موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493598 / تحميل: 5843
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسينعليه‌السلام في الذبّ عنه والدفع عن حرمه ، وكل واحد يحمي الآخر من كيد عدوه.

مصرع الشهيدين الأخوين الغفاريّينرحمهما‌الله

٨٧ ـ مصرع الأخوين الغفاريين :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٦ ط نجف)

فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة [أو عزرة] الغفاريان ، فقالا :

يا أبا عبد الله عليك السلام ، قد حازنا الناس إليك ، فأحببنا أن نقتل بين يديك (وندفع عنك). قال : مرحبا بكما ، ادنوا مني ، فدنوا منه ، وجعلا يقاتلان. وجعل عبد الرحمن يرتجز ويقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضربنّ معشر الفجّار

بكل عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأخيار

فقاتل حتى قتل.

وقد مرّ شبيه هذا الشعر لقرة بن أبي قرة ، في الفقرة ٨٠.

(وفي رواية مقتل الخوارزمي) أن هناك شخصا آخر اسمه (عبد الرحمن بن عروة) غير الأخوين الغفاريين ، وهو الّذي خرج وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لأضربن معشر الأشرار

بالمشرفيّ الصارم البتّار

مصرع الشهيدين الأخوين الجابريّينرحمهما‌الله

١٠١

٨٨ ـ مصرع الأخوين الجابريّين :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٧)

وأتاه فتيان ، وهما سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبد الله بن سريع الجابريان [في مقتل الخوارزمي : بطن من همدان يقال لهم بنو جابر] ، وهما ابنا عم وأخوان لأم ، وهما يبكيان. فقال لهما الحسينعليه‌السلام : يا ابني أخي ، ما يبكيكما؟.فو الله إني لأرجو أن تكونا بعد (عن) ساعة قريري العين. فقالا : جعلنا الله فداك ، والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك ، نراك وقد أحيط بك ، ولا نقدر على أن ننفعك (وفي رواية : نمنعك). فقالعليه‌السلام : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما [أي حزنكما] من ذلك ، ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.

ثم استقدما وقالا : السلام عليك يابن رسول الله. فقال : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته. فقاتلا حتى قتلا.

وقد أورد الخوارزمي في مقتله ج ٢ ص ٢٣ هذا الكلام منسوبا للأخوين الغفاريين.

مصرع جنادة ابن الحارث الأنصاري رحمه‌الله

٨٩ ـ شهادة جنادة بن الحرث الأنصاري : (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١)

ثم خرج من بعده جنادة بن الحرث الأنصاري ، وهو يقول :

أنا جنادة وأنا ابن الحارث

لست بخوّار ولا بناكث

عن بيعتي حتى يقوم وارث

من فوق شلو في الصعيد ماكث

فحمل ولم يزل يقاتل حتى قتل [على رواية ابن شهر اشوب] ستة عشر رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

مصرع الغلام عمرو بن جنادة الأنصاريرحمه‌الله

١٠٢

٩٠ ـ مصرع الغلام عمرو بن جنادة الأنصاري :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١)

ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو ينشد ويقول :

أضق الخناق من ابن سعد وارمه

من هامه بفوارس الأنصار

ومهاجرين مخضّبين رماحهم

تحت العجاجة من دم الكفار

خضبت على عهد النبي محمّد

فاليوم تخضب من دم الفجّار

واليوم تخضب من دماء معاشر

رفضوا القران لنصرة الأشرار

ثم حمل فقاتل حتى قتل.

مصرع شاب قتل أبوه في المعركةرحمه‌الله

٩١ ـ مصرع شاب قتل أبوه في المعركة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ١٤٥)

لعل السيد عبد الرزاق المقرّمرحمه‌الله في مقتله اشتبه بأن هذا الشاب هو عمرو بن جنادة الأنصاري ، مع أن أغلب المصادر تورده منفصلا عن عمرو بن جنادة ، مما يدل على أنه شخص آخر.

وقد ذكر السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في كتابه (الوثائق الرسمية) ص ١٨٢ : أن أباه الّذي قتل في أول المعركة هو جنادة بن كعب الخزرجي.

يقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٣١٤ :

وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أن قتل أبوه ، وهو ابن إحدى عشرة سنة ، يستأذن الحسينعليه‌السلام فأبى ، وقال : هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ، ولعل أمه تكره ذلك

أما الخوارزمي فيقول في مقتله : ثم خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمه معه. فقالت : يا بني اخرج فقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تقتل.فقال : أفعل. فخرج يستأذن الحسينعليه‌السلام فأبى ، وقال : هذا شاب قتل أبوه في

١٠٣

(الحملة الأولى) ولعل أمه تكره خروجه. فقال الشاب : أمي أمرتني يابن رسول الله.

وفي (الناسخ) قال الحسينعليه‌السلام : يا فتى قتل أبوك ، وإذا قتلت فإلى من تلتجئ أمك في هذا القفر؟. فأراد أن يرجع ، فجاءته أمه وقالت : يا بني تختار سلامة نفسك على نصرة ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا أرضى عنك أبدا!.

فبرز الشاب وقاتل قتال الأبطال ، وأمه تنادي خلفه : أبشر يا بني ، ستسقى من يد ساقي حوض الكوثر. فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

عليّ وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

فما أسرع أن قتل ورمي برأسه إلى جهة الحسينعليه‌السلام ، فأخذت أمه رأسه ومسحت الدم عنه ، وقالت له : أحسنت يا بني ، يا قرة عيني وسرور قلبي. ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته(١) ، وعادت إلى المخيم فأخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول :

أنا عجوز في النساء ضعيفه

خاوية بالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه

دون بني فاطمة الشريفه

فضربت رجلين فقتلتهما ، فردّها الحسينعليه‌السلام إلى الخيمة ودعا لها(٢) .

ـ تعليق السيد محسن الأمين على شهادة الغلام السابق :

(أعيان الشيعة ، ج ٤ ص ٢٣٤)

يقول السيد الأمينرحمه‌الله : وهذا منتهى علوّ النفس وصدق الولاء ، من هذه المرأة وابنها ، أن يكون زوجها قد قتل وهي تنظر إليه ، ثم تأمر ولدها الشاب بنصرة الحسينعليه‌السلام ، وهي تعلم أنه مقتول ، فتسوقه إلى القتل مختارة طائعة ، ويطيعها ابنها في ذلك ، فيقدم على القتل غير مبال ولا وجل. ثم يرخّص له الحسينعليه‌السلام في ترك القتال مخافة أن تكون أمه تكره قتاله ، بعدما قتل أبوه في المعركة ، فيأبى ويقول : أمي أمرتني بذلك.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٤ نقلا عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٣ ص ٢١٩.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٥ نقلا عن البحار للمجلسي ، ج ١٠ ص ١٩٨.

١٠٤

حقا إنه لمقام عظيم وموقف جليل ، تزلّ فيه الأقدام وتذهل فيه الألباب.

شهادة المولى واضح التركيرحمه‌الله

٩٢ ـ شهادة واضح التركي مولى الحرث المذحجي :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٨)

كان (واضح) غلاما تركيا شجاعا قارئا ، وهو مولى للحارث المذحجي السلماني. وقد أبلى في كربلاء بلاء حسنا.

ولما صرع واضح التركي [أي سقط وبه رمق] ، استغاث بالحسينعليه‌السلام ؛ فأتاه أبو عبد اللهعليه‌السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه ، فقال : من مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضع خدّه على خدي!. ثم فاضت نفسه الطاهرة(١) .

مصرع الشهيد أبي عمر النهشليرحمه‌الله

٩٣ ـ شهادة أبي عمر النهشلي :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٨ ط نجف)

وحدّث مهران مولى بني كاهل ، قال : شهدت كربلاء مع الحسينعليه‌السلام فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا ؛ لا يحمل على قوم إلا كشفهم ، ثم يرجع إلى الحسينعليه‌السلام وهو يرتجز ويقول :

أبشر هديت الرشد تلقى أحمدا

في جنة الفردوس تعلو صعدا

(وهذه الأبيات تنسب إلى غيره ؛ مثل سويد ، ومثل سعيد بن عبد الله الحنفي ، ومثل إبراهيم بن الحصين).

__________________

(١) مقتل العوالم ، ص ٩١ ؛ وإبصار العين للسماوي ، ص ٨٥.

١٠٥

فقلت : من هذا؟. فقالوا : أبو عمر النهشلي ، وقيل الخثعمي. فاعترضه عامر بن نهشل ، فقتله واحتزّ رأسه. وكان أبو عامر هذا متهجّدا كثير الصلاة.

مصرع أسلم التركي مولى الحسين (ع)

٩٤ ـ شهادة أسلم التركي غلام الحسينعليه‌السلام :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٧)

ذكر العلامة الأمين في (أعيان الشيعة ـ حرف الألف) أنه قرأ في أحد كتب الرجال لبعض المعاصرين : أنه كان للحسينعليه‌السلام مولى اسمه أسلم بن عمرو ، وكان اشتراه بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام ، ووهبه لابنه علي بن الحسينعليه‌السلام . وكان أبوه (عمرو) تركيا. وكان (أسلم) هذا كاتبا عند الحسينعليه‌السلام في بعض حوائجه.

فلما خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة كان أسلم ملازما له ، حتى أتى معه كربلاء. فلما كان اليوم العاشر وشبّ القتال ، استأذن في القتال.

وقال السيد الأمين في (لواعج الأشجان) : وخرج غلام تركي من موالي الحسينعليه‌السلام ، وكان قارئا للقرآن وعارفا بالعربية وكاتبا ، فجعل يقاتل ويرتجز ويقول :

البحر من طعني وضربي يصطلي

والجوّ من سهمي ونبلي بمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي

ينشقّ قلب الحاسد المبجّل

فقتل [في رواية ابن شهر اشوب] سبعين رجلا ، فتحاوشوه حتى سقط صريعا ، فجاء إليه الحسينعليه‌السلام فبكى ، ووضع خده على خده ، ففتح عينيه فرأى الحسينعليه‌السلام فتبسم ، ثم صار إلى ربه.

٩٥ ـ شهادة مالك بن ذودان :(لواعج الأشجان ، ص ١٤٨)

ثم برز مالك بن ذودان ، وأنشأ يقول :

إليكم من مالك الضرغام

ضرب فتى يحمي عن الكرام

يرجو ثواب الله ذي الإنعام

فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

١٠٦

٩٦ ـ شهادة إبراهيم بن الحصين الأسدي :(المصدر السابق)

وبرز إبراهيم بن الحصين الأسدي وهو يرتجز ويقول :

أضرب منكم مفصلا وساقا

ليهرق اليوم دمي إهراقا

ويرزق الموت أبا إسحاقا

أعني بني الفاجرة الفسّاقا

فقتل [على رواية ابن شهر اشوب] أربعة وثمانين رجلا ، وأنشأ يقول :

اقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

ثم أباك الطاهر المؤيّدا

والحسن المسموم ذاك الأسعدا

وذا الجناحين حليف الشهدا

وحمزة الليث الكمي السيّدا

في جنة الفردوس فازوا سعدا

وقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٩٧ ـ شهادة سوّار بن منعم بن حابس بن أبي عمير الفهمي الهمداني :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٥)

وقاتل سوّار بن أبي عمير من ولد فهم بن جابر الهمداني ، قتالا شديدا حتى ارتثّ بالجراح وأخذ أسيرا ، فأراد ابن سعد قتله ، وتشفّع فيه قومه ، وبقي عندهم جريحا إلى أن توفي على رأس ستة أشهر ،رحمه‌الله .

