موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء5%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493470 / تحميل: 5834
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبادته العترة الطاهرة التي أوجب الله مودتها على عموم المسلمين!.

ترجمة عمر بن سعد [٢٣ ـ ٦٥ ه‍]

(الأعلام للزركلي) عمر بن سعد بن أبي وقّاص : أمير من القادة الشجعان. سيّره عبيد الله بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم ، وكتب له عهده على الرّي (وهي المنطقة الجنوبية من طهران اليوم).

ثم لما علم ابن زياد بمسير الحسينعليه‌السلام من مكة متوجها إلى الكوفة ، كتب إلى عمر بن سعد أن يعود بمن معه ، فعاد. فولاه قتال الحسينعليه‌السلام ، فاستعفاه ، فهدده فأطاع. وتوجّه إلى لقاء الحسينعليه‌السلام فكانت الفاجعة بمقتله. وكان عمره يومئذ ٣٨ عاما. وعاش عمر بن سعد إلى أن خرج المختار الثقفي يتتبّع قتلة الحسينعليه‌السلام فبعث إليه من قتله بالكوفة وقصة ذلك أن المختار أعطى عمر بن سعد أمانا وقرّبه منه ، ثم بعث إليه من يقتله في داره (وهو أبو عمرة كيسان). فبينما ابن سعد قائم إليه إذ عثر في جبّة له فوقع على السرير ، فأسرع أبو عمرة إليه واحتزّ رأسه. فظهر بذلك تصديق دعوة الحسينعليه‌السلام على ابن سعد حين قال له : آ وسلّط الله عليك من يذبحك بعدي على فراشك آ. كما صدقت نبوءتهعليه‌السلام بعدم تولّي عمر بن سعد ولاية الريّ وجرجان ثم إن المختار نصب رأس ابن سعد على قصبة بالكوفة ، عبرة لمن يعتبر ، تصديقا لقول الحسينعليه‌السلام : «وكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة ، يتراماه الصبيان ويتّخذونه غرضا بينهم آ. هذا ويتصل نسب (عمر بن سعد) مع الإمام الحسينعليه‌السلام وبني هاشم في كلاب بن مرّة. فهو عمر بن سعد بن مالك (أبي وقّاص) ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. والحسينعليه‌السلام هو ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. ولذلك كان عمر بن سعد يقول في شعره :(حسين ابن عمّي والحوادث جمّة ...).

٢٤١
٢٤٢

الفصل السابع والعشرون

تسيير الرؤوس والسبايا إلى الكوفة

ويتضمن هذا الفصل :

حوادث عشية اليوم العاشر من المحرم :

ـ حال السبايا مساء اليوم العاشر

ـ اقتسام القبائل لرؤوس الشهداء بعد قطعها

ـ تسيير رؤوس الشهداء إلى الكوفة

اليوم الحادي عشر من المحرم :

ـ عمر بن سعد يدفن قتلاه

ـ كم كان عدد قتلى جيش ابن سعد؟

ـ تسيير سبايا أهل البيتعليه‌السلام إلى الكوفة

ـ كيف أركبوا السبايا على المطايا

ـ مرور السبايا على مصارع الشهداء

ـ ندب زينب وسكينةعليه‌السلام

ـ انفصال ركب السبايا عن كربلاء

ـ تسيير رأس الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة

ـ تبييت خولي للرأس الشريف في داره

اليوم الثاني عشر من المحرم :

ـ دخول الرأس الشريف إلى الكوفة

ـ خولي يطلب الجائزة من ابن زياد

٢٤٣

اليوم الثالث عشر من المحرم :

ـ دخول موكب الرؤوس والسبايا إلى الكوفة

ـ خبر مسلم الجصّاص

ـ خطبة زينبعليه‌السلام في أهل الكوفة

ـ خطبة فاطمة الصغرى بنت الحسينعليه‌السلام

ـ خطبة أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام

ـ خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

ـ وصف بشير بن حذيم للناس وهم حيارى

ـ في قصر الإمارة :

ـ إدخال رأس الحسينعليه‌السلام على ابن زياد

ـ إدخال العترة الطاهرةعليه‌السلام

ـ مجادلة زيد بن أرقم مع عبيد الله بن زياد

ـ محاورة زينبعليه‌السلام مع ابن زياد

ـ ملاسنة الإمام زين العابدينعليه‌السلام لابن زياد

ـ محاولة ابن زياد قتل الإمام زين العابدينعليه‌السلام

ـ وضع السبايا في السجن

ـ دفن جسد الحسينعليه‌السلام وأجساد الشهداء (رض)

اليوم الرابع عشر وما بعده :

ـ إحضار المختار الثقفي ليرى الرأس الشريف

ـ نهاية عمر بن سعد

ـ محاولة ابن زياد التنصّل من مسؤولية قتل الحسينعليه‌السلام

ـ خبر عبد الله بن عفيف الأزدي

ـ تطويف الرأس الشريف في سكك الكوفة ، ثم صلبه

ـ صلب الرؤوس بالكوفة على الخشب

ـ كلام الرأس المقدس

ـ قصة الغلامين إبراهيم ومحمد ولدي مسلم بن عقيلعليه‌السلام

ـ نعي الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة.

٢٤٤

الفصل السابع والعشرون

تسيير الرؤوس والسبايا إلى الكوفة

مقدمة الفصل :

يختص هذا الفصل بالحوادث التي حصلت على الرؤوس والسبايا خلال تسعة أيام ، ابتداء من عشية يوم عاشوراء ، إلى تسييرهم من كربلاء إلى الكوفة ، وحتى نهاية إقامة السبايا في الكوفة في اليوم التاسع عشر من المحرم. يبدأ الفصل بتوضيح كيف بات السبايا في الليلة الأولى بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ، وهي التي تدعى ليلة اليتيمة الأولى. وذلك أن زينب العقيلةعليه‌السلام بعد أن أحرقوا كل خيام أهل البيتعليه‌السلام طلبت من عمر بن سعد خيمة ليبيت فيها النساء والأطفال. فباتوا فيها أسرى الذل والانكسار ، والخوف والهلع. وفي نفس الوقت كان قادة جيش عمر بن سعد يقطعون رؤوس الشهداء ويتقاسمونهم على ضوء المشاعل ، وذلك بعد أن صلّوا صلاة العشاء الباطلة. ثم سيّروا الرؤوس إلى ابن زياد. ثم ينتقل الفصل إلى حوادث اليوم الحادي عشر من المحرم ، حيث ارتحل عمر بن سعد بالسبايا عند الزوال ، وأركبهم على جمال بغير وطاء ، فمرّوا بهم على جسد الحسينعليه‌السلام وعلى القتلى من الشهداء (رض). وعندها أبّنت زينبعليه‌السلام أخاها الحسينعليه‌السلام بندب تسيخ منه الجبال الصماء ، ثم ودّعنه متوجهين إلى الكوفة التي تبعد عن كربلاء جنوبا نحو ٧٠ كم. وفي اليوم الثاني عشر ، كان خولي يحمل رأس الحسينعليه‌السلام إلى عبيد الله بن زياد ، طالبا منه الجائزة. وفي اليوم الثالث عشر ، كانت السبايا تدخل الكوفة في موكب حاشد مهيب مع الرؤوس ، وقد خرجت الكوفة بأهلها عن بكرة أبيها. فخطبت في تلك الجموع كلّ من زينب العقيلةعليه‌السلام وفاطمة الصغرى بنت الحسينعليه‌السلام ، ثم أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام ، ثم الإمام زين العابدينعليه‌السلام الذي كانت العلة قد أنهكته. ثم أدخل الرؤوس والسبايا إلى قصر الإمارة ، وعرضوا على عبيد الله بن زياد ، الّذي بدأ يتشفّى من الحسينعليه‌السلام بضرب رأسه بالقضيب،

٢٤٥

ويشمت به ويقول : يوم بيوم بدر! وفي هذا الجو الموبوء بالترّهات والأضاليل ، وقفت زينبعليه‌السلام تفرغ على لسان أبيها علي أمير المؤمنينعليه‌السلام كلمات الحق التي تفضح يزيد وأعمال ابن زياد ، بشجاعة وإقدام ، يوازي شجاعة أخيها الحسينعليه‌السلام وإقدامه في كربلاء. فأتمّت بذلك أهداف نهضته المباركة ، في ذلك الموقف الّذي لا يجرؤ أحد فيه على التفوّه بكلمة واحدة. ولما تلاسن الإمام زين العابدينعليه‌السلام مع ابن زياد ، همّ بقتله ، فتمسكت به زينبعليه‌السلام وقالت : إذا أردتم قتله فاقتلوني معه ، فبهتوا وتركوه. ثم حملوه مع السبايا إلى السجن. ومنذ أن أتمّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام رسالته في مجلس ابن زياد ، كان على موعد بعد مقتل أبيه بثلاثة أيام ، على العود إلى كربلاء بعيدا عن الأنظار ، ليقوم بدفن جسد أبيه الحسينعليه‌السلام وأجساد البدور التمّ من بني هاشم ، والأقمار من أصحابهم. فوجدعليه‌السلام بني أسد هناك ، وقد تنادوا لدفن القتلى ، فأمرهم أن يحفروا حفرتين كبيرتين ؛ إحداهما لدفن الآل ، والأخرى لدفن الأصحاب. أما جسد الحسينعليه‌السلام فقد كان ممزّقا أشلاء ، فوضعه الإمام زين العابدينعليه‌السلام عليحصير ، وحمله إلى لحده الّذي هيأه له ، حيث أقره فيه ، وأهال التراب عليه ، والملائكة أعوانه. ثم أمرعليه‌السلام بدفن سيدنا العباسعليه‌السلام في مكان استشهاده بالقرب من نهر العلقمي ، بعيدا عن الحائر الحسيني. ولما شفى ابن زياد حقده من الرأس الشريف ، ورؤوس الشهداء من أهله وأصحابه ، أمر بها فطوّفت في سكك الكوفة وقبائلها. وكان الرأس الشريف وهو على السنان ، يقرأ آيات القرآن ، بأعذب لسان وأفصح بيان. ثم أمر ابن زياد بالرؤوس كلها فنصبت على الخشب ، وهي أول رؤوس تصلب في الإسلام. وبعد أن قضى الإمام زين العابدينعليه‌السلام والسبايا عدة أيام في السجن ، جاء الأمر من يزيد بتسيير السبايا والرؤوس إلى دمشق ، من أطول طريق مأهول بالناس ، للتشهير بهم وتخويف الناس من أن يخرجوا عليه. وفي تلك الفترة كان نعي الحسينعليه‌السلام قد وصل إلى المدينة المنورة ، حيث كان الوالي عمرو بن سعيد الأشدق ، الّذي شمت واغتبط لمقتل الحسينعليه‌السلام . بينما خرجت المدينة بقضّها وقضيضها تندب الحسينعليه‌السلام وتلطم الخدود عليه ، ناهيك عن عبد الله بن جعفر والحسن البصري وأم سلمة (رض) وأم لقمان بنت عقيلعليه‌السلام .

