موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493729 / تحميل: 5848
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فأقبل على أم كلثومعليها‌السلام وقال لها : أوصيك يا أخيّة بنفسك خيرا ، وإني بارز إلى هؤلاء القوم. فأقبلت سكينة وهي صارخة وكان يحبها حبا شديدا ، فضمّها إلى صدره ومسح دموعها بكمه ، وقال :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء إذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان

١٢٤ ـ نعي الحسينعليه‌السلام نفسه ، وطلب نسائه الرجوع إلى حرم جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)

قال أبو مخنف : ثم نادىعليه‌السلام : يا أم كلثوم ويا زينب ويا سكينة ويا رقية ويا عاتكة ويا صفية ، عليكنّ مني السلام ، فهذا آخر الاجتماع ، وقد قرب منكن الافتجاع. فصاحت أم كلثوم : يا أخي كأنك استسلمت للموت!. فقال لها الحسينعليه‌السلام : يا أختاه فكيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين!. فقالت :

يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقال لها : يا أختاه هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلا لنام. فرفعت سكينة صوتها بالبكاء والنحيب ، فضمّها الحسينعليه‌السلام إلى صدره الشريف وقبّلها ومسح دموعها بكمّه.

١٢٥ ـ الوداع الأخير(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٤٢٣)

(وفي رواية) فنادى في تلك الحالة : يا زينب يا أم كلثوم ويا سكينة يا رقية يا فاطمة ، عليكنّ مني السلام. فأقبلت زينبعليها‌السلام فقالت : يا أخي ، أيقنت بالقتل؟.فقالعليه‌السلام : كيف لا أيقن وليس لي معين ولا نصير؟. فقالت :

يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقالعليه‌السلام : هيهات ، لو تركت ما ألقيت نفسي في المهلكة ، وكأنكم غير بعيد كالعبيد ، يسوقونكم أمام الركاب ، ويسومونكم سوء العذاب. فلما سمعته زينبعليها‌السلام بكت ، وجرى الدموع من عينيه ، ونادت :

وا وحدتاه ، وا قلة ناصراه ، وا سوء منقلباه ، وا شؤم صباحاه. فشقّت ثوبها ونشرت شعرها ولطمت على وجهها. فقال الحسينعليه‌السلام : مهلا لها ، يا بنت المرتضى ، إن البكاء طويل. فأراد أن يخرج من الخيمة ، فلصقت به زينبعليها‌السلام فقالت : مهلا يا أخي ، توقّف حتى أزوّد من نظري ، وأودّعك وداع مفارق لا تلاق

١٤١

بعده فمهلا يا أخي قبل الممات هنيهة ، لتبرد مني لوعة وغليل. فجعلت تقبّل يديه ورجليه. وأحطن به سائر النسوان

١٢٦ ـ الحسينعليه‌السلام يلبس ثوبا خلقا تحت ثيابه لئلا يجرّد منه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٥١)

ثم قالعليه‌السلام لأخته : آتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد من القوم ، أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه بعد قتلي.

قال الراوي : فارتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب.

يقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٣٤١ :

فأتوه بتبّان ، فلم يرغب فيه لأنه من لباس الذلة. وأخذ ثوبا خلقا [أي باليا] وخرّقه وجعله تحت ثيابه(١) ، ودعا بسراويل حبرة ففزرها ولبسها لئلا يسلب منها.

ويقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية) ص ٢٢٣ :

ثم إنهعليه‌السلام دعا بسروال يماني محكم النسج ، يلمع فيه البصر ، فخرّقه وفزره ، حتى لا يطمع فيه أحد ، لأنهعليه‌السلام يعلم أنه يسلب بعد مقتله. فقيل له : لو لبست تحته تبّانا ـ وهو سروال صغير ـ فقالعليه‌السلام : ذلك ثوب مذلة ، لا ينبغي لي أن ألبسه(٢) .

١٢٧ ـ مصرع ابن صغير للحسينعليه‌السلام عمره ثلاث سنوات :

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ص ٣٠٢)

وبينما الحسينعليه‌السلام جالس ، عليه جبّة خز دكناء ، والنبل يقع حوله ، فوقعت نبلة في ولد له ابن ثلاث سنين. فلبس لامته [أي درعه].

(أقول) : لا يبعد أن يكون هذا هو علي الأصغرعليه‌السلام .

١٢٨ ـ محاولة زين العابدينعليه‌السلام القتال رغم مرضه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ ومقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٠)

ثم التفت الحسينعليه‌السلام عن يمينه وشماله فلم ير أحدا من الرجال. فخرج علي

__________________

(١) مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ، ج ٩ ص ١٩٢ ؛ والبحار ، ج ١٠ ص ٢٠٥.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٥ ص ٤٥١ و ٤٥٢.

١٤٢

ابن الحسينعليهما‌السلام وهو زين العابدين ـ وهو أصغر من أخيه علي القتيل ـ وكان مريضا بالذّرب [وهو داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ، ويفسد فيها ولا تمسكه]. ونهض السجّادعليه‌السلام يتوكأ على عصا ويجرّ سيفه ، لأنه لا يقدر على حمله لمرضه ، وأم كلثوم تنادي خلفه : يا بني ارجع. فقال : يا عمتاه!. ذريني أقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فصاح الحسينعليه‌السلام بأم كلثوم : احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأرجعته إلى فراشه(١) .

١٢٩ ـ لماذا أمرض الله زين العابدينعليه‌السلام ؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٥)

حاول الإمام زين العابدينعليه‌السلام أن يخرج للجهاد رغم مرضه ، فمنعه سيد الشهداءعليه‌السلام . والواقع أن الله تعالى قد أمرض سيد الساجدين ، فطال زمان كونه عليلا ليسقط عنه الجهاد ، حفظا للعالم عن أن ينهدم ويبيد. وقد أثر عن الحسينعليه‌السلام قوله : وحاشا اللهعزوجل شأنه الكبير المتعال ، أن يبقي الأرض بلا حجة من نسلي.

١٣٠ ـ الحسينعليه‌السلام يوصي لابنه زين العابدينعليه‌السلام بالإمامة أكثر من مرة :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٦)

قال الفاضل الدربندي : اعلم أن وصية سيد الشهداءعليه‌السلام على ولده سيد الساجدينعليه‌السلام وتنصيصاته بإمامته ، كما أنها قد وقعت مرات عديدة قبل خروجهعليه‌السلام من المدينة ، فكذا إنها قد وقعت مرات في كربلاء. وما استفيد من الأخبار أنها وقعت في كربلاء أربع مرات : مرة في ليلة عاشوراء ، ومرة في طلب زين العابدينعليه‌السلام الجهاد ، ومرة قبيل شروع الإمام الحسينعليه‌السلام في الجهاد ، ومرة بعد صدور مجاهدات كثيرة وقتل آلاف من الناس في جملة من الحملات منهعليه‌السلام .

١٣١ ـ وصية الإمام الحسينعليه‌السلام لزين العابدينعليه‌السلام :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٧٦ ؛ وأسرار الشهادة ، ص ٤٠٣)

عن (إثبات الوصية) قال : ثم أحضر علي بن الحسينعليه‌السلام وكان عليلا ،

__________________

(١) الخصائص الحسينية للشيخ جعفر التستري ، ص ١٢٩.

١٤٣

فأوصى إليه بالاسم الأعظم ومواريث الأنبياء. وعرّفه أنه قد دفع العلوم والصحف والمصاحف والسلاح إلى أم سلمة رضي الله عنها وأمرها أن تدفع جميع ذلك إليه.

وعنه أيضا : أن الحسينعليه‌السلام أوصى إلى أخته زينب بنت عليعليهما‌السلام في الظاهر ، فكان ما يخرج من علي بن الحسينعليهما‌السلام في زمانه من علم ينسب إلى زينبعليها‌السلام عمته ، سترا على علي بن الحسينعليهما‌السلام وتقيّة واتقاء عليه.

وعن العلامة الكليني عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال : إن الحسينعليه‌السلام لما حضره الّذي حضر ، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة. وكان علي بن الحسينعليه‌السلام مبطونا معهم ، لا يرون إلا أنه لما به. فدفعت فاطمةعليها‌السلام الكتاب إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام .

(قال الراوي) قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟. قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم ، منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا. والله إن فيه الحدود ، حتى أن فيه أرش الخدش [أي الغرامة التي يدفعها الشخص إذا خدش شخصا آخر].

١٣٢ ـ شهادة علي الأصغر بن الحسينعليه‌السلام :

اختلف الرواة في عدد أولاد الحسينعليه‌السلام الذين حضروا كربلاء ، كما اختلفوا في أسمائهم. وقد حققنا سابقا أن عددهم أربعة هم :

علي الأكبرعليه‌السلام ـ علي الأوسط وهو زين العابدينعليه‌السلام ـ علي الأصغر ـ عبد الله الرضيع.

فمن الرواة ما اعتبر زين العابدينعليه‌السلام هو الأصغر ، ولم يذكر علي الأصغر.ومنهم من سمّى عبد الله الرضيع عليا الأصغر ، واعتبر عددهم ثلاثة.

وقد ذكر القرماني في (أخبار الدول وآثار الأول) شهادة علي الأصغر قبل شهادة علي الأكبرعليه‌السلام ، وقال : وطلب الحسينعليه‌السلام ماء لولده الصغير علي الأصغر ، فذهب علي الأكبر بركوة وملأها من الشريعة ورجع. وأجلس الحسينعليه‌السلام ابنه على فخذه وهمّ بسقيه ، فأتاه سهم

يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٤٠٤ : وهذه الرواية كما ترى غير مستقيمة ، وهي تنافي ما في الزيارة المروية من الناحية القائمية المقدسة.

ثم يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٨ : وأصاب سهم ابنا

١٤٤

للحسينعليه‌السلام وهو في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول : الله م احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا.

ثم يقول : وأتي بصبي صغير من أولادهعليه‌السلام اسمه عبد الله [الظاهر أنه الرضيع] ، فحمله وقبّله ، فرماه رجل من بني أسد [لعله حرملة بن كاهل الأسدي] فذبح ذلك الغلام. فتلقى الحسينعليه‌السلام دمه في يده وألقاه نحو السماء ، وقال :يا رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء ، فاجعله لنا خيرا ، وانتقم من الظالمين.