٩٨ ـ شهادة سعد بن الحارث وأخيه أبي الحتوف الأنصاري :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين لإبراهيم الموسوي الزنجاني ، ص ١٤٩)

ولما سمع الأنصاريان : سعد بن الحارث وأخوه أبو الحتوف ، استنصار الحسينعليه‌السلام واستغاثته ، وكانا في جيش عمر بن سعد ، فمالا بسيفيهما على أعداء الحسين ، وقاتلا حتى قتلا.

قال حميد بن أحمد في كتابه (الحدائق الوردية) : ومن المقتولين يوم الطف مع الحسينعليه‌السلام : أبو الحتوف الأنصاري وأخوه سعد بن الحرث ، وكانا من الخوارج ، فخرجا مع عمر بن سعد إلى حرب الحسينعليه‌السلام . فلما كان يوم العاشر من المحرم وقتل أصحاب الحسينعليه‌السلام ولم يبق معه غير سويد بن عمرو ابن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، جعل الحسينعليه‌السلام ينادي : ألا من ناصر فينصرنا ، ألا من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فسمعن النساء والأطفال نداء الحسينعليه‌السلام فتصارخن بالعويل والبكاء.

١٠٧

فلما سمع سعد بن الحرث وأخوه أبو الحتوف أصوات النساء والأطفال من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان بعد صلاة الظهر ، وهما في حومة الحرب ، قالا : إنا لله ولا حكم إلا لله ، ولا طاعة لمن عصاه. وهذا الحسين ابن بنت نبينا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن نرجو شفاعة جده يوم القيامة ، فكيف نقاتله وهو بهذا الحال ، نراه لا ناصر له ولا معين؟!. فمالا بين يدي الحسينعليه‌السلام على أعداء الله وأعدائه ، فجعلا يقاتلان قريبا منه ، حتى قتلا من القوم جماعة كثيرة وجرحا آخرين ؛ ثم قتلا معا في مكان واحد ، رضوان الله عليهما.

مصرع سويد بن عمرو ابن أبي المطاع الخثعمي

٩٩ ـ مصرع سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي :

(كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٩٤)

وأما سويد بن أبي المطاع فكان قد صرع ، فوقع بين القتلى مثخنا بالجراحات (وظنّ أنه قتل). فلما قتل الحسينعليه‌السلام وسمعهم يقولون : قتل الحسينعليه‌السلام ، فوجد خفّة ، فتحامل وأخرج سكّينة من خفّه (وكان سيفه قد أخذ) ، فقاتلهم بسكينه ساعة. وكان يرتجز ويقول :

اقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

وشيخك الحبر عليا ذا الندى

وحسنا كالبدر وافى الأسعدا

وعمك القرم الهمام الأرشدا

حمزة ليث الله يدعى أسدا

وذا الجناحين تبوّا مقعدا

في جنة الفردوس يعلو صعدا

وتعطّفوا عليه فقتلوه. قتله عروة بن بطان الثعلبي وزيد بن رقّاد الجبني. وكان سويد آخر من قتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام .

وفي (تاريخ الطبري) ج ٦ ص ٢٥٥ : أنه آخر من بقي مع الحسينعليه‌السلام من أصحابه ، قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجبني.

١٠٠ ـ كل قتيل في جنب الله شهيد :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)

وكان يأتي الحسين الرجل بعد الرجل ، فيقول : السلام عليك يابن رسول الله ،

١٠٨

فيجيبه الحسينعليه‌السلام : وعليك السلام ، ونحن خلفك ، ويتلو :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) [الأحزاب : ٢٣] ، ثم يحمل فيقتل. حتى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم ، ولم يبق مع الحسينعليه‌السلام إلا أهل بيته.

(يقول الخوارزمي) : وهكذا يكون المؤمن ، يؤثر دينه على دنياه ، وموته على حياته ، في سبيل الله ، ينصر الحق وإن قتل. قال تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [آل عمران : ١٦٩].

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل قتيل في جنب الله شهيد».

ولما وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شهداء أحد وفيهم حمزة بن عبد المطلب ، قال : أنا شهيد هؤلاء القوم ، زمّلوهم بدمائهم ، فإنهم يحشرون يوم القيامة وكلومهم رواء ، وأوداجهم تشخب دما ؛ فاللون لون الدم ، والريح ريح المسك. فهم كما قيل :

كسته القنا حلّة من دم

فأضحت لرائيه من أرجوان

جزته معانقة الدارعين

معانقة القاصرات الحسان

* معنى (الشهيد) ومعنى ذكراه :

(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه ـ بعلبك ، السنة ١٠ نيسان ١٩٦١)

يقول الشيخ حبيب آل إبراهيمرحمه‌الله :

الشهيد بكل بساطة إنسان قتل ، مع شرط أساسي : في سبيل رسالة. وبدون هذا الشرط لن يكون (شهيدا) ، بل : إنسان مات.

من جسد الشهيد من ذكراه يرتفع رمز ، يحوّله من قتيل إلى ضمير ؛ ضمير أمة أو جماعة بأكملها ، تجد فيه تعبيرا عن آمالها ، فتكرم ذكراه ، لكي يبقى الشهيد حيا في النفوس يذكي الآمال.

ههنا الفرق : الشهيد حيّ بما يمثّل من آمال ، أما القتيل فميّت.

لقد كان الحسينعليه‌السلام ضمير الإسلام ، يحتجّ على كل انحراف عن النهج الّذي خطّه من قبل جده خاتم الرسل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٠٩

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١٦٩)

[آل عمران : ١٦٩].

أشهر المستشهدين من أصحاب الحسينعليه‌السلام

مع ذكر قاتليهم (مرتبين على الأحرف الهجائية)

(اسم الشهيد)

(اسم قاتله)

أبو ثمامة الصائدي

(ابن عمه) قيس بن عبد الله

أنس بن الحارث الكاهلي

(استشهد رميا بالنبل)

بربر بن خضير الهمداني

رضي بن منقذ العبدي وكعب بن جابر الأزدي

جون مولى أبي ذر الغفاري

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

حبيب بن مظاهر الأسدي

الحصين بن نمير (وقيل بديل بن صريم)

الحر بن يزيد الرياحي

(أستشهد رميا بالنبل)

حنظلة بن أسعد الشبامي

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

زهير بن القين البجلي

كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي

سعيد بن عبد الله الحنفي

(أستشهد رميا بالنبل)

سوار بن أبي عمير الفهمي

(أستشهد أسيرا)

سويد بن عمرو الخثعمي

عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجهني

شوذب مولى بني شاكر

(أستشهد بالمبارزة)

عابس بن شبيب الشاكري

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

عبد الله بن عمير الكلبي

(أستشهد أسيرا)

عمرو بن جنادة الأنصاري

(أستشهد على يد جماعة من القوم)

عمرو بن قرظة الأنصاري

(أستشهد رميا بالنبل)

مسلم بن عوسجة الأسدي

مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة

نافع بن هلال الجملي

(أستشهد أسيرا) قتله الشمر

وهب بن حباب الكلبي

(أستشهد أسيرا)

١١٠

الفصل الثالث والعشرون

شهادة أهل البيتعليهم‌السلام

ويتضمن :

ـ مقدمة الفصل

١ ـ شهادة علي الأكبرعليه‌السلام

٢ ـ شهادة عبد الله بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام

٣ ـ حملة آل أبي طالبعليه‌السلام

٤ ـ شهادة الغلام القاسم بن الحسنعليه‌السلام

٥ ـ شهادة بعض إخوة الحسينعليه‌السلام

٦ ـ شهادة أبي الفضل العباس وإخوتهعليه‌السلام

٧ ـ الحسينعليه‌السلام يودّع عياله

٨ ـ شهادة علي الأصغر بن الحسينعليه‌السلام

٩ ـ شهادة عبد الله الرضيععليه‌السلام

١٠ ـ الضحاك بن عبد الله المشرقي يترك المعركة

١١ ـ جدول بأشهر المستشهدين من آل أبي طالبعليه‌السلام مع ذكر أمهاتهم ومن قتلهم.

١١١
١١٢

الفصل الثالث والعشرون

شهادة أهل البيتعليهم‌السلام

مقدمة الفصل :

بعد أن صرع جميع أصحاب الحسينعليهم‌السلام تقريبا ، خرج أهل البيتعليهم‌السلام من آل أبي طالبعليه‌السلام للمبارزة والقتال ، وكان عددهم ما بين ١٧ و ٢٧ شخصا.

ومن المسلم به أن أول من تقدّم من أهل البيتعليهم‌السلام إلى البراز الابن الأكبر للحسينعليه‌السلام وهو علي الأكبرعليه‌السلام رغم ما رواه ابن نما في (مثير الأحزان ، ص ٥١) من أن علي الأكبرعليه‌السلام برز إلى القتال حين لم يبق مع الحسينعليه‌السلام من أهل بيته إلا الأقل ، وأن ذلك كان بعد شهادة العباسعليه‌السلام . ووافقه على ذلك الخوارزمي في مقتله. أما في (مقتل الحسين المشتهر بمقتل أبي مخنف) فقد ذكر شهادة علي الأكبرعليه‌السلام بعد القاسمعليه‌السلام ، بينما ذكر شهادة العباسعليه‌السلام في أول المبارزات قبل الأصحاب ، وهذا مستبعد جدا.

ويمكن ترتيب شهادة أهل البيتعليهم‌السلام التي سبقت شهادة الحسينعليه‌السلام كما يلي :

ـ شهادة علي الأكبرعليه‌السلام .

ـ شهادة عبد الله بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام .

ـ شهادة محمّد بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام .

ـ حملة آل أبي طالبعليه‌السلام : شهادة جعفر بن عقيل ـ عبد الرحمن بن عقيل ـ عبد الله الأكبر بن عقيل ـ محمّد وعون الأكبر ولدي عبد الله بن جعفر.

ـ شهادة عبد الله الأكبر بن الحسنعليه‌السلام .

ـ شهادة الغلام القاسم بن الحسنعليه‌السلام .

١١٣

ـ شهادة بعض إخوة الحسينعليه‌السلام : أبو بكر بن عليعليه‌السلام ـ عمر بن عليعليه‌السلام ـ إخوة العباس لأمه وأبيه : عبد الله ـ جعفر ـ عثمان بن عليعليه‌السلام .

