موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 513961 / تحميل: 6227
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فأقبل على أم كلثومعليها‌السلام وقال لها : أوصيك يا أخيّة بنفسك خيرا ، وإني بارز إلى هؤلاء القوم. فأقبلت سكينة وهي صارخة وكان يحبها حبا شديدا ، فضمّها إلى صدره ومسح دموعها بكمه ، وقال :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء إذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان

١٢٤ ـ نعي الحسينعليه‌السلام نفسه ، وطلب نسائه الرجوع إلى حرم جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)

قال أبو مخنف : ثم نادىعليه‌السلام : يا أم كلثوم ويا زينب ويا سكينة ويا رقية ويا عاتكة ويا صفية ، عليكنّ مني السلام ، فهذا آخر الاجتماع ، وقد قرب منكن الافتجاع. فصاحت أم كلثوم : يا أخي كأنك استسلمت للموت!. فقال لها الحسينعليه‌السلام : يا أختاه فكيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين!. فقالت :

يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقال لها : يا أختاه هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلا لنام. فرفعت سكينة صوتها بالبكاء والنحيب ، فضمّها الحسينعليه‌السلام إلى صدره الشريف وقبّلها ومسح دموعها بكمّه.

١٢٥ ـ الوداع الأخير(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٤٢٣)

(وفي رواية) فنادى في تلك الحالة : يا زينب يا أم كلثوم ويا سكينة يا رقية يا فاطمة ، عليكنّ مني السلام. فأقبلت زينبعليها‌السلام فقالت : يا أخي ، أيقنت بالقتل؟.فقالعليه‌السلام : كيف لا أيقن وليس لي معين ولا نصير؟. فقالت :

يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقالعليه‌السلام : هيهات ، لو تركت ما ألقيت نفسي في المهلكة ، وكأنكم غير بعيد كالعبيد ، يسوقونكم أمام الركاب ، ويسومونكم سوء العذاب. فلما سمعته زينبعليها‌السلام بكت ، وجرى الدموع من عينيه ، ونادت :

وا وحدتاه ، وا قلة ناصراه ، وا سوء منقلباه ، وا شؤم صباحاه. فشقّت ثوبها ونشرت شعرها ولطمت على وجهها. فقال الحسينعليه‌السلام : مهلا لها ، يا بنت المرتضى ، إن البكاء طويل. فأراد أن يخرج من الخيمة ، فلصقت به زينبعليها‌السلام فقالت : مهلا يا أخي ، توقّف حتى أزوّد من نظري ، وأودّعك وداع مفارق لا تلاق

١٤١

بعده فمهلا يا أخي قبل الممات هنيهة ، لتبرد مني لوعة وغليل. فجعلت تقبّل يديه ورجليه. وأحطن به سائر النسوان

١٢٦ ـ الحسينعليه‌السلام يلبس ثوبا خلقا تحت ثيابه لئلا يجرّد منه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٥١)

ثم قالعليه‌السلام لأخته : آتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد من القوم ، أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه بعد قتلي.

قال الراوي : فارتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب.

يقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٣٤١ :

فأتوه بتبّان ، فلم يرغب فيه لأنه من لباس الذلة. وأخذ ثوبا خلقا [أي باليا] وخرّقه وجعله تحت ثيابه(١) ، ودعا بسراويل حبرة ففزرها ولبسها لئلا يسلب منها.

ويقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية) ص ٢٢٣ :

ثم إنهعليه‌السلام دعا بسروال يماني محكم النسج ، يلمع فيه البصر ، فخرّقه وفزره ، حتى لا يطمع فيه أحد ، لأنهعليه‌السلام يعلم أنه يسلب بعد مقتله. فقيل له : لو لبست تحته تبّانا ـ وهو سروال صغير ـ فقالعليه‌السلام : ذلك ثوب مذلة ، لا ينبغي لي أن ألبسه(٢) .

١٢٧ ـ مصرع ابن صغير للحسينعليه‌السلام عمره ثلاث سنوات :

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ص ٣٠٢)

وبينما الحسينعليه‌السلام جالس ، عليه جبّة خز دكناء ، والنبل يقع حوله ، فوقعت نبلة في ولد له ابن ثلاث سنين. فلبس لامته [أي درعه].

(أقول) : لا يبعد أن يكون هذا هو علي الأصغرعليه‌السلام .

١٢٨ ـ محاولة زين العابدينعليه‌السلام القتال رغم مرضه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ ومقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٠)

ثم التفت الحسينعليه‌السلام عن يمينه وشماله فلم ير أحدا من الرجال. فخرج علي

__________________

(١) مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ، ج ٩ ص ١٩٢ ؛ والبحار ، ج ١٠ ص ٢٠٥.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٥ ص ٤٥١ و ٤٥٢.

١٤٢

ابن الحسينعليهما‌السلام وهو زين العابدين ـ وهو أصغر من أخيه علي القتيل ـ وكان مريضا بالذّرب [وهو داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ، ويفسد فيها ولا تمسكه]. ونهض السجّادعليه‌السلام يتوكأ على عصا ويجرّ سيفه ، لأنه لا يقدر على حمله لمرضه ، وأم كلثوم تنادي خلفه : يا بني ارجع. فقال : يا عمتاه!. ذريني أقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فصاح الحسينعليه‌السلام بأم كلثوم : احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأرجعته إلى فراشه(١) .

١٢٩ ـ لماذا أمرض الله زين العابدينعليه‌السلام ؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٥)

حاول الإمام زين العابدينعليه‌السلام أن يخرج للجهاد رغم مرضه ، فمنعه سيد الشهداءعليه‌السلام . والواقع أن الله تعالى قد أمرض سيد الساجدين ، فطال زمان كونه عليلا ليسقط عنه الجهاد ، حفظا للعالم عن أن ينهدم ويبيد. وقد أثر عن الحسينعليه‌السلام قوله : وحاشا اللهعزوجل شأنه الكبير المتعال ، أن يبقي الأرض بلا حجة من نسلي.

١٣٠ ـ الحسينعليه‌السلام يوصي لابنه زين العابدينعليه‌السلام بالإمامة أكثر من مرة :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٦)

قال الفاضل الدربندي : اعلم أن وصية سيد الشهداءعليه‌السلام على ولده سيد الساجدينعليه‌السلام وتنصيصاته بإمامته ، كما أنها قد وقعت مرات عديدة قبل خروجهعليه‌السلام من المدينة ، فكذا إنها قد وقعت مرات في كربلاء. وما استفيد من الأخبار أنها وقعت في كربلاء أربع مرات : مرة في ليلة عاشوراء ، ومرة في طلب زين العابدينعليه‌السلام الجهاد ، ومرة قبيل شروع الإمام الحسينعليه‌السلام في الجهاد ، ومرة بعد صدور مجاهدات كثيرة وقتل آلاف من الناس في جملة من الحملات منهعليه‌السلام .

١٣١ ـ وصية الإمام الحسينعليه‌السلام لزين العابدينعليه‌السلام :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٧٦ ؛ وأسرار الشهادة ، ص ٤٠٣)

عن (إثبات الوصية) قال : ثم أحضر علي بن الحسينعليه‌السلام وكان عليلا ،

__________________

(١) الخصائص الحسينية للشيخ جعفر التستري ، ص ١٢٩.

١٤٣

فأوصى إليه بالاسم الأعظم ومواريث الأنبياء. وعرّفه أنه قد دفع العلوم والصحف والمصاحف والسلاح إلى أم سلمة رضي الله عنها وأمرها أن تدفع جميع ذلك إليه.

وعنه أيضا : أن الحسينعليه‌السلام أوصى إلى أخته زينب بنت عليعليهما‌السلام في الظاهر ، فكان ما يخرج من علي بن الحسينعليهما‌السلام في زمانه من علم ينسب إلى زينبعليها‌السلام عمته ، سترا على علي بن الحسينعليهما‌السلام وتقيّة واتقاء عليه.

وعن العلامة الكليني عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال : إن الحسينعليه‌السلام لما حضره الّذي حضر ، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة. وكان علي بن الحسينعليه‌السلام مبطونا معهم ، لا يرون إلا أنه لما به. فدفعت فاطمةعليها‌السلام الكتاب إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام .

(قال الراوي) قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟. قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم ، منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا. والله إن فيه الحدود ، حتى أن فيه أرش الخدش [أي الغرامة التي يدفعها الشخص إذا خدش شخصا آخر].

١٣٢ ـ شهادة علي الأصغر بن الحسينعليه‌السلام :

اختلف الرواة في عدد أولاد الحسينعليه‌السلام الذين حضروا كربلاء ، كما اختلفوا في أسمائهم. وقد حققنا سابقا أن عددهم أربعة هم :

علي الأكبرعليه‌السلام ـ علي الأوسط وهو زين العابدينعليه‌السلام ـ علي الأصغر ـ عبد الله الرضيع.

فمن الرواة ما اعتبر زين العابدينعليه‌السلام هو الأصغر ، ولم يذكر علي الأصغر.ومنهم من سمّى عبد الله الرضيع عليا الأصغر ، واعتبر عددهم ثلاثة.

