موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493822 / تحميل: 5848
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

١٠ - عقيدتنا في القضاء والقدر

ذهب قوم - وهم المجبرة(١) - الى انه تعالى هو القاعل لافعال المخلوقين ، فيكون قد اجبر الناس على فعل المعاصي ، وهو مع ذلك يعذبهم عليها ، واجبرهم على فعل الطاعات ومع ذلك يثيبهم عليها ؛ لانهم يقلون : ان افعالهم في الحقيقة افعاله ، وانما تنسب اليه الطبيعة بين الاشياء ، وانه تعالى هو السبب الحقيقي لا سبب سواه.

وقد انكروا السببية الطبيعية بين الاشياء ؛ اذ ظنوا ان ذلك هو مقتضى كونه تعالى هو الخالق الذي لا شريك له.

ومن يقول بهذه المقالة فقد نسب الظلم اليه ، تعالى عن ذلك.

وذهب قوم آخرون - وهم المفوضة(٢) - الى انه تعالى فوض الافعال

____________________

(١)ومنهم الاشاعرة الذين ذهبوا الى انكار السببية ، وانحصار السبب في الله تعالى ،وقالوا : ان النار - مثلا - لا تحرق شيئا بل عادة الله جرت على احراق الثوب المماس بها مثلا من دون مدخلية للنار في الاحراق وبذلك فقد ذهبوا الى ان افعال العباد مخلوقة له تعالى من دون دخل للعباد فيها ، أي أن العبد لا أثر له في ايجاد الفعل راجع : بداية المعارف الالهية : ١/١٥٩ وما بعدها.

ولا يخفى على من تتبع كتب الامامية انهم يبطلون الجبر خلافا للاشاعرة ، كما يبطلون التفويض خلافا للمعتزلة ، فقد روي عن الامام ابي الحسن علي بن محمد الهاديعليه‌السلام انه سئل عن افعال العباد فقيل له : هل هي مخلوقة لله تعالى ؟ فقالعليه‌السلام : (لو كان خالقا لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه( إن الله بريء من المشركين ورسوله ) [ التوبة ٩: ٣] ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وانما تبرأ من شركهم وقبائحهم).

لاحظ : تصحيح الاعتقاد من مصنفات الشيخ المفيد : ٥/٤٣ ، بحار الانوار: ٥/٢٠.

(٢) وهم الذين نفوا حقيقة الجبر ، وأكثرهم المعتزلة ممن قالوا أن الفعل مفوض الينا ، ولا مدخلية

=

٤١

إلى المخلوقين، ورفع قدرته وقضاءه وتقديره عنها، باعتبار أنّ نسبة الأفعال إليه تعالى تستلزم نسبة النقص إليه، وأنّ للموجودات أسبابها الخاصة، وإن انتهت كلُّها إلى مسبِّب الأسباب والسبب الأول، وهو الله تعالى.

ومن يقول بهذه المقالة فقد أخرج الله تعالى من سلطانه(١) ، وأشرك

____________________

=

فيه لا رادته وإذنه تعالى، والذي أوجب هذا الزعم الفاسد هو الاحتراز عن نسبة المعاصي والفكر والقبائح إليه تعالى. والتفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال والاباحة لهم مع ما شاؤوا من الاعمال وهذا قول الزنادقة وأصحاب الاباحات.

راجع: تصحيح الاعتقاد من مصنفات الشيخ المفيد: ٥/ ٤٧، بداية المعارف الإلهية: ١/ ١٦٦.

(١) ومن المستحسن أن نذكر في هذا الصدد ما رواه الاَصبغ بن نباته في حديث طويل: «إنّ شيخاً قام إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام في منصرفه عن صفين فقال: أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره؟ فقال: والذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، ما وطأنا موطئاً، ولا هبطنا وادياً إلاّ بقضاء الله وقدره، فقال الشيخ: عند الله تعالى احتسب عنائي؛ ما أرى لي من الأجر شيئاً. فقال لهعليه‌السلام : مه! أيّها الشيخ! لقد عظّم الله أجركم في مسيركم وانتم سائرون. وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين. فقال الشيخ: فكيف والقضاء والقدر ساقانا؟ فقالعليه‌السلام : ويحك لعلك ظننت قضاءاً لازماً وقدراً حتماً؟ لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، والامر والنهي، ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء، ولا المسيء أولى بالذم من المحسن. تلك مقالة عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب. وهم قدرية هذه الامة ومجوسها؛ إنّ الله تعالى أمر تخييراً ونهى تحذيراً، وكلّف يسيراً. لم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يرسل الرسل عبثاً، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً( ذَلِكَ ظَنُّ الّذينَ كَفروُا فَوَيلٌ للّذينَ كفَرُوا مِنَ النَّارِ ) [سورة ص ٣٨: ٢٧]. فقال الشيخ: وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلاّ بهما؟ فقالعليه‌السلام : هو الأمر من الله تعالى والحكم، وتلى قوله تعالى:( وَقَضَى ربُّكَ الاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إيّاهُ ) [الاسراء ١٧: ٢٣] فنهض الشيخ مسروراً وهو يقول:

أنت الامام الذي نرجوا بطاعته

يوم النشور من الرحمن رضوانا

=

٤٢

غيره معه في الخلق.

واعتقادنا في ذلك تبع لما جاء عن أئمتنا الأطهارعليهم‌السلام من الأَمر بين الأمرين، والطريق الوسط بين القولين، الذي كان يعجز عن فهمه أمثال أولئك المجادلين من أهل الكلام، ففرَّط منهم قوم وأفرط آخرون، ولم يكتشفه العلم والفلسفة إلاّ بعد عدة قرون(١) .

وليس من الغريب ممَّن لم يطّلع على حكمة الأَئمّةعليهم‌السلام وأقوالهم أن يحسب أنّ هذا القول - وهو الأمر بين الاَمرين - من مكتشفات بعض فلاسفة الغرب المتأخرين، وقد سبقه إليه أئمتنا قبل عشرة قرون.

فقد قال إمامنا الصادقعليه‌السلام لبيان الطريق الوسط كلمته المشهورة: «لا جبر ولا تفويض،ولكن أمر بين أمرين»(٢) .

____________________

=

أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً

جزاك ربّك عنّا منه إحساناً

شرح نهج البلاغة: ١٨/٢٢٧.

وأسند ابن عساكر هذا الحديث عن ابن عباس في تاريخ دمشق: ٣/٢٣١، وذكره الشيخ الصدوق في التوحيد: ٣٨٠، تجريد الاعتقاد بتحقيق محمد جواد الحسيني الجلالي: ٢٠٠، عقائد الاسلام من القرآن الكريم: ٤٥٥.

(١) قال الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد: ٤٧(والواسطة بين هذين القولين - أي الجبر والتفويض - أنّ الله تعالى أقدر الخلق على أفعالهم، ومكّنهم من أعمالهم، وحدّ لهم الحدود في ذلك، ورسم لهم الرسوم، ونهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف والوعد والوعيد، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبراً لهم عليها، ولم يفوّض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها، ووضع الحدود لهم فيها، وأمرهم بحسنها، ونهاهم عن قبيحها، فهذا هو الفصل بين الجبر والتفويض) مصنّفات الشيخ المفيد المجلد الخامس.

(٢) الكافي: ١/١٦٠ ح١٣، الاحتجاج: ٢/٤٩٠، التوحيد: ٣٦٢، الاعتقادات للشيخ

=

٤٣

ما أجلَّ هذا المغزى، وما أدقّ معناه، وخلاصته: إنّ أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ونحن اسبابها الطبيعية، وهي تحت قدرتنا واختيارنا، ومن جهة أخرى هي مقدورة لله تعالى، وداخلة في سلطانه؛ لاَنّه هو مفيض الوجود ومعطيه، فلم يجبرنا على افعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي؛ لاَنّ لنا القدرة والاختيار فيما نفعل، ولم يفوِّض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد أخرجها عن سلطانه، بل له الخلق والحكم والأمر، وهو قادر على كل شيء ومحيط بالعباد(١) .

وعلى كل حال، فعقيدتنا : أنّ القضاء والقدر سر من أسرار الله تعالى، فمن استطاع أن يفهمه على الوجه اللائق بلا إفراط ولا تفريط فذاك، وإلاّ فلا يجب عليه أن يتكلّف فهمه والتدقيق فيه؛ لئلاّ يضل وتفسد عليه عقيدته؛ لاَنّه من دقائق الأمور، بل من أدق مباحث الفلسفة التي لا يدركها إلاّ الأوحدي من الناس، ولذا زلّت به أقدام كثير من المتكلّمين(٢) .

____________________

=

الصدوق: ١٠، تصحيح الاعتقاد من مصنفات الشيخ المفيد: ٥/٤٦.

(١) سأل أبو حنيفة الامام أبا الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام عن أفعال العباد، ممن هي؟ فقال لهعليه‌السلام : «إنّ أفعال العباد لا تخلو من ثلاثة منازل؛ إمّا أن تكون من الله تعالى خاصّة، أو من الله ومن العبد على وجه الاشتراك فيها، أو من العبد خاصّة. فلو كانت من الله تعالى خاصة لكان أولى بالحمد على حسنها والذم على قبحها ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم فيها. ولو كانت من الله ومن العبد لكان الحمد لهما معاً فيها والذم عليهما جميعاً فيها، وإذا بطل هذان الوجهان ثبت انها من الخلق، فان عاقبهم الله تعالى على جنايتهم بها فله ذلك، وإن عفا عنهم فهو أهل التقوى وأهل المغفرة».

