلام : ارجع يا أخي إلى القوم ، فإن استطعت أن تصرفهم وتدفعهم عنا باقي هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا ليلتنا هذه وندعو الله ونستعينه ونستنصره على هؤلاء القوم. (وفي رواية : ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد ، لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار(٢) ). فأقبلالعباس إلى القوم وهم وقوف ، فقال لهم : يا هؤلاء إن أبا عبد الله يسألكم الانصراف عنه باقي يومكم هذا حتّى ينظر في هذا الأمر ، ثم نلقاكم به غدا إنشاء الله. فأخبر القوم أميرهم عمر بن سعد ، فقال لأصحابه : ما ترون؟. قالوا له : أنت الأمير. فقال له عمرو بن الحجاج : سبحان الله العظيم ، والله لو كان هؤلاء من الترك أو الديلم ، ثم سألونا هذه الليلة (وفي رواية : هذه المنزلة(٣) ) لقد كان ينبغي أن تجيبوهم إلى ذلك ، فكيف وهم آل الرسول محمّد؟!. فقال ابن سعد : أخبروهم أنّا أجّلناهم باقي يومنا هذا إلى

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٥٦ ، نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٧.

(٢) اللهوف ص ٥٠ ومقتل المقرم ص ٢٥٦. وذكر الخوارزمي أن هذا الطلب جرى بعد خطبة امتحان الأصحاب ، وهو قول ضعيف.

(٣) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٨ وذكر هذا الطلب قبل خطبة امتحان الأصحاب

٦٤٣

غد ، فإن استسلموا ونزلوا على الحكم وجّهنا بهم إلى الأمير عبيد الله ، وإن أبوا ناجزناهم.

فانصرف الفريقان ، وعاد كلّ إلى معسكره.

خطبة امتحان الأصحاب

٧٨٦ ـ خطبة امتحان الأصحاب ، وفيها يختبر الحسينعليه‌السلام أصحابه ويعطيهم الرخصة بمفارقته والتفرق عنه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٦)

وجمع الحسينعليه‌السلام أصحابه بين يديه ، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال : الله م لك الحمد على ما علّمتنا من القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وأكرمتنا به من قرابة رسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين.

أما بعد ، فإني لا أعلم أصحابا أصلح منكم ، ولا أعلم أهل بيت أبرّ ولا أوصل ولا أفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا عني خيرا. إن هؤلاء القوم ما يطلبون أحدا غيري ، ولو قد أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم أبدا. وهذا الليل قد غشيكم فقوموا واتّخذوه جملا. وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من إخوتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل ، وذروني وهؤلاء القوم.

(وفي مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٥٧) :

وجمع الحسينعليه‌السلام أصحابه قرب المساء قبل مقتله بليلة(١) فقال :

أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء. الله م إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة ، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ولم تجعلنا من المشركين.

أما بعد ، فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعا(٢) . وقد أخبرني جدي رسول

__________________

(١) إثبات الرجعة للفضل بن شاذان.

(٢) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٨ ، وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٤.

٦٤٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأني سأساق إلى العراق فأنزل أرضا يقال لها (عمورا وكربلاء) وفيها أستشهد ، وقد قرب الموعد(١) .

ألا وإني أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ، وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ، ليس عليكم مني ذمام. وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا خيرا ، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم ، فإن القوم إنما يطلبونني ، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري(٢) .

(وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٦١) أنه قال :

معاشر المؤمنين ، لست أعلم أصحابا أصبر منكم ، ولا أهل بيت أوفى وأفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني أحسن الجزاء. وإني أظنّ أن آخر أيامي هذه مع هؤلاء القوم الظالمين ، وقد أبحتكم فما في رقابكم مني ذمام وحرج. وهذا الليل قد انسدل عليكم ، فليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في البيداء يمينا وشمالا ، عسى أن يفرّج الله عنا وعنكم ، فإن القوم يطلبوني دونكم.

ردّ الآل والأصحاب

٧٨٧ ـ كلام أهل البيتعليهم‌السلام في الردّ على خطبة الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

فتكلم إخوة الحسينعليه‌السلام وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله ، فماذا تقول الناس ، وماذا نقول لهم؟. إنا تركنا شيخنا وسيدنا وابن بنت نبينا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم نرم معه بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف!. لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبدا ، ولكنا نفديك بأنفسنا ونقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبّح الله العيش من بعدك.

(وفي مقتل المقرم ، ص ٢٥٨) فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : لم نفعل ذلك ، لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا. بدأهم بهذا القول العباس بن عليعليه‌السلام وتابعه الهاشميون.