ـ شهادة أبي الفضل العباسعليه‌السلام .

ـ شهادة عبد الله الرضيععليه‌السلام أصغر أبناء الحسينعليه‌السلام .

المستشهدون من آل أبي طالبعليهم‌السلام

١٠١ ـ المستشهدون من آل أبي طالبعليهم‌السلام :

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٥٧)

ذكر سليمان بن قتّة أسماء المستشهدين من أهل البيتعليهم‌السلام في الأبيات التالية :

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

ستة كلهم لصلب عليّ

قد أصيبوا وسبعة لعقيل

واندبي إن بكيت عونا أخاهم

ليس فيما ينوبهم بخذول

وسميّ النبي غودر فيهم

قد علوه بصارم مصقول

وقد وردت هذه الأشعار في الفقرة ١٤ عن (مروج الذهب) للمسعودي بصيغة أخرى ، ص ٤٦ ، فراجع.

توضيح : أراد بقوله (ستة كلهم لصلب علي) أبناء الإمام عليعليه‌السلام وهم :الحسينعليه‌السلام ـ العباس ـ عبد الله ـ جعفر ـ عثمان ـ أبو بكر (محمّد الأصغر أو عبد الله).

وأراد بقوله (وسبعة لعقيل) : مسلم بن عقيل ـ عبد الله بن مسلم ـ محمّد ابن مسلم ـ محمّد بن أبي سعيد بن عقيل ـ عبد الرحمن بن عقيل ـ جعفر بن عقيل ـ عبد الله بن عقيل.

وأراد بقوله (وسميّ النبي) هو محمّد أخو عون بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام .

١٠٢ ـ شهادة أهل البيتعليهم‌السلام (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٦)

ولما قتل أصحاب الحسينعليه‌السلام ، ولم يبق إلا أهل بيته ، وهم : ولد عليعليه‌السلام ، وولد جعفر ، وولد عقيل ، وولد الحسن ، وولدهعليه‌السلام ، وعددهم على الأشهر ١٧ شخصا ، اجتمعوا وودّع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب.

١١٤

وقد مرّ إحصاء بأسمائهم وعددهم وترتيب استشهادهم فيما مضى في الفصل الحادي والعشرين ، ص ٤٢(١) .

١٠٣ ـ بروز علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام للقتال :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٨ ط ٣)

ولما لم يبق مع الحسينعليه‌السلام إلا أهل بيته ، عزموا على ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مرّ ونفوس أبيّة ، وأقبل بعضهم يودّع بعضا.

وأول من تقدّم إلى البراز علي الأكبرعليه‌السلام وعمره سبع وعشرون سنة(٢) فإنه ولد في ١١ شعبان سنة ٣٣ ه‍. وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.

١٠٤ ـ دعاء ليلى لابنها :

(الفاجعة العظمى لعبد الحسين بن حبيب الموسوي الحائري ، ص ١٣٨)

قال السيد عبد الحسين الموسوي : عندما برز علي الأكبرعليه‌السلام إلى القتال ، بادر إليه بكر بن غانم. فلما خرج إليه اللعين تغيّر وجه الحسينعليه‌السلام ، فقالت أمه ليلى :

__________________

(١) المشهور بين أصحاب التواريخ والمقاتل أن عددهم (١٧) شخصا هم :

خمسة من نسل عقيل وهم : عبد الله ومحمد ولدا مسلم بن عقيل ، وجعفر وعبد الرحمن وعبد الله أولاد عقيل. واثنان من أولاد عبد الله بن جعفر ، وهما عون ومحمد. وخمسة من أولاد الإمام علي عليه‌السلام وهم : العباس واخوته لأمه وأبيه جعفر وعثمان وعبد الله ، وأبو بكر. وثلاثة من أولاد الحسن عليه‌السلام وهم : أبو بكر وعبد الله والقاسم. واثنان من أولاد الإمام الحسين عليه‌السلام وهما : علي الأكبر وعبد الله الرضيع.

هذا وقد ألّفت كتابا بعنوان (أنساب العترة الطاهرة) يحوي في آخره تحقيقا قيّما لأسماء المستشهدين من آل أبي طالب عليه‌السلام في كربلاء ، مأخوذا من ١٤ مصدر بطريقة التقاطع.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٦٨. وذكر المقرّم في مقتله ، ص ٣١٨ أن عمر علي الأكبر كان ٢٧ سنة نقلا عن مخطوط (أنيس الشيعة) فليراجع. واعتبره المقرم أول المستشهدين من أهل البيت الطاهر ، بينما اعتبر الخوارزمي شهادته متأخرة بعد شهادة العباس (ع). ونذكر هنا أنه كان للإمام الحسينعليه‌السلام يوم الطف أربعة ذكور : (الأول) علي الأكبر شهيد كربلاء ، أمه ليلى بنت أبي مرة الثقفي. (والثاني) علي الأوسط زين العابدينعليه‌السلام ، أمه شاهزنان بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس. قال المفيد : الأكبر هو زين العابدينعليه‌السلام ، وهو الّذي اتصلت منه سلالة النبي (ص).(والثالث) علي الأصغر ، أصابه سهم وهو طفل فمات ، أمه سلافة. (والرابع) عبد الله الرضيع الّذي أتاه سهم فذبحه وهو في حجر أبيه ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس الكلابية ، وهي أم سكينةعليه‌السلام .

١١٥

يا سيدي لعل قد أصابه شيء؟!. قالعليه‌السلام : لا يا ليلى ، ولكن قد خرج إليه من أخاف منه عليه ؛ فادعي له ، فإني قد سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إن دعاء الأم يستجاب في حق ولدها». فكشفت رأسها ودعت له ، ولعنت بكرا ، إلى أن جرى بينهما ما جرى.

(وفي خبر) دعت ليلى بهذا الدعاء : يا رادّ يوسف على يعقوب من بعد الفراق ، وجاعله في الدهر مسرورا ، ويا رادّ إسماعيل إلى هاجر. إلهي بعطش أبي عبد الله ، إلهي بغربة أبي عبد الله ، امنن عليّ بردّ ولدي.

١٠٥ ـ مصرع علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام على يد مرة بن منقذ العبدي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٠)

فاستأذن أباه في القتال ، فأذن له. ثم نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه فبكى.

ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال : الله م كن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وكنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه. الله م فامنعهم بركات الأرض ، وإن منعتهم ففرقهم تفريقا ، ومزّقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا.فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلونا ويقتلونا(٢) . ثم صاح الحسينعليه‌السلام بعمر بن سعد : مالك قطع الله رحمك ولا بارك لك في أمرك ، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم رفع صوته وقرأ :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ٣٣ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٣٤) [آل عمران: ٣٣ ـ ٣٤].

شهادة علي الأكبرعليه‌السلام

ثم حمل علي بن الحسينعليه‌السلام وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢١ نقلا عن مثير الأحزان لابن نما ، واللهوف ، ص ٦٣.

(٢) ذكر أبو مخنف في مقتله مثل هذا الكلام بعد استشهاد القاسمعليه‌السلام ص ٨٠.

١١٦

والله لا يحكم فينا ابن الدّعي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف حتى يلتوي

ضرب غلام هاشميّ علوي

وكان علي الأكبرعليه‌السلام مرآة الجمال النبوي ، ومثال خلقه السامي ، وأنموذجا من منطقة البليغ ، كأن الشاعر (الشيخ عبد الحسين صادق) عناه بقوله :

ورث الصفات الغرّ وهي تراثه

من كل غطريف وشهم أصيد

في بأس حمزة في شجاعة حيدر

بإبا الحسين وفي مهابة أحمد

وتراه في خلق وطيب خلائق

وبليغ نطق كالنبيّ محمّد

قال المرحوم الحاج شيخ جعفر : فلما تجلى وجه طلعته من أفق العقاب ، واستبرى يده وقدمه على العنان والركاب ، فأخذت عماته وأخواته بعنانه وركابه ، فأحدقن به ومنعنه من العزيمة ، والحسينعليه‌السلام ينادي : خلوّا سبيله فإنه ممسوس في الله ، ومقتول في سبيل الله.

وفي (الدمعة الساكبة) : لما توجّه علي الأكبر إلى الحرب ، اجتمعت النساء حوله كالحلقة ، وقلن له : ارحم غربتنا ، ولا تستعجل إلى القتال ، فإنه ليس لنا طاقة في فراقك.

قال : فلم يزل يجهد ويبالغ في طلب الإذن من أبيه ، حتى أذن له. ثم ودّع أباه والحرم ، وتوجّه نحو الميدان.

فلم يزل يقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم ، حتى أنه روي أنه على عطشه قتل ١٢٠ رجلا. ثم رجع إلى أبيه الحسينعليه‌السلام وقد أصابته جراحات كثيرة. فقال : يا أبت العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل ، أتقوى بها على الأعداء؟. فبكى الحسينعليه‌السلام وقال : يا بنيّ عزّ على محمّد وعلى علي وعلى أبيك ، أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك.يا بنيّ هات لسانك. فأخذ لسانه فمصّه ، ودفع إليه خاتمه(١) وقال له : خذ هذا الخاتم في فيك ، وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.

وأورد المقرم في مقتله : ومن جهة أن ليلى أم علي الأكبر هي بنت ميمونة ابنة أبي

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٢ نقلا عن مقتل العوالم ، ص ٩٥.

١١٧

سفيان(١) صاح رجل من القوم : يا علي إن لك رحما بأمير المؤمنين [يزيد] ونريد أن نرعى الرحم ، فإن شئت آمنّاك!. فقالعليه‌السلام : إن قرابة رسول الله أحقّ أن ترعى(٢) .

فرجع علي بن الحسين إلى القتال ، وحمل وهو يقول :

الحرب قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق

وجعل يقاتل حتى قتل تمام المئتين (وفي رواية : فقال مرّة بن منقذ العبدي(٣) :عليّ آثام العرب إن لم أثكل أباه به ، فطعنه بالرمح في ظهره(٤) ). ثم ضربه (مرّة) على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها ، وضربه الناس بأسيافهم ، فاعتنق الفرس فحمله الفرس إلى عسكر عدوه ، فقطّعوه بأسيافهم إربا إربا. فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته : يا أبتاه! هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول لك : العجل ، فإن لك كأسا مذخورة(٥) . فصاح الحسينعليه‌السلام : قتل الله قوما قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله ، على الدنيا بعدك العفا(٦) .

وروي أن الحسينعليه‌السلام بكى عليه بكاء شديدا.

وفي (ناسخ التواريخ) أن الحسينعليه‌السلام لما جاء إلى ولده ، رآه وبه رمق ، وفتح

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٠ نقلا عن الإصابة لابن حجر ، ج ٤ ص ١٧٨ ـ ترجمة أبي مرة.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢١ نقلا عن (سر السلسلة) لأبي نصر في النسب ؛ ونسب قريش لمصعب الزبيري ، ص ٥٧.