تصحيح الاعتقاد من مصنفات الشيخ المفيد: ٥/٤٤.

(٢) لخّص الشيخ المظفر في محاضراته الفلسفية هذه الفكرة الدقيقة بقوله: (كلّ من المجبّرة والمفوّضة نظروا إلى جهة وغفلوا عن الجهة الاخرى، ولكن الانسان يجب أن يكون ذا عينين

=

٤٤

فالتكليف به تكليف بما هو فوق مستوى مقدور الرجل العادي، ويكفي أن يعتقد به الانسان على الاجمال اتّباعاً لقول الأئمة الأطهارعليهم‌السلام من أنّه أمر بين الأمرين؛ ليس فيه جبر ولا تفويض.

وليس هو من الاصول الاعتقادية حتى يجب تحصيل الاعتقاد به على كل حال على نحو التفصيل والتدقيق.

____________________

=

لا ذا عين واحدة، فمن نظر بعين واحدة كان أعور، ينظر إلى إفاضة الوجود من جهة واحده فيتصور أنّ الناس مجبورون، وينظر من الجهة الاخرى وهو أنّ الناس يعملون اعمالهم باختيارهم فيتخيل أنّهم مفوضون، ولكن لو انقطع فيض الله تعالى عني لحظة واحدة لانعدمت وانعدمت أفعالي وأنا أسبح في سلطانه وعظمته.

معنى الجبر: أنّ فاعل ما منه الوجود هو فاعل ما به الوجود، وهو الله تعالى، ومعنى التفويض: أنّ العبد هو فاعل ما به الوجود وما منه الوجود، ولكن القوم لم يلتفتوا إلى هذه النكتة، وهي أنّ العبد فاعل ما به الوجود، والله تعالى فاعل ما منه الوجود، فمن ناحية فاعل ما به الوجود لا جبر، ومن ناحية فاعل ما منه الوجود لا تفويض، فيصحّ في العقل ما جاء في الاثر عن أهل البيتعليهم‌السلام : «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين»).

الفلسفة الاسلامية: ٨٤.

٤٥

١١ - عقيدتنا في البداء

البداء في الانسان: أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقاً، بأن يتبدَّل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه؛ إذ يحدث عنده ما يغيِّر رأيه وعلمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله، وذلك عن جهل بالمصالح، وندامة على ما سبق منه.

والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى. لاَنّه من الجهل والنقص، وذلك محال عليه تعالى، ولا تقول به الامامية.

قال الصادقعليه‌السلام : «مَن زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم»(١) .

وقال أيضاً: «من زعم أن الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه»(٢) .

غير أنّه وردت عن أئمتنا الأطهارعليهم‌السلام روايات توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدِّم، كما ورد عن الصادقعليه‌السلام : «ما بدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل ابني»(٣) ولذلك نَسبَ بعض المؤلّفين

____________________

(١) إكمال الدين: ٦٩.

(٢) المصدر السابق: ٧٠.

(٣) التوحيد: ٣٣٦ ح١٠، إكمال الدين: ٦٩، تصحيح الاعتقاد من مصنّفات الشيخ المفيد: ٥/٦٦. وقد أوضح الشيخ المفيد معنى الحديث بقوله: (أراد بهعليه‌السلام ما ظهر من الله تعالى فيه من دفاع القتل عنه، وقد كان مخوفاً عليه من ذلك مظنوناً به، فلطف له في دفعه عنه.

وقد جاء الخبر بذلك عن الصادقعليه‌السلام ، فروي عنه أنّه قال: «كان القتل قد كتب على اسماعيل مرّتين فسألت الله في دفعه عنه فدفعه»، وقد يكون الشيء مكتوباً بشرط فيتغيّر

=

٤٦

في الفرق الاسلامية إلى الطائفة الامامية القول بالبداء طعناً في المذهب وطريق آل البيت، وجعلوا ذلك من جملة التشنيعات على الشيعة.

والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد:( يَمْحوُا اللهُ ما يَشَآءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ ) (١) .

ومعنى ذلك: أنّه تعالى قد يُظهر شيئاً على لسان نبيِّه أو وليِّه، أو في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الاِظهار، ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر أولاً، مع سبق علمه تعالى بذلك، كما في قصة اسماعيل لما رأى ابوه إبراهيم أنّه يذبحه(٢) .

فيكون معنى قول الامامعليه‌السلام : أنّه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في اسماعيل ولده؛ إذ اخترمه قبله ليعلم الناس أنّه ليس بإمام، وقد كان ظاهر الحال أنّه الاِمام بعده؛ لاَنّه أكبر ولده(٣) .

____________________

الحال فيه).

(١) الرعد ١٣: ٣٩.

(٢) قال تعالى:( فَلمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قالَ يبنَيَّ إنّي أرَى في المَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرُ مَاذا تَرىَ قال يا أَبَتِ افْعَل مَا تُؤمَرُ سَتَجدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرينَ * فَلَمّا أَسْلَما وَتَلّهُ لِلجبيِن* وَنادَيْناهُ أَنْ يا إبراهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤيا إِنّا كذلِكَ نَجْزِي المُحسِنينَ * إنّ هَذا لَهُوَ البل-وءُ المُبيِنُ * وَفَدَيْنهُ بِذِبْحٍ عَظيمٍ ) الصافات ٣٧: ١٠٢ - ١٠٧.

(٣) ونجد أنّ مجموعة من الشيعة - وعلى الرغم ممّا فعله الامام الصادقعليه‌السلام ، وما قاله في وفاة وتجهيز وتكفين ولده اسماعيل - قالوا بإمامة اسماعيل بعد أبيه الامام الصادقعليه‌السلام ، وهؤلاء هم الذين يدعون ب- «الاسماعيلية»، وهم يفترقون عن الشيعة الامامية بقولهم: إنّ الامامة بعد الامام الصادقعليه‌السلام انتقلت الى ولده الاكبر اسماععيل ويزعمون ان الامام الصادقعليه‌السلام نص عليه في حياته. وقد اختلفوا في اسماعيل، فمنهم من قال بموته في حياة أبيه - وهو الثابت والمتواتر تأريخياً كما يشير إليه المصنّف هنا - وهؤلاء قالوا بأنّ الامامة تبقى في ذريته، وأولهم محمد بن اسماعيل وقسم منهم يقول بأنّه

=

٤٧

وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبيِّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

____________________

=

- أي اسماعيل - لم يمت وإنّما أظهر أبوهعليه‌السلام موته تقيّةً من العباسيين، وأشهد على موته وتجهيزه عامل المنصور بالمدينة محمد بن سليمان، وهؤلاء بين من وقف على محمد بن إسماعيل ولم يتجاوزه إلى غيره - وهم المسمّون بالواقفة - ، وبين من تعدّى عن محمد بن إسماعيل وجعل الامامة في سبعة سبعة؛ بين ظاهر ومستور كأيّام الاسبوع وعدد السموات والاَرضين والاَفلاك، وانّ أول سبعة ظاهرين يبدأون من الامام عليعليه‌السلام وينتهون باسماعيل، وأوّل سبعة مستورين يبدأون بمحمد بن اسماعيل، ثمّ ولده جعفر المصدّق، ثمّ ولده محمد الحبيب، ثم عبدالله المهدي الذي ظهر في شمال افريقيه ومن ولده تكونت الدولة الفاطمية.

راجع، فرق الشيعة: ٦٧، الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ٣٠٨، الشيعة بين الاَشاعرة والمعتزلة: ٧٨، تاريخ المذاهب الاسلامية: ٥٤، الملل والنحل للشهرستاني: ١/١٤٩، الفرق بين الفرق: ٦٢.

(١) يذكر الامام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء في هذا الصدد قوله: (البداء في عالم التكوين كالنسخ في عالم التشريع، فكما أنّ لنسخ الحكم وتبديله بحكم آخر مصالح وأسراراً بعضها غامض وبعضها ظاهر فكذلك في الاخفاء والابداء في عالم التكوين، على أنّ قسماً من البداء يكون من اطّلاع النفوس المتّصلة بالملأ الأعلى على الشيء وعدم اطّلاعها على شرطه أو مانعه. مثلاً اطّلع عيسىعليه‌السلام أنّ العروس يموت ليلة زفافه، ولكن لم يطّلع على أنّ ذلك مشروط بعدم صدقة أهله، فاتفق أنّ أمه تصدّقت عنه، وكان عيسىعليه‌السلام أخبر بموته ليلة عرسه فلم يمت وسئل عن ذلك فقال: «لعلّكم تصدّقتم عنه والصدقة قد تدفع البلاء المبرم» وهكذا نظائرها... ولولا البداء لم يكن وجه للصدقة، ولا للدعاء، ولا للشفاعة، ولا لبكاء الأنبياء والأولياء وشدّة خوفهم وحذرهم من الله مع أنّهم لم يخالفوه طرفة عين، إنّما خوفهم من ذلك العلم المصون المخزون الذي لم يطّلع عليه أحد).

أصل الشيعة وأصولها: ٣١٤.

٤٨

١٢ - عقيدتنا في أحكام الدين

نعتقد: أنّه تعالى جعل أحكامه - من الواجبات والمحرَّمات وغيرهما - طبقاً لمصالح العباد في نفس أفعالهم، فما فيه المصلحة الملزمة جعله واجباً، وما فيه المفسدة البالغة نهى عنه، وما فيه مصلحة راجحة ندبنا إليه...

وهكذا في باقي الأحكام، وهذا من عدله ولطفه بعباده.

