موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء42%
الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493469 / تحميل: 5834
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٣ ـ المستشهدون من الأصحاب بالمبارزة

٣٤ ـ خروج مسلم بن عوسجة ونافع بن هلال للقتال :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ١٤)

ثم خرج مسلم بن عوسجة الأسدي وهو يقول :

إن تسألوا عني فإني ذو لبد

من فرع قوم من ذرى بني أسد

فمن بغاني حائد عن الرشد

وكافر بدين جبار صمد

ثم تابعه نافع بن هلال الجملي وهو يقول :

أنا على دين علي

ابن هلال الجملي

أضربكم بمنصلي

تحت عجاج القسطل

فخرج لنافع رجل من بني قطيعة ، فقال لنافع : أنا على دين عثمان. فقال نافع :

إذن أنت على دين الشيطان ، وحمل عليه فقتله. فأخذ نافع ومسلم يجولان في ميمنة ابن سعد.

٣٥ ـ تشجيع عمرو بن الحجاج لقومه ، واعترافه بشجاعة أصحاب الحسينعليه‌السلام :

(مقتل المقرم ، ص ٢٩٦)

وأخذ أصحاب الحسينعليه‌السلام بعد أن قلّ عددهم وبان النقص فيهم ، يبرز الرجل بعد الرجل ، فأكثروا القتل في أهل الكوفة. فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه :أتدرون من تقاتلون؟!. تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوما مستميتين ، لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم. والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.

فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأي ما رأيت. أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منكم ، ولو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم(١) .

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٩.

٦١

زحف الميمنة

٣٦ ـ عمرو بن الحجاج يزحف على ميمنة الحسينعليه‌السلام :

(الإرشاد للمفيد ، ص ٢٣٦)

وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسينعليه‌السلام فيمن كان معه من أهل الكوفة. فلما دنا من أصحاب الحسينعليه‌السلام جثوا له على الرّكب ، وأشرعوا بالرماح نحوهم ، فلم تقدم خيلهم على الرماح ، فذهبت الخيل لترجع ، فرشقهم أصحاب الحسينعليه‌السلام بالنبل ، فصرعوا منهم رجالا وجرحوا منهم آخرين(١) .

وكان عمرو بن الحجاج يقول لأصحابه : قاتلوا من مرق من الدين ، وفارق الجماعة. فصاح الحسينعليه‌السلام : ويحك يا حجّاج أعليّ تحرّض الناس؟. أنحن مرقنا من الدين وأنت تقيم عليه؟!. ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولى بصليّ النار(٢) !.

٣٧ ـ عمرو بن الحجاج يتهم الحسينعليه‌السلام بالمروق من الدين ، وجواب الحسينعليه‌السلام له :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٥)

ثم دنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسينعليه‌السلام . ثم صاح بقومه : يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين ، وخالف إمام المسلمين. فقال له الحسينعليه‌السلام : يابن الحجاج أعلي تحرّض الناس؟.أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتّم عليه؟!. والله لتعلمنّ أيّنا المارق من الدين ، ومن هو أولى بصليّ النار(٣) .

مصرع مسلم بن عوسجة الأسدي

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٧.

(٢) البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٢.

(٣) مقتل المقرم ، ص ٢٩٦ عن كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٧.

٦٢

٣٨ ـ مصرع مسلم بن عوسجة الأسدي ووصيته لحبيب بن مظاهر ، وما شهده شبث بن ربعي بمسلم :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٩٧)

ثم حمل عمرو بن الحجاج من نحو الفرات فاقتتلوا ساعة ، وفيها قاتل مسلم ابن عوسجة ، فشدّ عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي(١) وثارت لشدة الجلاد غبرة شديدة ، وما انجلت الغبرة إلا ومسلم صريعا وبه رمق.فمشى إليه الحسينعليه‌السلام ومعه حبيب بن مظاهر الأسدي ، فقال له الحسينعليه‌السلام :رحمك الله يا مسلم( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب :٢٣]. ودنا منه حبيب وقال : عزّ عليّ مصرعك يا مسلم ، أبشر بالجنة. فقال قولا ضعيفا : بشّرك الله بخير. قال حبيب : لو لم أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بكل ما أهمّك [حتى أحفظك في ذلك ، لما أنت أهله في القرابة والدين(٢) ].فقال له مسلم : بل أوصيك بهذا [وأشار إلى الحسينعليه‌السلام ] أن تموت دونه. فقال :أفعل وربّ الكعبة(٣) فما أسرع من أن مات. [وفي اللهوف ، ص ٦٠ أنه قال :لأنعمنّك عينا ثم مات] رضوان الله عليه.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ١٦ :

فصاحت جارية له : يا سيداه!. يابن عوسجتاه!.

فنادى أصحاب عمر بن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة. فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم ، أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتذلّون عزّكم [وفي رواية ابن الأثير : وتذلّون أنفسكم لغيركم]. أتفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة؟!. أما والذي أسلمت له ، لربّ موقف له في المسلمين كريم. والله لقد رأيته يوم (سلق أذربيجان) ، قتل ستة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين [أفيقتل مثله وتفرحون؟!].

__________________

(١) في مناقب ابن شهر اشوب أن الّذي قتله : مسلم الضبابي وعبد الرحمن البجلي.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٣.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٩ ، وقد اعتبر شهادة مسلم أول الأصحاب.

٦٣

زحف الميسرة

٣٩ ـ زحف شمر بن ذي الجوشن على ميسرة الحسينعليه‌السلام :

(الإرشاد للمفيد ، ص ٢٣٧)

ثم تراجع القوم إلى الحسينعليه‌السلام ، فحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة ، على أهل الميسرة ، فثبتوا له وطاعنوه. وحمل على الحسينعليه‌السلام وأصحابه من كل جانب. وقاتلهم أصحاب الحسينعليه‌السلام قتالا شديدا ، فأخذت خيلهم تحمل ، وإنما هي اثنان وثلاثون فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلا كشفته.

٤٠ ـ خبر عبد الله بن عمير الكلبي ومقاتلته :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٥ ط أولى مصر)

كان عبد الله بن عمير الكلبي (بالنّخيلة) فرأى القوم يعرضون ليسرحوا إلى قتال الحسينعليه‌السلام . فقال : والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا ، وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين. فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع ، وأعلمها بما يريد.فقالت : أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك ، افعل وأخرجني معك. فخرج بها حتى أتى حسيناعليه‌السلام فأقام معه. فلما دنا عمر بن سعد ورمى بسهم ارتمى الناس.فخرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيد الله بن زياد ، فقالا : من يبارز؟. ليخرج إلينا بعضكم. فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير ، فقال لهما حسين : اجلسا. فقام عبد الله ابن عمير هذا ، فاستأذن الحسين بالخروج فأذن له ، وكان رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين. فخرج وقاتل قتالا مريرا.

فلما برز قال له يسار : من أنت؟. فانتسب له. فقال له : لست أعرفك ، ليخرج إليّ زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير.

فقال له ابن عمير : يابن الفاعلة [وفي رواية : يابن الزانية] ، وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ، ولا يبرز إليك أحد إلا وهو خير منك!.

ثم شدّ عليه فضربه بسيفه حتى برد ، وهو أول من قتل من أصحاب ابن سعد. فإنه لمشتغل بضربه إذ شدّ عليه سالم مولى عبيد الله ، فصاح به أصحابه : قد رهقك العبد ، فلم يعبأ به حتى غشيه ، فبدره بضربة اتّقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت

٦٤

أصابع كفه ، ومال عليه عبد الله فضربه حتى قتله. فرجع وقد قتلهما جميعا ، وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن كلب

حسبي ببيتي في عليم حسبي

إني امرؤ ذو مرّة وعضب

ولست بالخوّار(١) عند النكب

إني زعيم لك أمّ وهب

بالطعن فيهم صادقا والضرب

ضرب غلام مؤمن بالربّ

مصرع عبد الله بن عمير الكلبيرحمهما‌الله

٤١ ـ مصرع عبد الله بن عمير الكلبي ، وزوجته أم وهب (رض):

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٩٧)

وحمل الشمر في جماعة من أصحابه على ميسرة الحسين فثبتوا لهم حتى كشفوهم ، وفيها قاتل عبد الله بن عمير الكلبي [وهو عبد الله بن عمير بن عباس بن عبد قيس بن عليم بن جناب الكلبي العليمي أبو وهب] فقتل تسعة عشر فارسا واثني عشر راجلا ، وشدّ عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقطع يده اليمنى ، وقطع بكر بن حي ساقه ، فأخذ أسيرا وقتل صبرا(٢) . وذكر الطبري في تاريخه أنه كان القتيل الثاني من أصحاب الحسينعليه‌السلام .

فمشت إليه زوجته أم وهب (بنت عبد الله من النمر بن قاسط) وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه وتقول : هنيئا لك الجنة ، أسأل الله الّذي رزقك الجنة أن يصحبني معك. فقال الشمر لغلامه رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فشدخه وماتت(٣) وهي

__________________

(١) ذو مرّة : أي ذو قوة. والخوّار : الضعيف.

(٢) كامل ابن الأثير. والذي يقتل صبرا : هو كل من يقتل في غير معركة ولا حرب كالأسير ، فانه مقتول صبرا.

(٣) الظاهر أنه وقع خلط من المؤرخين بين قصة عبد الله بن عمير الكلبي هذا ، وبين قصة وهب بن حباب الكلبي الّذي سيأتي ذكره ، ومردّ الاشتباه أن زوجة عبد الله بن عمير اسمها (أم وهب) كما نصّ على ذلك الطبري وابن الأثير.

٦٥

أول امرأة قتلت من أصحاب الحسينعليه‌السلام (١) . وقطع رأس عبد الله ورمي به إلى جهة الحسينعليه‌السلام ، فأخذته أمه ومسحت الدم عنه ، ثم أخذت عمود خيمة وبرزت إلى الأعداء ، فردّها الحسينعليه‌السلام وقال : ارجعي رحمك الله ، فقد وضع عنك الجهاد. فرجعت وهي تقول : اللهم لا تقطع رجائي. فقال الحسينعليه‌السلام : لا يقطع الله رجاءك(٢) .

توضيح :

حصل خلط كبير عند المؤرخين بين اسمين هنا : عبد الله بن عمير بن جناب الكلبي ، وبين وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي ، وذلك للتشابه بين (جناب)و (حباب) من جهة ، ولأن زوجة عبد الله بن عمير لقبها (أم وهب).

والذي أرجحه أن هناك شخصين مختلفين وكل واحد منهما استشهد على حدة ؛ الأول خرج من الكوفة إلى (النّخيلة) إلى كربلاء ، وهو عبد الله بن عمير ، والثاني كان نصرانيا فلقي الحسينعليه‌السلام في طريقه وأسلم ، وصحبه إلى كربلاء ، وهو وهب بن حباب.

