موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 502066 / تحميل: 6039
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

١٧٧ ـ ما فعله الفرس بعد مقتل الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٩٤)

قال عبد الله بن العباس : حدّثني من شهد الواقعة أن فرس الحسينعليه‌السلام

[بعد مقتله] جعل يحمحم ويتخطّى القتلى في المعركة ، قتيلا بعد قتيل ، حتى وقف على جثّة الحسينعليه‌السلام ، فجعل يمرّغ ناصيته بالدم ، ويلطم الأرض بيده ، ويصهل صهيلا حتى ملأ البيداء. فتعجب القوم من فعاله.

فلما نظر عمر بن سعد إلى فرس الحسين قال : يا ويلكم آتوني به ، وكان من جياد خيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فركبوا في طلبه ، فلما أحسّ الجواد بالطلب ، جعل يلطم بيده ورجليه ويمانع عن نفسه ، حتى قتل خلقا كثيرا ، ونكّس فرسانا من خيولهم ، ولم يقدروا عليه. فصاح عمر بن سعد : دعوه حتى ننظر ما يصنع؟.

فلما أمن الجواد من الطلب ، أتى إلى جثة الحسينعليه‌السلام وجعل يمرّغ ناصيته بدمه ، ويبكي بكاء الثكلى ، وثار يطلب الخيمة.

فلما سمعت زينب بنت عليعليهما‌السلام صهيله عرفته ، فأقبلت على سكينة وقالت لها : قد جاء أبوك بالماء ، فاستقبليه. فخرجت سكينة فرحة بذكر أبيها ، فرأت الجواد عاريا ، والسرج خاليا من راكبه ، وهو يصهل وينعى صاحبه.

فهتكت خمارها [أي شقّته] ونادت : وا أبتاه! وا حسيناه! وا قتيلاه! وا غربتاه! وا بعد سفراه! وا طول كربتاه!. هذا الحسين بالعرا ، مسلوب العمامة والرّدا ، قد أخذ منه الخاتم والحذا. بأبي من رأسه بأرض وجثته بأخرى ، بأبي من رأسه إلى الشام يهدى ، بأبي من أصبحت حرمه مهتوكة بين الأعداء ، بأبي من عسكره يوم الاثنين مضى. ثم بكت بكاء شديدا.

فلما سمعت بنات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صهيل الجواد خرجن ، فإذا الفرس بلا راكب ، فعرفن أن حسينا قد قتل. فرفعن أصواتهن بالبكاء والعويل. ووضعت أم كلثوم يدها على رأسها ونادت : وا محمداه ، وا جداه ، وا نبياه ، وا أبا القاسماه ، وا علياه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا حسناه. هذا حسين بالعرا ، صريع بكربلا ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرّدا. اليوم مات محمّد المصطفى ، اليوم مات علي المرتضى ، اليوم ماتت فاطمة الزهرا. ثم غشي عليها.

١٨١

١٧٨ ـ ما ذا كان يقول جواد الحسين في صهيله؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٣٥)

عن صاحب (المناقب) ومحمد بن أبي طالب : أن الفرس [كان] يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة ، حتى مات.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم صفين : ولدي هذا يقتل بكربلا عطشانا ، وينفر فرسه ويحمحم ، ويقول في حمحمته : الظليمة الظليمة ، من أمة قتلت ابن بنت نبيها ، وهم يقرؤون القرآن الّذي جاء به إليهم.

* * *

١٧٩ ـ دم الحسينعليه‌السلام لا يعادله دم :

(ذيل الروضتين لأبي شامة ، ص ١٨)

في سنة ٥٩٦ ه‍ توفي بمصر الفقيه شهاب الدين محمّد الطوسي الحنبلي.

قال ابو شامة : بلغني أنه سئل : أيما أفضل ، دم الحسين (ع) أم دم الحلّاج؟.فاستعظم ذلك ، وقال : كيف يجوز أن يقال هذا!؟ قطرة من دم الحسينعليه‌السلام أفضل من مائة ألف دم مثل دم الحلاج.

فقال السائل : إن دم الحلاج كتب على الأرض (الله) ولا كذلك دم الحسين.فقال الطوسي : المتّهم يحتاج إلى تزكية.

قلت : وهذا جواب في غاية الحسن في هذا الموضع ، على أنه لم يصحّ ما ذكر من دم الحلاج.

١٨٠ ـ لماذا صارت مصيبة يوم عاشوراء أعظم المصائب؟ :

(علل الشرائع للصدوق ، ج ١ ص ٢٢٥ ط نجف)

سأل أحدهم الإمام الصادقعليه‌السلام قال : يابن رسول الله كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغمّ وجزع وبكاء ، دون اليوم الّذي قبض فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واليوم الّذي ماتت فيه فاطمةعليها‌السلام واليوم الّذي قتل فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام واليوم الّذي قتل فيه الحسنعليه‌السلام بالسم؟. فقال : إن يوم الحسينعليه‌السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام ، وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله تعالى ، كانوا خمسة ؛ فلما مضى عنهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فكان فيهم للناس عزاء وسلوة. فلما مضت فاطمةعليها‌السلام كان في

١٨٢

أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام عزاء وسلوة. فلما مضى عنهم أمير المؤمنينعليه‌السلام كان للناس في الحسن والحسينعليهما‌السلام عزاء وسلوة. فلما مضى الحسنعليه‌السلام كان للناس في الحسينعليه‌السلام عزاء وسلوة. فلما قتل الحسينعليه‌السلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم ، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم. فلذلك صار يومه أعظم مصيبة.

مناد من السماء ينعى الحسينعليه‌السلام

١٨١ ـ مناد من السماء يتوعّد الأمة الضالة عند قتل الحسينعليه‌السلام :

(روضة الواعظين للنيسابوري ، ص ١٩٣ ط قم)

قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : لما ضرب الحسين بن عليعليهما‌السلام بالسيف ، ثم ابتدر [شمر] ليقطع رأسه ، نادى مناد (بعض الملائكة) من قبل الله رب العزّة تبارك وتعالى ، من بطنان العرش ، فقال : ألا أيتها الأمة المتحيّرة الظالمة الضالّة بعد نبيّها (القاتلة عترة نبيّها) ، لا وفّقكم الله (لصوم) ولا فطر ولا أضحى.

ثم قال الصادقعليه‌السلام : لا جرم والله ما وفّقوا ولا يوفّقون أبدا ، حتى يقوم ثائر الحسينعليه‌السلام (١) [يقصد الحجة القائم (عج)].

١٨٢ ـ مناد من السماء ينعى الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٢٩)

يقول أبو مخنف : إن (الشمر) لما شال الرأس الشريف في رمح طويل ، وكبّر العسكر ثلاث تكبيرات ؛ زلزلت الأرض ، وأظلمت السموات ، وقطرت السماء دما. ونادى مناد من السماء : قتل والله الإمام ابن الإمام أخو الإمام. قتل والله الهمام بن الهمام ، الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فارتفعت في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة ، فيها ريح حمراء ، لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتى ظنّ القوم أن العذاب قد جاء. فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم.

١٨٣ ـ كم تتأخر الرؤيا؟ :

(مختصر صفوة الصفوة لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ، ص ٦٢)

قيل لجعفر الصادقعليه‌السلام : كم تتأخر الرؤيا؟. قال : خمسين سنة ، لأن

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، ص ١٤٨.

١٨٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى كلبا أبقع ولغ في دمه ، فأوّله بأن رجلا يقتل الحسين ابن بنته. فكان الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسينعليه‌السلام وكان أبرص ، فتأخرت الرؤيا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسين سنة.

١٨٤ ـ جرائم وحشية لم يشهد لها مثيل :(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٨٦)

في (مطالب السّؤول) لمحمد بن طلحة الشافعي قال : ثم احتزّوا رأس سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبّه الحسينعليه‌السلام بشبا الحداد ، ورفعوه كما ترفع رؤوس ذوي الإلحاد ، على رؤوس الصعاد ، واخترقوا به أرجاء البلاد بين العباد ، واستاقوا حرمه وأطفاله أذلاء من الاضطهاد ، وأركبوهم على أخشاب الأقتاب بغير وطاء ولا مهاد.هذا مع علمهم بأنها الذرية النبوية ، المسؤول لها بالمودّة ، بصريح القرآن وصحيح الاعتقاد!.

تحقيق من الّذي قتل الحسينعليه‌السلام

١٨٥ ـ من الّذي باشر قتل الحسينعليه‌السلام ؟ :

يجب أن نفرّق عند دراسة هذا التحقيق بين أمرين :

الأول : من الّذي ضرب الحسينعليه‌السلام ضربة مميتة حتى صرعه ، أي ألقاه على الأرض.

والثاني : من الّذي ذبح الحسينعليه‌السلام وفصل رأسه عن جسده الشريف ، وهو ما يسمى بالإجهاز عليه(١) أي الإسراع في قتله وتتميمه.

وقد يكون الذبح هو سبب القتل ، وقد يكون تعجيلا للقتل ، كما حدث للحسينعليه‌السلام ، فقد ذبح وبه رمق.

وهذان الأمران مترددان حسب الروايات بين ثلاثة أشخاص هم :

شمر ـ وسنان ـ وخولي

أما ما يذكر من أن عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام فهو من قبيل المجاز ، بمعنى أنه هو الآمر لقتله ، باعتباره قائد الجيوش التي تولّت قتله ، فيكون هو القاتل حكما لا فعلا.

__________________

(١) جهز على الجريح وأجهز : أثبت قتله ، وأسرعه ، وتمّم عليه.

١٨٤

والظاهر من الروايات أن خولي ليس هو القاتل الفعلي ، فيكون أمر صرع الحسينعليه‌السلام ثم ذبحه ، دائرا بين شمر وسنان.

والذي أرجّحه أن القاتل هو (شمر) ، مستدلا بأمور ثلاثة :

١ ـ الشهرة التي على ألسن الخطباء ، والتي توارثوها أبا عن جدّ ؛ أن قاتل الحسينعليه‌السلام هو شمر بن ذي الجوشن.

٢ ـ ما صرّحت به الزيارة القائمية ، من أن الّذي قتل الحسينعليه‌السلام هو الشمر.

٣ ـ أن الثلاثة المذكورين كانوا قساة أجلافا ، ولكن الشمر كان أجرأهم على القتل وسفك الدماء. والذي زاد في حقد الشمر على الحسينعليه‌السلام قول السبط له أنه رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه ، فقال له : إن الّذي يتولى قتله رجل أبرص أبقع ، له بوز طويل كبوز الكلب. وهذا ينطبق على الشمر.

