موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء5%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493922 / تحميل: 5855
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الحدود] فبينما كان يتصيّد يوما رأى حيا من أحياء العرب نازلا في تلك البادية ، فأحب إحدى نسائهم ، وكانت نصرانية ، فخطبها بعد أن اعتنق دينها ، وكان اسم المرأة (تكريت) فسمّي الربض باسمها. وقلعتها الآن خراب.

وفي (تقويم البلدان) لأبي الفداء :

تكريت مدينة على غربي دجلة في برّ الموصل ، وبينهما ستة أيام.

قال ابن حوقل : وقرب تكريت يشتق نهر الدّجيل ، الّذي يسقي سواد سامراء إلى قرب بغداد.

٤٠٠ ـ القرى بين تكريت والموصل :

هناك عدة مواقع بين تكريت والموصل ، منها : طريق البر ـ الأعمى ـ دير عروة ـ صليتا ـ وادي النخلة ـ برساباد ـ أرميناء ـ لينا ـ الكحيل ـ جهينة. وما عدا الموقعين الأخيرين ، لا نجد لهذه المواقع ذكر في معاجم البلدان ، ولعل ذلك لأنها اندثرت. وتقع (الكحيل) في منتصف المسافة بين تكريت والموصل ، بينما (جهينة) فهي قريبة من الموصل.

٤٠١ ـ الكحيل :(معجم البلدان لياقوت الحموي)

الكحيل (تصغير الكحل) : موضع بالجزيرة ، وكان فيه يوم للعرب.

قال أحمد بن الطيب السرخسي الفيلسوف : الكحيل مدينة عظيمة على دجلة ، بين الزابين ، فوق تكريت من الجانب الغربي. وأما الآن فليس لهذه المدينة خبر ولا أثر.

وفي (تاريخ الكامل) لابن الأثير ، ج ٤ ص ٣١٨ : وهي من أرض الموصل في جانب دجلة الغربي.

٤٠٢ ـ جهينة(المصدر السابق)

يقول ياقوت الحموي : ومن أعمال الموصل جهينة ، وهي قرية كبيرة من نواحي الموصل على دجلة. وهي أول منزل لمن يريد بغداد من الموصل.

٤٠٣ ـ عسقلان :

المعروف أن عسقلان بلدة في فلسطين تقع جنوب يافا قريبا من البحر. ولكن هذه (عسقلان) أخرى تقع في العراق ، وقد مرّ بها ركب السبايا قبل وصولهم إلى الموصل على ما يبدو. ولم أعثر عليها في الخرائط ولا في معاجم البلدان.

٣٤١

هذا مع العلم بأن رأس الحسين الشريفعليه‌السلام قد سيّره يزيد بعد وصوله إلى دمشق ، سيّره إلى فلسطين ثم مصر ، ومرّ بعسقلان فلسطين الواقعة بين يافا ورفح.

وسوف نعرّف بها فيما بعد.

٤٠٤ ـ الموصل :

(معجم الخريطة التاريخية للممالك الإسلامية لأمين واصف بك ، ص ١٠٤)

في (الفهرست) : الموصل مدينة بأرض الجزيرة شمال العراق ، على نهر دجلة على جانبه الغربي ، قديمة العهد. وفي قبالتها على البر الشرقي منها أطلال مدينة نينوى القديمة ، قاعدة ملك آشور. وكانت الموصل قاعدة ملك بني حمدان ، ثم انتقلوا منها إلى حلب ، وأسسوا الدولة الحمدانية.

ونينوى هذه غير (نينوى) التي نزل بقربها الحسينعليه‌السلام في كربلاء.

وفي (معجم البلدان) ج ٥ ص ٢٢٣ :

الموصل : سمّيت بهذا الاسم لأنها تصل بين الجزيرة والعراق. وهي باب العراق ومفتاح خراسان ، ومنها يقصد إلى أذربيجان.

يقول ياقوت الحموي : وكثيرا ما سمعت أن بلاد الدنيا العظام ثلاثة : نيسابور لأنها باب الشرق ، ودمشق لأنها باب الغرب ، والموصل لأن القاصد إلى الجهتين غالبا ما يمرّ بها.

وفي (مزارات بلاد الشام) لأبي الحسن الهروي : وبالموصل مشهد رأس الحسينعليه‌السلام كان به لما عبروا بالسبي ، ومشهد الطرح ، وبها كفّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وقد ذكرت سابقا أن الموصل (هذه) غير موصل اليوم ، إذ المدينة التي كانت آهلة هي (الحديثة) على نهر دجلة ، جنوب الموصل (١٤ فرسخا) ، أما (الموصل) الحالية فقد بناها فيما بعد محمّد بن مروان. وقد نبّهني إلى هذه المعلومة مولانا الأجل السيد حسين يوسف مكيرحمه‌الله .

٤٠٥ ـ تل أعفر (تلعفر):

في (تقويم البلدان) لأبي الفداء ، ص ٢٨٥ :

تل أعفر : قلعة بين سنجار والموصل. ولها أشجار كثيرة ، وهي غربي الموصل ،

٣٤٢

فيما بينها وبين سنجار ، وربما تكون إلى سنجار أقرب. وبين سنجار وتل أعفر خمسة فراسخ [٢٧ كم] ، وبين تل أعفر وبين (بلد) ستة فراسخ.

وفي (معجم البلدان) لياقوت الحموي ، ج ٢ ص ٣٩ :

تل أعفر : سمّي الأعفر للونه (الأحمر) ، قلعة وربض بين الموصل وسنجار في وسط واد فيه نهر جار. وهي على جبل متفرد حصينة محكمة. وبها نخل كثير يجلب رطبه إلى الموصل.

وفي (موجز تاريخ البلدان العراقية) لعبد الرزاق الحسني :

قال : وجميع سكان تل أعفر (ويكتبها بعضهم : تلعفر) اليوم أتراك من بقايا المغول ، وهم على ما يظن من بقايا جنود تيمور لنك الّذي قصد الموصل عام ٧٩٨ ه‍. وتراهم غليظي الطباع خشني المزاج ، لا يستطيع الإنسان مخالطتهم.

٤٠٦ ـ سنجار :(معجم البلدان لياقوت الحموي ، ج ٣ ص ٢٦٢)

قال الكلبي : إنما سميت (سنجار)و (آمد)و (هيت) باسم بانيها ، وهؤلاء إخوة ثلاثة. والذي بنى سنجار هو سنجار بن دعر ، ودعر هو الّذي نجّى يوسفعليه‌السلام من الجب. وهي تقع في السفح الجنوبي من جبل سنجار.