والذي يقوّي رأيي هذا ، أن هناك روايتين مختلفتين لاستشهاد (عبد الله) أو (وهب) وزوجته أو أمه (أم وهب). إحداهما تحكي أنه قتل وجاءت زوجته فجلست عند رأسه تمسح الدم عنه. والثانية أن الأعداء احتوشوه فأخذوه أسيرا ، وقطعوا رأسه ، ثم رموا به إلى عسكر الحسينعليه‌السلام ، فأخذته زوجته وضربت به خيمة للأعداء فهدمتها.

والرواية الأولى تثبت أن زوجته (أم وهب) استشهدت بعده ، حيث ضربها أحدهم بعمود من حديد على رأسها. بينما تشير الثانية إلى أنها حاولت القتال ، ولكن الحسينعليه‌السلام ردّها إلى المخيم.

وسوف تأتيك قصة استشهاد وهب بن حباب الكلبي ، الّذي أسلم مع أمه وزوجته ، بعد قليل.

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٣ ونسب ذلك إلى أم وهب بن جناب الكلبي.

(٢) مقتل المقرم ، ص ٩٨ ، نقلا عن تظلم الزهراء ، ص ١١٣.

٦٦

٤٢ ـ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، والموت جسر المؤمن إلى الجنة :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٧٣)

روي عن أبي جعفر الثاني (الإمام محمّد الجواد) عن آبائه (قال) قال علي بن الحسينعليه‌السلام : لما اشتدّ الأمر بأبي الحسينعليه‌السلام نظر إليه من كان معه ، فإذا هو بخلافهم ، لأنهم كلما اشتد الأمر تغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم ، وكان الحسينعليه‌السلام وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم ، وتهدأ جوارحهم ، وتسكن نفوسهم. فقال بعض لبعض : انظروا لا يبالي بالموت.

فقال لهم الحسينعليه‌السلام : صبرا بني الكرام ، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائم. فأيكم يكره أن ينتقل من سجن [أي الدنيا] إلى قصر [أي الجنة]! ، وهي لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب. إن أبي حدثني عن رسول الله (ص) : أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جناتهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم. ما كذبت ولا كذّبت.

طلب النجدة والمدد

٤٣ ـ عزرة بن قيس يستنجد بابن سعد ، واعتراف شبث بن ربعي بضلال أصحابه :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٩٩)

ولما رأى عزرة بن قيس وهو على الخيل الوهن في أصحابه والفشل كلما يحملون ، بعث إلى عمر بن سعد يستمده الرجال. فقال ابن سعد لشبث بن ربعي :ألا تقدم إليهم؟. قال : سبحان الله ، تكلف شيخ المصر ، وعندك من يجزي عنه؟.ولم يزل شبث بن ربعي كارها لقتال الحسين ، وقد سمع يقول في إمارة مصعب :قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعده [يعني الحسن] آل أبي سفيان خمس سنين ، ثم عدونا على ولده وهو خير أهل الأرض ، نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية؟! ضلال يا لك من ضلال. والله لا يعطي الله أهل هذا المصر خيرا أبدا ، ولا يسددهم لرشد(١) .

فمدّه بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥١.

٦٧

٤٤ ـ وصف أحدهم لبسالة الحسينعليه‌السلام وأصحابه الأبطال :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١٤٧)

ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح نهج البلاغة) ج ٣ ص ٣٠٧ ط مصر : أنه قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد : ويحك ، أقتلتم ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !. فقال : عضضت بالجندل(١) إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا!.ثارت علينا عصابة [يعني جماعة الحسينعليه‌السلام ] أيديها في مقابض سيوفها ، كالأسود الضارية ، تحتطم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنا فاعلين لا أمّ لك!.

مصرع أبي الشعثاء الكنديرحمه‌الله

٤٥ ـ عدول أبي الشعثاء الكندي إلى الحسينعليه‌السلام واستشهاده :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٣٠٠)

وكان أبو الشعثاء الكندي ـ وهو يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي ـ مع ابن سعد ، فلما ردّوا الشروط على الحسينعليه‌السلام صار معه. فقاتل بين يديه ، وجعل يرتجز ويقول(٢) :

أنا يزيد وأبي مهاصر

أشجع من ليث بغيل(٣) خادر

يا ربّ إني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر

وكان راميا ، فجثا على ركبتيه بين يدي الحسينعليه‌السلام ورمى بمئة سهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، والحسينعليه‌السلام يقول : اللهم سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنة.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٩ ط أولى مصر. والجندل : الصخر العظيم.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٣٧.

(٣) أسد خادر : مقيم في خدره ، والخدر : أجمة الأسد. والغيل : موضع الأسد.

٦٨

فلما نفدت سهامه قام وهو يقول : لقد تبيّن لي أني قتلت منهم خمسة(١) . ثم حمل على القوم فقتل تسعة نفر حتى قتلرحمه‌الله (٢) .

٤٦ ـ مبارزة برير بن خضير ليزيد بن معقل ومباهلتهما ، ثم مصرع برير على يد كعب بن جابر ، وقيل بحير الضبّي :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١١)

ثم برز برير بن خضير الهمداني وهو يقول :

أنا برير وأبي خضير

لا خير فيمن ليس فيه خير

وفي رواية مقتل الخوارزمي :

أنا برير وفتى خضير

أضربكم ولا أرى من ضير

يعرف فيّ الخير أهل الخير

كذاك فعل الخير من برير

مصرع بربر بن خضير الهمداني

وكان برير من عباد الله الصالحين ، وكان زاهدا عابدا ، وكان أقرأ أهل زمانه ، وكان يقال له سيّد القرّاء ، وكان شيخا تابعيا ، وله في الهمدانيين شرف وقدر. فحمل وقاتل قتالا شديدا ، وجعل ينادي فيهم : اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين ، اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين ، اقتربوا مني يا قتلة عترة خير المرسلين. فبرز إليه رجل يقال له يزيد بن معقل [وفي رواية : يزيد بن المغفل(٣) ].

وذكر المقرّم هذا الكلام بشيء من التفصيل(٤) قال :

ونادى يزيد بن معقل : يا برير كيف ترى صنع الله بك؟. فقال : صنع الله بي خيرا

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٥.

(٢) أمالي الصدوق ص ٨٧ مجلس ٣٠ ؛ وفي مقتل الخوارزمي أنه قتل في آخر الأصحاب ؛ وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٠ أنه كان أول من قتل.

(٣) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٥٩.

(٤) مقتل المقرم ، ص ٣٠٩ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٧ ، وذكر الطبري أنه برير بن (حضير) بالحاء وليس بالخاء.

٦٩

وصنع بك شرا. فقال يزيد : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّابا ، أتذكر يوم كنت أماشيك في (بني لوذان) وأنت تقول : كان معاوية ضالا وإن إمام الهدى علي بن أبي طالب؟. قال برير : بلى أشهد أن هذا رأيي. فقال يزيد : وأنا أشهد أنك من الضالين. فدعاه برير إلى المباهلة ، فرفعا أيديهما إلى الله سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله. ثم تضاربا فضربه برير على رأسه ضربة قدّت المغفر والدماغ ، فخرّ كأنما هوى من شاهق ، وسيف برير ثابت في رأسه. وبينا هو يريد أن يخرجه إذ حمل عليه (رضي بن منقذ العبدي) واعتنق بريرا واعتركا ، فصرعه برير وجلس على صدره ، فاستغاث رضي العبدي بأصحابه ، فذهب كعب بن جابر الأزدي ليحمل على برير ، فصاح به زهير بن أبي الأخنس : هذا برير بن خضير القارئ الّذي كان يقرئنا القرآن في جامع الكوفة ، فلم يلتفت إليه وطعن بريرا في ظهره ، فبرك برير على رضي العبدي وعضّ وجهه وقطع طرف أنفه ، وألقاه كعب برمحه عنه وضربه بسيفه فقتله رضوان الله عليه. وقام العبدي ينفض التراب عن قبائه وهو يقول : لقد أنعمت عليّ يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبدا.

وذكر الخوارزمي أن الّذي قتله هو بحير بن أوس الضبّي.

ترجمة برير بن خضير الهمداني المشرقي

بنو مشرق بطن من همدان ، قال الرواة : كان برير شيخا تابعيا ناسكا قارئا للقرآن ومن شيوخ القرّاء في الكوفة. وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين. ذكر أرباب السير أن بريرا لما بلغه امتناع الحسينعليه‌السلام من البيعة ليزيد الطاغية ، خرج من الكوفة حتى أتى مكة وصحب الحسينعليه‌السلام حتى استشهد معه رضوان الله عليه.

٤٧ ـ مبارزة الحر بن يزيد الرياحي :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٠)

ثم قال الحر للحسينعليه‌السلام : يابن رسول الله ، كنت أول خارج عليك فاذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك(١) فلعلي أن أكون ممن يصافح جدك محمدا (ص) غدا

__________________

(١) لا يخفى أن مقتضى بعض الروايات أنه قتل جماعة قبل مصرع الحر ، وهو المستفاد من تاريخ ابن الأثير ، فلذلك حمل على أن المراد من [أول قتيل] أول قتيل من المبارزين.

٧٠

في القيامة. فقال له الحسينعليه‌السلام : إن شئت فأنت ممن تاب الله عليه ، وهو التواب الرحيم. فكان أول من تقدم إلى براز القوم وهو يرتجز ويقول :

إني أنا الحر ومأوى الضيف

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بوادي الخيف(١)

أضربكم ولا أرى من حيف

وروي أنه كان يرتجز أيضا ويقول :

آليت لا أقتل حتى أقتلا

ولن أصاب اليوم إلا مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا معضلا

لا ناكلا عنهم ولا معلّلا

لا عاجزا عنهم ولا مبدّلا

أحمي الحسين الماجد المؤمّلا(٢)

وخرج الحر بن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين يحمي ظهره ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر واستنقذه ، ففعلا ذلك ساعة(٣) .

وفي رواية (مقتل الحسين) لأبي مخنف ، ص ٧٧ :

ثم تقدم الحر إلى الحسينعليه‌السلام وقال : يا مولاي أريد أن تأذن لي بالبراز إلى الميدان ، فإني أول من خرج إليك ، وأحب أن أقتل بين يديك!. فقال لهعليه‌السلام :ابرز بارك الله فيك ، فبرز الحر وهو يقول :

أكون أميرا غادرا وابن غادر

إذا كنت قاتلت الحسين بن فاطمه

وروحي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تواسيه نادمه

أهمّ مرارا أن أسير بجحفل

إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفوّا وإلا زرتكم بكتائب

أشدّ عليكم من زحوف الديالمه

سقى الله أرواح الذين توازروا

على نصره سحا من الغيث دائمه

وقفت على أجسادهم وقبورهم

فكاد الحشا ينفتّ والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى

سراعا إلى الهيجا ليوثا ضراغمه

تواسوا على نصر ابن بنت نبيهم

بأسيافهم آساد خيل قشاعمه

__________________

(١) الحيف : الظلم. وادي الخيف : يقصد بها مكة المكرمة.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٨ ط ٤.

(٣) مقتل المقرم ص ٣٠٢ عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٢ ، والبداية ج ٨ ص ١٨٣.