يؤيد ما سبق ما قاله المستشرق رينهارت دوزي في كتابه (مسلمي إسبانيا) حيث قال : لم يتردد الشمر لحظة في قتل حفيد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أحجم غيره عن هذا الجرم الشنيع ، وإن كانوا مثله في الكفر.

(راجع كتاب حياة الإمام الحسينعليه‌السلام لباقر شريف القرشي ، ج ٣ ص ٢٩٢)

(أقول) : لذلك عندما أقبل خولي لقتل الحسينعليه‌السلام فضعف وأرعد ، قال له شمر : ثكلتك أمك ، ما أرجعك عن قتله؟!.

وأمامي الآن على الطاولة عشرون رواية ، يمكن أن أستخلص منها النتائج التالية :

١ ـ أن الّذي ضرب الحسينعليه‌السلام بسهم فأوقعه عن ظهر جواده صريعا إلى الأرض ، هو خولي بن يزيد الأصبحي.

٢ ـ والذي ضرب الحسينعليه‌السلام بالسيف على رأسه (أو بالرمح في حلقه) فصرعه ، هو سنان بن أنس النخعي.

٣ ـ أما الّذي أجهز على الحسينعليه‌السلام فذبحه وقطع رأسه ، فهو شمر بن ذي الجوشن الضبابي. وبعد ذبحه دفع الرأس إلى خولي.

فالذين زعموا أن خولي هو الّذي ذبحه ، فلأنهم رأوا الرأس في يده ، فتوهموا أنه هو الّذي ذبحه فيكون سنان وشمر قد اشتركا في قتلهعليه‌السلام .

١٨٥

والآن نعرض بعض أقوال المؤرخين واجتهادات المحققين.

١٨٦ ـ رأي بعض المحققين فيمن قتل الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص ، ص ٢٦٤ ط ٢ نجف)

١) ـ رأي سبط ابن الجوزي :

قال : وقد اختلفوا في قاتل الحسينعليه‌السلام على أقوال :

أحدها : سنان بن أنس النخعي (قاله هشام بن محمّد).

والثاني : الحصين بن نمير ، رماه بسهم ، ثم نزل فذبحه ، وعلّق رأسه في عنق فرسه ، ليتقرب به إلى ابن زياد.

والثالث : مهاجر بن أوس التميمي.

والرابع : كثير بن عبد الله الشعبي.

والخامس : شمر بن ذي الجوشن.

والأصح أنه سنان بن أنس النخعي ، وشاركه شمر بن ذي الجوشن.

٢) ـ رأي السيد باقر شريف القرشي :

(حياة الإمام الحسين ج ٣ ص ٢٩٢)

قال : اختلف المؤرخون في المجرم الأثيم الّذي أجهز على ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذه بعض الأقوال :

١ ـ سنان بن أنس : احتزّ رأسه الشريف.

٢ ـ شمر بن ذي الجوشن.

٣ ـ عمر بن سعد (ذكر ذلك المقريزي وغيره).

٤ ـ خولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه.

٥ ـ شبل بن يزيد الأصبحي.

٦ ـ الحصين بن نمير (نصّ على ذلك بعض المؤرخين).

٧ ـ المهاجر بن أوس التميمي (ذكره سبط ابن الجوزي).

٨ ـ كثير بن عبد الله الشعبي.

١٨٦

ثم يقول : هذه بعض الأقوال ، والذي نراه أن شمر بن ذي الجوشن ممن تولى قتل الإمامعليه‌السلام واشترك مع سنان في حزّ رأسه الشريف.

٣) ـ رأي الفاضل الدربندي :(أسرار الشهادة ، ص ٤٢٧)

قال : اختلف فيمن قتل الحسينعليه‌السلام ، ولكن الزيارة القائمية صريحة بأنه الشمر. أما خولي وسنان فلهما مدخلية في القتل. ولذلك قال بعض العلماء : إن القاتل كان ثلاثتهم.

ويؤيد ذلك ما ذكره البعض الآخر من أن سنان بن أنس النخعي ، وخولي ابن يزيد الأصبحي ، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي ، أقبلوا ومعهم رأس الحسينعليه‌السلام ، ومضوا به إلى عمر بن سعد وهم يتحدثون ؛ فخولي يقول : أنا ضربته بالسيف ففلقت هامته ، والشمر يقول : أنا أبنت رأسه عن بدنه.

(أقول) : وفي هذا الاجتهاد ، فصل الخطاب وشفاء الفؤاد.

لكن لي نقد بسيط على الرواية التي أوردها الفاضل الدربندي حيث قال عن سنان : أنا ضربته بالسيف ففلقت هامته ، ثم قال شمر : أنا أبنت رأسه عن بدنه. فهذه الرواية توحي للسامع بأن القاتل الفعلي هو سنان ، وأن شمر قطع رأس الحسينعليه‌السلام بعد موته. والصحيح أن الحسينعليه‌السلام لما ضعف وهو جالس على الأرض ، طعنه سنان بالرمح في ترقوته وفي صدره ، فسقط صريعا يجود بنفسه. ثم جاء شمر ـ وكان الحسينعليه‌السلام به رمق ـ فتكلم معه ، ثم ذبحه قبل أن يموت.فيكون سنان وشمر مشتركين في قتل الحسينعليه‌السلام ، وشمر هو الّذي ذبحه كما يذبح الكبش ، بعد أن أكبّه على وجهه ، وبدأ يجزّ رأسه من قفاه. فسنان لم يضربه بالسيف على هامته كما ذكر الدربندي ، ولم يكن هو قاتله الفعلي.

٤) ـ رأي المؤرّخ القرماني :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٨)

قال : ثم حمل الرجال على الحسينعليه‌السلام من كل جانب ، وهو يجول فيهم يمينا وشمالا ؛ فضربه زرعة بن شريك على يده اليسرى ، وضربه آخر على عاتقه ، وطعنه سنان بن أنس بالرمح ، فوقع.

فنزل إليه الشمر فاحتزّ رأسه ، وسلّمه إلى خولي الأصبحي.

(أقول) : في هذه الرواية الوصف الفعلي لما حدث للحسينعليه‌السلام ، حيث

١٨٧

صرّحت بأن الّذي صرعه سنان ، والذي ذبحه شمر ، ثم سلّمه إلى خولي فرفعه.فتوهم بعضهم أن خولي هو الّذي تولى ذبحه.

٥) ـ رأي فخر الدين الطريحي :(المنتخب للطريحي ، ص ٣٧ ط ٢)

قال : طعنه سنان بالسنان فصرعه إلى الأرض ، فابتدر إليه خولي ليحتزّ رأسه ، فارتعد ورجع عن قتله. فقال له الشمر : فتّ الله عضدك ، ما لك ترعد؟. ثم إن الشمر نزل عن فرسه ودنا إلى الحسينعليه‌السلام فذبحه كما يذبح الكبش. ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

وفي الصفحة ٤٩٣ من (المنتخب) قال : طعنه سنان بسنانه ، ورماه خولي بسهم ميشوم ، فوقع في لبّته ، وسقط عن ظهر جواده إلى الأرض يجول في دمه ، فجاءه الشمر فاحتزّ رأسه بحسامه ، ورفعه فوق قناته.

٦) ـ رأي الشيخ عبد الله الشبراوي :(الإتحاف بحب الأشراف ص ٥٣)

قال : ثم إن سنان بن أنس النخعي حمل على الحسينعليه‌السلام في تلك الحالة وطعنه برمح ، وقال لخولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه ، فأرعد وضعف. فنزل عليه شمر وذبحه ، وأخذ رأسه ودفعه إلى خولي.

٧) ـ رأي الطبري وابن الأثير :(تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٦٠ ط ١ مصر)

قال الطبري : ثم انصرفوا ، وهوعليه‌السلام ينوء ويكبو.

قال الراوي : وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي ، فطعنه بالرمح فوقع. ثم قال لخولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه ، فأراد أن يفعل فضعف وأرعد. فقال له سنان بن أنس : فتّ الله عضديك وأبان يديك. فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ، ثم دفعه إلى خولي بن يزيد.

٨) ـ رأي السيد إبراهيم الميانجي :(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٨٥)

قال : وطعنه سنان بن أنس بالرمح فوقع ، فنزل إليه شمر فاحتزّ رأسه ، وسلّمه إلى خولي الأصبحي.

وفي (اللهوف) : إن سنان بن أنس ضربه بالسيف في حلقه الشريف ، ثم احتزّ رأسه المقدس. ثم انتهبوا سلبه.

١٨٨

وعن (تظلم الزهراء) : إن المروي عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أن القاتل سنان ؛ ولكن الأشهر أنه شمر ، كما في زيارة الناحية المقدسة.

تحقيق اليوم الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام

١٨٧ ـ في أيّ يوم قتل الحسينعليه‌السلام :

اتفق الرواة والمؤرخون على أن شهادة الحسينعليه‌السلام كانت يوم العاشر من المحرم سنة ٦١ ه‍. ولكن اختلفوا في اليوم ، والأغلب أنه كان يوم الجمعة.

قال ابن شهر اشوب في مناقبه ، ج ٣ ص : استشهدعليه‌السلام يوم السبت العاشر من المحرم قبل الزوال ، ويقال يوم الجمعة بعد صلاة الظهر. وقيل يوم الاثنين ، بطف كربلاء بين نينوى والغاضرية. ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

وأما السيد الأمين في (أعيان الشيعة) ج ٤ ص ٢٨٨ فيرجّح ما حققه أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين) من أن شهادتهعليه‌السلام كانت يوم الجمعة عاشر محرم بعد صلاة الظهر. وينفي ما ذكره المفيد من أن عمره كان ٥٨ سنة ، بل ٥٧ سنة.

وأما اليعقوبي في تاريخه ، ج ٢ ص ٢٤٣ فيقول : وكان مقتلهعليه‌السلام لعشر ليال خلون من المحرم سنة ٦١ ه‍. واختلفوا في اليوم ، فقالوا : يوم السبت ، وقالوا : يوم الاثنين ، وقالوا : يوم الجمعة. وكان من شهور العجم في تشرين الأول.

١٨٨ ـ الأشهر أن مقتل الحسينعليه‌السلام كان يوم الجمعة :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٣٢٧)

قال أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين) : كان مولدهعليه‌السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين ، وله ست وخمسون سنة وشهور.

وقيل : قتل يوم السبت ، والذي ذكرناه أولا أصح.

