موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء5%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 492417 / تحميل: 5811
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

واشتدّ العطش بالحسين فمنعوه(١) . فحصل له شربة ماء ، فلما أهوى ليشرب رماه حصين بن نمير بسهم في حنكه ، فصار الماء دما. ثم رفع يده إلى السماء وهو يقول :الله م أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تذر على الأرض منهم أحدا.

ويقول الدينوري في (الأخبار الطوال) ص ٢٥٨ :

وعطش الحسينعليه‌السلام فدعا بقدح من ماء ، فلما وضعه في فيه ، رماه الحصين بن نمير بسهم فدخل فمه ، وحال بينه وبين شرب الماء ، فوضع القدح من يده.

١٤١ ـ إصابة الحسينعليه‌السلام في شفتيه :

ويقول سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ٢٦٢ :

ورماه حصين بن تميم بسهم فوقع في شفتيه ، وهو يبكي ويقول : الله م إني أشكو إليك ما يفعل بي وبإخوتي وولدي وأهلي.

ثم اشتد به العطش ، فهمّ أن يلقي نفسه بين القوم ، ثم شرفت نفسه عن ذلك.

ويقول الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٣٠٢ :

وعطش الحسينعليه‌السلام ، فجاءه رجل بماء فتناوله ، فرماه حصين بن تميم بسهم ، فوقع في فيه ، فجعل يتلقى الدم بيده ويحمد الله.

١٤٢ ـ قصة الّذي شكّ الحسينعليه‌السلام بسهم في شدقه ، فدعا عليه الحسينعليه‌السلام فكان يشرب ولا يرتوي حتى مات :

(مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٣ ص ٢١٤ ط نجف)

قال ابن عيينة : أدركت من قتلة الحسينعليه‌السلام رجلا كان يستقبل الراوية

[أي ظرف الماء] ولا يروى. وذلك أنه نظر إلى الحسينعليه‌السلام وقد أهوى إلى فيه بماء وهو يشرب ، فرماه بسهم. فقال الحسينعليه‌السلام : لا أرواك الله من الماء في دنياك ولا آخرتك.

(وفي رواية) : إن رجلا من كلب رماه بسهم فشكّ شدقه ، فقال الحسينعليه‌السلام :لا أرواك الله. فعطش الرجل حتى ألقى نفسه في الفرات ، وشرب حتى مات.

__________________

(١) على ذكر عطش الحسينعليه‌السلام يحضرني قول الأستاذ برهان بخاري :

إن أجمل بيت شعر قرأته عن الظمأ وعطش الحسين ، هو قول شوقي :

ظمئت ومثلي بريّ أحقّ

كأني حسين ودهري يزيد

١٦١

١٤٣ ـ دعاء الحسينعليه‌السلام على من رماه بسهم ، واستجابة دعائه :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسينعليه‌السلام ص ٢٣٧)

قال ابن عساكر : كان رجل من بني أبان بن دارم يقال له زرعة ، شهد قتل الحسينعليه‌السلام ، فرمى الحسينعليه‌السلام بسهم فأصاب حنكه ، فجعل يلتقي [كذا في الأصل ، والصحيح : يتلقّى] الدم ، ثم يقول : هكذا إلى السماء فيرمي به.

وكان الحسينعليه‌السلام قد دعا بماء ليشرب ، فلما رماه حال بينه وبين الماء ، فقالعليه‌السلام : الله م ظمّه ، الله م ظمّه.

قال الراوي : فحدّثني من شهده وهو يموت ، وهو يصيح من الحر في بطنه ، والبرد في ظهره ، وبين يديه المراوح والثلج ، وخلفه الكافور [وفي مناقب ابن شهر اشوب : الكانون والنار] ، وهو يقول : اسقوني أهلكني العطش ، فيؤتى بالعسّ العظيم فيه السويق أو الماء أو اللبن ، لو شربه خمسة لكفاهم. قال : فيشربه ، ثم يعود فيقول : اسقوني أهلكني العطش. قال : فانقدّ بطنه كانقداد البعير.

معركة في طريق الفرات

١٤٤ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام لما أصيب بسهم في حنكه الشريف :

(اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٦٦)

واشتد العطش بالحسينعليه‌السلام فركب المسناة يريد الفرات ، فاعترضته خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسينعليه‌السلام بسهم ، فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع السهم وبسط يديه تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ،

ثم رمى به وقال : الله م إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك.

١٤٥ ـ إصابة الحسينعليه‌السلام بسهم في حنكه ، وهو يحاول الوصول إلى الفرات

(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٢٧٩)

روى الطبري عمن شهد الحسينعليه‌السلام في عسكره ، أن حسينا حين غلب على عسكره ، ركب المسنّاة يريد الفرات. فقال رجل من بني أبان بن دارم : ويلكم حولوا بينه وبين الماء لا تتامّ إليه شيعته. قال : وضرب فرسه واتّبعه الناس حتى حالوا بينه وبين الفرات. فقال الحسينعليه‌السلام : الله م أظمّه.

قال : وينتزع الأبانيّ بسهم ، فأثبته في حنك الحسينعليه‌السلام .

١٦٢

(وفي رواية) : فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه (وفي رواية) : في حنكه.(قال) : فانتزع الحسينعليه‌السلام السهم ، ثم بسط كفيه فامتلأتا دما ، فرمى به إلى السماء. ثم حمد الله وأثنى عليه ، ثم جمع يديه فقال : الله مّ إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك. الله م أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تذر على الأرض منهم أحدا. ودعا عليهم دعاء بليغا.

١٤٦ ـ استجابة دعاء الحسينعليه‌السلام :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٠٣)

قال أبو مخنف : فو الله إن مكث الرجل الرامي له إلا يسيرا ، حتى صبّ الله عليه الظمأ ، فجعل لا يروى ، ويسقى الماء مبرّدا ، وتارة يبرّد له اللبن والماء جميعا ، ويسقى فلا يروى ، بل يقول : اسقوني قتلني الظمأ. (قال) : فو الله ما لبث إلا يسيرا حتى انقدّ بطنه انقداد بطن البعير.

وفي (الإتحاف بحبّ الأشراف) للشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي ، ص ٥٢ :قال العلامة الاجهوري عن ذلك الرجل : فابتلي بالحر في بطنه ، والبرد في ظهره إلى أن قدّ بطنه ، ومات بعد موت الحسينعليه‌السلام بأيام.

١٤٧ ـ قتل الحسينعليه‌السلام وهو ظمآن عطشان :

(الإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي ، ص ٧٣)

يقول الشيخ الشبراوي : ومنعوا الحسينعليه‌السلام من الماء في يوم شديد الحر ، وصاروا يتراءون إليه بكيزان من البلور مملوءة ماء باردا ، فيقول : أقسم عليكم بجدّي إلا سقيتموني شربة أبرّد بها كبدي ، فلم يجيبوه.

١٤٨ ـ أثر العطش في الحسينعليه‌السلام (الفاجعة العظمى ، ص ١٠٥)

في (الخصائص) : ولقد أثّر العطش في الحسينعليه‌السلام في أربعة مواضع من أعضائه الشريفة : الكبد والشفّة واللسان والعين. الشفة ذابلة من الأوام ، والكبد مفتّت من حرّ الظمأ ، واللسان مجروح من كثرة اللوك في الفم ، والعين من شدة العطش مظلمة.

١٤٩ ـ ما قالهعليه‌السلام لما حال القوم بينه وبين رحله :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٣)

ثم إنهعليه‌السلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ من دنا إليه من عيون

١٦٣

الرجال ، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة ، فحالوا بينه وبين رحله ، فصاح بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون!. فناداه شمر : ما تقول يا حسين؟ فقالعليه‌السلام : أقول أنا الّذي أقاتلكم وتقاتلوني ، والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وطغاتكم وجهّالكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّا. فقال له شمر : لك ذلك يابن فاطمة(١) . ثم صاح شمر بأصحابه : إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه ، فلعمري لهو كفو كريم.

١٥٠ ـ وصول الحسينعليه‌السلام إلى الفرات ليشرب ، وخدعة القوم له :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٨٦)

فقصده القوم ، وهو مع ذلك يطلب شربة من الماء. وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم فحلّؤوه عنه.

ثم حمل على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج وكانا في أربعة آلاف رجل ، على الشريعة ففرّقهم ، وأقحم الفرس في الفرات. فلما ولغ الفرس برأسه ليشرب ، قالعليه‌السلام : أنت عطشان وأنا عطشان ، والله لا ذقت حتى تشرب!. فرفع الفرس رأسه كأنه فهم الكلام. فقال الحسينعليه‌السلام : اشرب. ولما مدّ الحسينعليه‌السلام يده فغرف من الماء غرفة ليشرب ، ناداه رجل من القوم :

يا أبا عبد الله ، أتلتذّ بشرب الماء وقد هتك حرمك؟!. فنفض الماء من يده ، وحمل على القوم فكشفهم ، فإذا الخيمة سالمة ، فعلم أنها حيلة.

الوداع الأخير

١٥١ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام لما ودّع عياله الوداع الثاني :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٨)

ثم إنهعليه‌السلام ودّع عياله ثانيا ، وأمرهم بالصبر ولبس الأزر ، وقال : استعدوا للبلاء ، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شرّ الأعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذّب عدوكم بأنواع العذاب ، ويعوّضكم عن هذه

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٦ نقلا عن الله وف ، ص ٦٧.

١٦٤

البلية بأنواع النعم والكرامة ، فلا تشكوا ، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم(١) . فقال ابن سعد : ويحكم اهجموا عليه مادام مشغولا بنفسه وحرمه ، والله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم.

فحملوا عليه يرمونه بالسهام ، حتى تخالفت السهام بين أطناب الخيم. وشكّ سهم بعض أزر [جمع إزار] النساء ، فدهشن وأرعبن وصحن ، ودخلن الخيمة ينظرن إلى الحسينعليه‌السلام كيف يصنع؟.

١٥٢ ـ ما قالهعليه‌السلام لما أصيب بسهم في جبهته الشريفة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٤)

فقصده القوم بالحرب من كل جانب ، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه ، وهو في ذلك يطلب الماء ليشرب منه شربة ، فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه حتى أجلوه عنه.

ثم رماه رجل يقال له أبو الحتوف الجعفي بسهم فوقع السهم في جبهته

(وفي مقتل أبي مخنف : أن الّذي رماه هو خولي ، وقيل إنه قدامة العامري). فنزع الحسينعليه‌السلام السهم ورمى به ، فسال الدم على وجهه ولحيته. فقال : الله م قد ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة العتاة ، الله م فأحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ، ولا تغفر لهم أبدا.