أما ابن أعثم في (كتاب الفتوح) ج ٥ ص ٢٠٩ فيقول : فبقي الحسينعليه‌السلام فريدا وحيدا ، ليس معه ثان إلا ابنه عليعليه‌السلام وهو يومئذ ابن سبع سنين [أقول : هذا خطأ من الناسخ ، ولعل عمره سبع عشرة سنة ، وهو زين العابدينعليه‌السلام ]. وله ابن آخر يقال له علي في الرضاع. فتقدم إلى باب الخيمة ، فقال : ناولوني ذلك الطفل حتى أودّعه وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبّة الصبي [اللّبّة : موضع القلادة من الصدر] ، فقتله.

١٣٣ ـ شهادة الطفل الّذي ولد يوم عاشوراء :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ بعد ص ٢٤٣)

يقول اليعقوبي : ثم تقدّموا رجلا رجلا ، حتى بقي وحده ما معه أحد من أهله ولا ولده ولا أقاربه. فإنه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد له في تلك الساعة.فأذّن في أذنه ، وجعل يحنّكه ، إذ أتاه سهم ، فوقع في حلق الصبي ، فذبحه. فنزع الحسينعليه‌السلام السهم من حلقه ، وجعل يلطخه بدمه ، ويقول : والله لأنت أكرم على الله من الناقة [أي ناقة صالح التي ذبحها قومه فاستحقوا العذاب لذلك] ، ولمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكرم على الله من صالح!. ثم أتى فوضعه مع ولده وبني أخيه.

ويقول السيد الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٧٣ :

في (الإبصار) : عبد الله [الرضيع] ابن الحسينعليه‌السلام ولد في المدينة ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس الكلبي وكانت الرباب عند الحسينعليه‌السلام وولدت له سكينة وعبد الله هذا.

ثم يقول : اشتهر في الألسن هذا الصبي بعلي الأصغر ، وقيل بتخالفهما ، وأن عبد الله الرضيع غيره ، وأن أمه أم إسحق بنت طلحة ، وأنه ولد في كربلاء في يوم عاشوراء وأن علي الأصغر قتل في معركة القتال ، رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه ، والعلم عند الله.

١٤٥

وذكر السيد حميد بن أحمد الزيدي صاحب (الحدائق الوردية) قال : ولد للحسينعليه‌السلام في الحرب ولد (أمه أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله التميمية) زوجة الحسينعليه‌السلام . فأتي به وهو قاعد ، فأخذه في حجره ولبّاه بريقه ، وسماه عبد الله.فبينما هو كذلك إذ رماه عبد الله بن عقبة الغنوي ، وقيل هانئ بن ثبيت الحضرمي ، بسهم فنحره. فأخذ الحسينعليه‌السلام دمه فجمعه ورمى به نحو السماء ، فما وقع منه قطرة إلى الأرض. قال الإمام الباقرعليه‌السلام : ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب (انظر وسيلة الدارين للزنجاني ، ص ٢٨٠). ولنعم ما قيل :

ومنعطف أهوى لتقبيل طفله

فقبّل منه قبله السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردى

ومن قبله في نحره السهم كبّرا

ونذكر الآن شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام ، الّذي له من العمر ستة أشهر.

شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام

١٣٤ ـ مصرع عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام على يد حرملة بن كاهل الأسدي(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤١)

ثم تقدمعليه‌السلام إلى باب الخيمة وقال : ناولوني ولدي الرضيع لأودعه. فأتته زينبعليها‌السلام بابنه عبد الله [وقد سماه ابن شهر اشوب : علي الأصغر] وأمه الرباب بنت امرئ القيس ، فأجلسه في حجره وجعل يقبّله(١) ويقول : بعدا لهؤلاء القوم ، إذا كان خصمهم جدك المصطفى(٢) . ثم أتىعليه‌السلام بالرضيع نحو القوم يطلب له الماء ، وقال لهم : لقد جفّت محالب أمه ، فهل إلى شربة من ماء سبيل؟. ثم قال لهم : يا قوم ، إذا كنت أقاتلكم وتقاتلونني ، فما ذنب هذا الطفل حتى تمنعوا عنه الماء؟!.(وفي رواية) أنه قال : إذا لم ترحموني فارحموا هذا الطفل. فمنهم من رقّ قلبه للطفل ، وقال : اسقوه شربة من ماء ، ومنهم من قال : لا تسقوه ولا ترحموه!.

__________________

(١) عن الله وف ، ص ٦٥.

(٢) عن البحار ، ج ١٠ ص ٢٥٣ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٢.

١٤٦

فخاف عمر بن سعد أن يدبّ النزاع في صفوف جيشه ، فقال لحرملة بن كاهل الأسدي وكان راميا : اقطع نزاع القوم. فسدد حرملة سهمه نحو عنق الصبي ، فرماه بسهم فذبحه من الوريد إلى الوريد ، وهو لائذ بحجر أبيه. فأخذ الطفل يفحص من ألم الجروح ، ويرفرف كما يرفرف الطير المذبوح ، ودمه يشخب من أوداجه ، والحسينعليه‌السلام يتلقّى دمه من نحره حتى امتلأت كفه ، ثم رمى به نحو السماء.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : فما وقع منه قطرة إلى الأرض ، ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب.

ثم قالعليه‌السلام : هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى(١) . الله م لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح. إلهي إن كنت حبست عنا النصر [من السماء] ، فاجعله لما هو خير منه ، وانتقم لنا من [هؤلاء القوم] الظالمين(٢) واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل(٣) . الله م أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) . فسمععليه‌السلام مناديا من السماء : دعه يا حسين فإن له مرضعا في الجنة(٥) .

ثم نزلعليه‌السلام عن فرسه ، وحفر له بجفن سيفه ، ودفنه مرمّلا بدمه ، وصلّى عليه(٦) . ويقال : وضعه مع قتلى أهل بيته(٧) .

(وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٨٣) : ثم أقبل الحسينعليه‌السلام إلى أم كلثوم وقال لها : يا أختاه أوصيك بولدي الأصغر خيرا ، فإنه طفل صغير وله من العمر ستة أشهر. فقالت له : يا أخي إن هذا الطفل له ثلاثة أيام ما شرب الماء ، فاطلب له شربة من الماء. فقال : هلمّي إليّ به. فأخذ الطفل وتوجّه نحو القوم ، وقال : يا قوم قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري ، وما بقي غير هذا الطفل ، وهو يتلظى عطشا فاسقوه

__________________

(١) عن اللهوف ، ص ٦٦.

(٢) عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٣٦.

(٣) عن تظلم الزهراء ، ص ١٢٢.

(٤) عن المنتخب للطريحي ، ص ٣١٣.

(٥) تذكرة الخواص ، ص ١٤٤ ؛ والقمقام لميرزا فرهاد ، ص ٣٨٥.

(٦) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ والاحتجاج للطبرسي ، ص ١٦٣ ط نجف.

(٧) الإرشاد للمفيد ، ومثير ابن نما ، ص ٣٦.

١٤٧

شربة من الماء. فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشوم من ظالم غشوم ، فذبح الطفل من الأذن إلى الأذن. وقيل : إن السهم رماه قديمة العامري. فجعل الحسينعليه‌السلام يتلقى الدم بكفيه ويرمي به إلى السماء ويقول : الله م إني أشهدك على هؤلاء القوم ، فإنهم نذروا ألا يتركوا أحدا من ذرية نبيك. ثم رجع بالطفل مذبوحا ، ودمه يجري على صدره ، فألقاه إلى أم كلثوم ، فوضعه في الخيمة وبكى عليه.

١٣٥ ـ منزلة عبد الله الرضيععليه‌السلام (أسرار الشهادة ، ص ٤٠٠)

يقول الفاضل الدربندي : إن عبد الله الرضيع الّذي كان في القماط ، قد طلب بلسان الحال الفوز بدرجة الشهادة ، حين سمع أباه يستغيث فلا يغاث ، فقطّع قماطه وألقى نفسه إلى الأرض.

وبعد استشهاده صلّى عليه الحسينعليه‌السلام ودفنه إن صلاة الإمامعليه‌السلام عليه في ضيق ذلك الوقت ، مما يشير إلى علوّ درجة هذا الطفل الرضيع من حيث الشهادة ، فإن درجة شهادته عند الله بمنزلة درجة شهادة سادات الشبان والكهول والشيوخ من الشهداء ، بل لا يصل إلى درجته إلا درجة طائفة من سادات الشهداء.فصلاة الإمامعليه‌السلام عليه كصلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحمزة يوم أحد في هذا المقام أيضا.

ـ ماذا بعد استشهاد الطفل الرضيععليه‌السلام ؟ :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، ص ١٣١)

وهكذا بدأ شلال الدم ينحدر على أرض كربلاء ، وسحب المأساة تتجمع في آفاقها الكئيبة ، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حول الحسينعليه‌السلام وتنبعث من حناجر النساء والأطفال.

١٣٦ ـ رثاء الحسينعليه‌السلام أصحابه الذين استشهدوا :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)

قال أبو مخنف : ثم توجّهعليه‌السلام نحو القوم وقال : : يا ويلكم علام تقاتلوني ؛ على حقّ تركته ، أم على سنّة غيّرتها ، أم على شريعة بدّلتها؟!. فقالوا : بل نقاتلك بغضا منا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين. فلما سمع كلامهم بكى وجعل ينظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا من أنصاره إلا من صافح التراب جبينه ، ومن قطع الحمام أنينه. فنادى : يا مسلم بن عقيل ويا هانئ بن عروة ويا حبيب بن مظاهر ويا

١٤٨

زهير بن القين ويا يزيد بن مظاهر ويا فلان ويا فلان يا أبطال الصفا ، ويا فرسان الهيجا ، مالي أناديكم فلا تجيبون ، وأدعوكم فلا تسمعون!. أنتم نيام ، أرجوكم تنتبهون ، أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصروه!. هذه نساء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفقدكم قد علاهن النحول ، فقوموا عن نومتكم أيها الكرام ، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام. ولكن صرعكم والله ريب المنون ، وغدر بكم الدهر الخؤون ، وإلا لما كنتم عن نصرتي تقصّرون ، ولا عن دعوتي تحتجبون. فها نحن عليكم مفتجعون ، وبكم لاحقون. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

١٣٧ ـ الضحّاك بن عبد الله المشرقي يترك المعركة بعد استئذان الحسينعليه‌السلام (تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٣٥٤)

قال أبو مخنف : حدثني عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : لما رأيت أصحاب الحسينعليه‌السلام قد أصيبوا ، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، قلت له : يابن رسول الله ، قد علمت ما كان بيني وبينك ؛ قلت لك :أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا ، فإذا لم أر مقاتلا فأنا في حلّ من الانصراف!. فقلت لي :

نعم!. فقالعليه‌السلام : صدقت ، وكيف لك بالنجاة؟. إن قدرت على ذلك فأنت في حل!.