ولا بدّ أن يكون له في كل واقعة حكم(١) ، ولا يخلو شيء من الأشياء من حكم واقعي لله فيه، وإن انسدَّ علينا طريق علمه.

ونقول أيضاً: إنّه من القبيح أن يأمر بما فيه المفسدة، أو ينهى عمّا فيه المصلحة.

غير أنّ بعض الفِرق من المسلمين يقولون: إنّ القبيح ما نهى الله تعالى عنه، والحسن ما أمر به، فليس في نفس الاَفعال مصالح أو مفاسد ذاتية، ولا حسن أو قبح ذاتيان(٢) ، وهذا قول مخالف للضرورة العقلية.

كما أنّهم جوَّزوا أن يفعل الله تعالى القبيح فيأمر بما فيه المفسدة، وينهى عما فيه المصلحة. وقد تقدَّم أنّ هذا القول فيه مجازفة عظيمة ، وذلك

____________________

(١) قال تعالى:( مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ ) الانعام ٦: ٣٨. وورد في الحديث: «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب الله» الكافي: ١/٧٨ ح٦. وورد أيضاً. «ما من حادثة إلاّ ولله فيها حكم» البحار: ٩٣/٩١.

(٢) قالت الاَشاعرة: إنّ الحسن والقبح شرعيان، ولا يقضي العقل بحسن شيء منها ولا بقبحه، بل القاضي بذلك هو الشرع، فما حسّنه فهو حسن وما قبّحه فهو قبيح.

لاحظ: نهج الحق: ٨٣، الملل والنحل: ١/٨٩، شرح التجريد للقوشجي: ٣٧٥.

٤٩

لاستلزامه نسبة الجهل أو العجز إليه سبحانه، تعالى علواً كبيراً.

والخلاصة: أنّ الصحيح في الاعتقاد أن نقول: إنّه تعالى لا مصلحة له ولا منفعة في تكليفنا بالواجبات ونهينا عن فعل ما حرَّمه، بل المصلحة والمنفعة ترجع لنا في جميع التكاليف، ولا معنى لنفي المصالح والمفاسد في الأفعال المأمور بها والمنهي عنها؛ فإنّه تعالى لا يأمر عبثاً ولا ينهى جزافاً، وهو الغني عن عباده.

٥٠

الفصل الثاني

النبوّة

عقيدتنا في النبوّة

النبوّة لطف

عقيدتنا في معجزة الأنبياء

عقيدتنا في عصمة الأنبياء

عقيدتنا في صفات النبي

عقيدتنا في الأنبياء وكتبهم

عقيدتنا في الاِسلام

عقيدتنا في مشرّع الاِسلام

عقيدتنا في القرآن الكريم

طريقة إثبات الاِسلام والشرائع السابقة

٥١

١٣ - عقيدتنا في النبوّة

نعتقد: أنّ النبوّة وظيفة إلهية، وسفارة ربّانية، يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في إنسانيّتهم، فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية إرشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الأخلاق ومفاسد العادات، وتعليمهم الحكمة والمعرفة، وبيان طرق السعادة والخير؛ لتبلغ الانسانية كمالها اللائق بها، فترتفع إلى درجاتها الرفيعة في الدارين دار الدنيا ودار الآخرة.

ونعتقد: أنّ قاعدة اللطف - على ما سيأتي معناها - توجب أن يبعث الخالق - اللطيف بعباده - رسله لهداية البشر، وأداء الرسالة الاصلاحية، وليكونوا سفراء الله وخلفاءه.

كما نعتقد: أنّه تعالى لم يجعل للناس حق تعيين النبي أو ترشيحه أو انتخابه، وليس لهم الخيرة في ذلك، بل أمر كلّ ذلك بيده تعالى؛ لاَنّه( أَعلمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتهُ ) (١) .

وليس لهم أن يتحكَّموا فيمن يرسله هادياً ومبشِّراً ونذيراً، ولا أن يتحكَّموا فيما جاء به من أحكام وسنن وشريعة(٢) .

____________________

(١) الاَنعام ٦: ١٢٤.

(٢) وقد قال الامام عليعليه‌السلام في خطبة له يصف فيها ابتداء خلق السماء والارض وخلق آدمعليه‌السلام ، ويذكر الانبياء وبعثتهم فيقول:

«واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لمّا بدّل أكثرُخلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقّه، واتخذوا الانداد معه، واجتالتهم الشياطين

٥٢

____________________

=

عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث إليهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيّ نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة؛ من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصاب تهرمهم، وأحداث تتابع عليهم، ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجّة لازمة أو محجّة قائمة، رسل لا تقصر بهم قلّة عددهم ولا كثرة المكذبين لهم، من سابق سُمّي له مَن بعده، أو غابر عرّفه من قبله. على ذلك نسلت القرون، ومضت الدهور، وسلفت الآباء، وخلفت الأبناء، إلى أن بعث الله سبحانه محمّداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لاِنجاز عدتِه، وإتمام نبوّته، مأخوذاً على النبيين ميثاقه، مشهورة سماته، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذٍ مللّ متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطرائق متشتتة؛ بين مشبّه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكان من الجهالة...». راجع: نهج البلاغة: الخطبة: ١، وغيرها من الخطب أيضاً ففيها إشارات وذكر حول بعثة الأنبياءعليهم‌السلام .

٥٣

١٤ - النبوّة لطف

إنّ الانسان مخلوق غريب الأطوار، معقَّد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيّته وفي عقله، بل في شخصية كلّ فرد من أفراده، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة، وبواعث الخير والصلاح من جهة أخرى(١) .

فمن جهة قد جُبل على العواطف والغرائز من حب النفس، والهوى، والاثرة، وإطاعة الشهوات، وفطر على حب التغلُّب، والاستطالة، والاستيلاء على ما سواه، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها كما قال تعالى:( إنَّ الاِنسنَ لَفِي خُسْرٍ ) (٢) و( إنَّ الاِنسنَ لَيَطْغَى * أَنْ رآهُ استَغنَى ) (٣) و( إنَّ النَّفْس لاَمَّارَةٌ بالسُّوءِ ) (٤) إلى غير ذلك من الآيات المصرِّحة والمشيرة إلى ما جُبلت عليه النفس الاِنسانية من العواطف والشهوات.

ومن الجهة الثانية، خلق الله تعالى فيه عقلاً هادياً يرشده إلى الصلاح ومواطن الخير، وضميراً وازعاً يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعل ما هو قبيح ومذموم.

ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الانسانية مستعراً بين العاطفة والعقل، فمن يتغلَّب عقله على عاطفته كان من الأعلين مقاماً، والراشدين

____________________

(١) فقد قال تعالى:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّيها* فَألْهَمهَا فُجُورَهَا وتَقْوَيها ) الشمس ٩١: ٧ - ٨.

(٢) العصر ١٠٣: ٢.

(٣) العلق ٩٦: ٦، ٧.

(٤) يوسف ١٢: ٥٣.

٥٤

في انسانيتهم، والكاملين في روحانيتهم، ومن تقهره عاطفته كان من الأخسرين منزلة، والمتردّين إنسانية، والمنحدرين إلى رتبة البهائم.

واشد هذين المتخاصمين مراساً على النفس هي العاطفة وجنودها، فلذلك تجد أكثر الناس منغمسين في الضلالة، ومبتعدين عن الهداية، بإطاعة الشهوات، وتلبية نداء العواطف( وَمَا أَكثَرُ النَّاسِ ولو حَرَصتَ بِمُؤمِنيِنَ ) (١) .

على أنّ الانسان لقصوره، وعدم اطّلاعه على جميع الحقائق، وأسرار الأشياء المحيطة به، والمنبثقة من نفسه، لا يستطيع أن يعرف بنفسه كل ما يضرّه وينفعه، ولا كل ما يسعده ويشقيه؛ لا فيما يتعلَّق بخاصّة نفسه، ولا فيما يتعلّق بالنوع الانساني ومجتمعه ومحيطه، بل لا يزال جاهلاً بنفسه، ويزيد جهلاً، أو ادراكاً لجهله بنفسه، كلّما تقدّم العلم عنده بالأشياء الطبيعية، والكائنات المادية.

وعلى هذا، فالانسان في أشدّ الحاجة ليبلغ درجات السعادة إلى من ينصب له الطريق اللاحب، والنهج الواضح إلى الرشاد واتّباع الهدى؛ لتقوى بذلك جنود العقل، حتى يتمكن من التغلب على خصمه اللَّدود اللجوج عندما يهيىء الانسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة.

وأكثر ما تشتد حاجته إلى من يأخذ بيده إلى الخير والصلاح عندما تخادعه العاطفة وتراوغه - وكثيراً ما تفعل - فتزيِّن له أعماله، وتحسّن لنفسه انحرافاتها؛ إذ تريه ما هو حسن قبيحاً، أو ما هو قبيح حسناً، وتلبس على العقل طريقه إلى الصلاح والسعادة والنعيم، في وقت ليس له تلك المعرفة التي تميّز له كلّ ما هو حسن ونافع، وكل ما هو قبيح وضار. وكل واحد منّا

____________________

(١) يوسف ١٢: ١٠٣.

٥٥

صريع لهذه المعركة من حيث يدري ولا يدري، إلاّ من عصمه الله.

ولأجل هذا يعسر على الانسان المتمدِّن المثقَّف - فضلاً عن الوحشي الجاهل - أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح، ومعرفة جميع ما ينفعه ويضرّه في دنياه وآخرته، فيما يتعلَّق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ممّن هو على شاكلته وتكاشف معهم، ومهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات والمجالس والاستشارات.

فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفاً بهم( رَسُولاً مِنهُم يَتلوُا عَلَيهِم ءايتِه وَيُزكِّيهِم ويُعلّمُهُمُ الكِتبَ والحكمَةَ ) (١) وينذرهم عمّا فيه فسادهم، ويبشّرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم.

وإنّما كان اللطف من الله تعالى واجباً، فلأنّ اللطف بالعباد من كماله المطلق، وهو اللطيف بعباده الجواد الكريم، فإذا كان المحل قابلاً ومستعدّاً لفيض الجود واللطف، فإنّه تعالى لا بد أن يفيض لطفه؛ إذ لا بخل في ساحة رحمته، ولا نقص في جوده وكرمه.

وليس معنى الوجوب هنا أنّ أحداً يأمره بذلك فيجب عليه أن يطيع تعالى عن ذلك، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك: إنّه واجب الوجود (أي اللزوم واستحالة الانفكاك).

____________________

(١) الجمعة ٦٢: ٢.

٥٦

١٥ - عقيدتنا في معجزة الأنبياء

نعتقد: أنّه تعالى إذ ينصّب لخلقه هادياً ورسولاً لا بدّ أن يعرِّفهم بشخصه، ويرشدهم إليه بالخصوص على وجه التعيين، وذلك منحصر بأن ينصب على رسالته دليلاً وحجّة يقيمها لهم(١) ؛ إتماماً للطف، واستكمالاً للرحمة.

وذلك الدليل لا بدّ أن يكون من نوع لا يصدر إلا من خالق الكائنات، ومدبر الموجودات - أي فوق مستوى مقدور البشر - فيجريه على يدي ذلك الرسول الهادي؛ ليكون معرِّفاً به، ومرشداً إليه، وذلك الدليل هو المسمى بالمعجز أو المعجزة؛ لاَنّه يكون على وجه يعجز البشر عن مجاراته والاِتيان بمثله.

وكما أنّه لا بد للنبي من معجزة يظهر بها للناس لاِقامة الحجة عليهم، فلا بد أن تكون تلك المعجزة ظاهرة الاِعجاز بين الناس على وجه يعجز عنها العلماء وأهل الفن في وقته، فضلاً عن غيرهم من سائر الناس، مع اقتران تلك المعجزة بدعوى النبوّة منه؛ لتكون دليلاً على مدَّعاه، وحجة بين يديه، فإذا عجز عنها أمثال أولئك عُلم أنّها فوق مقدور البشر، وخارقة للعادة، فيُعلم أنّ صاحبها فوق مستوى البشر، بما له من ذلك الاتصال الروحي بمدبِّر الكائنات.

وإذا تمَّ ذلك لشخص، من ظهورالمعجز الخارق للعادة، وادّعى - مع

____________________

(١) قال تعالى:( رُسلاً مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرِينَ لِئلا يَكُونَ للِنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةً بَعْدَ الرُّسُلِ وكَانَ اللهُ عَزِيزَاً حَكِيماً ) النساء ٤: ١٦٥.

٥٧

ذلك - النبوة والرسالة، يكون حينئذٍ موضعاً لتصديق الناس بدعواه، والايمان برسالته، والخضوع لقوله وأمره، فيؤمن به من يؤمن، ويكفر به من يكفر.

ولأجل هذا وجدنا أنّ معجزة كل نبي تناسب ما يشتهر في عصره من العلوم والفنون، فكانت معجزة موسىعليه‌السلام هي العصا التي تلقف السحر وما يأفكون؛ إذ كان السحر في عصره فنّاً شائعاً، فلما جاءَت العصا بطل ما كانوا يعملون، وعلموا أنّها فوق مقدروهم، وأعلى من فنّهم، وأنّها ممّا يعجز عن مثله البشر، ويتضاءل عندها الفن والعلم(١) .

وكذلك كانت معجزة عيسىعليه‌السلام ، وهي إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى؛ إذ جاءَت في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس، وفيه علماء وأطباء لهم المكانة العليا، فعجز علمهم عن مجاراة ما جاء به عيسىعليه‌السلام (٢) .

ومعجزة نبينا الخالدة هي القرآن الكريم، المعجز ببلاغته وفصاحته، في وقت كان فن البلاغة معروفاً. وكان البلغاء هم المقدَّمين عند الناس بحسن بيانهم وسموِّ فصاحتهم، فجاء القرآن كالصاعقة؛ أذلّهم وأدهشهم، وأفهمهم أنّهم لا قِبَل لهم به، فخنعوا له مهطعين عندما عجزوا عن مجاراته،

____________________

(١) قال تعالى:( وَأَوحَيْنا إلى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأفِكُونَ * فَوقَعَ الحَقُّ وبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلوُنَ * فَغُلِبوُا هُنَالِكَ وانْقَلَبوُا صَاغِريِنَ * وأُلقِيَ السَحَرَةُ سجدين ) الاعراف ٧: ١١٧ - ١٢٠.

(٢) قال تعالى:( وَرَسُولاً إلى بَنيِ إِسرءِيلَ أَنِّي قد جئتُكُم بِآيةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أنِّي أخَلُقُ لَكُمْ مِنَ الْطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَيْرِ فَأنفخُ فِيهِ فَيَكُونُ طيراً بإذنِ الله وأُبْريءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ وأُحْيي الموتَى بإذْن الله وأُنَبِّئُكُمْ بما تأكلُونَ وما تَدَّخِرون في بيوتِكُمْ إنّ في ذلِكَ لآيةً لَكُمْ إنّ كُنتُمْ مُؤمِنينَ ) آل عمران ٣: ٤٩.

٥٨

وقصروا عن اللحاق بغبارة»(١) .

ويدلّ على عجزهم أنّه تحدّاهم بإتيان عشر سور مثله فلم يقدروا(٢) ، ثمّ تحدّاهم أن يأتوا بسورة من مثله(٣) فنكصوا، ولمّا علمنا عجزهم عن مجاراته - مع تحدّيه لهم، وعلمنا لجوءهم إلى المقاومة بالسنان دون اللسان - علمنا أنّ القرآن من نوع المعجز، وقد جاء به محمد بن عبدالله مقروناً بدعوى الرسالة. فعلمنا أنّه رسول الله، جاء بالحق وصدق به،صلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) قال تعالى:( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الاِنْسُ والجِنُّ عَلَى أَنْ يَأتُوا بِمِثْلِ هذا القُرءانَ لاَ يَأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) الاسراء ١٧: ٨٨.

(٢)( أَمْ يَقُولُونَ افتريهُ قُلْ فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صدِقِيْنَ ) هود ١١: ١٣.

(٣) قال تعالى أيضاً:( وَإنْ كُنْتُم في رَيْبٍ مِمَّا نزَّلْنَا على عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وادعوا شهُدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُم صَدِقِينَ ) البقرة ٢: ٢٣.

وقال تعالى أيضاً :( أَمْ يَقُولُونَ افْتريهُ قُلْ فَأتُوا بِسُوَرَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ استَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَدقِينَ ) يونس ١٠: ٣٨.

٥٩

١٦ - عقيدتنا في عصمة الأنبياء

ونعتقد: أنّ الأنبياء معصومون قاطبة، وكذلك الأئمة عليهم جميعاً التحيات الزاكيات، وخالَفَنا في ذلك بعض المسلمين، فلم يوجبوا العصمة في الأنبياء ، فضلاً عن الأئمة.

والعصمة: هي التنزُّه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان(٢) ، وإن لم يمتنع عقلاً على النبي أن يصدر منه ذلك، بل

____________________

(١) انظر: شرح المقاصد: ٥/٥٠، الغنية في اصول الدين: ١٦١.

وذكر السيد المرتضى في تنزيه الانبياء ما نصه: (وجوّز أصحاب الحديث والحشوية على الأنبياء الكبائر قبل النبوّة، ومنهم من جوّزها في حال النبوّة سوى الكذب فيما يتعلّق بأداء الشريعة، ومنهم من جوّزها كذلك - في حال النبوّة - بشرط الاستسرار دون الاِعلان، ومنهم من جوّزها على الأحوال كلها. ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الانبياءعليهم‌السلام قبل النبوّة وفي حالها، وجوّزت في الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغائر، ثم اختلفوا؛ فمنهم من جوّز على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الاِقدام على المعصية الصغيرة على سبيل العمد، ومنهم من منع ذلك وقال إنّهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوباً بل على سبيل التأويل، وحكي عن النظام وجعفر بن مبشر وجماعة ممّن تبعهما أنّ ذنوبهم لا تكون إلاّ على سبيل السهو والغفلة، وأنّهم مؤاخذون بذلك وإن كان موضوعاً عن أممهم بقوّة معرفتهم وعلوّ مرتبتهم). تنزيه الأنبياء: المقدمة.

(٢) معنى العصمة في أصل اللغة هي: ما اعتصم به الانسان من الشيء؛ كأنّه امتنع به عن الوقوع فيما يكره، وليس هو جنساً من أجناس الفعل، ومنه قولهم: إعتصم فلان بالجبل، إذا امتنع به، ومنه سميت العصم، وهي وعول الجبال؛ لامتناعها بها.

وقال في لسان العرب: (إنّ العصمة هي الحفظ، يقال: عصمته فانعصم،، واعتصمت بالله، إذا امتنعت بلطفه من المعصية).

والعصمة من الله تعالى هي: التوفيق الذي يسلم به الانسان ممّا يكره إذا أتى بالطاعة، وذلك مثل إعطائنا رجلاً غريقاً حبلاً ليتشبّث به فيسلم، وقد بيّن الله تعالى هذا المعنى في

=

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسينعليه‌السلام في الذبّ عنه والدفع عن حرمه ، وكل واحد يحمي الآخر من كيد عدوه.