(٣) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٣ نقلا عن كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٣٠ ؛ والأخبار الطوال ، ص ٢٥٤ ؛ وإرشاد المفيد ومثير ابن نما واللهوف. وفي تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٦ أن اسمه (مرة بن منقذ بن النعمان العبدي) ؛ وفي مقتل العوالم ، ص ٩٥ (منقذ بن مرة) ، وهو ما أورده الخوارزمي في مقتله.

(٤) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٤ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٢٢ ط إيران.

(٥) ذكر أبو مخنف في مقتله ، ص ٨١ هذا الكلام باختصار.

(٦) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٢٥ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٦. والعفاء : التراب.

وقال أبو عبيدة : العفاء : الدروس والهلاك.

١١٨

عليعليه‌السلام عينيه في وجه أبيه ، وقال : يا أبتاه أرى أبواب السماء قد انفتحت ، والحور العين بيدها كؤوس الماء قد نزلن من السماء ، وهن يدعونني إلى الجنة ؛ فأوصيك بهذه النسوة ، بأن لا يخمشن عليّ وجها. ثم سكن وانقطع أنينه.

وفي (الفاجعة العظمى) ص ١٣٧ ، قال أبو مخنف : ووضع الحسينعليه‌السلام رأس ولده علي في حجره ، وجعل يمسح الدم عن ثناياه ، وجعل يلثمه ويقول : يا بني ، لعن الله قوما قتلوك ، ما أجرأهم على الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهملت عيناه بالدموع وقال :أما أنت يا بني ، فقد استرحت من كرب الدنيا ومحنها ، وصرت إلى روح وريحان ، وبقي أبوك ، وما أسرع لحوقه بك.

قال : وجعل الحسينعليه‌السلام يتنفس الصعداء.

وفي (المنتخب) : وصاح الحسينعليه‌السلام بأعلى صوته ، فتصارخن النساء. وقال لهن الحسينعليه‌السلام : اسكتن ، فإن البكاء أمامكنّ.

ـ زينبعليها‌السلام تؤبّن الشهيد

(الفاجعة العظمى ، ص ١٣٧)

وروي أن زينبعليها‌السلام خرجت مسرعة تنادي بالويل والثبور ، وتقول :

يا حبيباه

قال حميد بن مسلم : لكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها شمس طالعة ، تنادي بالويل والثبور. تصيح : وا حبيباه!. وا ثمرة فؤاداه!. وا نور عيناه!.

فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت عليعليهما‌السلام . ثم جاءت حتى انكبّت عليه.فجاء إليها الحسينعليه‌السلام حتى أخذ بيدها وردّها إلى الفسطاط ثم أقبل مع فتيانه إلى ابنه ، فقال : احملوا أخاكم. فحملوه من مصرعه حتى وضعوه عند الفسطاط الّذي يقاتلون أمامه.

وذكر الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٥٣ : وفي الزيارة المروية عن الصادقعليه‌السلام : بأبي أنت وأمي من مذبوح مقتول من غير جرم ، وبأبي أنت وأمي دمك المرتقى به إلى حبيب الله [أي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] ، وبأبي أنت وأمي من مقدّم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك ، محترقا عليك قلبه ، يرفع دمك بكفّه إلى أعنان السماء ، لا ترجع منه قطرة ، ولا تسكن من أبيك زفرة.

١١٩

ترجمة علي الأكبر ابن الإمام الحسينعليه‌السلام

كان يكنّى أبا الحسن ، ويلقّب (بالأكبر) لأنه أكبر أولاد الحسينعليه‌السلام على ما رواه صاحب (الحدائق الوردية). وروى ابن إدريس في (السرائر) ، والمفيد في (الإرشاد) : أنه ولد بعد وفاة جده أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بسنتين (وقيل : ولد في أوائل خلافة عثمان). أمه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهي (ليلى) بنت ميمونة ابنة أبي سفيان.

وكان علي الأكبرعليه‌السلام أول المستشهدين يوم الطف من أهل البيتعليه‌السلام ، وقيل كان عمره ٢٧ وقيل ٢٥ وقيل ١٩ وقيل ١٨ والأول هو الأصح.

وكان علي الأكبر أشبه الناس خلقا وخلقا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لابل إنه شابه الخمسة أصحاب الكساء ، وهم :

محمّد وفاطمة وعلي والحسنانعليهم‌السلام .

فأما شباهته بجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففي كلامه ومقاله ، وفي خلقه وأخلاقه. وأما شباهته بجده الإمام عليعليه‌السلام ففي كنيته وشجاعته وتعصبه للحق. وأما شباهته بجدته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ففي مدة حياته ، إذ توفيت الزهراء وعمرها ثماني عشرة سنة. وأما شباهته بعمه الحسنعليه‌السلام فقد شابهه بالبهاء والهيبة ، فكان وجهه يتلألأ نورا. وأما شباهته بأبيه الحسينعليه‌السلام فقد شابهه بالإباء والكرم ، ويكفيه إباء وكرما أنه أول من برز من أهل البيت الطاهر يوم كربلاء ، وما زال يضرب في القوم [ضرب غلام هاشميّ علوي] حتى استشهد رضوان الله عليه.

ـ تحقيق في سنّ علي الأكبرعليه‌السلام :

قال الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٥٤ : ولدعليه‌السلام في ١١ من شعبان ، كما في (أنيس الشيعة) في أوائل خلافة عثمان. أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة ابن مسعود الثقفي.

قال صاحب (نفس المهموم) : اختلفوا في سنّه الشريف اختلافا عظيما ، فقال

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

(وفي رواية) إن علي بن الحسينعليهما‌السلام قال لعمته : اسكتي يا عمّة حتى أكلّمه.ثم أقبل عليه ، فقال : أبالقتل تهددني يابن زياد ، أما علمت أن القتل لنا عادة ، وكرامتنا الشهادة!.

٣٢٣ ـ محاولة ابن زياد قتل زين العابدينعليه‌السلام لو لا زينبعليها‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٨ ط ٢ نجف)

وقال هشام بن محمّد : لما حضر علي بن الحسين الأصغرعليه‌السلام مع النساء عند ابن زياد ، وكان مريضا ؛ قال ابن زياد : كيف سلم هذا اقتلوه. فصاحت زينب بنت عليعليهما‌السلام : يابن زياد ، حسبك من دمائنا ، إن قتلته فاقتلني معه.

وقال عليعليه‌السلام : يابن زياد إن كنت قاتلي ، فانظر إلى هذه النسوة من بينهن وبينه قرابة يكون معهن. فقال ابن زياد : أنت وذاك.

قال الواقدي : وإنما استبقوا علي بن الحسينعليه‌السلام لأنه لما قتل أبوه كان مريضا ، فمرّ به شمر ، فقال : اقتلوه. ثم جاء عمر بن سعد ، فلما رآه قال :

لا تتعرضوا لهذا الغلام. ثم قال لشمر : ويحك من للحرم؟.

٣٢٤ ـ ابن زياد يمثّل بالرأس الشريف ويقورّه :

(تذكرة الخواص ، ص ٢٧٠ ط ٢ نجف)

وذكر عبد الله بن عمرو الورّاق في كتاب (المقتل) أنه لما حضر الرأس بين يدي ابن زياد ، أمر حجّاما فقال : قوّره ، فقوّره ، وأخرج لغاديده(١) ونخاعه ، وما حوله من اللحم.

فقام عمرو بن حريث المخزومي ، فقال لابن زياد : قد بلغت حاجتك من هذا الرأس ، فهب لي ما ألقيت منه. فقال : ما تصنع به؟. فقال : أواريه. فقال : خذه ، فجمعه في مطرف خزّ كان عليه ، وحمله إلى داره ، فغسّله وطيّبه وكفّنه ، ودفنه عنده في داره ، وهي بالكوفة تعرف بدار الخز ، دار عمرو بن حريث المخزومي.

يقول اليافعي في (مرآة الجنان) ج ١ ص ١٣٥ ط ١ :

وذكروا مع ذلك ما يعظم من الزندقة والفجور ، وهو أن عبيد الله بن زياد أمر أن

__________________

(١) اللغاديد : ما بين الحنك وصفحة العنق من اللحم.

٢٨١

يقوّر الرأس المشرف المكرم حتى ينصب في الرمح ، فتحامى الناس عن ذلك. فقام من بين الناس رجل يقال له طارق بن المبارك [بل هو ابن المشؤوم المذموم] فقوّره ، ونصبه بباب المسجد الجامع ، وخطب خطبة لا يحلّ ذكرها.

وذكر الخوارزمي في مقتله هذه الرواية ، ج ٢ ص ٥٢ ، وقال : إنه نصبه على باب داره.

٣٢٥ ـ حمل زين العابدين والسباياعليهم‌السلام إلى السجن :

يقول السيد المقرم في مقتله ، ص ٤٢٤ :

ولما وضح لابن زياد ولولة الناس ولغط أهل المجلس ، خصوصا لمّا تكلمت معه زينب العقيلةعليها‌السلام ، خاف هياج الناس ، فأمر الشرطة بحبس الأسارى في دار إلى جنب المسجد الأعظم(١) .

قال حاجب ابن زياد : كنت معهم حين أمر بهم إلى السجن ، فما مررنا بزقاق إلا وجدناه مملوءا رجالا ونساء ، يضربون وجوههم ويبكون. فحبسوا في سجن ، وضيّق عليهم(٢) .

فصاحت زينبعليها‌السلام بالناس : لا تدخل علينا (عربية) إلا مملوكة أو أم ولد ، فإنهن سبين كما سبينا [تقصد أن المملوكة التي سبيت سابقا لا تشمت بسبايا أهل البيتعليهم‌السلام لأنها ذاقت ذل السبي ، فلا بأس بدخولها عليهن ، بخلاف الحرة العربية التي يمكن أن تشمت بهن].

وفي (الأمالي) للشيخ الصدوق : ثم أمر بعلي بن الحسينعليهما‌السلام فغلّ ، وحمل مع النسوة والسبايا إلى السجن.

٣٢٦ ـ شماتة ابن زياد أمام أم كلثوم

(الأنوار النعمانية ، ج ٢ ص ٢٤٥)

وأرسل ابن زياد إلى أم كلثوم بنت الحسينعليهما‌السلام ، فقال : الحمد لله الّذي قتل رجالكم ، فكيف ترين ما فعل الله بكم؟. فقالتعليها‌السلام : يابن زياد لئن قرّت عينك

__________________

(١) اللهوف ، ص ٩١ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤٣.

(٢) روضة الواعظين ، ص ١٦٣.

٢٨٢

بقتل الحسينعليه‌السلام فطالما قرّت عين جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، وكان يقبّله ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه. يابن زياد أعدّ لجده جوابا ، فإنه خصمك غدا!.