وفي (موجز تاريخ البلدان العراقية) قال عبد الرزاق الحسني :

ويقطن سنجار اليوم الطائفة اليزيدية عبدة الشيطان ، ويسكنون القسم الشمالي الجبلي منها ، ويتكلمون الكردية.

وفي كتاب (الإشارات إلى معرفة الزيارات) للهروي ، ص ٦٦ :

بها مشهد علي بن أبي طالبعليه‌السلام على الجبل ، وبها تل قنبر.

٤٠٧ ـ مزار السيدة زينبعليها‌السلام في سنجار :

(مجلة الموسم العدد ٤ ص ٩٢٤)

يوجد في سنجار العديد من المراقد والمزارات المنسوبة لآل البيتعليهم‌السلام . وقد أقيمت هذه المشاهد منذ القرون الهجرية الأولى ، أي منذ خضوع (سنجار) للدول الشيعية كالفاطميين والبويهيين والحمدانيين والعقيليين.

ومن تلك المشاهد المزار المنسوب للسيدة زينب الكبرى بنت الإمام عليعليه‌السلام ، والذي ابتدأ أمره بمرور سبايا أهل البيتعليهم‌السلام في هذه المنطقة.

٣٤٣

يقوم هذا المزار على ربوة عالية في مدخل المدينة ، وفيه غرفة مستطيلة في وسطها الضريح ، وهو عبارة عن قبر مشيّد من الحجر والجص. وفي هذه الغرفة محراب صغير ، وفوق الضريح قبة مضلعة مخروطية الشكل. وتدل الكلمات المنقوشة على مدخل الرواق إلى يسار غرفة الضريح ، على أن الّذي بنى هذا البناء هو الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ أيام ملكه لبلاد سنجار ٦٣٧ ـ ٦٥٧ ه‍ [١٢٣٩ ـ ١٢٥٩ م].وكان هذا الملك متقربا من الشيعة ضد الأتابك والأيوبيين ، حتى لقّب بولي آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويبدو أن هذا الضريح كان قد أصابه الهدم والتخريب عدة مرات ، وهو يجدد.وقد خرّبه التتار عندما استولوا على سنجار سنة ٦٦٠ ه‍ [١٢٦٢ م] ثم جدّد بناءه قوام الدين محمّد اليزدي ، وهو من العجم.

وقد ذكر الهروي المتوفى سنة ٦١١ ه‍ [١٢١٤ م] عند وصوله إلى سنجار ما يلي :

وبها مشهد علي بن أبي طالبعليه‌السلام على الجبل. ولم يذكر أنه مزار السيدة زينبعليها‌السلام .

وكرر ابن شداد المتوفى سنة ٦٨٤ ه‍ ما قاله الهروي ، قال : وبسنجار مشهد كان ملاصقا للسور يعرف بمشهد عليعليه‌السلام .

(راجع الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ ص ١٥٥)

(أقول) : سواء كان هذا المزار هو مشهد للإمام عليعليه‌السلام أو لابنته زينبعليها‌السلام ، فإن الضريح الّذي فيه ليس لأحدهما بل لشخص ما.

٤٠٨ ـ نصيبين :

قال ياقوت الحموي في (معجم البلدان) :

نصيبين مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام.وتقع على الحافة الجنوبية لجبل طور عابدين. وعليها سور كانت الروم بنته ، وأتمّه أنوشروان الملك العادل عند فتحه إياها.

وقال القرماني في (أخبار الدول) ص ٤٦٥ :

نصيبين مدينة عامرة بقرب سنجار ، وهي قاعدة بلاد ربيعة. وهي مخصوصة بالورد الأبيض ، ولا يوجد بها وردة حمراء. وفي شمالها جبل الجودي الّذي استقرت عليه سفينة نوحعليه‌السلام .

٣٤٤

وقال أبو الفداء في (تقويم البلدان) ص ٢٨٣ :

قال ابن سعيد : وفي شمالها جبل كبير منه ينزل نهرها ، ويمرّ على سور نصيبين والبساتين عليه. ونصيبين شمالي سنجار. وجبل نصيبين هو الجودي ، وهو الّذي يقال إن سفينة نوحعليه‌السلام استقرّت عليه.

قال في (العزيزي) : ونصيبين قصبة ديار ربيعة ، ونهرها هو الهرماس ، وبها عقارب قاتلة.

وقال أبو الحسن الهروي في (مزارات بلاد الشام) ص ٦٥ :

مدينة نصيبين بها مشهد الإمام عليعليه‌السلام ، وبه شجرة عنّابة ولها حكاية.

وبها كف علي بن أبي طالبعليه‌السلام في مسجد باب الروم وبها مسجد زين العابدينعليه‌السلام . وبها مشهد الرأس في سوق النشّابين ، ويقال إن رأس الحسينعليه‌السلام علّق به لما عبروا بالسبي إلى الشام. وبها مشهد النقطة ، يقال إنه من دم الرأس هناك ،والله أعلم.

٤٠٩ ـ كفرنوبة(معجم البلدان لياقوت الحموي)

لم أعثر على هذا الاسم ، ولكن توجد بلدة بين نصيبين ورأس العين اسمها (كفر توثا) ، لعلها هي. وهي أقرب إلى رأس العين.

٤١٠ ـ عين الورد (رأس العين):

قال ياقوت الحموي : عين الورد هي رأس العين ، المدينة المشهورة بالجزيرة.

وفي (تقويم البلدان) لأبي الفداء ص ٢٧٩ : وهي عين في مستو من الأرض.

قال ابن حوقل : ويخرج منها فوق ثلاثمائة عين كلها صافية ، ويصير من هذه الأعين نهر الخابور.

٤١١ ـ حرّان :(الفهرست : معجم الخريطة التاريخية لأمين واصف بك ، ص ٤٤)

حرّان هي قصبة ديار مضر ، تقع في شمال الرقة. قيل إنها أول مدينة بنيت بعد الطوفان ، وهي مدينة معظّمة عند الصابئة. وفي شمالها ينبع نهر البليخ ، من عدة عيون ووديان صغيرة. وفيها قلعة مشيّدة من الحجر على شكل بديع. وكان لها جامع.