ثم حمل عليهم كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق أحدا إلا بعجه بسيفه وألحقه بالحضيض ، والسهام تأخذه من كل ناحية ، وهو يتلقاها بنحره وصدره(٢) ويقول : يا أمة السوء ، بئسما خلّفتم محمدا في عترته. أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله الصالحين فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي. وايم الله إني لأرجو أن يكرمني ربي بهوانكم ، ثم ينتقم منكم من حيث لا تشعرون. فصاح به الحصين بن مالك السكوني : يابن فاطمة ، بماذا ينتقم لك منا؟. فقالعليه‌السلام : يلقي بأسكم بينكم ، ويسفك دماءكم ، ثم يصبّ عليكم العذاب الأليم(٣) .

__________________

(١) جلاء العيون للمجلسي باللغة الفارسية.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، نقلا عن مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري.

(٣) مقتل الحسين للمقرّم ، نقلا عن مقتل العوالم ص ٩٨ ؛ ونفس المهموم ص ١٨٩.

١٦٥

(وفي مقتل المقرم ، ص ٣٥٠) قال : ورجع إلى مركزه يكثر من قول

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(١) . وطلب في هذا الحال ماء ، فقال الشمر : لا تذوقه حتى ترد النار. وناداه رجل : يا حسين ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيات؟ فلا تشرب منه حتى تموت عطشا!. فقال الحسينعليه‌السلام : اللهم أمته عطشا. فكان ذلك الرجل يطلب الماء ، فيؤتى به فيشرب حتى يخرج من فيه(٢) ، وما زال كذلك إلى أن مات عطشا(٣) .

١٥٣ ـ توزّع الأعداء على الحسينعليه‌السلام ثلاث فرق :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٨٩)

قال أبو مخنف : إن الشمر أقبل إلى ابن سعد وقال له : أيها الأمير إن هذا الرجل يفنينا عن آخرنا مبارزة. قال : كيف نصنع به؟. قال : نتفرّق عليه ثلاث فرق : فرقة بالنبال والسهام ، وفرقة بالسيوف والرماح ، وفرقة بالنار والحجارة ، نعجل عليه.فجعلوا يرشقونه بالسهام ، ويطعنونه بالرماح ، ويضربونه بالسيوف ، حتى أثخنوه بالجراح.

وكما قال الشاعر :

فوجّهوا نحوه في الحرب أربعة :

السيف والنبل والخطيّ والحجرا

مصرع سيّد الشهداء الامام الحسينعليه‌السلام واستشهاده

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، نقلا عن الله وف على قتلى الطفوف ، ص ٦٧.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، نقلا عن مقاتل الطالبيين لأبي الفرج ، ص ٤٧ ط إيران.

(٣) أي ما زال يشرب حتى يمتلئ بطنه بالماء إلى فمه ، ولا يرتوي.

١٦٦

١٥٤ ـ خبر الّذي عزم على قتل الحسينعليه‌السلام بالرمح ، ثم امتنع :

(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٢٨٢)

روى الطبري عن أبي مخنف عن الحجاج بن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقي ، أنه عتب على عبد الله بن عمار مشهده قتل الحسينعليه‌السلام . فقال عبد الله بن عمار : إن لي عند بني هاشم ليدا [أي معروفا]. قلنا له : وما يدك عندهم؟. قال :حملت على حسين بالرمح ، فانتهيت إليه ، فو الله لو شئت لطعنته. ثم انصرفت عنه غير بعيد ، وقلت : ما أصنع بأن أتولى قتله ، يقتله غيري!.

١٥٥ ـ شجاعة الحسينعليه‌السلام وإقدامه(المصدر السابق)

قال : فشدّ عليه رجّالة ممن عن يمينه وشماله ، فحمل على من عن يمينه حتى ابذعرّوا ، وعلى من عن شماله حتى ابذعرّوا ، وعليه قميص له من خز ، وهو معتمّ.

١٥٦ ـ ما قاله (ابن يغوث) يصف حال الحسينعليه‌السلام أثناء المعركة :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٦)

قال عبد الله بن عمار بن يغوث : [فو الله] ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه ، أربط جأشا منه ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما. ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شدّ فيها ، ولم يثبت له أحد(١) .

(وفي رواية الله وف ، ص ٦٧) : وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب. ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله.

(وفي مثير الأحزان للجواهري ، ص ٨٥) : ولم يزل يقاتل حتى قتل ألف رجل وتسعمائة وخمسين رجلا ، سوى المجروحين.

فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم ، أتدرون لمن تقاتلون؟. هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، احملوا عليه (حملة رجل واحد) من كل جانب. فأتته أربعة آلاف نبلة(٢) .

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٩.

(٢) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٢٣ ط إيران.

١٦٧

حجر وسهم مسموم

١٥٧ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام لما أتاه حجر فوقع على جبهته الشريفة ، ثم أتاه سهم مسموم فوقع في قلبه

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٤)

ثم جعلعليه‌السلام يقاتل حتى أصابته اثنتان وسبعون جراحة ، فوقف يستريح وقد ضعف عن القتال. فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فسالت الدماء من جبهته. فأخذ الثوب ليمسح [الدم] عن جبهته ، فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب ، فوقع في قلبه [وقيل في صدره(١) ]. فقال الحسينعليه‌السلام : بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله. ورفع رأسه إلى السماء ، وقال : إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره. ثم أخذ السهم وأخرجه من وراء ظهره ، فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلما امتلأت دما رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك قطرة. وما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسينعليه‌السلام بدمه إلى السماء. ثم وضع يده على الجرح ثانيا ، فلما امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته ، وقال : هكذا والله أكون حتى ألقى جدي محمدا وأنا مخضوب بدمي ، وأقول : يا رسول الله قتلني فلان وفلان(٢) .

(وفي العيون العبرى للميانجي ، ص ١٨٣) ولنعم من قال :

سهم أصاب حشاك يابن محمّد

ظلما أصاب حشا البطين الأنزع

وأصاب قلب المصطفيو البضعة ال

زهراء والحسن الزكيّ الأورع

١٥٨ ـ مالك بن النسر يضرب الحسينعليه‌السلام على رأسه فيقطع البرنس :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٥)

ثم ضعفعليه‌السلام عن القتال فوقف مكانه ، فكلما أتاه رجل من الناس وانتهى إليه ، انصرف عنه وكره أن يلقى الله بدمه. حتى جاءه رجل من كندة يقال له (مالك بن نسر) فضربه بالسيف على رأسه ، وكان عليه برنس

[أي قلنسوة طويلة] فقطع البرنس وامتلأ دما ، فقال له الحسينعليه‌السلام : لا أكلت

__________________

(١) مثير الأحزان للجواهري ، ص ٨٧.

(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥١ نقلا عن الله وف ، ص ٧٠.

١٦٨

بيمينك ولا شربت بها ، وحشرك الله مع الظالمين. ثم ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمّ عليها ، وقد أعيى وتبلّد

(وفي بعض الأخبار) : أنه ألقى البرنس من رأسه ، ثم جاء إلى الخيمة وطلب خرقة. فلما أتوه بها شدّها على جراحته ، ولبس فوقها قلنسوة أخرى واعتمّ عليها».ورجع عنه شمر بن ذي الجوشن ومن كان معه إلى مواضعهم ، فمكث هنيهة ثم عاد وعادوا إليه وأحاطوا به.

١٥٩ ـ نداء شمر (الأول) وتحريضه القوم :(المصدر السابق)

ثم نادى شمر : ما تنتظرون بالرجل فقد أثخنته السهام؟. فأحدقت به الرماح والسيوف. فضربه رجل يقال له (زرعة بن شريك التميمي) ضربة منكرة ، ورماه (سنان بن أنس) بسهم في نحره ، وطعنه (صالح بن وهب المرّي) على خاصرته طعنة منكرة ، فسقط الحسينعليه‌السلام عن فرسه إلى الأرض ، على خده الأيمن. ثم استوى جالسا ، ونزع السهم من نحره.

سقوط الحسينعليه‌السلام عن فرسه

مدخل :

اختلفت الروايات في كيفية سقوط الحسينعليه‌السلام عن فرسه. فمنهم أنه بعد أن أصبح جسمه كالقنفذ من كثرة السهام التي أصابته ، طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته فسقط عن فرسه. ومنهم أنه رمي بسهم فوقع في نحره ، فخرّ عن فرسه.ومنهم أن خولي بن يزيد الأصبحي اعترضه بسهم فوقع في لبّته ، فأرداه عن ظهر جواده إلى الأرض ، صريعا يخور بدمه.

وكل هؤلاء يعتبرون أن الحسينعليه‌السلام صرع بعد سقوطه مباشرة ولم يستطع الوقوف لمتابعة القتال. بينما البعض الآخر ، فيذكر أنه لما ضعف نزل عن جواده ، وقاتل على رجليه قتالا مشهودا ، ومنهم السيد ابن طاووس في (اللهوف).

١٦٠ ـ لم يسقط الحسينعليه‌السلام عن جواده حتى صار جسمه من السهام كالقنفذ

(الفاجعة العظمى ، ص ١٦٧)

في (مثير الأحزان) : جعلوه شلوا [أي جعلوا أعضاءه مقطّعة] من كثرة الطعن والضرب.

١٦٩

وفي (القمقام) : لقد أصابته السهام حتى كأنه الطائر وعليه الريش. وكما قال الشاعر المتنبي :

فصرت إذا أصابتني سهام

تكسّرت النصال على النصال

وفي (البحار) : كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ ، وكانت كلها في مقدّمه.

أما أبو مخنف فقال في مقتله (كما في أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٢٤) :واعترضه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فوقع في لبّته ، فأرداه عن ظهر جواده إلى الأرض صريعا يخور بدم (وروي : أن السهم رماه أبو قدامة العامري) ، فجعلعليه‌السلام ينزع السهم بيده ، ويتلقّى الدم بكفيه ويخضب به لحيته ورأسه الشريف ، ويقول : هكذا ألقى ربي الله ، وألقى جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأشكو إليه ما نزل بي. وخرّ صريعا مغشيا عليه. فلما أفاق من غشيته وثب ليقوم للقتال فلم يقدر. فبكى بكاء عاليا ، ونادى : وا جدّاه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه ، وا أبتاه ، وا علياه ، وا حسناه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا عقيلاه ، وا عباساه ، وا عطشاه ، وا غوثاه ، وا قلة ناصراه. أقتل مظلوما وجدي محمّد المصطفى ، وأذبح عطشانا وأبي علي المرتضى ، وأترك مهتوكا وأمي فاطمة الزهراءعليها‌السلام !.

وفي (الأنوار النعمانية) للسيد نعمة الله الجزائري :

ثم قال : ونظر الحسينعليه‌السلام يمينا وشمالا فلم ير أحدا ، فرفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللهم إنك ترى ما صنع بولد نبيك. وحال بنو كلاب بينه وبين الماء.