وقد ذكر القرماني في (أخبار الدول وآثار الأول) شهادة علي الأصغر قبل شهادة علي الأكبرعليه‌السلام ، وقال : وطلب الحسينعليه‌السلام ماء لولده الصغير علي الأصغر ، فذهب علي الأكبر بركوة وملأها من الشريعة ورجع. وأجلس الحسينعليه‌السلام ابنه على فخذه وهمّ بسقيه ، فأتاه سهم

يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٤٠٤ : وهذه الرواية كما ترى غير مستقيمة ، وهي تنافي ما في الزيارة المروية من الناحية القائمية المقدسة.

ثم يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٨ : وأصاب سهم ابنا

١٤٤

للحسينعليه‌السلام وهو في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول : الله م احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا.

ثم يقول : وأتي بصبي صغير من أولادهعليه‌السلام اسمه عبد الله [الظاهر أنه الرضيع] ، فحمله وقبّله ، فرماه رجل من بني أسد [لعله حرملة بن كاهل الأسدي] فذبح ذلك الغلام. فتلقى الحسينعليه‌السلام دمه في يده وألقاه نحو السماء ، وقال :يا رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء ، فاجعله لنا خيرا ، وانتقم من الظالمين.

أما ابن أعثم في (كتاب الفتوح) ج ٥ ص ٢٠٩ فيقول : فبقي الحسينعليه‌السلام فريدا وحيدا ، ليس معه ثان إلا ابنه عليعليه‌السلام وهو يومئذ ابن سبع سنين [أقول : هذا خطأ من الناسخ ، ولعل عمره سبع عشرة سنة ، وهو زين العابدينعليه‌السلام ]. وله ابن آخر يقال له علي في الرضاع. فتقدم إلى باب الخيمة ، فقال : ناولوني ذلك الطفل حتى أودّعه وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبّة الصبي [اللّبّة : موضع القلادة من الصدر] ، فقتله.

١٣٣ ـ شهادة الطفل الّذي ولد يوم عاشوراء :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ بعد ص ٢٤٣)

يقول اليعقوبي : ثم تقدّموا رجلا رجلا ، حتى بقي وحده ما معه أحد من أهله ولا ولده ولا أقاربه. فإنه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد له في تلك الساعة.فأذّن في أذنه ، وجعل يحنّكه ، إذ أتاه سهم ، فوقع في حلق الصبي ، فذبحه. فنزع الحسينعليه‌السلام السهم من حلقه ، وجعل يلطخه بدمه ، ويقول : والله لأنت أكرم على الله من الناقة [أي ناقة صالح التي ذبحها قومه فاستحقوا العذاب لذلك] ، ولمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكرم على الله من صالح!. ثم أتى فوضعه مع ولده وبني أخيه.

ويقول السيد الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٧٣ :

في (الإبصار) : عبد الله [الرضيع] ابن الحسينعليه‌السلام ولد في المدينة ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس الكلبي وكانت الرباب عند الحسينعليه‌السلام وولدت له سكينة وعبد الله هذا.

ثم يقول : اشتهر في الألسن هذا الصبي بعلي الأصغر ، وقيل بتخالفهما ، وأن عبد الله الرضيع غيره ، وأن أمه أم إسحق بنت طلحة ، وأنه ولد في كربلاء في يوم عاشوراء وأن علي الأصغر قتل في معركة القتال ، رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه ، والعلم عند الله.

١٤٥

وذكر السيد حميد بن أحمد الزيدي صاحب (الحدائق الوردية) قال : ولد للحسينعليه‌السلام في الحرب ولد (أمه أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله التميمية) زوجة الحسينعليه‌السلام . فأتي به وهو قاعد ، فأخذه في حجره ولبّاه بريقه ، وسماه عبد الله.فبينما هو كذلك إذ رماه عبد الله بن عقبة الغنوي ، وقيل هانئ بن ثبيت الحضرمي ، بسهم فنحره. فأخذ الحسينعليه‌السلام دمه فجمعه ورمى به نحو السماء ، فما وقع منه قطرة إلى الأرض. قال الإمام الباقرعليه‌السلام : ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب (انظر وسيلة الدارين للزنجاني ، ص ٢٨٠). ولنعم ما قيل :

ومنعطف أهوى لتقبيل طفله

فقبّل منه قبله السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردى

ومن قبله في نحره السهم كبّرا

ونذكر الآن شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام ، الّذي له من العمر ستة أشهر.

شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام

١٣٤ ـ مصرع عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام على يد حرملة بن كاهل الأسدي(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤١)

ثم تقدمعليه‌السلام إلى باب الخيمة وقال : ناولوني ولدي الرضيع لأودعه. فأتته زينبعليها‌السلام بابنه عبد الله [وقد سماه ابن شهر اشوب : علي الأصغر] وأمه الرباب بنت امرئ القيس ، فأجلسه في حجره وجعل يقبّله(١) ويقول : بعدا لهؤلاء القوم ، إذا كان خصمهم جدك المصطفى(٢) . ثم أتىعليه‌السلام بالرضيع نحو القوم يطلب له الماء ، وقال لهم : لقد جفّت محالب أمه ، فهل إلى شربة من ماء سبيل؟. ثم قال لهم : يا قوم ، إذا كنت أقاتلكم وتقاتلونني ، فما ذنب هذا الطفل حتى تمنعوا عنه الماء؟!.(وفي رواية) أنه قال : إذا لم ترحموني فارحموا هذا الطفل. فمنهم من رقّ قلبه للطفل ، وقال : اسقوه شربة من ماء ، ومنهم من قال : لا تسقوه ولا ترحموه!.

__________________

(١) عن الله وف ، ص ٦٥.

(٢) عن البحار ، ج ١٠ ص ٢٥٣ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٢.

١٤٦

فخاف عمر بن سعد أن يدبّ النزاع في صفوف جيشه ، فقال لحرملة بن كاهل الأسدي وكان راميا : اقطع نزاع القوم. فسدد حرملة سهمه نحو عنق الصبي ، فرماه بسهم فذبحه من الوريد إلى الوريد ، وهو لائذ بحجر أبيه. فأخذ الطفل يفحص من ألم الجروح ، ويرفرف كما يرفرف الطير المذبوح ، ودمه يشخب من أوداجه ، والحسينعليه‌السلام يتلقّى دمه من نحره حتى امتلأت كفه ، ثم رمى به نحو السماء.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : فما وقع منه قطرة إلى الأرض ، ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب.

ثم قالعليه‌السلام : هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى(١) . الله م لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح. إلهي إن كنت حبست عنا النصر [من السماء] ، فاجعله لما هو خير منه ، وانتقم لنا من [هؤلاء القوم] الظالمين(٢) واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل(٣) . الله م أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) . فسمععليه‌السلام مناديا من السماء : دعه يا حسين فإن له مرضعا في الجنة(٥) .

ثم نزلعليه‌السلام عن فرسه ، وحفر له بجفن سيفه ، ودفنه مرمّلا بدمه ، وصلّى عليه(٦) . ويقال : وضعه مع قتلى أهل بيته(٧) .

(وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٨٣) : ثم أقبل الحسينعليه‌السلام إلى أم كلثوم وقال لها : يا أختاه أوصيك بولدي الأصغر خيرا ، فإنه طفل صغير وله من العمر ستة أشهر. فقالت له : يا أخي إن هذا الطفل له ثلاثة أيام ما شرب الماء ، فاطلب له شربة من الماء. فقال : هلمّي إليّ به. فأخذ الطفل وتوجّه نحو القوم ، وقال : يا قوم قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري ، وما بقي غير هذا الطفل ، وهو يتلظى عطشا فاسقوه

__________________

(١) عن اللهوف ، ص ٦٦.

(٢) عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٣٦.

(٣) عن تظلم الزهراء ، ص ١٢٢.

(٤) عن المنتخب للطريحي ، ص ٣١٣.

(٥) تذكرة الخواص ، ص ١٤٤ ؛ والقمقام لميرزا فرهاد ، ص ٣٨٥.

(٦) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ والاحتجاج للطبرسي ، ص ١٦٣ ط نجف.

(٧) الإرشاد للمفيد ، ومثير ابن نما ، ص ٣٦.

١٤٧

شربة من الماء. فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشوم من ظالم غشوم ، فذبح الطفل من الأذن إلى الأذن. وقيل : إن السهم رماه قديمة العامري. فجعل الحسينعليه‌السلام يتلقى الدم بكفيه ويرمي به إلى السماء ويقول : الله م إني أشهدك على هؤلاء القوم ، فإنهم نذروا ألا يتركوا أحدا من ذرية نبيك. ثم رجع بالطفل مذبوحا ، ودمه يجري على صدره ، فألقاه إلى أم كلثوم ، فوضعه في الخيمة وبكى عليه.

١٣٥ ـ منزلة عبد الله الرضيععليه‌السلام (أسرار الشهادة ، ص ٤٠٠)

يقول الفاضل الدربندي : إن عبد الله الرضيع الّذي كان في القماط ، قد طلب بلسان الحال الفوز بدرجة الشهادة ، حين سمع أباه يستغيث فلا يغاث ، فقطّع قماطه وألقى نفسه إلى الأرض.

وبعد استشهاده صلّى عليه الحسينعليه‌السلام ودفنه إن صلاة الإمامعليه‌السلام عليه في ضيق ذلك الوقت ، مما يشير إلى علوّ درجة هذا الطفل الرضيع من حيث الشهادة ، فإن درجة شهادته عند الله بمنزلة درجة شهادة سادات الشبان والكهول والشيوخ من الشهداء ، بل لا يصل إلى درجته إلا درجة طائفة من سادات الشهداء.فصلاة الإمامعليه‌السلام عليه كصلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحمزة يوم أحد في هذا المقام أيضا.