٣٤٥

وقال كامل الحلبي في (نهر الذهب في تاريخ حلب) ج ١ ص ٥٥٥ :

كانت حرّان الإقليم الرابع من الجزيرة ، وكانت قصبة ديار مضر ، بينها وبين الرّها [أورفه] يوم ، وبين الرقة يومان. وهي على طريق الموصل والشام والروم.

وذكر قوم أنها أول مدينة بنيت على الأرض بعد الطوفان. وكانت منازل الصابئة ، وقد بنوا فيها هياكل على اسم الجواهر العقلية والكواكب. وقد هاجر إليها إبراهيمعليه‌السلام وأقام فيها نحو خمس عشرة سنة.

قال المسعودي : ورأيت على باب مجمع الصابئة بمدينة حرّان مكتوبا معناه :«من عرف ذاته تألّه». وهم ينتسبون إلى صابئ بن إدريس. وهي الآن قرية صغيرة معظم سكانها عرب مسلمون ، ليس فيها صابئ واحد.

٤١٢ ـ الرّقّة(معجم البلدان لياقوت الحموي)

الرقّة : أصلها كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء. وقال غيره : الرقة الأرض اللينة التراب من غير رمل. وهي مدينة مشهورة على الجانب الأيسر للفرات. وهي معدودة في بلاد الجزيرة ، لأنها من الجانب الشرقي للفرات. ويقال لها الرقة البيضاء ، وكان بالجانب الغربي مدينة أخرى تعرف برقة واسط ، وكان بها قصران لهشام بن عبد الملك.

قال الهروي في كتاب (الإشارات إلى معرفة الزيارات) ص ٦٣ : في الرقة مشهد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وبها مشهد الجنائز ، وبه المردى الّذي جاؤوا بالشهداء عليه من الفرات.

٤١٣ ـ قلعة جعبر(قاموس المنجد للأعلام)

قلعة قديمة سمّاها العرب (دوسر) تقع على الفرات بين الرقة وبالس.

٤١٤ ـ بالس (مسكنة)(معجم البلدان لياقوت الحموي)

بالس : بلدة بالشام بين حلب والرقة. سمّيت فيما ذكر ببالس بن الروم بن اليقن ابن سام بن نوحعليه‌السلام . وكانت على ضفة الفرات الغربية ، فلم يزل الفرات يشرّق عنها قليلا قليلا حتى صار بينهما في أيامنا هذه أربعة أميال [٧ كم].

وفي (جولة أثرية في بعض البلاد الشامية) للرحالة أوليا جلبي التركي ـ ترجمة أحمد وصفي زكريا ، ص ١٩٧ قال :

٣٤٦

وقد استرعت هذه الحالة عجب أبي العلاء ، وكان بلغه إذ ذاك أن أهل بالس ـ وهي التي تدعى الآن (مسكنة) شرقي حلب على الفرات ـ عجزوا من غارات الفرات وحفر أرضهم ، فقال :

أرى (كفر طاب) أعجز الماء أهلها

و (بالس) أعياها الفرات من الحفر

كذلك مجرى الرزق واد بلا ندى

وواد به فيض وآخر ذو جفر

وفي (مزارات بلاد الشام) للهروي ، ص ٦١ :

مدينة بالس فيها مشهد الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وبها مشهد الطرح.وبها مشهد الحجر ، يقال إن رأس الحسينعليه‌السلام وضع عليه عندما عبروا بالسبي.

٤١٥ ـ حلب(معجم البلدان لياقوت الحموي)

حلب : مدينة عظيمة واسعة ، وهي قصبة جند قنّسرين في أيامنا هذه.

قال الزجاج : سمّيت حلب لأن إبراهيمعليه‌السلام كان يحلب فيها غنمه في الجمعات ويتصدق به ، فيقول الفقراء : حلب حلب ، فسمي به.

وحلب بلدة مسوّرة بحجر أبيض ، وفيها ستة أبواب. وفي جانب السور قلعة ، في أعلاها مسجد وكنيستان ، في إحداهما كان المذبح الّذي قرّب عليه إبراهيمعليه‌السلام .وفي أسفل القلعة مغارة كان يخبّئ بها غنمه. وفي البلدة جامع وست بيع [جمع بيعة وهي معبد النصارى] وبيمارستان صغير.

يقول ابن بطّلان المتطبب في رسالة إلى هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي [نحو ٤٤٠ ه‍] : والفقهاء فيها يفتون على مذهب الإمامية.

وقلعة حلب هي مقام إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وفيه صندوق به قطعة من رأس يحيى ابن زكرياعليه‌السلام .

وأما المسافات ، فمن حلب إلى قنسرين يوم ، ومن حلب إلى المعرة يومان ، وإلى حماة ثلاثة أيام ، وإلى حمص أربعة أيام.

ولحلب في أيامنا سبعة أبواب هي : باب الأربعين ـ وباب اليهود (أو النصر) ـ وباب الجنان ـ وباب أنطاكية ـ وباب قنّسرين ـ وباب العراق ـ وباب السرّ.

٤١٦ ـ جبل الجوشن غربي حلب :

في (معجم البلدان) لياقوت الحموي :

٣٤٧

الجوشن : الصدر أو الدرع. وهو جبل مطلّ على حلب من غربيها ، وفي سفحه مقابر ومشاهد للشيعة.

وإنما سمّي بالجوشن لأن شمر بن ذي الجوشن كان في جملة من أمره ابن زياد أن يلحق بالرؤوس ويشهرهم في كل بلد. ذكر ذلك المؤرخ يحيى بن أبي طي في تاريخه ، قال : إنا نروي عن آبائنا أن هذا المكان يسمى الجوشن ، لأن شمر بن ذي الجوشن نزل عليه بالرؤوس.

ثم قال ياقوت : وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السّقط ، ويسمى مشهد الدكّة. والسقط هو محسن بن الحسينعليه‌السلام أسقطته أمه هناك.

وفي كتاب (نهر الذهب في تاريخ حلب) لكامل بن حسين بن محمّد البالي الحلبي الشهير بالغزي ، ج ٢ ص ٢٨٠ :

عن يحيى بن أبي طي في تاريخه ، أن راعيا يسمى عبد الله يسكن في درب المغاربة ، كان يخرج كل يوم يرعى غنمه. فاتفق أنه نام يوما بعد صلاة الظهر في المكان الّذي بني فيه المشهد ، فرأى كأن رجلا أخرج نصفه من شقيف الجبل المطل على المكان ومدّ يده إلى أسفل الوادي وأخذ عنزا. فقال له : يا مولاي لأي شيء أخذت العنز وليست لك؟!. فقال : قل لأهل حلب يعمروا في هذا المكان مشهدا ويسمّوه مشهد الحسينعليه‌السلام . فقال : إنهم لا يرجعون إلى قولي!. فقال : قل لهم يحفروا هناك ، ورمى بالعنز من يده إلى المكان الّذي أشار إليه.