ورمي بسهم فوقع في نحره ، وخرّ عن فرسه ، فأخذ السهم ورمى به ، وجعل يتلقى الدم بكفه ، فلما امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته ، وهو يقول :

(هكذا) ألقى اللهعزوجل ، وأنا مظلوم متلطخ بدمي. ثم خرّ على خده الأيسر صريعا.

وفي (اللهوف) لابن طاووس قال : ولما أثخن الحسينعليه‌السلام بالجراح وبقي كالقنفذ [على فرسه] طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته طعنة ، فسقط الحسينعليه‌السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ، وهو يقول : بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم قام صلوات الله عليه.

١٧٠

الحسينعليه‌السلام يقاتل على رجليه

قال العلامة المجلسي في (البحار) : لما ضعف الحسينعليه‌السلام عن القتال ، نزل عن ظهر جواده إلى الأرض ، فكلما أتاه رجل وانتهى إليه ، انصرف عنه كراهية أن يلقى الله بدمه. فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته الشريفة ثم أتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب ، فوقع في صدره (وفي بعض الروايات : فوقع على قلبه). فقال الحسينعليه‌السلام : بسم الله وبالله

١٦١ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام لما أصبح يقاتل على رجليه :

(مقدمة مرآة العقول ج ٢ ص ٢٨٣ ؛ وتاريخ الطبري ص ٣٦٠ ط أولى مصر)

قال أبو مخنف : حدثني الصّقعب بن زهير عن حميد بن مسلم ، قال : كانت عليه جبّة من خز ، وكان معتمّا ، وكان مخضوبا بالوسمة.

قال : سمعته يقول قبل أن يقتل ، وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع :أعلى قتلي تحاثّون؟!. أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله ، الله أسخط عليكم لقتله مني. وايم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون. أما والله إن قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ، ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم.

مصرع محمّد ابن أبي سعيد ابن عقيلعليه‌السلام

١٦٢ ـ شهادة محمّد بن أبي سعيد بن عقيلعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٣)

قال هاني بن ثبيت الحضرمي : إني لواقف عاشر عشرة لما صرع الحسينعليه‌السلام ، إذ نظرت إلى غلام من آل الحسينعليه‌السلام ، عليه إزار وقميص ، وفي أذنيه درّتان ، وبيده عمود من تلك الأبنية ، وهو مذعور يتلفّت يمينا وشمالا.

١٧١

فأقبل رجل يركض ، حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ، وعلاه بالسيف وقطعه. فلما عيب عليه كنّى عن نفسه(١) .

وذلك الغلام هو محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام وكانت أمه تنظر إليه وهي مدهوشة(٢) .

وفي (مثير الأحزان) للجواهري ، ص ٨٤ :

وخرج غلام من تلك الأبنية ، وفي أذنيه درّتان ، وهو مذعور ؛ فجعل يلتفت يمينا وشمالا ، وقرطاه يتذبذبان. فحمل عليه هاني بن ثبيت فقتله. فصارت (شهربانوا) تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة. وأورد ذلك بعد شهادة العباسعليه‌السلام مباشرة.

مصرع الغلام عبد الله الأصغر ابن الحسنعليهما‌السلام

١٦٣ ـ شهادة الغلام عبد الله (الأصغر) ابن الحسنعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٤ ؛ والإرشاد للمفيد ، ص ٢٤١)

قال : ثم إنهم لبثوا هينئة وعادوا إلى الحسينعليه‌السلام وأحاطوا به ، وهو جالس على الأرض لا يستطيع النهوض. فخرج الغلام عبد الله بن الحسن السبطعليه‌السلام وله إحدى عشرة سنة [أمه بنت السليل بن عبد الله البجلي ، وقيل أم ولد(٣) ] ، ونظر إلى عمه وقد أحدق به القوم ، فأقبل من عند النساء يشتدّ نحو عمه الحسينعليه‌السلام ، فلحقته زينبعليها‌السلام لتحبسه (فأفلت منها) ، فقال لها الحسينعليه‌السلام : احبسيه يا أختي. فأبى وامتنع عليها امتناعا شديدا ، وقال : والله لا أفارق عمي. وأهوى أبجر ابن كعب إلى الحسينعليه‌السلام بالسيف ، فقال له الغلام : ويلك يابن الخبيثة ، أتقتل

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٨ ؛ والبداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٦.

(٢) الخصائص الحسينية للشيخ جعفر التستري ، ص ١٢٩.

(٣) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني ، ص ٥٨ ط ٢.

١٧٢

عمي؟. فضربه أبجر بالسيف ، فاتّقاها الغلام بيده ، فأطنّها(١) إلى الجلد ، فإذا هي معلّقة. فصاح الغلام : يا عمّاه (وفي رواية : يا أمّاه). فأخذه الحسينعليه‌السلام فضمّه إليه ، وقال : يابن أخي اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين.

ورفع الحسينعليه‌السلام يديه قائلا : اللهم إن متّعتهم إلى حين ، ففرّقهم تفريقا ، واجعلهم طرائق قددا [أي مذاهب متفرقة] ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلوننا(٢) .

ورمى حرملة بن كاهل الغلام بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه(٣) . وحملت الرجّالة يمينا وشمالا على من كان بقي مع الحسينعليه‌السلام فقتلوهم ، حتى لم يبق معه إلا ثلاثة نفر أو أربعة.

١٦٤ ـ مخاطبة زينبعليها‌السلام لعمر بن سعد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٥ ؛ ومقتل المقرّم ، ص ٣٥٩)

ثم دنا عمر بن سعد من الحسينعليه‌السلام ليراه.

قال حميد بن مسلم : وخرجت زينب بنت عليعليهما‌السلام وقرطاها يجولان في أذنيها ، وهي تقول : ليت السماء أطبقت على الأرض (وليت الجبال تدكدكت على السهل). وانتهت نحو الحسينعليه‌السلام وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه ، والحسينعليه‌السلام يجود بنفسه. فصاحت : أي عمر ، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟!. فصرف بوجهه عنها ودموعه تسيل على خديه ولحيته.والحسينعليه‌السلام جالس وعليه جبة خز ، وقد تحاماه الناس.

وفي (الإرشاد) للشيخ المفيد ، ص ٢٤٢ : وخرجت أخته زينبعليها‌السلام إلى باب الفسطاط ، فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص : ويلك يا عمر ، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه!. فلم يجبها عمر بشيء. فنادت : ويحكم أما فيكم مسلم؟!. فلم يجبها أحد بشيء.

__________________

(١) أطنّها : أي قطعها حتى سمع لها طنين ، وهو الصوت.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٩ ؛ ومثير الأحزان ، ص ٣٨ ؛ واللهوف ، ص ٦٨.

(٣) مثير الأحزان ، ص ٣٩ ؛ واللهوف ، ص ٦٨.

١٧٣

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٣ ط ٢ نجف : فخفق الحسينعليه‌السلام برأسه خفقة ، ثم انتبه وهو يقول : رأيت الساعة جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : يا بني اصبر ، الساعة تأتي إلينا.

١٦٥ ـ الذين اشتركوا في قتل الحسينعليه‌السلام بعد ضعفه :

(اللهوف لابن طاووس ، ص ٥٢)

ونادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجالة ، فقال : ويحكم ما تنتظرون بالرجل (اقتلوه) ثكلتكم أمهاتكم؟. فحملوا عليه من كل جانب. فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى ، وضرب الحسينعليه‌السلام زرعة فصرعه. وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا بها لوجهه ، وكان قد أعيى ، وجعل ينوء ويكبّ.فطعنه سنان بن أنس بن عمرو النخعي في ترقوته. ثم انتزع الرمح ، فطعنه في بواني صدره. ثم رماه سنان أيضا بسهم فوقع السهم في نحره ، فسقطعليه‌السلام وجلس قاعدا. فنزع السهم من نحره ، وقرن كفيه جميعا ، فكلما امتلأتا من دمائه خضّب بها رأسه ولحيته ، وهو يقول : هكذا ألقى الله مخضّبا بدمي ، مغصوبا عليّ حقي.

١٦٦ ـ نداء شمر (الثاني) للإجهاز على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٤)

وبقي الحسينعليه‌السلام مطروحا مليّا ، ولو شاؤوا أن يقتلوه لفعلوا ، إلا أن كل قبيلة تتّكل على غيرها وتكره الإقدام(١) فصاح الشمر : ما وقوفكم وما تنتظرون بالرجل ، وقد أثخنته السهام والرماح ، احملوا عليه(٢) .

وضربه زرعة بن شريك على كتفه الأيسر ، ورماه الحصين في حلقه(٣) وضربه آخر على عاتقه ، وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ، ثم في بواني صدره ، ثم رماه بسهم في نحره(٤) وطعنه صالح بن وهب في جنبه(٥) .

__________________

(١) مقتل المقرّم نقلا عن الأخبار الطوال ، ص ٢٥٥ ، والخطط المقريزية ج ٢ ص ٢٨٨.

(٢) مقتل المقرم نقلا عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٢٢ ط إيران.

(٣) مقتل المقرم نقلا عن الإتحاف بحب الأشراف ، ص ١٦.

(٤) مقتل المقرم نقلا عن الله وف ، ص ٧٠. والبواني : أضلاع الزور ، مفردها بانية.

(٥) مقتل المقرم نقلا عن مقتل العوالم ، ص ١١٠.

١٧٤

١٦٧ ـ وصف هلال بن نافع للحسينعليه‌السلام وهو يجود بنفسه :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٥٧)

قال هلال بن نافع : إني لواقف في عسكر عمر بن سعد ، إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير ، فهذا (شمر) قد قتل الحسين.

قال : فخرجت بين الصفين فوقفت عليه ، وإنه ليجود بنفسه. فو الله ما رأيت قتيلا مضمّخا بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله(١) .

١٦٨ ـ الحسينعليه‌السلام يطلب شربة ماء في آخر رمق من حياته :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٦)

فاستسقىعليه‌السلام في تلك الحال ماء ، فأبوا أن يسقوه. وقال له رجل : لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها. فقالعليه‌السلام : أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها! بل أرد على جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأسكن معه في داره ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأشرب من ماء غير آسن [أي غير متغيّر الطعم والرائحة] ، وأشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي. (قال) : فغضبوا بأجمعهم ، حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحدهم من الرحمة شيئا(٢) .

فاحتزّوا رأسه وإنه ليكلمهم. فتعجبت من قلة رحمهم ، وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبدا.