٧١

ثم حمل على القوم وغاص في أوساطهم ، فقتل رجالا ونكّس أبطالا ، حتى قتل مائة فارس ، ورجع إلى الحسينعليه‌السلام .

ثم حمل على القوم وهو يقول :

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

فأنت بكأس الموت لا شكّ كارع

وحام عن ابن المصطفى وحريمه

لعلك تلقى حصد ما أنت زارع

لقد خاب قوم خالفوا الله ربهم

يريدون هدم الدين والدين شارع

يريدون عمدا قتل آل محمّد

وجدّهم يوم القيامة شافع

٤٨ ـ مبارزة الحر ليزيد بن سفيان ومصرعه :(مقدمة مرآة العقول ، ج ٢ ص ٢٥٣)

وروي عن أبي زهير العبسي أن الحر بن يزيد لما لحق بالحسينعليه‌السلام ، قال يزيد بن سفيان من بني شقرة وهم بنو الحارث بن تميم : أما والله لو أني رأيت الحر بن يزيد حين خرج لأتبعته السنان.

قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون ، والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ، ويتمثل بقول عنترة :

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

ولبانه(١) حتى تسربل بالدم

وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبه ، وإن دماءه لتسيل. فقال الحصين ابن تميم ـ وكان على شرطة عبيد الله ـ ليزيد بن سفيان : هذا الحر بن يزيد الّذي كنت تتمنى [قتله ، فهل لك به]!. قال : نعم. فخرج إليه ، فقال له : هل لك يا حر بن يزيد في المبارزة؟. قال : نعم قد شئت ، فبرز له. قال : فأنا سمعت الحصين بن تميم يقول : والله لبرز له فكأنما كانت نفسه في يده ، فما لبّثه الحر حين خرج إليه أن قتله [وقتل أربعين فارسا وراجلا(٢) ].

مصرع الحر بن يزيد الرياحيرحمه‌الله

__________________

(١) اللّبان : الصدر.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١١.

٧٢

٤٩ ـ مصرع الحر بن يزيد الرياحي (رض):

(مقتل الحسين للمقرم ص ٣٠٢)

ثم رمى أيوب بن مشرح الخيواني فرس الحر بسهم فعقره وشبّ به الفرس ، فوثب عنه كأنه ليث(١) وبيده السيف. فقاتلهم راجلا قتالا شديدا وهو يقول :

إن تعقروا بي فأنا ابن الحرّ

أشجع من ذي لبد هزبر

وفي رواية أنه كان يرتجز ويقول :

إني أنا الحر ونجل الحرّ

أشجع من ذي لبد هزبر

ولست بالخوّار عند الكرّ

لكنني الثابت عند الفرّ

وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفا وأربعين رجلا(٢) .

ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه ، فاشترك في قتله أيوب بن مشرح ، فاحتمله أصحاب الحسينعليه‌السلام حتى وضعوه أمام الفسطاط الّذي يقاتلون دونه وهكذا كان يؤتى بكل قتيل إلى هذا الفسطاط ، والحسينعليه‌السلام يقول :قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيين(٣) .

ثم التفت الحسينعليه‌السلام إلى الحر وكان به رمق ، فقال له وهو يمسح الدم عنه :أنت الحر كما سمّتك أمك ، وأنت الحرّ في الدنيا والآخرة.

ورثاه رجل من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، وقيل علي بن الحسينعليه‌السلام ، وقيل إنها من إنشاء الإمام الحسينعليه‌السلام خاصة(٤) فقال :

لنعم الحرّ حرّ بني رياح

صبور عند مشتبك الرماح

ونعم الحر إذ نادى حسين

فجاد بنفسه عند الصياح

وفي (طبقات ابن سعد) أنه المتوكل الليثي(٥) .

__________________

(١) مقتل المقرّم ، ص ٣٠٢ عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٨ و ٢٥٠.

(٢) مقتل المقرّم ، ص ٣٠٢ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢١٧ ط إيران.

(٣) مقتل المقرّم ، ص ٣٠٢ عن تظلم الزهراء ، ص ١١٨ ؛ والبحار ، ج ١٠ ص ١١٧.

(٤) مقتل المقرّم ، ص ٣٠٣ عن روضة الواعظين ص ١٦٠ ؛ وأمالي الصدوق ، ص ٩٧ مجلس ٣٠.

(٥) مجلة تراثنا الصادرة في قم ، العدد ١٠ ص ١٨١.

٧٣

ترجمة الحر بن يزيد التميمي الرياحي

هو الّذي جعجع بالحسينعليه‌السلام وكان أول خارج عليه ، ثم بعد ذلك أدركته السعادة وحظي بشرف الشهادة ، فكان من أول المستشهدين بين يدي الحسينعليه‌السلام يوم الطف وذكر أرباب السير أنه لما استشهد الحر أخرج الحسينعليه‌السلام منديله وعصب به رأس الحر.

وذكر الشيخ السماوي ومثله العلامة المظفر قال : وإنما دفنت بنو تميم الحر بن يزيد على نحو ميل من الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن اعتناء به.ولعل بنو تميم هم الذين تكتّلوا يوم الحادي عشر من المحرم ومنعوا الناس من قطع رأس الحر وحمله ، كما فعلوا ببقية الرؤوس ، إذ قطعوها من الأبدان وحملوها على أطراف الرماح. وللحر بن يزيد الرياحي اليوم مشهد يزار خارج مدينة كربلاء ، في الموضع الّذي كان قديما يدعى النواويس (انظر الشكل).

(الشكل ٥) : مرقد الحر بن يزيد الرياحي في ضاحية كربلاء

٧٤

٥٠ ـ الردّ على الذين اتهموا الحر بالارتداد عن الدين ، وأن توبته

لم تقبل : (الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٣ ص ٢٦٥)

قال السيد نعمة الله الجزائري : لقد حدثني جماعة من الثقاة أن الشاه إسماعيل الصفوي لما ملك بغداد ، وأتى إلى مشهد الحسينعليه‌السلام ، وسمع من بعض الناس الطعن على الحر بن يزيد ؛ أتى إلى قبره ، وأمر بنبشه ، فرأوه نائما كهيئته لما قتل ، ورأوا على رأسه عصابة مشدودا بها رأسه. فأراد الشاه أخذ تلك العصابة ، لما نقل في كتب السير أن تلك العصابة هي منديل الحسينعليه‌السلام شدّ به رأسه لما أصيب في تلك الواقعة ، ودفن على تلك الهيئة. فلما حلّوا تلك العصابة جرى الدم من رأسه حتى امتلأ منه القبر ، فلما شدّوا عليه تلك العصابة انقطع الدم. فأمر فبنى على قبره بناء ، وعيّن له خادما يخدم قبره. وتبيّن له أن شهادته كانت على حقّ ، وأنه معدود في الشهداء.

* * *

* مدخل إلى البحث التالي (انتصار العقيدة على العاطفة):

عندما تتغلب العقيدة على العاطفة يستهين الإنسان بالحياة ، وهذا ما فعله أصحاب الحسينعليه‌السلام ، حتى أن الواحد منهم كان يقدّم ابنه للقتل أو أخاه ، وكانت المرأة تقدّم ابنها للشهادة أو زوجها. فكان الحسينعليه‌السلام يردّ الغلام الّذي حضرت أمه معه (مثل عمرو بن جنادة الأنصاري) ، فيقول الغلام : أمي أمرتني بذلك.

ومن أروع أشكال هذا الانتصار للعقيدة على العاطفة ، تلك الأم التي أسلمت على يد الحسين (ع) ، ثم قدّمت ابنها (وهب) للشهادة في سبيل الله. فلمثل هذا فليعمل العاملون ، وفي مثل ذلك فليتنافس المتنافسون.

شهادة وهب ابن حباب الكلبيرحمه‌الله

٧٥

٥١ ـ مصرع وهب بن حباب الكلبي :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٦ ط ٤)

ثم برز وهب بن حباب الكلبي ، ويقال إنه كان نصرانيا فأسلم هو وأمه على يد الحسينعليه‌السلام ، وكانت معه أمه وزوجته. فقالت أمه : قم يا بني فانصر ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال : أفعل يا أمّاه ولا أقصّر(١) ، فبرز وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الكلبي

سوف تروني وترون ضربي

وحملتي وصولتي في الحرب

أدرك ثاري بعد ثار صحبي

وأدفع الكرب أمام الكرب

ليس جهادي في الوغى باللعب

ثم حمل وهب ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة. ثم رجع إلى امرأته وأمه وقال :يا أماه أرضيت؟. فقالت : ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسينعليه‌السلام ، فقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك.

فقالت له أمه : يا بني اعزب عن قولها ، وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة. فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه. وأخذت امرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي ، قاتل دون الطيبين حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأقبل كي يردّها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود دون أن أموت معك. فقال الحسينعليه‌السلام : جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي إلى النساء رحمك الله ، فانصرفت إليهن. ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

توضيح :

لما حصل الالتباس بين (عبد الله بن عمير بن جناب الكلبي)و (وهب بن عبد الله ابن حباب الكلبي) نجد أن نفس القصة يرويها بعضهم تحت الاسم الأول ، وبعضهم تحت الاسم الثاني.

فالطبري يذكر فقط عبد الله بن عمير الكلبي ، وكذلك ابن الأثير. بينما في (الفتوح) لابن أعثم يذكر وهب بن عبد الله بن عمير الكلبي. وفي (مثير الأحزان)

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٢ ، ونسب ذلك إلى وهب بن عبد الله بن جناب الكلبي.

٧٦

لابن نما و (اللهوف) لابن طاووس : وهب بن جناب الكلبي. وفي (مناقب ابن شهر اشوب) : وهب بن عبد الله الكلبي.

وفي (العيون العبرى) للميانجي يقول : يذكر الشيخ السماوي في (إبصار العين) :عبد الله بن عمير الكلبي ، ولم يذكر وهب الكلبي ؛ والخوارزمي على العكس.

ويذكر الخوارزمي في مقتله : أن وهب بن عبد الله هذا كان نصرانيا فأسلم هو وأمه على يد الحسينعليه‌السلام .

أما السيد الأمين في لواعجه فقد اعتبرهما شخصين مختلفين ، وهذا ما اعتمدناه ونوّهنا عنه عند شهادة عبد الله بن عمير الكلبي [توضيح بعد الفقرة ٤١]. وهذا أيضا ما ذهب إليه السيد محمّد تقي آل بحر العلوم في مقتله.

تقويض أبنية الحسينعليه‌السلام وحرقها

٥٢ ـ عمر بن سعد يأمر بتقويض أبنية الحسينعليه‌السلام وحرقها بالنار :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٧ ط ١ مصر)

يقول الطبري : وقاتلوهم حتى انتصف النهار ، أشدّ قتال خلقه الله. وأخذوا لا يقدرون على أن يأتوهم إلا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقاربها. فلما رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالا يقوّضونها (عن أيمانهم وعن شمائلهم) ليحيطوا بهم. فكان أصحاب الحسينعليه‌السلام يشدّون على كل من دخل يقوّضها وينهبها ، فيقتلونه ويرمونه من قريب (فيعقرونه).