٢٤٦

حوادث عشية اليوم العاشر من المحرم

٢٥٧ ـ ليلة بائسة حالكة يلفّها الحزن ويعتصرها الأسى :

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٣٦٥ : يا لها من ليلة بائسة مرت على بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك العزّ الشامخ الّذي لم يفارقهن منذ أوجد الله كيانهن. فلقد كنّ بالأمس في سرادق العظمة وأخبية الجلالة ، يشعّ نهارها بشمس النبوة ، ويضيء ليلها بكواكب الإمامة ومصابيح أنوار القداسة. وبقين في هذه الليلة في حلك دامس ، من فقد تلك الأنوار الساطعة ؛ بين رحل منتهب وخباء محترق وفرق سائد وحماة صرعى ، ولا محامي لهن ولا كفيل ، لا يدرين من يدفع عنهن إذا دهمهنّ داهم ، ومن الّذي يردّ عادية المرجفين ، ومن يسكّن فورة الفاقدات ، ويخفض من وجدهن. نعم كان بينهن صراخ الصبية وأنين الفتيات ونشيج الولهى.فأم طفل فطمته السهام ، وشقيقة مستشهد ، وفاقدة ولد ، وباكية على حميم. وإلى جنبهن أشلاء مبضّعة وأعضاء مقطّعة ونحور دامية ، وهنّ في فلاة من الأرض جرداء. ويقول السيد أسد حيدر في كتابه (مع الحسين في نهضته) ص ٢٨٥ : وأكبّت زينبعليه‌السلام على جسد الحسين الطاهر ، وهي تحاول أن تجد موضعا يسمح لها بتقبيله فلم تجد ، لكثرة النبال التي زرعت فيه. وفي هذا المعنى قال السيد جعفر الحلي :

قد رام يلثمه فلم ير موضعا

لم يدمه عضّ السلاح فيلثم

٢٥٨ ـ حال السبايا مساء يوم عاشوراء :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٠٥)

قال السيد ابن طاووس في (الإقبال) : اعلم أن أواخر النهار من يوم عاشورا ، كان اجتماع حرم الحسينعليه‌السلام وبناته وأطفاله في أسر الأعداء ، ومشغولين بالحزن والهموم والبكاء. وانقضى عليهم آخر ذلك النهار ، وهم فيما لا يحيط به قلمي من الذل والانكسار. وباتوا تلك الليلة فاقدين لحماتهم ورجالهم ، وغرباء في إقامتهم وترحالهم ، والأعداء يبالغون في البراءة منهم ، والإعراض عنهم وإذلالهم ، ليتقربوا بذلك إلى المارق عمر بن سعد ، مؤتم أطفال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومقرّح الأكباد ، وإلى الزنديق عبيد الله بن زياد ، وإلى الكافر يزيد بن معاوية ، رأس الإلحاد والعناد.

٢٤٧

٢٥٩ ـ نساء من؟ هؤلاء الذين يساقون سبايا :

(الحسين إمام الشاهدين ، ص ٨٨)

يقول الدكتور علي شلق : حرائر من تسبى؟. أطفال من تسبى؟. أولاد من تسبى؟ أولاد محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجري أنهار الخير إلى مكة والمدينة ، ومفيض البركة على ذلك العصر ، ودنيا كل قطر ومصر. أبناؤه يساقون نساء وأطفالا سبايا ، بعد أن خلّفوا وراءهم فلذات أكبادهم ، وقد صبغت دماؤهم التراب.ويدفعون أذلة معولين منهوكين إلى عبيد الله بن زياد ، النجل المختار لزياد ابن أبيه. ابن من؟ ابن سميّة. وسمية من؟ واحدة من البغايا التي ضاجعها أبو سفيان جدّ يزيد سرا ، وستر عاره. فجاء ولده معاوية البار يفاخر بأبيه الزاني ، ويعلن أنه أخ لزياد. من نسل هذا الفاجر زياد ، جاء من سفك دم حفيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .فيالغرابة الأقدار ، ويا عجبا غاية العجب من إنسانية الإنسان!.

٢٦٠ ـ النساء يتجمعن حول جسد أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام :

لما أحرقوا خيم الحسينعليه‌السلام جاءت زينبعليه‌السلام إلى زين العابدينعليه‌السلام وقالت له : ماذا نصنع؟. قال : هيموا على وجوهكم في البيداء!. فأقبلن إلى مصرع أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وأحطن بجثمانه الطاهر ؛ واحدة تمسح عنه التراب ، وأخرى تظلله عن حرارة الشمس ، والثالثة تصبغ شعرها بدمه. كأن الشاعر قد أطلّ عليهن في ذلك اليوم فوصف حالهن فقال :

فواحدة تحنو عليه تشمّه

وأخرى عليه بالرداء تظلّل

وأخرى بفيض النحر تصبغ شعرها

وأخرى تفدّيه وأخرى تقبّل

وأخرى على خوف تلوذ بجنبه

وأخرى لما قد نالها ليس تعقل

٢٦١ ـ زينبعليها‌السلام تطلب من عمر بن سعد خيمة لإيواء النساء والأطفال :

قال بعض المؤرخين :

بعثت الحوراء زينبعليه‌السلام طفلين من أطفال أبي عبد الله الحسين الصغار ، قالت لهما : امضيا إلى معسكر ابن سعد ، وقولا له : إن عمتنا زينب تقول : إن أصحابك أحرقوا خيامنا كلها ، وهذا الليل قد غشينا ، فامر أصحابك أن ينصبوا لنا خيمة حتينجمع بها الأطفال والعيال سواد هذه الليلة. ذهب الطفلان ، والحزن والانكسار باد عليهما ، حتى وصلا إلى عمر بن سعد ، وأبلغاه مقالة عمتهما

٢٤٨

زينبعليه‌السلام . فأمر عمر بن سعد أصحابه ، فضربوا خيمة. فجمعت زينبعليها‌السلام الأطفال والعيال في تلك الخيمة ، ووقفت هي على يمينها ، وأم كلثوم على شمالها ، وجعلت تتفقّد النسوة والأطفال ، إذ افتقدت الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام . فخرجت في طلبها تنادي : رباب كلّميني ، في أي واد أنت؟

٢٦٢ ـ الرباب تبحث عن طفلها الرضيع :

إلى أن وصلت إلى مصرع الحسينعليه‌السلام فرأتها جالسة هناك. قالت لها : ما الذي أخرجك في هذا الليل؟. قالت : سيدتي لا تلوميني. لما جنّ عليّ الليل درّت عليّ محالبي ، وأوجعني صدري ، فجئت إلى رضيعي لعلي أجد فيه رمق الحياة ، فوجدته مذبوحا من الوريد إلى الوريد. يقول الشيخ محمّد تقي الجواهري مصوّرا مناجاة الرباب لابنها الذبيح عبد الله :

بنيّ أفق من سكرة الموت وارتضع

بثدييك علّ القلب يهدأ هائمه

بنيّ لقد درّا وقد كظّك الظما

لعلك يطفى من غليلك ضارمه

بنيّ لقد كنت الأنيس لوحدتي

وسلواي إذ يسطو من الهم غاشمه

٢٦٣ ـ منظر يفطّر الفؤاد ويفتّ في الأكباد :

(بطلة كربلاء زينب بنت الزهراء لبنت الشاطئ ، ص ١٢٧)

مع غروب شمس العاشر من المحرم ، كانت الدماء تلطخ ثرى كربلاء ، وتنعكس الأنوار المنبلجة منها على الأفق ، فتكسبه حمرة وردية لم تر فيه من قبل. تلك الدماء الزكية التي تجري من الأشلاء المتناثرة على الربى والسهوب ، وقد جرّدت منها الرؤوس ، تسطع منها أنوار العزة والشهادة ، وتفوح منها رائحة الجنة والخلود.قالت بنت الشاطئ : ولاح القمر من وراء الغيوم خابي الضوء شاحبه ، وعلى ذلك الضوء الشاحب بدت (زينب) في نفر من الصبية ، وجمع من الأرامل والثواكل ، عاكفات على تلك الأشلاء ، يلتمسن فيها ذراع ولد حبيب ، أو كتف زوج عزيز ، أو قدم أخ غال. وغير بعيد منهن كان عسكر (ابن زياد) يسمرون ويشربون ، ويحصون على ضوء المشاعل ما قطعوا من رؤوس ، وما انتهبوا من أسلاب. وما أن خيّم الظلام حتى كانت رؤوس الشهداء الأبرار والمؤمنين الأحرار تحمل على رؤوس الرماح ، إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة.

٢٤٩

٢٦٤ ـ تسريح رأس الحسينعليه‌السلام إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٢)

وسرّح عمر بن سعد من يومه ذاك ـ وهو يوم عاشوراء ـ برأس الحسينعليه‌السلام مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي ، إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة. (أقول) : الظاهر أن تسيير رأس الحسينعليه‌السلام كان منفردا ومتقدما على تسيير بقية الرؤوس. وكذلك فإن تسيير الرؤوس الباقين كان سابقا على تسيير السبايا. إلا أن دخول الكوفة كان مشتركا في موكب واحد.

قطع الرؤوس وعدّها

٢٦٥ ـ قطع الرؤوس وإرسالها إلى الكوفة :

(لواعج الأشجان ، ص ١٧٣)

وأمر ابن سعد برؤوس الباقين من أصحاب الحسينعليه‌السلام وأهل بيته فقطعت (ونظّفت) وكانت اثنين وسبعين رأسا ، وسرّحت مع شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث بن قيس ، وعمرو بن الحجاج ، فأقبلوا بها على ابن زياد. وروي أن الرؤوس كانت ثمانية وسبعين رأسا ، اقتسمتها القبائل لتتقرب بها إلى ابن زياد وإلى يزيد. وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٧ : وحمل مع رأس الحسينعليه‌السلام اثنان وتسعون رأسا.

٢٦٦ ـ تحقيق حول عدد الرؤوس التي قطعت وسيّرت إلى الكوفة :

(أنصار الحسين للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ٥٧ و٦٣ ط ٢)

تجمع الروايات على عدد الرؤوس التي قطعت بعد نهاية المعركة ، وأرسلت إلى الكوفة ، وهذا العدد بين ٧٠ رأسا و٧٥ رأسا. ومن الذين ذكروا أن عدد الرؤوس كان ٧٢ رأسا كل من أبي مخنف والدينوري والشيخ المفيد. وبما أن المسلّم به أن كل من حضر مع الحسينعليه‌السلام من الأنصار قد استشهد معه (إلا الثلاثة المذكورين وهم : الضحاك بن عبد الله المشرقي ، وعقبة بن سمعان ، والمرقّع بن ثمامة الأسدي) فيكون عدد القتلى أكثر من هذا العدد.

لكن يمكن دفع هذا الإشكال بأن نقول : إن تقديرات الرواة كانت تستبعد دائما من الحساب القتلى من الموالي ، لأسباب عنصرية كانت تلعب دورها في ذلك الوقت ، مع أن عدد الموالي الخاصين بأهل البيتعليه‌السلام وغيرهم كان كبيرا

٢٥٠

لا يستهان به. فيجوز أن رؤوس الشهداء لم تقطع كلها ، وإذا كان العدد الكلي للشهداء ١٢٠ شهيدا فلا تعارض بينه وبين ما ذكرته بعض الروايات من أن عدد الرؤوس التي سيّرت ٧٨ رأسا.

٢٦٧ ـ اقتسام القبائل لرؤوس الشهداء :

(الأخبار الطوال للدينوري ، ص ٢٥٩)

قال الدينوري : وحملت الرؤوس على أطراف الرماح ، وكانت اثنين وسبعين رأسا. جاءت هوازن منها باثنين وعشرين رأسا (مع شمر بن ذي الجوشن).وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، مع الحصين بن نمير. وجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ، مع قيس بن الأشعث. وجاءت بنو أسد بستة رؤوس ، مع هلال الأعور.وجاءت الأزد بخمسة رؤوس ، مع عيهمة بن زهير. وجاءت ثقيف باثني عشر رأسا ، مع الوليد بن عمرو. ووفق هذا الاحصاء يكون العدد ٧٥ وليس ٧٢ كما ذكر.

ـ رواية أخرى :(اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٦٠)

وروي أن أصحاب الحسينعليه‌السلام كانوا ثمانية وسبعين ٧٨ رأسا. فاقتسمتها القبائل لتتقرب بذلك إلى عبيد الله بن زياد وإلى يزيد بن معاوية. فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث. وجاءت هوازن باثني عشر رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن. وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا. وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا. وجاءت مذحج بسبعة رؤوس. وجاء باقي الناس بثلاثة عشر رأسا.