وفي (الأنوار النعمانية) للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٤٤ :

قال : فأقبل عدوّ الله سنان بن أنس وشمر بن ذي الجوشن العامري في رجال من أهل الشام ، حتى وقفوا على رأس الحسينعليه‌السلام ، فقال بعضهم لبعض : أريحوا الرجل. فنزل سنان بن أنس وأخذ بلحية الحسينعليه‌السلام وجعل يضرب السيف في حلقه ، وهو يقول : والله إني لأجتزّ رأسك ، وأنا أعلم أنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير الناس أما وأبا.

وفي (مقدمة مرآة العقول) ج ٢ ص ٢٨٤ :

__________________

(١) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٨٨.

(٢) مقتل المقرم نقلا عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٤٩.

١٧٥

قال : وجعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسينعليه‌السلام إلا شدّ عليه مخافة أن يغلب على رأسه ، حتى أخذ رأس الحسينعليه‌السلام فدفعه إلى خوليّ.

١٦٩ ـ دعاؤهعليه‌السلام قبيل استشهاده :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٦)

ولما اشتدّ به الحالعليه‌السلام رفع طرفه إلى السماء وقال : الله م متعال المكان ، عظيم الجبروت ، شديد المحال ، غني عن الخلائق ، عريض الكبرياء ، قادر على ما يشاء. قريب الرحمة ، صادق الوعد ، سابغ النعمة ، حسن البلاء. قريب إذا دعيت ، محيط بما خلقت. قابل التوبة لمن تاب إليك. قادر على ما أردت ، تدرك ما طلبت.شكور إذا شكرت ، ذكور إذا ذكرت. أدعوك محتاجا ، وأرغب إليك فقيرا ، وأفزع إليك خائفا. وأبكي مكروبا ، وأستعين بك ضعيفا ، وأتوكل عليك كافيا. الله م احكم بيننا وبين قومنا ، فإنهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ، ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي اصطفيته بالرسالة ، وائتمنته على الوحي ، فاجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا ، يا أرحم الراحمين(١) . صبرا على قضائك يا رب ، لا إله سواك ، يا غياث المستغيثين(٢) . مالي ربّ سواك ، ولا معبود غيرك. صبرا على حكمك. يا غياث من لا غياث له ، يا دائما لا نفاد له. يا محيي الموتى ، يا قائما على كل نفس بما كسبت ، احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين(٣) .

١٧٠ ـ ذهول القوم عن حزّ رأس الحسين الشريف وهربهم منه :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٨٩)

قال أبو مخنف : ثم غشي عليه ، وبقي ثلاث ساعات من النهار ، والقوم في حيرة لا يدرون أهو حيّ أم ميّت!.

قال : وبقي الحسينعليه‌السلام مكبوبا على الأرض ملطّخا بدمه ثلاث ساعات ، وهو يقول : صبرا على قضائك ، لا إله سواك ، يا غياث المستغيثين. فابتدر إليه أربعون رجلا كل منهم يريد حزّ نحره الشريف. وعمر بن سعد يقول : ويلكم عجّلوا عليه.

__________________

(١) مصباح المتهجد والإقبال ، وعنهما في مزار البحار ، ص ١٠٧ ، باب زيارتهعليه‌السلام يوم ولادته.

(٢) أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٢٣.

(٣) رياض المصائب ، ص ٣٣.

١٧٦

وكان أول من ابتدر إليه (شبث بن ربعي) وبيده السيف ، فدنا منه ليحتزّ رأسه ، فرمق الحسينعليه‌السلام بطرفه ، فرمى السيف من يده وولى هاربا ، وهو يقول : ويحك يابن سعد ، تريد أن تكون بريئا من قتل الحسين وإهراق دمه ، وأكون أنا مطالب به!. معاذ الله أن ألقى الله بدمك

يا حسين. فأقبل (سنان بن أنس) وقال : ثكلتك أمك وعدموك قومك

لو رجعت عن قتله. فقال شبث : يا ويلك إنه فتح عينيه في وجهي فأشبهتا عيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستحييت أن أقتل شبيها لرسول الله. فقال له : يا ويلك أعطني السيف فأنا أحقّ منك بقتله. فأخذ السيف وهمّ أن يعلو رأسه ، فنظر إليه الحسينعليه‌السلام فارتعد سنان ، وسقط السيف من يده وولى هاربا ، وهو يقول : معاذ الله أن ألقى الله بدمك يا حسين. فأقبل إليه (شمر) وقال : ثكلتك أمك ما أرجعك عن قتله؟. فقال : يا ويلك ، إنه فتح في وجهي عينيه ، فذكرت شجاعة أبيه ، فذهلت عن قتله.

١٧١ ـ لا أحد يجرؤ على ذبح الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٧١ ط ٢)

قال الطريحي : وطعنه سنان بن أنس النخعي برمح. وبادر إليه خولي بن يزيد ليحتزّ رأسه ، فرمقه بعينيه ، فارتعدت فرائصه منه ، فلم يجسر عليه ، وولى عنه.

ثم ابتدر إليه أربعون فارسا ، كلّ يريد قطع رأسه ، وعمر بن سعد يقول : عجّلوا عليه ، عجّلوا عليه. فدنا إليه شبث بن ربعي وبيده سيف ليحتزّ رأسه ، فرمقهعليه‌السلام بطرفه ، فرمى شبث السيف من يده وولى هاربا ، وهو يقول : معاذ الله أن ألقى أباك بدمك.

قال الراوي : فأقبل إليه رجل قبيح الخلقة ، كوسج اللحية ، أبرص اللون ، يقال له سنان ، فنظر إليهعليه‌السلام فلم يجسر عليه وولى هاربا ، وهو يقول : ما لك يا عمر بن سعد ، غضب الله عليك ، أردت أن يكون محمّد خصمي؟!.

١٧٢ ـ الإجهاز على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٦)

وقال سنان لخولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه ، فضعف وارتعدت يداه.

فقال له سنان : فتّ الله عضدك وأبان يدك. فنزل إليه (شمر بن ذي الجوشن) وكان

١٧٧

أبرص ، فضربه برجله وألقاه على قفاه ثم أخذ بلحيته. فقال له الحسينعليه‌السلام :أنت الكلب الأبقع الّذي رأيته في منامي. فقال شمر : أتشبّهني بالكلاب يابن فاطمة؟. ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسينعليه‌السلام .

وروي أنه جاء إليه شمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس ، والحسينعليه‌السلام بآخر رمق ، يلوك بلسانه من العطش. فرفسه شمر برجله ، وقال : يابن أبي تراب ، ألست تزعم أن أباك على حوض النبي يسقي من أحبه؟. فاصبر حتى تأخذ الماء من يده.ثم قال الشمر لسنان بن أنس : احتزّ رأسه من قفاه. فقال : والله لا أفعل ذلك ، فيكون جده محمّد خصمي. فغضب شمر منه ، وجلس على صدر الحسينعليه‌السلام وقبض على لحيته ، وهمّ بقتله. فضحك الحسينعليه‌السلام وقال له : أتقتلني!. أو لا تعلم من أنا؟. قال : أعرفك حق المعرفة ؛ أمك فاطمة الزهراء ، وأبوك علي المرتضى ، وجدك محمّد المصطفى ، وخصمك الله العليّ الأعلى ، وأقتلك ولا أبالي وضربه الشمر بسيفه اثنتي عشرة ضربة ، ثم حزّ رأسه الشريف.

١٧٣ ـ أشقى الأشقياء شمر بن ذي الجوشن يحزّ الرأس الشريف :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٩١)

فقال الشمر لسنان : يا ويلك إنك لجبان في الحرب ، هلمّ إليّ بالسيف فو الله ما أحد أحقّ مني بدم الحسين. إني لأقتله سواء أشبه المصطفى أو علي المرتضى.فأخذ السيف من يد سنان وركب صدر الحسينعليه‌السلام فلم يرهب منه ، وقال : لا تظنّ أني كمن أتاك ، فلست أردّ عن قتلك يا حسين!. فقال له الحسينعليه‌السلام : من أنت ويلك ، فلقد ارتقيت مرتقى صعبا طالما قبّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال له : أنا الشمر الضبابي. فقال الحسينعليه‌السلام : أما تعرفني؟!. فقال ولد الزنا : بلى ، أنت الحسين ، وأبوك المرتضى ، وأمك الزهرا ، وجدك المصطفى ، وجدتك خديجة الكبرى. فقال له : ويحك إذا عرفتني فلم تقتلني؟. فقال له : أطلب بقتلك الجائزة من يزيد. فقال له الحسينعليه‌السلام : أيّما أحبّ إليك ؛ شفاعة جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم جائزة يزيد؟. فقال : دانق من جائزة يزيد أحب إليّ منك ومن شفاعة جدك وأبيك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إذا كان لا بدّ من قتلي فاسقني شربة من الماء.فقال : هيهات هيهات ، والله ما تذوق الماء أو تذوق الموت غصّة بعد غصة وجرعة بعد جرعة. ثم قال شمر : يابن أبي تراب ، ألست تزعم أن أباك على الحوض يسقي من أحبّ ، اصبر قليلا حتى يسقيك أبوك.

١٧٨

فقال لهعليه‌السلام : سألتك بالله إلا ما كشفت لي عن لثامك لأنظر إليك. (قال) فكشف له عن لثامه ، فإذا هو أبرص أعور ، له بوز كبوز الكلب ، وشعر كشعر الخنزير. فقال له الإمامعليه‌السلام : صدق جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال له الشمر :وما قال جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال : سمعته يقول لأبيعليه‌السلام :

يا علي يقتل ولدك هذا أبرص أعور ، له بوز كبوز الكلب ، وشعر كشعر الخنزير.فقال له شمر : يشبّهني جدك رسول الله بالكلاب ، والله لأذبحنّك من القفا ، جزاء لما شبّهني جدك.

ثم أكبّه على وجهه ، وجعل يحزّ أوداجه بالسيف ، وهو يقول :

أقتلك اليوم ونفسي تعلم

علما يقينا ليس فيه مزعم

أن أباك خير من يكلّم

بعد النبي المصطفى المعظّم

أقتلك اليوم وسوف أندم

وإن مثواي غدا جهنّم

قال الراوي : وكلما قطع منه عضوا نادى الحسينعليه‌السلام : وا محمداه وا علياه وا حسناه وا جعفراه وا حمزتاه وا عقيلاه وا عباساه وا قتيلاه وا قلة ناصراه وا غربتاه.

فاحتزّ الشمر رأسه الشريف ، وعلاه على قناة طويلة فكبّر العسكر ثلاث تكبيرات.

١٧٤ ـ عدد الجراحات التي أصابت جسم الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٣ ط طهران)

ثم عدّوا ما في جسد الحسينعليه‌السلام ، فوجدوه ثلاثا وثلاثين طعنة برمح ، وأربعا وثلاثين ضربة بالسيف. ووجدوا في ثيابه مائة وعشرين رمية بسهم. وهذا مطابق لما أورده الطبري في تاريخه.