فأمر ابن سعد بإحراقها فأحرقوها (فصاحت النساء ودهشت الأطفال). فقال الحسينعليه‌السلام : دعوهم فليحرقوها ، فإنهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها ، وكان كذلك.

٥٣ ـ الشمر يطعن فسطاط الحسينعليه‌السلام ويحاول تحريق الخيام :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦٤)

وحمل القوم بعضهم على بعض ، واشتد بينهم القتال. فصبر لهم الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، حتى انتصف النهار ، وهم يقاتلون من جهة واحدة. فلما رأى ابن سعد ذلك أمر بإحراق الخيم. فقال الحسينعليه‌السلام لأصحابه : دعوهم فإنهم لن يصلوا

٧٧

إليكم. ثم حمل الشمر حتى طعن فسطاط الحسين ، ونادى : عليّ بالنار لأحرق بيوت الظالمين (فصحن النساء وخرجن من الفسطاط). فحمل عليه أصحاب الحسين حتى كشفوه عن الخيمة. فناداه الحسينعليه‌السلام : ويلك

يا شمر تريد أن تحرق خيمة رسول الله؟!. قال : نعم. فرفع الحسين طرفه إلى السماء ، وقال : اللهم لا يعجزك شمر أن تحرقه بالنار يوم القيامة(١) .

٥٤ ـ استنكار حميد بن مسلم لفعل الشمر :

(مقدمة مرآة العقول ، ج ٢ ص ٢٥٤)

وروي عن حميد بن مسلم (قال) قلت لشمر بن ذي الجوشن : سبحان الله ، إن هذا لا يصلح لك ؛ أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين : تعذّب بعذاب الله ، وتقتل الولدان والنساء؟!. والله إن في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك. (قال) فقال : من أنت؟.(قال) قلت : لا أخبرك من أنا. قال : وخشيت والله أن لو عرفني أن يضرني عند السلطان!.

٥٥ ـ زجر شبث بن ربعي للشمر :

(المصدر السابق ، ص ٢٥٥)

قال : فجاءه رجل كان أطوع له مني (شبث بن ربعي) فقال له : ما رأيت مقالا أسوأ من قولك ، ولا موقفا أقبح من موقفك!. أمرعبا للنساء صرت!. قال : فأشهد أنه استحيا فذهب لينصرف.

٥٦ ـ حملة زهير لاستنقاذ البيوت :

(المصدر السابق)

وحمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة ، فشدّ على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه ؛ فكشفهم عن البيوت ، حتى ارتفعوا عنها.

مصرع عمرو بن خالد الأزدي وابنهرحمهما‌الله

__________________

(١) اللهوف ، ص ٦٩ ؛ ومقتل المقرم ، ص ٢٩٨ عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥١.

٧٨

٥٧ ـ شهادة عمرو بن خالد الأزدي ، وابنه خالد :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٢)

وبرز عمرو بن خالد الأزدي وهو يقول :

إليك يا نفس إلى الرحمن

فأبشري بالرّوح والرّيحان

اليوم تجزين على الإحسان

قد كان منك غابر الزمان

ما خطّ في اللوح لدى الديّان

لا تجزعي فكل حيّ فان

والصبر أحظى لك بالإيمان

يا معشر الأزد بني قحطان

ثم قاتل حتى قتل رحمة الله عليه.

فتقدم ابنه خالد بن عمرو ، وهو يرتجز ويقول :

صبرا على الموت بني قحطان

كيما تكونوا في رضيا لرحمن

ذي المجد والعزة والبرهان

وذي العليو الطوّل والإحسان

يا أبتا قد صرت في الجنان

في قصر درّ حسن البنيان

فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمة الله عليه.

توضيح :

حصل خلط بين عمرو بن خالد الأزدي السابق ، وبين عمرو بن خالد الصيداوي الّذي سيأتي ذكره في الفقرة التالية. وأغلب المصادر ذكرت الأخير (عمرو) ما عدا السيد الأمين في اللواعج الّذي ذكره (عمر). فالذي استشهد في جماعة أربعة مع مولاه وصديقيه هو عمر بن خالد الصيداوي.

وقد ذكر السيد الأمين في (اللواعج) ص ١٣٢ شخصا ثالثا باسم مشابه وهو (عمرو بن خالد الصيداوي) وقد استشهد بعد جون.

قال : وبرز عمرو بن خالد الصيداوي ، فقال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا. فقال له الحسينعليه‌السلام : تقدّم فإنا لاحقون بك عن ساعة ، فتقدم فقاتل حتى قتل.

٥٨ ـ استشهاد جماعة :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٥)

وأما عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه ، وجابر بن الحارث السلماني

٧٩

ومجمع بن عبد الله العائذي ، فإنهم قاتلوا في أول القتال ، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على أهل الكوفة ، فلما أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس وقطعوهم عن أصحابهم ، فندب إليهم الحسينعليه‌السلام أخاه العباسعليه‌السلام فاستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم. وفي أثناء الطريق اقترب منهم العدو فشدوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح ، وقاتلوا حتى قتلوا أول الأمر في مكان واحد.

وعاد العباسعليه‌السلام إلى أخيه وأخبرهم بخبرهم.

وكان هؤلاء الأربعة من مخلصي الشيعة في الكوفة ، التحقوا بالحسينعليه‌السلام بالعذيب قبل وصوله إلى كربلاء.

ترجمة عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٨١)

كان عمرو من أشراف الكوفة ، مخلص الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام . قام مع مسلم بن عقيل ، حتى إذا خانته الكوفة لم يسعه إلا الاختفاء. فلما سمع بمقتل قيس بن مسهر ، وأخبر أن الحسينعليه‌السلام صار بالحاجر ، خرج إليه مع سعد مولاه ، وجابر بن الحارث السلماني ومجمع بن عبد الله العائذي ، وابنه خالد ؛ واتّبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو (الكامل) فجنبوه. وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي ، وكان جاء إلى الكوفة يمتار لأهله طعاما. فخرج بهم على طريق متنكبة ، وسار سيرا عنيفا من الخوف ، حتى انتهوا إلى الحسينعليه‌السلام وهو بعذيب الهجانات ، فاستقبلهم. وقالعليه‌السلام :أما والله إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا ؛ قتلنا أو ظفرنا.

٥٩ ـ احتدام القتال إلى زوال الشمس :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٨)

وكان القتل يبين في أصحاب الحسينعليه‌السلام لقلة عددهم ، ولا يبين في أصحاب عمر بن سعد لكثرتهم. واشتدّ القتال والتحم ، وكثر القتل والجراح في أصحاب أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام إلى أن زالت الشمس.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبادته العترة الطاهرة التي أوجب الله مودتها على عموم المسلمين!.

ترجمة عمر بن سعد [٢٣ ـ ٦٥ ه‍]

(الأعلام للزركلي) عمر بن سعد بن أبي وقّاص : أمير من القادة الشجعان. سيّره عبيد الله بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم ، وكتب له عهده على الرّي (وهي المنطقة الجنوبية من طهران اليوم).

ثم لما علم ابن زياد بمسير الحسينعليه‌السلام من مكة متوجها إلى الكوفة ، كتب إلى عمر بن سعد أن يعود بمن معه ، فعاد. فولاه قتال الحسينعليه‌السلام ، فاستعفاه ، فهدده فأطاع. وتوجّه إلى لقاء الحسينعليه‌السلام فكانت الفاجعة بمقتله. وكان عمره يومئذ ٣٨ عاما. وعاش عمر بن سعد إلى أن خرج المختار الثقفي يتتبّع قتلة الحسينعليه‌السلام فبعث إليه من قتله بالكوفة وقصة ذلك أن المختار أعطى عمر بن سعد أمانا وقرّبه منه ، ثم بعث إليه من يقتله في داره (وهو أبو عمرة كيسان). فبينما ابن سعد قائم إليه إذ عثر في جبّة له فوقع على السرير ، فأسرع أبو عمرة إليه واحتزّ رأسه. فظهر بذلك تصديق دعوة الحسينعليه‌السلام على ابن سعد حين قال له : آ وسلّط الله عليك من يذبحك بعدي على فراشك آ. كما صدقت نبوءتهعليه‌السلام بعدم تولّي عمر بن سعد ولاية الريّ وجرجان ثم إن المختار نصب رأس ابن سعد على قصبة بالكوفة ، عبرة لمن يعتبر ، تصديقا لقول الحسينعليه‌السلام : «وكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة ، يتراماه الصبيان ويتّخذونه غرضا بينهم آ. هذا ويتصل نسب (عمر بن سعد) مع الإمام الحسينعليه‌السلام وبني هاشم في كلاب بن مرّة. فهو عمر بن سعد بن مالك (أبي وقّاص) ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. والحسينعليه‌السلام هو ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. ولذلك كان عمر بن سعد يقول في شعره :(حسين ابن عمّي والحوادث جمّة ...).

٢٤١
٢٤٢

الفصل السابع والعشرون

تسيير الرؤوس والسبايا إلى الكوفة

ويتضمن هذا الفصل :

حوادث عشية اليوم العاشر من المحرم :

ـ حال السبايا مساء اليوم العاشر

ـ اقتسام القبائل لرؤوس الشهداء بعد قطعها

ـ تسيير رؤوس الشهداء إلى الكوفة

اليوم الحادي عشر من المحرم :

ـ عمر بن سعد يدفن قتلاه

ـ كم كان عدد قتلى جيش ابن سعد؟

ـ تسيير سبايا أهل البيتعليه‌السلام إلى الكوفة

ـ كيف أركبوا السبايا على المطايا

ـ مرور السبايا على مصارع الشهداء

ـ ندب زينب وسكينةعليه‌السلام

ـ انفصال ركب السبايا عن كربلاء

ـ تسيير رأس الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة

ـ تبييت خولي للرأس الشريف في داره

اليوم الثاني عشر من المحرم :

ـ دخول الرأس الشريف إلى الكوفة

ـ خولي يطلب الجائزة من ابن زياد

٢٤٣

اليوم الثالث عشر من المحرم :

ـ دخول موكب الرؤوس والسبايا إلى الكوفة

ـ خبر مسلم الجصّاص

ـ خطبة زينبعليه‌السلام في أهل الكوفة

ـ خطبة فاطمة الصغرى بنت الحسينعليه‌السلام

ـ خطبة أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام

ـ خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

ـ وصف بشير بن حذيم للناس وهم حيارى

ـ في قصر الإمارة :

ـ إدخال رأس الحسينعليه‌السلام على ابن زياد

ـ إدخال العترة الطاهرةعليه‌السلام

ـ مجادلة زيد بن أرقم مع عبيد الله بن زياد

ـ محاورة زينبعليه‌السلام مع ابن زياد

ـ ملاسنة الإمام زين العابدينعليه‌السلام لابن زياد

ـ محاولة ابن زياد قتل الإمام زين العابدينعليه‌السلام

ـ وضع السبايا في السجن

ـ دفن جسد الحسينعليه‌السلام وأجساد الشهداء (رض)

اليوم الرابع عشر وما بعده :

ـ إحضار المختار الثقفي ليرى الرأس الشريف

ـ نهاية عمر بن سعد

ـ محاولة ابن زياد التنصّل من مسؤولية قتل الحسينعليه‌السلام

ـ خبر عبد الله بن عفيف الأزدي

ـ تطويف الرأس الشريف في سكك الكوفة ، ثم صلبه

ـ صلب الرؤوس بالكوفة على الخشب

ـ كلام الرأس المقدس

ـ قصة الغلامين إبراهيم ومحمد ولدي مسلم بن عقيلعليه‌السلام

ـ نعي الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة.