__________________

(١) إثبات الرجعة للفضل بن شاذان.

(٢) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٨ ط نجف.

٦٤٥

والتفت الحسينعليه‌السلام إلى بني عقيل وقال : حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم. فقالوا : إذن ما يقول الناس وما نقول لهم ، إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف ، ولا ندري ما صنعوا!. لا والله لا نفعل ، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك(١) .

٧٨٨ ـ كلام مسلم بن عوسجة الأسدي :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

ثم تكلم مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : يابن رسول الله أنحن نخلّيك هكذا وننصرف عنك ، وقد أحاط بك هؤلاء الأعداء؟. لا والله لا يراني الله وأنا أفعل ذلك أبدا ، حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، وأضرب فيهم بسيفي ، ما ثبت قائمه بيدي. ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك حتّى أموت بين يديك. (وفي مقتل المقرم ص ٢٥٩) أنه قال : أنحن نخلّي عنك؟!. وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله لا أفارقك حتّى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي(٢) .

٧٨٩ ـ كلام سعيد بن عبد الله الحنفي :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

ثم تكلم سعيد بن عبد الله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخلّيك أبدا ، حتّى يعلم الله تبارك وتعالى أنا حفظنا فيك غيبة رسوله. ووالله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حيا ، يفعل بي ذلك سبعين مرة ، لما فارقتك أبدا حتّى ألقى حمامي من دونك. وكيف لا أفعل ذلك ، وإنما هي قتلة واحدة ، ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا(٣) .

٧٩٠ ـ كلام زهير بن القين البجلي :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

ثم تكلم زهير بن القين البجلي فقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت فيك

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٨ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٤ ؛ والإرشاد للمفيد ؛ وإعلام الورى ، ص ١٤١ ؛ وسير أعلام النبلاء للذهبي ج ٣ ص ٢٠٢ ؛ ومقتل أبي مخنف ص ٦٢.

(٢) إرشاد المفيد وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩ ؛ ومقتل أبي مخنف ص ٦٢ ؛ واللهوف ص ٥٢.

(٣) اللهوف ص ٥٢ ؛ ومقتل المقرم ص ٢٥٩ ، نقلا عن إرشاد المفيد وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩. وفي مناقب ابن شهراشوب ومقتل أبي مخنف أن هذا الكلام قاله مسلم بن عوسجة.

٦٤٦

ثم نشرت ، حتّى أقتل فيك ألف مرة ، وأن الله قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك(١) .

٧٩١ ـ كلام بقية الأصحاب :(المصدر السابق)

وتكلم جماعة بنحو هذا الكلام وقالوا : أنفسنا لك الفداء ، ونقيك بأيدينا ووجوهنا وصدورنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفيّنا وقضينا ما علينا.

٧٩٢ ـ الحسينعليه‌السلام يرخّص لمحمد بن بشير الحضرمي بمفارقته ، فيأبى :

(اللهوف لابن طاووس ، ص ٣٩)

ووصل الخبر إلى محمّد بن بشير الحضرمي في تلك الحال ، أن قد أسر ابنك بثغر الرّي!. فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يؤسر وأنا أبقى بعده. فسمع الحسينعليه‌السلام قوله ، فقال : رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك. فقال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك. قالعليه‌السلام : فأعط ابنك [الآخر] هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

٧٩٣ ـ جواب الحسينعليه‌السلام على كلمات أصحابه :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٠)

ولما عرف الحسينعليه‌السلام من أصحابه صدق النية والإخلاص في المفاداة دونه ، أوقفهم على غامض القضاء فقال : إني غدا أقتل ، وكلكم تقتلون معي ، ولا يبقى منكم أحد(٢) حتّى القاسم وعبد الله الرضيع ، إلا ولدي علي زين العابدين ، لأن الله لم يقطع نسلي منه ، وهو أبو أئمة ثمانية(٣) . فقالوا بأجمعهم : الحمد لله الّذي أكرمنا بنصرك وشرّفنا بالقتل معك. أولا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله!. فدعا لهم بالخير(٤) وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان وعرّفهم منازلهم فيها(٥) .

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٥٩ نقلا عن إرشاد المفيد ؛ وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩ ، وكذا في مقتل أبي مخنف ص ٦٣ ؛ وفي الله وف ص ٥٢.

(٢) نفس المهموم في مقتل الحسين المظلوم ، ص ١٢٢.

(٣) أسرار الشهادة للفاضل الدربندي.

(٤) نفس المهموم ، ص ١٢٢.