فاستيقظ الراعي فرأى العنز قد غاصت قوائمها في المكان ، فجذبها فظهر الماء من المكان. فدخل حلب ووقف على باب الجامع القبلي وحدّث بما رأى ، فخرج جماعة من أهل البلد إلى المكان الّذي ظهرت فيه العين ، وهو في غاية الصلابة بحيث لا تعمل فيه المعاول ، وكان فيه معدن النحاس قديما ، فخطّوا المشهد المذكور.

قال ابن أبي طي : ومقتضى هذه الحكاية أن هذا المكان هو المشهد المعروف بمشهد النقطة ، وهو قبلي المشهد المعروف بمشهد الحسينعليه‌السلام ، وهو إلى الخراب أقرب ، وأما مشهد الحسينعليه‌السلام فهو عامر آهل مسكون.

ثم يقول كامل الغزي في (نهر الذهب) ص ٢٨٢ :

إن كلا من مشهد الشيخ محسّن ، ومشهد الحسينعليه‌السلام ، قائم على سفح جبل

٣٤٨

الجوشن ، بينهما مسافة غلوة [أي مقدار ضرب سهم]. فالقبلي منها الشيخ محسّن ، والشمالي المشهد. ويؤخذ من كلام ابن أبي طي أنه كان يوجد بينهما مشهد آخر يعرف بمشهد النقطة ، وهو مما لا أثر له اليوم.

ثم يقول كامل الغزي : ذكر أن سبب بناء مشهد النقطة هو أن رأس الحسينعليه‌السلام لما وصلوا به إلى هذا الجبل ووضعوه على الأرض ، فقطرت منه قطرة دم فوق صخرة ، بنى الحلبيون عليها هذا المشهد ، وسمي مشهد النقطة. ولعل هذه الصخرة نقلت من هذا المشهد بعد خرابه إلى محراب مشهد الحسينعليه‌السلام فبني عليها.

(أقول) : يتبيّن مما سبق أنه يوجد ثلاثة مشاهد عليسفح جبل الجوشن هي :

١ ـ مشهد النقطة أو مشهد رأس الحسينعليه‌السلام : وهو المكان الّذي وضع فيه رأس الحسينعليه‌السلام فسقطت منه نقطة دم ، فبنوا عليها مسجدا. وقد اندثر هذا الموقع.

٢ ـ مشهد الحسينعليه‌السلام : وقد نقلت إليه الصخرة التي نزلت عليها نقطة الدم من المشهد السابق. ولما جاء الحمدانيون إلى حلب اهتموا بهذا المشهد وأعمروه فصار قلعة حصينة. ثم حصل فيه الانفجار المروّع الّذي هدمه عام ١٣٣٧ ه‍ ، ثم نقلت الصخرة منه إلى مشهد المحسنعليه‌السلام ولا تزال فيه. وهو اليوم مسجد ومدرسة دينية ، وذلك بعد أن عمل على ترميمه العلامة الأجل مولانا السيد حسين يوسف مكي العاملي منذ عام ١٣٧٩ ه‍.

٣ ـ مشهد الشيخ محسّن : حيث أسقطت إحدى زوجات الحسينعليه‌السلام بولدها محسن. ويقع هذا المشهد جنوبي المشهد السابق وعلى بعد نحو ٢٠٠ متر منه.

ولم يذكر ياقوت الحموي مشهد النقطة الّذي اندثر ، ويقع بين المشهدين الآخرين. هذا وتقع هذه المشاهد المقدسة على سفح جبل الجوشن في منطقة الأنصاري غربي حلب (انظر الشكل ١١).

يقول العلامة السيد حسين يوسف مكي في كتابه (تاريخ مشهد الإمام الحسين في حلب) ص ١٥ :

الثابت تاريخيا وكما هو المعروف والمشهور بين الناس أن سيف الدولة الحمداني أمير حلب ، هو الّذي قام ببناء مشهد الحسينعليه‌السلام ومشهد السقط

٣٤٩

مخطط مشهد الحسينعليه‌السلام ومشهد السقط محسنعليه‌السلام غربي حلب

محسنعليه‌السلام . ذكر ذلك الأستاذ عبد الرحمن الكيالي في كتابه (أضواء وآراء) ج ٢ ص ٦٣.

يقول العلامة السيد حسين يوسف مكي في كتابه (تاريخ مشهد الإمام الحسين في حلب) ص ١٢ :

إن ما نراه من البعد بين مشهد الحسينعليه‌السلام ومشهد السقط محسنعليه‌السلام وهو يزيد على مئتي متر ، يدلّ على أن محل وضع الرؤوس ونزول الرجال الحاملين لها هو محل مشهد الحسينعليه‌السلام ، وأن محل مشهد السقط محسنعليه‌السلام هو المحل

٣٥٠

الّذي أنزلوا فيه نساء الحسينعليه‌السلام وبناته واخوته وصبيانه. والغالب أن زين العابدينعليه‌السلام كان مع النساء ليتسنى لعمته زينبعليها‌السلام أن تمرّضه.

هذا وتقع بقرب مشهد الحسينعليه‌السلام من الجنوب ، قبور السادة الأشراف من بني زهرة ، منهم أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المتوفى سنة ٥٨٥ ه‍.

مشهد السقط محسنعليه‌السلام

٤١٧ ـ مشهد السقط محسن في جبل الجوشن غربي حلب :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٥٢)

قال ياقوت الحموي في (معجم البلدان) :

جوشن : جبل في غربي حلب ، ومنه يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه.

ويقال : إنه منذ عبر عليه سبي الحسينعليه‌السلام ونساؤه ، وكانت زوجة الحسينعليه‌السلام حاملا فأسقطت هناك ، فطلبت من الصنّاع [أي العمال] في ذلك الجبل خبزا وماء ، فشتموها ومنعوها ، فدعت عليهم ، فمن الآن من عمل فيه لا يربح.

وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ، ويسمى مشهد الدكة. والسقط سمّي محسن بن الحسينعليه‌السلام .