٢٦٨ ـ قطع الرؤوس سمة وحشية اتخذها بنو أمية ، ولا تجوز في الإسلام :

(أنصار الحسين ، ص ٢٢٥ ط ٢)

قال الشيخ شمس الدين بتصرف : إن قطع رأس الميت ، قتيلا كان أو ميّتا حتف أنفه ، هو من المثلة ، التي نهى عنها الإسلام وأكد على حرمتها. يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«لا تمثّلوا ولو بالكلب العقور».

ولم يحدث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل حروبه مع الكفار ، أنه قطع رأس أحد منهم بعد موته ، وعلى ذلك سار الخلفاء الأربعة من بعده.

يظهر من هذا أن الاسلام لا يشجّع على قطع رأس العدو الكافر المحارب ، فكيف بقطع رأس المسلم ، ونقله من بلد إلى بلد.

٢٥١

وقد انتهك ملوك بني أمية هذا الحكم الشرعي الواضح ، ولا نعرف من أين اقتبس الأمويون هذا الأسلوب في معاملة قتلاهم ؛ هل من عقليتهم الجاهلية التي لم تزايلهم في يوم من الأيام ، أو لعلهم اقتبسوه من الكفرة الروم الذين كانوا يقلدونهم في طريقة حياتهم؟!.

وأول انتهاك نعرفه لهذا التشريع الاسلامي ، هو ما فعله عامل معاوية على الموصل ، حين أمره معاوية بقتل عمرو بن الحمق الخزاعي (الصحابي العابد الزاهد) ، فقطع رأسه وبعث به إلى معاوية. ولم يكتف معاوية بذلك ، بل إنه استدعى زوجة عمرو بن الحمق ، وقذف برأس زوجها في حجرها وهي في سجنه بدمشق ، وهي لا تعلم أنه قد قتل. إنها وحشية ما بعدها وحشية.

لكن هذا التصرف المحدود ، لم يصل نبؤه إلى المسلمين في الأقطار المترامية.ولذلك كان قتل الحسينعليه‌السلام وحمل رأسه ورؤوس أصحابه وتجوالهم في الأقطار ، حدثا جديدا ومستهجنا بالنسبة لعامة المسلمين. لذلك قال الطبري في (تاريخه ، ج ٥ ص ٣٩٤) عن زرّبن حبيش : «أول رأس رفع على خشبة ، رأس الحسين رضي الله عنه ، وصلى الله على روحه».

وهنا نتساءل : لماذا قطعت الرؤوس بهذه الطريقة الوحشية ، ثم رضّ جسد الحسينعليه‌السلام ؟. هل كان هذا بدافع انتقامي ، أم بدافع سياسي إعلامي؟. الحق أنه كان بدافع انتقامي بعث عليه الحقد الدفين ، لكنه بعد ذلك استغلّ للغرض الإعلامي السياسي ، للتشهير بالحسينعليه‌السلام ومحو أي أمل يراود أي مسلم في الخروج على السلطة الجائرة. انتهى كلامه.

حوادث اليوم الحادي عشر

٢٦٩ ـ دفن ابن سعد لقتلاه :

(لواعج الأشجان ، ص ١٧٣ ؛ ومقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٣) ثم إن ابن سعد جمع القتلى من أصحابه ، وصلى عليهم ودفنهم. وترك سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول الأكرم ومن معه من أهل بيته وصحبه بلا غسل ولا كفن ولا دفن ، تسفي عليهم الصّبا(١) ويزورهم وحش الفلا يقول العلامة الشيخ محمّد تقي آل صاحب الجواهر :

__________________

(١) سفت الريح التراب : أذرته. والصّبا : ريح تهب من المشرق.

٢٥٢

فإن يمس فوق التّرب عريان لم تقم

له مأتما تبكيه فيه محارمه

فأيّ حشى لم يمس قبرا لجسمه

وفي أي قلب ما أقيمت مآتمه

وأقام بقية اليوم العاشر ، واليوم الثاني إلى زوال الشمس.

٢٧٠ ـ عدد الذين قتلوا من جيش عمر بن سعد :

ذكر ابن عساكر في تاريخه ، ص ٢٢٨ ؛ والمسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٧٢ : أن عدد من قتل من أصحاب عمر بن سعد في حرب الحسينعليه‌السلام كان ٨٨ رجلا. (أقول) بناء على هذا الكلام ، فإن عدد من قتل من أصحاب عمر بن سعد يساوي تقريبا من قتل من أنصار الحسينعليه‌السلام . وهذا أمر لا يمكن تصديقه ، إذ كيف يقتل من باعوا حياتهم لله ، مثلما يقتل من باعوا حياتهم للدنيا!. وهذه كتب المقاتل تدحض ذلك. إن كتب السير والمقاتل تذكر كم قتل كل شهيد من أنصار الحسينعليه‌السلام حتى استشهد ، فبعضهم قتل عشرة أو أكثر ، فكيف يكون عدد الجميع ٨٨ رجلا؟. عدا عما قتله الإمام الحسينعليه‌السلام وأخوه العباسعليه‌السلام اللذان يعادل كل واحد منهما ببطولته جيشا كاملا!. والذي أراه أن هذه الروايات هي من دسائس الأمويين ليموّهوا على الناس ويوهموهم أن عدد القتلى منهم كان قليلا ، حتى لا يثور الناس عليهم ، ولا تظهر بطولة الهاشميين وشجاعتهم الباهرة. ففي اعتقادي أن العدد المذكور مقسوم على عشرة على أقل تقدير ، فعدد المقتولين من حزب ابن سعد هو ألف أو يزيد.

٢٧١ ـ كم كان عدد القتلى من الجانبين :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ١٧٩)

يقول السيد أسد حيدر : وهلمّ لنرى تكافؤ القوى في القتلى ، إذ يقول أكثرهم أنه قتل من جيش ابن سعد ٨٤ ، ويقابله من أصحاب الحسين (ع) ٨٤ ، فلم يزد بعضهم على الآخر!. وما أدري من أين جاء هذا التقابل والمساواة ، وكيف يصح!. لقد كان أنصار الحسينعليه‌السلام مستميتين ، وكانت معنوياتهم عالية ، وكان الواحد منهم يقتل العشرة والمئة قبل أن يستشهد ، فكيف يكون عدد الشهداء منهم كعدد القتلى من الأعداء؟!. إن هذا لا يمكن تصديقه. بل إن سلطة ابن زياد أرادت إخفاء الحقائق وتوهيم الناس بقلة عدد القتلى من جنوده ، حتى لا يثور عليه الناس. وإليك دليلا على كذب دعاية السلطة ، وأن قتلى ابن سعد أكثر من أن يحصوا.

٢٥٣

٢٧٢ ـ ما قالته زينب الصغرىعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٣٤٥)

قال ابن عصفور البحراني في مقتله : لما قال أحدهم في مجلس يزيد : إن الحسين جاء في نفر من أصحابه وعترته ، فهجمنا عليهم ، وكان يلوذ بعضهم بالبعض ، فلم تمض ساعة إلا قتلناهم عن آخرهم. قالت الصدّيقة الصغرى زينبعليه‌السلام : ثكلتك الثواكل أيها الكذّاب ، إن سيف أخي الحسينعليه‌السلام لم يترك في الكوفة بيتا إلا وفيه باك وباكية ونائح ونائحة. يشير هذا إلى كثرة القتلى في صفوف ابن زياد.

٢٧٣ ـ العدد المذكور لا يكافئ ما قتله شخص واحد :

(أقول) : إن ما ذكره بعض الرواة من أن عدد قتلى جيش عمر بن سعد ٨٨ رجلا يكافئ ما قتله شخص واحد من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام . فمثلا إن أبا الشعثاء الكندي لوحده قتل أكثر من هذا العدد ، فلقد أثر عنه أنه رمى مئة سهم بين يدي الحسينعليه‌السلام ، وكانت رميته لا تخطئ. فإذا كان واحد قد قتل مئة ، فكيف يكون عدد القتلى ٨٨ فقط. وكذلك فإن علي الأكبرعليه‌السلام لما هجم على جموع القوم قتل بسببه ١٢٠ شخصا ، ثم أثناء رجوعه تمام المئتين. وهذا ليس بمستغرب ، إذ ليس كل القتلى كانوا يقتلون مباشرة ، بل ربما كانوا يقتلون بعضهم بعضا من الذعر والرعب.

٢٧٤ ـ كم قتل العباسعليه‌السلام قبل أن يقتل؟ :

(أسرار الشهادة ، ص ٣٤٥)

قال الفاضل الدربندي : إن الذين قتلهم العباسعليه‌السلام من الأعداء لا بدّ أن يكون عددهم أكثر من عدد جميع من قتلهم سائر الشهداء ، وذلك لأن شجاعة العباسعليه‌السلام توازي شجاعة الكل ، عدا علي الأكبرعليه‌السلام .

٢٧٥ ـ عدد الذين قتلهم الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

وقال الفاضل الدربندي : القدر المتيقّن وما عليه اتفاق الكل ، هو أن عدد الأشرار الذين قتلهم سيد الشهداءعليه‌السلام لوحده هو ما يقرب من ألفين ، سوى المجروحين. وأما ما ذكره ابن عصفور في مقتله ففيه مبالغة.

٢٥٤

٢٧٦ ـ الحسينعليه‌السلام وأصحابه قتلوا الآلاف من عسكر ابن سعد :

(نهاية الأرب للقلقشندي ، ص ٤٢٣)

يقول القلقشندي [ت ٨٢١ ه‍] في كتابه (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) عن الحسينعليه‌السلام وصحبه : فقتل فيه الإمامعليه‌السلام وأهله وسبعون من أصحابه الصّفوة ، بعد أن قتل الآلاف من أهل الكوفة. وهذا اعتراف صريح بجسامة العدد وأنه بحدود الآلاف وليس المئات.

الرحيل من كربلاء

٢٧٧ ـ تسيير سبايا أهل البيتعليه‌السلام إلى الكوفة :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٣)

قال السيد المقرم : وبعد الزوال ارتحل [ابن سعد] إلى الكوفة ، ومعه نساء الحسينعليه‌السلام وصبيته وجواريه وعيالات الأصحاب ، وكنّ عشرين امرأة.وسيّروهنّ على أقتاب الجمال بغير وطاء ، كما يساق سبي الترك والروم ، وهن ودائع خير الأنبياء. ومعهن السجّاد علي بن الحسينعليه‌السلام وعمره ثلاث وعشرون سنة ، وهو على بعير ظالع [أي يعرج في مشيته] بغير وطاء ، وقد أنهكته العلة ، ومعه ولده محمد الباقرعليه‌السلام وله سنتان وشهور. ومن أولاد الإمام الحسن المجتبى : زيد وعمرو والحسن المثنّى وكان معهم عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام .

٢٧٨ ـ النداء بالرحيل :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٠٩)

ثم إن عمر بن سعد أقام بقية يومه [العاشر] واليوم الثاني إلى زوال الشمس.فجمع قتلاه ، فصلى عليهم ودفنهم. وترك الحسينعليه‌السلام وأصحابه منبوذين بالعراء.ثم أمر حميد بن بكير الأحمري ، فأذّن بالناس بالرحيل إلى الكوفة. قيل : إن عدد نساء الحسينعليه‌السلام وعياله دون الأطفال عشرون امرأة. وعن (كامل البهائي) : أن النساء كنّ جميعهن عشرين نسوة. وعن (المناقب) : وجاؤوا بالحرم أسارى ، إلا شهربانويه ، فإنها أتلفت نفسها في الفرات. وفي (سير أعلام النبلاء) للذهبي : فقدم بهم وبزينب وفاطمة بنتي عليعليه‌السلام وفاطمة وسكينة بنتي الحسينعليه‌السلام وزوجته

٢٥٥

الرباب الكلبية والدة سكينة ، وأم محمّد بنت الحسن بن عليعليه‌السلام ، وعبيد وإماء لهم. (أقول) : قوله فاطمة بنت عليعليه‌السلام توهّم ، والصحيح : أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام وهي زينب الصغرى.