(٥) الخرايج والجرايح للقطب الراوندي.

٦٤٧

٧٩٤ ـ الحسينعليه‌السلام يري كل شهيد منزلته في الجنة ـ تجلّي الحقائق وانكشاف الحجب :(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٦٨)

بعد أن طلب الإمام الحسينعليه‌السلام من أصحابه التفرق عنه ليلة العاشر ، قالوا :الحمد لله الّذي شرّفنا بالقتل معك. ثم دعا وقال لهم : ارفعوا رؤوسكم وانظروا ، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة ، وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان ، وهذا قصرك يا فلان ، وهذه زوجتك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنة.

وفي (علل الشرائع للصدوق) مسندا عن عمارة ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قلت له : أخبرني عن أصحاب الحسينعليه‌السلام وإقدامهم على الموت. فقالعليه‌السلام :إنهم كشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنة. فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى الحور يعانقها ، وإلى مكانه من الجنة.

٧٩٥ ـ علي بن مظاهر يريد بعث زوجته إلى أهلها ، فتأبى :

(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين بن حبيب الموسوي ، ص ١٢١)

ويروى أن الحسينعليه‌السلام في آخر خطبته [في امتحان الأصحاب] قال :أصحابي ، بني عمومتي ، أهل بيتي ؛ ألا ومن كان في رحله امرأة فليبعث بها إلى أهلها ، فإن نسائي تسبى ، وأخاف على نسائكم السبي.

فقام من بينهم علي بن مظاهر الأسدي [أخو حبيب] وأقبل إلى خيمته ، فتبسمت زوجته في وجهه ، فقال لها : دعينا والتبسّم ، قومي والحقي بابني عمك من بني أسد. فقالت : لم يابن مظاهر ، هل فعلت معك مكروها؟ قال : حاشا لله. ولكن أما سمعت غريب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطبنا في هذه الساعة؟. قالت : بلى ، ولكن سمعت في آخر خطبته همهمة لا أعرفها. قال : خطبنا وقال : ألا ومن كان في رحله امرأة فليبعث بها إلى أهلها.

فلما سمعت الحرة ذلك نطحت رأسها بعمود الخيمة وقالت : ما أنصفتني يابن مظاهر ، أيسرّك أن زينبعليها‌السلام يسلب إزارها وأنا أتزيّن بإزاري؟!. أم يسرّك أن سكينة تسلب قرطيها وأنا أتزين بقرطي؟!. لا كان ذلك أبدا. بل أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء.

فلما سمع منها ذلك رجع إلى الحسينعليه‌السلام فرآه جالسا ومعه أخوه

٦٤٨

العباسعليه‌السلام فسلّم عليهما وجلس ، وقال : سيدي أبت الأسدية أن تفارقكم. فقال الحسينعليه‌السلام : جزاكم الله خير الجزاء.

٧٩٦ ـ لا يقاتل معي من عليه دين :

روى الثوري عن أبي الجحّاف عن أبيه ، أن رجلا قال للحسينعليه‌السلام : إن عليّ دينا. قالعليه‌السلام : لا يقاتل معي من عليه دين (أخرجه الطبراني برقم ٢٨٧٢).

٧٩٧ ـ الضحاك بن عبد الله المشرقي يعاهد الحسينعليه‌السلام على نصرته ما لم يصبحعليه‌السلام وحيدا :(تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٣٢١ ط ليدن)

روى الطبري عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : قدمت مع مالك بن النضر الأرحبي على الحسينعليه‌السلام ، فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه. فردّ علينا ، ورحّب بنا وسألنا عما جئنا له؟. فقلنا : جئنا لنسلّم عليك وندعو الله لك بالعافية ، ونحدث بك عهدا ، ونخبرك خبر الناس. وإنا نحدّثك أنهم قد جمعوا على حربك ، فر رأيك.فقال الحسينعليه‌السلام : حسبي الله ونعم الوكيل. قال : فتذممنا وسلّمنا عليه ودعونا الله له. قال : فما يمنعكما من نصرتي؟. فقال مالك بن النضر : عليّ دين ولي عيال.فقلت له : إن عليّ دينا وإن لي عيالا ، ولكنك إن جعلتني في حلّ من الانصراف إذا لم أجد مقاتلا ، قاتلت عنك ما كان لك نافعا وعنك دافعا.

(قال) قالعليه‌السلام : فأنت في حلّ ، فأقمت معه.

(أقول) : وظل الضحاك هذا يقاتل مع الحسينعليه‌السلام حسب الاتفاق ، حتّى أصبح الحسينعليه‌السلام وحيدا فريدا ، فانسلّ من المعركة وذهب إلى أهله.