فأقبلت إلى فرسي ، وقد كنت ـ حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر ـ أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لأصحابنا من البيوت ، وأقبلت أقاتل معهم راجلا ، فقتلت يومئذ بين يدي الحسينعليه‌السلام رجلين ، وقطعت يد آخر. وقال لي الحسينعليه‌السلام يومئذ مرارا : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ، ثم استويت على متنها ثم ضربتها ، حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم ، فأفرجوا لي ، واتّبعني منهم خمسة عشر رجلا ، حتى انتهيت إلى (شفية) قرية قريبة من شاطئ الفرات. فلما لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي ، فقالوا : هذا الضحاك بن عبد الله المشرقي ، هذا ابن عمنا ، ننشدكم الله لما كففتم عنه. فقال ثلاثة نفر من بني تميم

١٤٩

كانوا معهم : بلى والله لنجيبنّ إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم.

قال : فلما تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون. قال : فنجّاني الله.

وقد وردت قصة التحاق الضحّاك بن عبد الله المشرقي بالحسينعليه‌السلام في الجزء الأول من الموسوعة ـ الفقرة ٧٩٧ ، فراجع.

(جدول بأشهر المستشهدين من آل أبي طالبعليهم‌السلام

مع ذكر أمهاتهم وقاتليهم)

اسم الشهيد

اسم والدته

اسم قاتله

علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام

ليلى بنت أبي مرة

مرة بن منقذ العبدي

عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام

الرباب

حرملة بن كاهل الأسدي

أبو بكر (عبد الله الأكبر) بن الحسن

أم ولد : رملة

عبد الله بن عقبة الغنوي وقيل :

حرملة بن كاهل

القاسم بن الحسن (شقة القمر)

أم ولد : رملة

عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي

(الغلام) عبد الله بن الحسنعليه‌السلام

أم ولد

حرملة بن كاهل الأسدي

العباس بن عليعليه‌السلام

أم البنين

زيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل السنبسي

عبد الله الأصغر بن عليعليه‌السلام

فاطمة

هانئ بن ثبيت الحضرمي

جعفر بن عليعليه‌السلام

بنت حزام

هانئ بن ثبيت الحضرمي

عثمان بن عليعليه‌السلام

الكلابية

رجل من بني أبان بن دارم

محمّد الأوسط بن عليعليه‌السلام

أمامة بنت أبي العاص

رجل من بني أبان بن دارم

أبو بكر (عبد الله) بن عليعليه‌السلام

ليلى بنت مسعود

زحر بن بدر النخعي

عمر الأصغر بن عليعليه‌السلام

الصهباء التغلبية

لم يعرف قاتله

محمّد الأصغر بن عليعليه‌السلام

أم ولد

رجل من بني أبان بن دارم

١٥٠

اسم الشهيد

اسم والدته

اسم قاتله

عون بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

زينب العقيلةعليها‌السلام

عبد الله بن قطبة الطائي

محمّد بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

الخوصاء بنت حفصة

عامر بن نهشل التميمي

عبد الله بن مسلم بن عقيل

رقية بنت عليعليها‌السلام

يزيد بن الرقاد الجهني وقيل عمرو بن صبيح الصدائي

محمّد بن مسلم بن عقيل

أم ولد

أبو جرهم الأزدي ولقيط الجهني

جعفر بن عقيل

أم الثغر بنت عامر

عبد الله بن عروة الخثعمي وقيل بشر بن سوط الهمداني

عبد الرحمن بن عقيل

أم ولد

عثمان بن خالد وبشر بن سوط

عبد الله الأكبر بن عقيل

أم ولد

عثمان بن خالد وبشر بن سوط

محمّد بن أبي سعيد بن عقيل

أم ولد

لقيط بن ناشر الجهني وقيل هانئ بن ثبيت

١٥١
١٥٢

الفصل الرابع والعشرون

شهادة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام

ويتضمن هذا الفصل :

ـ مقدمة الفصل

١ ـ الأشعار التي قالها الحسينعليه‌السلام وهو عازم على الشهادة

٢ ـ عطش الحسينعليه‌السلام

٣ ـ استسقاء الماء [أصابهعليه‌السلام سهم في فمه]

٤ ـ معركة في طريق الفرات [أصابه سهم في حنكه]

٥ ـ لما حال القوم بين الحسينعليه‌السلام وبين رحله

٦ ـ وصول الحسينعليه‌السلام إلى المشرعة ـ حيلة الاعتداء على نسائه

٧ ـ رجوع الحسينعليه‌السلام : الوداع الأخير

٨ ـ لما أصابه سهم في جبهته الشريفة

٩ ـ توزّع الأعداء على الحسينعليه‌السلام ثلاث فرق.

مصرع الحسينعليه‌السلام :

١ ـ شجاعة الحسينعليه‌السلام وإقدامه

٢ ـ قول ابن يغوث : ما رأيت مكثورا قط

٣ ـ إصابة الحسينعليه‌السلام بحجر في جبهته ، وبسهم ذي ثلاث شعب وقع في قلبه

١٥٣

٤ ـ سقوط الحسينعليه‌السلام عن فرسه بعد أن صار جسمه كالقنفذ ، وخولي يضربه بسهم في لبّنه

٥ ـ الحسينعليه‌السلام يقاتل راجلا

٦ ـ شهادة الطفلين : محمّد بن أبي سعيد بن عقيل وعبد الله الأصغر ابن الحسنعليه‌السلام

٧ ـ خطاب زينبعليها‌السلام لعمر بن سعد

٨ ـ قول شمر : ما تنتظرون بالرجل

٩ ـ سنان يضرب الحسينعليه‌السلام برمح في صدره فيخرّ على الأرض

١٠ ـ وصف هلال بن نافع للحسينعليه‌السلام وهو يجود بنفسه

١١ ـ الحسينعليه‌السلام يطلب في تلك الحال ماء

١٢ ـ دعاء الحسينعليه‌السلام قبيل استشهاده

١٣ ـ ذهول القوم عن حزّ رأس الحسينعليه‌السلام وارتعادهم منه

١٤ ـ أشقى الأشقياء شمر بن ذي الجوشن يذبح الحسينعليه‌السلام

١٥ ـ ما صنع فرس الحسين

١٦ ـ مناد من السماء يتوعّد الأمة الضالة ، وينعى الحسينعليه‌السلام

١٧ ـ تحقيق حول من الّذي باشر قتل الحسينعليه‌السلام

١٨ ـ تحقيق حول اليوم الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام .

١٥٤

قال الحاج هاشم الكعبي :

آل الرسول ونعم أكفاء العلى آل الرسول

خير الفروع فروعهم

وأصولهم خير الاصول

سيّد الشهداء أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ولدعليه‌السلام في ٣ شعبان سنة ٤ ه‍ واستشهد في ١٠ محرم سنة ٦١ ه‍ وعمره الشريف ٥٧ سنة

يا ابن الذين توارثوا

العليا قبيلا عن قبيل

والسابقين بمجدهم

في كل جيل كل جيل

إن تمس منكسر اللوى

ملقى على وجه الرمول

فلقد قتلت مهذبا

من كل عيب في القتيل

١٥٥
١٥٦

الفصل الرابع والعشرون :

شهادة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنّة

مدخل الفصل :

بعد أن استشهد العباسعليه‌السلام انهدّ ركن الحسينعليه‌السلام وانكسر ظهره لمصرعه ، وأصبح وحيدا فريدا بين الوحوش من الأعداء (كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواوويس وكربلاء). وقد عميت أبصارهم إلا عن جوائز يزيد وأحقاد نهروانية ضدّ عليعليه‌السلام .

فركب الحسينعليه‌السلام جواده يقصد مشرعة الفرات ، بعد أن أخذ العطش منه مأخذه ومن الهاشميات والأطفال ، وهو يرتجز أشعاره الخالدة ، فأصابه سهم في حنكه الشريف. ثم حالوا بينه وبين رحله ، فرجع ليحمي نساءه ، وطلب من الشمر عدم التعرض لهن ، فأجابه إلى ذلك. ثم ما زالعليه‌السلام يكشفهم عن المشرعة حتى وصل إلى الفرات. وحين همّ بأن يشرب ، ترامى له نبأ بتعرض القوم لرحله ، فرجع إلى المخيم ، فوجد أنها خدعة. عندها اغتنم الفرصة وودّع عياله الوداع الأخير ، وهو عازم على الموت ، وانطلق يغوص في الأعداء.

وخاف شمر من بسالة الحسينعليه‌السلام فطلب من عمر بن سعد أن يتفرق جيشه إلى ثلاث فرق للإحاطة بالحسينعليه‌السلام ، ففعل. وظل الحسينعليه‌السلام يحارب على فرسه حتى صار جسمه معقودا بالسهام كالقنفذ. فضربه رجل منهم بحجر فأصاب جبهته الشريفة ، ثم جاءه سهم ذو ثلاث شعب فوقع في قلبه. فخرّ عن جواده إلى الأرض ، ثم استوى جالسا. فخرجت أخته زينبعليها‌السلام تخاطب عمر بن سعد مندّدة بأعماله البربرية.

ثم صاح الشمر صيحته الثانية قائلا : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ، اقتلوه.فاجتمعوا عليه يضربونه من كل جانب ، وهو ينوء ويكبو ، حتى سقط صريعا. وما زال يطلب الماء في تلك الحال وقد أعياه نزف الدم ، وهم يمنعونه منه ، وكأنه لم يبق في قلوبهم ذرة من الرحمة والشفقة.

١٥٧

ثم غشي عليهعليه‌السلام وظل ثلاث ساعات من النهار ملقى على الأرض يخور بدمه ، وكلما مرّ به رجل تحامى عن قتله. ثم حاول شبث بن ربعي أن يذبحه ، ثم حاول سنان ، ثم خولي ، فارتعدت أيديهم وذهلوا حين نظروا إلى وجهه الشريف ، إلى أن جاء اللعين شمر وسفّههم قائلا لسنان : فتّ الله في عضدك وأبان يدك!.

ثم نزل الشمر إلى الحسينعليه‌السلام وجلس على صدره الشريف يريد أن يذبحه ، فلما نظر في وجهه ورآه يبتسم أرعد من منظره ، فقلبه ليذبحه من قفاه ، وشرع يضرب بسيفه مذبح الحسين ، والحسينعليه‌السلام يذكر الله ويكبّر ، حتى احتز رأسه الشريف.