وأما ما نقله العامة من أنه قتل يوم الاثنين فباطل ، هو شيء قالوه بلا رواية. وكان أول المحرم الّذي قتل فيهعليه‌السلام يوم الأربعاء. أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات [أي قوائم الحسابات الفلكية] ، وإذ كان ذلك كذلك ، فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الاثنين.

١٨٩

قال أبو الفرج : وهذا دليل صحيح واضح ، تنضاف إليه الرواية.

١٨٩ ـ التحقيق الفلكي ليوم مقتله الشريف :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٣)

قال اليعقوبي : وكانت الشمس يومئذ في الميزان ، سبع عشرة درجة وعشرين دقيقة. والقمر في الدلو ، عشرين درجة وعشرين دقيقة. وزحل في السرطان ، تسعا وعشرين درجة وعشرين دقيقة. والمشتري في الجدي ، اثنتي عشرة درجة وأربعين دقيقة. والزهرة في السنبلة ، خمس درجات وخمسين دقيقة. وعطارد في الميزان ، خمس درجات وأربعين دقيقة. والرأس في الجوزاء ، درجة وخمسا وأربعين دقيقة.

١٩٠

الباب السابع

حوادث ما بعد الشهادة

ويتضمن الأمور التالية :

الفصل ٢٥ ـ آيات كونية :

ـ أهوال يوم العاشر

ـ مشاركة الدنيا في الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام

ـ حزن أم سلمة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمةعليها‌السلام على الحسينعليه‌السلام

الفصل ٢٦ ـ حوادث بعد الشهادة :

ـ ترتيب الحوادث من ١٠ محرم إلى ٢٠ صفر

حوادث بعد ظهر يوم العاشر من المحرم :

ـ سلب الحسينعليه‌السلام

ـ نهب الخيام وحرقها

ـ الناجون من القتل

ـ وطء الخيل لجسد الحسينعليه‌السلام

ـ تراجم وأنساب بعض قتلة الحسينعليه‌السلام

الفصل ٢٧ ـ مسيرة الرؤوس والسبايا إلى الكوفة :

عشية اليوم العاشر من المحرم :

ـ حال السبايا مساء اليوم العاشر

ـ تسيير رؤوس الشهداء إلى الكوفة

١٩١

اليوم الحادي عشر من المحرم :

ـ تسيير السبايا إلى الكوفة

مساء اليوم الثاني عشر :

ـ وصول الرؤوس والسبايا إلى ضاحية الكوفة

اليوم الثالث عشر من المحرم :

ـ دخول موكب الرؤوس والسبايا إلى الكوفة

ـ خطب في الكوفة : خطبة زينب الكبرى وفاطمة الصغرى وأم كلثوم وزين العابدينعليه‌السلام

ـ دفن جسد الحسينعليه‌السلام والشهداء رضي الله عنهم

ـ إدخال رأس الحسينعليه‌السلام والعترة الطاهرة على ابن زياد

ـ محاورة زينب وملاسنة زين العابدينعليه‌السلام لابن زياد

اليوم الرابع عشر وما بعده :

ـ خبر عبد الله بن عفيف الأزدي

ـ تطويف الرأس الشريف في سكك الكوفة

ـ صلب الرأس وكلامه

ـ نعي الحسينعليه‌السلام في المدينة

١٩٢

الباب السابع

حوادث ما بعد الشهادة

مقدمة الباب التاسع :

ما أن فاضت روح الإمام الحسينعليه‌السلام مسرعة إلى الرفيق الأعلى ، زاهدة بالدنيا الفانية وأهلها ، حتى لبست الدنيا ثوب الحداد على سيد الشهداءعليه‌السلام .فبكت عليه الأرض والسماء والملائكة والجن ، وحدثت آيات كونية تدل على منزلة الحسينعليه‌السلام ومركزيته في هذا الكون.

ولم تكتف طغمة الفجّار والكفار ، بقتل الحسينعليه‌السلام وذبحه ، وقتل أهله وأصحابه ، وسبي نسائه وأطفاله ، حتى قاموا بدافع من الحقد الطاغي بسلب الحسينعليه‌السلام ألبسته ، ونهب خيامه وحرقها. وأشدّها ألما وتأثيرا على النفس رضّ صدر الحسينعليه‌السلام ووطؤه بسنابك الخيل ، حتى تفتّت أجزاء جسده ، وطحنت جناجن صدره. وكان العشرة الذين انتدبوا لهذا العمل كلهم أبناء حرام.

وبات السبايا والأطفالعليه‌السلام بحماية زينب العقيلةعليها‌السلام ليلة الحادي عشر من المحرم في خيمة منفردة في كربلاء ، ومعهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام يعالج سكرات المرض. واستطاعت العقيلةعليها‌السلام أن تتحمل كل هذه المآسي وتواجه كل هذه الكوارث ، بقلب ثابت وجنان ثاقب ، حتى سمّيت «بطلة كربلاء».

وبينما كان القمر ينير صفحة السماء والأرض ، كان جنود عمر بن سعد يعدّون رؤوس الشهداءعليه‌السلام ويعيّنون قاتليهم حتى ينالوا الجوائز. وتحت جناح الليل ساروا بالرؤوس ـ وعددها يتجاوز السبعين ـ حتى أوصلوهم إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة.

وفي اليوم الحادي عشر من المحرم ، سيّروا السبايا إلى الكوفة بعد أن مرّوا بهم على أجساد الشهداءعليهم‌السلام . وعندما دخل السبايا إلى الكوفة خطبت زينبعليها‌السلام بالجمع المحتشد من أهل الكوفة ، ثم تابعتها فاطمة الصغرى بنت الإمام

١٩٣

الحسينعليهما‌السلام وأم كلثوم بنت عليعليها‌السلام ، ثم خطب بهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام وهو متحامل على مرضه.

ولما عرضت السبايا على ابن زياد ، أمر بهم فوضعوا في السجن. ومن هناك خرج الإمام زين العابدينعليه‌السلام بقدرة إلهية متوجها إلى كربلاء ليقوم بمهمة دفن جسد أبيه الحسينعليه‌السلام وبقية الشهداء من أهل البيتعليهم‌السلام والأصحاب.

ثم قام ابن زياد بتطويف رأس الحسين وأنصارهعليه‌السلام في طرق الكوفة ، مفتخرا بنصره وإنجازه. وأثناء ذلك مرّ الرأس الشريف وهو محمول على الرمح (بزيد بن أرقم) فخاطبه زيد ، فردّ عليه الرأس بآية من القرآن.

ثم أمر بالرأس الشريف فصلب شامخا بالعلاء ، حزينا على بني الإنسان ، الذين أضاعوا الإيمان والوفاء والصدق والاحسان.

وفي الأثناء كانت القارورة التي قد أودعها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أم سلمة ، وهي مليئة بتراب من كربلاء ، كانت تفور دما قانيا ، فعلمت منه أم سلمة أن ريحانة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استشهد. فأبلغت أهل المدينة بالنبأ قبل وصوله ، فبدأت بيوت المسلمين فيها بإقامة العزاء على فقيدها الغالي.

وإذا حزنت أم سلمة رضي الله عنها وأهل المدينة على مقتل الحسينعليه‌السلام ، فكيف لا يحزن عليه جده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوه عليعليه‌السلام وأمه الزهراءعليها‌السلام ، وهم في عالم الخلود يرزقون!. وإذا كنا مسلمين حقا ، فمن منا لا يحزن لحزن النبي وأهل البيتعليهم‌السلام ، ومن لا يبكي على مصابهم؟!.

١٩٤

الفصل الخامس والعشرون

آيات كونية

ويتضمن هذا الفصل :

١ ـ كرامات صدرت عن سيد الشهداءعليه‌السلام

٢ ـ أهوال اليوم العاشر

٣ ـ حوادث كونية غير عادية :

ـ بكاء السماء دما

ـ بكاء السماء والأرض

ـ بكاء الملائكة والجن

ـ بكاء كل شيء لمقتل الحسينعليه‌السلام

ـ بكاء الحيوانات : قصة الغراب الملطّخ بالدم

ـ بكاء النبات والشجر : قصة العوسجة المباركة

٤ ـ الذين رأوا الحسينعليه‌السلام في المنام بعد مقتله :

ـ حزن أم سلمة رضي الله عنها

ـ رؤيا أم سلمة وابن عباس رضي الله عنهما وحزن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـ حزن فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

١٩٥
١٩٦

الفصل الخامس والعشرون

آيات كونيّة

١٩٠ ـ ما حصل من الآيات الباهرة بعد استشهاد الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٢٩)

قال الفاضل الدربندي : إن ما حصل من حين شهادة سيد الشهداءعليه‌السلام من الأمور العظيمة والآثار العجيبة ، وخوارق العادات الباهرة والآيات الظاهرة الساطعة ، والكرامات والمعجزات الجليلة القاهرة ؛ بل من حين سقوطهعليه‌السلام عن جواده ، إلى أن رجع أهل البيتعليهم‌السلام من الشام إلى المدينة ـ مما هو خارج من حدّ العدّ والإحصاء.

فمنها ما يتعلق بالرأس الشريف ، ومنها ما يتعلق بواحد من هذه الأمور المذكورة. ومنها ما وقع في عالم الغيب ، أي عالم البرزخ والجنان والميزان ، ومنها ما يتعلق بهذا العالم. والأخيرة منها إما سماوية أو أرضية. وهذه إما وقعت وانقضت بعد مدة ، أو من الأمور الباقية إلى يوم القيامة. ومن هذا القسم الأخير ، الحمرة التي ترى في الشفق في السماء.

وإن شئت أن تعبّر بعبارة أخرى ، فقل : إن شهادة سيد الشهداءعليه‌السلام قد أعقبت في عوالم الإمكان أمورا عظيمة ، مبتدئة من العرش والكرسي وأهل الملكوت والملأ الأعلى ، منتهية إلى ما تحت الثرى.

١٩١ ـ معجزات صدرت عن سيد الشهداءعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة ، ص ١٧٦)

وقال الفاضل الدربندي : إن معجزات الحسينعليه‌السلام هي كمناقبه وفضائله مما لا يحصى. منها ما كان في حياة جده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه الإمام عليعليه‌السلام ، ومنها بعدهما. ومنها قبل مسيره إلى كربلاء ، وبعضها أثناء خروجه حتى وصوله كربلاء وإلى أن قتل فيها. فقد صدر منه فيها أزيد من مئة معجزة. وفي يوم عاشوراء إلى غروب الشمس صدر منه أزيد من ألف معجزة.