وفي كتاب (تاريخ مشهد الإمام الحسين في حلب) للعلامة السيد حسين يوسف مكي ، ص ٢٥ :

قال يحيى بن أبي طي في تاريخه : ولحقت هذا المشهد وهو عليه باب صغير ، وحجر أسود تحت قنطرته مكتوب عليه بخط كوفي : عمّر هذا المكان المبارك ابتغاء لوجه الله وقربة إليه ، على اسم مولانا المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الأمير سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان. وذكر تاريخ بنائه وهو سنة ٣٥١ ه‍.

فأول من عمّر هذا المشهد هو سيف الدولة الحمداني ، وهذه قصّته :

قال كامل الغزي في كتابه (نهر الذهب) ج ٢ ص ٢٧٨ : فأما مشهد محسن فيعرف بمشهد الدكّة ومشهد الطرح ، وهو غربي حلب ، سمّي بهذا لأن سيف الدولة كانت

٣٥١

له دكّة على الجبل المطلّ على موضع المشهد يجلس عليها لينظر حلبة السباق ، فإنها كانت تقام بين يديه هناك.

وعن (تاريخ ابن أبي طي) أن مشهد الدكّة ظهر في سنة ٣٥١ ه‍ ، وأن سبب ظهوره هو أن سيف الدولة كان في إحدى مناظره التي بداره خارج المدينة ، فرأى نورا ينزل على مكان المشهد ، وتكرر ذلك. فركب بنفسه إلى ذلك المكان وحفره ، فوجد حجرا مكتوبا عليه : «هذا قبر المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ». فجمع العلويين [أي المنتسبين لعليعليه‌السلام ] وسألهم : هل كان للحسينعليه‌السلام ولد اسمه المحسن؟. فقال بعضهم : إن سبي نساء الحسينعليه‌السلام لما مروا بهن على هذا المكان طرحت إحدى نسائهعليه‌السلام بهذا الولد ، ودفن ههنا.فعمّره سيف الدولة ، وقال : إن الله أذن لي في عمارته على اسم ابن بنت نبيّه.ويعرف الموضع بالجوشن.

مشهد النقطة

٤١٨ ـ مشهد الرأس (أو مشهد النقطة):(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٥١)

قال الميانجي : ووضعوا الرأس الشريف خارج حلب على صخرة ، فقطرت عليها قطرة دم من الرأس المكرم ، فصارت تنبع ، ويغلي منه الدم كل سنة في يوم عاشوراء. وكان الناس يجتمعون عندها من الأطراف ، ويقيمون مراسم العزاء والمأتم في كل عاشوراء.

وبقي هذا إلى أيام عبد الملك بن مروان ، فأمر بنقل الحجر ، فلم ير بعد ذلك منه أثر.

وبنى الحمدانيون حين ملكوا حلب على هذا المقام قبة عظيمة ، وسمّوها : مشهد النقطة.

مشهد الحسينعليه‌السلام وعمارته

ذكرنا سابقا أن الحجر المذكور قد نقل من مشهد النقطة إلى مكان جديد ، سمّي فيما بعد مشهد الحسينعليه‌السلام ، ثم اندثر الموقع الأول.

٣٥٢

٤١٩ ـ عمارة مشهد الحسينعليه‌السلام :

أما عن عمارة مشهد الحسينعليه‌السلام فالذي بناه لأول مرة هو سيف الدولة الحمداني عام ٣٥١ ه‍.

وتمّت العمارة الثانية للمشهد في أيام الدولة النورية في زمن الملك الصالح ابن الملك العادل نور الدين ، ولم يكن هذا متعصبا ضد الشيعة كأبيه الملك نور الدين محمود زنكي.

فقد تداعى أهل حلب [في عصره] لبناء المشهد بعد أن رأى راع للغنم رؤيا مؤثرة ، ونبع الماء في ذلك المكان على يديه ، وأنفقوا عليه من أموالهم. وانتهت عمارته في سنة ٥٨٥ ه‍. ولما ملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي حلب سنة ٥٨٩ ه‍ ، وكان محبا لأهل البيتعليهم‌السلام ، اهتم بالمشهد ووقف عليه رحى تعرف بالكاملية ، وفوّض أمره إلى نقيب الأشراف. ثم خلفه ولده العزيز ، وفي أيامه تمّ بناء حرم إلى جانبه وبيوت للزوار.

ولم يلبث التتار أن استولوا على حلب ، فدخلوا إلى هذا المشهد ونهبوا ما كان الناس قد وضعوا فيه من الستور والبسط والفرش والأواني النحاسية والقناديل الذهبية والفضية والشمع ، وكان شيئا كثيرا. وشعثوا بناءه ونقضوا أبوابه. ولما ملك الظاهر بيبرس جدّد ذلك ورممه.

ـ أحوال مشهد الحسينعليه‌السلام أيام الدولة العثمانية :

(نهر الذهب في تاريخ حلب ، ج ٢ ص ٢٨٢)

يقول كامل الغزي الحلبي :

وكان هذا المشهد مهملا ، ثم منذ نصف قرن أخذت تقام فيه يوم عاشوراء حفلة دينية ، وكذلك في ليلة السابع والعشرين من رجب ، كما سنذكر بالتفصيل. وفي سنة ١٣٠٢ ه‍ جدّدت فيه الجهة الشمالية من القبلية ، وبعد بضع سنين أهدى السلطان عبد الحميد العثماني ستارا حريريا مزركشا بآيات قرآنية ، وضع على المحراب ، وفرشت أرض قبليته بالطنافس الجميلة ، وجدد ترخيم أرض الصحن ، ورتّب له إمام ومؤذن وخادم وموظفون يقرؤون كل يوم أجزاء شريفة. وبعد الانقلاب الدستوري العثماني أهملت هذه الحفلات والشعائر.

ويقول الأستاذ عبد الرحمن الكيالي في كتابه (أضواء وآراء) ص ٨٣ :

٣٥٣

إن مشهد الإمام الحسينعليه‌السلام في وضعه الحاضر مهدوم وخراب. وقد كنت أزوره قبل الحرب العالمية الأولى وكان عامرا ، وكنا نقصده أيام عاشوراء للتبرك ، وفي غير أيام عاشوراء للنزهة في جواره. وكانت آثاره الهندسية داعية للإعجاب ، يقصده أهل الشيعة والسنة ، ويقصده الأجانب من علماء الآثار والتاريخ لتدوين ما فيه.