الحسينعليه‌السلام يرتجز من أشعاره

١٣٨ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام من الشعر لما عزم على الشهادة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢)

ثم قامعليه‌السلام وركب فرسه ، ووقف قبالة القوم مصلتا سيفه بيده ، آيسا من نفسه عازما على الموت ، وهو يقول :

أنا ابن عليّ الخير من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مضى

ونحن سراج الله في الخلق يزهر

وفاطمة أمي ابنة الطهر أحمد

وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر

وفينا كتاب الله أنزل صادقا

وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان الله في الخلق كلهم

نسرّ بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا

بكأس وذاك الحوض للسقي كوثر

فيسعد فينا في القيام محبّنا

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

١٣٩ ـ قصيدة (خيرة الله من الخلق أبي):

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ٨٦)

ثم وثبعليه‌السلام قائما ، وهو يقول :

كفر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله ربّ الثقلين

قتلوا قدما عليا وابنه

حسن الخير وجاؤوا للحسين

١٥٨

(حسدا منهم وقالوا إننا

نقبل الآن جميعا للحسين

يا لقومي من أناس قد بغوا

جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلهم

باجتياحي لرضاء الملحدين

لم يخافوا الله في سفك دمي

لعبيد الله نسل الفاجرين

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان مني سابقا

غير فخري بضياء الفرقدين

بعليّ الخير من بعد النبي

والنبيّ القرشيّ الوالدين)

* * *

خيرة الله من الخلق أبي

بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين

والدي شمس وأمّي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

فضّة قد صفّيت من ذهب

فأنا الفضة وابن الذهبين

ذهب في ذهب في ذهب

ولجين من لجين في لجين

من له جدّ كجدي المصطفى؟

أحمد المختار صبح الظلمتين

من له عمّ كعمّي جعفر؟

ذي الجناحين كريم النسبتين

من له أمّ كأمي في الورى؟

بضعة المختار قرّة كل عين

أمّي الزهراء حقا وأبي

وارث العلم ومولى الثّقلين

جدي المرسل مصباح الدجى

وأبي الموفي له بالبيعتين

خصّه الله بفضل وتقى

فأنا الزاهر وابن الزاهرين

ذاك والله علي المرتضى

ساد بالفضل جميع الحرمين

عبد الله غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللات والعزّى معا

وعليّ قام نحو القبلتين

مع رسول الله سبعا كاملا

ما على الأرض مصلّ غير ذين

أظهر الإسلام رغما للعدى

بحسام قاطع ذي شفرتين

قاتل الأبطال لما برزوا

يوم بدر ثم أحد وحنين

(وله في يوم أحد وقعة

شفت الغلّ بفضّ العسكرين

ثم بالأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل القبلتين

في سبيل الله ما ذا صنعت

أمة السوء معا بالعترتين

١٥٩

عترة البرّ النبي المصطفى(١)

وعليّ الورد بين الجحفلين)

* * *

نحن أصحاب العبا خمستنا

قد ملكنا شرقها والمغربين

ثم جبريل لنا سادسنا

ولنا البيت غدا والمشعرين

وكذا المجد بنا مفتخر

شامخا نعلو به في الحسبين

عروة الدين علي المرتضى

صاحب الحوض معزّ المؤمنين

يفرق الصفّان من هيبته

وكذا أفعاله في الخافقين

شيعة المختار طيبوا أنفسا

فغدا تسقون من حوض اللجين

فعليه الله صلّى ربّنا

وحباه تحفة بالحسنين

وفي (ينابيع المودة) لسليمان القندوزي الحنفي ، ج ٢ ص ١٧٢ ينهي القصيدة بقوله :

شيعة المختار قرّوا أعينا

فغدا تسقون من كفّ الحسين

ثم حملعليه‌السلام على الميمنة ، وهو يقول :

الموت أولى من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري(٢)

وحمل على الميسرة ، وهو يقول :

أنا الحسين بن علي

آليت ألا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي(٣)

عطش الحسينعليه‌السلام

١٤٠ ـ الحصين بن نمير يصيب الحسينعليه‌السلام بسهم في فمه الشريف ، فلم يستطع شرب الماء :

يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٧ :

__________________

(١) الأبيات التي بين قوسين هي من (كتاب الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ١١٦ طبع دار الأضواء بيروت. وقد وردت في (كشف الغمة) ج ٢ ص ٢٣٧ باختلاف يسير.

(٢) البيان والتبيين للجاحظ ، ج ٣ ص ١٧١ ط ٢ يضيف الشطرة الأخيرة.

(٣) مقتل المقرّم ، ص ٣٤٥ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٥٩ ط إيران.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

(وفي رواية) : لعن الله ابن مرجانة ، لقد اضطره إلى القتل. لقد سأله أن يلحق ببعض البلاد أو الثغور فمنعه. لقد زرع لي ابن زياد في قلب البر والفاجر والصالح والطالح العداوة. ثم تنكّر لابن زياد ، ولم يصل زحر بن قيس بشيء.

ثم بعث الرأس إلى ابنته عاتكة [بنت يزيد] فغسّلته وطيّبته.

قال سبط ابن الجوزي : وهكذا وقعت هذه الرواية ، رواها هشام بن محمّد [الكلبي].

٦٢٣ ـ قتل الحسينعليه‌السلام ثأر لقتلى بدر من الكفار :(المصدر السابق)

ثم قال سبط ابن الجوزي :

وأما المشهور عن يزيد في جميع الروايات ، أنه لما حضر الرأس بين يديه ، جمع أهل الشام ، وجعل ينكت عليه بالخيزران ، ويقول أبيات ابن الزّبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلناه قتل بدر فاعتدل

حتى حكى القاضي أبو يعلى عن أحمد بن حنبل في كتاب (الوجهين والروايتين) أنه قال : إن صحّ عن يزيد ذلك ، فقد كفر بالله وبرسوله

قال الشعبي : ثم إن يزيد زاد في القصيدة بقوله :

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

قال مجاهد : وهذا نافق في الدين.

٦٢٤ ـ تنصّل يزيد :(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٩٠)

يقول المازندراني في معاليه : كذب ابن الفاعلة ، لو كان صادقا في مقاله لم يكن يفعل بالرأس الشريف ما فعل. وينبغي أن أذكر في هذا المقام كلام سبط ابن الجوزي في كتاب (الردّ على المتعصب العنيد في تصويب فعل يزيد) : ليس العجب من قتال ابن زياد اللعين الحسينعليه‌السلام وتسليطه عمر بن سعد والشمر على قتله ، وحمل الرؤوس إليه ؛ إنما العجب من خذلان يزيد ، ومما فعل هو نفسه ، وهو صبّ الخمر على رأس الحسينعليه‌السلام وضربه بالقضيب ثناياه ، وحمل آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا على أقتاب المطايا ، وعزمه على أن يدفع فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام إلى الشامي ، وإنشاده بأبيات ابن الزبعرى :

٥٢١

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

الخ.

أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟. ولو أنه احترم الرأس حين وصوله إليه ، وصلّى عليه ودفنه ، وأحسن إلى آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يترك الرأس في الطشت ، ولم يضربه بالقضيب ، ولا صبّ عليه الخمر ، ما الذي كان يضره ، وقد حصل مقصوده من القتل!. ولكن أحقاد جاهلية ، وأضغان بدرية ، ودليلها ما تقدم من إنشاده.

٦٢٥ ـ تعليق مجلة العرفان :

(العرفان ، مجلد عام ١٩٣٧ ، ص ٦٠ و ٦١)

قال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) ص ٨٠ و ٨١ :

ولما قتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه.

وفي (الكامل) لابن الأثير ، ج ٤ ص ٥٥ :

قال ابن زياد لمسافر بن شريح اليشكري : أما قتلي الحسين ، فإنه أشار إليّ يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترت قتله.

أفهل بعد هذا يصدّق لبيب أن يزيد حين وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه ، بكى. وهب أنه بكى من منظر تتصدّع منه القلوب المتحجرة ، أفهل تمحو تلك الدمعة صحائفه السود الدكناء؟!.

ولقد أقرّ معاوية الثاني ابن يزيد بأن أباه قد قتل الحسينعليه‌السلام ، ونازع على أمر كان غير أهل له ، حيث قال :

إن هذه الخلافة حبل الله ، وإن جدي معاوية نازع الأمر أهله ، ومن هو أحقّ به منه علي بن أبي طالب. وركب بكم ما تعلمون ، حتى أتته منيّته ، فصار في قبره رهينا بذنوبه.

ثم قلّد أبي الأمر وكان غير أهل له ، ونازع ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقصف عمره ، وابتزّ عقبه ، وصار في قبره رهينا بذنوبه.

٥٢٢

ثم بكى وقال : إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبؤس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأباح الخمر ، وخرّب الكعبة(١) .

أضف إلى ذلك أنه لما وصل إليه رأس الحسينعليه‌السلام حسنت حال ابن زياد عنده ، وزاده ووصله وسرّه ما فعل(٢) .

وبالغ في رفعه ابن زياد ، حتى أدخله على نسائه(٣) .

٦٢٦ ـ كيفية حمل الرؤوس والسبايا إلى الشام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧١)

يقول محمّد مهدي المازندراني : اختلف في كيفية حمل السبايا.

ففي (العقد الفريد) : وحمل أهل الشام بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا على أحقاب الإبل. فلما أدخلت على يزيد ، قالت ابنة الحسينعليه‌السلام : يا يزيد ، أبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا!؟. قال : بل حرائر كرام. ادخلي على بنات عمك تجديهنّ قد فعلن ما فعلت.

قالت فاطمة [الصغرى بنت الحسين] : فدخلت إليهن ، فما وجدت فيهن سفيانية إلا متلدّمة تبكي [التدمت المرأة : ضربت صدرها ووجهها].

وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي ، ج ٢ ص ٦٢ قال :

عن فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام أنها قالت : لما أدخلنا على يزيد ، ساءه ما رأى من سوء حالنا ، وظهر ذلك في وجهه. فقال : لعن الله ابن مرجانة [أي عبيد الله بن زياد] وابن سميّة [أبوه زياد ابن أبيه] ، لو كان بينه وبينكم قرابة ما صنع بكم هذا ، وما بعث بكنّ هكذا.