دفن الشهداءعليهم‌السلام

٣٢٧ ـ حال أجساد الشهداء المطهرة بعد يوم عاشوراء :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤١٢)

ذكر أهل السير والتواريخ أن سيد الشهداءعليه‌السلام أفرد خيمة في حومة الميدان(١) ، وكان يأمر بحمل من قتل من صحبه وأهل بيته إليها. وكلما يؤتى بشهيد يقولعليه‌السلام : قتلة مثل قتلة النبيّين وآل النبيّين(٢) .

إلا أخاه أبا الفضل العباسعليه‌السلام تركه في محل سقوطه قريبا من شط الفرات.

ولما ارتحل عمر بن سعد بحرم الرسالة إلى الكوفة ، ترك أشلاء الشهداء على وجه الصعيد ، تصهرهم الشمس ، ويزورهم وحش الفلا. وبينهم سيد شباب أهل الجنة ، بحالة تفطّر الصخر الأصمّ ، غير أن الأنوار الإلهية تسطع من جوانبه ، والأرواح العطرة تفوح من نواحيه».

وظل جسد الحسين الشريف ملقى على وجه الرمال بلا دفن ثلاثة أيام ، وقد قال الشاعر :

ما إن بقيت من الهوان على الثرى

ملقى ثلاثا في ربى ووهاد

لكن لكي تقضي عليك صلاتها

زمر الملائك فوق سبع شداد

وقال الشريف الرضي أشعر الطالبيين ، في وصفه :

كأنّ بيض المواضي وهي تنهبه

نار تحكّم في جسم من النور

لله ملقى على الرمضاء غصّ به

فم الردى بعد إقدام وتشمير

تحنو عليه الرّبى ظلا وتستره

عن النواظر أذيال الأعاصير

تهابه الوحش أن تدنو لمصرعه

وقد أقام ثلاثا غير مقبور

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٦ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٣٠ ؛ وإرشاد المفيد.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٠ ص ٢١١ وج ١٣ ص ١٣٥ عن غيبة النعماني.

٢٨٣

٣٢٨ ـ لا يلزم تغسيل الشهداءعليهم‌السلام (المنتخب للطريحي ، ص ٣٧ ط ٢)

يقول الطريحي : ورد في الخبر عن سيد البشرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رمّلوهم بدمائهم ، فإنهم يحشرون يوم القيامة ، تشخب أوداجهم دما ؛ اللون لون الدم ، والريح ريح المسك.

٣٢٩ ـ دفن الأجساد الطاهرة(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢١٤)

يقول الميانجي : ولما انفصل ابن سعد عن كربلا ، خرج قوم من بني أسد ، كانوا نزولا بالغاضرية ، إلى الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، فصلوا عليهم ودفنوا الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأكبرعليه‌السلام عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله ، مما يلي رجلي الحسينعليه‌السلام . وجمعوهم ودفنوهم جميعا معا.

ودفنوا العباس بن عليعليه‌السلام في موضعه الّذي قتل فيه على طريق الغاضرية ، حيث قبره الآن.

ودفنت بنو أسد (حبيبا) عند رأس الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن ، اعتناء بشأنه.

ودفن الحرّ أقاربه في موضعه الّذي قتل فيه.

وقد دفن بنو أسد القتلى بعد ما قتلوا بثلاثة أيام (كما في تاريخ الطبري) ، وبعد يوم (كما عن المسعودي وابن شهر اشوب).

وفي (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء) ص ٥٧ :

واستحال على بني أسد نقل جثمان الحسينعليه‌السلام دفعة واحدة من محل مقتله إلى حفرته ، إذ كان مقطّعا إربا إربا ، ووضعوه فوق حصير بورياء ورفعوا أطرافه.وكدّسوا بقية الأشلاء(١) من غير ما فارق بين ضجيع وضجيع ، وبعضهم فوق بعض ، وهالوا عليهم التربة.

٣٣٠ ـ لا يلي دفن الإمام إلا إمام مثله(مقتل المقرم ، ص ٤١٤)

قال السيد المقرم : وفي اليوم الثالث عشر من المحرم ، أقبل زين العابدينعليه‌السلام لدفن أبيه الشهيدعليه‌السلام ، لأن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله(٢) .

__________________

(١) الشّلو : العضو من أعضاء الجسم ، جمعها أشلاء : وهي أعضاء الإنسان بعد البلى والتفرق.

(٢) إثبات الوصبة للمسعودي ، ص ١٧٣.

٢٨٤

وقال العلامة المجلسي : روي عن الإمام الرضاعليه‌السلام أن علي بن الحسينعليهما‌السلام جاء إلى كربلاء خفية ، فصلى على أبيه ودفنه بيده.

ولما أقبل الإمام السجّادعليه‌السلام [يوم الثالث عشر من المحرم من الكوفة إلى كربلاء] وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى ، متحيّرين لا يدرون ما يصنعون ، ولم يهتدوا إلى معرفتهم وقد فرّق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم. وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم. فأخبرهمعليه‌السلام عما جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة ، وأوقفهم على أسمائهم ، كما عرّفهم بالهاشميين من الأصحاب.

٣٣١ ـ دفن جسد الحسينعليه‌السلام (أسرار الشهادة ، ص ٤٠٦ ط ٢)

نقل الدربندي في (أسرار الشهادة) قال :

لما أقبل بنو أسد إلى كربلاء لمواراة جسد الحسينعليه‌السلام وأجساد أصحابه ، صارت همّتهم أولا أن يواروا جثة الحسينعليه‌السلام ثم الباقين. فجعلوا ينظرون الجثث في المعركة ، فلم يعرفوا جثة الحسينعليه‌السلام من بين تلك الجثث ، لأنها بلا رؤوس ، وقد غيّرتها الشموس.

فبينا هم كذلك وإذا بفارس أقبل إليهم ، حتى إذا قاربهم قال : وما بالكم؟.قالوا : إنا أتينا لنواري جثة الحسينعليه‌السلام وجثث ولده وأنصاره ، ولم نعرف جثة الحسينعليه‌السلام !. فلما سمع ذلك حنّ وأنّ ، وجعل ينادي : وا أبتاه ، وا أبا عبد الله ، ليتك حاضرا وتراني أسيرا ذليلا.

ثم قال لهمعليه‌السلام : أنا أرشدكم. فنزل عن جواده ، وجعل يتخطى القتلى ، فوقع نظره على جسد الحسينعليه‌السلام فاحتضنه وهو يبكي ويقول : يا أبتاه ، بقتلك قرّت عيون الشامتين ، يا أبتاه بقتلك فرحت بنو أمية ، يا أبتاه بعدك طال حزننا ، يا أبتاه بعدك طال كربنا.

ثم إنه مشى قريبا من جثتهعليه‌السلام ، فأهال يسيرا من التراب ، فبان قبر محفور ولحد مشقوق ، فنزّل الجثة الشريفة وواراها في ذلك المرقد الشريف ، كما هو الآن.

يقول الشيخ محمّد حسين الأعلمي في (دائرة المعارف) ج ٢٣ ص ٢٠١ :

حفر القبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يظهر من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

٢٨٥

٣٣٢ ـ كيف دفن الإمام السجّاد جسد أبيه الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤١٦)

ثم مشى الإمام زين العابدينعليه‌السلام إلى جسد أبيهعليه‌السلام واعتنقه وبكى بكاء عاليا. وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلا من التراب ، فبان قبر محفور وضريح مشقوق ، فبسط كفيه تحت ظهره وقال : «بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ، هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله. ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم».

وأنزله وحده ولما أقرّه في لحده وضع خده على منحره الشريف قائلا :

" طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطاهر ، فإن الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة. أما الليل فمسهّد ، والحزن فسرمد ، حتى يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته». وكتب على القبر : هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام الّذي قتلوه عطشانا غريبا.

٣٣٣ ـ دفن العباسعليه‌السلام (دائرة المعارف للأعلمي ، ج ٢٣ ص ٢٠٣)

ثم التفت إليناعليه‌السلام وقال : انظروا هل بقي أحد؟. فقالوا : نعم يا أخا العرب ، بطل مطروح حول المسنّاة على نهر العلقمي ، وحوله جثّتان ، وكلما حملنا جانبا منه سقط الآخر ، لكثرة ضرب السيوف والسهام!. فقال : امضوا بنا إليه ، فمضينا. فلما رآه انكبّ عليه يقبّله ويقول : على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم ، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ، ورحمة الله وبركاته. ثم أمرنا أن نشقّ له ضريحا ، ففعلنا. ثم أنزله وحده ولم يشرك معه أحدا منا. ثم أهال عليه التراب.

ثم أمرنا بدفن الجثتين ، وهما من ولد أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضا.

٣٣٤ ـ دفن بقية الشهداءعليهم‌السلام (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤١٧)

ثم عيّن لبني أسد موضعين ، وأمرهم أن يحفروا حفرتين ، وضع في الأولى بني هاشم ، وفي الثانية الأصحاب(١) .

وكان أقرب الشهداء إلى الحسينعليه‌السلام ولده علي الأكبر الّذي قبره عند رجليه.

__________________

(١) الكبريت الأحمر ، وأسرار الشهادة ، والإيقاد.

٢٨٦

وفي (العيون العبرى) للميانجي ، ص ٢١٦ :

عن (الأسرار)و (دار السلام) عن الجزائري ، أن السجّادعليه‌السلام جعل يقول : هذا فلان وهذا فلان ، والأسديون يوارونهم. فلما فرغ مشى إلى جثة العباسعليه‌السلام فدفنه هناك. ثم عطف على جثث الأنصار ، وحفر لهم حفيرة واحدة وواراهم فيها ، إلا حبيب بن مظاهر ، حيث أبى بعض بني عمه ذلك ، ودفنه في ناحية عن الشهداء.

٣٣٥ ـ مواراة الحر بن يزيد رضي الله عنه :(دائرة المعارف للأعلمي ، ج ٢٣ ص ٢٠٢)

فلما فرغ الأسديون من مواراتهم ، قال لهم زين العابدينعليه‌السلام : هلموا لنواري جثة الحر الرياحي ، فتمشّى وهم خلفه حتى وقف عليه ، فقال : أما أنت فقد قبل الله توبتك ، وزاد في سعادتك ، ببذلك نفسك أمام ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وأراد الأسديون حمله إلى محل الشهداء ، فقال : لا ، بل في مكانه واروه.

وفي (العيون العبرى) للميانجي ، ص ٢١٦ :

فلما فرغوا ركب الفارس جواده ، فتعلق به الأسديون وقالوا له : بحقّ من واريته بيدك ، من أنت؟. قالعليه‌السلام : أنا حجة الله عليكم ، أنا علي بن الحسينعليهما‌السلام ، جئت لأواري جثة أبي ومن معه والآن أنا راجع إلى سجن عبيد الله بن زياد ..فودّعهم وانصرف عنهم.