٧٩٨ ـ كلام برير بن خضير الهمداني ، ونصيحته لعمر بن سعد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)

ثم تكلم برير بن خضير الهمداني ، وكان من الزهاد الذين يصومون النهار ويقومون الليل. فقال : يابن رسول الله ائذن لي أن آتي هذا الفاسق عمر بن سعد ، فأعظه لعله يتّعظ ويرتدع عما هو عليه. فقال الحسينعليه‌السلام : ذاك إليك يا برير.فذهب إليه حتّى دخل على خيمته فجلس ولم يسلّم. فغضب عمر وقال : يا أخا همدان ، ما منعك من السلام عليّ ، ألست مسلما أعرف الله ورسوله وأشهد بشهادة الحق؟. فقال له برير : لو كنت عرفت الله ورسوله كما تقول ، لما خرجت إلى عترة رسول الله تريد قتلهم. وبعد فهذا الفرات يلوح بصفائه ويلج كأنه بطون الحيات ،

٦٤٩

تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها ، وهذا الحسين بن علي وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشا ، وقد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه ، وتزعم أنك تعرف الله ورسوله!. فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض ، ثم رفع رأسه وقال : والله يا برير إني لأعلم يقينا أن كل من قاتلهم وغصبهم حقهم هو في النار لا محالة(١) ولكن يا برير أفتشير عليّ أن أترك ولاية الرّي فتكون لغيري ، فوالله ما أجد نفسي تجيبني لذلك. ثم قال :

دعاني عبيد الله من دون قومه

إلى خطةّ ، فيها خرجت لحيني

فوالله ما أدري وإني لحائر

أفكّر في أمري على خطرين

أأترك ملك الرّي والريّ منيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب ، وملك الرّيّ قرّة عيني

فرجع برير إلى الحسينعليه‌السلام وقال : يابن رسول الله إن ابن سعد قد رضي لقتلك بولاية الري(٢) .

ليلة العاشر من المحرم

(يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٢٦٢) :

كانت ليلة عاشوراء أشدّ ليلة مرّت على أهل بيت الرسالة

حفّت بالمكاره والمحن وأعقبت الشر وآذنت بالخطر.

وقد قطعت عنهم عصابة الضلال من بني أمية وأتباعهم كلّ الوسائل الحيوية.

وهناك ولولة النساء وصراخ الأطفال من العطش المبرّح والهمّ المدلهم.

٧٩٩ ـ الحسينعليه‌السلام ونافع بن هلال يتفقدان التلال حول المخيّم ، واختبار الحسينعليه‌السلام لنافع :(الوثائق الرسمية ، ص ١٣٢)

ثم إن الحسينعليه‌السلام خرج ليلا وحده ، ليختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل ، وإذا بنافع بن هلال خلفه. فقال له الحسينعليه‌السلام : من

__________________

(١) مرّ شبيه هذا الكلام في نصيحة أنس بن كاهل ، ولم يورد المقرم في مقتله هذا الكلام.

(٢) الرّيّ : المنطقة الجنوبية من طهران اليوم.

٦٥٠

الرجل؟. قال : نافع جعلت فداك يابن رسول الله. قال الحسينعليه‌السلام : ما أخرجك في هذا الليل يا نافع؟. قال : سيدي أزعجني خروجك ليلا إلى جهة هذا الباغي.قالعليه‌السلام : خرجت أتفقد هذه التلعات مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل على مخيمنا ، يوم يحملون وتحملون.

ثم إنهعليه‌السلام رجع وهو قابض على يسار نافع ، وهو يقول : هي هي والله ، وعد لا خلف فيه. ثم قال لنافع : ألا تسلك بين هذين الجبلين ، وانج بنفسك؟. قال نافع : سيدي إذن ثكلت نافعا أمّه. إن سيفي بألف ، وفرسي بمثله ، فوالله الّذي منّ عليّ بك في هذا المكان ، لن أفارقك أبا عبد الله حتّى يكلّا عن فري وجري(١) .

٨٠٠ ـ شهادة الحسينعليه‌السلام بأصحابه حين استعلمت زينبعليها‌السلام عن حالهم :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٥)

ثم إن الحسينعليه‌السلام فارق نافعا ، ودخل خيمة أخته زينبعليها‌السلام . فوضعت له متكأ ، وجلس يحدثها سرا. ونافع واقف ينتظر خروج الحسينعليه‌السلام .

قالت زينب لأخيها الحسينعليه‌السلام : هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟. فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة. فقال لها : والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه.