(أقول) : كأنه بهذا ينفي قرابة عبيد الله وأبيه زياد من معاوية ، حيث ادّعى معاوية أن (زياد ابن أبيه) أخوه. قال يزيد ذلك ليبيّن للناس أنه هو لا يفعل مثل ذلك ، لأن بينه وبين الحسينعليه‌السلام قرابة ، من عبد مناف.

__________________

(١) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي ، ص ١٣٧.

(٢) الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ٣٦.

(٣) الصواعق المحرقة ، ص ١٢٥.

٥٢٣

تعليق المؤلف :

لقد حاول يزيد التنصل من فعله في قتل الحسينعليه‌السلام وهو الّذي أمر به ، فأوهم الناس أنه يحب الحسينعليه‌السلام وأنه لا يريد قتله ، وألقى باللائمة الكاملة على عبيد الله بن زياد ، ليتخلص من سخط الجماهير التي بدأت تلعنه وتنتقده حتى في مجلسه.فلا تغرنا بعض تصرفاته إن صحّت نسبتها إليه ؛ من أنه بكى حين رأى رأس الحسينعليه‌السلام ، وذلك لأنه ذكر قرابته منه ورحمه ، وأنه لعن ابن مرجانة.

ولكن أنى للعاقل اللبيب أن ينخدع أو ينغشّ بهذه المظاهر الكاذبة ، وهو يعلم أن يزيد هو الّذي بعث منذ البداية إلى والي المدينة ومكة أن يقتل الحسينعليه‌السلام ولو كان متمسكا بأستار الكعبة ، إذا هو لم يبايع من ساعته. وكم تأسّف مروان بن الحكم أن يفلت الحسين من والي المدينة دون أن يبايع أو يقتل.

ثم إن يزيد يعزل والي الكوفة النعمان بن بشير ، ويعيّن مكانه عبيد الله ابن زياد الّذي كان يعتبره معاوية أخاه ويقرّبه إليه ، وهو فاسق ابن فاسق ، ويأمره بقتل الحسينعليه‌السلام وأشياعه ، إلا أن ينزلوا على حكمه.

وحين قتل عبيد الله بن زياد كلا من مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، وبعث برأسيهما إلى يزيد ، بعث يزيد يشكره على عمله ، ويشجّعه على تنكيله.

ولو كان يزيد صادقا في قوله عن ابن زياد ، فكان عليه أن يعاقبه على قتله الحسين وأهل البيتعليه‌السلام ، أو على الأقل أن يعزله من الولاية. في حين نراه بعد مقتل الحسينعليه‌السلام قد استدعاه إليه ، وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة ، وقرّبه من مجلسه ورفع منزلته ، وأدخله على نسائه وجعله نديمه.

وسكر ليلة معه وقال للمغني : غنّ ، ثم قال يزيد بداهة :

اسقني شربة تروّي فؤادي

ثم مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي ، أعني حسينا

ومبيد الأعداء والحسّاد

فتنبّه يا أخي إلى حقيقة يزيد ، الّذي أجمع الرواة والعلماء على فسقه وكفره ، لا بل على خسّته ودناءته. فحقيقة المرء تعرف من خلال أفعاله ، لا من خلال أقواله.(راجع تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٣٠٠)

٥٢٤

موقف يزيد من ابن زياد

أورد العلامة السيد مرتضى العسكري في مقدمة (مرآة العقول للمجلسي) ج ٢ ص ٣٢٠ ـ ٣٢٢ ، ما يلي :

٦٢٧ ـ حال ابن زياد بعد قتل الحسينعليه‌السلام :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٥٢)

قال ابن أعثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام استوسق العراقان جميعا لعبيد الله بن زياد ، وأوصله يزيد بألف ألف درهم جائزة ، فبنى قصريه الحمراء والبيضاء في البصرة ، وأنفق عليهما مالا جزيلا ، فكان يشتّي في الحمراء ، ويصيّف في البيضاء.وعلا أمره وانتشر ذكره ، وبذل الأموال واصطنع الرجال ، ومدحته الشعراء.

٦٢٨ ـ يزيد الفاجر يزيد العطاء لجنوده البواسل :

(أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ ، ص ٢٢٠)

هكذا كان عطاء يزيد وحباؤه لقائد جنده ابن زياد. أما عطاؤه للجنود ، فقد ذكره البلاذري قال :

كتب يزيد إلى ابن زياد : أما بعد ، فزد أهل الكوفة ، أهل السمع والطاعة ، في أعطياتهم مائة مائة.

٦٢٩ ـ ندم يزيد على أفعاله :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٣٢)

قال السيد مرتضى العسكري : وهكذا عاش قتلة الحسينعليه‌السلام في نعيم وسرور ، واستبشار وحبور ، حتى إذا ظهرت آثار أفعالهم ندموا على ما فعلوا.

قال ابن كثير وغيره : لما قتل ابن زياد الحسينعليه‌السلام وبعث برؤوسهم إلى يزيد ، سرّ بقتلهم أولا ، وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده ، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى ندم ، وقال : بغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة ، فأبغضني البرّ والفاجر.

وكذلك يظهر ندم ابن زياد وعمر بن سعد وسائر قتلة آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦٣٠ ـ موقف يزيد من عبيد الله بن زياد أمام الناس :

(كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٣)

وقيل : لما وصل رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد ، حسنت حال ابن زياد عنده ، وزاده ووصله ، وسرّه ما فعل. ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى بلغه بغض الناس له ،

٥٢٥

ولعنهم وسبّهم. فندم على قتل الحسينعليه‌السلام فكان يقول : وما عليّ لو احتملت الأذى ، وأنزلت الحسين معي في داري ، وحكّمته فيما يريد ، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني ، حفظا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورعاية لحقه وقرابته!. لعن الله ابن مرجانة ، فإنه اضطره [إلى القتل] ، وقد سأله أن يضع يده في يدي ، أو يلحق بثغر حتى يتوفاه الله ، فلم يجبه إلى ذلك ، فقتله. فبغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة ، فأبغضني البر والفاجر ، بما استعظموه من قتل الحسين. ما لي ولابن مرجانة ، لعنه الله وغضب عليه.

تعليق المؤلف :

كل هذه الأقوال من يزيد ـ إن صحّت ـ فهي كاذبة في حقيقتها ، بل هي صادرة منه للاستهلاك المحلي ، ولكبح جماح الجماهير عليه. فإذا كان صادقا في ندمه على ما حصل ، وغير راض عما فعله ابن زياد ، فلماذا

لم يعزله عن ولاية البصرة والكوفة على أقل تقدير؟. بل هو على العكس من ذلك يستدعيه ويكرمه ويزيد في عطائه وفي عطاء جنده الأوفياء مائة بالمائة.

وهذا هو يزيد التائب النادم ، بعد قتل الحسينعليه‌السلام واستئصال ذريته ، يسعى بجنده إلى المدينة المنورة معقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحابته الكرام ، فيسبيها ثلاثة أيام ويأمر قائد جيشه بأن يأخذ رجالها عبيدا ليزيد.

وفي (العقد الفريد) لابن عبد ربه ، ج ٣ ص ١٣٧ ؛ وتاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٣٢ قال في وصف يزيد : وعنده تقتل أو تعود عبدا كما تعتبد العبيد.

ولم يكتف بذلك حتى حرق الكعبة وضربها بالمنجنيق ، فقصف الله عمره في عزّ شبابه ، ولم يدم حكمه أكثر من ثلاث سنين وأشهر. كل ذلك مما يدل على أن ما فعله كان عن عمد وتصميم ، واستمرّ في عداوته لله والدين والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى آخر رمق من حياته. فأهلكه الله في ظروف غامضة ، وهو يتلهّى بالصيد في (حوّارين) شرقي حمص ، حيث أخواله النصارى.

٦٣١ ـ الجريمة تلبس يزيد مهما حاول اختلاق المبررات والأعذار :

(مقتل سيد الشهداء لعبد الكريم خان ، ص ٢٤)

قال الإمام الغزالي :

وقد زعمت طائفة أن يزيد بن معاوية لم يرض بقتل الحسينعليه‌السلام وادّعوا أن قتله كان غلطا.

٥٢٦

قال : وكيف يكون هذا الحال ، والحسينعليه‌السلام لا يحتمل الغلط ، لما جرى من قتاله ، ومكاتبة يزيد إلى ابن زياد بسببه وحثّه على قتله ، ومنعه عن الماء وقتله عطشانا ، وحمل رأسه وأهله سبايا عرايا على أقتاب الجمال ، وقرع ثناياه بالقضيب ، ومحاورته مع علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام لما دخل على يزيد ، حيث قال له : أنت ابن الّذي قتله الله ، فقالعليه‌السلام : أنا علي ابن من قتلت أنت ، ثم قرأ :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) (٩٣) [النساء : ٩٣].

ثم استفاض في لعن عليعليه‌السلام على المنابر ألف شهر ، وكان ذلك بأمر معاوية.أتراهم أمرهم بذلك كتاب أو سنّة أو إجماع؟!. انتهى كلام الغزالي.

٦٣٢ ـ يزيد هو الآمر الفعلي لقتل الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٢)

يقول الفاضل الدربندي : إن روايات كثيرة شواهد حقّة على أن يزيد هو الّذي أمر أعيان دولته ورؤساء جنده بمقاتلة سيد الشهداءعليه‌السلام وقتله ، وقتل أولاده وأطفاله وأصحابه ، وسبي عياله ونسائه. وإن جملة قليلة من الكلمات الصادرة عنه ، مما كان ظاهرها يفيد رقة قلبه على أهل البيتعليه‌السلام ، إنما كان منه على وجه الدهاء والشيطنة ، وكان منه لأغراض سياسية ، وليمتصّ به غضب الناس عليه.

حوادث تالية

تسيير الرأس الشريف إلى الأمصار

من الأمور الواضحة الدلالة ، التي تفضح حقيقة يزيد ، في تصميمه على قتل الحسينعليه‌السلام وسبي نسائه ، انتقاما لأجداده الكفار الذين قتلوا في بدر ؛ هو تسيير رأس الحسينعليه‌السلام من دمشق إلى عدة أمصار ، ليشاركه أعوانه فرحته الكبرى في انتصاره الميمون على النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستئصال ذريّته.