مصرع الشهيدين الأخوين الغفاريّينرحمهما‌الله

٨٧ ـ مصرع الأخوين الغفاريين :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٦ ط نجف)

فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة [أو عزرة] الغفاريان ، فقالا :

يا أبا عبد الله عليك السلام ، قد حازنا الناس إليك ، فأحببنا أن نقتل بين يديك (وندفع عنك). قال : مرحبا بكما ، ادنوا مني ، فدنوا منه ، وجعلا يقاتلان. وجعل عبد الرحمن يرتجز ويقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضربنّ معشر الفجّار

بكل عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأخيار

فقاتل حتى قتل.

وقد مرّ شبيه هذا الشعر لقرة بن أبي قرة ، في الفقرة ٨٠.

(وفي رواية مقتل الخوارزمي) أن هناك شخصا آخر اسمه (عبد الرحمن بن عروة) غير الأخوين الغفاريين ، وهو الّذي خرج وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لأضربن معشر الأشرار

بالمشرفيّ الصارم البتّار

مصرع الشهيدين الأخوين الجابريّينرحمهما‌الله

١٠١

٨٨ ـ مصرع الأخوين الجابريّين :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٧)

وأتاه فتيان ، وهما سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبد الله بن سريع الجابريان [في مقتل الخوارزمي : بطن من همدان يقال لهم بنو جابر] ، وهما ابنا عم وأخوان لأم ، وهما يبكيان. فقال لهما الحسينعليه‌السلام : يا ابني أخي ، ما يبكيكما؟.فو الله إني لأرجو أن تكونا بعد (عن) ساعة قريري العين. فقالا : جعلنا الله فداك ، والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك ، نراك وقد أحيط بك ، ولا نقدر على أن ننفعك (وفي رواية : نمنعك). فقالعليه‌السلام : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما [أي حزنكما] من ذلك ، ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.

ثم استقدما وقالا : السلام عليك يابن رسول الله. فقال : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته. فقاتلا حتى قتلا.

وقد أورد الخوارزمي في مقتله ج ٢ ص ٢٣ هذا الكلام منسوبا للأخوين الغفاريين.

مصرع جنادة ابن الحارث الأنصاري رحمه‌الله

٨٩ ـ شهادة جنادة بن الحرث الأنصاري : (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١)

ثم خرج من بعده جنادة بن الحرث الأنصاري ، وهو يقول :

أنا جنادة وأنا ابن الحارث

لست بخوّار ولا بناكث

عن بيعتي حتى يقوم وارث

من فوق شلو في الصعيد ماكث

فحمل ولم يزل يقاتل حتى قتل [على رواية ابن شهر اشوب] ستة عشر رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

مصرع الغلام عمرو بن جنادة الأنصاريرحمه‌الله

١٠٢

٩٠ ـ مصرع الغلام عمرو بن جنادة الأنصاري :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١)

ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو ينشد ويقول :

أضق الخناق من ابن سعد وارمه

من هامه بفوارس الأنصار

ومهاجرين مخضّبين رماحهم

تحت العجاجة من دم الكفار

خضبت على عهد النبي محمّد

فاليوم تخضب من دم الفجّار

واليوم تخضب من دماء معاشر

رفضوا القران لنصرة الأشرار

ثم حمل فقاتل حتى قتل.

مصرع شاب قتل أبوه في المعركةرحمه‌الله

٩١ ـ مصرع شاب قتل أبوه في المعركة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ١٤٥)

لعل السيد عبد الرزاق المقرّمرحمه‌الله في مقتله اشتبه بأن هذا الشاب هو عمرو بن جنادة الأنصاري ، مع أن أغلب المصادر تورده منفصلا عن عمرو بن جنادة ، مما يدل على أنه شخص آخر.

وقد ذكر السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في كتابه (الوثائق الرسمية) ص ١٨٢ : أن أباه الّذي قتل في أول المعركة هو جنادة بن كعب الخزرجي.

يقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٣١٤ :

وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أن قتل أبوه ، وهو ابن إحدى عشرة سنة ، يستأذن الحسينعليه‌السلام فأبى ، وقال : هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ، ولعل أمه تكره ذلك

أما الخوارزمي فيقول في مقتله : ثم خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمه معه. فقالت : يا بني اخرج فقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تقتل.فقال : أفعل. فخرج يستأذن الحسينعليه‌السلام فأبى ، وقال : هذا شاب قتل أبوه في

١٠٣

(الحملة الأولى) ولعل أمه تكره خروجه. فقال الشاب : أمي أمرتني يابن رسول الله.

وفي (الناسخ) قال الحسينعليه‌السلام : يا فتى قتل أبوك ، وإذا قتلت فإلى من تلتجئ أمك في هذا القفر؟. فأراد أن يرجع ، فجاءته أمه وقالت : يا بني تختار سلامة نفسك على نصرة ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا أرضى عنك أبدا!.

فبرز الشاب وقاتل قتال الأبطال ، وأمه تنادي خلفه : أبشر يا بني ، ستسقى من يد ساقي حوض الكوثر. فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

عليّ وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

فما أسرع أن قتل ورمي برأسه إلى جهة الحسينعليه‌السلام ، فأخذت أمه رأسه ومسحت الدم عنه ، وقالت له : أحسنت يا بني ، يا قرة عيني وسرور قلبي. ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته(١) ، وعادت إلى المخيم فأخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول :

أنا عجوز في النساء ضعيفه

خاوية بالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه

دون بني فاطمة الشريفه

فضربت رجلين فقتلتهما ، فردّها الحسينعليه‌السلام إلى الخيمة ودعا لها(٢) .

ـ تعليق السيد محسن الأمين على شهادة الغلام السابق :

(أعيان الشيعة ، ج ٤ ص ٢٣٤)

يقول السيد الأمينرحمه‌الله : وهذا منتهى علوّ النفس وصدق الولاء ، من هذه المرأة وابنها ، أن يكون زوجها قد قتل وهي تنظر إليه ، ثم تأمر ولدها الشاب بنصرة الحسينعليه‌السلام ، وهي تعلم أنه مقتول ، فتسوقه إلى القتل مختارة طائعة ، ويطيعها ابنها في ذلك ، فيقدم على القتل غير مبال ولا وجل. ثم يرخّص له الحسينعليه‌السلام في ترك القتال مخافة أن تكون أمه تكره قتاله ، بعدما قتل أبوه في المعركة ، فيأبى ويقول : أمي أمرتني بذلك.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٤ نقلا عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٣ ص ٢١٩.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٥ نقلا عن البحار للمجلسي ، ج ١٠ ص ١٩٨.

١٠٤

حقا إنه لمقام عظيم وموقف جليل ، تزلّ فيه الأقدام وتذهل فيه الألباب.

شهادة المولى واضح التركيرحمه‌الله

٩٢ ـ شهادة واضح التركي مولى الحرث المذحجي :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٨)

كان (واضح) غلاما تركيا شجاعا قارئا ، وهو مولى للحارث المذحجي السلماني. وقد أبلى في كربلاء بلاء حسنا.

ولما صرع واضح التركي [أي سقط وبه رمق] ، استغاث بالحسينعليه‌السلام ؛ فأتاه أبو عبد اللهعليه‌السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه ، فقال : من مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضع خدّه على خدي!. ثم فاضت نفسه الطاهرة(١) .

مصرع الشهيد أبي عمر النهشليرحمه‌الله

٩٣ ـ شهادة أبي عمر النهشلي :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٨ ط نجف)

وحدّث مهران مولى بني كاهل ، قال : شهدت كربلاء مع الحسينعليه‌السلام فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا ؛ لا يحمل على قوم إلا كشفهم ، ثم يرجع إلى الحسينعليه‌السلام وهو يرتجز ويقول :

أبشر هديت الرشد تلقى أحمدا

في جنة الفردوس تعلو صعدا

(وهذه الأبيات تنسب إلى غيره ؛ مثل سويد ، ومثل سعيد بن عبد الله الحنفي ، ومثل إبراهيم بن الحصين).

__________________

(١) مقتل العوالم ، ص ٩١ ؛ وإبصار العين للسماوي ، ص ٨٥.

١٠٥

فقلت : من هذا؟. فقالوا : أبو عمر النهشلي ، وقيل الخثعمي. فاعترضه عامر بن نهشل ، فقتله واحتزّ رأسه. وكان أبو عامر هذا متهجّدا كثير الصلاة.

مصرع أسلم التركي مولى الحسين (ع)

٩٤ ـ شهادة أسلم التركي غلام الحسينعليه‌السلام :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٧)

ذكر العلامة الأمين في (أعيان الشيعة ـ حرف الألف) أنه قرأ في أحد كتب الرجال لبعض المعاصرين : أنه كان للحسينعليه‌السلام مولى اسمه أسلم بن عمرو ، وكان اشتراه بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام ، ووهبه لابنه علي بن الحسينعليه‌السلام . وكان أبوه (عمرو) تركيا. وكان (أسلم) هذا كاتبا عند الحسينعليه‌السلام في بعض حوائجه.

فلما خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة كان أسلم ملازما له ، حتى أتى معه كربلاء. فلما كان اليوم العاشر وشبّ القتال ، استأذن في القتال.