٢٤٤

الفصل السابع والعشرون

تسيير الرؤوس والسبايا إلى الكوفة

مقدمة الفصل :

يختص هذا الفصل بالحوادث التي حصلت على الرؤوس والسبايا خلال تسعة أيام ، ابتداء من عشية يوم عاشوراء ، إلى تسييرهم من كربلاء إلى الكوفة ، وحتى نهاية إقامة السبايا في الكوفة في اليوم التاسع عشر من المحرم. يبدأ الفصل بتوضيح كيف بات السبايا في الليلة الأولى بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ، وهي التي تدعى ليلة اليتيمة الأولى. وذلك أن زينب العقيلةعليه‌السلام بعد أن أحرقوا كل خيام أهل البيتعليه‌السلام طلبت من عمر بن سعد خيمة ليبيت فيها النساء والأطفال. فباتوا فيها أسرى الذل والانكسار ، والخوف والهلع. وفي نفس الوقت كان قادة جيش عمر بن سعد يقطعون رؤوس الشهداء ويتقاسمونهم على ضوء المشاعل ، وذلك بعد أن صلّوا صلاة العشاء الباطلة. ثم سيّروا الرؤوس إلى ابن زياد. ثم ينتقل الفصل إلى حوادث اليوم الحادي عشر من المحرم ، حيث ارتحل عمر بن سعد بالسبايا عند الزوال ، وأركبهم على جمال بغير وطاء ، فمرّوا بهم على جسد الحسينعليه‌السلام وعلى القتلى من الشهداء (رض). وعندها أبّنت زينبعليه‌السلام أخاها الحسينعليه‌السلام بندب تسيخ منه الجبال الصماء ، ثم ودّعنه متوجهين إلى الكوفة التي تبعد عن كربلاء جنوبا نحو ٧٠ كم. وفي اليوم الثاني عشر ، كان خولي يحمل رأس الحسينعليه‌السلام إلى عبيد الله بن زياد ، طالبا منه الجائزة. وفي اليوم الثالث عشر ، كانت السبايا تدخل الكوفة في موكب حاشد مهيب مع الرؤوس ، وقد خرجت الكوفة بأهلها عن بكرة أبيها. فخطبت في تلك الجموع كلّ من زينب العقيلةعليه‌السلام وفاطمة الصغرى بنت الحسينعليه‌السلام ، ثم أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام ، ثم الإمام زين العابدينعليه‌السلام الذي كانت العلة قد أنهكته. ثم أدخل الرؤوس والسبايا إلى قصر الإمارة ، وعرضوا على عبيد الله بن زياد ، الّذي بدأ يتشفّى من الحسينعليه‌السلام بضرب رأسه بالقضيب،

٢٤٥

ويشمت به ويقول : يوم بيوم بدر! وفي هذا الجو الموبوء بالترّهات والأضاليل ، وقفت زينبعليه‌السلام تفرغ على لسان أبيها علي أمير المؤمنينعليه‌السلام كلمات الحق التي تفضح يزيد وأعمال ابن زياد ، بشجاعة وإقدام ، يوازي شجاعة أخيها الحسينعليه‌السلام وإقدامه في كربلاء. فأتمّت بذلك أهداف نهضته المباركة ، في ذلك الموقف الّذي لا يجرؤ أحد فيه على التفوّه بكلمة واحدة. ولما تلاسن الإمام زين العابدينعليه‌السلام مع ابن زياد ، همّ بقتله ، فتمسكت به زينبعليه‌السلام وقالت : إذا أردتم قتله فاقتلوني معه ، فبهتوا وتركوه. ثم حملوه مع السبايا إلى السجن. ومنذ أن أتمّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام رسالته في مجلس ابن زياد ، كان على موعد بعد مقتل أبيه بثلاثة أيام ، على العود إلى كربلاء بعيدا عن الأنظار ، ليقوم بدفن جسد أبيه الحسينعليه‌السلام وأجساد البدور التمّ من بني هاشم ، والأقمار من أصحابهم. فوجدعليه‌السلام بني أسد هناك ، وقد تنادوا لدفن القتلى ، فأمرهم أن يحفروا حفرتين كبيرتين ؛ إحداهما لدفن الآل ، والأخرى لدفن الأصحاب. أما جسد الحسينعليه‌السلام فقد كان ممزّقا أشلاء ، فوضعه الإمام زين العابدينعليه‌السلام عليحصير ، وحمله إلى لحده الّذي هيأه له ، حيث أقره فيه ، وأهال التراب عليه ، والملائكة أعوانه. ثم أمرعليه‌السلام بدفن سيدنا العباسعليه‌السلام في مكان استشهاده بالقرب من نهر العلقمي ، بعيدا عن الحائر الحسيني. ولما شفى ابن زياد حقده من الرأس الشريف ، ورؤوس الشهداء من أهله وأصحابه ، أمر بها فطوّفت في سكك الكوفة وقبائلها. وكان الرأس الشريف وهو على السنان ، يقرأ آيات القرآن ، بأعذب لسان وأفصح بيان. ثم أمر ابن زياد بالرؤوس كلها فنصبت على الخشب ، وهي أول رؤوس تصلب في الإسلام. وبعد أن قضى الإمام زين العابدينعليه‌السلام والسبايا عدة أيام في السجن ، جاء الأمر من يزيد بتسيير السبايا والرؤوس إلى دمشق ، من أطول طريق مأهول بالناس ، للتشهير بهم وتخويف الناس من أن يخرجوا عليه. وفي تلك الفترة كان نعي الحسينعليه‌السلام قد وصل إلى المدينة المنورة ، حيث كان الوالي عمرو بن سعيد الأشدق ، الّذي شمت واغتبط لمقتل الحسينعليه‌السلام . بينما خرجت المدينة بقضّها وقضيضها تندب الحسينعليه‌السلام وتلطم الخدود عليه ، ناهيك عن عبد الله بن جعفر والحسن البصري وأم سلمة (رض) وأم لقمان بنت عقيلعليه‌السلام .

٢٤٦

حوادث عشية اليوم العاشر من المحرم

٢٥٧ ـ ليلة بائسة حالكة يلفّها الحزن ويعتصرها الأسى :

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٣٦٥ : يا لها من ليلة بائسة مرت على بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك العزّ الشامخ الّذي لم يفارقهن منذ أوجد الله كيانهن. فلقد كنّ بالأمس في سرادق العظمة وأخبية الجلالة ، يشعّ نهارها بشمس النبوة ، ويضيء ليلها بكواكب الإمامة ومصابيح أنوار القداسة. وبقين في هذه الليلة في حلك دامس ، من فقد تلك الأنوار الساطعة ؛ بين رحل منتهب وخباء محترق وفرق سائد وحماة صرعى ، ولا محامي لهن ولا كفيل ، لا يدرين من يدفع عنهن إذا دهمهنّ داهم ، ومن الّذي يردّ عادية المرجفين ، ومن يسكّن فورة الفاقدات ، ويخفض من وجدهن. نعم كان بينهن صراخ الصبية وأنين الفتيات ونشيج الولهى.فأم طفل فطمته السهام ، وشقيقة مستشهد ، وفاقدة ولد ، وباكية على حميم. وإلى جنبهن أشلاء مبضّعة وأعضاء مقطّعة ونحور دامية ، وهنّ في فلاة من الأرض جرداء. ويقول السيد أسد حيدر في كتابه (مع الحسين في نهضته) ص ٢٨٥ : وأكبّت زينبعليه‌السلام على جسد الحسين الطاهر ، وهي تحاول أن تجد موضعا يسمح لها بتقبيله فلم تجد ، لكثرة النبال التي زرعت فيه. وفي هذا المعنى قال السيد جعفر الحلي :

قد رام يلثمه فلم ير موضعا

لم يدمه عضّ السلاح فيلثم

٢٥٨ ـ حال السبايا مساء يوم عاشوراء :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٠٥)

قال السيد ابن طاووس في (الإقبال) : اعلم أن أواخر النهار من يوم عاشورا ، كان اجتماع حرم الحسينعليه‌السلام وبناته وأطفاله في أسر الأعداء ، ومشغولين بالحزن والهموم والبكاء. وانقضى عليهم آخر ذلك النهار ، وهم فيما لا يحيط به قلمي من الذل والانكسار. وباتوا تلك الليلة فاقدين لحماتهم ورجالهم ، وغرباء في إقامتهم وترحالهم ، والأعداء يبالغون في البراءة منهم ، والإعراض عنهم وإذلالهم ، ليتقربوا بذلك إلى المارق عمر بن سعد ، مؤتم أطفال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومقرّح الأكباد ، وإلى الزنديق عبيد الله بن زياد ، وإلى الكافر يزيد بن معاوية ، رأس الإلحاد والعناد.

٢٤٧

٢٥٩ ـ نساء من؟ هؤلاء الذين يساقون سبايا :

(الحسين إمام الشاهدين ، ص ٨٨)

يقول الدكتور علي شلق : حرائر من تسبى؟. أطفال من تسبى؟. أولاد من تسبى؟ أولاد محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجري أنهار الخير إلى مكة والمدينة ، ومفيض البركة على ذلك العصر ، ودنيا كل قطر ومصر. أبناؤه يساقون نساء وأطفالا سبايا ، بعد أن خلّفوا وراءهم فلذات أكبادهم ، وقد صبغت دماؤهم التراب.ويدفعون أذلة معولين منهوكين إلى عبيد الله بن زياد ، النجل المختار لزياد ابن أبيه. ابن من؟ ابن سميّة. وسمية من؟ واحدة من البغايا التي ضاجعها أبو سفيان جدّ يزيد سرا ، وستر عاره. فجاء ولده معاوية البار يفاخر بأبيه الزاني ، ويعلن أنه أخ لزياد. من نسل هذا الفاجر زياد ، جاء من سفك دم حفيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .فيالغرابة الأقدار ، ويا عجبا غاية العجب من إنسانية الإنسان!.