تسيير رأس الحسينعليه‌السلام إلى مصر

٦٣٣ ـ تسيير رأس الشريف إلى فلسطين ومصر :

لم تنته مسيرة رأس الحسينعليه‌السلام في دمشق فبعد أن شفى يزيد نفسه برؤية رأس الحسينعليه‌السلام أمر بتسييره إلى بقية الآفاق ، لينعم الناس بفرحة نصره

٥٢٧

ويشاركوه ذلك. فسيّر الرأس الشريف من دمشق إلى عسقلان [في فلسطين] وذلك بالطريق المتعارفة في ذلك الزمان كعمّان والقدس. وتقع (عسقلان) في فلسطين بين يافا وغزة ، وفيها الآن مشهد للحسينعليه‌السلام . ثم ساروا بالرأس الشريف إلى مصر ، وكانت عاصمتها الفسطاط وهي (القاهرة) اليوم. وقد أقيم في كل مكان وضع فيه الرأس الشريف مشهد للحسينعليه‌السلام . فكأن غاية يزيد في توهين قيمة الحسينعليه‌السلام ومحو ذكره وعظمته ، عن طريق تسيير رأسه الشريف من بلد إلى بلد والتشهير به ، كأن هذه الغاية قد انقلبت إلى عكسها ، فكان ذلك التسيير والتشهير سببا إلى قيام المشاهد المتعددة للحسينعليه‌السلام في كل مكان من أرض الإسلام ، ليظل ذكر الحسين وأمجاده دائمة عامرة في كل مكان.

هذا وقد بلغ من طغيان رجال يزيد وقواده ، وشذوذ أعوانه ومتملّقيه ، أن بيعت الخيل التي داست صدر الحسين الشريف ، بيعت في مصر بآلاف الدنانير ، ومن لم يستطع شراء فرس اشترى حدوة الفرس بآلاف الدنانير ، وأصبحوا يضعونها على أبواب بيوتهم للتبرك بها والتفاؤل!.

٦٣٤ ـ بدعة وضع الحدوة للبركة :

(التعجب ص ٤٦ ـ ملحق بكنز الفوائد للكراجكي)

قال البيروني في (الآثار الباقية) ص ٣٢٩ ط ليدن :

لقد فعلوا بالحسينعليه‌السلام ما لم يفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق ، من القتل بالسيف والرمح والحجارة وإجراء الخيل.

وقد وصل بعض هذه الخيول إلى مصر ، فقلعت نعالها وسمّرت على أبواب الدور تبركا ، وجرت بذلك السّنّة [أي العادة] عندهم ؛ فصار أكثرهم يعمل نظيرها ويعلق على أبواب الدور.

٦٣٥ ـ دفن الرأس الشريف في عسقلان :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١٣٣)

قال الشيخ مؤمن الشبلنجي : السؤال الّذي يتبادر إلى الأذهان ، بعد مسير الرأس الشريف إلى الشام ؛ إلى أين سار ، وفي أي موضع استقرّ؟. فذهبت طائفة إلى أن يزيد أمر أن يطاف به في البلاد ، فطيف به حتى انتهى به إلى (عسقلان) فدفنه أميرها بها.

٥٢٨

ـ تعريف بعسقلان :(أخبار الدول للقرماني ، ص ٤٦٥)

عسقلان مدينة حسنة على ساحل بحر الشام من أعمال فلسطين ، كان يقال لها عروس الشام لحسنها. ولها سوران. فيها مشهد رأس الحسينعليه‌السلام . وهو مشهد عظيم مبني على أعمدة ، وفيه ضريح الرأس ، والناس يتبركون به ، وهو مقصود من جميع النواحي ، وله نذر كثير. وقد خرّبها صلاح الدين الأيوبي.

وفي (مجلة الموسم) العدد ٤ ص ١٠٨٤ يقول :

أما المشهد الحسيني بعسقلان فلا يزال مقصودا بالزيارة ، وهو على نشز

[أي مرتفع] من الأرض ، يطلّ على أطلال المدينة.

وفي (جغرافية سورية العمومية) لسعيد الصباغ ، ص ١١٥ :

ويوجد في جوار (المجدل) خرابات مدينة قديمة اسمها عسقلان ، كانت ذات مدنية راقية ، ولها شأن عسكري خطير ، لا سيما في زمن الصليبيين ، حتى عسر فتحها عليهم خمسين سنة. ويوجد بينها وبين المجدل مقام للحسينعليه‌السلام يؤمّه خلق كثير في الموسم الخاص به.

ويقول ياقوت الحموي في (معجم البلدان) :

اسمها في التوراة (عسقلون). وذكر بعضهم أن عسقلان تعني أعلى الرأس ، فإن كان الاسم عربيا ، فمعناه أنها في أعلى الشام. وهي مدينة بالشام من أعمال فلسطين ، على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين. ويقال لها عروس الشام.

افتتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب ، ولم تزل عامرة حتى استولى عليها الافرنج سنة ٥٤٨ ه‍ ، وبقيت في أيديهم خمسا وثلاثين سنة ، إلى أن استنقذها صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة ٥٨٣ ه‍. ثم قوي الإفرنج وفتحوا (عكا) ، وساروا نحو عسقلان ، فخشي صلاح الدين أن يتمّ عليها ما تمّ على عكا ، فخرّبها سنة ٥٨٧ وهي على هذا الخراب إلى الآن.

(الشكل ٢٥) :

عسقلان عروس الشام

٥٢٩

وفيها كان رأس الحسينعليه‌السلام ، ثم نقل إلى القاهرة بأمر الوزير الفاطمي طلائع ابن رزيك ، خوفا من أن يهدمه الصليبيون إذا استحلوها.

٦٣٦ ـ نقل الرأس الشريف من عسقلان إلى القاهرة :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١٣٣)

فلما غلب الفرنج على عسقلان افتداه منهم [أي الرأس] الصالح طلائع ابن رزيك وزير للفائز الفاطمي بمال جزيل ، ومشى إلى لقائه من عدة مراحل ، ووضعه في كيس حرير أخضر ، على كرسي من الأبنوس ، وفرش تحته المسك والطيب ، وبنى عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة ، قريبا من خان الخليلي.

وفي كتاب (الخطط) للمقريزي بعد كلام على مشهد الحسينعليه‌السلام ما نصّه :

وكان حمل الرأس الشريف إلى القاهرة من عسقلان ، ووصوله إليها في يوم الأحد ٨ جمادى الآخرة سنة ٥٤٨ ه‍. ويذكر أن هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان ، وجد دمه لم يجف ، وله ريح كريح المسك.

٦٣٧ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام في مصر :

(تاريخ النياحة للسيد صالح الشهرستاني ، ص ١١٢)

عن (الخطط) للمقريزي : إن شعار الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الإخشيديين ، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين ؛ فكانت مصر في عهدهم ، بوقت البيع والشراء تعطّل الأسواق ، ويجتمع أهل النوح والنشيد ، يكونون بالأزقة والأسواق ، ويأتون إلى مشهد أم كلثوم ونفيسة ، وهم نائحون باكون.

وفي (الخطط) للمقريزي ، ج ١ ص ٤٩٠ :

وكان الفاطميون يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن تتعطل فيه الأسواق ، ويعمل فيه السماط العظيم ، المسمى سماط الحزن. وكان يصل إلى الناس منه شيء كثير.

فلما زالت الدولة (الفاطمية) اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور ، يوسّعون فيه على عيالهم ، ويتبسّطون في المطاعم ، ويصنعون الحلاوات ، ويتخذون الأواني الجديدة ، ويكتحلون ويدخلون الحمام ، جريا على عادة أهل الشام ، التي سنّها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ، ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن عليعليه‌السلام لأنه قتل فيه.

٥٣٠

٦٣٨ ـ تعصّب الإخشيديين على الشيعة في مصر :

(خطط المقريزي ، ج ١ ص ٤٣١)

في سنة ٣٦٣ ه‍ في عهد المعزّ لدين الله الفاطمي ، أصبح الناس يوم العاشر من المحرم يغلقون الدكاكين وأبواب الدور ، ويعطلون الأسواق حزنا على مصيبة الحسينعليه‌السلام . وإنما قويت أنفس الشيعة بكون المعز بمصر. وقد كانت مصر لا تخلو منهم أيام الإخشيدية والكافورية في يوم عاشوراء عند قبر أم كلثوم ونفيسةعليه‌السلام . وكان السودان وكافور يتعصبون على الشيعة. ويتعلق السودان في الطرقات بالناس ، ويقولون للرجل : من خالك؟. فإن قال : معاوية ، أكرموه ، وإن سكت لقي المكروه ، وأخذت ثيابه وما معه.

تسيير رأس الحسينعليه‌السلام إلى المدينة

٦٣٩ ـ تسيير رأس الحسينعليه‌السلام إلى المدينة المنورة ثم ردّه إلى دمشق :

(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٣١٢)

قال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٢ ص ٢١٩ ؛ والذهبي في (سير أعلام النبلاء) : ثم بعث يزيد رأسه إلى المدينة ، إلى عمرو بن سعيد. ثم ردّه إلى دمشق.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٧ ط نجف :

قال الواقدي : لما وصل الرأس إلى المدينة والسبايا ، لم يبق بالمدينة أحد ، وخرجوا يضجّون بالبكاء.

وفي (التذكرة) ص ٢٧٥ : واختلفوا في الرأس على أقوال :

أشهرها : أنه ردّه إلى المدينة مع السبايا ، ثم ردّ إلى الجسد بكربلاء ، فدفن معه.قاله هشام بن محمّد [الكلبي] وغيره.

والثاني : أنه دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمةعليه‌السلام . قاله ابن سعد.

قال : لما وصل إلى المدينة ، كان سعيد بن العاص واليا عليها [والصحيح : عمرو ابن سعيد بن العاص] فوضعه بين يديه ، وأخذ بأرنبة أنفه [أي طرف أنفه]. ثم أمر به فكفّن ودفن عند أمه فاطمةعليه‌السلام .

ثم ذكر أنه دفن في دمشق في دار إمارة يزيد ، ثم نقله الخلفاء الفاطميون ودفنوه في عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة كما ذكرنا سابقا.

٥٣١

وفي (التذكرة) ص ٢٧٦ :

وقال الكلبي : سمع عمرو بن سعيد بن العاص الضجة في دور بني هاشم فقال :

عجّت نساء بني تميم عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

والبيت لعمرو بن معديكرب.

وفي (شرح النهج) لابن أبي الحديد ، ج ١ ص ٣٦١ ط مصر ، قال :

ثم رمى بالرأس نحو قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا محمّد يوم بيوم بدر.