١٩٧

وبعد استشهادهعليه‌السلام حدثت معجزات جمّة ؛ منها صيحة جبرئيل ومشيه في الميدان باكيا نائحا ، وكسوف الشمس ، وغلبة الظلمة ، وطيران النجوم ، وإرعاد السماء ، وإمطارها دما عبيطا [أي طريا لا يجمد) ، ووجود الدماء العبيطة تحت كل حجر ومدر في جميع أصقاع الأرض ، وكون جدران بيوت جملة من البلدان كالملاحف المعصفرة ، وزلزلة الأرض ، وبكاء جميع الموجودات ، مما يرى ومما لا يرى ، وتلاطم البحار ، وخروج الحيتان منها إلى الأرض ، وسقوط الطيور من الهواء إلى الأرض ، وظهور العلامات العجيبة في كل ناحية من الأرض إلى غير ذلك مما لا يعدّ ولا يحصى.

ثم إن ما صدر من جسده الشريف المطروح في أرض كربلاء ، حين نزول أرواح أصحاب الكساء وغيرهم من الأنبياء والصدّيقين والصدّيقات ، وكذا الملائكة المقربين لزيارته ، وفي غير تلك الأوقات ، مما في غاية الكثرة.

ثم إن ما صدر من رأسه الشريف من حين إبانته من الجسد الشريف ، إلى أن يدفن ، أكثر من أن يحصى أو يستقصى. وهكذا المعجزات الصادرة عن الدماء السائلة من رأسه الشريف في كل موضع نزل به.

ثم لا يخفى ما حصل لكل ناقة وجمل وكل شيء نهب في كربلاء من أموال آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من آيات ساطعة وبيّنات قاطعة. ومنه صيرورة الزعفران الّذي سرقوه نارا ، ومن وضع منه على جسمه صار أبرصا. ولما ذبحوا البعير صار نارا ، ولما طبخوه كان طعم لحمه علقما.

١٩٢ ـ أهوال يوم العاشر من المحرم :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ص ١٣٨)

يقول الشيخ حبيب آل إبراهيمرحمه‌الله :

يوم العاشر من المحرم ، يوم لم يجر في العالم مثله ، ولم يمرّ على نبي أو وصيّ نبي نظيره ، فلقد لاقى الحسينعليه‌السلام في نفسه وأهله وأصحابه النجوم الزواهر ، ما لم يلاقه أحد ، وقاسى ما لم يقاسه بشر ، ولم يخرج في كل أحواله عن طاعة الله ، ولا مال عن مرضاته طرفة عين. والأفعال التي ارتكبها فيه أعداؤه ، والهمجية التي أبدوها ، والظلم الّذي تعمّدوه ، والغشم الّذي تقصّدوه ،

لم يكن ولا وقع ولا أظن أنه يقع نظيره من أحد أبدا. فحقيق بأن يظهر الله تعالى

١٩٨

عنده من المخاوف والقوارع والزلازل والأهوال ، ما فيه عظة للخلق وعبرة للعالمين.

لقد أهلك الله (ثمود) عندما عقروا الناقة ، وأنزل (بعاد) العذاب لما تمرّدوا على نبيهم هودعليه‌السلام ، وأغرق قوم نوحعليه‌السلام بالطوفان ، ودمّر قوم لوطعليه‌السلام ، ومسخ من بني إسرائيل قردة وخنازير ، وأهلك فرعون وجنوده في اليم. ولقد أنبأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه يجري على هذه الأمة ما جرى في بني إسرائيل ، حذو القذّة بالقذّة(١) والنعل بالنعل ، فكيف يستبعد فعل الله وتنكيله ونزول المخاوف والأهوال بقوم قتلوا ابن بنت نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيد شباب أهل الجنة ، وجزّروا آله وأصحابه مصابيح أهل الأرض ، كما تجزّر الأضاحي؟!.

١٩٣ ـ حديث كعب الأحبار عن فداحة خطب الحسينعليه‌السلام وعلائم مصرعه :

(مثير الأحزان للجواهري ، ج ١ ص ٢٩)

وفي (البحار) عن كعب الأحبار ، حين سأله الناس عن الفتن التي ستصدر ، إلى أن قال : وأعظمها فتنة وأشدها مصيبة لا تنسى إلى أبد الآبدين ، مصيبة الحسين ، وهي الفساد الّذي ذكره الله تعالى في كتابه حيث قال :( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) [الروم : ٤١]. أو لا تعلمون أنه يفتح يوم قتله أبواب السموات ويؤذن للسماء بالبكاء ، فتبكي دما!. فإذا رأيتم الحمرة في السماء قد ارتفعت ، فاعلموا أن السماء تبكي حسينا. فقيل : يا كعب ، لم لا تفعل السماء كذلك ولا تبكي دما لقتل الأنبياء؟!. فقال : ويحكم إن قتل الحسينعليه‌السلام أمر عظيم ، وإنه ابن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنه يقتل علانية مبارزة ظلما وعدوانا ، ولا تحفظ فيه وصية جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مزاج مائه وبضعة لحمه ، يذبح بعرصة كربلاء. فو الذي نفس كعب بيده لتبكيه زمرة من الملائكة في السموات السبع ، لا يقطعون بكاءهم إلى آخر الدهر. وإن البقعة التي يدفن فيها خير البقاع. وما من نبيّ إلا ويأتي إليها ويزورها ويبكي على مصابه وإنه يوم قتله تنكسف الشمس وينخسف القمر وتدوم الظلمة على الناس ثلاثة أيام ، وتمطر السماء دما ، وتدكدك الجبال

__________________

(١) حذا حذوه : امتثل به ، وحذا النعل بالنعل : قدّرها بها. والقذّة : ريشة السهم. والمعنى : إنه سيجري على هذه الأمة كما جرى على بني إسرائيل ، تطابق النعل بالنعل والسهم بالسهم.

١٩٩

وتغطمط(١) البحار ، ولو لا بقية من ذريته وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثأره ، لصب الله عليهم نارا من السماء أحرقت الأرض ومن عليها.

١٩٤ ـ سلمان الفارسي رضي الله عنه يؤكد حديث كعب الأحبار :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧١)

قال هبيرة بن يريم : حدثني أبي قال : لقيت سلمان الفارسي فحدّثته بهذا الحديث ، فقال سلمان : لقد صدقك كعب والذي نفس سلمان بيده ، لو أني أدركت أيامه [أي الحسينعليه‌السلام ] لضربت بين يديه بالسيف أو أقطّع بين يديه عضوا عضوا ، فأسقط بين يديه صريعا ، فإن القتيل معه يعطى أجر سبعين شهيدا ، كلهم كشهداء بدر وأحد وحنين وخيبر.

ثم قال سلمان : يا يريم ، ليت أم سلمان أسقطت سلمان ، أو كان حيضة ، ولم يسمع بقتل الحسين بن فاطمةعليهما‌السلام . ويحك يا يريم ، أتدري من حسين؟. حسين سيد شباب أهل الجنة على لسان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحسين لا يهدأ دمه حتى يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ، وحسين من تفزع لقتله الملائكة. ويحك يا يريم ، أتعلم كم من ملك ينزل يوم يقتل الحسينعليه‌السلام ويضمه إلى صدره ، وتقول الملائكة بأجمعها : إلهنا وسيدنا ، هذا فرخ رسولك ومزاج مائه وابن بنته. يا يريم إن أنت أدركت أيام مقتله ، واستطعت أن تقتل معه ، فكن أول قتيل ممن يقتل بين يديه ، فإن كل دم يوم القيامة يطالب به ، بعد دم الحسين ودماء أصحابه الذين قتلوا بين يديه. وانظر يا يريم إن أنت نجوت ولم تقتل معه فزر قبره ، فإنه لا يخلو من الملائكة أبدا. ومن صلّى عند قبره ركعتين حفظه الله من بغضهم وعداوتهم حتى يموت.

قال هبيرة : فأما سلمان فمات بالمدائن في خلافة عمر بن الخطاب ، وأما (يريم) فإنه لم يلحق لذلك.

حوادث كونية غير عادية

١٩٥ ـ تغيّر مظاهر الكون لمقتل الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٧١ إليها

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم : ولأجل بقاء الحسينعليه‌السلام عار على وجه

__________________

(١) تغطمط البحر : عظمت أمواجه.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ليلاً اضطراً والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر فقال الزنديق صدقت ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام

________________________________________________________

فيكون التحريك بالحركة، والكلام في حركته كالكلام في حركة الأول، وينتهي لضرورة انتهاء الأجسام المتحركة، ولكون جميعها محتاجة إلى خارج، لما تقرر من أن الموجودات الّتي يحتاج كلّ واحد منها إلى موجد مباين له، يحتاج مجموعها إلى الموجد المبائن له، وحكم الواحد والجملة لا يختلف فيه، لأنّ مجموعها مهيات يصح عليها جملة أن تكون خالية عن الوجود، فإنه كما يصح تحليل واحد منها إلى مهية ووجود منتزع منها وامتيازهما عند العقل في ملاحظتهما امتيازا لا يكون معه، وفي مرتبته خلط بينهما، ولذلك يحكم بكونه محتاجاً إلى سبب مباين له موجود كذلك، يصح على الجملة والمجموع منها متناهية ما كان يصح على كلّ واحد، وكذلك يصح على الجملة، والمجموع الغير المؤلفة من تلك الآحاد ما يصح على كلّ واحد منها، فإن العقل لا يفرق في هذا الحكم بين الجملة المتناهية والجملة الغير المتناهية، كما لا يفرق فيه بين الجملة المتناهية وكل واحد، فلا بد من محرك لا يكون جسما قاهر للمتحرك في حركته، فإن لم يكن له مبدء فهو المبدأ الأول، وإن كان له مبدء فلا بد من مبدء أول، لما قررنا آنفا، وإنما استدل من الحركة لضرورة احتياجها إلى المحرك لضرورة خروجها من العدم إلى الوجود دون الأجسام، ولم يستدل من الكائنات الفاسدات لأنّ ما يتوهم أن لا مبدأ له هي العلويات دون السفليات، ولأن الغالب القاهر على العلويات أحق بالغلبة على السفليات الظاهر تأثرها من العلويات، دون العكس « انتهى كلامه » ره.

قولهعليه‌السلام أحكم منهما: إمّا من الحكم بمعنى القضاء أي أشد قضاء وأتم حكماً، أو من الأحكام بمعنى الإتقان على خلاف القياس كأفلس من الإفلاس، ولزوم كونه أحكم وأكبر لما يحكم به الوجدان من كون الفاعل أشرف وأرفع من المصنوع ذاتا وصفة، وأيضا القاسر لا بد من أن يكون أقوى من المقسور، وأيضا لا بد من خلو

٢٤١

يا أخا أهل مصر إنّ الّذي تذهبون إليه وتظنون أنه الدهر إن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردهم وإن كان يردهم لم لا يذهب بهم القوم مضطرون.