٢٧٩ ـ إركاب النسوة على المطايا :

(الفاجعة العظمى ، ص ١٩١)

قال الدربندي في (أسرار الشهادة) : ثم أمر ابن سعد بأن تحمل النساء على الأقتاب بلا وطاء ، فقدّمت النياق إلى حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقيل لهن : تعالين واركبن ، فقد أمر ابن سعد بالرحيل. فلما سمعت زينبعليه‌السلام ذلك ، جعلت تنادي :يابن سعد سوّد الله وجهك ، أتأمر هؤلاء القوم بأن يركبونا ، ونحن ودائع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قل لهم يتباعدون عنا ، دعنا حتى يركب بعضنا بعضا. فأمر اللعين فقال : تنحّوا عنهن. فأقبلت زينبعليه‌السلام ومعها أم كلثوم ، فجعلت تركب العيال والأطفال ، وتنادي كل واحدة من النساء والأطفال باسمها ، وتركبها على المحمل.٢٨٠ ـ أركبوهم على جمال بدون وطاء! :(المصدر السابق).

وفي (اللهوف) : ثم رحل [عمر بن سعد] بمن تخلّف من عيال الحسينعليه‌السلام ، وحمل نساءه على أحلاس أقتاب الجمال [الحلس : كل ما ستر ظهر الدابة ، ويوضع عليه الرحل والقتب والسرج ، جمعها أحلاس. والقتب : الرحل الصغير على قدر سنام البعير ، جمعها أقتاب] بغير غطاء ولا وطاء ، وهنّ ودائع الأنبياء. وساقوهن كما يساق سبي الترك والروم ، في أشدّ المصائب والهموم.

٢٨١ ـ كيف أركبوا الإمام زين العابدينعليه‌السلام :(المصدر السابق)

وفي (نفس المهموم) عن كتاب (المصابيح) بإسناده إلى الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام قال : قال لي أبي محمّد الباقرعليه‌السلام : سألت أبي علي بن الحسينعليه‌السلام عن حمل يزيد له؟. فقال : حملني على بعير يظلع [أي يعرج] بغير وطاء ، ورأس الحسينعليه‌السلام على علم ، ونسوتنا خلفي على جمال ، والفارطة خلفنا ، وحولنا الرماح ، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح. وفي (معالي السبطين) ج ٢ ص ٥٤ : ثم أركبوا الإمام زين العابدينعليه‌السلام على بعير أعجف ، فلم يتمالك الركوب من شدة الضعف. فأخبروا ابن سعد ، فقال : قيّدوا رجليه من تحت بطن الناقة ، ففعلوا ذلك. وساروا بهم على تلك الحالة.

٢٥٦

المرور على مصارع الشهداءعليه‌السلام

٢٨٢ ـ المرور على مصرع الحسينعليه‌السلام :(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٦٤)

قال السيد الحميري في رثاء الحسينعليه‌السلام :

امرر على جدث الحسين

وقل لأعظمه الزكيّه

يا أعظما لا زلت من

وطفاء ساكبة رويّه

وإذا مررت بقبره

فأطل به وقف المطيّه

وابك المطهّر للمطهّر

والمطهّرة التقيّه

كبكاء معولة أتت

يوما لواحدها المنيّه

٢٨٣ ـ مرور السبايا على مصارع الشهداءعليه‌السلام :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٦)

[لما أمر ابن سعد بحمل السبايا] فقال النسوة : بالله عليكم إلا ما مررتم بنا على القتلى. فمرّوا بهم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه وهم صرعى. فلما نظر النسوة إلى القتلى مقطعي الأوصال ، قد طعنتهم سمر الرماح ، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح ، وطحنتهم الخيل بسنابكها ؛ صحن ولطمن الوجوه.

٢٨٤ ـ زينب العقيلة تؤبّن الحسينعليه‌السلام :

في (لواعج الأشجان) ص ١٩٨ ط ٤ :

قال الراوي : فو الله لا أنسى زينب بنت عليعليه‌السلام وهي تندب الحسينعليه‌السلام وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا محمداه ، صلى عليك مليك السماء. هذا حسين مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا. إلى الله المشتكى ، وإلى محمّد المصطفى ، وإلى علي المرتضى ، وإلى فاطمة الزهراء ، وإلى حمزة سيّد الشهداء. يا محمداه ، هذا حسين بالعراء ، تسفي عليه ريح الصّبا ، قتيل أولاد البغايا. وا حزناه وا كرباه عليك يا أبا عبد الله ، اليوم مات جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .يا أصحاب محمّد هؤلاء ذرية المصطفى ، يساقون سوق السبايا. (وفي بعض الروايات) أنها قالت : يا محمداه ، بناتك سبايا ، وذرّيتك مقتّلة ، تسفي عليهم ريح الصّبا. وهذا حسين محزوز الرأس من القفاء ، مسلوب العمامة والرداء. بأبي من أضحيعسكره يوم الاثنين نهبا. بأبي من فسطاطه مقطّع العرى. بأبي من لا هو غائب

٢٥٧

فيرتجى ، ولا جريح فيداوى. بأبي من نفسي له الفدا. بأبي المهموم حتى قضى.بأبي العطشان حتى مضى. بأبي من شيبته تقطر بالدما. بأبي من جده رسول إله السما. بأبي من هو سبط نبي الهدى. بأبي محمّد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء. بأبي من ردّت له الشمس حتى صلّى. قال الراوي : فأبكت والله كل عدوّ وصديق. وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٣٩ : حتى رأينا دموع الخيل تنحدر على حوافرها.

وفي (العيون العبرى للميانجي) ص ١٩٨ ، عن التستري ما معناه : ثم إن الحوراءعليه‌السلام وضعت فمها على نحر أخيها المنحور ، وقبّلت موضعا لم يقبّله نبي ولا وصي ولا أمها الزهراءعليه‌السلام ، وهي تقول : بأبي من نفسي له الفداء. بأبي المهموم حتى قضى. بأبي العطشان حتى مضى. بأبي من شيبته تقطر بالدماء وفي (الفاجعة العظمى) ص ١٨٧ : ثم قالت للحسينعليه‌السلام : أخي يابن أمي ، والله لقد كللت من المدافعة عن هؤلاء الأطفال والنساء ، وهذا متني قد اسودّ من الضرب.أخي أبا عبد الله ، لقد أتونا بالنياق مهزولة ، لا موطّأة ولا مرحولة ، وناقتي مع هزلها صعبة الانقياد. أخي ودّعتك الله السميع العليم. أخي لو خيّروني بين الرحيل والمقام عندك لاخترت المقام عندك ، ولو أن السباع تأكل من لحمي. يا خليفة أبي وأخي ، فإن فراقي هذا لا عن ضجر ولا عن ملالة ، ولكن يابن أمي الأمر كما ترى.فاقرأ جدي وأبي وأخي عنا السلام.

٢٨٥ ـ زينبعليه‌السلام تشاطر أخاها الحسينعليه‌السلام مسؤوليات النهضة :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٦)

وقبل أن تودّع زينبعليه‌السلام أرض الشهادة ، وقفت على جسد أخيها الحسينعليه‌السلام المرمّل بالدماء ، ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ، ورفعته نحو السماء ، وقالت : [إلهي تقبّل منا هذا القربان(١) ]. أجل إنه القربان الّذي قدّمه أهل البيتعليه‌السلام فداء للدين الإسلامي المجيد. وهذا القول يدلنا على أن زينبعليه‌السلام كانت قد أخذت على نفسها أن تقوم بتلك النهضة المقدسة مع أخيها الحسينعليه‌السلام . فقامت بعد استشهاده لتتابع تلك النهضة وتكمل أهدافها ، وتحقق مراميها البعيدة. ولنعم ما قال العلامة ميرزا محمد علي الأوردبادي :

__________________

(١) الكبريت الأحمر ، ج ٣ ص ١٣ عن (الطراز المذهب).

٢٥٨

وتشاطرت هي والحسين بدعوة

حتم القضاء عليهما أن يندبا

هذا بمشتبك النصول ، وهذه

في حيث معترك المكاره والسّبا

٢٨٦ ـ ندب سكينة بنت الحسينعليه‌السلام لأبيها :(العيون العبرى ص ١٩٩)

ثم إن سكينةعليه‌السلام اعتنقت جسد أبيها ، وهي تقول : يا أبتاه ، ألبسني بنو أمية ثوب اليتم. يا أبتاه إذا أظلم عليّ الليل من يحمي حماي؟. يا أبتاه إذا عطشت فمن يروي ظماي؟. يا أبتاه انظر إلى رؤوسنا المكشوفة ، وإلى أكبادنا الملهوفة ، وإلى عمتي المضروبة ، وإلى أمي المسحوبة!.

فاجتمعت عدة من الأعراب حتى جرّوها عنهعليه‌السلام .

وفي (نفس المهموم) قالت سكينةعليه‌السلام : لما قتل الحسينعليه‌السلام اعتنقته ، فأغمي عليّ ، فسمعته يقول :

شيعتي ما إن شربتم

عذب ماء فاذكروني

أو سمعتم بغريب

أو شهيد فاندبوني

فأنا السبط الذي

من غير جرم قتلوني

وبجرد الخيل عمدا

بعد قتلي سحقوني

٢٨٧ ـ مرور السبايا على مصارع الشهداءعليه‌السلام وما قالته أم كلثومعليه‌السلام :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢١٠)

وعن (تظلم الزهراء)و (المعدن) : أن بني أمية جاؤوا بالنساء قصدا وعنادا ، وعبّروهن على مصارع آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلما رأت أم كلثوم أخاها الحسينعليه‌السلام وهو مطروح على الأرض ، تسفو عليه الرياح ، وهو مكبوب مسلوب ، وقعت من أعلى البعير إلى الأرض ، وحضنت أخاهاعليه‌السلام وهي تقول ببكاء وعويل : يا رسول الله ، انظر إلى جسد ولدك ملقى على الأرض بغير غسل ، وكفّنه الرمل السافي عليه ، وغسّله الدم الجاري من وريديه. وهؤلاء أهل بيته يساقون سبايا في سبي الذل ، ليس لهم محام يمانع عنهم.

توضيح : تذكر بعض الروايات أن القوم مروا بالأسارى على القتلى مرتين : ـ مرة في اليوم العاشر ، بعدما قتلوا الحسينعليه‌السلام وهجموا على الخيام وأحرقوها. ـ ومرة في اليوم الحادي عشر ، وهن على أقتاب الجمال راكبات ، وبعد العزّ مذلّلات. ولكننا اقتصرنا آنفا على ذكر المرور الأخير ، ودمجنا معه ما قيل في المرور الأول ، تماشيا مع ما أورده السيد الأمين في لواعجه ، والسيد المقرم في مقتله.

٢٥٩

٢٨٨ ـ زينبعليه‌السلام تطمئن زين العابدينعليه‌السلام بأن الله سيرسل من يدفن جثث الشهداء :(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٩٣)

(في كامل ابن الأثير) عن قدامة بن زائدة (قال) قال لي علي بن الحسينعليه‌السلام بعد كلام : إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا ، وقتل أبي وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله ، وحمل نساؤه على الأقتاب ، يراد بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا ، فعظم ذلك في صدري ، واشتدّ لما أرى منهم قلقي ، وكادت تخرج نفسي ، وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى ، فقالت لي :مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟. فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع ، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وبني عمي وأهلي مصرّعين بدمائهم ، مرمّلين بالعراء مسلّبين ، لا يكفّنون ولا يوارون ، ولا يعرّج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر؟ كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر؟!.