ـ كيف تدمّر بناء المشهد؟ :

وفي أيام الحرب العالمية الثانية استعمل المشهد مستودعا للذخائر الحربية النارية ، واستمر على ذلك إلى أواخر سنة ١٣٣٧ ه‍ ، وذلك حين خروج الانكليز من حلب ودخول الفرنسيين إليها. وكان الحرس الذين يحرسونه من قبل الانكليز قد انصرفوا عنه ، فهجم عليه جماعة من رعاع الناس وغوغائهم ونهبوا ما فيه من الذخائر والسلاح.

وبينما كان بعض أولئك الغوغاء يعالج قنبلة لاستخراج ما فيها من البارود ، إذ أورت نارا ، فلم يشعر إلا وقد انفجرت ، وسرت منها النار بأسرع من لمح البصر إلى غيرها من الأعتاد النارية المتفرقعة ، فانفجرت جميعها انفجار بركان عظيم ، سمع له دوي من بعد ساعات ، وشعرنا ونحن في منازلنا بحلب ، كأن الأرض قد تزلزلت ، مصحوبة بدويّ كهزيم الرعد القاصف ، وقد تهدم بنيان هذا المشهد كله سوى قليل منه ، وتطايرت أنقاضه في الهواء. وسقط بعضها على من فيه من الحراس ، فهلكوا عن آخرهم ، ويقدّر عددهم بثلاثين إنسانا على أقل تقدير ، أخرج بعضهم من تحت الردم أمواتا ، وترك الباقون.

(أقول) : وقد ظلّ المشهد تلة من الأنقاض ، حتى قيّض الله له المغفور له العلامة السيد حسين يوسف مكي ، فأعاد بناءه ورفع قواعده كما كانت.

ـ عادات أهل حلب في شهر المحرم :

(نهر الذهب في تاريخ حلب ، ج ١ ص ٢٦٧)

يقول كامل الغزي الحلبي :

فمما اعتاده أهل حلب المسلمون في أول يوم من شهر محرم ، أن يتناولوا فيه طعاما حلوا ، ويخرج فيه جماعة من العجزة والفقراء ، ويدورون على أبواب البيوت

٣٥٤

وينشدون شيئا من المديح ، فيتصدق عليهم الناس بشيء من البرغل ، وهؤلاء الجماعة يقال لهم (فاز من صلى) سمّوا بلازمة الزجل الّذي ينشدونه ، وهي :

فاز من صلّى على تاج العلى

طه النبيّ المصطفى جدّ الحسين

وبعض الناس يسمونهم الحسينية.

وفي يوم عاشوراء يوسّع الناس على عيالهم المآكل [وهذه من عادات السنة] ويطبخون الطعام المعروف بالحبوب [سنّة أموية]. وكان الناس يخرجون في هذا اليوم إلى مشهد الحسينعليه‌السلام حيث تكون فيه وليمة حافلة يحضرها الوالي ومن دونه ، فيتلى شيء من القرآن العظيم ، وتنشد مرثية ابن معتوق في سيدنا الحسينعليه‌السلام ، التي أولها : هلّ المحرّم فاستهلّ مكبّرا

ثم يأكل الجميع وينصرفون ، والنفقة في ذلك من أوقاف المحل المذكور.

وفي آخر أربعاء من صفر [لعله لوفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك التاريخ] يشتغلون بالذكر والتسبيح ، وتعطّل فيه الحكومة.

وفي اليوم السابع والعشرين من شهر رجب يخرج الناس للمشهد المتقدم ذكره ، ويخرج الوالي ومن دونه وتعطل الحكومة ، فيسمعون فيه قصة الإسراء والمعراج ، ويسقون الشراب ويطعمون الحلوى وينصرفون.

وقد بطلت هذه العادة منذ أن تخرّب المشهد إثر الحرب العالمية الثانية.

٤٢٠ ـ قنّسرين(جولة أثرية في بعض البلاد الشامية لأوليا جلبي)

قنّسرين : مدينة تقع جنوب غرب حلب على بعد ٢٥ كم في طريق الذاهب من حلب إلى حمص. وهي بلدة تاريخية واقعة في سفح جبل النبي عيص الّذي يمتدّ من الشرق إلى الغرب. وفي ذروته قبة بيضاء كان أصلها بيعة خربة ، اتّخذت بعد مدفنا لرجل زعموا أنه النبي عيص. وثمة قرية بيوتها قباب مخروطية يقطنها أعراب فلاحون تدعى (العيص) بنيت فوق أطلال مدينة قنّسرين.

وقيل إن اسمها آت من أصل سرياني : قن نسرين ، أي عش النسور. ولما جاء الأمويون والعباسيون اتخذوها مركزا لجيوش المسلمين المرابطة في شمالي الشام ، ودعوا البلاد المرتبطة بها جند قنّسرين ، وبلغة عصرنا (منطقة قنسرين العسكرية).

وفي (معجم البلدان) ج ٤ ص ٤٠٣ :

٣٥٥

وظلت قنّسرين عامرة حتى سنة ٣٥١ ه‍ حين غلبت الروم على مدينة حلب ، وقتلت جميع من كان بربض قنسرين ، فخاف أهلها وتفرقوا بالبلاد. وكان خرابها سنة ٣٥٥ ه‍ قبل وفاة سيف الدولة الحمداني بأشهر. ونسي اسم قنّسرين ، إلا من أحد أبواب حلب ، الّذي كان يخرج منه قاصدوها ، ويدعى باب قنّسرين إلى اليوم.

٤٢١ ـ معرّة النعمان

(معجم البلدان لياقوت الحموي)

قال ابن الأعرابي : المعرّة الشدة. والنعمان هو النعمان بن بشير الأنصاري صحابي ، اجتاز فمات له بها ولد ، فدفنه وأقام عليه ، فسمّيت به.

وهي مدينة كبيرة قديمة مشهورة بين حماة وحلب. وعندهم التين والزيتون.وأهلها متعصبون ، فليس يوجد فيها عائلة مسيحية.

وأما الشاعر أبو العلاء المعري ، فقد عاش فيها ولقّب بها. ويذكر أنه كان ملحدا ، ثم أسلم ، ثم تشيّع. ومن آثار تشيّعه قوله في الإمام علي والحسينعليه‌السلام :

وعلى الأفق من دماء الشهيدين ، علي ونجله شاهدان فهما في أواخر الليل فجران ، وفي أولياته شفقان

٤٢٢ ـ كفر طاب

(تقويم البلدان لأبي الفداء)

كفر طاب من جند حمص ، وهي بلدة صغيرة كالقرية ، قليلة الماء ، يعمل فيها القدور الخزف ، وتجلب إلى غيرها. وهي على الطريق بين المعرة وشيزر.