٦٤٠ ـ شماتة مروان بن الحكم :(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٥)

عن (تاريخ البلاذري) أنه لما وافى رأس الحسينعليه‌السلام المدينة ، سمعت الواعية من كل جانب ، فقال مروان بن الحكم :

ضرب الدوسر(١) فيهم ضربة

أثبتت أوتاد حكم فاستقر

ثم أخذ ينكت وجهه بقضيب ، ويقول :

حبّذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين

كأنه بات بعسجدين

شفيت منك النفس يا حسين

ثم قال : والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان.

تعليق :

لم أر في تاريخ العرب شخصا ألأم من مروان بن الحكم ، فكيف يسمح لنفسه بهذا الكلام عن الحسينعليه‌السلام ، والحسين هو الّذي عمل على إطلاق سراحه حين أخذ أسيرا في معركة الجمل. وكيف يسوّغ له أن ينسب إلى الحسينعليه‌السلام اشتراكه في قتل عثمان ، مع أنه وكما أثبت كل رواة التاريخ أنه كان من المدافعين عن عثمان ، والواقفين على بابه للدفاع عنه بأمر من أبيهعليه‌السلام . ومن قبل في كربلاء لما طلب الحسينعليه‌السلام شربة من ماء ، قال جند يزيد : لا تسقوه الماء حتى يموت عطشا كما فعل بعثمان. ولكن إنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

__________________

(١) الدوسر : الجمل الضخم.

٥٣٢

٦٤١ ـ أحفاد الجناة في كربلاء :

(الثورة الحسينية للسيد عبد الحسين دستغيب ، ص ٧٥)

ينقل الشهيد دستغيب عن الشيخ الطوسي قوله :

إن عدة قبائل كانت محترمة في الشام بعد واقعة كربلاء ، ولمدة طويلة كان الخوارج والنواصب والمعادون لأهل البيتعليه‌السلام يحملون لهم الهدايا ؛ وذلك لأنهم أحفاد أولئك الأشخاص العشرة الذين داسوا صدر الحسينعليه‌السلام وأصحابه بحوافر الخيل ، وهذه القبائل تفتخر بأنها من نسل أولئك الرجال الذين فعلوا مثل ذلك الفعل ، تنفيذا لأوامر يزيد.

٦٤٢ ـ تفاخر بعض أسر الشام بالمشاركة في قتل الحسينعليه‌السلام :

(كتاب التعجب ، ص ٣٥٠ ط حجر قم ـ ذيل كنز الفوائد للكراجكي)

يعدد الكراجكي أسماء بعض الأسر في الشام التي اشترك أجدادها في قتل الحسينعليه‌السلام ، فسمّوا باسم العمل الّذي قاموا به :

فبنو (سراويل) : سلب جدّهم سراويل الحسينعليه‌السلام .

وبنو (السّرح) : سرّح جدهم خيله لدوس جسد الحسينعليه‌السلام ، ووصل بعض هذه الخيل إلى مصر ، فقلعت نعالها من حوافرها ، وسمّرت على أبواب الدور ليتبرك بها ، وجرت بذلك السنّة عندهم ، حتى صاروا يتعمدون عمل نظيرها (ووضعها) على أبواب دور أكثرهم.

وأما بنو (سنان) : فهم أولاد الّذي حمل الرمح الّذي حمل على سنانه رأس الحسينعليه‌السلام .

وأما بنو (الطشتي) : فجدّهم قدّم الطشت الّذي وضع فيه رأس الحسينعليه‌السلام .

وأما بنو (القضيبي) : فهم أولاد الّذي أحضر القضيب إلى يزيد ، لينكت به ثنايا الحسينعليه‌السلام الخ.

مدفن رأس الحسينعليه‌السلام

٦٤٣ ـ أين دفن رأس الحسينعليه‌السلام بعد مسيرته الطويلة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٤٥)

اختلفت الروايات والأقوال في مصير رأس الحسين الشريف ، بعد مسيرته

٥٣٣

الطويلة عبر الآفاق والأقطار والأمصار فمنها أن يزيد ردّه إلى المدينة فدفن عند قبر أمه فاطمةعليه‌السلام . ومنها أنه مدفون في دمشق عند باب الفراديس ، وكأنه هو الموضع المعروف الآن بمقام أو مشهد رأس الحسينعليه‌السلام في الجهة الشرقية من المسجد الأموي إلى يمين الداخل من باب جيرون (النوفرة). ومنها أنه مدفون في القاهرة. ومنها أنه مدفون في النجف الأشرف عند قبر أبيه عليعليه‌السلام والرواية الأخيرة أنه ردّ إلى جسده المقدس فدفن معه في كربلاء.

وتزعم بعض الروايات أن الرأس الشريف قد دفن أولا في دمشق ، ثم نقله الفاطميون إلى عسقلان بفلسطين ، ثم نقلوه إلى القاهرة فدفن فيها. وذلك في المشهد المعروف اليوم بمسجد سيدنا الحسينعليه‌السلام وهو مشهد معظّم يزوره المصريون ويتبركون به.

بينما تزعم روايات أخرى أن سليمان بن عبد الملك قد وجد الرأس الشريف في خزانة من خزائن بني أمية ، فصلى عليه ودفنه في دمشق ، فلما ولي الحكم عمر بن عبد العزيز نبش الرأس وردّه إلى كربلاء.

وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) : إن يزيد ردّ الرأس الشريف إلى المدينة مع السبايا ، ثم ردّه إلى الجسد بكربلاء فدفن معه.

وهذه الروايات كلها من طرق السنّة أما إجماع الشيعة الإمامية فعلى أن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ردّ الرأس الشريف إلى الجسد المقدس في كربلاء ، أثناء رجوعه مع السبايا من دمشق إلى المدينة ، ومنه زيارة الأربعين كما نوّهنا سابقا.

إذن فمن الثابت أن الرأس الشريف قد أرجع إلى الجسد المطهر في كربلاء ، سواء بردّه مباشرة من دمشق ، كما أجمعت عليه روايات الإمامية ، أو بعد دفنه في المدينة أو في دمشق أو في عسقلان أو في القاهرة ، كما تقول الروايات الأخرى ، ثم ردّ إلى الجسد المطهر في كربلاء.

وهذه بعض الروايات في هذا الخصوص من طرق الخاصة والعامة.

٦٤٤ ـ رواية سبط ابن الجوزي :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٥ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي في (تذكرته) :

واختلفوا في الرأس (الشريف) على أقوال :

٥٣٤

أشهرها : أنه ردّه إلى المدينة مع السبايا ، ثم ردّ إلى الجسد بكربلاء ، فدفن معه.قاله هشام وغيره.

والثاني : أنه دفن (بالبقيع) بالمدينة ، عند قبر أمه فاطمةعليه‌السلام . قاله ابن سعد.

قال : لما وصل إلى المدينة ، كان سعيد بن العاص واليا عليها ، فوضعه بين يديه ، وأخذ بأرنبة أنفه. ثم أمر به فكفّن ودفن عند [قبر] أمه فاطمةعليه‌السلام .

وذكر الشعبي : أن مروان بن الحكم كان بالمدينة ، فأخذه وتركه بين يديه ، وتناول أرنبة أنفه ، وقال :

حبّذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين

ثم قال : والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان.

والثالث : أنه بدمشق.

حكى ابن أبي الدنيا قال : وجد رأس الحسينعليه‌السلام في خزانة يزيد بدمشق ، فكفّنوه ودفنوه بباب الفراديس. وكذا ذكر البلاذري في تاريخه ، قال : هو بدمشق في دار الإمارة. وكذا ذكر الواقدي أيضا.

والرابع : أنه بمسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهورة. ذكره عبد الله ابن عمر الوراق في كتاب (المقتل) وقال : لما حضر الرأس بين يدي يزيد بن معاوية ، قال : لأبعثنه إلى آل أبي معيط عن رأس عثمان ، وكانوا بالرقة ، فبعثه إليهم ، فدفنوه في بعض دورهم. ثم أدخلت تلك الدار في المسجد الجامع. قال : وهو إلى جانب سدرة [شجرة النبق] هناك ، وعليه شبيه النيل لا يذهب شتاء ولا صيفا.

والخامس : أن الخلفاء الفاطميين نقلوه من باب الفراديس إلى عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة ، وهو فيها وله مشهد عظيم يزار.

ثم قال سبط ابن الجوزي : وفي الجملة ففي أي مكان كان رأسه أو جسده ، فهو ساكن في القلوب والضمائر ، قاطن في الأسرار والخواطر.

وقد سئل أبو بكر الآلوسي عن موضع رأس الحسينعليه‌السلام فقال شعرا :

لا تطلبوا رأس الحسين

بشرق أرض أو بغرب

ودعوا الجميع وعرّجوا

نحوي فمشهده بقلبي

٥٣٥

٦٤٥ ـ تحقيق السيد محسن الأمين :(أعيان الشيعة ، ج ٤ ص ٢٧٣)

قال العلامة السيد محسن الأمينرحمه‌الله :

اختلفت الروايات والأقوال في ذلك على وجوه :

(الأول) : أنه عند أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام بالنجف. ذهب إليه بعض أخبار وردت بذلك. وفي بعضها أن الصادقعليه‌السلام قال لولده إسماعيل : إنه لما حمل إلى الشام سرقه مولى لنا ، فدفنه بجنب أمير المؤمنينعليه‌السلام . وهذا القول مختص بالشيعة.

(الثاني) : أنه مدفون مع جسده الشريف. روايات ذلك :

ـ في (البحار) أنه المشهور بين علمائنا الإمامية ، ردّه الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام .

ـ في (اللهوف) أنه أعيد ، فدفن بكربلاء مع جسده الشريف ، وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه.

ـ وقال ابن نما : الّذي عليه المعوّل من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد ، بعد أن طيف به في البلاد ، ودفن معه.

ـ وعن المرتضى في بعض مسائله ، أنه ردّ إلى بدنه بكربلاء من الشام.

ـ وقال الشيخ الطوسي : ومنه زيارة الأربعين.

ـ وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) : أشهر الأقوال أن يزيد ردّه إلى المدينة مع السبايا ، ثم ردّ إلى الجسد بكربلا فدفن معه. قاله هشام وغيره.

فهذا القول مشترك بين الشيعة وأهل السنة.

(الثالث) : في المدينة ، دفن عند قبر أمه الزهراءعليه‌السلام .

(الرابع) : أنه بدمشق ، وأنه دفن بباب الفراديس. ذكر ذلك سبط ابن الجوزي.وكذا ذكر البلاذري في تاريخه ، قال : هو بدمشق في دار الإمارة. وكذا ذكر الواقدي أيضا.