ـ ماذا بعد استشهاد الطفل الرضيععليه‌السلام ؟ :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، ص ١٣١)

وهكذا بدأ شلال الدم ينحدر على أرض كربلاء ، وسحب المأساة تتجمع في آفاقها الكئيبة ، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حول الحسينعليه‌السلام وتنبعث من حناجر النساء والأطفال.

١٣٦ ـ رثاء الحسينعليه‌السلام أصحابه الذين استشهدوا :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)

قال أبو مخنف : ثم توجّهعليه‌السلام نحو القوم وقال : : يا ويلكم علام تقاتلوني ؛ على حقّ تركته ، أم على سنّة غيّرتها ، أم على شريعة بدّلتها؟!. فقالوا : بل نقاتلك بغضا منا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين. فلما سمع كلامهم بكى وجعل ينظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا من أنصاره إلا من صافح التراب جبينه ، ومن قطع الحمام أنينه. فنادى : يا مسلم بن عقيل ويا هانئ بن عروة ويا حبيب بن مظاهر ويا

١٤٨

زهير بن القين ويا يزيد بن مظاهر ويا فلان ويا فلان يا أبطال الصفا ، ويا فرسان الهيجا ، مالي أناديكم فلا تجيبون ، وأدعوكم فلا تسمعون!. أنتم نيام ، أرجوكم تنتبهون ، أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصروه!. هذه نساء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفقدكم قد علاهن النحول ، فقوموا عن نومتكم أيها الكرام ، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام. ولكن صرعكم والله ريب المنون ، وغدر بكم الدهر الخؤون ، وإلا لما كنتم عن نصرتي تقصّرون ، ولا عن دعوتي تحتجبون. فها نحن عليكم مفتجعون ، وبكم لاحقون. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

١٣٧ ـ الضحّاك بن عبد الله المشرقي يترك المعركة بعد استئذان الحسينعليه‌السلام (تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٣٥٤)

قال أبو مخنف : حدثني عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : لما رأيت أصحاب الحسينعليه‌السلام قد أصيبوا ، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، قلت له : يابن رسول الله ، قد علمت ما كان بيني وبينك ؛ قلت لك :أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا ، فإذا لم أر مقاتلا فأنا في حلّ من الانصراف!. فقلت لي :

نعم!. فقالعليه‌السلام : صدقت ، وكيف لك بالنجاة؟. إن قدرت على ذلك فأنت في حل!.

فأقبلت إلى فرسي ، وقد كنت ـ حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر ـ أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لأصحابنا من البيوت ، وأقبلت أقاتل معهم راجلا ، فقتلت يومئذ بين يدي الحسينعليه‌السلام رجلين ، وقطعت يد آخر. وقال لي الحسينعليه‌السلام يومئذ مرارا : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ، ثم استويت على متنها ثم ضربتها ، حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم ، فأفرجوا لي ، واتّبعني منهم خمسة عشر رجلا ، حتى انتهيت إلى (شفية) قرية قريبة من شاطئ الفرات. فلما لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي ، فقالوا : هذا الضحاك بن عبد الله المشرقي ، هذا ابن عمنا ، ننشدكم الله لما كففتم عنه. فقال ثلاثة نفر من بني تميم

١٤٩

كانوا معهم : بلى والله لنجيبنّ إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم.

قال : فلما تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون. قال : فنجّاني الله.

وقد وردت قصة التحاق الضحّاك بن عبد الله المشرقي بالحسينعليه‌السلام في الجزء الأول من الموسوعة ـ الفقرة ٧٩٧ ، فراجع.

(جدول بأشهر المستشهدين من آل أبي طالبعليهم‌السلام

مع ذكر أمهاتهم وقاتليهم)

اسم الشهيد

اسم والدته

اسم قاتله

علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام

ليلى بنت أبي مرة

مرة بن منقذ العبدي

عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام

الرباب

حرملة بن كاهل الأسدي

أبو بكر (عبد الله الأكبر) بن الحسن

أم ولد : رملة

عبد الله بن عقبة الغنوي وقيل :

حرملة بن كاهل

القاسم بن الحسن (شقة القمر)

أم ولد : رملة

عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي

(الغلام) عبد الله بن الحسنعليه‌السلام

أم ولد

حرملة بن كاهل الأسدي

العباس بن عليعليه‌السلام

أم البنين

زيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل السنبسي

عبد الله الأصغر بن عليعليه‌السلام

فاطمة

هانئ بن ثبيت الحضرمي

جعفر بن عليعليه‌السلام

بنت حزام

هانئ بن ثبيت الحضرمي

عثمان بن عليعليه‌السلام

الكلابية

رجل من بني أبان بن دارم

محمّد الأوسط بن عليعليه‌السلام

أمامة بنت أبي العاص

رجل من بني أبان بن دارم

أبو بكر (عبد الله) بن عليعليه‌السلام

ليلى بنت مسعود

زحر بن بدر النخعي

عمر الأصغر بن عليعليه‌السلام

الصهباء التغلبية

لم يعرف قاتله

محمّد الأصغر بن عليعليه‌السلام

أم ولد

رجل من بني أبان بن دارم

١٥٠

اسم الشهيد

اسم والدته

اسم قاتله

عون بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

زينب العقيلةعليها‌السلام

عبد الله بن قطبة الطائي

محمّد بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

الخوصاء بنت حفصة

عامر بن نهشل التميمي

عبد الله بن مسلم بن عقيل

رقية بنت عليعليها‌السلام

يزيد بن الرقاد الجهني وقيل عمرو بن صبيح الصدائي

محمّد بن مسلم بن عقيل

أم ولد

أبو جرهم الأزدي ولقيط الجهني

جعفر بن عقيل

أم الثغر بنت عامر

عبد الله بن عروة الخثعمي وقيل بشر بن سوط الهمداني

عبد الرحمن بن عقيل

أم ولد

عثمان بن خالد وبشر بن سوط

عبد الله الأكبر بن عقيل

أم ولد

عثمان بن خالد وبشر بن سوط

محمّد بن أبي سعيد بن عقيل

أم ولد

لقيط بن ناشر الجهني وقيل هانئ بن ثبيت

١٥١
١٥٢

الفصل الرابع والعشرون

شهادة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام

ويتضمن هذا الفصل :

ـ مقدمة الفصل

١ ـ الأشعار التي قالها الحسينعليه‌السلام وهو عازم على الشهادة

٢ ـ عطش الحسينعليه‌السلام

٣ ـ استسقاء الماء [أصابهعليه‌السلام سهم في فمه]

٤ ـ معركة في طريق الفرات [أصابه سهم في حنكه]

٥ ـ لما حال القوم بين الحسينعليه‌السلام وبين رحله

٦ ـ وصول الحسينعليه‌السلام إلى المشرعة ـ حيلة الاعتداء على نسائه

٧ ـ رجوع الحسينعليه‌السلام : الوداع الأخير

٨ ـ لما أصابه سهم في جبهته الشريفة

٩ ـ توزّع الأعداء على الحسينعليه‌السلام ثلاث فرق.

مصرع الحسينعليه‌السلام :

١ ـ شجاعة الحسينعليه‌السلام وإقدامه

٢ ـ قول ابن يغوث : ما رأيت مكثورا قط

٣ ـ إصابة الحسينعليه‌السلام بحجر في جبهته ، وبسهم ذي ثلاث شعب وقع في قلبه

١٥٣

٤ ـ سقوط الحسينعليه‌السلام عن فرسه بعد أن صار جسمه كالقنفذ ، وخولي يضربه بسهم في لبّنه

٥ ـ الحسينعليه‌السلام يقاتل راجلا

٦ ـ شهادة الطفلين : محمّد بن أبي سعيد بن عقيل وعبد الله الأصغر ابن الحسنعليه‌السلام

٧ ـ خطاب زينبعليها‌السلام لعمر بن سعد

٨ ـ قول شمر : ما تنتظرون بالرجل

٩ ـ سنان يضرب الحسينعليه‌السلام برمح في صدره فيخرّ على الأرض

١٠ ـ وصف هلال بن نافع للحسينعليه‌السلام وهو يجود بنفسه

١١ ـ الحسينعليه‌السلام يطلب في تلك الحال ماء

١٢ ـ دعاء الحسينعليه‌السلام قبيل استشهاده

١٣ ـ ذهول القوم عن حزّ رأس الحسينعليه‌السلام وارتعادهم منه

١٤ ـ أشقى الأشقياء شمر بن ذي الجوشن يذبح الحسينعليه‌السلام

١٥ ـ ما صنع فرس الحسين

١٦ ـ مناد من السماء يتوعّد الأمة الضالة ، وينعى الحسينعليه‌السلام

١٧ ـ تحقيق حول من الّذي باشر قتل الحسينعليه‌السلام

١٨ ـ تحقيق حول اليوم الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام .

١٥٤

قال الحاج هاشم الكعبي :

آل الرسول ونعم أكفاء العلى آل الرسول

خير الفروع فروعهم

وأصولهم خير الاصول

سيّد الشهداء أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ولدعليه‌السلام في ٣ شعبان سنة ٤ ه‍ واستشهد في ١٠ محرم سنة ٦١ ه‍ وعمره الشريف ٥٧ سنة

يا ابن الذين توارثوا

العليا قبيلا عن قبيل

والسابقين بمجدهم

في كل جيل كل جيل

إن تمس منكسر اللوى

ملقى على وجه الرمول

فلقد قتلت مهذبا

من كل عيب في القتيل

١٥٥
١٥٦

الفصل الرابع والعشرون :

شهادة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنّة

مدخل الفصل :

بعد أن استشهد العباسعليه‌السلام انهدّ ركن الحسينعليه‌السلام وانكسر ظهره لمصرعه ، وأصبح وحيدا فريدا بين الوحوش من الأعداء (كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواوويس وكربلاء). وقد عميت أبصارهم إلا عن جوائز يزيد وأحقاد نهروانية ضدّ عليعليه‌السلام .

فركب الحسينعليه‌السلام جواده يقصد مشرعة الفرات ، بعد أن أخذ العطش منه مأخذه ومن الهاشميات والأطفال ، وهو يرتجز أشعاره الخالدة ، فأصابه سهم في حنكه الشريف. ثم حالوا بينه وبين رحله ، فرجع ليحمي نساءه ، وطلب من الشمر عدم التعرض لهن ، فأجابه إلى ذلك. ثم ما زالعليه‌السلام يكشفهم عن المشرعة حتى وصل إلى الفرات. وحين همّ بأن يشرب ، ترامى له نبأ بتعرض القوم لرحله ، فرجع إلى المخيم ، فوجد أنها خدعة. عندها اغتنم الفرصة وودّع عياله الوداع الأخير ، وهو عازم على الموت ، وانطلق يغوص في الأعداء.

وخاف شمر من بسالة الحسينعليه‌السلام فطلب من عمر بن سعد أن يتفرق جيشه إلى ثلاث فرق للإحاطة بالحسينعليه‌السلام ، ففعل. وظل الحسينعليه‌السلام يحارب على فرسه حتى صار جسمه معقودا بالسهام كالقنفذ. فضربه رجل منهم بحجر فأصاب جبهته الشريفة ، ثم جاءه سهم ذو ثلاث شعب فوقع في قلبه. فخرّ عن جواده إلى الأرض ، ثم استوى جالسا. فخرجت أخته زينبعليها‌السلام تخاطب عمر بن سعد مندّدة بأعماله البربرية.

ثم صاح الشمر صيحته الثانية قائلا : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ، اقتلوه.فاجتمعوا عليه يضربونه من كل جانب ، وهو ينوء ويكبو ، حتى سقط صريعا. وما زال يطلب الماء في تلك الحال وقد أعياه نزف الدم ، وهم يمنعونه منه ، وكأنه لم يبق في قلوبهم ذرة من الرحمة والشفقة.

١٥٧

ثم غشي عليهعليه‌السلام وظل ثلاث ساعات من النهار ملقى على الأرض يخور بدمه ، وكلما مرّ به رجل تحامى عن قتله. ثم حاول شبث بن ربعي أن يذبحه ، ثم حاول سنان ، ثم خولي ، فارتعدت أيديهم وذهلوا حين نظروا إلى وجهه الشريف ، إلى أن جاء اللعين شمر وسفّههم قائلا لسنان : فتّ الله في عضدك وأبان يدك!.

ثم نزل الشمر إلى الحسينعليه‌السلام وجلس على صدره الشريف يريد أن يذبحه ، فلما نظر في وجهه ورآه يبتسم أرعد من منظره ، فقلبه ليذبحه من قفاه ، وشرع يضرب بسيفه مذبح الحسين ، والحسينعليه‌السلام يذكر الله ويكبّر ، حتى احتز رأسه الشريف.

الحسينعليه‌السلام يرتجز من أشعاره

١٣٨ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام من الشعر لما عزم على الشهادة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢)

ثم قامعليه‌السلام وركب فرسه ، ووقف قبالة القوم مصلتا سيفه بيده ، آيسا من نفسه عازما على الموت ، وهو يقول :

أنا ابن عليّ الخير من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مضى

ونحن سراج الله في الخلق يزهر

وفاطمة أمي ابنة الطهر أحمد

وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر

وفينا كتاب الله أنزل صادقا

وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان الله في الخلق كلهم

نسرّ بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا

بكأس وذاك الحوض للسقي كوثر

فيسعد فينا في القيام محبّنا

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

١٣٩ ـ قصيدة (خيرة الله من الخلق أبي):

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ٨٦)

ثم وثبعليه‌السلام قائما ، وهو يقول :

كفر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله ربّ الثقلين

قتلوا قدما عليا وابنه

حسن الخير وجاؤوا للحسين

١٥٨

(حسدا منهم وقالوا إننا

نقبل الآن جميعا للحسين

يا لقومي من أناس قد بغوا

جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلهم

باجتياحي لرضاء الملحدين

لم يخافوا الله في سفك دمي

لعبيد الله نسل الفاجرين

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان مني سابقا

غير فخري بضياء الفرقدين

بعليّ الخير من بعد النبي

والنبيّ القرشيّ الوالدين)

* * *

خيرة الله من الخلق أبي

بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين

والدي شمس وأمّي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

فضّة قد صفّيت من ذهب

فأنا الفضة وابن الذهبين

ذهب في ذهب في ذهب

ولجين من لجين في لجين

من له جدّ كجدي المصطفى؟

أحمد المختار صبح الظلمتين

من له عمّ كعمّي جعفر؟

ذي الجناحين كريم النسبتين

من له أمّ كأمي في الورى؟

بضعة المختار قرّة كل عين

أمّي الزهراء حقا وأبي

وارث العلم ومولى الثّقلين

جدي المرسل مصباح الدجى

وأبي الموفي له بالبيعتين

خصّه الله بفضل وتقى

فأنا الزاهر وابن الزاهرين

ذاك والله علي المرتضى

ساد بالفضل جميع الحرمين

عبد الله غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللات والعزّى معا

وعليّ قام نحو القبلتين

مع رسول الله سبعا كاملا

ما على الأرض مصلّ غير ذين

أظهر الإسلام رغما للعدى

بحسام قاطع ذي شفرتين

قاتل الأبطال لما برزوا

يوم بدر ثم أحد وحنين

(وله في يوم أحد وقعة

شفت الغلّ بفضّ العسكرين

ثم بالأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل القبلتين

في سبيل الله ما ذا صنعت

أمة السوء معا بالعترتين

١٥٩

عترة البرّ النبي المصطفى(١)

وعليّ الورد بين الجحفلين)

* * *

نحن أصحاب العبا خمستنا

قد ملكنا شرقها والمغربين

ثم جبريل لنا سادسنا

ولنا البيت غدا والمشعرين

وكذا المجد بنا مفتخر

شامخا نعلو به في الحسبين

عروة الدين علي المرتضى

صاحب الحوض معزّ المؤمنين

يفرق الصفّان من هيبته

وكذا أفعاله في الخافقين

شيعة المختار طيبوا أنفسا

فغدا تسقون من حوض اللجين

فعليه الله صلّى ربّنا

وحباه تحفة بالحسنين

وفي (ينابيع المودة) لسليمان القندوزي الحنفي ، ج ٢ ص ١٧٢ ينهي القصيدة بقوله :

شيعة المختار قرّوا أعينا

فغدا تسقون من كفّ الحسين

ثم حملعليه‌السلام على الميمنة ، وهو يقول :

الموت أولى من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري(٢)

وحمل على الميسرة ، وهو يقول :

أنا الحسين بن علي

آليت ألا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي(٣)

عطش الحسينعليه‌السلام

١٤٠ ـ الحصين بن نمير يصيب الحسينعليه‌السلام بسهم في فمه الشريف ، فلم يستطع شرب الماء :

يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٧ :

__________________

(١) الأبيات التي بين قوسين هي من (كتاب الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ١١٦ طبع دار الأضواء بيروت. وقد وردت في (كشف الغمة) ج ٢ ص ٢٣٧ باختلاف يسير.

(٢) البيان والتبيين للجاحظ ، ج ٣ ص ١٧١ ط ٢ يضيف الشطرة الأخيرة.

(٣) مقتل المقرّم ، ص ٣٤٥ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٥٩ ط إيران.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ولا شكّ أنّ عليّاً ليس نفس محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعينه، بل المراد أنَّ عليّاً بمنزلة النبيّ، أو أنّ عليّاً هو أقرب الناس إلى النبيّ فضلاً، وإذا كان كذلك كان أفضل الخلق بعده.

ولأنّ عليّاً كان أعلم الصحابة، لأنّه كان أشدّهم ذكاءً وفطنةً وأكثرهم تدبيراً ورويّةً، وكان حرصه على العلم أكثر واهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإرشاده وتربيته أتم وأبلغ، وكان مقدّماً في فنون العلوم الدينية اُصولها وفروعها، فإنّ أكثر فرق المتكلّمين ينتسبون إليه ويسندون اُصول قواعدهم إلى قوله، والحكماء يعظّمونه غاية التعظيم، والفقهاء يأخذون برأيه، و قد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقضاكم علي، والأقضى أعلم لاحتياجه إلى جميع أنواع العلم.

وأيضاً: أحاديث كثيرة وردت شاهدةً على أنّ علياً أفضل.