وفي (لواعج الأشجان) للسيد الأمين ، ص ١٦٩ ط نجف : وجد في قميص الحسينعليه‌السلام الّذي سلب ، مائة وبضع عشرة ؛ ما بين رمية وطعنة وضربة.

وعن الصادقعليه‌السلام : أنه وجد بالحسينعليه‌السلام ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وثلاثون ضربة.

وعن الباقرعليه‌السلام : أنه وجد به ثلاثمائة وبضع وعشرون جراحة.

وفي مخطوطة مصرع الحسين [الموجودة في مكتبة الأسد بدمشق] قال

١٧٩

أبو مخنف : وكان عليه جبّة خزّ دكناء ، فوقع فيها مائة وثمانون ضربة ، فوصل إلى بدنه الشريف اثنان وستون ضربة وطعنة.

فرس الحسينعليه‌السلام

١٧٥ ـ ما فعله الفرس عند مصرع الحسينعليه‌السلام :

(العيون العبرى في مقتل سيد الشهداء لابراهيم الميانجي ، ص ١٩٣)

ولما صرع الحسينعليه‌السلام جعل فرسه يحامي عنه ، ويثب على الفارس [أي من الأعداء] فيخبطه عن سرجه ويدوسه ، حتى قتل الفرس أربعين رجلا ، كما في (مدينة المعاجز) عن الجلودي.

ثم تمرّغ الفرس في دم الحسينعليه‌السلام وأقبل يركض نحو خيمة النساء وهو يصهل. فسمعت بنات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صهيله فخرجن ، فإذا الفرس بلا راكب ، فعرفن أن حسيناعليه‌السلام قد قتل.

١٧٦ ـ رجوع فرس الحسين إلى المخيّم ، ورؤية زينب له :

(الفاجعة العظمى ، ص ١٧١)

في كتاب (تظلّم الزهراء) : لما سقط الحسينعليه‌السلام عن فرسه عفيرا بدمه ، رامقا بطرفه إلى السماء ، وأمّ جواده إلى الخيام ، وسمعت زينبعليها‌السلام صهيله ، خرجت لاستقباله ، لأنها كانت كلما أقبل أخوها الحسينعليه‌السلام من الحرب تتلقاه وتقع على صدره ، وتقبّله وهو يقبّل رأسها. فلما رأت الفرس خالية من راكبها ، وعنانها [أي حبل الفرس] يسحب على وجه الأرض ، خرّت مغشيّا عليها.

فلما أفاقت من غشوتها ركضت إلى نحو المعركة ، تنظر يمينا وشمالا ، وهي تعثر بأذيالها ، وتسقط على وجهها من عظم دهشتها. فرأت أخاها الحسينعليه‌السلام ملقى على وجه الأرض ، يقبض يمينا وشمالا ، والدم يسيل من جراحاته كالميزاب ، وكان فيه ثلاثمائة وثمانون جرحا ، ما بين ضربة وطعنة ؛ فطرحت نفسها على جسده الشريف ، وجعلت تنادي وتقول : وا أخاه ، وا سيداه ، وا أهل بيتاه. ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل. ويحك يا عمر بن سعد ، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟. فلم يجبها أحد بشيء.

فبينما هي تخاطبه وإذا بالشمر يضربها بالسوط على كتفيها ، وقال لها : تنحّي عنه وإلا ألحقتك به!. فجذبها عنه قهرا ، وضربها ضربا عنيفا ، فرجعت إلى المخيم.

١٨٠

١٧٧ ـ ما فعله الفرس بعد مقتل الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٩٤)

قال عبد الله بن العباس : حدّثني من شهد الواقعة أن فرس الحسينعليه‌السلام

[بعد مقتله] جعل يحمحم ويتخطّى القتلى في المعركة ، قتيلا بعد قتيل ، حتى وقف على جثّة الحسينعليه‌السلام ، فجعل يمرّغ ناصيته بالدم ، ويلطم الأرض بيده ، ويصهل صهيلا حتى ملأ البيداء. فتعجب القوم من فعاله.

فلما نظر عمر بن سعد إلى فرس الحسين قال : يا ويلكم آتوني به ، وكان من جياد خيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فركبوا في طلبه ، فلما أحسّ الجواد بالطلب ، جعل يلطم بيده ورجليه ويمانع عن نفسه ، حتى قتل خلقا كثيرا ، ونكّس فرسانا من خيولهم ، ولم يقدروا عليه. فصاح عمر بن سعد : دعوه حتى ننظر ما يصنع؟.

فلما أمن الجواد من الطلب ، أتى إلى جثة الحسينعليه‌السلام وجعل يمرّغ ناصيته بدمه ، ويبكي بكاء الثكلى ، وثار يطلب الخيمة.

فلما سمعت زينب بنت عليعليهما‌السلام صهيله عرفته ، فأقبلت على سكينة وقالت لها : قد جاء أبوك بالماء ، فاستقبليه. فخرجت سكينة فرحة بذكر أبيها ، فرأت الجواد عاريا ، والسرج خاليا من راكبه ، وهو يصهل وينعى صاحبه.

فهتكت خمارها [أي شقّته] ونادت : وا أبتاه! وا حسيناه! وا قتيلاه! وا غربتاه! وا بعد سفراه! وا طول كربتاه!. هذا الحسين بالعرا ، مسلوب العمامة والرّدا ، قد أخذ منه الخاتم والحذا. بأبي من رأسه بأرض وجثته بأخرى ، بأبي من رأسه إلى الشام يهدى ، بأبي من أصبحت حرمه مهتوكة بين الأعداء ، بأبي من عسكره يوم الاثنين مضى. ثم بكت بكاء شديدا.

فلما سمعت بنات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صهيل الجواد خرجن ، فإذا الفرس بلا راكب ، فعرفن أن حسينا قد قتل. فرفعن أصواتهن بالبكاء والعويل. ووضعت أم كلثوم يدها على رأسها ونادت : وا محمداه ، وا جداه ، وا نبياه ، وا أبا القاسماه ، وا علياه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا حسناه. هذا حسين بالعرا ، صريع بكربلا ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرّدا. اليوم مات محمّد المصطفى ، اليوم مات علي المرتضى ، اليوم ماتت فاطمة الزهرا. ثم غشي عليها.

١٨١

١٧٨ ـ ما ذا كان يقول جواد الحسين في صهيله؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٣٥)

عن صاحب (المناقب) ومحمد بن أبي طالب : أن الفرس [كان] يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة ، حتى مات.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم صفين : ولدي هذا يقتل بكربلا عطشانا ، وينفر فرسه ويحمحم ، ويقول في حمحمته : الظليمة الظليمة ، من أمة قتلت ابن بنت نبيها ، وهم يقرؤون القرآن الّذي جاء به إليهم.

* * *

١٧٩ ـ دم الحسينعليه‌السلام لا يعادله دم :

(ذيل الروضتين لأبي شامة ، ص ١٨)

في سنة ٥٩٦ ه‍ توفي بمصر الفقيه شهاب الدين محمّد الطوسي الحنبلي.

قال ابو شامة : بلغني أنه سئل : أيما أفضل ، دم الحسين (ع) أم دم الحلّاج؟.فاستعظم ذلك ، وقال : كيف يجوز أن يقال هذا!؟ قطرة من دم الحسينعليه‌السلام أفضل من مائة ألف دم مثل دم الحلاج.

فقال السائل : إن دم الحلاج كتب على الأرض (الله) ولا كذلك دم الحسين.فقال الطوسي : المتّهم يحتاج إلى تزكية.

قلت : وهذا جواب في غاية الحسن في هذا الموضع ، على أنه لم يصحّ ما ذكر من دم الحلاج.

١٨٠ ـ لماذا صارت مصيبة يوم عاشوراء أعظم المصائب؟ :

(علل الشرائع للصدوق ، ج ١ ص ٢٢٥ ط نجف)

سأل أحدهم الإمام الصادقعليه‌السلام قال : يابن رسول الله كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغمّ وجزع وبكاء ، دون اليوم الّذي قبض فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واليوم الّذي ماتت فيه فاطمةعليها‌السلام واليوم الّذي قتل فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام واليوم الّذي قتل فيه الحسنعليه‌السلام بالسم؟. فقال : إن يوم الحسينعليه‌السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام ، وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله تعالى ، كانوا خمسة ؛ فلما مضى عنهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فكان فيهم للناس عزاء وسلوة. فلما مضت فاطمةعليها‌السلام كان في

١٨٢

أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام عزاء وسلوة. فلما مضى عنهم أمير المؤمنينعليه‌السلام كان للناس في الحسن والحسينعليهما‌السلام عزاء وسلوة. فلما مضى الحسنعليه‌السلام كان للناس في الحسينعليه‌السلام عزاء وسلوة. فلما قتل الحسينعليه‌السلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم ، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم. فلذلك صار يومه أعظم مصيبة.

مناد من السماء ينعى الحسينعليه‌السلام

١٨١ ـ مناد من السماء يتوعّد الأمة الضالة عند قتل الحسينعليه‌السلام :

(روضة الواعظين للنيسابوري ، ص ١٩٣ ط قم)

قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : لما ضرب الحسين بن عليعليهما‌السلام بالسيف ، ثم ابتدر [شمر] ليقطع رأسه ، نادى مناد (بعض الملائكة) من قبل الله رب العزّة تبارك وتعالى ، من بطنان العرش ، فقال : ألا أيتها الأمة المتحيّرة الظالمة الضالّة بعد نبيّها (القاتلة عترة نبيّها) ، لا وفّقكم الله (لصوم) ولا فطر ولا أضحى.

ثم قال الصادقعليه‌السلام : لا جرم والله ما وفّقوا ولا يوفّقون أبدا ، حتى يقوم ثائر الحسينعليه‌السلام (١) [يقصد الحجة القائم (عج)].

١٨٢ ـ مناد من السماء ينعى الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٢٩)

يقول أبو مخنف : إن (الشمر) لما شال الرأس الشريف في رمح طويل ، وكبّر العسكر ثلاث تكبيرات ؛ زلزلت الأرض ، وأظلمت السموات ، وقطرت السماء دما. ونادى مناد من السماء : قتل والله الإمام ابن الإمام أخو الإمام. قتل والله الهمام بن الهمام ، الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فارتفعت في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة ، فيها ريح حمراء ، لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتى ظنّ القوم أن العذاب قد جاء. فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم.

١٨٣ ـ كم تتأخر الرؤيا؟ :

(مختصر صفوة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ، ص ٦٢)

قيل لجعفر الصادقعليه‌السلام : كم تتأخر الرؤيا؟. قال : خمسين سنة ، لأن

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، ص ١٤٨.

١٨٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى كلبا أبقع ولغ في دمه ، فأوّله بأن رجلا يقتل الحسين ابن بنته. فكان الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسينعليه‌السلام وكان أبرص ، فتأخرت الرؤيا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسين سنة.