وقال السيد الأمين في (لواعج الأشجان) : وخرج غلام تركي من موالي الحسينعليه‌السلام ، وكان قارئا للقرآن وعارفا بالعربية وكاتبا ، فجعل يقاتل ويرتجز ويقول :

البحر من طعني وضربي يصطلي

والجوّ من سهمي ونبلي بمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي

ينشقّ قلب الحاسد المبجّل

فقتل [في رواية ابن شهر اشوب] سبعين رجلا ، فتحاوشوه حتى سقط صريعا ، فجاء إليه الحسينعليه‌السلام فبكى ، ووضع خده على خده ، ففتح عينيه فرأى الحسينعليه‌السلام فتبسم ، ثم صار إلى ربه.

٩٥ ـ شهادة مالك بن ذودان :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٨)

ثم برز مالك بن ذودان ، وأنشأ يقول :

إليكم من مالك الضرغام

ضرب فتى يحمي عن الكرام

يرجو ثواب الله ذي الإنعام

فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

١٠٦

٩٦ ـ شهادة إبراهيم بن الحصين الأسدي :(المصدر السابق)

وبرز إبراهيم بن الحصين الأسدي وهو يرتجز ويقول :

أضرب منكم مفصلا وساقا

ليهرق اليوم دمي إهراقا

ويرزق الموت أبا إسحاقا

أعني بني الفاجرة الفسّاقا

فقتل [على رواية ابن شهر اشوب] أربعة وثمانين رجلا ، وأنشأ يقول :

اقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

ثم أباك الطاهر المؤيّدا

والحسن المسموم ذاك الأسعدا

وذا الجناحين حليف الشهدا

وحمزة الليث الكمي السيّدا

في جنة الفردوس فازوا سعدا

وقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٩٧ ـ شهادة سوّار بن منعم بن حابس بن أبي عمير الفهمي الهمداني :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٥)

وقاتل سوّار بن أبي عمير من ولد فهم بن جابر الهمداني ، قتالا شديدا حتى ارتثّ بالجراح وأخذ أسيرا ، فأراد ابن سعد قتله ، وتشفّع فيه قومه ، وبقي عندهم جريحا إلى أن توفي على رأس ستة أشهر ،رحمه‌الله .

٩٨ ـ شهادة سعد بن الحارث وأخيه أبي الحتوف الأنصاري :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين لإبراهيم الموسوي الزنجاني ، ص ١٤٩)

ولما سمع الأنصاريان : سعد بن الحارث وأخوه أبو الحتوف ، استنصار الحسينعليه‌السلام واستغاثته ، وكانا في جيش عمر بن سعد ، فمالا بسيفيهما على أعداء الحسين ، وقاتلا حتى قتلا.

قال حميد بن أحمد في كتابه (الحدائق الوردية) : ومن المقتولين يوم الطف مع الحسينعليه‌السلام : أبو الحتوف الأنصاري وأخوه سعد بن الحرث ، وكانا من الخوارج ، فخرجا مع عمر بن سعد إلى حرب الحسينعليه‌السلام . فلما كان يوم العاشر من المحرم وقتل أصحاب الحسينعليه‌السلام ولم يبق معه غير سويد بن عمرو ابن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، جعل الحسينعليه‌السلام ينادي : ألا من ناصر فينصرنا ، ألا من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فسمعن النساء والأطفال نداء الحسينعليه‌السلام فتصارخن بالعويل والبكاء.

١٠٧

فلما سمع سعد بن الحرث وأخوه أبو الحتوف أصوات النساء والأطفال من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان بعد صلاة الظهر ، وهما في حومة الحرب ، قالا : إنا لله ولا حكم إلا لله ، ولا طاعة لمن عصاه. وهذا الحسين ابن بنت نبينا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن نرجو شفاعة جده يوم القيامة ، فكيف نقاتله وهو بهذا الحال ، نراه لا ناصر له ولا معين؟!. فمالا بين يدي الحسينعليه‌السلام على أعداء الله وأعدائه ، فجعلا يقاتلان قريبا منه ، حتى قتلا من القوم جماعة كثيرة وجرحا آخرين ؛ ثم قتلا معا في مكان واحد ، رضوان الله عليهما.

مصرع سويد بن عمرو ابن أبي المطاع الخثعمي

٩٩ ـ مصرع سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي :

(كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٩٤)

وأما سويد بن أبي المطاع فكان قد صرع ، فوقع بين القتلى مثخنا بالجراحات (وظنّ أنه قتل). فلما قتل الحسينعليه‌السلام وسمعهم يقولون : قتل الحسينعليه‌السلام ، فوجد خفّة ، فتحامل وأخرج سكّينة من خفّه (وكان سيفه قد أخذ) ، فقاتلهم بسكينه ساعة. وكان يرتجز ويقول :

اقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

وشيخك الحبر عليا ذا الندى

وحسنا كالبدر وافى الأسعدا

وعمك القرم الهمام الأرشدا

حمزة ليث الله يدعى أسدا

وذا الجناحين تبوّا مقعدا

في جنة الفردوس يعلو صعدا

وتعطّفوا عليه فقتلوه. قتله عروة بن بطان الثعلبي وزيد بن رقّاد الجبني. وكان سويد آخر من قتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام .

وفي (تاريخ الطبري) ج ٦ ص ٢٥٥ : أنه آخر من بقي مع الحسينعليه‌السلام من أصحابه ، قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجبني.

١٠٠ ـ كل قتيل في جنب الله شهيد :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)

وكان يأتي الحسين الرجل بعد الرجل ، فيقول : السلام عليك يابن رسول الله ،

١٠٨

فيجيبه الحسينعليه‌السلام : وعليك السلام ، ونحن خلفك ، ويتلو :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) [الأحزاب : ٢٣] ، ثم يحمل فيقتل. حتى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم ، ولم يبق مع الحسينعليه‌السلام إلا أهل بيته.

(يقول الخوارزمي) : وهكذا يكون المؤمن ، يؤثر دينه على دنياه ، وموته على حياته ، في سبيل الله ، ينصر الحق وإن قتل. قال تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [آل عمران : ١٦٩].

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل قتيل في جنب الله شهيد».

ولما وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شهداء أحد وفيهم حمزة بن عبد المطلب ، قال : أنا شهيد هؤلاء القوم ، زمّلوهم بدمائهم ، فإنهم يحشرون يوم القيامة وكلومهم رواء ، وأوداجهم تشخب دما ؛ فاللون لون الدم ، والريح ريح المسك. فهم كما قيل :

كسته القنا حلّة من دم

فأضحت لرائيه من أرجوان

جزته معانقة الدارعين

معانقة القاصرات الحسان

* معنى (الشهيد) ومعنى ذكراه :

(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه ـ بعلبك ، السنة ١٠ نيسان ١٩٦١)

يقول الشيخ حبيب آل إبراهيمرحمه‌الله :

الشهيد بكل بساطة إنسان قتل ، مع شرط أساسي : في سبيل رسالة. وبدون هذا الشرط لن يكون (شهيدا) ، بل : إنسان مات.

من جسد الشهيد من ذكراه يرتفع رمز ، يحوّله من قتيل إلى ضمير ؛ ضمير أمة أو جماعة بأكملها ، تجد فيه تعبيرا عن آمالها ، فتكرم ذكراه ، لكي يبقى الشهيد حيا في النفوس يذكي الآمال.

ههنا الفرق : الشهيد حيّ بما يمثّل من آمال ، أما القتيل فميّت.

لقد كان الحسينعليه‌السلام ضمير الإسلام ، يحتجّ على كل انحراف عن النهج الّذي خطّه من قبل جده خاتم الرسل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٠٩

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١٦٩)

[آل عمران : ١٦٩].

أشهر المستشهدين من أصحاب الحسينعليه‌السلام

مع ذكر قاتليهم (مرتبين على الأحرف الهجائية)

(اسم الشهيد)

(اسم قاتله)

أبو ثمامة الصائدي

(ابن عمه) قيس بن عبد الله

أنس بن الحارث الكاهلي

(استشهد رميا بالنبل)

بربر بن خضير الهمداني

رضي بن منقذ العبدي وكعب بن جابر الأزدي

جون مولى أبي ذر الغفاري

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

حبيب بن مظاهر الأسدي

الحصين بن نمير (وقيل بديل بن صريم)

الحر بن يزيد الرياحي

(أستشهد رميا بالنبل)

حنظلة بن أسعد الشبامي

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

زهير بن القين البجلي

كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي

سعيد بن عبد الله الحنفي

(أستشهد رميا بالنبل)

سوار بن أبي عمير الفهمي

(أستشهد أسيرا)

سويد بن عمرو الخثعمي

عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجهني

شوذب مولى بني شاكر

(أستشهد بالمبارزة)

عابس بن شبيب الشاكري

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

عبد الله بن عمير الكلبي

(أستشهد أسيرا)

عمرو بن جنادة الأنصاري

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

عمرو بن قرظة الأنصاري

(أستشهد رميا بالنبل)

مسلم بن عوسجة الأسدي

مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة

نافع بن هلال الجملي

(أستشهد أسيرا) قتله الشمر

وهب بن حباب الكلبي

(أستشهد أسيرا)

١١٠

الفصل الثالث والعشرون

شهادة أهل البيتعليهم‌السلام

ويتضمن :

ـ مقدمة الفصل

١ ـ شهادة علي الأكبرعليه‌السلام

٢ ـ شهادة عبد الله بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام

٣ ـ حملة آل أبي طالبعليه‌السلام

٤ ـ شهادة الغلام القاسم بن الحسنعليه‌السلام

٥ ـ شهادة بعض إخوة الحسينعليه‌السلام

٦ ـ شهادة أبي الفضل العباس وإخوتهعليه‌السلام

٧ ـ الحسينعليه‌السلام يودّع عياله

٨ ـ شهادة علي الأصغر بن الحسينعليه‌السلام

٩ ـ شهادة عبد الله الرضيععليه‌السلام

١٠ ـ الضحاك بن عبد الله المشرقي يترك المعركة

١١ ـ جدول بأشهر المستشهدين من آل أبي طالبعليه‌السلام مع ذكر أمهاتهم ومن قتلهم.