فقالت : لا يجز عنّك ما ترى ، فو الله إن ذلك لعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جدك وعمك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة ، لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السموات والأرض ، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة فيدفنونها ، وينصبون في هذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه ، على كرور الليالي والأيام. وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلا ظهورا ، وأمره إلا علوّا.

٢٨٩ ـ انفصال ركب السبايا من كربلاء :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٩)

وأتاهن زجر بن قيس ، وصاح بهن فلم يقمن ، فأخذ يضربهن بالسوط ، واجتمع عليهن الناس حتى أركبوهن على الجمال(١) .

وركبت العقيلة زينبعليه‌السلام ناقتها ، فتذكرت ذلك العزّ الشامخ والحرم المنيع ، الّذي تحوطه الليوث الضواري ، والأباة من آل عبد المطلب ، وتحفّه السيوف المرهفة ، والرماح المثقّفة ، والأملاك تخدمها فيه ، فلا يدخلون إلا مستأذنين.

يقول سليمان القندوزي في (ينابيع المودة) ج ٢ ص ١٧٦ ط ١ : ثم إن عمر بن

__________________

(١) تظلم الزهراء ، ص ١٧٧.

٢٦٠

سعد توجه إلى الكوفة بالسبايا على الجمال ، نحو أربعين جملا ، بغير وطاء ولا غطاء ، وفخذا علي بن الحسينعليه‌السلام يترشحان دما.

تسيير رأس الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة

٢٩٠ ـ تسيير رأس الحسينعليه‌السلام مع خولي :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٢)

وسرّح عمر بن سعد من يومه ذلك ـ وهو يوم عاشوراء ـ برأس الحسينعليه‌السلام مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي ، إلى عبيد الله بن زياد.

(أقول) : المسافة من كربلاء إلى الكوفة نحو ٧٢ كم ، وتحتاج في قطعها إلى أكثر من يوم كامل ، فيكون وصول الرأس الشريف إلى الكوفة مساء اليوم الحادي عشر من المحرم. ولما وجد خولي قصر الإمارة في الكوفة مغلقا ، عمد إلى تبييت الرأس الشريف في داره كما سترى. وفي صبيحة اليوم التالي [١٢ محرم] كان خولي مع الرأس يدخل القصر ، ليأخذ الجائزة من ابن زياد.

٢٩١ ـ مسجد الحنّانة أول منزل نزل به رأس الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٥٦)

في (نفس المهموم) قال الشيخ عباس القمي : وفي ظهر الكوفة عند قائم الغريّ ، مسجد يسمى بالمسجد الحنّانة ، فيه يستحب زيارة الحسينعليه‌السلام ، لأن رأسهعليه‌السلام وضع هناك ، ومن هناك حمل إلى عبيد الله بن زياد. ولما جيء برأس الحسينعليه‌السلام من كربلاء إلى الكوفة ، ووصل هناك وقد مضى من الليل شطره ، فوضع الحامل اللعين الرأس المبارك في ذلك المقام ، وهذا أول منزل نزل به رأس الحسينعليه‌السلام في طريق الكوفة ، بقي غريبا وحيدا في ذلك المقام. ثم بنوا مسجدا في ذلك المكان ، وسمي بالمسجد الحنّانة. وقيل سمّي بالحنانة لأنه لما وضع رأس الحسينعليه‌السلام فيه ، سمع من الرأس الشريف حنين وأنين إلى الصباح.

(أقول) : إن هذا المسجد يقع في زماننا داخل النجف ، وتسمى تلك المنطقة بالحنّانة. وتقع النجف في ظاهر الكوفة من الجهة الغربية على بعد عدة كيلومترات.

٢٩٢ ـ مبيت الرأس الشريف في دار خولي :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٢)

(وجاء خولي بالرأس الشريف) فوجد باب القصر مغلقا ، فأتى بالرأس إلى

٢٦١

منزله ، فوضعه تحت إجّانة(١) ، ودخل فراشه. وكان لخولي امرأتان : امرأة أسدية ، وامرأة حضرمية يقال لها النّوّار ، وكانت تلك الليلة ليلة الحضرمية ، فأوى إلى فراشها. فقالت له : ما الخبر؟. فقال : جئتك بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين ابن علي معك في الدار. فقالت : ويلك ، جاء الناس بالذهب والفضة ، وجئت برأس ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !. والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة أبدا. وقامت من الفراش فخرجت إلى الدار قالت : فما زلت والله أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من الإجّانة إلى السماء ، ورأيت طيورا بيضا [لعلها الملائكة] ترفرف حولها وحول الرأس. فلما أصبح خولي ، غدا بالرأس إلى ابن زياد. وفي (البداية والنهاية) لابن كثير ، ج ٨ ص ١٩٠ : إن زوجته [العيّوف] رأت النور يسطع من تحت الإجانة إلى السماء ، وطيورا بيضا ترفرف حولها ، وأن زوجته الأخرى النوّار بنت مالك ، قالت له : أتيت برأس ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا يجمعني وإياك فراش أبدا ، ثم فارقته.

يقول السيد المقرم في مقتله ، ص ٣٩١ : وكان منزل خولي على فرسخ [نحو ٦ كم] من الكوفة ، فأخفى الرأس عن زوجته الأنصارية [وكان اسمها العيّوف] ، لما يعهده من موالاتها لأهل البيتعليهم‌السلام ، إلا أنها لما رأت من التنور نورا راعها ذلك ، إذ لم تعهد فيه شيئا. فلما قربت منه سمعت أصوات نساء يندبن الحسينعليه‌السلام بأشجى ندبة. فحدّثت زوجها وخرجت باكية ، ولم تكتحل ولم تتطيب حزنا على الحسينعليه‌السلام .

حوادث اليوم الثاني عشر من المحرم

٢٩٣ ـ دخول الرأس الشريف إلى الكوفة :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٢٩٢)

يقول السيد أسد حيدر : ودخلت الكوفة ـ في اليوم الثاني عشر ـ مجموعة من الجند المدججين بالسلاح ، يقدمهم قاتل الحسين ، وهو يحمل الرأس ، ويرتجز مفتخرا :

املأ ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت السيد المحجّبا

__________________

(١) الإجّانة : هي الوعاء الّذي يعجن فيه العجين ، ويسمى اليوم المعجن.

٢٦٢

٢٩٤ ـ خولي يطلب الجائزة من ابن زياد :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٢)

وعند الصباح غدا [خولي] بالرأس إلى قصر الإمارة ، وقد رجع ابن زياد في ليلته من معسكره بالنّخيلة ، فوضع الرأس بين يديه وهو يقول :

املأ ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت السيد المحجبا

وخيرهم من يذكرون النسبا

قتلت خير الناس أمّا وأبا

فساء ابن زياد قوله أمام الجمع ، فقال له : إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته؟. والله لا نلت مني شيئا.

يقول السيد الأمين في (لواعج الأشجان) ص ١٨٣ : وقيل : إن سنانا أنشده هذه الأبيات على باب فسطاط عمر بن سعد (في كربلاء) ، فحذفه بالقضيب ، وقال له :أو مجنون أنت ، والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.

وقيل : المنشد لها عند ابن سعد هو الشمر ، باعتباره هو القاتل الحقيقي.

توضيح :

يظهر من الروايات السابقة أن الرأس الشريف قد حمله خولي إلى الكوفة قبل ورود السبايا بيوم ، ودخل به على ابن زياد يطلب الجائزة. لكن روايات أخرى تذكر دخول السبايا والرؤوس إلى الكوفة معا ومعها الرأس الشريف. ولا يمكن إزالة التعارض بين الأمرين إلا بافتراض أن خولي بعد إدخاله الرأس على ابن زياد ، عاد فأرجعه ودخل به مع ركب السبايا والرؤوس.

السبايا والرؤوس في الكوفة

٢٩٥ ـ ورود السبايا والرؤوس على الكوفة :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للزنجاني ، ص ٣٥٤)

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) : فلما وصل عسكر ابن زياد (بالسبايا والرؤوس) إلى الكوفة (مساء ١٢ محرم) غابت الشمس ، فلم يتمكنوا من أن يدخلوا الكوفة بأجمعهم ، فنزل طوائف منهم من الحرسة والموكلين على السبايا والرؤوس المطهرة في خارج الكوفة ، وضربوا الخيام والفساطيط من ناحية ، وأنزلوا السبايا وأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ناحية أخرى.

٢٦٣

حوادث اليوم الثالث عشر من المحرم

٢٩٦ ـ ابن زياد يعلن الأحكام العرفية في الكوفة :

(المصدر السابق)

قال الفاضل الدربندي : وفي (الكبريت الأحمر) للشيخ محمّد باقر القائني : أمر ابن زياد في يوم ورود السبايا على الكوفة أن لا يخرج أحد من أهل الكوفة مع السلاح ، وأمر بعشرة آلاف فارس أن يأخذوا السكك والطرق والأسواق والشوارع ، خوفا من الناس من أن تتحرك حميتهم وغيرتهم وإحساساتهم على أهل البيتعليه‌السلام ، إذا رأوهم بتلك الحالة. وأمر أن تجعل الرؤوس في أوساط المحامل ، أمام النساء. وأمر أيضا بأن يطاف بهم في الشوارع والأسواق حتى يغلب على الناس الخوف والخشية.

٢٩٧ ـ وصف كيفية دخول الرؤوس والسبايا :

(مدينة المعاجز للشيخ هاشم البحراني ، ص ٢٧١ ط حجر إيران)

روى سهل بن حبيب الشهررودي قال : كنت قد أقبلت في تلك السنة أريد الحج إلى بيت الله الحرام ، فدخلت الكوفة فوجدت الأسواق معطلة والدكاكين مغلقة ، والناس مجتمعون خلقا كثيرا حلقا حلقا ؛ منهم من يبكي سرا ، ومنهم من يضحك جهرا. فتقدمت إلى شيخ منهم وقلت له : يا شيخ ما نزل بكم؟. أراكم مجتمعين كتائب ، ألكم عيد لست أعرفه للمسلمين؟. فأخذ بيدي وعدل بي ناحية عن الناس ، وقال : يا سيدي ما لنا عيد. ثم بكى بحرقة ونحيب. فقلت : أخبرني يرحمك الله.قال : إن بكاءهم بسبب عسكرين : أحدهما منصور ، والآخر مهزوم مقهور. فقلت :لمن هذان العسكران؟. فقال : عسكر ابن زياد وهو ظافر منصور ، وعسكر الحسين بن عليعليه‌السلام وهو مهزوم مكسور.

ثم قال : واحرقتاه أن يدخل علينا رأس الحسينعليه‌السلام . فما استتم كلامه ، إذ سمعت البوقات تضرب ، والرايات تخفق قد أقبلت. فمددت طرفي وإذا بالعسكر قد أقبل ودخل الكوفة. فلما انقضى دخوله سمعت صيحة عالية ، وإذا برأس الحسينعليه‌السلام قد أقبل على رمح طويل ، وقد لاحت شواربه ، والنور يخرج ساطعا من فيه ، حتى يلحق بعنان السماء. فخنقتني العبرة لمّا رأيته.

٢٦٤

٢٩٨ ـ دخول الرؤوس على الرماح :

(مدينة المعاجز للشيخ هاشم البحراني ، ص ٢٧١ ط حجر إيران)

قال الشيخ هاشم البحراني : وشالوا الرؤوس على الرماح ، ومعهم ثمانية عشر رأسا علويا على أطراف الرماح ، وقد رفعوها وأشهروها على الأعلام. ورأس مولانا الحسينعليه‌السلام قد أخذ عمود نور من الأرض إلى السماء ، كأنه البدر. وكان القوم يسيرون على نوره. وكان قد رفعوه على ذابل طويل ، وسيّروه على رأس عمر ابن سعد.