١٨٤ ـ جرائم وحشية لم يشهد لها مثيل :(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٨٦)

في (مطالب السّؤول) لمحمد بن طلحة الشافعي قال : ثم احتزّوا رأس سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبّه الحسينعليه‌السلام بشبا الحداد ، ورفعوه كما ترفع رؤوس ذوي الإلحاد ، على رؤوس الصعاد ، واخترقوا به أرجاء البلاد بين العباد ، واستاقوا حرمه وأطفاله أذلاء من الاضطهاد ، وأركبوهم على أخشاب الأقتاب بغير وطاء ولا مهاد.هذا مع علمهم بأنها الذرية النبوية ، المسؤول لها بالمودّة ، بصريح القرآن وصحيح الاعتقاد!.

تحقيق من الّذي قتل الحسينعليه‌السلام

١٨٥ ـ من الّذي باشر قتل الحسينعليه‌السلام ؟ :

يجب أن نفرّق عند دراسة هذا التحقيق بين أمرين :

الأول : من الّذي ضرب الحسينعليه‌السلام ضربة مميتة حتى صرعه ، أي ألقاه على الأرض.

والثاني : من الّذي ذبح الحسينعليه‌السلام وفصل رأسه عن جسده الشريف ، وهو ما يسمى بالإجهاز عليه(١) أي الإسراع في قتله وتتميمه.

وقد يكون الذبح هو سبب القتل ، وقد يكون تعجيلا للقتل ، كما حدث للحسينعليه‌السلام ، فقد ذبح وبه رمق.

وهذان الأمران مترددان حسب الروايات بين ثلاثة أشخاص هم :

شمر ـ وسنان ـ وخولي

أما ما يذكر من أن عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام فهو من قبيل المجاز ، بمعنى أنه هو الآمر لقتله ، باعتباره قائد الجيوش التي تولّت قتله ، فيكون هو القاتل حكما لا فعلا.

__________________

(١) جهز على الجريح وأجهز : أثبت قتله ، وأسرعه ، وتمّم عليه.

١٨٤

والظاهر من الروايات أن خولي ليس هو القاتل الفعلي ، فيكون أمر صرع الحسينعليه‌السلام ثم ذبحه ، دائرا بين شمر وسنان.

والذي أرجّحه أن القاتل هو (شمر) ، مستدلا بأمور ثلاثة :

١ ـ الشهرة التي على ألسن الخطباء ، والتي توارثوها أبا عن جدّ ؛ أن قاتل الحسينعليه‌السلام هو شمر بن ذي الجوشن.

٢ ـ ما صرّحت به الزيارة القائمية ، من أن الّذي قتل الحسينعليه‌السلام هو الشمر.

٣ ـ أن الثلاثة المذكورين كانوا قساة أجلافا ، ولكن الشمر كان أجرأهم على القتل وسفك الدماء. والذي زاد في حقد الشمر على الحسينعليه‌السلام قول السبط له أنه رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه ، فقال له : إن الّذي يتولى قتله رجل أبرص أبقع ، له بوز طويل كبوز الكلب. وهذا ينطبق على الشمر.

يؤيد ما سبق ما قاله المستشرق رينهارت دوزي في كتابه (مسلمي إسبانيا) حيث قال : لم يتردد الشمر لحظة في قتل حفيد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أحجم غيره عن هذا الجرم الشنيع ، وإن كانوا مثله في الكفر.

(راجع كتاب حياة الإمام الحسينعليه‌السلام لباقر شريف القرشي ، ج ٣ ص ٢٩٢)

(أقول) : لذلك عندما أقبل خولي لقتل الحسينعليه‌السلام فضعف وأرعد ، قال له شمر : ثكلتك أمك ، ما أرجعك عن قتله؟!.

وأمامي الآن على الطاولة عشرون رواية ، يمكن أن أستخلص منها النتائج التالية :

١ ـ أن الّذي ضرب الحسينعليه‌السلام بسهم فأوقعه عن ظهر جواده صريعا إلى الأرض ، هو خولي بن يزيد الأصبحي.

٢ ـ والذي ضرب الحسينعليه‌السلام بالسيف على رأسه (أو بالرمح في حلقه) فصرعه ، هو سنان بن أنس النخعي.

٣ ـ أما الّذي أجهز على الحسينعليه‌السلام فذبحه وقطع رأسه ، فهو شمر بن ذي الجوشن الضبابي. وبعد ذبحه دفع الرأس إلى خولي.

فالذين زعموا أن خولي هو الّذي ذبحه ، فلأنهم رأوا الرأس في يده ، فتوهموا أنه هو الّذي ذبحه فيكون سنان وشمر قد اشتركا في قتلهعليه‌السلام .

١٨٥

والآن نعرض بعض أقوال المؤرخين واجتهادات المحققين.

١٨٦ ـ رأي بعض المحققين فيمن قتل الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص ، ص ٢٦٤ ط ٢ نجف)

١) ـ رأي سبط ابن الجوزي :

قال : وقد اختلفوا في قاتل الحسينعليه‌السلام على أقوال :

أحدها : سنان بن أنس النخعي (قاله هشام بن محمّد).

والثاني : الحصين بن نمير ، رماه بسهم ، ثم نزل فذبحه ، وعلّق رأسه في عنق فرسه ، ليتقرب به إلى ابن زياد.

والثالث : مهاجر بن أوس التميمي.

والرابع : كثير بن عبد الله الشعبي.

والخامس : شمر بن ذي الجوشن.

والأصح أنه سنان بن أنس النخعي ، وشاركه شمر بن ذي الجوشن.

٢) ـ رأي السيد باقر شريف القرشي :

(حياة الإمام الحسين ج ٣ ص ٢٩٢)

قال : اختلف المؤرخون في المجرم الأثيم الّذي أجهز على ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذه بعض الأقوال :

١ ـ سنان بن أنس : احتزّ رأسه الشريف.

٢ ـ شمر بن ذي الجوشن.

٣ ـ عمر بن سعد (ذكر ذلك المقريزي وغيره).

٤ ـ خولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه.

٥ ـ شبل بن يزيد الأصبحي.

٦ ـ الحصين بن نمير (نصّ على ذلك بعض المؤرخين).

٧ ـ المهاجر بن أوس التميمي (ذكره سبط ابن الجوزي).

٨ ـ كثير بن عبد الله الشعبي.

١٨٦

ثم يقول : هذه بعض الأقوال ، والذي نراه أن شمر بن ذي الجوشن ممن تولى قتل الإمامعليه‌السلام واشترك مع سنان في حزّ رأسه الشريف.

٣) ـ رأي الفاضل الدربندي :(أسرار الشهادة ، ص ٤٢٧)

قال : اختلف فيمن قتل الحسينعليه‌السلام ، ولكن الزيارة القائمية صريحة بأنه الشمر. أما خولي وسنان فلهما مدخلية في القتل. ولذلك قال بعض العلماء : إن القاتل كان ثلاثتهم.

ويؤيد ذلك ما ذكره البعض الآخر من أن سنان بن أنس النخعي ، وخولي ابن يزيد الأصبحي ، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي ، أقبلوا ومعهم رأس الحسينعليه‌السلام ، ومضوا به إلى عمر بن سعد وهم يتحدثون ؛ فخولي يقول : أنا ضربته بالسيف ففلقت هامته ، والشمر يقول : أنا أبنت رأسه عن بدنه.

(أقول) : وفي هذا الاجتهاد ، فصل الخطاب وشفاء الفؤاد.

لكن لي نقد بسيط على الرواية التي أوردها الفاضل الدربندي حيث قال عن سنان : أنا ضربته بالسيف ففلقت هامته ، ثم قال شمر : أنا أبنت رأسه عن بدنه. فهذه الرواية توحي للسامع بأن القاتل الفعلي هو سنان ، وأن شمر قطع رأس الحسينعليه‌السلام بعد موته. والصحيح أن الحسينعليه‌السلام لما ضعف وهو جالس على الأرض ، طعنه سنان بالرمح في ترقوته وفي صدره ، فسقط صريعا يجود بنفسه. ثم جاء شمر ـ وكان الحسينعليه‌السلام به رمق ـ فتكلم معه ، ثم ذبحه قبل أن يموت.فيكون سنان وشمر مشتركين في قتل الحسينعليه‌السلام ، وشمر هو الّذي ذبحه كما يذبح الكبش ، بعد أن أكبّه على وجهه ، وبدأ يجزّ رأسه من قفاه. فسنان لم يضربه بالسيف على هامته كما ذكر الدربندي ، ولم يكن هو قاتله الفعلي.

٤) ـ رأي المؤرّخ القرماني :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٨)

قال : ثم حمل الرجال على الحسينعليه‌السلام من كل جانب ، وهو يجول فيهم يمينا وشمالا ؛ فضربه زرعة بن شريك على يده اليسرى ، وضربه آخر على عاتقه ، وطعنه سنان بن أنس بالرمح ، فوقع.

فنزل إليه الشمر فاحتزّ رأسه ، وسلّمه إلى خولي الأصبحي.

(أقول) : في هذه الرواية الوصف الفعلي لما حدث للحسينعليه‌السلام ، حيث

١٨٧

صرّحت بأن الّذي صرعه سنان ، والذي ذبحه شمر ، ثم سلّمه إلى خولي فرفعه.فتوهم بعضهم أن خولي هو الّذي تولى ذبحه.

٥) ـ رأي فخر الدين الطريحي :(المنتخب للطريحي ، ص ٣٧ ط ٢)

قال : طعنه سنان بالسنان فصرعه إلى الأرض ، فابتدر إليه خولي ليحتزّ رأسه ، فارتعد ورجع عن قتله. فقال له الشمر : فتّ الله عضدك ، ما لك ترعد؟. ثم إن الشمر نزل عن فرسه ودنا إلى الحسينعليه‌السلام فذبحه كما يذبح الكبش. ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

وفي الصفحة ٤٩٣ من (المنتخب) قال : طعنه سنان بسنانه ، ورماه خولي بسهم ميشوم ، فوقع في لبّته ، وسقط عن ظهر جواده إلى الأرض يجول في دمه ، فجاءه الشمر فاحتزّ رأسه بحسامه ، ورفعه فوق قناته.

٦) ـ رأي الشيخ عبد الله الشبراوي :(الإتحاف بحب الأشراف ص ٥٣)

قال : ثم إن سنان بن أنس النخعي حمل على الحسينعليه‌السلام في تلك الحالة وطعنه برمح ، وقال لخولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه ، فأرعد وضعف. فنزل عليه شمر وذبحه ، وأخذ رأسه ودفعه إلى خولي.