________________________________________________________

الصانع من الصفات الّتي بها احتاج المصنوع إليه من التركب والاحتياج والإمكان وغير ذلك كما سيأتي مفصلا في الأخبار، فالمراد بالأكبر: الأكبر من أن يتصف بصفة المضطر، وقال بعض المحققين: أشار بكونه أحكم إلى عدم جواز احتياجه في وجوده إلى محل وموضوع، فلا يكون من أحوال المضطر وعوارضه بكونه أكبر إلى عدم جواز كونه محاطا بما ألجأه ومحصوراً فيه، فلا يكون قائما بمحل ولا محاطا للمضطر ومحصوراً فيه، أو المراد بالأكبر أكبر من أن يوصف بمثل صفة المضطر.

قولهعليه‌السلام يا أخا أهل مصر: هذا هو الوجه الثاني، وهو مشتمل على إبطال مذهب الخصم القائل بمبدئية الدهر للكائنات الفاسدات كقولهم: إن يهلكنا إلا الدهر.

قولهعليه‌السلام إن كان الدهر يذهب بهم: يحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى ذوي العقول، إشارة إلى التناسخ الّذي ذهبوا إليه، أو إلى الأعم تغليبا، والمراد بذهابهم وردهم إعدامهم وإيجادهم، والمراد بالدهر الطبيعة كما هو ظاهر كلام أكثر الدهرية أي نسبة الوجود والعدم إلى الطبائع الإمكانية على السواء، فإن كان الشيء يوجد بطبعه، فلم لا يعدم بدله، فترجح أحدهما ترجح بلا مرجح، تحكم بديهة العقل باستحالته أو المراد بذهابهم ورد هم تقلب أحوالهم وشؤونهم وحركاتهم، فالمعنى لم يقتضي طبعه ذهاب شيء ولا يقتضي رده وبالعكس، بناء على أن مقتضيات الطبائع تابعة لتأثير الفاعل القادر القاهر، وعلى احتمال الثاني الّذي أشرنا إليه في صدر الحديث يحتمل أن يكون المراد به أن الدهر العادم للشعور والإرادة والعلم بالمصلحة كيف يصدر عنه الذهاب الموافق للحكمة، ولا يصدر عنه بدله الرجوع المخالف لها وبالعكس وقولهعليه‌السلام القوم مضطرون أي الملاحدة والدهرية يلزمهم قبول ذلك بمقتضى عقولهم الّتي منحها الله تعالى لهم، ولا يمكنهم رده، أو المراد بالقوم جميع الممكنات تغليبا، والمراد به اضطرارهم في الوجود وما يتبعه من الصفات ولوازم المهيات، قال بعض المحققين

٢٤٢

يا أخا أهل مصر لم السماء مرفوعة والأرض موضوعة - لم لا يسقط السماء على الأرض لم لا تنحدر الأرض فوق طباقها ولا يتماسكان ولا يتماسك من عليها قال الزنديق أمسكهما الله ربهما وسيدهما قال فآمن الزنديق على يدي أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له حمران جعلت فداك إن آمنت الزنادقة على

________________________________________________________

هذا استدلال باختلاف الأفعال الدالة باختلافها على كونها اختيارية غير طبيعية لفاعلها على أن الفاعل لها مختار، ونبه على أنه لا يمكن أن الفاعل المختار لها هو الموصوف بالذهاب والرجوع، وبقوله: القوم مضطرون، أي في الذهاب والخروج من الوجود والرجوع والدخول فيه، فيجب أن يكون مستنداً إلى الفاعل القاهر للذاهبين والراجعين على الذهاب والرجوع، والدهر لا شعور له فضلا عن الاختيار.

قولهعليه‌السلام : لم السماء مرفوعة والأرض موضوعة؟ هذا هو الوجه الثالث، وهو مبني على الاستدلال بأحوال جميع أجزاء العالم من العلويات والسفليات وارتباط بعضها ببعض وتلازمها، وكون جميعها على غاية الأحكام والإتقان اشتمالها على الحكم الّتي لا تتناهى أي لم صارت السماء مرفوعة فوق الناس والأرض موضوعة تحتهم ولم يكن بالعكس؟ ولم لم تكونا ملتصقين، فلم يمكن تعيش الخلق على التقديرين، ولم لا تسقط السماء على الأرض بأن يتحرك بالحركة المستقيمة حتّى تلتصق بالأرض؟ وأمّا قوله لم لا تنحدر الأرض فوق طباقها؟ فيحتمل إرجاع ضمير طباقها إلى السماء، فالمعنى لم لا تتحرك الأرض من تحتنا بالحركة المستقيمة حتّى تقع على السماء؟ ويحتمل إرجاعه إلى الأرض، فالمراد بالانحدار الحركة المستديرة أي لم لا تتحرك الأرض كالسماء فيغرقنا في الماء فالمراد بطباق الأرض أعلاها أي تنحدر بحيث تصير ما تحتها الآن فوق ما علا منها الآن وقيل فيه احتمالات بعيدة لا طائل في التعرض لها.

قولهعليه‌السلام فلا يتماسكان: أي في صورتي السقوط والانحدار، والمراد أنه ظهر أنه لا يمكنهما التماسك بل لا بد من ماسك يمسكهما.

٢٤٣

يدك فقد آمن الكفار على يدي أبيك فقال المؤمن الّذي آمن على يدي أبي عبد اللهعليه‌السلام اجعلني من تلامذتك فقال أبو عبد الله.يا هشام بن الحكم خذه إليك وعلمه فعلمه هشام فكان معلم أهل الشام وأهل مصر الإيمان وحسنت طهارته حتّى رضي بها أبو عبد الله.

٢ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن علي، عن عبد الرحمن بن محمّد بن أبي هاشم، عن أحمد بن محسن الميثمي قال كنت عند أبي منصور المتطبب فقال أخبرني رجل من أصحابي قال كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام فقال ابن المقفع ترون هذا الخلق وأومأ بيده إلى موضع الطواف ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس يعني أبا عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام فأمّا الباقون فرعاع وبهائم فقال له ابن أبي العوجاء وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء قال لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم فقال له ابن أبي العوجاء لا بد من اختبار ما قلت فيه منه قال فقال له ابن المقفع لا تفعل

________________________________________________________

قوله على يدي أبيك: أي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أمير المؤمنينعليه‌السلام فإن الكفار آمنوا بسيفه.

قوله وكان معلم أهل الشام: الظاهر رجوع الضمير إلى هشام، ويحتمل إرجاعه إلى المؤمن، أي صار كاملا بحيث صار بعد ذلك معلم أهل الشام وأهل المصر.

الحديث الثاني: ضعيف.

وميثم قد يصحح بكسر الميم وقد يصحح بفتحها.

قوله أوجب: على صيغة المتكلم أو الماضي المجهول والأول أنسب بما بعده.

قوله فرعاع: قال الجزري: رعاع الناس أي غوغاؤهم وسقاطهم وأخلاطهم الواحد رعاعة.

٢٤٤

فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك فقال ليس ذا رأيك ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الّذي وصفت فقال ابن المقفع أمّا إذا توهمت علي هذا فقم إليه وتحفظ ما استطعت من الزلل ولا تثني عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال وسمه ما لك أو عليك قال فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام إحلالك: بالحاء المهملة، وفي بعض النسخ بالجيم وهو تصحيف.

قوله: أمّا إذا توهمت: إمّا للشرط وفعله محذوف ومجموع الشرط الّذي بعدها مع الجزاء جواب لذلك الشرط، ويمكن أن يقرأ أمّا بالتخفيف حرف تنبيه، ويسمى حرف استفتاح أيضا، وتعدية التوهم بعلى لتضمين معنى الكذب والافتراء.

قولهعليه‌السلام ولا تثني: نفي في معنى النهي، وفي التوحيد لا تثن بصيغة النهي، وهو أظهر، وعلى التقديرين مشتق من الثني وهو العطف والميل، أي لا ترخ عنانك إليه بأن يميل إلى الرفق والاسترسال والتساهل فتقبل منه بعض ما يلقي إليك فيسلمك من التسليم أو الإسلام، إلى عقال وهي ككتاب ما يشد به يد البعير أي يعقلك بتلك المقدمات الّتي تسلمت منه بحيث لا يبقى لك مفر كالبعير المعقول.

قولهعليه‌السلام وسمه ما لك وعليك: نقل عن الشيخ البهائيقدس‌سره أنه السوم من سام البائع السلعة يسوم سوما إذا عرضها على المشتري، وسامها المشتري بمعنى استامها، والضمير راجع إلى الشيخ على طريق الحذف والإيصال، والموصول مفعوله، ويروى عن الفاضل التستري نور الله ضريحه، أنه كان يقرأ سمه بضم السين وفتح الميم المشددة، أمراً من سم الأمر يسمه إذا سيره ونظر إلى غوره، والضمير راجع إلى ما يجري بينهما، والموصول بدل عنه، وقيل: هو من سممت سمك أي قصدت قصدك، والهاء للسكت أي قصد ما لك وما عليك، ويروى عن بعض الأفاضل أنه أمر من شم يشم بالشين المعجمة، يقال شاممت فلانا إذا قاربته تعلم ما عنده بالكشف والاختبار، والضمير عائد إلى الشيخ و « ما » استفهامية أي قاربه لتعرف ما لك وما عليك وقد يقال: الواو للعطف على عقال والسمة: العلامة و « ما » في قوله: ما لك، نافية أي يسلمك

٢٤٥

جالسين فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال ويلك يا ابن المقفع ما هذا ببشر وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهراً ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا فقال له وكيف ذلك قال جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم وإن يكن الأمر على ما تقولون وليس كما تقولون فقد استويتم وهم فقلت له يرحمك الله وأي شيء نقول وأي شيء يقولون ما قولي وقولهم إلا واحد فقال وكيف يكون قولك وقولهم واحداً وهم يقولون إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً ويدينون بأن في السماء إلها

________________________________________________________

إلى علامة ليست لك بل عليك، أو موصولة والسمة مضافة إليها، أي يسلمك إلى عار شيء هو لك بزعمك وفي الواقع عليك ويضرك، ولا يخفى بعده، والأظهر أنه أمر من وسم يسم سمة بمعنى الكي، والضمير راجع إلى ما يريد أن يتكلم به أي اجعل على ما تريد أن تتكلم به علامة لتعلم أي شيء لك وأي شيء عليك، فالموصول بدل من الضمير أو مفعول فعل محذوف.