٨٠١ ـ الأصحاب يكرّمون خاطر نسوة أهل البيتعليهم‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٦)

وقال الحسينعليه‌السلام لأصحابه : هلمّوا معي لنواجه النسوة ونطيّب خاطرهن.فجاء حبيب بن مظاهر ومعه أصحابه وصاح : يا معشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم ، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرّق ناديكم.

فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل ، وقلن : أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين.

فضجّ القوم بالبكاء حتّى كأن الأرض تميد بهم(٢) .

__________________

(١) المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٩٢.

(٢) الدمعة الساكبة ، ص ٢٢٥.

٦٥١

٨٠٢ ـ وصية الإمام الحسن لأخيه الحسينعليه‌السلام عند احتضاره :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١ ط نجف)

فلما كانت الليلة التي قتل الحسينعليه‌السلام في صبيحتها ، قام يصلي ويدعو ويترحم على أخيه الحسنعليه‌السلام . وذلك لأن الحسنعليه‌السلام قال له لما احتضر : يا أخي اسمع ما أقول ، إن أباك لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسوّف إلى هذا الأمر رجاء أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى غيره. فلما احتضر أبو بكر تسوّف أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى عمر. فلما احتضر عمر تسوّف أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى عثمان. تجرّد أبوك للطلب بالسيف ولم يدركه ، وأبى الله أن يجعل فينا أهل البيت النبوة والدنيا أو الخلافة(١) أو الملك. فإياك وسفهاء أهل الكوفة ، أن يستخفّوك فيخرجوك ويسلموك ، ولات حين مناص.

٨٠٣ ـ ليلة الوداع : ليلة صلاة ودعاء ، وتوجّه إلى الله :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٦ ط نجف)

وجاء الليل ، فبات الحسينعليه‌السلام وأصحابه الليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ، ما بين راكع وساجد ، وقائم وقاعد.

وفي ذلك يقول العلامة المجتهد السيد محسن الأمينرحمه‌الله :

باتوا وبات إمامهم ما بينهم

ولهم دويّ حوله ونحيب

من راكع أو ساجد أو قارئ

أو من يناجي ربّه وينيب

منهم (زهير) زاهر الأفعال يت

لوه (برير)(ومسلم)(وحبيب)

فتأثر بهذا الجو الواقعي نفر من الجيش الأموي ، من ذوي الضمائر الحية ، التي كانت عليها غشاوة ضلال ، فانجلت بهذا الجو المشحون إيمانا وتقى وهدى.

وعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد ٣٢ رجلا

__________________

(١) يقصد الخلافة الزمنية ، أما الخلافة الدينية فهي ثابتة لأهل البيتعليهم‌السلام بأمر من الله تعالى ، سواء حكموا أم لم يحكموا. والمقصود بالنبوة هنا الخلافة الدينية أو الإمامة ، عبّر عنها بالنبوة لأنها من توابع النبوة ، وهي منصب إلهي

٦٥٢

٨٠٤ ـ الذين تسللوا في جنح الليل إلى الحسينعليه‌السلام :

(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٨)

فجعل يتسلل إلى الحسينعليه‌السلام من أصحاب عمر بن سعد في ظلام الليل ، الواحد والاثنان ، حتّى بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين ، ممن هداهم الله إلى السعادة ووفقهم للشهادة.

٨٠٥ ـ محاورة برير بن خضير مع جماعة الشّمر ، فيمن هم الطيبون؟ وثناء الحسين عليه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥١)

وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف الليل يتجسس ومعه جماعة من أصحابه ، حتّى قارب معسكر الحسينعليه‌السلام فسمعه يتلو قوله تعالى :( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ، وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) «آل عمران ١٧٩».

فصاح رجل من أصحاب شمر : نحن وربّ الكعبة الطيبون ، وأنتم الخبيثون ، وقد ميّزنا الله منكم(١) . فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته ثم نادى : يا فاسق يا فاجر يا عدوّ الله يابن البوّال على عقبيه ، أمثلك يكون من الطيبين والحسين ابن رسول الله من الخبيثين!. والله ما أنت إلا بهيمة لا تعقل ما تأتي وما تذر ، فأبشر يا عدو الله بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فصاح شمر : إن الله قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب. فقال برير : أبالموت تخوّفني ، والله إن الموت مع ابن رسول الله أحبّ إليّ من الحياة معكم ، والله لا نالت شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما أراقوا دماء ذريته وأهل بيته.