٧) ـ رأي الطبري وابن الأثير :(تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٦٠ ط ١ مصر)

قال الطبري : ثم انصرفوا ، وهوعليه‌السلام ينوء ويكبو.

قال الراوي : وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي ، فطعنه بالرمح فوقع. ثم قال لخولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه ، فأراد أن يفعل فضعف وأرعد. فقال له سنان بن أنس : فتّ الله عضديك وأبان يديك. فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ، ثم دفعه إلى خولي بن يزيد.

٨) ـ رأي السيد إبراهيم الميانجي :(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٨٥)

قال : وطعنه سنان بن أنس بالرمح فوقع ، فنزل إليه شمر فاحتزّ رأسه ، وسلّمه إلى خولي الأصبحي.

وفي (اللهوف) : إن سنان بن أنس ضربه بالسيف في حلقه الشريف ، ثم احتزّ رأسه المقدس. ثم انتهبوا سلبه.

١٨٨

وعن (تظلم الزهراء) : إن المروي عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أن القاتل سنان ؛ ولكن الأشهر أنه شمر ، كما في زيارة الناحية المقدسة.

تحقيق اليوم الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام

١٨٧ ـ في أيّ يوم قتل الحسينعليه‌السلام :

اتفق الرواة والمؤرخون على أن شهادة الحسينعليه‌السلام كانت يوم العاشر من المحرم سنة ٦١ ه‍. ولكن اختلفوا في اليوم ، والأغلب أنه كان يوم الجمعة.

قال ابن شهر اشوب في مناقبه ، ج ٣ ص : استشهدعليه‌السلام يوم السبت العاشر من المحرم قبل الزوال ، ويقال يوم الجمعة بعد صلاة الظهر. وقيل يوم الاثنين ، بطف كربلاء بين نينوى والغاضرية. ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

وأما السيد الأمين في (أعيان الشيعة) ج ٤ ص ٢٨٨ فيرجّح ما حققه أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين) من أن شهادتهعليه‌السلام كانت يوم الجمعة عاشر محرم بعد صلاة الظهر. وينفي ما ذكره المفيد من أن عمره كان ٥٨ سنة ، بل ٥٧ سنة.

وأما اليعقوبي في تاريخه ، ج ٢ ص ٢٤٣ فيقول : وكان مقتلهعليه‌السلام لعشر ليال خلون من المحرم سنة ٦١ ه‍. واختلفوا في اليوم ، فقالوا : يوم السبت ، وقالوا : يوم الاثنين ، وقالوا : يوم الجمعة. وكان من شهور العجم في تشرين الأول.

١٨٨ ـ الأشهر أن مقتل الحسينعليه‌السلام كان يوم الجمعة :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٣٢٧)

قال أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين) : كان مولدهعليه‌السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين ، وله ست وخمسون سنة وشهور.

وقيل : قتل يوم السبت ، والذي ذكرناه أولا أصح.

وأما ما نقله العامة من أنه قتل يوم الاثنين فباطل ، هو شيء قالوه بلا رواية. وكان أول المحرم الّذي قتل فيهعليه‌السلام يوم الأربعاء. أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات [أي قوائم الحسابات الفلكية] ، وإذ كان ذلك كذلك ، فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الاثنين.

١٨٩

قال أبو الفرج : وهذا دليل صحيح واضح ، تنضاف إليه الرواية.

١٨٩ ـ التحقيق الفلكي ليوم مقتله الشريف :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٣)

قال اليعقوبي : وكانت الشمس يومئذ في الميزان ، سبع عشرة درجة وعشرين دقيقة. والقمر في الدلو ، عشرين درجة وعشرين دقيقة. وزحل في السرطان ، تسعا وعشرين درجة وعشرين دقيقة. والمشتري في الجدي ، اثنتي عشرة درجة وأربعين دقيقة. والزهرة في السنبلة ، خمس درجات وخمسين دقيقة. وعطارد في الميزان ، خمس درجات وأربعين دقيقة. والرأس في الجوزاء ، درجة وخمسا وأربعين دقيقة.

١٩٠

الباب السابع

حوادث ما بعد الشهادة

ويتضمن الأمور التالية :

الفصل ٢٥ ـ آيات كونية :

ـ أهوال يوم العاشر

ـ مشاركة الدنيا في الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام

ـ حزن أم سلمة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمةعليها‌السلام على الحسينعليه‌السلام

الفصل ٢٦ ـ حوادث بعد الشهادة :

ـ ترتيب الحوادث من ١٠ محرم إلى ٢٠ صفر

حوادث بعد ظهر يوم العاشر من المحرم :

ـ سلب الحسينعليه‌السلام

ـ نهب الخيام وحرقها

ـ الناجون من القتل

ـ وطء الخيل لجسد الحسينعليه‌السلام

ـ تراجم وأنساب بعض قتلة الحسينعليه‌السلام

الفصل ٢٧ ـ مسيرة الرؤوس والسبايا إلى الكوفة :

عشية اليوم العاشر من المحرم :

ـ حال السبايا مساء اليوم العاشر

ـ تسيير رؤوس الشهداء إلى الكوفة

١٩١

اليوم الحادي عشر من المحرم :

ـ تسيير السبايا إلى الكوفة

مساء اليوم الثاني عشر :

ـ وصول الرؤوس والسبايا إلى ضاحية الكوفة

اليوم الثالث عشر من المحرم :

ـ دخول موكب الرؤوس والسبايا إلى الكوفة

ـ خطب في الكوفة : خطبة زينب الكبرى وفاطمة الصغرى وأم كلثوم وزين العابدينعليه‌السلام

ـ دفن جسد الحسينعليه‌السلام والشهداء رضي الله عنهم

ـ إدخال رأس الحسينعليه‌السلام والعترة الطاهرة على ابن زياد

ـ محاورة زينب وملاسنة زين العابدينعليه‌السلام لابن زياد

اليوم الرابع عشر وما بعده :

ـ خبر عبد الله بن عفيف الأزدي

ـ تطويف الرأس الشريف في سكك الكوفة

ـ صلب الرأس وكلامه

ـ نعي الحسينعليه‌السلام في المدينة

١٩٢

الباب السابع

حوادث ما بعد الشهادة

مقدمة الباب التاسع :

ما أن فاضت روح الإمام الحسينعليه‌السلام مسرعة إلى الرفيق الأعلى ، زاهدة بالدنيا الفانية وأهلها ، حتى لبست الدنيا ثوب الحداد على سيد الشهداءعليه‌السلام .فبكت عليه الأرض والسماء والملائكة والجن ، وحدثت آيات كونية تدل على منزلة الحسينعليه‌السلام ومركزيته في هذا الكون.

ولم تكتف طغمة الفجّار والكفار ، بقتل الحسينعليه‌السلام وذبحه ، وقتل أهله وأصحابه ، وسبي نسائه وأطفاله ، حتى قاموا بدافع من الحقد الطاغي بسلب الحسينعليه‌السلام ألبسته ، ونهب خيامه وحرقها. وأشدّها ألما وتأثيرا على النفس رضّ صدر الحسينعليه‌السلام ووطؤه بسنابك الخيل ، حتى تفتّت أجزاء جسده ، وطحنت جناجن صدره. وكان العشرة الذين انتدبوا لهذا العمل كلهم أبناء حرام.

وبات السبايا والأطفالعليه‌السلام بحماية زينب العقيلةعليها‌السلام ليلة الحادي عشر من المحرم في خيمة منفردة في كربلاء ، ومعهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام يعالج سكرات المرض. واستطاعت العقيلةعليها‌السلام أن تتحمل كل هذه المآسي وتواجه كل هذه الكوارث ، بقلب ثابت وجنان ثاقب ، حتى سمّيت «بطلة كربلاء».

وبينما كان القمر ينير صفحة السماء والأرض ، كان جنود عمر بن سعد يعدّون رؤوس الشهداءعليه‌السلام ويعيّنون قاتليهم حتى ينالوا الجوائز. وتحت جناح الليل ساروا بالرؤوس ـ وعددها يتجاوز السبعين ـ حتى أوصلوهم إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة.

وفي اليوم الحادي عشر من المحرم ، سيّروا السبايا إلى الكوفة بعد أن مرّوا بهم على أجساد الشهداءعليهم‌السلام . وعندما دخل السبايا إلى الكوفة خطبت زينبعليها‌السلام بالجمع المحتشد من أهل الكوفة ، ثم تابعتها فاطمة الصغرى بنت الإمام

١٩٣

الحسينعليهما‌السلام وأم كلثوم بنت عليعليها‌السلام ، ثم خطب بهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام وهو متحامل على مرضه.

ولما عرضت السبايا على ابن زياد ، أمر بهم فوضعوا في السجن. ومن هناك خرج الإمام زين العابدينعليه‌السلام بقدرة إلهية متوجها إلى كربلاء ليقوم بمهمة دفن جسد أبيه الحسينعليه‌السلام وبقية الشهداء من أهل البيتعليهم‌السلام والأصحاب.

ثم قام ابن زياد بتطويف رأس الحسين وأنصارهعليه‌السلام في طرق الكوفة ، مفتخرا بنصره وإنجازه. وأثناء ذلك مرّ الرأس الشريف وهو محمول على الرمح (بزيد بن أرقم) فخاطبه زيد ، فردّ عليه الرأس بآية من القرآن.

ثم أمر بالرأس الشريف فصلب شامخا بالعلاء ، حزينا على بني الإنسان ، الذين أضاعوا الإيمان والوفاء والصدق والاحسان.

وفي الأثناء كانت القارورة التي قد أودعها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أم سلمة ، وهي مليئة بتراب من كربلاء ، كانت تفور دما قانيا ، فعلمت منه أم سلمة أن ريحانة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استشهد. فأبلغت أهل المدينة بالنبأ قبل وصوله ، فبدأت بيوت المسلمين فيها بإقامة العزاء على فقيدها الغالي.

وإذا حزنت أم سلمة رضي الله عنها وأهل المدينة على مقتل الحسينعليه‌السلام ، فكيف لا يحزن عليه جده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوه عليعليه‌السلام وأمه الزهراءعليها‌السلام ، وهم في عالم الخلود يرزقون!. وإذا كنا مسلمين حقا ، فمن منا لا يحزن لحزن النبي وأهل البيتعليهم‌السلام ، ومن لا يبكي على مصابهم؟!.