١١١
١١٢

الفصل الثالث والعشرون

شهادة أهل البيتعليهم‌السلام

مقدمة الفصل :

بعد أن صرع جميع أصحاب الحسينعليهم‌السلام تقريبا ، خرج أهل البيتعليهم‌السلام من آل أبي طالبعليه‌السلام للمبارزة والقتال ، وكان عددهم ما بين ١٧ و ٢٧ شخصا.

ومن المسلم به أن أول من تقدّم من أهل البيتعليهم‌السلام إلى البراز الابن الأكبر للحسينعليه‌السلام وهو علي الأكبرعليه‌السلام رغم ما رواه ابن نما في (مثير الأحزان ، ص ٥١) من أن علي الأكبرعليه‌السلام برز إلى القتال حين لم يبق مع الحسينعليه‌السلام من أهل بيته إلا الأقل ، وأن ذلك كان بعد شهادة العباسعليه‌السلام . ووافقه على ذلك الخوارزمي في مقتله. أما في (مقتل الحسين المشتهر بمقتل أبي مخنف) فقد ذكر شهادة علي الأكبرعليه‌السلام بعد القاسمعليه‌السلام ، بينما ذكر شهادة العباسعليه‌السلام في أول المبارزات قبل الأصحاب ، وهذا مستبعد جدا.

ويمكن ترتيب شهادة أهل البيتعليهم‌السلام التي سبقت شهادة الحسينعليه‌السلام كما يلي :

ـ شهادة علي الأكبرعليه‌السلام .

ـ شهادة عبد الله بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام .

ـ شهادة محمّد بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام .

ـ حملة آل أبي طالبعليه‌السلام : شهادة جعفر بن عقيل ـ عبد الرحمن بن عقيل ـ عبد الله الأكبر بن عقيل ـ محمّد وعون الأكبر ولدي عبد الله بن جعفر.

ـ شهادة عبد الله الأكبر بن الحسنعليه‌السلام .

ـ شهادة الغلام القاسم بن الحسنعليه‌السلام .

١١٣

ـ شهادة بعض إخوة الحسينعليه‌السلام : أبو بكر بن عليعليه‌السلام ـ عمر بن عليعليه‌السلام ـ إخوة العباس لأمه وأبيه : عبد الله ـ جعفر ـ عثمان بن عليعليه‌السلام .

ـ شهادة أبي الفضل العباسعليه‌السلام .

ـ شهادة عبد الله الرضيععليه‌السلام أصغر أبناء الحسينعليه‌السلام .

المستشهدون من آل أبي طالبعليهم‌السلام

١٠١ ـ المستشهدون من آل أبي طالبعليهم‌السلام :

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٥٧)

ذكر سليمان بن قتّة أسماء المستشهدين من أهل البيتعليهم‌السلام في الأبيات التالية :

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

ستة كلهم لصلب عليّ

قد أصيبوا وسبعة لعقيل

واندبي إن بكيت عونا أخاهم

ليس فيما ينوبهم بخذول

وسميّ النبي غودر فيهم

قد علوه بصارم مصقول

وقد وردت هذه الأشعار في الفقرة ١٤ عن (مروج الذهب) للمسعودي بصيغة أخرى ، ص ٤٦ ، فراجع.

توضيح : أراد بقوله (ستة كلهم لصلب علي) أبناء الإمام عليعليه‌السلام وهم :الحسينعليه‌السلام ـ العباس ـ عبد الله ـ جعفر ـ عثمان ـ أبو بكر (محمّد الأصغر أو عبد الله).

وأراد بقوله (وسبعة لعقيل) : مسلم بن عقيل ـ عبد الله بن مسلم ـ محمّد ابن مسلم ـ محمّد بن أبي سعيد بن عقيل ـ عبد الرحمن بن عقيل ـ جعفر بن عقيل ـ عبد الله بن عقيل.

وأراد بقوله (وسميّ النبي) هو محمّد أخو عون بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام .

١٠٢ ـ شهادة أهل البيتعليهم‌السلام (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٦)

ولما قتل أصحاب الحسينعليه‌السلام ، ولم يبق إلا أهل بيته ، وهم : ولد عليعليه‌السلام ، وولد جعفر ، وولد عقيل ، وولد الحسن ، وولدهعليه‌السلام ، وعددهم على الأشهر ١٧ شخصا ، اجتمعوا وودّع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب.

١١٤

وقد مرّ إحصاء بأسمائهم وعددهم وترتيب استشهادهم فيما مضى في الفصل الحادي والعشرين ، ص ٤٢(١) .

١٠٣ ـ بروز علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام للقتال :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٨ ط ٣)

ولما لم يبق مع الحسينعليه‌السلام إلا أهل بيته ، عزموا على ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مرّ ونفوس أبيّة ، وأقبل بعضهم يودّع بعضا.

وأول من تقدّم إلى البراز علي الأكبرعليه‌السلام وعمره سبع وعشرون سنة(٢) فإنه ولد في ١١ شعبان سنة ٣٣ ه‍. وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.

١٠٤ ـ دعاء ليلى لابنها :

(الفاجعة العظمى لعبد الحسين بن حبيب الموسوي الحائري ، ص ١٣٨)

قال السيد عبد الحسين الموسوي : عندما برز علي الأكبرعليه‌السلام إلى القتال ، بادر إليه بكر بن غانم. فلما خرج إليه اللعين تغيّر وجه الحسينعليه‌السلام ، فقالت أمه ليلى :

__________________

(١) المشهور بين أصحاب التواريخ والمقاتل أن عددهم (١٧) شخصا هم :

خمسة من نسل عقيل وهم : عبد الله ومحمد ولدا مسلم بن عقيل ، وجعفر وعبد الرحمن وعبد الله أولاد عقيل. واثنان من أولاد عبد الله بن جعفر ، وهما عون ومحمد. وخمسة من أولاد الإمام علي عليه‌السلام وهم : العباس واخوته لأمه وأبيه جعفر وعثمان وعبد الله ، وأبو بكر. وثلاثة من أولاد الحسن عليه‌السلام وهم : أبو بكر وعبد الله والقاسم. واثنان من أولاد الإمام الحسين عليه‌السلام وهما : علي الأكبر وعبد الله الرضيع.

هذا وقد ألّفت كتابا بعنوان (أنساب العترة الطاهرة) يحوي في آخره تحقيقا قيّما لأسماء المستشهدين من آل أبي طالب عليه‌السلام في كربلاء ، مأخوذا من ١٤ مصدر بطريقة التقاطع.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٦٨. وذكر المقرّم في مقتله ، ص ٣١٨ أن عمر علي الأكبر كان ٢٧ سنة نقلا عن مخطوط (أنيس الشيعة) فليراجع. واعتبره المقرم أول المستشهدين من أهل البيت الطاهر ، بينما اعتبر الخوارزمي شهادته متأخرة بعد شهادة العباس (ع). ونذكر هنا أنه كان للإمام الحسينعليه‌السلام يوم الطف أربعة ذكور : (الأول) علي الأكبر شهيد كربلاء ، أمه ليلى بنت أبي مرة الثقفي. (والثاني) علي الأوسط زين العابدينعليه‌السلام ، أمه شاهزنان بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس. قال المفيد : الأكبر هو زين العابدينعليه‌السلام ، وهو الّذي اتصلت منه سلالة النبي (ص).(والثالث) علي الأصغر ، أصابه سهم وهو طفل فمات ، أمه سلافة. (والرابع) عبد الله الرضيع الّذي أتاه سهم فذبحه وهو في حجر أبيه ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس الكلابية ، وهي أم سكينةعليه‌السلام .

١١٥

يا سيدي لعل قد أصابه شيء؟!. قالعليه‌السلام : لا يا ليلى ، ولكن قد خرج إليه من أخاف منه عليه ؛ فادعي له ، فإني قد سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إن دعاء الأم يستجاب في حق ولدها». فكشفت رأسها ودعت له ، ولعنت بكرا ، إلى أن جرى بينهما ما جرى.

(وفي خبر) دعت ليلى بهذا الدعاء : يا رادّ يوسف على يعقوب من بعد الفراق ، وجاعله في الدهر مسرورا ، ويا رادّ إسماعيل إلى هاجر. إلهي بعطش أبي عبد الله ، إلهي بغربة أبي عبد الله ، امنن عليّ بردّ ولدي.

١٠٥ ـ مصرع علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام على يد مرة بن منقذ العبدي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٠)

فاستأذن أباه في القتال ، فأذن له. ثم نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه فبكى.

ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال : الله م كن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وكنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه. الله م فامنعهم بركات الأرض ، وإن منعتهم ففرقهم تفريقا ، ومزّقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا.فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلونا ويقتلونا(٢) . ثم صاح الحسينعليه‌السلام بعمر بن سعد : مالك قطع الله رحمك ولا بارك لك في أمرك ، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم رفع صوته وقرأ :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ٣٣ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٣٤) [آل عمران: ٣٣ ـ ٣٤].

شهادة علي الأكبرعليه‌السلام

ثم حمل علي بن الحسينعليه‌السلام وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢١ نقلا عن مثير الأحزان لابن نما ، واللهوف ، ص ٦٣.