فجاء إليه رجل من أصحابه وقال : يا برير ، إن أبا عبد الله يقول لك : ارجع إلى موضعك ولا تخاطب القوم ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء فلقد نصحت وأبلغت في النصح والدعاء.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٦٣ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٠ ، وذكر الطبري أن اسم الرجل (عبد الله بن شهر) ويلقب أبو حرب السبيعي.

٦٥٣

٨٠٦ ـ مقاربة البيوت من بعضها ليقاتلوا العدوّ من وجه واحد :

(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢٣٢)

ثم أمر الحسينعليه‌السلام أصحابه أن يقرّب بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت ، فيقبلوا القوم من وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، قد حفّت بهم إلا الوجه الّذي يأتيهم منه عدوهم.

٨٠٧ ـ حفر خندق وراء البيوت في ساعة متأخرة من الليل :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٥)

ثم إن الحسينعليه‌السلام أمر أصحابه أن يقاربوا البيوت بعضها من بعض ليستقبلوا القوم من وجه واحد ، وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب ويلقى عليه بالنار إذا قاتلهم العدو ، كيلا تقتحمه الخيل ، فيكون القتال من وجه واحد(١) .

(وفي مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٨) :

فلما أيس الحسينعليه‌السلام من القوم ، وعلم أنهم مقاتلوه ، قال لأصحابه : قوموا فاحفروا لنا حفيرة شبه الخندق حول معسكرنا ، وأجّجوا فيها نارا ، حتّى يكون قتال هؤلاء القوم من وجه واحد ، فإنهم لو قاتلونا وشغلنا بحربهم لضاعت الحرم.

فقاموا من كل ناحية فتعاونوا واحتفروا الحفيرة. ثم جمعوا الشوك والحطب فألقوه في الحفيرة ، وأجّجوا فيها النار.

(وفي الوثائق الرسمية للسيد عبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٤٠) :

ثم إنهعليه‌السلام أمر أصحابه أن يحفروا خندقا من وراء البيوت ، ويضعوا فيه الحطب ، ويضرموا فيها النار في الغداة ، لئلا يهجم القوم من وراء الخيام.

٨٠٨ ـ رؤيا الحسينعليه‌السلام وخبر من يقتله واقتراب أجله :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥١)

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٠ ، وذكر الخوارزمي هنا محاورة مالك بن جريرة مع الحسينعليه‌السلام وقد رأى النار تشتعل في الخندق ، ولم أرجّح ذلك. بل ذكرتها بعد محاورة الحسينعليه‌السلام مع الشمر في نفس الخصوص يوم عاشوراء.

٦٥٤

فلما كان وقت السحر خفق الحسينعليه‌السلام برأسه خفقة(١) ثم استيقظ فقال :أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟. قالوا : فما رأيت يابن رسول الله؟. قال :رأيت كلابا قد شدّت عليّ لتنهشني وفيها كلب أبقع(٢) رأيته كأشدها عليّ ، وأظن الّذي يتولى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم. ثم إني رأيت بعد ذلك جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي :

يا بنيّ أنت شهيد آل محمّد ، وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي الليلة. عجّل يا بنيّ ولا تتأخر ، فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء(٣) . فهذا ما رأيت وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه الدنيا.

__________________

(١) الخفقة : النومة اليسيرة.

(٢) أبقع : مختلف اللون ، فيه سواد وبياض.

(٣) مقتل المقرم ص ٢٦٧ نقلا عن نفس المهموم ص ١٢٥ عن الشيخ الصدوق.

٦٥٥

الفصل العشرون

يوم عاشوراء

(الجمعة في ١٠ محرّم سنة ٦١ ه‍)

[الموافق ١٠ ت ١ سنة ٦٨٠ م]

دم ودموع ، وسموّ واستعلاء

وألم يفري الضلوع ، وعزّة للنفس وإباء

تلك ذكرى أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء

في هذا اليوم الحالك ارتكب الحكم الأموي أبشع مجزرة دموية عرفها التاريخ.والذين قاموا بهذه المجزرة الرهيبة لم يتخلّوا فقط عن قوانين الإسلام ، بل انسلخوا حتّى من الأخلاق العربية والمبادئ الإنسانية.

تصوّروا أن مجموعة صغيرة من المؤمنين الملتزمين ، تحيط بهم جحافل جرّارة من جيوش عرمرمة ، حتّى ملكت عليهم أقطار الأرض والسماء ، ومنعتهم من كل شيء حتّى من الماء.