٣٣٦ ـ رواية الشيخ المفيد عن دفن الشهداءعليهم‌السلام :

(الإرشاد للمفيد ، ص ٢٤٣ ط نجف)

قال الشيخ المفيد : ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسينعليه‌السلام وأصحابه فصلّوا عليهم ، ودفنوا الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغرعليه‌السلام عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله ، مما يلي رجلي الحسينعليه‌السلام ، وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا. ودفنوا العباس بن عليعليه‌السلام في موضعه الّذي قتل فيه على طريق الغاضرية ، حيث قبره الآن.

ثم قال الشيخ المفيد ، ص ٢٤٩ :

وكل شهداء أهل البيتعليهم‌السلام مدفونون مما يلي رجلي الحسينعليه‌السلام في مشهده ، حفر لهم حفيرة وألقوا فيها جميعا ، وسوّي عليهم التراب إلا

٢٨٧

العباسعليه‌السلام ، فإنه دفن في موضع مقتله على المسنّاة بطريق الغاضرية ، وقبره ظاهر.

وليس لقبور إخوته وأهله الذين سمّيناهم أثر ، وإنما يزورهم الزائر من عند قبر الحسينعليه‌السلام ويومئ إلى الأرض التي نحو رجليه بالسلام عليهم ، وعلى علي بن الحسينعليه‌السلام في جملتهم ، ويقال : إنه أقربهم دفنا إلى الحسينعليه‌السلام .

فأما أصحاب الحسينعليه‌السلام رحمة الله عليهم ، الذين قتلوا معه ، فإنهم دفنوا حوله ، ولسنا نحصّل لهم أجداثا على التحقيق والتفصيل ، إلا أنا لا نشك أن الحائر الحسيني محيط بهم ، رضي الله عنهم وأرضاهم وأسكنهم جنات النعيم.

اليوم الرابع عشر من المحرم وما بعده

٣٣٧ ـ الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام تحتضن الرأس الشريف وتقبّله :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٢٥)

ودعا ابن زياد بالسبايا مرة أخرى ، فلما دخلوا عليه رأين رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه ، والأنوار الإلهية تتصاعد [منه] إلى عنان السماء ، فلم تتمالك الرباب

[بنت امرئ القيس] زوجة الحسينعليه‌السلام دون أن وقعت عليه ، وأخذت الرأس المقدس ووضعته في حجرها وقبّلته ، وقالت :

وا حسينا فلا نسيت حسينا

أقصدته أسنّة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعا

لا سقى الله جانبي كربلاء

والرباب هذه بعد رجوعها إلى المدينة خطبها الأشراف من قريش ، فقالت : والله لا كان لي حمو بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وعاشت بعد الحسينعليه‌السلام سنة ثم ماتت كمدا عليه ، ولم تستظل بعده بسقف(١) .

٣٣٨ ـ إحضار ابن زياد المختار الثقفي ليفتخر أمامه بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(وسيلة الدارين ، ص ٣٦٣)

ذكر الفاضل المازندراني في (معالي السبطين) ج ٢ ص ١٠٩ نقلا عن بعض

__________________

(١) انظر لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٩٦ ط نجف ؛ وتذكرة الخواص ، ص ٢٧٠ ط ٢ نجف.

٢٨٨

الكتب : أن ابن زياد استخرج المختار من الحبس ، وكان محبوسا عنده من يوم قتل مسلم بن عقيلعليه‌السلام . فبقي في السجن حتى جيء برأس الحسينعليه‌السلام ووضع بين يديه ، فغطّاه بمنديل. ثم استخرج المختار من الحبس ، وجعل يستهزئ عليه. فقال المختار : ويلك أتستهزئ عليّ ، وقد قرّب الله فرجه!. فقال ابن زياد : من أين يأتيك الفرج يا مختار؟. قال : بلغني أن سيدي ومولاي الحسينعليه‌السلام قد توجّه نحو العراق ، فلا بدّ أن يكون خلاصي على يده. قال ابن زياد : لقد خاب ظنك ورجاؤك يا مختار ، إنا قتلنا الحسين. قال : صه فضّ الله فاك ، ومن يقدر على قتل سيدي ومولاي الحسينعليه‌السلام ؟. قال له : يا مختار انظر ، هذا رأس الحسين!. فرفع المنديل ، وإذا بالرأس الشريف بين يديه في طشت من الذهب. فلما نظر المختار إلى الرأس الشريف جعل يلطم على رأسه ، وينادي : وا سيداه!. وا مظلوماه!.

نهاية عمر بن سعد

٣٣٩ ـ نهاية عمر بن سعد :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٩ ط ٢ نجف)

ثم قام عمر بن سعد من عند ابن زياد يريد منزله إلى أهله ، وهو يقول في طريقه :ما رجع أحد مثلما رجعت ، أطعت الفاسق ابن زياد ، الظالم ابن الفاجر ، وعصيت الحاكم العدل ، وقطعت القرابة الشريفة.

وهجره الناس ، وكان كلما مرّ على ملأ من الناس أعرضوا عنه ، وكلما دخل المسجد خرج الناس منه ، وكل من رآه قد سبّه. فلزم بيته إلى أن قتل.

٣٤٠ ـ ندم عمر بن سعد حيث لا ينفع الندم :

(الأخبار الطوال للدينوري ، ص ٢٦٠)

روي عن حميد بن مسلم قال : كان عمر بن سعد لي صديقا ، فأتيته عند منصرفه من قتال الحسينعليه‌السلام ، فسألته عن حاله ، فقال : لا تسأل عن حالي ، فإنه ما رجع غائب إلى منزله بشرّ مما رجعت به. قطعت القرابة القريبة ، وارتكبت الأمر العظيم». ولكن هيهات ينفع الندم.

وفي (كامل ابن الأثير) ج ٤ ص ٩٣ :

ثم إن ابن زياد قال لعمر بن سعد بعد عوده من قتل الحسين : يا عمر؟. ائتني

٢٨٩

بالكتاب الّذي كتبته إليك في قتل الحسين (ومناجزته). قال : مضيت لأمرك وضاع الكتاب. قال : لتجيئني به. قال : ضاع. قال : لتجيئني به!. قال : ترك والله يقرأ على عجائز قريش بالمدينة ، اعتذارا إليهنّ.

٣٤١ ـ مجادلة عبيد الله بن زياد مع عمر بن سعد حول ملك الريّ :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٣٠ ط ٢)

قال فخر الدين الطريحي : حكي أنه لما فرغ عمر بن سعد من حرب الحسينعليه‌السلام وأدخلت الرؤوس والأسارى إلى عبيد الله بن زياد ، جاء عمر بن سعد ودخل على عبيد الله بن زياد يريد منه أن يمكّنه من ملك الرّي. فقال له ابن زياد : آتني بكتابي الّذي كتبته لك في معنى قتل الحسين وملك الري. فقال له عمر بن سعد : والله إنه قد ضاع مني ولا أعلم أين هو. فقال له ابن زياد : لا بدّ أن تجيئني به في هذا اليوم ، وإن لم تأتني به فليس لك عندي جائزة أبدا ، لأني كنت أراك مستحييا معتذرا في أيام الحرب من عجائز قريش. ألست أنت القائل؟ :

فو الله ما أدري وإني لصادق

أفكّر في أمري على خطرين

أأترك ملك الرّي والريّ منيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين

وهذا كلام معتذر مستح متردد في رأيه.

٣٤٢ ـ ابن زياد يتلاعب على عمر بن سعد ويتنصّل من كتابه :

(المصدر السابق)

فقال عمر بن سعد : والله يا أمير لقد نصحتك في حرب الحسين نصيحة صادقة ، لو ندبني إليها أبي سعد ، لما كنت أدّيته حقه كما أديت حقك في حرب الحسين.فقال له عبيد الله بن زياد : كذبت يا لكع [أي يا لئيم أو يا أحمق].

فقال عثمان بن زياد [أخو عبيد الله بن زياد] : والله يا أخي لقد صدق عمر ابن سعد في مقالته. وإني لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزامة

[هي حلقة توضع في الأنف بعد ثقبه ، كناية عن الإذلال والاستعباد] إلى يوم القيامة ، وأن حسينا لم يقتل أبدا.

٣٤٣ ـ عمر بن سعد يرجع بخفّي حنين(المصدر السابق)

فقال عمر بن سعد : فو الله يابن زياد ما رجع أحد من قتلة الحسين بشرّ مما رجعت

٢٩٠

به أنا!. فقال له : وكيف ذلك؟. فقال : لأني عصيت الله وأطعت عبيد الله ، وخذلت الحسين بن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونصرت أعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد ذلك إني قطعت رحمي ووصلت خصمي وخالفت ربي. فيا عظيم ذنبي ،

ويا طول كربي في الدنيا والآخرة. ثم نهض من مجلسه مغضبا مغموما ، وهو يقول : و( ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) (١١) [الحج : ١١].

يقول الطريحي : وقد كان الإمام عليعليه‌السلام نبّأه بهذه النتيجة ، وأنه لن يهنأ بملك الري ، ولكنه لم يعتبر. كما نبأه الإمام عليعليه‌السلام بنوع قتلته ، فكان كما قال ، إذ بعث المختار له من ذبحه وهو على فراشه.

خبر عبد الله بن عفيف الأزدي

٣٤٤ ـ مجابهة عبد الله بن عفيف الأزدي لابن زياد :

(اللهوف لابن طاووس ، ص ٦٩ ؛ ومقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٢٦)

قال ابن أبي الدنيا : ثم جمع ابن زياد الناس في المسجد ، فصعد المنبر وخطب فقال : الحمد لله الّذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه ، وقتل الكذّاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته(١) . فما زاد على الكلام شيئا.

يقول السيد المقرم في مقتله : فلم ينكر عليه أحد من أولئك الجمع الّذي غمره الضلال ، إلا عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي أحد بني والبة ، وكان من خيار الشيعة وزهّادها ، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل ، والأخرى في يوم صفين.وكان يلازم المسجد الأعظم ، يصلي فيه الليل. فقال :

يابن زياد ؛ الكذّاب ابن الكذاب ، أنت وأبوك ، والذي ولّاك وأبوه. يابن مرجانة ، أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصدّيقين(٢) على منابر المؤمنين!.

قال الراوي : فغضب ابن زياد ، وقال : من هذا المتكلم؟.

فقال ابن عفيف : أنا المتكلم يا عدوّ الله ، أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس ، وتزعم أنك على دين الإسلام؟!. وا غوثاه ، أين أولاد

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٨٢.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٦٣.

٢٩١

المهاجرين والأنصار ، لينتقموا من طاغيتك اللعين ابن اللعين ، على لسان رسول رب العالمين؟.

فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه ، وقال : عليّ به. فقامت إليه الجلاوذة (الشرطة) من كل ناحية ليأخذوه.

فنادى ابن عفيف بشعار الأزد (يا مبرور) ، فوثب إليه منهم سبعمائة رجل ، فانتزعوه من أيدي الجلاوذة ، وأخرجوه من باب المسجد ، وانطلقوا به إلى منزله.