٢٩٩ ـ دخول السبايا إلى الكوفة :

(وسيلة الدارين ، ص ٣٥٥)

ثم أقبلت السبايا ، وإذا بعلي بن الحسينعليه‌السلام على بعير بلا غطاء ولا وطاء ، وفخذاه ينضحان دما. ورأيت جارية على بعير بغير غطاء ولا وطاء (وعليها برقع خز أدكن) ، فسألت عنها؟. فقيل لي : هذه أم كلثوم ، وهي تنادي : يا أهل الكوفة ، غضّوا أبصاركم عنا. أما تستحيون من الله ورسوله ، أن تنظروا إلى حرم رسول الله وهن حواسر؟!.

قال : فوقفوا بباب بني خزيمة. ونظرت أم كلثوم إلى رأس أخيها ، فبكت وشقّت جيبها ، وأنشأت تقول :

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ، ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

إني لأخشى عليكم أن يحلّ بكم

مثل العذاب الّذي يأتي على الأمم

٣٠٠ ـ خبر الّذي علّق رأس العباس الأصغر بن عليعليه‌السلام في لبب فرسه :

(حياة الإمام الحسين ، ج ٣ ص ٢٧٠)

العباس الأصغرعليه‌السلام هو أخو الإمام الحسينعليه‌السلام لأبيه ، وأمه لبّابة بنت عبيد الله بن العباس ، استشهد يوم الطف(١) .

يقول القاسم بن الأصبغ المجاشعي : لما أتي بالرؤوس إلى الكوفة ، رأيت فارسا

__________________

(١) تاريخ خليفة خياط ، ج ١ ص ٢٢٥.

٢٦٥

قد أقبل ، وقد علّق في ساق فرسه رأس غلام أمرد ، كأنه القمر ليلة البدر (وبين عينيه أثر السجود) ، فإذا طأطأ الفرس برأسه لحق رأس الغلام بالأرض. فسألت عن الفارس؟. فقيل : هو حرملة بن كاهل. وسألت عن الرأس؟. فقيل : هو رأس العباس بن عليعليه‌السلام (١) .

وهذا مما يؤكد وجود العباس الأصغر ، لأن العباس الأكبرعليه‌السلام لم يكن غلاما أمرد ، بل كان عمره يوم قتل أربعا وثلاثين سنة.

٣٠١ ـ قصة الّذي حمل رأس حبيب بن مظاهر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد الأمين)

فلما رجع التميمي إلى الكوفة ، علّق رأس حبيب في عنق فرسه.

وكان لحبيب (رض) ابن يسمى القاسم قد راهق ، فجعل يتبع الفارس الّذي معه رأس أبيه ، فارتاب به. فقال : مالك تتبعني؟. قال : إن هذا الرأس الّذي معك هو رأس أبي ، فأعطني إياه حتى أدفنه. فقال : إن الأمير لا يرضى أن يدفن ، وأرجو أن يثيبني. فقال : لكن الله لا يثيبك إلا أسوأ الثواب ؛ وبكى الغلام ثم لم يزل يتبع أثر قاتل أبيه بعدما أدرك ، حتى قتله وأخذ بثأر أبيه ، وذلك أنه كان في عسكر ، فهجم عليه وهو في خيمة له نصف النهار ، فقتله وأخذ رأسه.

وقد مرّت القصة في الفقرة رقم ٦٢ ؛ فراجع.

٣٠٢ ـ كيفية دخول سبايا أهل البيتعليه‌السلام إلى الكوفة :

يقول السيد ابن طاووس في (اللهوف) ص ٦١ : وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه ، فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن. ويقول ابن نما في (مثير الأحزان) ص ٦٦ :

واجتمع الناس للنظر إلى سبي آل الرسول ، وقرة عين البتولعليه‌السلام .

٣٠٣ ـ شفقة نساء أهل الكوفة على السبايا :(البحار ، ج ٤٥ ص ١٠٨ ط ٣)

قال : فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت : من أي الأسارى أنتن؟. فقلن : نحن

__________________

(١) مرآة الزمان في تواريخ الزمان ، ص ٩٥ ؛ والحدائق الوردية ، ج ١ ص ١٣٢ ؛ والصراط السويّ في مناقب آل النبي ، ص ٩٢.

٢٦٦

أسارى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فنزلت من سطحها وجمعت ملاء وأزرا ومقانع ، فأعطتهن فتغطّين(١) .

وفي (أمالي الطوسي) قال : وكان مع النساء علي بن الحسينعليه‌السلام قد نهكته العلة (وفي عنقه الجامعة ، ويده مغلولة إلى عنقه) ، والحسن بن الحسن المثنّى ، وكان قد نقل من المعركة وبه رمق. وكان معهم أيضا زيد وعمرو ولدا الحسن السبطعليه‌السلام .

٣٠٤ ـ زين العابدينعليه‌السلام يقول لأهل الكوفة : قتلتمونا وتنوحون علينا؟! :

(المصدر السابق)

فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : أتنوحون وتبكون من أجلنا؟ فمن ذا الّذي قتلنا غيركم؟!

٣٠٥ ـ خبر مسلم الجصّاص :(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للزنجاني ، ص ٣٥٦)

وفي (البحار) عن مسلّم الجصّاص في رواية قال :

دعاني ابن زياد لإصلاح دار العمارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصّص الأبواب ، وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جوانب الكوفة. فأقبلت على خادم كان يعمل معنا ، فقلت : مالي أرى الكوفة تضجّ بأهلها؟. قال : الساعة أتوا برأس خارجيّ خرج على يزيد. فقلت : من هذا الخارجي؟. فقال : هو حسين بن عليعليه‌السلام . قال : فتركت الخادم حتى خرج ، ولطمت وجهي حتى خشيت على عينيّ أن تذهبا ، وغسلت يديّ من الجص ، وخرجت من ظهر القصر ، وأتيت إلى الكناس. فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس ، إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة ، تحمل على أربعين جملا ، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمةعليه‌السلام ، وإذا بعلي بن الحسينعليه‌السلام على بعير بغير وطاء ، وهو مع ذلك يبكي ، ويقول هذه الأبيات :

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

يا أمة لم تراع جدّنا فينا

لو أننا ورسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا؟

تسيّرونا على الأقتاب عارية

كأننا لم نشيّد فيكم دينا

أليس جدي رسول الله ويلكم

أهدى البرية من سبل المضلّينا

__________________

(١) ملاء : جمع ملاءة ، وهي الريطة ذات لفقتين. وأزر : جمع إزار ، وهو ثوب يلبس على الفخذين. ومقانع : جمع مقنعة ، وهي ما تقنّع به المرأة رأسها وتغطيه به.

٢٦٧

٣٠٦ ـ الصدقة محرّمة على أهل البيتعليه‌السلام :(البحار ، ج ٤٥ ص ١١٤ ط ٣)

وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت : يا أهل الكوفة ، إن الصدقة علينا حرام.وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض. قال : كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم.

٣٠٧ ـ صفة الرأس الشريف :(البحار ، ج ١٠ ص ٢٢٤)

قال المجلسي : أتوا بالرؤوس إلى الكوفة ، يقدمهم رأس الحسينعليه‌السلام وهو رأس زهري قمري ، أشبه الخلق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولحيته كسواد السّبح(١) ، قد نصل بها الخضاب ، ووجهه دارة قمر طالع ، والريح تلعب بها يمينا وشمالا.

٣٠٨ ـ تأثّر زينبعليه‌السلام من رؤية رأس أخيهاعليه‌السلام :

(البحار ، ج ٤٥ ص ١١٥ ط ٣)

فالتفتت زينبعليه‌السلام فرأت رأس أخيها ، فنطحت جبينها بمقدّم المحمل ، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها ، وأومأت إليه بخرقة ، وجعلت تقول :

يا هلالا لمّا استتمّ كمالا

غاله خسفه فأبدى غروبا

ما توهّمت يا شقيق فؤادي

كان هذا مقدّرا مكتوبا

يا أخي ، فاطمة الصغرى كلّمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا

يا أخي ، قلبك الشفيق علينا

ماله قد قسا وصار صليبا

يا أخي لو ترى عليا لدى الأس

ر مع اليتم لا يطيق جوابا

كلما أوجعوه بالضرب نادا

ك بذلّ يفيض دمعا سكوبا

يا أخي ، ضمّه إليك وقرّبه

وسكّن فؤاده المرعوبا

ما أذلّ اليتيم حين ينادي

بأبيه ، ولا يراه مجيبا

٣٠٩ ـ خطبة زينب الكبرىعليه‌السلام في أهل الكوفة :

(البحار ، ج ٤٥ ص ١٠٨ ط ٣)

[وفيها تعنّف أهل الكوفة على ما فعلوه ، وتبيّن لهم فداحة عملهم وذنبهم الّذي اقترفوه ، وتعدهم بالعذاب من الله ، والله لا يخفى عليه شيء مما عملوه].

__________________

(١) السّبج : حجر أسود شديد السواد.

٢٦٨

في (اللهوف) لابن طاووس : قال بشير بن خزيم الأسدي : ونظرت إلى زينب بنت عليعليه‌السلام يومئذ ، ولم أر والله خفرة(١) قطّ أنطق منها ، كأنما تفرغ على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدّت الأنفاس وسكنت الأجراس(٢) .

خطبة زينب العقيلةعليه‌السلام في أهل الكوفة(٣)

ثم قالتعليه‌السلام : الحمد لله ، والصلاة على أبي محمّد (رسول الله) وآله الطيبين الأخيار (آل الله).

أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل(٤) والغدر ، أتبكون فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّة. إنما مثلكم كمثل( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) (٩٢) [النحل : ٩٢](٥) . ألا وهل فيكم إلا الصّلف والنّطف(٦) ، والعجب والكذب والشّنف(٧) ، وملق الإماء(٨) ، وغمز الأعداء(٩) ، أو كمرعى على دمنة(١٠) ، أو كقصّة على ملحودة(١١) . ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون.

__________________

(١) الخفر : شدة الحياء.

(٢) الأجراس : جمع جرس ، وهو الصوت.

(٣) يقول السيد المقرم في مقتله ص ٤٠٢ : رتّبنا هذه الخطبة من (أمالي الشيخ الطوسي) وأمالي ابنه ، واللهوف لابن طاووس ومثير الأحزان لابن نما ، والمناقب لابن شهر اشوب والاحتجاج للطبرسي.

(٤) الختل : الخدعة.

(٥) سورة النحل ٩٢. تتخذون أيمانكم دخلا بينكم : أي دغلا وخيانة ومكرا.

(٦) الصّلف : مجاوزة الحد وادّعاء الإنسان فوق ما فيه تكبّرا ، والنّطف : القذف بالفجور.

(٧) الشّنف : البغض بغير حق.

(٨) الملق : أن تعطي باللسان ما ليس في القلب.

(٩) الغمز : الطعن.

(١٠) الدّمنة : المزبلة التي ينبت عليها المرعى. شبّهتهمعليه‌السلام بذلك المرعى لدناءة أصلهم ، وعدم الانتفاع بهم ، مع حسن ظاهرهم وخبث باطنهم.

(١١) الملحودة : القبر ، والقصّة : الجص الّذي يوضع على القبر. شبّهتهم بالجصّة التي تزيّن بها القبور ، في أنهم كالأموات زيّنوا أنفسهم بلباس الأحياء ، ولا ينتفع بهم الأحياء ، ولا يرجى منهم الكرم والوفاء. وروي (بفضة) والأول أصح.