قوله: روحاني: قال في النهاية الروحانيون يروي بضم الراء وفتحها كأنه نسب إلى الروح أو الروح وهو نسيم الريح، والألف والنون من زيادات النسب، يريد أنهم أجسام لطيفة لا يدركهم البصر.

قوله يتجسد: أي يصير ذا جسد وبدن يبصر به ويرى إذا شاء أن يظهر، ويتروح أي يصير روحا صرفا ويبطن ويخفى عن الأبصار.

وقوله باطنا إمّا بمعنى المصدر كقولك قمت قائماً، أو تميز من يتروح، أي كونه روحا صرفا، من جهة أنه باطن مخفي، ويحتمل أن يكون مفعول المشية، ويحتمل تقدير الكون أي إذا شاء أن يكون باطنا، ويحتمل الحالية ولعله أظهر، وفي التوحيد يتجسد إذا شاء ظاهراً، وهو أظهر للمقابلة، وتأتي فيه الاحتمالات السابقة.

قولهعليه‌السلام وهو على ما يقولون اعترضعليه‌السلام الجملة الحالية بين الشرط والجزاء للإشارة إلى ما هو الحق، ولئلا يتوهم أنهعليه‌السلام في شك من ذلك، وقوله يعني،

٢٤٦

وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد قال فاغتنمتها منه فقلت له ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتّى لا يختلف منهم اثنان ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به فقال لي ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوءك ولم تكن وكبرك بعد صغرك وقوتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوتك وسقمك بعد صحتك وصحتك بعد سقمك ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك وحزنك بعد فرحك وفرحك بعد

________________________________________________________

كلام ابن أبي العوجاء والكاف في كما زائدة أو اكتفي فيه بالمغايرة الاعتبارية، والعطب: الهلاك.

قولهعليه‌السلام ليس فيها أحد: أي لها أو عليها، أو بالظرفية المجازية لجريان حكمه وحصول تقديره تعالى فيها.

قوله: ما منعه كلامه إمّا مبني على القول بالجسم فأعرضعليه‌السلام في الجواب عن التعرض لإبطاله لعدم قابليته لفهم ذلك، وقال: الظهور الّذي يمكن له قد وجد منه لأنّ ظهور المجرد إنما يكون بآثاره أو المعنى ما منعه أن يظهر لخلقه غاية الظهور بنصب الدلائل الواضحة على وجوده قبل إرسال الرسل، ويدعوهم إلى عبادته بعد ظهوره بنفسه، أو بالرسل، وكان هذا لزعمه أن أهل الإسلام إنما استندوا في إثبات الصانع تعالى بقول الرسل، وحاصل الجواب على هذا أنه تعالى لم يحل دليل وجوده على بيان الرسل، بل أظهر للناس قبل بعثة الرسل من آثار صنعه ودلائل وجوده وعمله وقدرته وحكمته واستحقاقه للعبادة ما أغناهم عن بيان الرسل في ذلك، وإنما الاحتياج إلى الرسل لبيان خصوصيات الأمور الشرعية وسائر الأمور العقلية الّتي لا يمكن للعقل الوصول إليها إلا ببيانهمعليهم‌السلام .

قولهعليه‌السلام نشؤك: هو مصدر نشأ نشأ ونشوءا على فعل وفعول إذا أخرج وابتدأ وهو منصوب على أنه بدل من قدرته أو مرفوع على أنه خبر مبتدإ محذوف يعود إليها.

٢٤٧

حزنك وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبك وعزمك بعد أناتك وأناتك بعد عزمك وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك ورجاءك بعد يأسك ويأسك بعد رجائك وخاطرك بما لم يكن في وهمك وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك وما زال يعدد علي قدرته الّتي هي في نفسي الّتي لا أدفعها حتى

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام بعد أناتك: الأناة على وزن القناة اسم من تأنى في الأمر إذا ترفق وتنظر، واتأد فيه، وأصل الهمزة الواو من الونى وهو الضعف والفتور، وضبطه بعض المحققين بالباء الموحدة التحتانية والهمزة بعد الألف، والإباء: الامتناع والاستنكاف كما في توحيد الصدوق، وربما يقرأ بالنون والهمزة بمعنى الفتور والتأخر والإبطاء.

قولهعليه‌السلام وخاطرك: الخاطر من الخطور وهو حصول الشيء مشعوراً به في الذهن، والخاطر في الأصل المشعور به الحاصل في الذهن، ثمّ شاع استعماله في المشعر المدرك له من حيث هو شاعر به، واستعمل هاهنا في الإدراك والشعور، أو استعمل بمعنى المصدر كما في قمت قائماً، ويكون المعنى خطورك بما لم يكن في وهمك من باب القلب، كذا قيل، والعزوب بالعين المهملة والزاي المعجمة: الغيبة والذهاب، وحاصل استدلالهعليه‌السلام أنك لما وجدت في نفسك آثار القدرة الّتي ليست من مقدوراتك ضرورة علمت أن لها بارئاً قادراً، وكيف يكون غائباً عن الشخص من لا يخلو الشخص ساعة عن آثار كثيرة، يصل منه إليه، وقال بعض الأفاضل: وتقرير الاستدلال أنه لما وجدت في نفسك آثار القدرة الّتي ليست من مقدوراتك ضرورة، علمت أن لها بارئاً قادراً، أمّا كونها من آثار القدرة فلكونها حادثة محكمة متقنة غاية الأحكام والإتقان، فإن حصول الشخص الإنساني بحياته ولوازمها لا بد له من فاعل مباين له، ويدلك على وحدته تلاؤم ما فيه من الأحوال والأفعال وتغير أحواله بعد إتقانها، وعدم ثباته على حال واحدة تدل على كون الفاعل لها قادراً مختاراً يفعل بحكمته ومشيته، وهذه الأحوال المتغيرة كثيرة وقد عدعليه‌السلام كثيراً منها لا شبهة في

٢٤٨

ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه.

٣ - عنه عن بعض أصحابنا رفعه وزاد في حديث ابن أبي العوجاء حين سأله أبو عبد اللهعليه‌السلام قال عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبد اللهعليه‌السلام فجلس وهو ساكت لا ينطق فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه فقال أردت ذلك يا ابن رسول الله فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام ما أعجب هذا تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله فقال العادة تحملني على ذلك فقال له العالمعليه‌السلام فما يمنعك من الكلام قال إجلالا لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك قال يكون ذلك ولكن أفتح عليك بسؤال وأقبل عليه فقال له أمصنوع أنت أو غير مصنوع فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء بل أنا غير مصنوع فقال له العالمعليه‌السلام فصف لي لو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون فبقي عبد الكريم ملياً لا يحير جواباً وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن كلّ ذلك صفة خلقه فقال

________________________________________________________

أنها ليست من فعل النفس الإنسانية وأنها من فاعل مباين قادر على إحداثها بعد ما لم يكن.

الحديث الثالث مرفوع، وليس هذا الحديث في أكثر النسخ لكنه موجود في توحيد الصدوق ورواه عن الكليني ويدل على أنه كان في نسخته ولذا شرحناه مجملا.

قوله: لا يحير جوابا: بالمهملة أي لا ينطق به ولا يقدر عليه، والولوع بالشيء الحرص عليه والمبالغة في تناوله.

قوله: كلّ ذلك صفة خلقه: أي خلق الخالق والصانع ويمكن أن يقرأ بالتاء أي صفة المخلوقية، والحاصل أنه لما سأله الإمامعليه‌السلام عنه أنك لو كنت مصنوعاً هل كنت على غير تلك الأحوال والصفات الّتي أنت عليها الآن أم لا؟ أقبل يتفكّر في ذلك فتنبه أن صفاته كلها صفات المخلوقين، وكانت معاندته مانعة عن الإذعان بالصانع تعالى،

٢٤٩

له العالم فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعاً لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور فقال له عبد الكريم سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك - لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء فكيف قدمت وأخرت ثمّ قال يا عبد الكريم أزيدك وضوحا أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر فقال لك قائل هل في الكيس دينار فنفيت كون الدينار في الكيس فقال لك صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته هل كان لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس وأنت لا تعلم قال لا فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس فلعل في العالم صنعة

________________________________________________________

فبقي متحيراً فقالعليه‌السلام : إذا رجعت إلى نفسك ووجدت في نفسك صفة المخلوقين، فلم لا تذعن بالصانع؟ فاعترف بالعجز عن الجواب وقال: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، ولا يسألني أحد بعدك.

قوله هبك: أي افرض نفسك أنك علمت ما مضى وسلمنا ذلك لك، قال الفيروزآبادي: هبني فعلت أي احسبني فعلت وأعددني، كلمة للأمر فقط وحاصل جوابهعليه‌السلام أولا: أنك بنيت أمورك كلها على الظن والوهم لأنك تقطع بأنك لا تسأل بعد ذلك عن مثلها، مع أنه لا سبيل لك إلى القطع به، وأمّا قولهعليه‌السلام على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك يحتمل وجوها:

الأول: أن يكون المراد أن نفيك للصانع مبني على أنك تزعم أن لا علية بين الأشياء ونسبة الوجود والعدم إليها على السواء، والاستدلال على الأشياء الغير المحسوسة إنما يكون بالعلية والمعلولية فكيف حكمت بعدم حصول الشيء في المستقبل؟ فيكون المراد بالتقدم والتأخر العلية والمعلولية أو ما يساوقهما.

الثاني: أن يكون مبنياً على ما لعلهم كانوا قائلين به، وربما أمكن إلزامهم بذلك بناء على نفي الصانع من أن الأشياء متساوية غير متفاوتة في الكمال والنقص، فالمراد

٢٥٠

من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة فانقطع عبد الكريم وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض.

فعاد في اليوم الثالث فقال أقلب السؤال فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام سل عمّا شئت فقال ما الدليل على حدث الأجسام فقال إني ما وجدت شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى ولو كان قديما ما زال ولا حال لأنّ الّذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث وفي كونه في الأزل دخوله في العدم ولن تجتمع صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شيء واحد فقال عبد الكريم هبك علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت بذلك على حدوثها فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثهن فقال العالمعليه‌السلام إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع فلو رفعناه ووضعنا عالماً آخر كان لا شيء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ولكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا فنقول إنّ الأشياء

________________________________________________________

أنك كيف حكمت بتفضيلي على غيري وهو مناف للمقدمة المذكورة، فالمراد بالتقدم والتأخر ما هو بحسب الشرف.