(٢) ذكر أبو مخنف في مقتله مثل هذا الكلام بعد استشهاد القاسمعليه‌السلام ص ٨٠.

١١٦

والله لا يحكم فينا ابن الدّعي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف حتى يلتوي

ضرب غلام هاشميّ علوي

وكان علي الأكبرعليه‌السلام مرآة الجمال النبوي ، ومثال خلقه السامي ، وأنموذجا من منطقة البليغ ، كأن الشاعر (الشيخ عبد الحسين صادق) عناه بقوله :

ورث الصفات الغرّ وهي تراثه

من كل غطريف وشهم أصيد

في بأس حمزة في شجاعة حيدر

بإبا الحسين وفي مهابة أحمد

وتراه في خلق وطيب خلائق

وبليغ نطق كالنبيّ محمّد

قال المرحوم الحاج شيخ جعفر : فلما تجلى وجه طلعته من أفق العقاب ، واستبرى يده وقدمه على العنان والركاب ، فأخذت عماته وأخواته بعنانه وركابه ، فأحدقن به ومنعنه من العزيمة ، والحسينعليه‌السلام ينادي : خلوّا سبيله فإنه ممسوس في الله ، ومقتول في سبيل الله.

وفي (الدمعة الساكبة) : لما توجّه علي الأكبر إلى الحرب ، اجتمعت النساء حوله كالحلقة ، وقلن له : ارحم غربتنا ، ولا تستعجل إلى القتال ، فإنه ليس لنا طاقة في فراقك.

قال : فلم يزل يجهد ويبالغ في طلب الإذن من أبيه ، حتى أذن له. ثم ودّع أباه والحرم ، وتوجّه نحو الميدان.

فلم يزل يقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم ، حتى أنه روي أنه على عطشه قتل ١٢٠ رجلا. ثم رجع إلى أبيه الحسينعليه‌السلام وقد أصابته جراحات كثيرة. فقال : يا أبت العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل ، أتقوى بها على الأعداء؟. فبكى الحسينعليه‌السلام وقال : يا بنيّ عزّ على محمّد وعلى علي وعلى أبيك ، أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك.يا بنيّ هات لسانك. فأخذ لسانه فمصّه ، ودفع إليه خاتمه(١) وقال له : خذ هذا الخاتم في فيك ، وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.

وأورد المقرم في مقتله : ومن جهة أن ليلى أم علي الأكبر هي بنت ميمونة ابنة أبي

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٢ نقلا عن مقتل العوالم ، ص ٩٥.

١١٧

سفيان(١) صاح رجل من القوم : يا علي إن لك رحما بأمير المؤمنين [يزيد] ونريد أن نرعى الرحم ، فإن شئت آمنّاك!. فقالعليه‌السلام : إن قرابة رسول الله أحقّ أن ترعى(٢) .

فرجع علي بن الحسين إلى القتال ، وحمل وهو يقول :

الحرب قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق

وجعل يقاتل حتى قتل تمام المئتين (وفي رواية : فقال مرّة بن منقذ العبدي(٣) :عليّ آثام العرب إن لم أثكل أباه به ، فطعنه بالرمح في ظهره(٤) ). ثم ضربه (مرّة) على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها ، وضربه الناس بأسيافهم ، فاعتنق الفرس فحمله الفرس إلى عسكر عدوه ، فقطّعوه بأسيافهم إربا إربا. فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته : يا أبتاه! هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول لك : العجل ، فإن لك كأسا مذخورة(٥) . فصاح الحسينعليه‌السلام : قتل الله قوما قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله ، على الدنيا بعدك العفا(٦) .

وروي أن الحسينعليه‌السلام بكى عليه بكاء شديدا.

وفي (ناسخ التواريخ) أن الحسينعليه‌السلام لما جاء إلى ولده ، رآه وبه رمق ، وفتح

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٠ نقلا عن الإصابة لابن حجر ، ج ٤ ص ١٧٨ ـ ترجمة أبي مرة.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢١ نقلا عن (سر السلسلة) لأبي نصر في النسب ؛ ونسب قريش لمصعب الزبيري ، ص ٥٧.

(٣) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٣ نقلا عن كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٣٠ ؛ والأخبار الطوال ، ص ٢٥٤ ؛ وإرشاد المفيد ومثير ابن نما واللهوف. وفي تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٦ أن اسمه (مرة بن منقذ بن النعمان العبدي) ؛ وفي مقتل العوالم ، ص ٩٥ (منقذ بن مرة) ، وهو ما أورده الخوارزمي في مقتله.

(٤) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٤ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٢٢ ط إيران.

(٥) ذكر أبو مخنف في مقتله ، ص ٨١ هذا الكلام باختصار.

(٦) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٥ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٦. والعفاء : التراب.

وقال أبو عبيدة : العفاء : الدروس والهلاك.

١١٨

عليعليه‌السلام عينيه في وجه أبيه ، وقال : يا أبتاه أرى أبواب السماء قد انفتحت ، والحور العين بيدها كؤوس الماء قد نزلن من السماء ، وهن يدعونني إلى الجنة ؛ فأوصيك بهذه النسوة ، بأن لا يخمشن عليّ وجها. ثم سكن وانقطع أنينه.

وفي (الفاجعة العظمى) ص ١٣٧ ، قال أبو مخنف : ووضع الحسينعليه‌السلام رأس ولده علي في حجره ، وجعل يمسح الدم عن ثناياه ، وجعل يلثمه ويقول : يا بني ، لعن الله قوما قتلوك ، ما أجرأهم على الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهملت عيناه بالدموع وقال :أما أنت يا بني ، فقد استرحت من كرب الدنيا ومحنها ، وصرت إلى روح وريحان ، وبقي أبوك ، وما أسرع لحوقه بك.

قال : وجعل الحسينعليه‌السلام يتنفس الصعداء.

وفي (المنتخب) : وصاح الحسينعليه‌السلام بأعلى صوته ، فتصارخن النساء. وقال لهن الحسينعليه‌السلام : اسكتن ، فإن البكاء أمامكنّ.

ـ زينبعليها‌السلام تؤبّن الشهيد

(الفاجعة العظمى ، ص ١٣٧)

وروي أن زينبعليها‌السلام خرجت مسرعة تنادي بالويل والثبور ، وتقول :

يا حبيباه

قال حميد بن مسلم : لكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها شمس طالعة ، تنادي بالويل والثبور. تصيح : وا حبيباه!. وا ثمرة فؤاداه!. وا نور عيناه!.

فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت عليعليهما‌السلام . ثم جاءت حتى انكبّت عليه.فجاء إليها الحسينعليه‌السلام حتى أخذ بيدها وردّها إلى الفسطاط ثم أقبل مع فتيانه إلى ابنه ، فقال : احملوا أخاكم. فحملوه من مصرعه حتى وضعوه عند الفسطاط الّذي يقاتلون أمامه.

وذكر الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٥٣ : وفي الزيارة المروية عن الصادقعليه‌السلام : بأبي أنت وأمي من مذبوح مقتول من غير جرم ، وبأبي أنت وأمي دمك المرتقى به إلى حبيب الله [أي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] ، وبأبي أنت وأمي من مقدّم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك ، محترقا عليك قلبه ، يرفع دمك بكفّه إلى أعنان السماء ، لا ترجع منه قطرة ، ولا تسكن من أبيك زفرة.

١١٩

ترجمة علي الأكبر ابن الإمام الحسينعليه‌السلام

كان يكنّى أبا الحسن ، ويلقّب (بالأكبر) لأنه أكبر أولاد الحسينعليه‌السلام على ما رواه صاحب (الحدائق الوردية). وروى ابن إدريس في (السرائر) ، والمفيد في (الإرشاد) : أنه ولد بعد وفاة جده أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بسنتين (وقيل : ولد في أوائل خلافة عثمان). أمه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهي (ليلى) بنت ميمونة ابنة أبي سفيان.

وكان علي الأكبرعليه‌السلام أول المستشهدين يوم الطف من أهل البيتعليه‌السلام ، وقيل كان عمره ٢٧ وقيل ٢٥ وقيل ١٩ وقيل ١٨ والأول هو الأصح.

وكان علي الأكبر أشبه الناس خلقا وخلقا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لابل إنه شابه الخمسة أصحاب الكساء ، وهم :

محمّد وفاطمة وعلي والحسنانعليهم‌السلام .

فأما شباهته بجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففي كلامه ومقاله ، وفي خلقه وأخلاقه. وأما شباهته بجده الإمام عليعليه‌السلام ففي كنيته وشجاعته وتعصبه للحق. وأما شباهته بجدته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ففي مدة حياته ، إذ توفيت الزهراء وعمرها ثماني عشرة سنة. وأما شباهته بعمه الحسنعليه‌السلام فقد شابهه بالبهاء والهيبة ، فكان وجهه يتلألأ نورا. وأما شباهته بأبيه الحسينعليه‌السلام فقد شابهه بالإباء والكرم ، ويكفيه إباء وكرما أنه أول من برز من أهل البيت الطاهر يوم كربلاء ، وما زال يضرب في القوم [ضرب غلام هاشميّ علوي] حتى استشهد رضوان الله عليه.

ـ تحقيق في سنّ علي الأكبرعليه‌السلام :

قال الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٥٤ : ولدعليه‌السلام في ١١ من شعبان ، كما في (أنيس الشيعة) في أوائل خلافة عثمان. أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة ابن مسعود الثقفي.

قال صاحب (نفس المهموم) : اختلفوا في سنّه الشريف اختلافا عظيما ، فقال

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800