١٩٤

الفصل الخامس والعشرون

آيات كونية

ويتضمن هذا الفصل :

١ ـ كرامات صدرت عن سيد الشهداءعليه‌السلام

٢ ـ أهوال اليوم العاشر

٣ ـ حوادث كونية غير عادية :

ـ بكاء السماء دما

ـ بكاء السماء والأرض

ـ بكاء الملائكة والجن

ـ بكاء كل شيء لمقتل الحسينعليه‌السلام

ـ بكاء الحيوانات : قصة الغراب الملطّخ بالدم

ـ بكاء النبات والشجر : قصة العوسجة المباركة

٤ ـ الذين رأوا الحسينعليه‌السلام في المنام بعد مقتله :

ـ حزن أم سلمة رضي الله عنها

ـ رؤيا أم سلمة وابن عباس رضي الله عنهما وحزن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـ حزن فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

١٩٥
١٩٦

الفصل الخامس والعشرون

آيات كونيّة

١٩٠ ـ ما حصل من الآيات الباهرة بعد استشهاد الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٢٩)

قال الفاضل الدربندي : إن ما حصل من حين شهادة سيد الشهداءعليه‌السلام من الأمور العظيمة والآثار العجيبة ، وخوارق العادات الباهرة والآيات الظاهرة الساطعة ، والكرامات والمعجزات الجليلة القاهرة ؛ بل من حين سقوطهعليه‌السلام عن جواده ، إلى أن رجع أهل البيتعليهم‌السلام من الشام إلى المدينة ـ مما هو خارج من حدّ العدّ والإحصاء.

فمنها ما يتعلق بالرأس الشريف ، ومنها ما يتعلق بواحد من هذه الأمور المذكورة. ومنها ما وقع في عالم الغيب ، أي عالم البرزخ والجنان والميزان ، ومنها ما يتعلق بهذا العالم. والأخيرة منها إما سماوية أو أرضية. وهذه إما وقعت وانقضت بعد مدة ، أو من الأمور الباقية إلى يوم القيامة. ومن هذا القسم الأخير ، الحمرة التي ترى في الشفق في السماء.

وإن شئت أن تعبّر بعبارة أخرى ، فقل : إن شهادة سيد الشهداءعليه‌السلام قد أعقبت في عوالم الإمكان أمورا عظيمة ، مبتدئة من العرش والكرسي وأهل الملكوت والملأ الأعلى ، منتهية إلى ما تحت الثرى.

١٩١ ـ معجزات صدرت عن سيد الشهداءعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة ، ص ١٧٦)

وقال الفاضل الدربندي : إن معجزات الحسينعليه‌السلام هي كمناقبه وفضائله مما لا يحصى. منها ما كان في حياة جده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه الإمام عليعليه‌السلام ، ومنها بعدهما. ومنها قبل مسيره إلى كربلاء ، وبعضها أثناء خروجه حتى وصوله كربلاء وإلى أن قتل فيها. فقد صدر منه فيها أزيد من مئة معجزة. وفي يوم عاشوراء إلى غروب الشمس صدر منه أزيد من ألف معجزة.

١٩٧

وبعد استشهادهعليه‌السلام حدثت معجزات جمّة ؛ منها صيحة جبرئيل ومشيه في الميدان باكيا نائحا ، وكسوف الشمس ، وغلبة الظلمة ، وطيران النجوم ، وإرعاد السماء ، وإمطارها دما عبيطا [أي طريا لا يجمد) ، ووجود الدماء العبيطة تحت كل حجر ومدر في جميع أصقاع الأرض ، وكون جدران بيوت جملة من البلدان كالملاحف المعصفرة ، وزلزلة الأرض ، وبكاء جميع الموجودات ، مما يرى ومما لا يرى ، وتلاطم البحار ، وخروج الحيتان منها إلى الأرض ، وسقوط الطيور من الهواء إلى الأرض ، وظهور العلامات العجيبة في كل ناحية من الأرض إلى غير ذلك مما لا يعدّ ولا يحصى.

ثم إن ما صدر من جسده الشريف المطروح في أرض كربلاء ، حين نزول أرواح أصحاب الكساء وغيرهم من الأنبياء والصدّيقين والصدّيقات ، وكذا الملائكة المقربين لزيارته ، وفي غير تلك الأوقات ، مما في غاية الكثرة.

ثم إن ما صدر من رأسه الشريف من حين إبانته من الجسد الشريف ، إلى أن يدفن ، أكثر من أن يحصى أو يستقصى. وهكذا المعجزات الصادرة عن الدماء السائلة من رأسه الشريف في كل موضع نزل به.

ثم لا يخفى ما حصل لكل ناقة وجمل وكل شيء نهب في كربلاء من أموال آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من آيات ساطعة وبيّنات قاطعة. ومنه صيرورة الزعفران الّذي سرقوه نارا ، ومن وضع منه على جسمه صار أبرصا. ولما ذبحوا البعير صار نارا ، ولما طبخوه كان طعم لحمه علقما.

١٩٢ ـ أهوال يوم العاشر من المحرم :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ص ١٣٨)

يقول الشيخ حبيب آل إبراهيمرحمه‌الله :

يوم العاشر من المحرم ، يوم لم يجر في العالم مثله ، ولم يمرّ على نبي أو وصيّ نبي نظيره ، فلقد لاقى الحسينعليه‌السلام في نفسه وأهله وأصحابه النجوم الزواهر ، ما لم يلاقه أحد ، وقاسى ما لم يقاسه بشر ، ولم يخرج في كل أحواله عن طاعة الله ، ولا مال عن مرضاته طرفة عين. والأفعال التي ارتكبها فيه أعداؤه ، والهمجية التي أبدوها ، والظلم الّذي تعمّدوه ، والغشم الّذي تقصّدوه ،

لم يكن ولا وقع ولا أظن أنه يقع نظيره من أحد أبدا. فحقيق بأن يظهر الله تعالى

١٩٨

عنده من المخاوف والقوارع والزلازل والأهوال ، ما فيه عظة للخلق وعبرة للعالمين.

لقد أهلك الله (ثمود) عندما عقروا الناقة ، وأنزل (بعاد) العذاب لما تمرّدوا على نبيهم هودعليه‌السلام ، وأغرق قوم نوحعليه‌السلام بالطوفان ، ودمّر قوم لوطعليه‌السلام ، ومسخ من بني إسرائيل قردة وخنازير ، وأهلك فرعون وجنوده في اليم. ولقد أنبأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه يجري على هذه الأمة ما جرى في بني إسرائيل ، حذو القذّة بالقذّة(١) والنعل بالنعل ، فكيف يستبعد فعل الله وتنكيله ونزول المخاوف والأهوال بقوم قتلوا ابن بنت نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيد شباب أهل الجنة ، وجزّروا آله وأصحابه مصابيح أهل الأرض ، كما تجزّر الأضاحي؟!.

١٩٣ ـ حديث كعب الأحبار عن فداحة خطب الحسينعليه‌السلام وعلائم مصرعه :

(مثير الأحزان للجواهري ، ج ١ ص ٢٩)

وفي (البحار) عن كعب الأحبار ، حين سأله الناس عن الفتن التي ستصدر ، إلى أن قال : وأعظمها فتنة وأشدها مصيبة لا تنسى إلى أبد الآبدين ، مصيبة الحسين ، وهي الفساد الّذي ذكره الله تعالى في كتابه حيث قال :( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) [الروم : ٤١]. أو لا تعلمون أنه يفتح يوم قتله أبواب السموات ويؤذن للسماء بالبكاء ، فتبكي دما!. فإذا رأيتم الحمرة في السماء قد ارتفعت ، فاعلموا أن السماء تبكي حسينا. فقيل : يا كعب ، لم لا تفعل السماء كذلك ولا تبكي دما لقتل الأنبياء؟!. فقال : ويحكم إن قتل الحسينعليه‌السلام أمر عظيم ، وإنه ابن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنه يقتل علانية مبارزة ظلما وعدوانا ، ولا تحفظ فيه وصية جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مزاج مائه وبضعة لحمه ، يذبح بعرصة كربلاء. فو الذي نفس كعب بيده لتبكيه زمرة من الملائكة في السموات السبع ، لا يقطعون بكاءهم إلى آخر الدهر. وإن البقعة التي يدفن فيها خير البقاع. وما من نبيّ إلا ويأتي إليها ويزورها ويبكي على مصابه وإنه يوم قتله تنكسف الشمس وينخسف القمر وتدوم الظلمة على الناس ثلاثة أيام ، وتمطر السماء دما ، وتدكدك الجبال

__________________

(١) حذا حذوه : امتثل به ، وحذا النعل بالنعل : قدّرها بها. والقذّة : ريشة السهم. والمعنى : إنه سيجري على هذه الأمة كما جرى على بني إسرائيل ، تطابق النعل بالنعل والسهم بالسهم.

١٩٩

وتغطمط(١) البحار ، ولو لا بقية من ذريته وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثأره ، لصب الله عليهم نارا من السماء أحرقت الأرض ومن عليها.

١٩٤ ـ سلمان الفارسي رضي الله عنه يؤكد حديث كعب الأحبار :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧١)

قال هبيرة بن يريم : حدثني أبي قال : لقيت سلمان الفارسي فحدّثته بهذا الحديث ، فقال سلمان : لقد صدقك كعب والذي نفس سلمان بيده ، لو أني أدركت أيامه [أي الحسينعليه‌السلام ] لضربت بين يديه بالسيف أو أقطّع بين يديه عضوا عضوا ، فأسقط بين يديه صريعا ، فإن القتيل معه يعطى أجر سبعين شهيدا ، كلهم كشهداء بدر وأحد وحنين وخيبر.

ثم قال سلمان : يا يريم ، ليت أم سلمان أسقطت سلمان ، أو كان حيضة ، ولم يسمع بقتل الحسين بن فاطمةعليهما‌السلام . ويحك يا يريم ، أتدري من حسين؟. حسين سيد شباب أهل الجنة على لسان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحسين لا يهدأ دمه حتى يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ، وحسين من تفزع لقتله الملائكة. ويحك يا يريم ، أتعلم كم من ملك ينزل يوم يقتل الحسينعليه‌السلام ويضمه إلى صدره ، وتقول الملائكة بأجمعها : إلهنا وسيدنا ، هذا فرخ رسولك ومزاج مائه وابن بنته. يا يريم إن أنت أدركت أيام مقتله ، واستطعت أن تقتل معه ، فكن أول قتيل ممن يقتل بين يديه ، فإن كل دم يوم القيامة يطالب به ، بعد دم الحسين ودماء أصحابه الذين قتلوا بين يديه. وانظر يا يريم إن أنت نجوت ولم تقتل معه فزر قبره ، فإنه لا يخلو من الملائكة أبدا. ومن صلّى عند قبره ركعتين حفظه الله من بغضهم وعداوتهم حتى يموت.

قال هبيرة : فأما سلمان فمات بالمدائن في خلافة عمر بن الخطاب ، وأما (يريم) فإنه لم يلحق لذلك.

حوادث كونية غير عادية

١٩٥ ـ تغيّر مظاهر الكون لمقتل الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٧١ إليها

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم : ولأجل بقاء الحسينعليه‌السلام عار على وجه

__________________

(١) تغطمط البحر : عظمت أمواجه.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800