٢٦٠ ـ النساء يتجمعن حول جسد أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام :

لما أحرقوا خيم الحسينعليه‌السلام جاءت زينبعليه‌السلام إلى زين العابدينعليه‌السلام وقالت له : ماذا نصنع؟. قال : هيموا على وجوهكم في البيداء!. فأقبلن إلى مصرع أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وأحطن بجثمانه الطاهر ؛ واحدة تمسح عنه التراب ، وأخرى تظلله عن حرارة الشمس ، والثالثة تصبغ شعرها بدمه. كأن الشاعر قد أطلّ عليهن في ذلك اليوم فوصف حالهن فقال :

فواحدة تحنو عليه تشمّه

وأخرى عليه بالرداء تظلّل

وأخرى بفيض النحر تصبغ شعرها

وأخرى تفدّيه وأخرى تقبّل

وأخرى على خوف تلوذ بجنبه

وأخرى لما قد نالها ليس تعقل

٢٦١ ـ زينبعليها‌السلام تطلب من عمر بن سعد خيمة لإيواء النساء والأطفال :

قال بعض المؤرخين :

بعثت الحوراء زينبعليه‌السلام طفلين من أطفال أبي عبد الله الحسين الصغار ، قالت لهما : امضيا إلى معسكر ابن سعد ، وقولا له : إن عمتنا زينب تقول : إن أصحابك أحرقوا خيامنا كلها ، وهذا الليل قد غشينا ، فامر أصحابك أن ينصبوا لنا خيمة حتينجمع بها الأطفال والعيال سواد هذه الليلة. ذهب الطفلان ، والحزن والانكسار باد عليهما ، حتى وصلا إلى عمر بن سعد ، وأبلغاه مقالة عمتهما

٢٤٨

زينبعليه‌السلام . فأمر عمر بن سعد أصحابه ، فضربوا خيمة. فجمعت زينبعليها‌السلام الأطفال والعيال في تلك الخيمة ، ووقفت هي على يمينها ، وأم كلثوم على شمالها ، وجعلت تتفقّد النسوة والأطفال ، إذ افتقدت الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام . فخرجت في طلبها تنادي : رباب كلّميني ، في أي واد أنت؟

٢٦٢ ـ الرباب تبحث عن طفلها الرضيع :

إلى أن وصلت إلى مصرع الحسينعليه‌السلام فرأتها جالسة هناك. قالت لها : ما الذي أخرجك في هذا الليل؟. قالت : سيدتي لا تلوميني. لما جنّ عليّ الليل درّت عليّ محالبي ، وأوجعني صدري ، فجئت إلى رضيعي لعلي أجد فيه رمق الحياة ، فوجدته مذبوحا من الوريد إلى الوريد. يقول الشيخ محمّد تقي الجواهري مصوّرا مناجاة الرباب لابنها الذبيح عبد الله :

بنيّ أفق من سكرة الموت وارتضع

بثدييك علّ القلب يهدأ هائمه

بنيّ لقد درّا وقد كظّك الظما

لعلك يطفى من غليلك ضارمه

بنيّ لقد كنت الأنيس لوحدتي

وسلواي إذ يسطو من الهم غاشمه

٢٦٣ ـ منظر يفطّر الفؤاد ويفتّ في الأكباد :

(بطلة كربلاء زينب بنت الزهراء لبنت الشاطئ ، ص ١٢٧)

مع غروب شمس العاشر من المحرم ، كانت الدماء تلطخ ثرى كربلاء ، وتنعكس الأنوار المنبلجة منها على الأفق ، فتكسبه حمرة وردية لم تر فيه من قبل. تلك الدماء الزكية التي تجري من الأشلاء المتناثرة على الربى والسهوب ، وقد جرّدت منها الرؤوس ، تسطع منها أنوار العزة والشهادة ، وتفوح منها رائحة الجنة والخلود.قالت بنت الشاطئ : ولاح القمر من وراء الغيوم خابي الضوء شاحبه ، وعلى ذلك الضوء الشاحب بدت (زينب) في نفر من الصبية ، وجمع من الأرامل والثواكل ، عاكفات على تلك الأشلاء ، يلتمسن فيها ذراع ولد حبيب ، أو كتف زوج عزيز ، أو قدم أخ غال. وغير بعيد منهن كان عسكر (ابن زياد) يسمرون ويشربون ، ويحصون على ضوء المشاعل ما قطعوا من رؤوس ، وما انتهبوا من أسلاب. وما أن خيّم الظلام حتى كانت رؤوس الشهداء الأبرار والمؤمنين الأحرار تحمل على رؤوس الرماح ، إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة.

٢٤٩

٢٦٤ ـ تسريح رأس الحسينعليه‌السلام إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٢)

وسرّح عمر بن سعد من يومه ذاك ـ وهو يوم عاشوراء ـ برأس الحسينعليه‌السلام مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي ، إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة. (أقول) : الظاهر أن تسيير رأس الحسينعليه‌السلام كان منفردا ومتقدما على تسيير بقية الرؤوس. وكذلك فإن تسيير الرؤوس الباقين كان سابقا على تسيير السبايا. إلا أن دخول الكوفة كان مشتركا في موكب واحد.

قطع الرؤوس وعدّها

٢٦٥ ـ قطع الرؤوس وإرسالها إلى الكوفة :

(لواعج الأشجان ، ص ١٧٣)

وأمر ابن سعد برؤوس الباقين من أصحاب الحسينعليه‌السلام وأهل بيته فقطعت (ونظّفت) وكانت اثنين وسبعين رأسا ، وسرّحت مع شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث بن قيس ، وعمرو بن الحجاج ، فأقبلوا بها على ابن زياد. وروي أن الرؤوس كانت ثمانية وسبعين رأسا ، اقتسمتها القبائل لتتقرب بها إلى ابن زياد وإلى يزيد. وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٧ : وحمل مع رأس الحسينعليه‌السلام اثنان وتسعون رأسا.

٢٦٦ ـ تحقيق حول عدد الرؤوس التي قطعت وسيّرت إلى الكوفة :

(أنصار الحسين للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ٥٧ و٦٣ ط ٢)

تجمع الروايات على عدد الرؤوس التي قطعت بعد نهاية المعركة ، وأرسلت إلى الكوفة ، وهذا العدد بين ٧٠ رأسا و٧٥ رأسا. ومن الذين ذكروا أن عدد الرؤوس كان ٧٢ رأسا كل من أبي مخنف والدينوري والشيخ المفيد. وبما أن المسلّم به أن كل من حضر مع الحسينعليه‌السلام من الأنصار قد استشهد معه (إلا الثلاثة المذكورين وهم : الضحاك بن عبد الله المشرقي ، وعقبة بن سمعان ، والمرقّع بن ثمامة الأسدي) فيكون عدد القتلى أكثر من هذا العدد.

لكن يمكن دفع هذا الإشكال بأن نقول : إن تقديرات الرواة كانت تستبعد دائما من الحساب القتلى من الموالي ، لأسباب عنصرية كانت تلعب دورها في ذلك الوقت ، مع أن عدد الموالي الخاصين بأهل البيتعليه‌السلام وغيرهم كان كبيرا

٢٥٠

لا يستهان به. فيجوز أن رؤوس الشهداء لم تقطع كلها ، وإذا كان العدد الكلي للشهداء ١٢٠ شهيدا فلا تعارض بينه وبين ما ذكرته بعض الروايات من أن عدد الرؤوس التي سيّرت ٧٨ رأسا.

٢٦٧ ـ اقتسام القبائل لرؤوس الشهداء :

(الأخبار الطوال للدينوري ، ص ٢٥٩)

قال الدينوري : وحملت الرؤوس على أطراف الرماح ، وكانت اثنين وسبعين رأسا. جاءت هوازن منها باثنين وعشرين رأسا (مع شمر بن ذي الجوشن).وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، مع الحصين بن نمير. وجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ، مع قيس بن الأشعث. وجاءت بنو أسد بستة رؤوس ، مع هلال الأعور.وجاءت الأزد بخمسة رؤوس ، مع عيهمة بن زهير. وجاءت ثقيف باثني عشر رأسا ، مع الوليد بن عمرو. ووفق هذا الاحصاء يكون العدد ٧٥ وليس ٧٢ كما ذكر.

ـ رواية أخرى :(اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٦٠)

وروي أن أصحاب الحسينعليه‌السلام كانوا ثمانية وسبعين ٧٨ رأسا. فاقتسمتها القبائل لتتقرب بذلك إلى عبيد الله بن زياد وإلى يزيد بن معاوية. فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث. وجاءت هوازن باثني عشر رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن. وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا. وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا. وجاءت مذحج بسبعة رؤوس. وجاء باقي الناس بثلاثة عشر رأسا.

٢٦٨ ـ قطع الرؤوس سمة وحشية اتخذها بنو أمية ، ولا تجوز في الإسلام :

(أنصار الحسين ، ص ٢٢٥ ط ٢)

قال الشيخ شمس الدين بتصرف : إن قطع رأس الميت ، قتيلا كان أو ميّتا حتف أنفه ، هو من المثلة ، التي نهى عنها الإسلام وأكد على حرمتها. يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«لا تمثّلوا ولو بالكلب العقور».

ولم يحدث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل حروبه مع الكفار ، أنه قطع رأس أحد منهم بعد موته ، وعلى ذلك سار الخلفاء الأربعة من بعده.

يظهر من هذا أن الاسلام لا يشجّع على قطع رأس العدو الكافر المحارب ، فكيف بقطع رأس المسلم ، ونقله من بلد إلى بلد.

٢٥١

وقد انتهك ملوك بني أمية هذا الحكم الشرعي الواضح ، ولا نعرف من أين اقتبس الأمويون هذا الأسلوب في معاملة قتلاهم ؛ هل من عقليتهم الجاهلية التي لم تزايلهم في يوم من الأيام ، أو لعلهم اقتبسوه من الكفرة الروم الذين كانوا يقلدونهم في طريقة حياتهم؟!.

وأول انتهاك نعرفه لهذا التشريع الاسلامي ، هو ما فعله عامل معاوية على الموصل ، حين أمره معاوية بقتل عمرو بن الحمق الخزاعي (الصحابي العابد الزاهد) ، فقطع رأسه وبعث به إلى معاوية. ولم يكتف معاوية بذلك ، بل إنه استدعى زوجة عمرو بن الحمق ، وقذف برأس زوجها في حجرها وهي في سجنه بدمشق ، وهي لا تعلم أنه قد قتل. إنها وحشية ما بعدها وحشية.

لكن هذا التصرف المحدود ، لم يصل نبؤه إلى المسلمين في الأقطار المترامية.ولذلك كان قتل الحسينعليه‌السلام وحمل رأسه ورؤوس أصحابه وتجوالهم في الأقطار ، حدثا جديدا ومستهجنا بالنسبة لعامة المسلمين. لذلك قال الطبري في (تاريخه ، ج ٥ ص ٣٩٤) عن زرّبن حبيش : «أول رأس رفع على خشبة ، رأس الحسين رضي الله عنه ، وصلى الله على روحه».

وهنا نتساءل : لماذا قطعت الرؤوس بهذه الطريقة الوحشية ، ثم رضّ جسد الحسينعليه‌السلام ؟. هل كان هذا بدافع انتقامي ، أم بدافع سياسي إعلامي؟. الحق أنه كان بدافع انتقامي بعث عليه الحقد الدفين ، لكنه بعد ذلك استغلّ للغرض الإعلامي السياسي ، للتشهير بالحسينعليه‌السلام ومحو أي أمل يراود أي مسلم في الخروج على السلطة الجائرة. انتهى كلامه.