٢٦٩

أتبكون وتنتحبون!. أي والله فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها(١) ، ولن ترحضوها(٢) بغسل بعدها أبدا. وأنى ترحضون ، قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة ، ومدرّة(٣) حجّتكم ومنار محجّتكم ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، وسيد شباب أهل الجنة. ألا ساء ما تزرون.

فتعسا ونكسا وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي(٤) ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ورسوله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم(٥) ، وأيّ كريمة له أبرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم؟.( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ٨٩تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ) (٩٠) [مريم : ٨٩ ـ ٩٠] ولقد أتيتم بها (صلعاء عنقاء(٦) سوداء فقماء)(٧) خرقاء شوهاء(٨) ، كطلاع الأرض(٩) أو ملء السماء. أفعجبتم أن مطرت السماء دما! ولعذاب الآخرة أخزى ، وهم لا ينصرون.فلا يستخفّنكم المهل ، فإنه (عزوجل) لا يحفزه(١٠) البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، وإن ربكم لبالمرصاد.

فقال لها الإمام السجّادعليه‌السلام : اسكتي يا عمّة (ففي الباقي عن الماضي اعتبار) وأنت بحمد الله عالمة غير معلّمة ، فهمة غير مفهّمة (إن البكاء والحنين لا يردّان من قد أباده الدهر). فقطعت «العقيلة» الكلام ، وأدهشت ذلك الجمع المغمور بالتمويهات والمطامع. وأحدث كلامها إيقاظا في الأفئدة ولفتة في البصائر ، وأخذت خطبتها من القلوب مأخذا عظيما ، وعرفوا عظيم الجناية ، فلا يدرون ما يصنعون!

__________________

(١) الشّنار : العيب. والضمير في (عارها وشنارها) راجع إلى الأمة أو الأزمنة.

(٢) ترحضوها : تغسلوها.

(٣) المدرّة (بالكسر) : زعيم القوم والمتكلم عنهم ، والذي يرجون رأيه.

(٤) تبّت الأيدي : أي خسرت أو هلكت ، والأيدي : إما مجاز للأنفس أو بمعناها.

(٥) الفري : القطع.

(٦) الصلعاء : الداهية الشديدة ، أو السّوءة الشنيعة البارزة المكشوفة. والعنقاء : الداهية

(٧) سوداء : قبيحة. وفقماء : عظيمة.

(٨) خرقاء : ليس فيها رفق. وشوهاء : قبيحة. والضمير في (جئتم بها) راجع إلى الفعلة القبيحة التي أتوا بها.

(٩) كطلاع الأرض : أي كملء الأرض.

(١٠) لا يحفزه : لا يحثّه ولا يعجله.

٢٧٠

٣١٠ ـ خطبة فاطمة الصغرى بنت الحسينعليهما‌السلام :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٠٧ ط ٣)

[تلوم فيها أهل الكوفة وتوبّخهم على قتل الحسينعليه‌السلام ، وتبيّن لهم منزلة أهل البيت (ع) وتكريم الله لهم ، وتعدهم العذاب الأليم من الله سبحانه على ما فعلوه].

خطبة فاطمة الصغرى بنت الحسينعليهما‌السلام

في (اللهوف) : روى زيد بن موسى الكاظم عن أبيه عن جدهعليهم‌السلام قال : خطبت فاطمة بنت الحسينعليها‌السلام فقالت :

الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى. أحمده وأومن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن أولاده ذبحوا بشط الفرات ، من غير ذحل ولا ترات(١) .

اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب ، أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود ، لوصيّه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، المسلوب حقه ، المقتول من غير ذنب (كما قتل ولده بالأمس) في بيت من بيوت الله تعالى ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم. تعسا(٢) لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته ، حتى قبضه الله تعالى إليه محمود النقيبة ، طيّب العريكة(٣) ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه في الله سبحانه لومة لائم ، ولا عذل عاذل. هديته الله مّ للإسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك ، زاهدا في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة ، مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته فاخترته ، وهديته إلى صراط مستقيم.

أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا ، وفهمه لدينا ؛ فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته على الأرض في بلاده لعباده. أكرمنا الله بكرامته ، وفضّلنا بنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير من خلقه تفضيلا.

__________________

(١) الذّحل : الحقد والعداوة ، يقال طلب بذحله : أي بثأره. والتّرات : جمع ترة وهي الوتر ، والموتور : هو الّذي قتل له قتيل فلم يدرك ثأره.

(٢) التّعس : الهلاك.

(٣) النقيبة : النفس والسجيّة. والعريكة : الطبيعة.

٢٧١

فكذّبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأننا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدّنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت ، لحقد متقدّم ، قرّت بذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء على الله ، ومكرا مكرتم ، والله خير الماكرين. فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل(١) بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ؛ فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة ،( فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ٢٢لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (٢٣) [الحديد : ٢٢ ـ ٢٣].

تبّا لكم ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حلّ بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فيسحتكم بعذاب(٢) ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تخلّدون في العذاب الأليم ، يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين.

ويلكم ، أتدرون أيّة يد طاعنتنا منكم ، وأية نفس نزعت إلى قتالنا. أم بأية رجل مشيتم إلينا ، تبتغون محاربتنا؟. والله قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم ، وجعل على أبصاركم غشاوة ، فأنتم لا تهتدون.

تبّا لكم يا أهل الكوفة ، أيّ ترات لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلكم ، وذحول له لديكم ، بما صنعتم (غدرتم) بأخيه علي بن أبي طالب جدي ، وبنيه وعترته الطيبين الأخيار ، وافتخر بذلك مفتخركم ، فقال :

نحن قتلنا عليا وبني عليّ

بسيوف هنديّة ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونطحناهم فأيّ نطاح

بفيك أيها القائل الكثكث ولك الأثلب(٣) ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله وطهّرهم وأذهب عنهم الرجس ، فاكظم واقع(٤) كما أقعى أبوك ، فإنما لكل امرئ ما اكتسب وما قدّمت يداه.

__________________

(١) الجذل : الفرح.

(٢) أسحته : استأصله.

(٣) الكثكث والأثلب (بالفتح أو الكسر فيهما ، والفتح أكثر) : دقاق التراب وفتات الحجارة.

(٤) اكظم : اسكت على غيظك. واقع : الأمر من الإقعاء ، وهو جلوس الكلب على إسته ، مفترشا رجليه وناصبا يديه.

٢٧٢

حسدتمونا ويلا لكم على ما فضّلنا الله تعالى( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [الحديد : ٢١] ،( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ) [النور: ٤٠].

قال : فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب ، وقالوا : حسبك يابنة الطيبين ، فقد أحرقت قلوبنا ، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتتعليها‌السلام .

٣١١ ـ خطبة أم كلثوم بنت عليعليهما‌السلام :

(مقتل المقرم ، ص ٤١٠ ط ٣)

[وفيها تلوم أهل الكوفة ، وتبيّن لهم منزلة الإمام الحسينعليه‌السلام وفضله].

خطبة أم كلثوم بنت عليعليهما‌السلام

في (اللهوف) : وخطبت أم كلثوم بنت الإمام عليعليه‌السلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها ، رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :

صه يا أهل الكوفة. تقتلنا رجالكم ، وتبكينا نساؤكم ، فالحاكم بيننا وبينكم الله ، يوم فصل الخطاب.

يا أهل الكوفة سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه؟!. فتبّا لكم وسحقا.

ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم ، وأي وزر على ظهوركم حملتم ، وأي دماء سفكتم؟ وأيّ كريمة أصبتموها ، وأي صبية أسلمتموها ، وأي أموال انتهبتموها؟!.قتلتم خير رجالات بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونزعت الرحمة من قلوبكم. ألا إن حزب الله هم المفلحون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون.

ثم قالت :

قتلتم أخي ظلما فويل لأمّكم

ستجزون نارا حرّها يتوقّد

سفكتم دماء حرّم الله سفكها

وحرّمها القرآن ثم محمّد

ألا فابشروا بالنار إنكم غدا

لفي سقر حقا يقينا تخلّدوا

وإني لأبكي في حياتي على أخي

على خير من بعد النبي سيولد

بدمع غزير مستهلّ مكفكف

على الخد مني ذائبا ليس يجمد

٢٧٣

قال : فضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، ونشرت النساء شعورهن ، ووضعن التراب على رؤوسهن ، وخمشن الوجوه ، ولطمن الخدود ، ودعون بالويل والثبور ، فلم ير باك ولا باكية أكثر من ذلك اليوم.

٣١٢ ـ خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام في أهل الكوفة :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤١٠ ط ٣)

وجيء بعلي بن الحسينعليه‌السلام على بعير ظالع ، والجامعة في عنقه ، ويداه مغلولتان إلى عنقه ، وأوداجه تشخب دما ، فكان يقول :

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

يا أمة لم تراع جدّنا فينا

لو أننا ورسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيّرونا على الأقتاب عارية

كأننا لم نشيّد فيكم دينا

خطبة الإمام السجّادعليه‌السلام في أهل الكوفة

في (اللهوف) : ثم إن زين العابدينعليه‌السلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا. فلما سكتوا حمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى عليه ، ثم قال :

أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالبعليه‌السلام . أنا ابن من انتهكت حرمته ، وسلبت نعمته ، وانتهب ماله ، وسبي عياله. أنا ابن المذبوح بشط الفرات ، من غير ذحل ولا ترات. أنا ابن من قتل صبرا ، وكفى بذلك فخرا.

أيها الناس ، ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهود والميثاق والبيعة وقاتلتموه؟. فتبّا لكم لما قدّمتم لأنفسكم ، وسوأة لرأيكم. بأية عين تنظرون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ يقول لكم : قتلتم عترتي ، وانتهكتم حرمتي ، فلستم من أمتي؟.

قال : فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية. وقال بعضهم لبعض :هلكتم وما تعلمون!.

ثم قالعليه‌السلام : رحم الله امرأ قبل نصيحتي ، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته ، فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة.

٢٧٤

فقالوا بأجمعهم : نحن كلنا يابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ، ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك الله ، فإنا حرب لحربك ، وسلم لسلمك ، نبرأ ممن ظلمك وظلمنا.

فقالعليه‌السلام : هيهات هيهات ، أيها الغدرة المكرة ، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى أبي من قبل!. كلا وربّ الراقصات [إلى منى] ، فإن الجرح لما يندمل. قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ، ولم ينس ثكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثكل أبي وبني أبي. إنّ وجده والله لبين لهاتي(١) ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصّته تجري في فراش(٢) صدري ، ومسألتي أن تكونوا لا لنا ولا علينا.

ثم قالعليه‌السلام : رضينا منكم رأسا برأس ، فلا يوم لنا ولا يوم علينا!.

٣١٣ ـ وصف بشير بن حذيم للناس وهم حيارى :(البحار ، ج ٤٥ ص ١٠٩)

بعد أن خطب زين العابدينعليه‌السلام في أهل الكوفة وقرّعهم ، قال ابن حذيم :فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، قد وضعوا أيديهم في أفواههم.فالتفتّ إلى شيخ إلى جانبي يبكي ، وقد اخضلّت لحيته بالبكاء ، ويده مرفوعة إلى السماء ، وهو يقول : بأبي أنتم وأمي ، كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم نسل كريم ، وفضلكم فضل عظيم.

تعليق هام :

يقول المازندراني في (معالي السبطين) ج ٢ ص ٦٢ :

ولعل هذه الخطب التي خطب بها أهل البيتعليهم‌السلام في الكوفة ، ليست في ورودهم بالكوفة في المرة الأولى التي كانوا فيها أسراء في أيدي القوم ، كما زعمه بعض أرباب المقاتل ، بل كان عند رجوعهم من كربلاء بعد الأربعين ، حين جاؤوا من الشام إلى كربلاء ليجددوا العهد بزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، ثم رجعوا إلى الكوفة وهم يريدون المدينة.