الثالث: أن يكون مبنياً على ما ينسب إلى أكثر الملاحدة من القول بالكمون والبروز، أي مع قولك بكون كلّ حقيقة حاصلة في كلّ شيء كيف يمكنك الحكم بتقدم بعض الأشياء على بعض في الفضل والشرف.

قولهعليه‌السلام وفي ذلك زوال وانتقال: حاصل استدلالهعليه‌السلام إمّا راجع إلى دليل المتكلمين من أن عدم الانفكاك عن الحوادث يستلزم الحدوث، أو إلى أنه لا يخلو إمّا أن يكون بعض تلك الأحوال الزائلة المتغيرة قديما أم لا، بل يكون كلها حوادث وكل منهما محال، أمّا الأول فلما تقرر عند الحكماء من أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه، وأمّا الثاني فللزوم التسلسل بناء على جريان دلائل إبطاله في الأمور المتعاقبة، ويمكن أن يكون مبنياً على ما يظهر من الأخبار الكثيرة من أن كلّ قديم

٢٥١

لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ضم شيء إلى مثله كان أكبر وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم كما أن في تغييره دخوله في الحدث ليس لك وراءه شيء يا عبد الكريم فانقطع وخزي.

فلما كان من العام القابل التقى معه في الحرم فقال له بعض شيعته إن ابن أبي العوجاء قد أسلم فقال العالمعليه‌السلام هو أعمى من ذلك لا يسلم فلما بصر بالعالم قال سيدي ومولاي فقال له العالمعليه‌السلام ما جاء بك إلى هذا الموضع فقال عادة الجسد وسنة البلد ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة فقال له العالمعليه‌السلام أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم فذهب يتكلم فقال لهعليه‌السلام ( لا جِدالَ فِي الْحَجِ ) ونفض رداءه من يده وقال إن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول نجونا ونجوت وإن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول نجونا وهلكت فأقبل عبد الكريم على من معه فقال وجدت في قلبي حزازة فردوني فردوه فمات لارحمه‌الله .

________________________________________________________

يكون واجباً بالذات ولا يكون المعلول إلا حادثا، ووجوب الوجود ينافي التغير ولا يكون الواجب محلا للحوادث كما برهن عليه، ثمّ قال ابن أبي العوجاء: لو فرضنا بقاء الأشياء على صغرها يمكنك الاستدلال على حدوثها بالتغير؟ فأجابعليه‌السلام أولا على سبيل الجدل بأن كلامنا كان في هذا العالم الّذي نشاهد فيه التغيرات فلو فرضت رفع هذا العالم ووضع عالم آخر مكانه لا يعتريه التغير، فزوال هذا العالم دل على كونه حادثا، وإلا لما زال، وحدوث العالم الثاني أظهر، ثمّ قال: ولكن أجيبك من حيث قدرت بتشديد الدال، أي فرضت لأنّ تلزمنا، أو بالتخفيف أي زعمت أنك تقدر أن تلزمنا، وهو بأن تفرض في الأول مكان هذا العالم عالماً لا يكون فيه التغير، فنقول يحكم العقل بأن الأجسام يجوز عليها ضم شيء إليها، وقطع شيء منها، وجوار التغير عليه يكفي لحدوثها بنحو ما مر من التقرير.

٢٥٢

٤ - حدثني محمّد بن جعفر الأسدي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي الرازي، عن الحسين بن الحسن بن برد الدينوري، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن عبد الله الخراساني خادم الرضاعليه‌السلام قال دخل رجل من الزنادقة على أبي الحسنعليه‌السلام وعنده جماعة فقال أبو الحسنعليه‌السلام أيها الرجل أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا وإياكم شرعاً سواء لا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا فسكت الرجل ثمّ قال أبو الحسنعليه‌السلام وإن كان القول قولنا وهو قولنا ألستم قد هلكتم ونجونا فقال رحمك الله أوجدني كيف هو وأين هو فقال ويلك إنّ الّذي ذهبت إليه غلط هو أين الأين بلا أين وكيف الكيف بلا كيف فلا يعرف بالكيفوفية ولا بأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء.

________________________________________________________

الحديث الرابع: ضعيف.

إذ الظاهر أن محمّد بن علي هو أبو سمينة كما صرح به في التوحيد.

قوله أوجدني: يقال أوجده الله مطلوبه أي أظفره به، أي أفدني كيفيته ومكانه وأظفرني بمطلبي الّذي هو العلم بالكيفية.

قولهعليه‌السلام هو أين الأين: أي جعل الأين أينا بناء على مجعولية الماهيات أو أوجد حقيقة الأين فيصدق عليها بعد الإيجاد الأين، وكذا الكيف، والكيفوفية والأينونية: الاتصاف بالكيف والأين، وفي التوحيد بكيفوفية من غير أداة التعريف كنظيرتها، وقيل: المعنى أنه لما أوجد حقيقة الأين وحقيقة الكيف، فكان متقدما على وجودهما، فلا يعرف بالاتصاف بهما، وبكونه ذا كيف وأين، وذلك بأنه هو مبدء قبل وجود الكيف والأين، ولا يعرف المبدأ بكونه ذا كيفية أو أين، ولأن الخالق الموجد لشيء متعال عن الاتصاف به لأنّ الاتصاف خروج من القابلية إلى الفعلية، والقابل خال عن الوصف قبل الاتصاف عادم له، والعادم لشيء وللأكمل والأتم منه لا يكون معطياً له، فالفاعل الخالق لا يكون معطياً نفسه ما يستكمل به، ولأن المبدأ الأول لما لم يجز عليه الخلو من الوجود، فلو كان فيه قابلية الصفة لكان له جهتان، ولا يجوز

٢٥٣

فقال الرجل فإذا إنه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس فقال أبو الحسنعليه‌السلام ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شيء من الأشياء.

قال الرجل فأخبرني متى كان قال أبو الحسنعليه‌السلام أخبرني متى لم يكن

________________________________________________________

استنادهما فيه إلى ثالث، إذ لا ثالث في تلك المرتبة، ولا استناد أحدهما إلى الآخر إذ لا يوجب القابلية فعلية الوجود لذاته، ولا فعلية الخلو عن كماله، والاستعداد لما هو نقص له، ولأن الأين لا يكون إلا لمتقدر، ولا يجوز عليه التقدر بالمقدار كما سنبينه، ولا يدرك بحاسة إذ لا كيفية له ولا إحساس إلا بإدراك الكيفية، ولا يقاس بشيء أي لا يعرف قدره بمقياس إذ لا أين ولا مقدار له، فقال الرجل: فإذا أنه لا شيء يعني أردت بيان شأن ربك فإذا الّذي ذكرته يوجب نفيه، لأنّ ما لا يمكن إحساسه لا يكون موجودا، أو المراد أنه فإذا هو ضعيف الوجود ضعفا يستحق أن يقال له لا شيء.

وقولهعليه‌السلام لما عجزت حواسك عن إدراكه أي جعلت تعاليه عن أن يدرك بالحواس وعجزها عن إدراكه دليلاً على عدمه أو ضعف وجوده، فأنكرت ربوبيته ونحن إذا عرفناه بتعاليه عن أن يدرك بالحواس أيقنا أنه ربنا، بخلاف شيء من الأشياء، أي ليس شيء من الأشياء المحسوسة ربنا لأنّ كلّ محسوس ذو وضع، وكل ذي وضع بالذات منقسم بالقوة إلى أجزاء مقدارية لا إلى نهاية، لاستحالة الجوهر الفرد، وكل منقسم إلى أجزاء مقدارية يكون له أجزاء متشاركة في المهية، ومشاركة للكل فيها، وكلما يكون كذلك يكون محتاجاً إلى مبدء مغاير له، فلا يكون مبدء أوّل بل يكون مخلوقاً ذا مبدء، فما هو مبدء أوّل لا يصح عليه الإحساس، فالتعالي عن الإحساس الّذي جعلته مانعاً للربوبية وباعثاً على إنكارك مصحح للربوبية ودل على اختصاصه بصحة الربوبية بالنسبة إلى الأشياء الّتي يصح عليها أن يحس.

قوله: فأخبرني متى كان؟ الظاهر أنه سئل عن ابتداء كونه [ وتكونه ] ووجوده

٢٥٤

فأخبرك متى كان قال الرجل فما الدليل عليه فقال أبو الحسنعليه‌السلام إني لما نظرت إلى جسدي ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانياً فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم و

________________________________________________________

فأجابعليه‌السلام بأن ابتداء الزمان إنما يكون لحادث كان معدوما ثمّ صار موجودا، وهو سبحانه يستحيل عليه العدم، وجواب هذا السؤال سقط من قلم نساخ الكليني، وفي توحيد الصدوق (ره) هكذا: قال الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال أبو الحسنعليه‌السلام أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان، قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسنعليه‌السلام : إني لما نظرت « إلى آخر الخبر » ويحتمل أن يكون مراد السائل السؤال عن أصل زمان وجوده تعالى، فعلى هذا يكون حاصل الجواب أن الكائن في الزمان إنما يكون فيه بتغير وتبدل في ذاته أو صفاته الذاتية لأنّ الزمان نسبة المتغير إلى المتغير، فيكون بحال في زمان آخر، والمتعالي عن التغير في الذات والصفات الذاتية لا يصح عليه « لم يكن فكان »، وإنما يصح متى كان لما يصح أن يقال متى لم يكن، لعدم انفكاك الزماني عن التغير في ذاته أو صفاته الذاتية، وقيل: تحقيق الجواب ما تحقق في الحكمة الإلهية أنه لا يكون لوجود شيء متى إلا إذا كان لعدمه متى، وبالجملة لا يدخل الشيء في مقولة متى بوجوده فقط، بل بوجوده وعدمه جميعا، فإذا لم يصح أن يقال لشيء متى لم يكن وجوده لم يصح أن يقال متى كان وجوده.

قولهعليه‌السلام إني لما نظرت: هذا استدلال بما يجده في بدنه من أحواله وانتظام تركيبه واشتماله على ما به صلاحه ونظامه، وعدم استنادها إليه بكونها من آثار القدرة وعدم قدرته عليها، وبالعلويات وحركاتها المنسقة المنتظمة المشتملة على اختلاف لا يمكن أن يكون طبيعياً لها، ولا إرادياً لها، وبما يحدث بينها وبين الأرض وانتظام الجميع نظما دالا على وحدة ناظمها ومدبرها وخالقها، على أن لهذا العالم المنتظم

٢٥٥

غير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت أن لهذا مقدراً ومنشئا.