ولم يكن خوف الحسينعليه‌السلام من كثرة أعدائه ، ولم تكن دهشته من أنواع أسلحته وعتاده ، بأكثر من خوفه على تلك النفوس المريضة التي هامت في الباطل ، ودهشته أن كيف استطاع الأفاّكون أن يضلّوهم إلى هذا الحد ، ويجعلوهم يسيرون لقتل إمامهم ومن وجبت طاعته في أعناقهم!.

٨٠٩ ـ استسقاء رهط الحسينعليه‌السلام واستعدادهم للموت :

(دائرة المعارف للشيخ محمّد حسين الأعلمي ، ج ١٥ ص ١٧١)

وطلع فجر اليوم العاشر من المحرم ، وأرسل الحسينعليه‌السلام ابنه عليا في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، ليسقوا الماء ، وهم في وجل شديد.

٦٥٦

فقام الحسينعليه‌السلام ونادى أصحابه ، وأمرهم بالصلاة ، فتيمموا بدلا من الوضوء لعدم توفر الماء ، وأقام بنفسه وصلّى بأصحابه صلاة الصبح.

فلما فرغ رفع يديه إلى السماء ، وقد أخذ المصحف بيده اليمنى ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : إن الله قد أذن في قتلكم وقتلي ، وكلكم تقتلون في هذا اليوم إلا ولدي علي بن الحسينعليه‌السلام ، فاتقوا الله يا قوم واصبروا.

٨١٠ ـ خطبة الحسينعليه‌السلام في صباح اليوم الّذي استشهد فيه :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٥)

عن رجل من همدان ، قال : خطبنا الحسين بن عليعليه‌السلام غداة اليوم(١) الّذي استشهد فيه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

عباد الله ، اتقوا الله ، وكونوا من الدنيا على حذر. فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد ، كانت الأنبياء أحق بالبقاء ، وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء. غير أن الله تعالى خلق الدنيا للبلاء ، وخلق أهلها للفناء. فجديدها بال ، ونعيمها مضمحلّ ، وسرورها مكفهرّ. والمنزل بلغة ، والدار قلعة. فتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى ، فاتقوا الله لعلكم تفلحون.

(وفي الوثائق الرسمية ، ص ١٤١) :

فتباشر أصحاب الحسينعليه‌السلام بلقاء ربهم ، وأنهم سيقدمون على روح وريحان ، وجنة عرضها السموات والأرض ، خالدين فيها أبدا. وإذا بهم فرحين يمازح بعضهم بعضا.

٨١١ ـ استبشار أصحاب الحسينعليه‌السلام بالشهادة والقدوم على الجنة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٢٦ ط ٤)

وأمر الحسينعليه‌السلام بفسطاط فضرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير ، وجعل فيها نورة [أي كلسا] ثم دخل ليطلّي. فروي أن برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ، وازدحما أيهما يطّلي بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن ، فقال له عبد الرحمن : يا برير (أتضحك؟) ما هذه ساعة

__________________

(١) الغداة : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

٦٥٧

باطل!. فقال برير : لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، وإنما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين. (وفي رواية : لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، ولكني مستبشر بما نحن لاقون. والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة(١) ).

وخرج حبيب بن مظاهر يضحك ، فقال له يزيد بن الحصين : ما هذه ساعة ضح!. قال حبيب : وأي موضع أحقّ بالسرور من هذا. ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور(٢) .

٨١٢ ـ تعبئة الحسينعليه‌السلام أصحابه يوم عاشوراء :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤)

ولما أصبح الحسينعليه‌السلام يوم الجمعة عاشر محرم (وفي رواية : يوم السبت) عبّأ أصحابه ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا. وعن الإمام الباقرعليه‌السلام أنهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. فجعل على ميمنته :زهير بن القين ، وعلى مسيرته : حبيب بن مظاهر ، ودفع اللواء إلى أخيه : العباس بن علي ، وثبتعليه‌السلام مع أهل بيته في القلب. وجعلوا البيوت في ظهورهم.

٨١٣ ـ إضرام الخندق بالحطب :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٧ ط نجف)وأمرعليه‌السلام بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل ، وأن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم ، فنفعهم ذلك.

٨١٤ ـ تعبئة عمر بن سعد جيشه :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤)

وعبّأ عمر بن سعد أصحابه ، فجعل على الميمنة : عمرو بن الحجاج ، وعلى الميسرة: شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل : عروة بن قيس ، وعلى الرجّالة :شبث بن ربعي ، وأعطى رايته : دريدا مولاه. وكان جنده اثنين وعشرين ألفا يزيد أو ينقص.

__________________

(١) مقتل المقرم ص ٢٦٢ عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤١ ، وذكره المقرم ليلة عاشوراء.