منها: حديث الطير، وهو: إنّهعليه‌السلام اُهدي له طير مشوي، فقالعليه‌السلام : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، فجاءه علي وأكل معه، والأحبّ إلى الله تعالى هو من أراد الله تعالى زيادة ثوابه. وليس في ذلك ما يدلّ على كونهعليه‌السلام أفضل من النبيّ والملائكة، لأنّه قال: ائتني بأحبّ خلقك إليك، والمأتي به إلى النبيّ يجب أن يكون غير النبيّ، فكأنّه قال: أحبّ خلقك إليك غيري و لقولهعليه‌السلام : يأكل معي، وتقديره: ائتني بأحبّ خلقك إليك ممّن يأكل فيأكل معي، والملائكة لا يأكلون، وبتقدير عموم اللّفظ للكلّ فلا يلزم من تخصيصه بالنسبة إلى النبيّعليه‌السلام والملائكة تخصيصه بالنسبة إلى غيرهما.

ومنها: حديث خيبر، فإنّ النبيّعليه‌السلام بعث أبا بكر إلى خيبر، فرجع منهزما ثمّ بعث عمر فرجع منهزماً. فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك، فلمـّا أصبح خرج إلى الناس ومعه راية وقال: لاُعطينَّ الرّاية اليوم رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله والرّسول، كرّار غير فرّار. فعرض له

٣٦١

المهاجرون والأنصار قالعليه‌السلام : أين علي. فقيل له: إنّه أرمد العينين، فتفل في عينيه، ثمّ دفع الرّاية إليه.

وذلك يدلّ على أنّ ما وصفه به مفقود فيمن تقدم، فيكون أفضل منهما، ويلزم أن يكون أفضل من جميع الصّحابة. والأفضل يجب أن يكون إماماً ».

قال الأصفهاني في الجواب عمّا ذكر من الأدلّة:

« وعن السّادس: إنّ ما ذكرنا من الدلائل الدالّة على أنّ علياً أفضل، معارض بما يدلّ على أنّ أبا بكر أفضل، والدليل على أفضليّة أبي بكر قوله تعالى:( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي ) الآية. فإنّ المراد إمّا أبو بكر أو علي بالإِتفاق، والثاني - وهو أن يكون المراد به علياً - مدفوع، لأنّه تعالى ذكر في وصف الأتقى قوله( الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) »(١) .

إقراره بالدلالة وإعراضه عن التأويل تبعاً للبيضاوي

وتبع الأصفهاني ماتنه البيضاوي في ذكر طائفةٍ من دلائل الشيعة، والسكوت عنها من حيث السند والدلالة، وهو إقرار منه كذلك بالأمرين. ثمّ أجاب عن تلك الدلائل بالمعارضة. والجواب الجواب.

تأويله الحديث في كتاب آخر تبعاً للرازي

لكنّه في كتابٍ آخر له تبع الفخر الرازي في دعوى التأويل، فإنّه ذكر حديث الطير فيما استدل به الإِمامية بقوله:

« ومنها: حديث الطائر. بيان ذلك: أنّه اُهدي له طائر مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، فجاء علي وأكل معه. والأحبّ إلى

____________________

(١). مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار - مخطوط.

٣٦٢

الله تعالى هو من أراد الله تعالى زيادة ثوابه، وليس في ذلك ما يدلّ على كونه أفضل من النبيّ والملائكة، لأنّه قال: ائتني بأحبّ خلقك إليك، والمأتي به إلى النبيّ يجب أن يكون غير النبيّ، فكأنّه قال: أحبّ خلقك إليك غيري، و لقوله: يأكل معي وتقديره: ائتني بأحبّ خلقك ممّن يأكل معي، والملائكة لا يأكلون. وبتقدير عموم اللّفظ للكلّ لا يلزم من تخصيصه بالنسبة إلى النبيّ والملائكة تخصيصه بالنسبة إلى غيرهما ».

فأجاب: « وحديث الطير لا يدل على أنّه أحبّ الخلق مطلقاً، بل أمكن أن يكون أحبّ الخلق بالنظر إلى شيء دون شيء، إذ يصحُّ الإِستفسار بأنْ يقال: أحبّ خلقك في كلّ شيء أو في بعضه، وعند ذلك لا يلزم من زيادة ثوابه في بعض الأشياء على غيره الزيادة في كلّ شيء، بل جاز أنْ يكون غيره أزيد ثواباً في شيء آخر.

فإن قيل: فعلى هذا التقدير أيّ فائدةٍ في قوله: ائتني بأحبّ خلقك إليك؟

قلنا: الفائدة فيه تخصيصه عمّن ليس أحبّ عند الله من وجه »(١) .

الردّ على ما ذكره

أقول : أمّا ما ذكره تبعاً للفخر الرازي فقد عرفت اندفاعه فلا نعيد.

وأمّا ما ذكره في جواب الإِعتراض الذي أورده: فقد كان الأولى به أنْ لا يتفوّه به، لأنّ الثلاثة وأضرابهم لم يكونوا محبوبين عند الله من وجهٍ من الوجوه فضلاً عن الأحبيّة، فيكون الحديث دليلاً على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام منهم.

وبغض النظر عن ذلك، فقد ثبت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّ

____________________

(١). تشييد القواعد شرح تجريد العقائد - مخطوط.

٣٦٣

الشيخين - بل الثلاثة - من الدخول عليه في قضية الطير، وبناءً على ما ذكره الأصفهاني من أنّ فائدة الحديث تخصيص عليعليه‌السلام عمّن ليس بأحبّ عند الله من وجهٍ، فالثلاثة ليسوا بأحبّ عند الله من وجه، فضلاً عن الأحبيّة المطلقة.

القاضي العضدي والشريف الجرجاني

وقال القاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإِيجي في ( المواقف ) وكذا السيد الشريف علي بن محمّد الجرجاني في ( شرحه ) بتأويل حديث الطير فقد جاء في ( شرح المواقف ) في وجوه أدلّة الشيعة على أفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« الثاني: حديث الطير، وهو قولهعليه‌السلام - حين أُهدي إليه طائر مشوي -: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فأتى علي وأكل معه الطير والمحبّة من الله كثرة الثّواب والتعظيم، فيكون هو أفضل وأكثر ثواباً.

وأجيب: بأنّه لا يفيد كونه أحب إليه في كلّ شيء، لصحّة التقسيم وإدخال لفظ الكل والبعض، ألا ترى أنّه يصح أن يستفسر ويقال: أحبّ خلقه إليه في كلّ شيء أو في بعض الأشياء؟ وحينئذٍ جاز أنْ يكون أكثر ثواباً في شيء دون آخر، فلا يدلّ على الأفضليّة مطلقاً »(١) .

ما ذكراه هو تأويل الرازي والجواب الجواب

أقول : وإنّ ما ذكراه في الجواب عن حديث الطّير، هو التأويل الّذي اعتمده الفخر الرازي، الذي عرفت سقوطه لدى تعرّضنا لكلامه فالجواب

____________________

(١). شرح المواقف ٨ / ٣٦٧ - ٣٦٨.

٣٦٤

الجواب، فلا نطيل المقام.

السَّعدُ التّفتازاني

وقال سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني:

« تمسكّت الشيعة القائلون: بأفضليّة علي رضي الله تعالى عنه بالكتاب والسنّة والمعقول.

أمّا الكتاب فقوله تعالى:( قُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا ) وقوله تعالى:( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ولا خفاء في أنّ من وجب محبّته بحكم نصّ الكتاب كأن أفضل

وأمّا السنّة فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوحٍ في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب. ولا خفاء في أنْ من يساوي هذه الأنبياء في هذه الكمالات كان أفضل. و قوله عليه الصلاة والسلام: أقضاكم علي. والأقضى أعلم وأكمل. و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فجاء علي فأكل معه والأحب إلى الله أكثر ثواباً، وهو معنى الأفضل. وكقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، ولم يكن عند موسى أفضل من هارون. وكقوله عليه الصلاة والسلام: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث. وقوله عليه الصلاة والسلام يوم خيبر وقوله عليه الصلاة والسلام: أنا دار الحكمة وعلي بابها. وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي: أنت أخي في الدنيا والآخرة وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمبارزة علي وعمرو بن عبد ود أفضل من عمل اُمتي إلى يوم القيامة. وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة ومن أحبّك فقد أحبني ومن أحبّني هو حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضي بغيض الله، فالويل لمن أبغضك بعدي.

٣٦٥

وأمّا المعقول فهو: إنّه أعلم الصحابة وأيضاً: هو أشجعهم وأيضاً: هو أزهدهم وأيضاً: هو أكثرهم عبادةً وأكثرهم سخاوة وأحلمهم وأيضاً: هو أفصحهم لساناً على ما يشهد به كتاب نهج البلاغة وأسبقهم إسلاماً

وبالجملة، فمناقبه أظهر من أن تخفى وأكثر من أن تحصى.

فالجواب: إنّه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتّصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات، إلّا أنّه لا يدلّ على الأفضليّة، بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله تعالى، بعد ما ثبت من الإِتّفاق الجاري مجرى الإِجماع على أفضلية أبي بكر وعمر، والاعتراف من عليرضي‌الله‌عنه بذلك. على أنَّ فيما ذكر مواضع بحث لا تخفى على المحصّل، مثل: أنّ المراد( بأَنْفُسَنا ) نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يقال: دعوت نفسي إلى كذا، وأن وجوب المحبة وثبوت النصرة على تقدير تحققه في حق علي -رضي‌الله‌عنه - لا اختصاص به، وكذا الكمالات الثابتة للمذكورين من الأنبياء، وأنّ أحبّ خلقك يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - عملاً بأدلّة أفضليّتهما، ويحتمل أن يراد أحبّ الخلق إليك في أن يأكل منه »(١) .