قال العزيزي : بينها وبين شيزر ١٢ ميلا [٢٢ كم] ، وكذلك بينها وبين المعرة.

٤٢٣ ـ شيزر :(أخبار الدول للقرماني ، ص ٤٥٧)

مدينة من أعمال حلب ، بناها الملك يشجر ، وهي على ساحل نهر العاصي ، وبها قلعة حصينة. وهي مدينة قديمة قرب المعرة.

وفي (تقويم البلدان) لأبي الفداء ، ص ٢٦٣ :

شيزر : بينها وبين حماة تسعة أميال ، وبينها وبين حمص ثلاثة وثلاثون ميلا. ولها سور من لبن ، ولها ثلاثة أبواب ، والعاصي يمرّ مع السور من شمالها.

٣٥٦

٤٢٤ ـ جبل زين العابدينعليه‌السلام شمال حماة :

(جولة أثرية في بعض البلاد الشامية عام ١٠٥٨ ه‍ لأوليا جلبي التركي ـ ترجمة أحمد وصفي زكريا).

يقول أوليا جلبي : يقع شمال حماة نشزان عاليان ، يسمّيان قرون حماة. وقرون حماة جبلان متقاربان ، من الحجر الحري الأسود ، يبعدان عن حماة إلى الشمال نحو عشرة كيلومترات ، ويدعى الكبير منهما جبل زين العابدينعليه‌السلام [علوه ٦٣١ م] ، والصغير كفر راع. وفوق جبل زين العابدينعليه‌السلام جامع مهجور ذو قبتين بيضاوين ، من آثار الملك الأشرف (قايتباي) في سنة ٨٨٢ ه‍. وفي الجامع مقام يسمى مقام زين العابدينعليه‌السلام تقصده النصيرية من جبالهم الغربية للزيارة في شهر نيسان من كل عام».

(أقول) : وقد اعتني اليوم بهذا المقام الجليل الواقع في أعلى جبل زين العابدينعليه‌السلام وعمل له طريق حلزوني يوصل إلى المقام ، وأصبح الطريق كله مشجّرا ، ويؤمه الناس من كل مكان.

والذي يظهر من التسمية ، أنه هو الجبل الّذي وضع عليه الرؤوس والسبايا حين امتنعت حماة عن استقبالهم. فصلّى هناك الإمام زين العابدين تلك الليلة فيه ، فتشرف الجبل به فسمي باسمه ، وأقيم له فيه مقام عامر تخليدا لذكره.

٤٢٥ ـ حمص(معجم البلدان لياقوت الحموي)

حمص بلدة مشهورة قديمة كبيرة ذات سور. وفي طرفها القبلي قلعة حصينة على تل عال كبير. بناها رجل يقال له حمص.

قال أهل السير : حمص بناها اليونانيون ، وزيتون فلسطين من غرسهم.

وبحمص من المزارات والمشاهد : مشهد علي بن أبي طالبعليه‌السلام فيه عمود فيه موضع إصبعه ، رآه بعضهم في المنام. وفيها دار خالد بن الوليد ، وقبره فيما يقال.وبعضهم يقول إنه مات بالمدينة ودفن بها ، وهو الأصح.

ويقال : إن خالد بن الوليد مات بقرية على نحو ميل من حمص ، وأن هذا الّذي يزار بحمص إنما هو قبر خالد بن يزيد الكيميائي المشهور ، وهو الّذي بنى القصر بحمص ، وآثار هذا القصر في غربي الطريق باقية. وبحمص قبر قنبر مولى علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وبها قبور لأولاد جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام .

٣٥٧

٤٢٦ ـ القصير :(جولة أثرية في بعض البلاد الشامية لأوليا جلبي ، ص ٣٦١)

تقع القصير على طريق خط حديد حمص ـ رياق ، وهي تبعد عن حمص ٢٨ كم.

قال ياقوت في معجمه : القصير ضيعة أول منزل لمن يريد دمشق من حمص.

وإلى الجنوب من القصير تقع (الزرّاعة) تبعد عنها ٦ كم.

٤٢٧ ـ جوسية(المصدر السابق ، ص ٣٦٢)

وفي جنوب (الزرّاعة) إلى الشرق من الخط الحديدي أطلال بليدة قديمة تدعى (جوسية الخراب) ، تبعد عن الزرّاعة نحو ٧ كم. وهي قرية من قرى حمص على ستة فراسخ منها [٣٣ كم] من جهة دمشق ، وبها حصن.

وثمة في شمالي جوسية الخراب ، ضيعة تدعى (جوسية العمار) ، كان فيها جامع قديم له مئذنة أثرية ، خربت من عهد قريب.

وتشكل جوسية الخراب اليوم الحد الفاصل بين الأراضي السورية واللبنانية.وقد كانت كورة من كور حمص ، وفيها سور وبرج ودور مبنيّة بالأحجار الضخمة ، التي تشبه أحجار الأبنية النصرانية المنتشرة في بلاد حلب الغربية ، ثم تهدمت.وليس ثمة من الأحجار المنقوشة فيها ، سوى عتبة فوق باب أحد الأسوار المهدومة ، لا تزال مكانها.

ـ جبل الحسين :

هذا ولما كنت أتفحّص خريطة مفصّلة في لبنان للمنطقة الشمالية بين جوسية والهرمل ، رأيت صدفة جبلا باسم [جبل الحسين]. وفي تصوّري أن السبايا والرؤوس قد مروا هناك فسمي الجبل باسم الحسينعليه‌السلام .

٤٢٨ ـ الهرمل(المصدر السابق ، ص ٣٦٣)

تبعد الهرمل عن حمص ٥٣ كم. وهي مدينة كثيرة المياه والبساتين ، وفيها أطلال أثرية تدل على مكانتها السالفة ، منها مذبح كان مخصصا لجوبيتر البعلبكي ، نقل إلى دار الآثار في بيروت.

٤٢٩ ـ بعلبك :(الفهرست : معجم الخريطة التاريخية للممالك الاسلامية ، لأمين واصف بك ، ص ٢٨)

بعلبك : أي مدينة الإله (بعل) عند الآشوريين والفينيقيين. مدينة بالشام فيها آثار

٣٥٨

يونانية ورومانية من عصر الاسكندر المكدوني. سمّيت هليوبوليس أي (مدينة الشمس). خرّبت تلك الآثار بالزلازل التي وقعت سنة ١١٧٠ م وسنة ١٧٥٠ م.