٥ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن إسحاق الخفاف أو، عن أبيه، عن محمّد بن إسحاق قال إن عبد الله الديصاني سأل هشام بن الحكم فقال له ألك رب فقال بلى قال أقادر هو قال نعم قادر قاهر قال يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا قال هشام النظرة فقال له قد أنظرتك حولا ثمّ خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال له يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام عمّا ذا سألك فقال قال لي كيت وكيت فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام .يا هشام كم حواسك قال خمس قال أيها أصغر قال الناظر قال وكم قدر الناظر قال مثل العدسة أو أقل منها فقال له. يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى فقال أرى سماء وأرضا ودوراً وقصوراً وبراري وجبالا وأنهاراً فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام إنّ الّذي قدر أن يدخل الّذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر

________________________________________________________

المشاهد من السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما مقدراً ينتظم بتقديره ومنشأ يوجد بإنشائه.

الحديث الخامس مجهول، والديصاني بالتحريك من داص يديص ديصانا إذا زاغ ومال، ومعناه الملحد.

النظرة: أي أسألك النظرة، وهي التأخير في المطالبة للجواب، وفي القاموس:كيت وكيت ويكسر آخرها أي كذا وكذا والتاء فيهما هاء في الأصل.

قولهعليه‌السلام إنّ الّذي قدر أن يدخل، أي على أن يدخل، وحذف حرف الجر عن أن وأن قياسي، يمكن أن يؤول بوجوه: الأول: أن يكون غرض السائل أنه هل يجوز أن يحصل كبير في صغير بنحو من أنحاء التحقق؟ فأجابعليه‌السلام بأن له نحوا من التحقق، وهو دخول الصورة المحسوسة المتقدرة بالمقدار، الكبير بنحو الوجود الظلي في الحاسة أي مادتها الموصوفة بالمقدار الصغير، والقرينة على أنه كان مراده

٢٥٦

البيضة فأكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال حسبي يا ابن رسول الله وانصرف إلى منزله وغداً عليه الديصاني فقال له. يا هشام إني جئتك مسلما ولم أجئك

________________________________________________________

المعنى الأعم أنه قنع بالجواب ولم يراجع فيه باعتراض.

الثاني: أن يكون المعنى أن الّذي يقدر على أن يدخل ما تراه العدسة لا يصح أن ينسب إلى العجز، ولا يتوهم فيه أنه غير قادر على شيء أصلاً، وعدم قدرته على ما ذكرت ليس من تلقاء قدرته لقصور فيها، بل إنما ذلك من نقصان ما فرضته حيث أنه محال ليس له حظ من الشيئية والإمكان، فالغرض من ذكر ذلك بيان كمال قدرته تعالى حتّى لا يتوهم فيه عجز.

الثالث: أن المعنى أن ما ذكرت محال وما يتصور من ذلك إنما هو بحسب الوجود الانطباعي، وقد فعله فما كان من السؤال له محمل ممكن فهو تعالى قادر عليه، وما أردت من ظاهره فهو محال لا يصلح لتعلّق القدرة به.

الرابع: وهو الأظهر أن السائل لما كان قاصراً من فهم ما هو الحق، معانداً فلو أجابعليه‌السلام صريحا بعدم تعلّق القدرة به له لتشبث بذلك ولج وعاند فأجابعليه‌السلام بجواب متشابه له وجهان، لعلمهعليه‌السلام بأنه لا يفرق بين الوجود العيني والانطباعي، ولذا قنع بذلك ورجع.

ولذا أجابواعليه‌السلام غيره من السائلين بالحق الصريح، كما رواه الصدوق في التوحيد بسند صحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن إبليس قال لعيسى بن مريمعليه‌السلام أيقدر ربك على أن يدخل الأرض بيضة لا تصغر الأرض ولا تكبر البيضة؟ فقال عيسىعليه‌السلام : ويلك إنّ الله لا يوصف بعجز، ومن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة، وروي بسند آخر عنهعليه‌السلام أنه قال: قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام : هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون، وروي أيضاً بسند آخر عنهعليه‌السلام أنه قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أيقدر الله أن يدخل الأرض في بيضة ولا متقاضيا

٢٥٧

متقاضياً للجواب فقال له هشام إن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب فخرج الديصاني عنه حتّى أتى باب أبي عبد اللهعليه‌السلام فاستأذن عليه فأذن له فلما قعد قال له يا جعفر بن محمّد دلني على معبودي فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام ما اسمك فخرج عنه ولم يخبره باسمه فقال له أصحابه كيف لم تخبره باسمك قال لو كنت قلت له عبد الله كان يقول من هذا الّذي أنت له عبد فقالوا له عد إليه وقل له يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك فرجع إليه فقال له يا جعفر بن محمّد دلني على معبودي ولا تسألني عن اسمي فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام اجلس وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة

________________________________________________________

تصغر الأرض ولا تكبر البيضة؟ فقال له: ويلك إنّ الله لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة، فقولهعليه‌السلام : من أقدر ممّن يلطف الأرض، إشارة إلى أن المتصور المحصل المعنى من دخول الكبير في الصغير صيرورة الكبير صغيراً وبالعكس، وهذا المتصور مقدور له سبحانه وهو قادر على كلّ ما لا يستحيل، والحاصل أنه قادر على كلّ شيء يدرك له معنى ومهية، والمستحيل لا مهية ولا معنى له كما قيل.

ثم اعلم أنه على التقادير كلها يدل على أن الإبصار بالانطباع وإن كان فيما سوى الثاني أظهر، وعلى الرابع يحتمل أيضاً أن يكون إقناعياً مبنياً على المقدمة المشهورة لدى الجمهور أن الرؤية بدخول المرئيات في العضو البصري، فلا ينافي كون الإبصار حقيقة بخروج الشعاع.

قوله فهاك الجواب: « ها » بالقصر والمد وهاك كلها اسم فعل بمعنى خذ.

قولهعليه‌السلام هذا حصن مكنون: الحصن كلّ موضع حصين محكم، والكن: وقاء كلّ شيء وستره، ولعل المعنى أنه مستور من جميع الجهات ليس له باب أصلاً لئلا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء، له جلد غليظ لئلا ينكسر بأدنى شيء ولا ينفذ

٢٥٨

مائعة وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل

________________________________________________________

فيه الهواء ليفسده، وليست غلظته بحيث لا يتمكن الدجاجة من كسره حين الانفلاق، ولا تؤثر حرارتها المعدة لتكون الفرخ فيه، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق مناسب للملاءمة، لما فيه برزخ بينه وبين الجلد الغليظ لئلا يفسد ما فيه بمماسة الجلد الغليظ الصلب، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة أي تحته جسم شبيه بالذهبة المائعة، وجسم شبيه بالفضة الذائبة، والذوب ضد الجمود ويقاربه الميعان، لكن الذوب يستعمل فيما من طبعه الجمود، والميعان يستعمل فيه وفي غيره، ولما كان الجمود في طبع الفضة أكثر، فلذا خص الذوب بها، ولعلهعليه‌السلام شبهه بالحصون المعروفة كما يظهر من الترشيحات المذكورة.

وفي كتاب الاحتجاج عن إصلاحها وعن إفسادها على بناء الأفعال فيهما، وحاصل الاستدلال أن ما في البيضة من الأحكام والإتقان والاشتمال على ما به صلاحها وعدم اختلاط ما فيها من الجسمين السيالين، والحال أنه ليس فيها مصلح حافظ لها من الأجسام، فيخرج مخبراً عن صلاحها ولا يدخلها جسماني من خارج فيفسدها فيخبر بعد خروجه عن فسادها، وهي تنفلق عن مثل ألوان الطواويس مع عدم علمنا بكيفية خلق أعضائها وأجزائها وكونها ذكرانا أو إناثا، فهذا كله دليل على أن ذلك ليس من فعل أمثالنا لعدم دخولنا فيها وخروجنا منها، وإصلاحنا لها وإفسادنا إياها وجهلنا بما هي مستعدة له من الصلاح والفساد، وبما هي صالحة له من الذكر والأنثى.

والحاصل أن أمثال هذه الأمور إذا صدرت من أمثالنا فلا بد فيها من مباشرة ومزاولة وعلم وخبر، ولا يجوز أيضاً أن تتأنى بأنفسها أو من طبائعها العديمة للشعور، فلا بد من فاعل حكيم وصانع مدبر عليم، ولا يخفى لطف نسبة الإصلاح إلى ما يخرج منها والإفساد إلى ما يدخل فيها، لأنّ هذا شأن أهل الحصن الحافظين له، وحال الداخل فيه بالقهر والغلبة.

٢٥٩

فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبراً قال فأطرق ملياً ثمّ قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأنك إمام وحجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه.

٦ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الّذي أتى أبا عبد اللهعليه‌السلام وكان من قول أبي عبد اللهعليه‌السلام :لايخلوقولك، إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أويكونا ضعيفين أويكون أحدهما

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام تنفلق: لعله ضمن معنى الكشف.

قولهعليه‌السلام أترى(١) له مدبرا: استفهام تقرير أو إنكار، أي لا ترى لها مدبراً من أمثالنا، فلا بد لها من مدبر غير مرئي ولا جسم ولا جسماني لا يحتاج علمه بالأشياء إلى الدخول فيها والدنو منه مطلقا.

قولهعليه‌السلام فأطرق مليا: أي سكت ناظراً إلى الأرض زمانا طويلا.

الحديث السادس: مجهول.

قولهعليه‌السلام لا يخلو قولك: أقول يمكن تقرير الاستدلال المذكور في هذا الخبر بوجوه، ولنشرها هنا إلى بعض براهين التوحيد على وجه الاختصار، ثمّ لنذكر ما يمكن أن يقال في حل هذا الخبر الّذي هو من غوامض الأخبار، فأمّا البراهين.

فالأول: أنه لما ثبت كون الوجود عين حقيقة الواجب فلو تعدد لكان امتياز كلّ منهما عن الآخر بأمر خارج عن الذات فيكونان محتاجين في تشخصهما إلى أمر خارج، وكل محتاج ممكن.

الثاني: أنه لو كان لله سبحانه شريك لكان لمجموع الواجبين وجود غير وجود الآحاد، سواء كان ذلك الوجود عين مجموع الوجودين أو أمراً زائداً عليه، ولكان هذا الوجود محتاجاً إلى وجود الأجزاء، والمحتاج إلى الغير ممكن محتاج إلى المؤثر والمؤثر في الشيء يجب أن يكون مؤثراً في واحد من أجزائه، وإلا لم يكن

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المتن « أترى لها » بتأنيث الضمير.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800