إنكاره دلالة ما ذكره على الأفضلية بمعنى زيادة الثواب مردود

أقول : لقد ذكر التفتازاني طائفة من الحجج البالغة والدلائل الواضحة على أفضلية سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ثم أنكر أنْ يكون شيء منها دالاً على أفضليّته بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله تعالى لكن إنكاره ذلك ساقط مردود، فقد أثبت علماء الشيعة دلالة كلّ واحدٍ واحدٍ من تلك الأدلة في محلّه

____________________

(١). شرح المقاصد ٥ / ٢٩٥ - ٢٩٩.

٣٦٦

وفي خصوص حديث الطّير نقول: إن صريح الفخر الرازي في ( تفسيره ) - في عبارته المتقدّمة سابقاً - أنّ معنى محبّة الله تعالى لعبده إعطاؤه الثواب فلا ريب - إذن - في أنّ معنى أحبيّة العبد لديه أكثريّة الثواب منه إليه، وإذا كانت الأحبيّة بمعنى الأكثرية ثواباً لم يبق أيّ ترديد في دلالة حديث الطّير على أفضلية الإِمامعليه‌السلام

ولقد سلَّم - والحمد لله - الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) و ( الأربعين ) وكذا شمس الدين الأصفهاني في ( شرح التجريد ) والقاضي العضدي في ( المواقف ) والشريف الجرجاني في ( شرح المواقف ) والشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) بأنَّ الأحبيّة بمعنى الأكثرية في الثواب.

وإذا رأى المنصف اعتراف هؤلاء الأعاظم - في مقابلة الشيعة، بكون الأحبيّة في حديث الطير بمعنى الأكثرية في الثواب - يفهم جيّداً فظاعة ما تفوّه به التفتازاني في هذا المقام.

ومن العجائب: استدلال التفتازاني - في نفس هذا الكتاب قبل عبارته هذه بورقةً تقريباً - بحديث عمرو بن العاص على أفضليّة أبي بكر، من جهة أنّ الأحبيّة تدلّ على الأكثرية ثواباً فالأفضليّة فكيف يقول بدلالة ذاك الحديث على أفضلية أبي بكر وكونه أكثر ثوابا، ومع ذلك ينفي - في جواب إحتجاج الشيعة بحديث الطير - دلالته على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أكثر ثواباً؟

وجوه الردّ على دعوى الاتفاق على أفضليّة أبي بكر وعمر

وأمّا قوله: « بعد ما ثبت من الإِتفاق الجاري مجرى الإِجماع على أفضليّة أبي بكر ثم عمر » فدعوى كاذبة مردودة بوجوه:

الأول : قال الحافظ ابن عبد البر: « من قال بحديث ابن عمر: كنّا نقول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ نسكت فلا نفاضل. فهو الذي أنكر ابن معين وتكلّم فيه بكلامٍ غليظ، لأنّ

٣٦٧

القائل بذلك قد قال خلاف ما اجتمع عليه أهل السنّة من السّلف والخلف من أهل الفقه والآثار: إن علياً كرّم الله وجهه أفضل الناس بعد عثمان. هذا مما لم يختلفوا فيه، وإنّما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان. واختلف السّلف أيضاً في تفضيل عليرضي‌الله‌عنه وأبي بكررضي‌الله‌عنه . وفي إجماع الجميع الذي وصفناه دليل على أنّ حديث ابن عمر وهم وغلط، وأنّه لا يصح معناه وإنْ كان إسناده صحيحاً. ويلزم من قال به أنْ يقول بحديث جابر وحديث أبي سعيد: كنّا نبيع اُمّهات الأولاد على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم لا يقولون بذلك. فناقضوا. وبالله التوفيق »(١) .

الثاني : لقد ثبت أنّ جمعاً من أعلام الصحابة قالوا بأفضلية الإِمامعليه‌السلام من أبي بكر قال ابن عبد البر: « روي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وحذيفة وحباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن الأرقم: أن علي بن أبي طالب أوّل من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره »(٢) .

قلت: ومن الصحابة القائلين بأفضليته: عبد الله بن عمر، فقد روى السيّد علي الهمداني: « عن أبي وائل، عن عبد الله بن عمررضي‌الله‌عنه قال: كنا إذا عدّدنا أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلنا: أبو بكر وعمر وعثمان. فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن فعلي! قال: علي من أهل البيت، لا يقاس به أحد، مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في درجته، إنّ الله يقول:( الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ففاطمة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في درجته، وعلي معهما »(٣) .

والعبّاس عمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة الحكيم البغدادي في ( تاريخ بغداد ) بترجمة شريك: « دخل

____________________

(١). الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ٥٢ - ٥٣.

(٢). الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ٢٧.

(٣). المودة في القربى. اُنظر: ينابيع المودّة ١ / ١٧٤.

٣٦٨

شريك على المهدي فقال له: ما ينبغي أنْ تقلّد الحكم بين المسلمين. قال: ولم؟ قال: بخلافك على الجماعة وقولك بالإِمامة. قال: أمّا قولك: بخلافك على الجماعة فمن الجماعة أخذت ديني، فكيف اُخالفهم وهم أصلي في ديني؟ وأمّا قولك: بالإِمامة. فما أعرف إلّا كتاب الله وسنة رسوله. وأمّا قولك: مثلك لا يقلّد الحكم بين المسلمين، فهذا شيء أنتم فعلتموه، فإنْ كان خطأً فاستغفروا الله منه، وإنْ كان صواباً فأمسكوا عنه. قال: ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: ما قال فيه أبوك العبّاس وعبد الله. قال: وما قالا؟ قال: أمّا العباس فمات وعلي عنده أفضل الصحابة، وقد كان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عمّا نزل من النوازل، وما احتاج هو إلى أحد حتى لحق بالله. وأمّا عبد الله فإنّه كان يضرب بين يديه، وكان في حروبه رأساً متّبعاً وقائداً مطاعاً. فلو كانت إمامة علي جوراً كان أولى أن يقعد عنها أبوك، لعلمه بدين الله وفقهه في أحكام الله. فسكت المهدي وأطرق، ولم يمض بعد هذا المجلس إلّا قليل حتى عزل شريك ».

وحسّان بن ثابت. ذكر ذلك ( الدهلوي ) في جواب السؤال الرابع من ( المسائل البخاريّة ).

الثالث : ونفى أبو بكر نفسه كونه خير الاُمة، واعترف بأفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام منه حيث قال على المنبر مخاطباً المسلمين: « أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم »(١) .

الرابع : وقال جماعة من أعلام العلماء أيضاً بأفضلية سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام من الشيخين. منهم القاضي شريك كما عرفت من ( تاريخ بغداد ) ومنهم عبد الرزاق الصنعاني، وجماعة الصّوفية كما في ( المسائل البخاريّة ).

الخامس : لو سلمنا قيام هذا الإِجماع، فإنّه إجماع على خلاف قول الله

____________________

(١). إبطال الباطل - مخطوط

٣٦٩

ورسوله، وما كان كذلك فلا يحتج به ولا يعبأ به. سلّمنا عدم مخالفته، لكنّه غير ثابت عند الشّيعة فلا وجه لإِلزامهم به.

دعوى اعتراف الإِمام بأفضلية أبي بكر مستندة إلى خبر موضوع

وأمّا دعوى التفتازاني « الاعتراف من عليعليه‌السلام بأفضلية الشيخين منه » فإنّها( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ) وذكرها في مقابلة الشيعة مباهتة، ولكن « إذا لم تستح فاصنع ما شئت ».

وعلى كل حال، فإنّه لم يكن إعتراف من الإِمام بأفضلية الشيخين أو أحدهما منه أبداً، وما رواه أسلاف القوم في هذا الباب فخبر مكذوب موضوع( قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) .

تأويل حديث الطّير باطل

وأمّا مناقشته في دلالة الأدلة التي ذكرها، فمردودة في مواضع الاستدلال والاحتجاج بها من كتب الإِماميّة، كما أنّ تأويل حديث الطير بما ذكره، قد عرفت أنّ جميع التأويلات التي ذكروها لها فاسدة، فلا نعيد.

العلاء القوشجي

وقال علاء الدين علي بن محمد القوشجي: « وخبر الطائر: اُهدي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك حتى يأكل معي. فجاء علي وأكل. والأحب إلى الله تعالى أفضل » فأجاب:

« وأجيب بأنّه: لا كلام في عموم مناقبه »(١) .

____________________

(١). شرح التجريد: ٣٧٩.

٣٧٠

ذكر عبارة التفتازاني والجواب الجواب

أقول : لقد تبع القوشجي التفتازاني في هذا المقام في الجواب عن الاستدلال بحديث الطّير، حيث نقل كلامه بحذافيره، فنكتفي في الجواب: بما ذكرناه في الرد على التفتازاني ولا نعيد.

الشَّهابُ الدّولَت آبادي

وقال شهاب الدين ملك العلماء الدولت آبادي الهندي: « إعلم أنّ أحاديث فضيلة علي - كرم الله وجهه - من الصحاح، ولكن احتجاجهم على الخطأ.