حوادث اليوم الحادي عشر

٢٦٩ ـ دفن ابن سعد لقتلاه :

(لواعج الأشجان ، ص ١٧٣ ؛ ومقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٣) ثم إن ابن سعد جمع القتلى من أصحابه ، وصلى عليهم ودفنهم. وترك سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول الأكرم ومن معه من أهل بيته وصحبه بلا غسل ولا كفن ولا دفن ، تسفي عليهم الصّبا(١) ويزورهم وحش الفلا يقول العلامة الشيخ محمّد تقي آل صاحب الجواهر :

__________________

(١) سفت الريح التراب : أذرته. والصّبا : ريح تهب من المشرق.

٢٥٢

فإن يمس فوق التّرب عريان لم تقم

له مأتما تبكيه فيه محارمه

فأيّ حشى لم يمس قبرا لجسمه

وفي أي قلب ما أقيمت مآتمه

وأقام بقية اليوم العاشر ، واليوم الثاني إلى زوال الشمس.

٢٧٠ ـ عدد الذين قتلوا من جيش عمر بن سعد :

ذكر ابن عساكر في تاريخه ، ص ٢٢٨ ؛ والمسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٧٢ : أن عدد من قتل من أصحاب عمر بن سعد في حرب الحسينعليه‌السلام كان ٨٨ رجلا. (أقول) بناء على هذا الكلام ، فإن عدد من قتل من أصحاب عمر بن سعد يساوي تقريبا من قتل من أنصار الحسينعليه‌السلام . وهذا أمر لا يمكن تصديقه ، إذ كيف يقتل من باعوا حياتهم لله ، مثلما يقتل من باعوا حياتهم للدنيا!. وهذه كتب المقاتل تدحض ذلك. إن كتب السير والمقاتل تذكر كم قتل كل شهيد من أنصار الحسينعليه‌السلام حتى استشهد ، فبعضهم قتل عشرة أو أكثر ، فكيف يكون عدد الجميع ٨٨ رجلا؟. عدا عما قتله الإمام الحسينعليه‌السلام وأخوه العباسعليه‌السلام اللذان يعادل كل واحد منهما ببطولته جيشا كاملا!. والذي أراه أن هذه الروايات هي من دسائس الأمويين ليموّهوا على الناس ويوهموهم أن عدد القتلى منهم كان قليلا ، حتى لا يثور الناس عليهم ، ولا تظهر بطولة الهاشميين وشجاعتهم الباهرة. ففي اعتقادي أن العدد المذكور مقسوم على عشرة على أقل تقدير ، فعدد المقتولين من حزب ابن سعد هو ألف أو يزيد.

٢٧١ ـ كم كان عدد القتلى من الجانبين :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ١٧٩)

يقول السيد أسد حيدر : وهلمّ لنرى تكافؤ القوى في القتلى ، إذ يقول أكثرهم أنه قتل من جيش ابن سعد ٨٤ ، ويقابله من أصحاب الحسين (ع) ٨٤ ، فلم يزد بعضهم على الآخر!. وما أدري من أين جاء هذا التقابل والمساواة ، وكيف يصح!. لقد كان أنصار الحسينعليه‌السلام مستميتين ، وكانت معنوياتهم عالية ، وكان الواحد منهم يقتل العشرة والمئة قبل أن يستشهد ، فكيف يكون عدد الشهداء منهم كعدد القتلى من الأعداء؟!. إن هذا لا يمكن تصديقه. بل إن سلطة ابن زياد أرادت إخفاء الحقائق وتوهيم الناس بقلة عدد القتلى من جنوده ، حتى لا يثور عليه الناس. وإليك دليلا على كذب دعاية السلطة ، وأن قتلى ابن سعد أكثر من أن يحصوا.

٢٥٣

٢٧٢ ـ ما قالته زينب الصغرىعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٣٤٥)

قال ابن عصفور البحراني في مقتله : لما قال أحدهم في مجلس يزيد : إن الحسين جاء في نفر من أصحابه وعترته ، فهجمنا عليهم ، وكان يلوذ بعضهم بالبعض ، فلم تمض ساعة إلا قتلناهم عن آخرهم. قالت الصدّيقة الصغرى زينبعليه‌السلام : ثكلتك الثواكل أيها الكذّاب ، إن سيف أخي الحسينعليه‌السلام لم يترك في الكوفة بيتا إلا وفيه باك وباكية ونائح ونائحة. يشير هذا إلى كثرة القتلى في صفوف ابن زياد.

٢٧٣ ـ العدد المذكور لا يكافئ ما قتله شخص واحد :

(أقول) : إن ما ذكره بعض الرواة من أن عدد قتلى جيش عمر بن سعد ٨٨ رجلا يكافئ ما قتله شخص واحد من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام . فمثلا إن أبا الشعثاء الكندي لوحده قتل أكثر من هذا العدد ، فلقد أثر عنه أنه رمى مئة سهم بين يدي الحسينعليه‌السلام ، وكانت رميته لا تخطئ. فإذا كان واحد قد قتل مئة ، فكيف يكون عدد القتلى ٨٨ فقط. وكذلك فإن علي الأكبرعليه‌السلام لما هجم على جموع القوم قتل بسببه ١٢٠ شخصا ، ثم أثناء رجوعه تمام المئتين. وهذا ليس بمستغرب ، إذ ليس كل القتلى كانوا يقتلون مباشرة ، بل ربما كانوا يقتلون بعضهم بعضا من الذعر والرعب.

٢٧٤ ـ كم قتل العباسعليه‌السلام قبل أن يقتل؟ :

(أسرار الشهادة ، ص ٣٤٥)

قال الفاضل الدربندي : إن الذين قتلهم العباسعليه‌السلام من الأعداء لا بدّ أن يكون عددهم أكثر من عدد جميع من قتلهم سائر الشهداء ، وذلك لأن شجاعة العباسعليه‌السلام توازي شجاعة الكل ، عدا علي الأكبرعليه‌السلام .

٢٧٥ ـ عدد الذين قتلهم الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

وقال الفاضل الدربندي : القدر المتيقّن وما عليه اتفاق الكل ، هو أن عدد الأشرار الذين قتلهم سيد الشهداءعليه‌السلام لوحده هو ما يقرب من ألفين ، سوى المجروحين. وأما ما ذكره ابن عصفور في مقتله ففيه مبالغة.

٢٥٤

٢٧٦ ـ الحسينعليه‌السلام وأصحابه قتلوا الآلاف من عسكر ابن سعد :

(نهاية الأرب للقلقشندي ، ص ٤٢٣)

يقول القلقشندي [ت ٨٢١ ه‍] في كتابه (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) عن الحسينعليه‌السلام وصحبه : فقتل فيه الإمامعليه‌السلام وأهله وسبعون من أصحابه الصّفوة ، بعد أن قتل الآلاف من أهل الكوفة. وهذا اعتراف صريح بجسامة العدد وأنه بحدود الآلاف وليس المئات.

الرحيل من كربلاء

٢٧٧ ـ تسيير سبايا أهل البيتعليه‌السلام إلى الكوفة :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٣)

قال السيد المقرم : وبعد الزوال ارتحل [ابن سعد] إلى الكوفة ، ومعه نساء الحسينعليه‌السلام وصبيته وجواريه وعيالات الأصحاب ، وكنّ عشرين امرأة.وسيّروهنّ على أقتاب الجمال بغير وطاء ، كما يساق سبي الترك والروم ، وهن ودائع خير الأنبياء. ومعهن السجّاد علي بن الحسينعليه‌السلام وعمره ثلاث وعشرون سنة ، وهو على بعير ظالع [أي يعرج في مشيته] بغير وطاء ، وقد أنهكته العلة ، ومعه ولده محمد الباقرعليه‌السلام وله سنتان وشهور. ومن أولاد الإمام الحسن المجتبى : زيد وعمرو والحسن المثنّى وكان معهم عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام .

٢٧٨ ـ النداء بالرحيل :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٠٩)

ثم إن عمر بن سعد أقام بقية يومه [العاشر] واليوم الثاني إلى زوال الشمس.فجمع قتلاه ، فصلى عليهم ودفنهم. وترك الحسينعليه‌السلام وأصحابه منبوذين بالعراء.ثم أمر حميد بن بكير الأحمري ، فأذّن بالناس بالرحيل إلى الكوفة. قيل : إن عدد نساء الحسينعليه‌السلام وعياله دون الأطفال عشرون امرأة. وعن (كامل البهائي) : أن النساء كنّ جميعهن عشرين نسوة. وعن (المناقب) : وجاؤوا بالحرم أسارى ، إلا شهربانويه ، فإنها أتلفت نفسها في الفرات. وفي (سير أعلام النبلاء) للذهبي : فقدم بهم وبزينب وفاطمة بنتي عليعليه‌السلام وفاطمة وسكينة بنتي الحسينعليه‌السلام وزوجته

٢٥٥

الرباب الكلبية والدة سكينة ، وأم محمّد بنت الحسن بن عليعليه‌السلام ، وعبيد وإماء لهم. (أقول) : قوله فاطمة بنت عليعليه‌السلام توهّم ، والصحيح : أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام وهي زينب الصغرى.

٢٧٩ ـ إركاب النسوة على المطايا :

(الفاجعة العظمى ، ص ١٩١)

قال الدربندي في (أسرار الشهادة) : ثم أمر ابن سعد بأن تحمل النساء على الأقتاب بلا وطاء ، فقدّمت النياق إلى حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقيل لهن : تعالين واركبن ، فقد أمر ابن سعد بالرحيل. فلما سمعت زينبعليه‌السلام ذلك ، جعلت تنادي :يابن سعد سوّد الله وجهك ، أتأمر هؤلاء القوم بأن يركبونا ، ونحن ودائع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قل لهم يتباعدون عنا ، دعنا حتى يركب بعضنا بعضا. فأمر اللعين فقال : تنحّوا عنهن. فأقبلت زينبعليه‌السلام ومعها أم كلثوم ، فجعلت تركب العيال والأطفال ، وتنادي كل واحدة من النساء والأطفال باسمها ، وتركبها على المحمل.٢٨٠ ـ أركبوهم على جمال بدون وطاء! :(المصدر السابق).

وفي (اللهوف) : ثم رحل [عمر بن سعد] بمن تخلّف من عيال الحسينعليه‌السلام ، وحمل نساءه على أحلاس أقتاب الجمال [الحلس : كل ما ستر ظهر الدابة ، ويوضع عليه الرحل والقتب والسرج ، جمعها أحلاس. والقتب : الرحل الصغير على قدر سنام البعير ، جمعها أقتاب] بغير غطاء ولا وطاء ، وهنّ ودائع الأنبياء. وساقوهن كما يساق سبي الترك والروم ، في أشدّ المصائب والهموم.