وفي رواية : أنه مكث في خزائن بني أمية ، حتى ولي سليمان بن عبد الملك ، فطلبه فجيء به وهو عظم أبيض ، فجعله في سفط وطيّبه ، وجعل عليه ثوبا ، ودفنه في

٥٣٦

مقابر المسلمين ، بعد ما صلى عليه. فلما ولي عمر بن عبد العزيز ، سأل عن الموضع الّذي دفن فيه ، فنبشه وأخذه ، والله أعلم بما صنع به. وقال بعضهم : الظاهر من دينه أنه بعث به إلى كربلاء ، فدفنه مع الجسد الشريف.

(راجع مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٦)

وروى ابن نما عن منصور بن جمهور ، أنه دخل خزانة يزيد لما فتحت ، فوجد بها جونة [وعاء كالخابية] حمراء ، فقال لغلامه سليم : احتفظ بهذه الجونة ، فإنها كنز من كنوز بني أمية. فلما فتحها إذ بها رأس الحسينعليه‌السلام وهو مخضوب بالسواد ، فلفّه في ثوب ودفنه عند باب الفراديس ، عند البرج الثالث مما يلي المشرق.

يقول العلامة الأمين : وكأنه هو الموضع المعروف الآن بمسجد أو مقام أو مشهد رأس الحسينعليه‌السلام بجانب المسجد الأموي بدمشق ، وهو مشهد مشيد معظم.

(الخامس) : في الرقة.

(السادس) : بمصر ، نقله الخلفاء الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة ، وله فيها مشهد عظيم يزار. ذكره سبط ابن الجوزي.

ويقول العلامة الأمين : حكى غير واحد من المؤرخين ، أن الخليفة العلوي [أي الفاطمي] بمصر ، أرسل إلى عسقلان وهي مدينة بفلسطين ، فاستخرج رأسا زعم أنه رأس الحسينعليه‌السلام ، وجيء به إلى مصر فدفن فيها في المشهد المعروف الآن.وهو مشهد معظم يزار ، وإلى جانبه مسجد عظيم (اسمه مسجد سيدنا الحسين). وإنّ أخذ العلويين لذلك الرأس من عسقلان ودفنه بمصر لا ريب فيه ، لكن الشك في كونه رأس الحسينعليه‌السلام أم لا!.

وهذه الوجوه الأربعة الأخيرة كلها من روايات أهل السنة وأقوالهم خاصة.وإليك تفصيل ذلك :

الرأس في دمشق

٦٤٦ ـ مدفن الرأس الشريف في دمشق :

يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٩ بعد ذكر عدة احتمالات :

والأصح أنه دفن في جامع دمشق.

٥٣٧

٦٤٧ ـ تحقيق ابن كثير :(البداية والنهاية ، ج ٨ ص ٢٢١)

يقول ابن كثير في بدايته : هناك عدة أقوال :

القول الأول : روى محمّد بن سعد أن يزيد بعث برأس الحسينعليه‌السلام إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة ، فدفنه عند أمه بالبقيع.

القول الثاني : ذكر ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن محمّد بن عمر بن صالح ، أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي ، فأخذ من خزانته فكفّن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق.

قلت : ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم ، داخل باب الفراديس الثاني.

القول الثالث : إن الّذي كفّنه هو سليمان بن عبد الملك ، ودفنه في مقبرة المسلمين.

٦٤٨ ـ رواية الذهبي :(سير أعلام النبلاء ، ج ٣ ص ٣١٦)

قال الذهبي : وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي : حدثنا سليمان بن عبد الحميد البرائي : سمعت أبا أمية الكلاعي ، قال : سمعت أبا كرب ، قال : كنت فيمن توثّب على الوليد بن يزيد بدمشق ، فأخذت سفطا ، وقلت : فيه غنائي. فركبت فرسي ، وخرجت به من باب توما. قال : ففتحته ، فإذا فيه رأس مكتوب عليه : هذا رأس الحسين بن عليعليه‌السلام . فحفرت له بسيفي ، فدفنته.

يقول الذهبي في الحاشية : لا يصح الحديث ، فيه من لا يعرف.

في المدينة

٦٤٩ ـ مدفن رأس الحسينعليه‌السلام في المدينة :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٤٢)

يقول الشيخ عبد الله الشبراوي : وقيل إن يزيد أرسل برأس الحسينعليه‌السلام ومن بقي من أهله إلى المدينة ، فكفّن الرأس ودفن عند قبر أمه بقبّة الحسنعليه‌السلام .

وفي (شرح الهمزية) لابن حجر ، ص ٧٠ قيل : إن يزيد أرسل برأس الحسينعليه‌السلام وثقله ومن بقي من أهله إلى المدينة ، فكفّن رأسه ودفن عند قبر أمه بقبّة الحسنعليه‌السلام .

٥٣٨

في الكوفة

٦٥٠ ـ تحقيق الفاضل الدربندي :(أسرار الشهادة ، ص ١٦١)

يقول الفاضل الدربندي : في الخبر أنك إذا أتيت الغريّ [موضع بالنجف] رأيت قبرين : قبرا كبيرا وقبرا صغيرا. فأما الكبير فقبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأما الصغير فرأس الحسينعليه‌السلام . وذلك أن ابن زياد لما بعث برأس الحسينعليه‌السلام إلى الشام ، ردّ إلى الكوفة. فقال : أخرجوه منها ، لا يفتن به أهلها ، فصيّره الله عند أمير المؤمنين ، فدفن. وهذا مفاد الحديث : فالرأس مع الجسد ، والجسد مع الرأس.وقد روى السيد ابن طاووس في (اللهوف) وغيره ، أن رأس الحسينعليه‌السلام أعيد فدفن مع بدنه بكربلاء ، وذكر أن عمل الطائفة على ذلك.

ولا يخفى أنه يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين ما ادعاه ابن طاووس ، على [أنه] دفن الرأس أولا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام بدافع الخوف ، ثم حمل الرأس بعد الدفن بقليل إلى كربلاء بعد الأمن ، ودفنه عند الجسد الشريف. ويؤيده في الرواية الأخيرة : «فالرأس مع الجسد ، والجسد مع الرأس». فالجسد الأول هو جسد الإمام عليعليه‌السلام ، والجسد الثاني هو جسد الحسينعليه‌السلام .

في عسقلان والقاهرة

٦٥١ ـ انتقال الرأس الشريف إلى عسقلان ثم القاهرة :

(التاريخ الحسيني للسيد محمود الببلاوي ، ص ١٦)

قال الببلاوي : أمر يزيد برفع الرؤوس في دمشق ثلاثة أيام ، ثم أمر بأن يطاف بها في البلاد. فطيف بها حتى وصلت عسقلان ، وأميرها إذ ذاك من خيرة الناس إيمانا وخوفا من الله ، فدفنها في مكان فخيم ، استمرت به إلى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ٤٩١ ه‍. وفي شعبان فيها خرج الأفضل ابن أمير الجيوش بعساكر كثيرة إلى بيت المقدس ، كما نقله المقريزي عن ابن ميسّر ، وحارب من به وملكه ، ثم دخل عسقلان. ولما علم بالرأس الشريف عمل له مشهدا جليلا بالمدينة المذكورة ، إذ رأى المكان الأول صار لا يليق بجلاله. ولما تكامل البناء أخرج الرأس الشريف فعطّره وحمله على صدره وسعى به ماشيا ، إلى أن أحله في المشهد المذكور.فاستمر به إلى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ٥٤٨ ه‍ ، وحواليها قضى الله على

٥٣٩

عسقلان أن تمتدّ إليها أيدي الطمع من الإفرنج ، وكان بها أمير يقال له عيّاش ، فأرسل إلى الخليفة الفائز بأمر الله بمصر ، يقول له : أما بعد ، فإن الإفرنج قد أشرفوا على أخذ عسقلان ، وإن بها رأس الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ، فأرسلوا من تختارونه وإلا أخذوه. وكان الخليفة الفاطمي الفائز إذ ذاك طفلا صغيرا لم يبلغ الحادية عشرة من عمره ، ولذلك كان الحل والعقد والأمر والنهي لأكبر وزرائه ، المسمى طلائع بن رزيك ، فأرسل فرقة من الجيش تحت أمر مكنون الخادم ، وزوّده بثلاثين ألف دينار ، فأتوا بالرأس. ووصلوا إلى قطية ، فخرج الوزير إلى لقائه من عدة مراحل ومعه جيوش كثيرة ، وكلهم حفاة خاشعون. فحمل الوزير الرأس على صدره ، حتى دخلوا مصر. وبنى طلائع مسجدا للرأس خارج باب زويلة من جهة الدرب الأحمر ، وهو المعروف بجامع الصالح الآن. فكشف الحجب عن تلك الذخيرة النبوية ، فوجد دمها لم يجف ، ووجد لها رائحة أطيب من المسك ـ كما قال المقريزي ـ فغسّل الرأس في المسجد المذكور على ألواح من الخشب ، ثم أراد أن يشرّف ذلك المسجد بدفنه فيه ، فأبى أهل القصر ، وهم معيّة الملك الفائز ، وقالوا : إن أثرا نبويا جليلا كهذا لا يليق أن يكون مستقره خارج حدود القاهرة ، بل لا بدّ من دفنه في قصر الملك [أي المعزّ] ، وكانت بوابة الباب الأخضر الموجودة الآن تحت المنارة الصغرى للمسجد الحسيني ، بابا من أبواب القصر المنتهي إلى الجمالية ، واسمه باب الديلم ودهليز الخدمة ، فعمدوا إلى الجهة المذكورة وبنوا بها بناء فخيما ، حلّوه بأنواع الزخارف الجميلة ، وكسوا جدرانه بالرخام الملون ، في البقعة المباركة الحالية.

وكان طلائع بن رزيك محبا لأهل البيتعليه‌السلام ويدعى الملك الصالح.

٦٥٢ ـ الجزم بأن الرأس الّذي كان في عسقلان ليس رأس الحسينعليه‌السلام :

(رأس الحسين لابن تيمية ، ص ١٥)

يقول ابن تيمية : بل نحن نعلم ونجزم بأنه ليس رأس الحسينعليه‌السلام ولا كان ذلك المشهد العسقلاني مشهدا للحسينعليه‌السلام ، من وجوه متعددة :

١ ـ أنه لو كان رأس الحسينعليه‌السلام هناك لم يتأخر كشفه وإظهاره إلى ما بعد مقتل الحسينعليه‌السلام بأكثر من أربعمائة سنة.

٢ ـ إن الذين جمعوا أخبار الحسينعليه‌السلام ومقتله ، مثل أبي بكر بن أبي الدنيا ،

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800