إحتجّ الشيعة بخبر الطير قال أهل السنّة: هذا الحديث لا يدل على أنّه أحب في كلّ شيء من أبي بكر - رضي الله تعالى عنه -. لعل المراد: خيراً لأكل هذا الطير »(١) .

اعتراف بصحته وتأويل عرفت بطلانه

أقول : قد اعترف هذا الرجل بصحّة حديث الطّير، لكنّه أجاب عن الاستدلال به بتأويله عن ظاهره، ناسباً هذا التأويل إلى أهل السنّة، وقد عرفت بطلان هذا التأويل وفساده كغيره ممّا ذكروه، وإنّ كثيراً منهم لم يلجأوا إلى التأويل لوضوح وهنه وسخافته، فزعموا المعارضة بما وضعوه في فضل الشيخين، أو أحدهما.

____________________

(١). هداية السعداء. الهداية الاُولى من الجلوة السابعة.

٣٧١

إسحاق الهروي

وقال إسحاق الهروي - سبط الميرزا مخدوم - مقتصراً على بعض هفوات التفتازاني في جواب حديث الطير: « والجواب: إنّه يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - عملاً بأدلّة أفضليّتهما. وأيضاً: يحتمل أنْ يكون أحب الخلق إليك في أن يأكل، لا مطلق الأحب ».

ذكر تأويل التفتازاني وقد عرفت فساده

وما ذكره هذا الرجل ليس إلّا تأويل التفتازاني، وقد عرفت فساده فلا نعيد.

حُسام الدّين السّهارنفوري

تأويل تقدّم فساده

واقتصر حسام الدّين السّهارنفوري في ( مرافض الروافض ) على بعض هفوات عبد الحق الدهلوي الذي عرفت فسادها فيما سبق.

محمَّد البَدخشاني

وأجاب الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني عن الإِستدلال بحديث الطير لا بالقدح في سنده، ولا بالتأويل، بل بالمعارضة بالحديث الموضوع في فضل عمر بن الخطّاب: « ما طلعت الشمس على رجلٍ خير من عمر »(١) .

____________________

(١). ردّ البدعة - مخطوط.

٣٧٢

اعتراف بالسّند والدلالة ودعوى المعارضة

والمهمّ اعترافه الضمني بسند حديث الطّير وتماميّة دلالته على أفضلية مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإن في ذلك تخطئةً لكلّ اولئك الذين حاولوا القدح في سنده أو تأويله عن ظاهره. وأمّا دعوى معارضته بالحديث الموضوع المذكور فهي متابعة لبعض أسلافه، وقد أجبنا عنها فيما تقدّم. وحاصل ذلك: أن هذا الحديث موضوع، وعلى فرض تماميته سنداً فهو معتبر عندهم وليس بحجّة على الشّيعة، بخلاف حديث الطّير الذي ثبت من طرق أهل السنّة فيكون حجةً عليهم ومن المعلوم أنّ ما ليس بحجةٍ لا يعارض الحجة.

وليُّ الله الدّهلوي

وتشبّث الشيخ ولي الله الدهلوي ( والد الدهلوي ) في الجواب عن الاستدلال بحديث الطير بأباطيل عديدة حيث قال بجواب المحقّق الطوسي صاحب التجريد: « قوله: وخبر الطير، عن أنس قال: كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكل معه. أخرجه الترمذي.

لا يخفى ورود مثل هذه الفضائل في حقّ الشّيخين كقوله: « يتجلّى الله تعالى لأبي بكر خاصّة وللنّاس عامّة ». و « ما طلعت الشمس على رجلٍ خيرٍ من عمر ».

وأيضاً: لا يخفى أنّ لفظ « الأحب » وارد بحق كثيرٍ من الصّحابة.

وترتفع المعارضة بأحد وجوهٍ ثلاثة:

إمّا أنْ نقول: بأنّ الحب على أنواع: حبّ الرجل زوجته، وتارةً يطلقون لفظ « الأحب » ويريدون هذا الحب. وحبّ الرجل أولاده وأقربائه، وحبّ الرجل لليتيم، وحبّ الرجل لشيخه، وحبّ الرجل مشاركه في العلم. والحبّ الوارد

٣٧٣

في هذه الأخبار يمكن تنزيله بالتأمّل على أحد هذه المعاني، كما عن عائشة الصديقة أنّها قالت: كان أبو بكر أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم عمر. ثم قالت: لو استخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستخلف أبا بكر ثم عمر. وعن جميع بن عمير، قال: دخلت مع عمّتي على عائشة فسألت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: فاطمة. فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها. أخرجه الترمذي.

فظهر أنّ المراد من الأحبيّة في الحديث الأول حبّ المشابهة في الفضائل التي هي المناط في الاستخلاف، وفي الحديث الثاني حبّ الأولاد والأقارب.

وأمّا أنْ نقول: بأنّ الحبّ يتعلَّق بالصّفات المحمودة التي يحصل بسببها القرب من الله تعالى والرسول ويوجب الرّضا عندهما. ولكلّ صفةٍ من تلك الصفات مقام من الرضا والحبّ، فيجوز أن يكون شخص أحبّ لصفة مثل الشجاعة ومحاربة الأعداء، والآخر أحبّ بصفةٍ اُخرى مثل الحل والعقد في أمر الخلافة.

وإمّا أنْ نقول: إنّ « الأحب » بمعنى « من الأحب » فيكون صنف من المحبوبين أرجح على سائر المحبوبين، و « الأحب » لفظ يمكن اطلاقه بازاء كلّ فردٍ من هذا الصنف »(١) .

دعوى المعارضة بـ « يتجلّى الله لأبي بكر »

أقول : إنّ هذا الكلام في أقصى درجات الهوان ومراتب الفساد، كما لا يخفى على من نظر في مباحثنا المتقدمة بإمعان وإنصَاف ولكن من المناسب أن نبيّن حال هذا الكلام بإيجاز فنقول:

____________________

(١). قرة العينين في تفضيل الشيخين: ٢٨٨.

٣٧٤

أمّا دعواه المعارضة بحديث: يتجلّى الله لأبي بكر خاصة وللناس عامّة فباطلة جداً، فمن العجب تمسّك هذا المحدّث الكبير!! بمثل هذا الحديث الموضوع عند محقّقي أهل نحلته!!.

ألا يعلم بتنصيص المجد الفيروزآبادي على أنّه من المفتريات التي يعلم بطلانها ببداهة العقل(١) .

وأنّه قد أورده ابن الجوزي في ( الموضوعات )(٢) .

وأخرجه ابن عدي في كتابه ( الكامل في الضعفاء ) وصرّح ببطلانه(٣) .

واعترف الذهبي في ( ميزان الإِعتدال في نقد الرجال ) بسقوطه في غير موضع(٤)

وقد فصّل ذلك كلّه في كتاب ( شوارق النصوص ).

فما يقول أولياء والد ( الدهلوي ) في مقام الدفاع عنه وتوجيه ما ادّعاه؟!

دعوى المعارضة بـ « ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر »

وأمّا دعواه المعارضة بحديث: « ما طلعت الشمس على رجلٍ خيرٍ من عمر » فكذلك، لأنّه حديث موضوع مفتعل باطل، كما فصّل في ( شوارق النصوص ) كذلك، وإليك عبارة المنّاوي المشتملة على إبطال جماعةٍ إيّاه:

« ما طلعت الشمس على رجلٍ خيرٍ من عمر. أخرجه الترمذي في المناقب والحاكم في فضائل الصحابة عن أبي بكر. قال الترمذي: غريب وليس إسناده بذاك. إنتهى. وقال الذهبي: فيه عبد الله بن داود الواسطي ضعُفوه، وعبد الرحمن بن أخي محمّد المنكدر لا يكاد يعرف، وفيه كلام.

____________________

(١). سفر السعادة - باب فضائل أبي بكر.

(٢). الموضوعات ١ / ٣٠٤.

(٣). الكامل في الضعفاء ٤ / ١٥٥٧.

(٤). ميزان الاعتدال ٢ / ٤١٥.

٣٧٥

والحديث شبه الموضوع. انتهى. وقال في الميزان - في ترجمة عبد الله بن داود الواسطي -: في أحاديثه مناكير، وساق هذا منها ثم قال: هذا كذب. وأقرّه في اللسان عليه »(١) .

وبعد، فإنّ تمسّك وليّ الله بهذين الحديثين عجيب من جهةٍ اُخرى وهي: إنّ هذا المحدّث ينصّ في نفس كتابه ( قرّة العينين ) على أنّ أحاديث الصحيحين - فضلاً عن غيرها - غير صالحة للإِحتجاج على الإِمامية بل الزيّدية فكيف يحتج في هذا الكتاب بهكذا حديثين والحال هذه؟

دعوى المعارضة بـ « من أحبّ الناس إليك؟ »

وأمّا دعواه ورود لفظ « الأحب » المطلق في حقّ كثيرٍ من الصّحابة فممنوعة، وكذا المعارضة بما لا يجوز الاحتجاج به من أخبارهم:

أمّا حديث عمرو بن العاص المشتمل على مجئ هذا اللفظ بالنّسبة إلى عائشة وأبيها، فحاله في القدح والجرح معلوم.

وأمّا حديث أنس الوارد فيه ذلك أيضاً، فهو من رواية « حميد عن أنس » وقد نصّوا على عدم جواز الإِحتجاج به إلّا إذا قال: « حدّثنا أنس ».