__________________

(١) اللهاة : اللحمة الموجودة في أقصى الفم.

(٢) الفراش (كسحاب) : كل عظم رقيق.

٢٧٥

في قصر الإمارة

٣١٤ ـ كرامات للرأس الشريف تنذر ابن زياد :(وسيلة الدارين ، ص ٣٦٣)

قال ابن حجر في (الصواعق) : لما جيء برأس الحسينعليه‌السلام إلى دار ابن زياد ، سالت حيطانها دما ، فرقّ له المحبّ والعدو. وحتى قالت مرجانة أم ابن زياد لابنها : يا خبيث ، قتلت ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !. والله لا ترى الجنة أبدا».

وروي أن اللعين حمل الرأس الشريف على يديه ، وجعل ينظر إليه ، فارتعدت يداه ، فوضع الرأس على فخذه ، فقطرت (نقطة) من الدم من نحره الشريف على ثوبه.

٣١٥ ـ نار في قصر الإمارة تتلقى ابن زياد لتحرقه :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤١٩)

قال السيد المقرم : لما رجع ابن زياد من معسكره بالنّخيلة ، ودخل قصر الإمارة ، ووضع أمامه الرأس المقدس ، سالت الحيطان دما(١) ، وخرجت نار من بعض نواحي القصر ، وقصدت سرير ابن زياد(٢) (وفي رواية ابن الأثير : فاضطرم في وجهه نارا) فولى هاربا منها ، ودخل بعض بيوت القصر.

فتكلم الرأس الأزهر بصوت جهوري ، سمعه ابن زياد وبعض من حضر :

«إلى أين تهرب يا ملعون ، فإن لم تنلك في الدنيا ، فهي في الآخرة مثواك».

ولم يسكت الرأس حتى ذهبت النار ؛ وأدهش من في القصر لهذا الحادث الّذي لم يشاهد مثله(٣) .

٣١٦ ـ إدخال رأس الحسينعليه‌السلام والسبايا على عبيد الله بن زياد بالكوفة :

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٤٢٠ :

ولم يرتدع ابن زياد لهذا الحادث الفظيع ، فأذن للناس إذنا عاما ، وأمر بإدخال

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٣٩ ؛ والصواعق المحرقة ، ص ١١٦.

(٢) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٠٣ ؛ ومجمع الزوائد لابن حجر ، ج ٩ ص ١٩٦ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٨٧ ؛ والمنتخب للطريحي ، ص ٣٣٩.

(٣) شرح قصيدة أبي فراس ، ص ١٤٩.

٢٧٦

السبايا إلى مجلسه. فأدخلت عليه حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحالة تقشعر لها الجلود.

ويقول السيد ابن طاووس في (اللهوف) ص ٦٦ :

ثم إن ابن زياد جلس في القصر ، وأذن للناس إذنا عاما ، وجيء برأس الحسينعليه‌السلام فوضع بين يديه ، وأدخل نساء الحسينعليه‌السلام وصبيانه إليه.

ويقول ابن نما في (مثير الأحزان) ص ٧٠ :

قال حميد بن مسلم : لما أدخل رهط الحسينعليه‌السلام على عبيد الله بن زياد ، أذن للناس إذنا عاما ، وجيء بالرأس فوضع بين يديه (في طشت).

٣١٧ ـ تشفّي ابن زياد من رأس الحسينعليه‌السلام وشماتته :

(وسيلة الدارين ، ص ٣٦٣)

قال الشيخ المفيد : فوضع الرأس بين يدي ابن زياد ، فجعل اللعين ينظر إليه ويتبسّم.

وفي بعض المقاتل : ويستهزئ به ، ويقول : ما أسرع الشيب إليك يا حسين ، لقد كنت حسن المضحك. وبيده قضيب يضرب به ثناياه.

وفي (نفس المهموم) للشيخ عباس القمي : تارة يضرب به أنف الحسينعليه‌السلام ، وأخرى يضرب به عينيه ، وتارة يطعن في فمه ، وأخرى يضرب به ثناياه.

وقال حميد بن مسلم : ورأيته ينكت [أي يضرب] ثناياه.

وفي (الأمالي) قال ابن زياد : يوم بيوم بدر!.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي : وكان عنده أنس بن مالك فبكى ، وقال: كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكان مخضوبا بالوسمة.

وروي أنه كان مخضوبا بالسواد. قالوا : ولا يثبت في ذلك ، وإنما غيّرته الشمس.

٣١٨ ـ فظاعة منظر الرأس الشريف حين وضع بين يدي ابن زياد ، وهو يضربه بالقضيب :(البحار ، ج ٤٥ ص ١٦٧ ط ٣)

روى الحكم بن محمّد بن القاسم عن جده قال : ما رأيت منظرا قط أفظع من إلقاء رأس الحسينعليه‌السلام بين يدي ابن زياد ، وهو ينكته.

وفي (الإتحاف بحب الأشراف) للشبراوي ، ص ٥٤ قال :

٢٧٧

فوضع الرأس بين يدي ابن زياد ، وجعل ينكث ثناياه بقضيب ، ويدخله أنفه ، ويتعجب من حسن ثغره!.

٣١٩ ـ جمال وجه الحسينعليه‌السلام (مثير الأحزان لابن نما)

وروي أن أنس بن مالك قال : شهدت عبيد الله بن زياد ، وهو ينكت بقضيب على أسنان الحسينعليه‌السلام ويقول : إنه كان حسن الثغر. فقال : أم والله لأسوءنّك ، لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل موضع قضيبك من فيه.

وفي (البداية والنهاية) لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٠٦ :

روى الترمذي من حديث حفصة بنت سيرين عن أنس قال : فجعل ينكت بقضيب في أنفه ، ويقول : ما رأيت مثل هذا حسنا.

٣٢٠ ـ مجادلة زيد بن أرقم لعبيد الله بن زياد :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٧ ط ٢ نجف)

وقد روى ابن أبي الدنيا : أنه كان عند ابن زياد زيد بن أرقم ، فقال له : ارفع قضيبك ، فو الله لطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل ما بين هاتين الشفتين. ثم جعل زيد يبكي ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك (أتبكي لفتح الله) والله لو لا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك.

فنهض زيد وهو يقول : أيها الناس ، أنتم العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة

(الصدّيقة المرضية) ، وأمّرتم ابن مرجانة (الخبيثة). والله ليقتلن أخياركم ، وليستعبدنّ شراركم ، فبعدا لمن رضي بالذل والعار.

ثم التفت راجعا إلى ابن زياد وقال : لأحدّثنك حديثا أغلظ من هذا : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقعد حسنا على فخذه اليمنى ، وحسينا على فخذه اليسرى ، ثم وضع يده على يافوخيهما ، ثم قال : الله م إني أستودعك إياهما وصالح المؤمنين. فكيف كانت وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندك يابن زياد؟.[فغضب وهمّ بقتله].

وقال هشام بن محمّد : لما وضع الرأس بين يدي ابن زياد ، قال له كاهنه

[الكاهن : هو الّذي يقوم بأمر الرجل ويسعى في حاجته] : قم فضع قدمك على فم عدوك. فقام فوضع قدمه على فيه [أي على فم الحسينعليه‌السلام ]!.

٢٧٨

ثم قال لزيد بن أرقم : كيف ترى؟. فقال : والله لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضعا فاه حيث وضعت قدمك.

وقيل : إن هذه الواقعة جرت ليزيد بن معاوية مع زيد بن أرقم [في الشام].

وذكر ابن جرير [الطبري] : أن الّذي كان حاضرا عند يزيد أبو برزة الأسلمي ، لما نذكر.

وقال الشعبي : كان عند ابن زياد قيس بن عباد ، فقال له ابن زياد : ما تقول فيّ وفي حسين؟. فقال : يأتي يوم القيامة جده وأبوه وأمه فيشفعون فيه ، ويأتي جدك وأبوك وأمك فيشفعون فيك. فغضب ابن زياد ، وأقامه من المجلس.

٣٢١ ـ محاورة زينب العقيلةعليها‌السلام مع ابن زياد :

قال السيد المقرم في مقتله ، ص ١٢٥ ما معناه :

لما أمر ابن زياد بإدخال السبايا إلى مجلسه ، وقفت زينبعليها‌السلام في ذلك الجو الموبوء بالترّهات والأضاليل ، تبيّن للملأ نتائج أعمال هؤلاء المضلين ، وما يقصدونه من هدم أركان الدين ، وأن الشهداء إنما أرادوا بنهضتهم مع إمامهم الحسينعليه‌السلام إحياء شريعة جده المقدسة.

لقد وقفت العقيلة زينبعليها‌السلام في مجلس ابن زياد تفرغ عن لسان أخيها الحسينعليه‌السلام كلمات اللوم والتأنيب ، وآيات الحجة والبيان.

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد) : وأدخل عيال الحسينعليه‌السلام على ابن زياد.فدخلت زينب أخت الحسينعليهما‌السلام في جملتهم متنكّرة ، وعليها أرذل ثيابها.فمضت حتى جلست ناحية من القصر ، وحفّت بها إماؤها.

لكن جلال النبوة وبهاء الإمامة المنسدل عليها ، استلفت نظر ابن زياد ، فقال :من هذه التي انحازت فجلست ناحية ومعها نساؤها وهي متنكرة؟. فلم تجبه زينبعليها‌السلام . فقال له بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأقبل عليها ابن زياد [شامتا] فقال لها : الحمد لله الّذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت زينبعليها‌السلام : الحمد لله الّذي أكرمنا بنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطهّرنا من الرجس تطهيرا. إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا.

وفي (اللهوف) لابن طاووس ، ص ٩٠ ، قال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله

٢٧٩

بأخيك وأهل بيتك؟. فقالت : ما رأيت إلا جميلا. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاجّ وتخاصم(١) ، فانظر لمن الفلج [أي الفوز] يومئذ ، ثكلتك أمّك يابن مرجانة.

فغضب ابن زياد واستشاط من كلاهما معه ، في ذلك المحتشد ، وكأن همّ بها.فقال له عمرو بن حريث : أيها الأمير ، إنها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ، ولا تذمّ على خطئها.

فالتفت إليها ابن زياد وقال : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين ، والعصاة المردة من أهل بيتك.

فرقّت العقيلة زينبعليها‌السلام وبكت وقالت له : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرزت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي. فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت.

فقال ابن زياد : هذه سجّاعة ، ولعمري لقد كان أبوها سجّاعا شاعرا.

فقالتعليه‌السلام : ما للمرأة والسجاعة ، إن لي عن السجاعة لشغلا ، ولكن صدري نفث بما قلت.

٣٢٢ ـ ملاسنة زين العابدينعليه‌السلام لابن زياد ، ومحاولة قتله :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٨٥)

ثم عرض عليه علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال : من أنت؟. فقال : أنا علي بن الحسينعليه‌السلام . فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟. فقال له عليعليه‌السلام :قد كان لي أخ (أكبر مني) يسمّى عليا ، قتله الناس. فقال ابن زياد : بل الله قتله.

فقال علي بن الحسينعليهما‌السلام :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) [الزمر : ٤٢] ،( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) [آل عمران : ١٤٥]. فغضب ابن زياد ، وقال : وبك جرأة لجوابي ، وفيك بقية للردّ عليّ؟!. اذهبوا فاضربوا عنقه. فتعلقت به زينبعليها‌السلام وقالت : يابن زياد حسبك من دمائنا ما سفكت ، وهل أبقيت أحدا غير هذا؟. واعتنقته وقالت : لا والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه. فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة ، ثم قال : عجبا للرحم. والله إني لأظنها ودّت أني قتلتها معه.دعوه فإني أراه لما به.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٦٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800