٣٤٥ ـ مقتل الشهيد السعيد عبد الله بن عفيف(المصدران السابقان)

فقال ابن زياد : اذهبوا إلى هذا الأعمى ، الّذي أعمى الله قلبه كما أعمى عينيه ، فأتوني به. قال : فانطلقوا إليه.

فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم. وبلغ ذلك ابن زياد ، فجمع قبائل مضر ، وضمهم إلى محمّد بن الأشعث ، وأمرهم بقتال القوم.

قال الراوي : فاقتتلوا قتالا شديدا ، حتى قتل من الفريقين جماعة. ووصل أصحاب ابن الأشعث إلى دار ابن عفيف ، فكسروا الباب واقتحموا عليه الدار.فصاحت ابنته : أتاك القوم من حيث تحذر. فقال لها : لا عليك ، ناوليني سيفي.

قال : فناولته إياه ، فجعل يذبّ عن نفسه ، ويقول :

أنا ابن ذي الفضل العفيف الطاهر

عفيف شيخي وابن أم عامر

كم دارع من جمعكم وحاسر

وبطل جدّلته مغادر

قال : وجعلت ابنته تقول له : يا أبت ليتني كنت رجلا أذبّ بين يديك هؤلاء الفجرة ، قاتلي العترة البررة.

قال : وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة ، وهو يذبّ عن نفسه ، فلم يقدر عليه أحد. وكلما جاؤوه من جهة ، قالت له ابنته : يا أبت جاؤوك من جهة كذا ، حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به. فقالت ابنته : وا ذلاه ، يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به. فجعل يدور بسيفه ويقول :

أقسم لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

قال الراوي : فما زالوا به حتى أخذوه ، وأتوا به إلى ابن زياد. فلما رآه قال ابن

٢٩٢

زياد : الحمد لله الّذي أعمى عينيك. فقال ابن عفيف : الحمد لله الّذي أعمى قلبك.

فقال ابن زياد : يا عدوّ الله ما تقول في عثمان بن عفان؟. فشتمه ابن عفيف وقال:يا عبد بني علاج ، يابن مرجانة ، ما أنت وعثمان بن عفان ؛ أساء أو أحسن ، وأصلح أم أفسد!. وإن الله تبارك وتعالى وليّ خلقه ، يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق. ولكن سلني عن أبيك وعنك ، وعن يزيد وأبيه!.

فقال ابن زياد : لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت غصّة بعد غصة.

فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله رب العالمين. أما إني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة من قبل أن تلدك أمك ، وسألت الله أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه وأبغضهم إليه. فلما كفّ بصري يئست من الشهادة ، والآن فالحمد لله الّذي رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرّفني الإجابة منه في قديم دعائي.

فقال ابن زياد : اضربوا عنقه. فضربت عنقه ، وصلب في السبخة. رضوان الله عليه.

٣٤٦ ـ إطلاق سراح النساء الأسرى غير الهاشميات :

يقول السيد إبراهيم الزنجاني في (وسيلة الدارين في أنصار الحسين) :

لم يسب في الكوفة إلا النساء الهاشميات ، وأما غيرهن فقد شفع فيهن أقرباؤهن من القبائل وأطلق سراحهن.

٣٤٧ ـ تطويف رأس الحسينعليه‌السلام في سكك الكوفة :

(وسيلة الدارين ، ص ٣٦٦)

ثم أمر ابن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فطيف به في سكك الكوفة كلها وقبائلها.

قال زيد بن أرقم : لما مرّ به عليّ وهو على رمح ، وأنا في غرفة لي ، فلما حاذاني سمعته يقرأ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) . فوقف والله شعري عليّ ، وناديت : رأسك والله يابن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب.

فلما فرغ القوم من التطواف به في الكوفة ردّوه إلى باب القصر.

٣٤٨ ـ نصب الرؤوس بالكوفة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٠ ط ٢ نجف)

ثم إن ابن زياد نصب الرؤوس كلها بالكوفة على الخشب ، وكانت زيادة على

٢٩٣

سبعين رأسا ، وهي أول رؤوس نصبت في الإسلام ، بعد رأس مسلم بن عقيل بالكوفة.

كلام الرأس المقدّس

ـ تعليق حول كلام الرأس المقدس وهو على الرمح :

(المجالس السّنيّة للسيد الأمين ، ج ٣ مجلس ١٨٦)

لما كانت معركة صفّين ، وأيقن معاوية من الهزيمة ، لم يجد غير اتخاذ الحيلة ، فرفع عمرو بن العاص المصاحف على رؤوس الرماح ، ليوهم أهل العراق بأنه يحتكم إلى القرآن. فحذّر الإمام عليعليه‌السلام أصحابه من حيلة أهل الشام ، وقال لهم : أنا كتاب الله الناطق ، وهذا المصحف كتاب الله الصامت ، فأيهما أحقّ بالاحتكام إليه؟.

فلم يصغوا إليه!.

ثم كانت معركة كربلاء ، وقتلوا الحسينعليه‌السلام ورفعوا رأسه على السنان.فتذكرت عند ذلك رفع معاوية للقرآن على رؤوس الرماح يوم صفين ، فقلت :

ما أشدّ الشبه بين الحالين ؛ فهناك رفعوا القرآن على الرمح وهو كتاب الله الصامت ، وهنا رفعوا رأس الحسين على السنان وهو كتاب الله الناطق ، فنطق بالحجة حتى وهو مقطوع في أكثر من موضع ، كاشفا عن معجزته وكرامته.

٣٤٩ ـ تكلم الرأس الشريف في عدة مواضع :

يقول المحقق السيد عبد العزيز المقرّم في مقتله :

لم يزل السبط الشهيد حليف القرآن منذ أنشأ الله كيانه ، لأنهما ثقلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخليفتاه على أمته. وقد نصّ الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض. فبذلك كان الحسينعليه‌السلام غير مبارح تلاوة القرآن طيلة حياته ، وحتى بعد مماته. وكما قال الشاعر :

لهفي لرأسك فوق مسلوب القنا

يكسوه من أنواره جلبابا

يتلو الكتاب على السنان وإنما

رفعوا به فوق السنان كتابا

ويقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٤٨٨ :

٢٩٤

عن مسلمة بن كهيل قال : رأيت رأس الحسينعليه‌السلام على قناة وهو يقرأ :

( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [البقرة : ١٣٧].

قال هلال بن معاوية : رأيت رجلا يحمل رأس الحسينعليه‌السلام والرأس يخاطبه :فرّقت بين رأسي وبدني ، فرّق الله بين لحمك وعظمك ، وجعلك آية ونكالا للعالمين. فرفع السوط وأخذ يضرب الرأس ، حتى سكت.

٣٥٠ ـ رأس الحسينعليه‌السلام يتلو من سورة الكهف :

يقول السيد المقرم في مقتله ص ٤٣٣ :

ولما نصب الرأس الأقدس في موضع (الصيارفة) وهناك لغط المارة وضوضاء المتعاملين ، فأراد سيد الشهداءعليه‌السلام توجيه النفوس نحوه ، ليسمعوا بليغ عظاته.فتنحنح تنحنحا عاليا ، فاتجهت إليه الناس ، واعترتهم الدهشة ، حيث لم يسمعوا رأسا مقطوعا يتنحنح قبل يوم الحسينعليه‌السلام ، فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى :( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ) [الكهف : ١٣] ، فلم يزدهم إلا ضلالا.

وفي (مناقب آل أبي طالب) لابن شهر اشوب ، ج ٣ ص ٢١٨ ط نجف :

إنهم لما صلبوا الرأس الشريف على شجرة خارج الكوفة سمع منه :

( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : ٢٢٧].

وفي (تظلّم الزهراء) للقزويني ، عن الحارث بن وكيدة ، قال : كنت فيمن حمل رأس الحسينعليه‌السلام فسمعته يقرأ سورة الكهف ، فجعلت أشكّ في نفسي وأنا أسمع نغمة أبي عبد الله. فترك الحسينعليه‌السلام القراءة والتفت إليّ يخاطبني : يابن وكيدة ، أما علمت أنّا معاشر الأئمة أحياء عند ربنا نرزق؟!.

قال ابن وكيدة : فقلت في نفسي أسرق رأسه وأدفنه ، فإذا الخطاب من الرأس الأزهر: يابن وكيدة ، ليس لك إلى ذلك سبيل ، إنّ سفكهم دمي أعظم عند الله تعالى من تسييرهم إياي على الرمح ، فذرهم فسوف يعلمون( إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ ) (٧١) [غافر : ٧١].

٢٩٥

ولنعم ما قال الشاعر ، وهو رزق الله بن عبد الوهاب الجبّائي في الحسينعليه‌السلام (١) :

رأس ابن بنت محمّد ووصيّه

للناظرين على قناة يرفع

والمسلمون بمسمع وبمنظر

لا منكر منهم ولا متفجّع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصمّ رزؤك كلّ أذن تسمع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى

وأنمت عينا لم تكن بك تهجع

ما روضة إلا تمنّت أنها

لك تربة ولخطّ قبرك مضجع

٣٥١ ـ حجر يقع في سجن السبايا ينبئهم بأن مصيرهم إما القتل أو التسيير إلى يزيد :

ظل الإمام السجّادعليه‌السلام مع سبايا أهل البيتعليهم‌السلام في سجن ابن زياد حتى ١٩ محرم [أي حوالي ستة أيام] وهم لا يعرفون المصير الّذي يترصّدهم ، بعد أن بعث ابن زياد إلى يزيد يسأله ماذا يفعل بهم؟.

وفي الأثناء ألقي إليهم حجر معه كتاب مربوط ، وفيه : خرج البريد بأمركم إلى يزيد في يوم كذا ، وهو سائر كذا يوما ، وراجع في كذا يوم. فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل ، وإن لم تسمعوا تكبيرا فهو الأمان.

وقبل قدوم البريد بيومين ، ألقي حجر في السجن ومعه كتاب وموسى ، وفي الكتاب: أوصوا واعهدوا ، فإنما ينتظر البريد يوم كذا.

فجاء البريد ، ولم يسمع التكبير. وفي كتاب يزيد الأمر بأن يسرّحهم ابن زياد إلى دمشق(٢) .

٣٥٢ ـ كم مكثوا في السجن؟ :

(مع الحسين في نهضته للسيد أسد حيدر ، ص ٣٠٨)

اختلفت الأقوال في تحديد اليوم الّذي انفصل فيه ركب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكوفة إلى الشام. كما اختلفت الأقوال في يوم ورودهم إلى الكوفة. ومن هذا لا نعلم بالضبط مدة بقائهم في سجن ابن زياد.

وقد ذهب البعض إلى أنهم لم يمكثوا أكثر من أسبوع.

__________________

(١) سمط النجوم العوالي في أبناء الأوائل والتوالي لعبد الملك المكي ، ج ٣ ص ٧٩.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٦٦.