أمّا أنّه من رواية « حميد عن أنس » من غير قول « حدّثنا » فذلك ظاهر من رواية ابن ماجة والترمذي. قال ابن ماجة: « حدّثنا أحمد بن عبدة والحسين بن الحسن المروزي قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن حميد، عن أنس قال: قيل: يا رسول الله أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. قيل: من الرجال؟ قال: أبوها »(٢) .

وقال التّرمذي: « حدّثنا أحمد بن عبدة الضبّي، نا المعتمر بن سليمان،

____________________

(١). فيض القدير - شرح الجامع الصغير: ٥ / ٤٥٤.

(٢). سنن ابن ماجة ١ / ٣٨.

٣٧٦

عن حميد، عن أنس قال قيل: يا رسول الله، من أحبّ الناس إليك؟ قال: عائشة. قيل: من الرجال؟ قال: أبوها. هذا حديث حسن [ صحيح ] غريب من هذا الوجه من حديث أنس »(١) .

وأمّا أن رواية « حميد عن أنس » لا تقبل إلّا إذا قال حميد « حدّثنا أنس » فقد نصَّ عليه ابن حجر بترجمته بقوله: « قال أبو بكر البرديجي: وأمّا حديث حميد، فلا نحتجّ منه إلّا بما قال: حدّثنا أنس »(٢) .

وبالجملة، فإنّ حديث أنس - كحديث عمرو بن العاص - لا يجوز الإِحتجاج به وإنْ حكم الترمذي بحسنه وصحّته، لكنه مع ذلك حكم بغرابته على أنّه حديث اتّفق الشيخان على الإِعراض عنه.

وإذ لا حديث معتبر محتج به مشتمل على إطلاق « الأحب » مطلقاً على غير سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كان حديث الطّير بلا معارض، حتّى يحتاج إلى ما ذكره من وجهٍ لرفع المعارضة.

هذا، وعلى فرض وجود لفظ « الأحبّ » على الإِطلاق في حق كثير من الصحابة في الأخبار المتناقضة المتكاذبة عند أهل السنّة، فأيّ ملزم للإِماميّة لأنْ يتكلَّفوا ويتجشّموا التأويلات المخترعة لأجل رفع التعارض بين تلك الأحاديث وبين حديث الطير، مع أنّ تلك الأحاديث ليست من أحاديثهم؟ إنّه لا عليهم إلّا التمسّك بالأحاديث الدالّة على أحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وطرح غيرها من الأحاديث حتى ولو كانت في أعلى درجات الصحّة عند أهل السنّة؟!

على أنّه لو كان على الشيعة جمع الأخبار المتعارضة الواردة عند أهل السنّة في هذا الباب، فلا موجب لتجشّم الجمع بين ما رووه في حقّ الشيوخ

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٧٠٧.

(٢). تهذيب التهذيب ٣ / ٣٥.

٣٧٧

وأحزابهم، وبين أحاديث أحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بل مقتضى الإِنصاف أنّ أخبارهم في أحبيّة الشيخين وغيرهما معارضة بأخبارٍ اُخرى لهم لا تحصى، في كِفرهم ونفاقهم وفسقهم، فلا تصل النّوبة إلى وقوع المعارضة بين أخبار أحبيّة أولئك، وأخبار أحبيّة الإِمامعليه‌السلام ، حتى يحتاج إلى جمع!!

دعوى تنوّع حبّ الله والرّسول

وأمّا قوله: « وترفع المعارضة بأحد وجوهٍ ثلاثة: إمّا أنْ نقول بأنّ الحبّ على أنواع والحبّ الوارد في هذه الأخبار يمكن تنزيله بالتأمّل على أحد هذه المعاني » فمردود بوجوه:

أمّاأوّلاً : فلا ريب في بطلان القول بتنوّع حبّ الله تعالى بهذه الأنواع، إذ ليس له تعالى زوجة ولا أولاد ولا شيخ، ومفاد حديث الطّير بصراحةٍ أحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الله عزّ وجلّ. فلو تأمّل المتأمّلون إلى يوم القيامة لم يمكن تنزيل حديث الطّير على شيء من هذه المعاني.

وأمّاثانياً : فإنّه إذا اضطرّ أولياء وليّ الله إلى القول بأنَّ مراده رفع المعارضة بين الأحاديث الاُخرى غير حديث الطّير، وتلك الأحاديث مفادها الأحبيّة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إلى الله تعالى، فذلك باطل كذلك، لما نصَّ عليه أكابر القوم - كما مضى سابقاً - من كون الأحبّ إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الأحب إلى الله تعالى، فمن ورد في حقّه في الأخبار أنّه أحب الخلق إلى الرسول فالمراد منه الأحبّ إلى الله تعالى، وقد عرفت أنّ بطلان تنوع حبّ الله إلى تلك الأنواع من القطعيّات. فما ذكره ولي الله لا يرفع المعارضة من بين تلك الأخبار أيضاً.

وأمّاثالثاً : فإنَّ في انقسام حبّ الرسول - بقطع النظر عمّا ذكر - مناقشات عديدة، بل تجويز بعض أنواع الحبّ بالنسبة إليه واضح الفساد، لعلم الكلّ

٣٧٨

- حتّى الصبيان - بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن له شيخ حتى يكون له محبوباً عنده ويطلق عليه « الأحبّ » باعتبار كونه شيخاً له.

وأمّارابعاً : فلأنَّ كلّ عاقل يعلم - بالنظر إلى الأدلّة السّابقة - بابتناء حبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأشخاص على أساس سوابقهم الدينيّة، فمن لم يكن - سواء من اليتامى أو الأولاد أو الأزواج أو غيرهم - أفضل في الدين من غيره لم يجز أن يكون أحبّ الناس إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأمّاخامساً : فلأنّه لو جازت أحبيّة بعض الأزواج أو الأولاد إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث كونها زوجةً له أو كونه ولداً - حتى مع عدم الأفضلية في الدين - لم يجز إطلاق لفظ « الأحب » بنحو الإِطلاق في ذاك المورد، لما عرفت - بحمد الله - بالتفصيل من عدم جواز إطلاق صيغة أفعل التفضيل بلحاظ بعض الحيثيّات غير المعتبرة

فظهر عدم جواز تنزيل « الأحب » في الأخبار المعتبرة على بعض تلك المعاني التي ذكرها ولي الله الدهلوي.

الاستدلال بقول عائشة: كان أبو بكر أحبّ الناس ثم عمر

وأمّا قوله: « كما عن عائشة الصدّيقة أنها قالت: كان أبو بكر أحب الناس إلى رسول الله ثم عمر. ثم قالت: لو استخلف رسول الله لاستخلف أبا بكر ثم عمر » فتزوير غريب مطعون فيه بوجوه:

أوّلاً : لو صحّ في أخبارهم صدور هذين القولين من عائشة، فلا ثبوت لهما عند الشيعة، لعدم اعتبارهم بأخبار أهل السنّة هذه.

وثانياً : على فرض ثبوتهما عنها، فلا اعتبار بها عند الشيعة ليحتجّ بأقوالها عليهم.

وثالثاً : إنّه قد رووا عن عائشة أحبيّة أبي عبيدة بعد الشيخين، وكذا استخلاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لو استخلف!! - أبا عبيدة

٣٧٩

بعدهما وقد روى وليّ الله الدّهلوي نفسه هذين القولين عنها كذلك في نفس كتاب ( قرة العينين ) وهذا لفظه: « قيل لها: أيّ أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أحبّ إليه؟ قالت: أبو بكر. قيل: ثم من؟ قالت: عمر. قيل: ثم من؟ قال: أبو عبيدة. أخرجه الترمذي وابن ماجة ».

« سئلت: من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف؟ قالت: أبو بكر. فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر. ثم قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة ابن الجراح. ثم انتهت إلى هذا. أخرجه البخاري ومسلم ».

لكن هذين القولين باطلان بالضّرورة، لأنّ الذي بعد الشيخين - بناء على مذهب أهل السنة في التفضيل - إمّا عثمان وإمّا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلا مناص من تكذيب أو تخطئة ما رووا عن عائشة في هذا الباب.

ورابعاً : إن إقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود. فقول عائشة في حقّ غير علي وفاطمةعليهما‌السلام في مقابلة قوله الجميع بن عمير غير مقبول.

وخامساً : إنه بقطع النظر عمّا ذكر، فإنّ ما تقوله عائشة في فضل أبيها غير مقبول لدى العقلاء، لكونها بلا ريبٍ متهمّة في هذا الباب، بخلاف قولها في أحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإنّه لا احتمال لأنْ تكون كاذبةً فيه.

وسادساً : إنه لا ريب في أن عائشة تحبّ أباها أبا بكرٌ بخلاف مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي بلغت عداوتها له الحدّ الأقصى، فكيف يعبأ عاقل بقولها في حقّ محبوبها في مقابلة قولها في حق المبغوض عندها؟

وسابعاً : إن ما رووه عنها في حقّ أبيها خبر واحد، وما رووه عنها في باب أمير المؤمنينعليه‌السلام مستفيض، والواحد لا يقابل الكثير المستفيض.

وثامناً : إن كلماتها المنقولة عنها في حقّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أقوى دلالةً ممّا قالته في حقّ أبي بكر، فمن ذلك قولها: « ما خلق الله خلقاً أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علي بن أبي طالب » وقولها: « والله

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800