٢٨١ ـ كيف أركبوا الإمام زين العابدينعليه‌السلام :(المصدر السابق)

وفي (نفس المهموم) عن كتاب (المصابيح) بإسناده إلى الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام قال : قال لي أبي محمّد الباقرعليه‌السلام : سألت أبي علي بن الحسينعليه‌السلام عن حمل يزيد له؟. فقال : حملني على بعير يظلع [أي يعرج] بغير وطاء ، ورأس الحسينعليه‌السلام على علم ، ونسوتنا خلفي على جمال ، والفارطة خلفنا ، وحولنا الرماح ، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح. وفي (معالي السبطين) ج ٢ ص ٥٤ : ثم أركبوا الإمام زين العابدينعليه‌السلام على بعير أعجف ، فلم يتمالك الركوب من شدة الضعف. فأخبروا ابن سعد ، فقال : قيّدوا رجليه من تحت بطن الناقة ، ففعلوا ذلك. وساروا بهم على تلك الحالة.

٢٥٦

المرور على مصارع الشهداءعليه‌السلام

٢٨٢ ـ المرور على مصرع الحسينعليه‌السلام :(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٦٤)

قال السيد الحميري في رثاء الحسينعليه‌السلام :

امرر على جدث الحسين

وقل لأعظمه الزكيّه

يا أعظما لا زلت من

وطفاء ساكبة رويّه

وإذا مررت بقبره

فأطل به وقف المطيّه

وابك المطهّر للمطهّر

والمطهّرة التقيّه

كبكاء معولة أتت

يوما لواحدها المنيّه

٢٨٣ ـ مرور السبايا على مصارع الشهداءعليه‌السلام :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٦)

[لما أمر ابن سعد بحمل السبايا] فقال النسوة : بالله عليكم إلا ما مررتم بنا على القتلى. فمرّوا بهم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه وهم صرعى. فلما نظر النسوة إلى القتلى مقطعي الأوصال ، قد طعنتهم سمر الرماح ، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح ، وطحنتهم الخيل بسنابكها ؛ صحن ولطمن الوجوه.

٢٨٤ ـ زينب العقيلة تؤبّن الحسينعليه‌السلام :

في (لواعج الأشجان) ص ١٩٨ ط ٤ :

قال الراوي : فو الله لا أنسى زينب بنت عليعليه‌السلام وهي تندب الحسينعليه‌السلام وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا محمداه ، صلى عليك مليك السماء. هذا حسين مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا. إلى الله المشتكى ، وإلى محمّد المصطفى ، وإلى علي المرتضى ، وإلى فاطمة الزهراء ، وإلى حمزة سيّد الشهداء. يا محمداه ، هذا حسين بالعراء ، تسفي عليه ريح الصّبا ، قتيل أولاد البغايا. وا حزناه وا كرباه عليك يا أبا عبد الله ، اليوم مات جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .يا أصحاب محمّد هؤلاء ذرية المصطفى ، يساقون سوق السبايا. (وفي بعض الروايات) أنها قالت : يا محمداه ، بناتك سبايا ، وذرّيتك مقتّلة ، تسفي عليهم ريح الصّبا. وهذا حسين محزوز الرأس من القفاء ، مسلوب العمامة والرداء. بأبي من أضحيعسكره يوم الاثنين نهبا. بأبي من فسطاطه مقطّع العرى. بأبي من لا هو غائب

٢٥٧

فيرتجى ، ولا جريح فيداوى. بأبي من نفسي له الفدا. بأبي المهموم حتى قضى.بأبي العطشان حتى مضى. بأبي من شيبته تقطر بالدما. بأبي من جده رسول إله السما. بأبي من هو سبط نبي الهدى. بأبي محمّد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء. بأبي من ردّت له الشمس حتى صلّى. قال الراوي : فأبكت والله كل عدوّ وصديق. وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٣٩ : حتى رأينا دموع الخيل تنحدر على حوافرها.

وفي (العيون العبرى للميانجي) ص ١٩٨ ، عن التستري ما معناه : ثم إن الحوراءعليه‌السلام وضعت فمها على نحر أخيها المنحور ، وقبّلت موضعا لم يقبّله نبي ولا وصي ولا أمها الزهراءعليه‌السلام ، وهي تقول : بأبي من نفسي له الفداء. بأبي المهموم حتى قضى. بأبي العطشان حتى مضى. بأبي من شيبته تقطر بالدماء وفي (الفاجعة العظمى) ص ١٨٧ : ثم قالت للحسينعليه‌السلام : أخي يابن أمي ، والله لقد كللت من المدافعة عن هؤلاء الأطفال والنساء ، وهذا متني قد اسودّ من الضرب.أخي أبا عبد الله ، لقد أتونا بالنياق مهزولة ، لا موطّأة ولا مرحولة ، وناقتي مع هزلها صعبة الانقياد. أخي ودّعتك الله السميع العليم. أخي لو خيّروني بين الرحيل والمقام عندك لاخترت المقام عندك ، ولو أن السباع تأكل من لحمي. يا خليفة أبي وأخي ، فإن فراقي هذا لا عن ضجر ولا عن ملالة ، ولكن يابن أمي الأمر كما ترى.فاقرأ جدي وأبي وأخي عنا السلام.

٢٨٥ ـ زينبعليه‌السلام تشاطر أخاها الحسينعليه‌السلام مسؤوليات النهضة :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٦)

وقبل أن تودّع زينبعليه‌السلام أرض الشهادة ، وقفت على جسد أخيها الحسينعليه‌السلام المرمّل بالدماء ، ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ، ورفعته نحو السماء ، وقالت : [إلهي تقبّل منا هذا القربان(١) ]. أجل إنه القربان الّذي قدّمه أهل البيتعليه‌السلام فداء للدين الإسلامي المجيد. وهذا القول يدلنا على أن زينبعليه‌السلام كانت قد أخذت على نفسها أن تقوم بتلك النهضة المقدسة مع أخيها الحسينعليه‌السلام . فقامت بعد استشهاده لتتابع تلك النهضة وتكمل أهدافها ، وتحقق مراميها البعيدة. ولنعم ما قال العلامة ميرزا محمد علي الأوردبادي :

__________________

(١) الكبريت الأحمر ، ج ٣ ص ١٣ عن (الطراز المذهب).

٢٥٨

وتشاطرت هي والحسين بدعوة

حتم القضاء عليهما أن يندبا

هذا بمشتبك النصول ، وهذه

في حيث معترك المكاره والسّبا

٢٨٦ ـ ندب سكينة بنت الحسينعليه‌السلام لأبيها :(العيون العبرى ص ١٩٩)

ثم إن سكينةعليه‌السلام اعتنقت جسد أبيها ، وهي تقول : يا أبتاه ، ألبسني بنو أمية ثوب اليتم. يا أبتاه إذا أظلم عليّ الليل من يحمي حماي؟. يا أبتاه إذا عطشت فمن يروي ظماي؟. يا أبتاه انظر إلى رؤوسنا المكشوفة ، وإلى أكبادنا الملهوفة ، وإلى عمتي المضروبة ، وإلى أمي المسحوبة!.

فاجتمعت عدة من الأعراب حتى جرّوها عنهعليه‌السلام .

وفي (نفس المهموم) قالت سكينةعليه‌السلام : لما قتل الحسينعليه‌السلام اعتنقته ، فأغمي عليّ ، فسمعته يقول :

شيعتي ما إن شربتم

عذب ماء فاذكروني

أو سمعتم بغريب

أو شهيد فاندبوني

فأنا السبط الذي

من غير جرم قتلوني

وبجرد الخيل عمدا

بعد قتلي سحقوني

٢٨٧ ـ مرور السبايا على مصارع الشهداءعليه‌السلام وما قالته أم كلثومعليه‌السلام :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢١٠)

وعن (تظلم الزهراء)و (المعدن) : أن بني أمية جاؤوا بالنساء قصدا وعنادا ، وعبّروهن على مصارع آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلما رأت أم كلثوم أخاها الحسينعليه‌السلام وهو مطروح على الأرض ، تسفو عليه الرياح ، وهو مكبوب مسلوب ، وقعت من أعلى البعير إلى الأرض ، وحضنت أخاهاعليه‌السلام وهي تقول ببكاء وعويل : يا رسول الله ، انظر إلى جسد ولدك ملقى على الأرض بغير غسل ، وكفّنه الرمل السافي عليه ، وغسّله الدم الجاري من وريديه. وهؤلاء أهل بيته يساقون سبايا في سبي الذل ، ليس لهم محام يمانع عنهم.

توضيح : تذكر بعض الروايات أن القوم مروا بالأسارى على القتلى مرتين : ـ مرة في اليوم العاشر ، بعدما قتلوا الحسينعليه‌السلام وهجموا على الخيام وأحرقوها. ـ ومرة في اليوم الحادي عشر ، وهن على أقتاب الجمال راكبات ، وبعد العزّ مذلّلات. ولكننا اقتصرنا آنفا على ذكر المرور الأخير ، ودمجنا معه ما قيل في المرور الأول ، تماشيا مع ما أورده السيد الأمين في لواعجه ، والسيد المقرم في مقتله.

٢٥٩

٢٨٨ ـ زينبعليه‌السلام تطمئن زين العابدينعليه‌السلام بأن الله سيرسل من يدفن جثث الشهداء :(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٩٣)

(في كامل ابن الأثير) عن قدامة بن زائدة (قال) قال لي علي بن الحسينعليه‌السلام بعد كلام : إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا ، وقتل أبي وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله ، وحمل نساؤه على الأقتاب ، يراد بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا ، فعظم ذلك في صدري ، واشتدّ لما أرى منهم قلقي ، وكادت تخرج نفسي ، وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى ، فقالت لي :مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟. فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع ، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وبني عمي وأهلي مصرّعين بدمائهم ، مرمّلين بالعراء مسلّبين ، لا يكفّنون ولا يوارون ، ولا يعرّج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر؟ كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر؟!.

فقالت : لا يجز عنّك ما ترى ، فو الله إن ذلك لعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جدك وعمك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة ، لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السموات والأرض ، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة فيدفنونها ، وينصبون في هذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه ، على كرور الليالي والأيام. وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلا ظهورا ، وأمره إلا علوّا.

٢٨٩ ـ انفصال ركب السبايا من كربلاء :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٩)

وأتاهن زجر بن قيس ، وصاح بهن فلم يقمن ، فأخذ يضربهن بالسوط ، واجتمع عليهن الناس حتى أركبوهن على الجمال(١) .

وركبت العقيلة زينبعليه‌السلام ناقتها ، فتذكرت ذلك العزّ الشامخ والحرم المنيع ، الّذي تحوطه الليوث الضواري ، والأباة من آل عبد المطلب ، وتحفّه السيوف المرهفة ، والرماح المثقّفة ، والأملاك تخدمها فيه ، فلا يدخلون إلا مستأذنين.

يقول سليمان القندوزي في (ينابيع المودة) ج ٢ ص ١٧٦ ط ١ : ثم إن عمر بن

__________________

(١) تظلم الزهراء ، ص ١٧٧.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800