(٢) مقتل المقرم ص ٢٦٣ عن رجال الكشي واللهوف ص ٥٤.

٦٥٨

(وفي كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٨٥) :

وكان الرؤساء في الكوفة أربعة :

فجعل على ربع أهل المدينة : عبد الله بن زهير الأزدي.

وعلى ربع ربيعة وكندة : قيس بن الأشعث بن قيس.

وعلى ربع مذحج وأسد : عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي.

وعلى تميم وهمدان : الحر بن يزيد الرياحي.

٨١٥ ـ دعاء الحسينعليه‌السلام وفيه يبدي ثقته بالله :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٨ ط نجف)

ثم ركب الحسينعليه‌السلام دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه ، ثم إنه أناخ راحلته ، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها. ثم ركب فرسه وتهيأ للقتال.

فروي عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أنه قال : لما صبّحت خيل الحسينعليه‌السلام ونظروا إلى جمعهم كأنه السيل رفع يديه بالدعاء وقال :

اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة. كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو ؛ أنزلته بك وشكوته إليك ، رغبة مني إليك عمن سواك ، فكشفته وفرّجته ، فأنت وليّ كل نعمة ، ومنتهى كل رغبة(١) .

٨١٦ ـ قول الشمر للحسينعليه‌السلام : تعجلت بالنار قبل يوم القيامة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٩ ط نجف)

وركب أصحاب عمر بن سعد ، وأقبلوا يجولون حول بيوت الحسينعليه‌السلام فيرون النار تضطرم في الخندق. فنادى شمر بأعلى صوته : يا حسين تعجّلت بالنار قبل يوم القيامة. فقال الحسينعليه‌السلام : من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن.فقالوا : نعم. قال : يابن راعية المعزى ، أنت أولى بها (مني) صليّا.

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم ، فمنعه الحسينعليه‌السلام من ذلك. فقال له :دعني حتّى أرميه ، فإنه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين ، وقد أمكن الله منه.

فقال له الحسينعليه‌السلام : لا ترمه ، فإني أكره أن أبدأهم بقتال.

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٥ ؛ وتاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٣٣ ، وذكر الكفعمي في المصباح ، ص ١٥٨ ط الهند ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا بهذا الدعاء يوم بدر.

٦٥٩

(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢) :

ثم ناداه محمّد بن الأشعث : أبشر ، الساعة ترد الجحيم. فقالعليه‌السلام : من هذا؟. فقالوا : ابن الأشعث. فقال : لعنك الله وقومك.

الآيات الباهرة

٨١٧ ـ ابن أبي جويرية يسقط في النار :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٣١٧ ط ٣)

وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له : ابن أبي جويرية المزني. فلما نظر إلى النار تتّقد صفّق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين ، أبشروا بالنار!. فقد تعجلتموها في الدنيا. فقال الحسينعليه‌السلام : من الرجل؟.فقيل : ابن أبي جويرية المزني. فقال الحسينعليه‌السلام : الله م أذقه عذاب النار في الدنيا. فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار ، فاحترق.

٨١٨ ـ محاورة مالك بن جريرة مع الحسينعليه‌السلام وقد أشعلعليه‌السلام النار في الخندق حول معسكره :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٨)

وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد يقال له مالك بن جريرة على فرس له حتّى وقف على الحفيرة ، وجعل ينادي بأعلى صوته : أبشر يا حسين فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة. فقال له الحسينعليه‌السلام : كذبت يا عدو الله ، أنا قادم على رب رحيم ، وشفيع مطاع ، ذاك جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم قال الحسينعليه‌السلام لأصحابه :من هذا؟. فقيل له : هذا مالك بن جريرة. فقال الحسينعليه‌السلام : الله م جرّه إلى النار وأذقه حرّها قبل مصيره إلى نار الآخرة. فلم يكن بأسرع من أن شبّ به الفرس فألقاه على ظهره ، فتعلقت رجله في الركاب ، فركض به الفرس حتّى ألقاه في النار ، فاحترق. فخرّ الحسينعليه‌السلام ساجدا ، ثم رفع رأسه وقال : يا لها من دعوة ما كان أسرع إجابتها(١) .

__________________

(١) مقتل أبي مخنف ص ٦٣ ، وذكر اسما آخر وهو جبيرة الكلبي. وفي مقتل الحسين للمقرم ص ٢٨٢ ذكر اسما آخر وهو عبد الله بن حوزة التميمي. وفي لواعج الأشجان ص ١٢٤ ذكر أنه ابن أبي جويرية المزني.

٦٦٠

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735