٢٩٦

٣٥٣ ـ استجواب ابن زياد لعبيد الله بن الحر الجعفي :

(مقتل أبي مخنف المقتبس من الطبري ، ص ٢٤٤ و ٢٤٥)

قال أبو مخنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي ، أن عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسينعليه‌السلام تفقّد أشراف الكوفة ، فلم ير عبيد الله بن الحر. ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه ، فقال : أين كنت يابن الحر؟. قال : كنت مريضا. قال : مريض القلب أو مريض البدن؟. قال : أما قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فقد منّ الله عليّ بالعافية. فقال له ابن زياد : كذبت ؛ ولكنك كنت مع عدونا. قال : لو كنت مع عدوّك لرئي مكاني ، وما كان مثل مكاني يخفى.

قال : وغفل عنه ابن زياد غفلة ، فخرج ابن الحر فقعد على فرسه. فقال ابن زياد :أين ابن الحر؟. قالوا : خرج الساعة. قال : عليّ به. فأحضرت الشّرط فقالوا له :أجب الأمير. فدفع فرسه ، ثم قال : أبلغوه أني لا آتيه والله طائعا أبدا.

ثم خرج حتى أتى منزل أحمر بن زياد الطائي ، فاجتمع إليه في منزله أصحابه.

ثم خرج حتى أتى كربلاء ، فنظر إلى مصارع القوم ، فاستغفر لهم هو وأصحابه.

ثم مضى حتى نزل المدائن. وقال في ذلك :

يقول أمير غادر حقّ غادر :

ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه؟

ونفسي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تسدّد نادمه

وإني لأني لم أكن من حماته

لذو حسرة ما إن تفارق لازمه

سقى الله أرواح الذين تآزروا

على نصره سقيا من الغيث دائمه

وقفت على أجداثهم ومحالهم

فكاد الحشى ينقضّ والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى

سراعا إلى الهيجا حماة خضارمه

تأسّوا على نصر ابن بنت نبيّهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمه

فإن يقتلوا في كل نفس بقية

عليا لأرض قد أضحت لذلك واجمه

وما إن رأى الراؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهرا قماقمه

أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا

فدع خطّة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد أرغمتمونا بقتلهم

فكم ناقم منا عليكم وناقمه

أهمّ مرارا أن أسير بجحفل

إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه

٢٩٧

فكفّوا وإلا زرتكم في كتائب

أشدّ عليكم من زحوف الديالمه

وسوف ترد هذه القصيدة في مناسبة ثانية ، في الفقرة ٦٦٥ من هذا الجزء ، في أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام ورثاه.

قصة ولدي مسلم بن عقيلعليه‌السلام

٣٥٤ ـ قصة الغلامين محمّد وإبراهيمعليهما‌السلام :

هما غلامان من أولاد أهل البيتعليهم‌السلام لم يبلغا الحلم ، أسرا في الكوفة أو في كربلاء ، وحاولا الهرب والنجاة. وقد اختلف في نسبتهما.

قال الطبري وصاحب (كفاية الطالب) : إن محمّدا وإبراهيم هما : إما من ولد عبد الله بن جعفرعليه‌السلام أو من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام ، على اختلاف الروايات فيهما.

وقد أورد هذه القصة الخوارزمي في مقتله ، واعتبر أن الغلامين هربا من عسكر ابن زياد ، وهما من أولاد جعفر الطيارعليه‌السلام . وعندما هربا وجدا امرأة تستسقي فالتجآ إليها ، فلما تعرّفت عليهما أحسنت إليهما ، لكن زوجها كان عميلا لابن زياد ، وكان ابن زياد قد طرح جائزة لمن يأتي بهما.

أما بقية المقاتل فذكرت القصة منسوبة إلى ولدي مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، وهما محمّد [وعمره إحدى عشرة سنة] ، والثاني إبراهيم [وعمره تسع سنين] ، وذلك بروايتين مختلفتين :

الرواية الأولى : في (معالي السبطين) للمازندراني ، نقلا عن (الناسخ) : أن مسلم بن عقيلعليه‌السلام قبل مقتله بالكوفة كان هذان الطفلان معه ، فأودعهما عند شريح القاضي وأوصاه بهما. فلما قتل مسلم رأى شريح القاضي تسفيرهما إلى المدينة.وفي طريقهما إلى القافلة أخذهما أهل الكوفة وسلّموهما إلى ابن زياد إلى آخر القصة.

والرواية الثانية : أنهما أخذا أسيرين إلى الكوفة ، وأودعا السجن ، ثم فرّا منه.وهي مشابهة لرواية الخوارزمي. وهي قصة تنبئ عن براءة الأطفال ، ووحشية الكبار ، وأن الطمع يعمي القلب ، ويدفع الإنسان إلى ارتكاب كل جريمة ، كما فعل الحارث بن عروة كما تبيّن أن هناك في كل عصر وموقع رجالا مؤمنين صدقوا

٢٩٨

ما عاهدوا الله عليه ، وأنهم مستعدون للتضحية بكل غال ونفيس فداء للمبدأ والعقيدة التي آمنوا بها ، حتى ولو استدعى ذلك إلى بذل نفوسهم وأرواحهم.

وإليك القصة بالروايتين :

الرواية الأولى

٣٥٥ ـ قصة الغلامين ولدي مسلم بن عقيلعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧١)

قال صاحب (الناسخ) : إن هانئ بن عروة لما أخذ وحبس ، وخرج مسلم بن عقيلعليه‌السلام من دار هانئ ، وجمع شيعته ، واجتمعوا حوله وخرجوا على عبيد الله بن زياد ، دعا مسلم بن عقيلعليه‌السلام بابنيه محمّد وإبراهيم وكانا معه ، وسلّمهما إلى شريح القاضي ، وأوصاه بهما ، وكانا في داره حتى قتل مسلمعليه‌السلام . فأخبر ابن زياد بأن ابني مسلم محمدا وإبراهيم كانا مع مسلم ، وقد اختفيا في البلد. فأمر فنودي : من له علم بخبر ابني مسلم ولم يخبرنا فهو مهدور الدم. ولما سمع شريح أحضرهما وأشفق عليهما وبكى. فقالا : يا شريح ما هذا البكاء؟ فقال : لقد قتل أبوكما مسلم. فلما سمعا بكيا بكاء شديدا ، وناديا بالويل والثبور ، وصاحا : وا أبتاه وا غربتاه!. فجعل يسلّي خاطرهما ويعزّيهما بأبيهما. ثم أخبرهما بخبر عبيد الله بن زياد ، فخافا وسكتا. فقال شريح : أنتما قرة عيني وثمرة فؤادي ، ولا أدع أن يظفر بكما أحد ، من ابن زياد ولا غيره ، وأرى أن أسلّمكما إلى رجل أمين حتى يوصلكما إلى المدينة.

ثم دعا بابن له يقال له الأسد ، وقال : بلغني أن قافلة شدّوا على رحالهم يريدون المدينة ، فخذ هذين الصبيين وسلّمهما إلى رجل أمين ، كي يوصلهما إلى المدينة.ثم قبّلهما وأعطى لكل واحد منهما خمسين دينارا ، وودّعهما.

فلما مضى من الليل شطره حملهما ابن القاضي إلى ظهر الكوفة ، ومضى بهما أميالا. ثم قال : أيا ولديّ إن القافلة قد رحلت ومضت ، وهذا سوادها. امضيا حتى تلحقا بها وعجّلا في المشي. ثم ودّعهما ورجع.

ومضى الغلامان في سواد الليل وجعلا يسرعان حتى تعبا ، وإذا بنفر من أهل الكوفة قد عارضوهما وأخذوهما ، وجاؤوا بهما إلى عبيد الله بن زياد. فدعا عبيد الله بالسجّان وسلّمهما إليه. وكتب إلى يزيد كتابا وأخبره بقصتهما.

٢٩٩

وكان السجّان من محبّي أهل البيتعليهم‌السلام واسمه (مشكور). وكان الغلامان في السجن وهما باكيان حزينان ، والسجّان لمّا عرفهما أشفق عليهما وأحسن إليهما ، وأحضر لهما الطعام والشراب ، وأخرجهما من الحبس في جوف الليل ، وأعطاهما خاتمه ، وقال : أيا ولديّ إذا وصلتما إلى (القادسية) عرّفا أنفسكما إلى أخي ، واعرضا عليه خاتمي علامة ، فهو يكرمكما ويوقفكما على الطريق ، بل ويوصلكما إلى المدينة.

وخرج الغلامان إلى القادسية ، ومضيا في جوف الليل ، وهما غير خبيرين بالطريق. فلما أصبحا إذا هما حول الكوفة ، فخافا ومضيا إلى حديقة فيها نخيل وماء وشجر ، فصعدا على نخلة. فجاءت جارية حبشية لتستقي ماء ، فرأت عكس صورهما في الماء ، نظرت وإذا بغلامين صغيرين كأن الله لم يخلق مثلهما. وجعلت تلاطف بهما حتى نزلا من النخلة. وأتت بهما إلى دارها وأخبرت سيدتها بهما.فلما رأتهما [أي سيدة الدار] اعتنقتهما وقبّلتهما ، وقالت : يا حبيبيّ من أنتما؟.قالا : نحن من عترة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولد مسلم بن عقيل. فلما عرفتهما زادت في إكرامهما ، وأحضرت لهما الطعام والشراب ، وأعتقت جاريتها سرورا بهذه العطية ، وأوصتها بأن لا يطّلع زوجها على ذلك ، لأنها كانت تعرفه بالشر.

وأما عبيد الله بن زياد ، لما بلغه الخبر بأن مشكورا أطلق ولدي مسلم وأخرجهما من الحبس ، دعاه وقال له : ويلك أين الغلامان؟. قال : لما عرفتهما أطلقتهما كرامة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال : أأمنت من سطوتي؟ أما خفت من عقوبتي!. فقال : بل خفت من عقوبة ربي. ويلك يابن مرجانة ، قتلت أباهما وأيتمتهما على صغر سنهما ، فما تريد منهما؟. فغضب عبيد الله ودعا بالسياط ، وقال : اجلدوه خمسمائة جلدة ، واضربوا عنقه. فقال مشكور : هذا في الله وفي حبّ أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليل.فجلدوه خمسمائة جلدة. وجعل يسبّح الله ويقدّسه ، ويقول : الله م أستعين بك وأطلب منك الفرج والروح والصبر ، فإني قتلت في حب أهل بيت نبيك. الله م ألحقني بنبيّك وآله. ثم سكت حتى ضربوه خمسمائة سوط ، وقد بلغت روحه التراقي ، فقال بضعيف صوته : اسقوني ماء. فقال ابن زياد : لا تسقوه ، بل اقتلوه عطشانا. فتقدم عمرو بن الحارث وتشفّع فيه عند ابن زياد ، وحمله إلى داره ليداويه ، ففتح مشكور عينيه ، وقال : والله لقد شربت شرابا من الكوثر ، لا أظمأ بعده أبدا.ثم فارقت روحه.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800