وفي (معجم البلدان) لياقوت الحموي :

بعلبك مدينة قديمة ، فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة ، وقصور على أعمدة الرخام لا نظير لها في الدنيا. واسمها مركّب من (بعل) اسم صنم ، ومن (بك) اسم رجل ، أي صنم بك. وفي بعلبك دبس وجبن وزيت ولبن ليس في الدنيا مثله.

وقيل : إن بعلبك كانت مهر بلقيس ، وبها قصر سليمان بن داودعليه‌السلام ، وهو مبني على أساطين الرخام.

٤٣٠ ـ مزار خولة بنت الحسينعليه‌السلام في بعلبك :

ذكر الإربلي في (كشف الغمة) أنه كان للإمام الحسينعليه‌السلام أربع بنات هن :زينب وفاطمة وسكينة ، ورابعة لم يذكر اسمها.

وقد ادّعى البعض أنه كان للإمام الحسينعليه‌السلام بنتا (طفلة) اسمها خولة ، توفيت ودفنت في بعلبك أثناء مرور السبايا بها ، وأنها هي التي لم يذكر اسمها. والصحيح والثابت أن الرابعة هي رقيّة التي توفيت في دمشق أثناء إقامة السبايا في الخربة المجاورة لباب الفراديس ، ودفنت هناك.

والذي يضعّف رواية خولة ، أنه لم يذكر مشهدها أحد من المؤرخين ، فالهروي في (الزيارات) لم يذكره ، ولم يذكره عبد الغني النابلسي في رحلته إلى بعلبك سنة ١٦٨٩ م ، مع أنه عدّد الأضرحة التي زارها في بعلبك.

(راجع خلّة الذهب الإبريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز).

وقد ورد في مجلة الموسم تحقيق حول هذا المزار ، في العدد ٧ ص ١٠٤٣ جاء فيه :

إن أول كتاب أتى على ذكر ضريح السيدة خولة هو كتاب (تاريخ بعلبك) لمخائيل ألوف سنة ١٨٨٩ م. ويذكر في روايته أنها بدون سند تاريخي ، بل هي رواية شعبية ، فكيف يوثق بها ، لا سيما أنها لم تذكر إلا في هذا الكتاب ، ومؤلفه مجهول الحال.وتدّعي الرواية أن ضريحها اكتشف حديثا في نهاية القرن التاسع عشر ، وأن اسحق روحي قائمقام بعلبك التركي هو الّذي جدد بناء مزارها.

٣٥٩

٤٣٠ ـ دير النصارى :(دمشق الشام في نصوص الرحالين والجغرافيين

تأليف أحمد الإيبش ود. قتيبة الشهابي ، ج ١ ص ١٢٢)

يقول البلخي في (صورة الأقاليم) عن ماء دمشق : ومخرج مائها من تحت كنيسة يقال لها (الفيجة).

وفي الحاشية : المعروف أن منبع عين الفيجة الشهير غربي دمشق ، يخرج من بناء معبد وثني مبني بالحجر". فلعل هذا هو الدير الّذي مروا به قبل وصول دمشق.

بحث تاريخي

المسير بالرؤوس والسبايا إلى الشام

بعد أن تعرّفنا على بعض الأماكن الجغرافية التي مرت بها الرؤوس والسبايا ، نشرع في وصف المسيرة الكاملة لهم من الكوفة إلى دمشق ، وفق المنازل التي أثبتناها على المصور الكبير [الشكل ١٠] وعددها ٤٥ منزلا.

٤٣١ ـ الإعلام الأموي يشيع أن الحسينعليه‌السلام وأصحابه هم جماعة من الخوارج

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٣٠٩)

يقول السيد أسد حيدر : ومن الأمور المؤلمة أن الدعاية الأموية اتخذت خطة التمويه على الناس ، فأشاعوا هناك أن جماعة من الخوارج خرجوا على الأمير ، وقد انتصر عليهم الأمير يزيد ، فأبادهم وسبى عيالهم ، وسيقدمون الشام.

٤٣٢ ـ السبايا هم من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط(المصدر السابق)

وسار ركب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس فيه أحد من نساء الأنصار الذين جاهدوا مع الحسينعليه‌السلام ، إذ تشفّع كلّ بعيال من يتصل به ، وبقيت عيال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا شفيع لهم ، فاقتيدوا إلى الشام ، يقطعون الفيافي والقفار.

٤٣٣ ـ لماذا عدلوا عن الطريق الأعظم؟ :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٤٧)

الملاحظ من الروايات أن الموكلين بالرؤوس والسبايا عدلوا عن الطريق الرئيسي في أول المسير ، فلننظر لماذا فعلوا ذلك؟!.

٣٦٠

قال الميانجي : في بعض الكتب : لما خرجوا من الكوفة كانوا خائفين من قبائل العرب ، لعل فيهم شيء من الحميّة والغيرة على إمامهم ، فيهيجوا ويخلّصوا العيال ويأخذوا الرؤوس. فلهذا عدلوا عن الطريق الأعظم والجادة الكبرى من الكوفة إلى الشام. فعلى هذا كانوا يقطعون مسيرة يومين بيوم ، ويسيرون جانب البر والقرى ، ويجدّون في السير خوفا من الطلب.

٤٣٤ ـ من أين بدأ المسير؟ :

لدينا رواية تذكر أن ركب الرؤوس والسبايا مرّ ب (القادسية) ، والقادسية تقع على بعد نحو ٨٠ كم جنوب الكوفة ، أي على غير طريقهم المتجه إلى الشمال ، فما معنى ذلك؟.

في (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، قال سهل :

فلما رأيت ذلك تجهزت وسرت مع القوم. فلما نزلوا القادسية أنشأت أم كلثومعليها‌السلام تقول : مات رجالي وأفنى الدهر ساداتي (شعر).

ويمكن تفسير ذلك بأن انطلاق ركب الرؤوس والسبايا كان عن طريق القادسية ليكونوا بعيدين عن الكوفة ، التي كانت تغلي كالمرجل بأهلها ، حنقا على يزيد وابن زياد. فأرادوا أن يموّهوا الطريق على الناس حتى لا يلحق بهم أحد ، ويحاول تخليصهم الرؤوس والسبايا. حتى إذا اجتمعوا في (القادسية) وهي في أول البرية ، اتجهوا شمالا بطريق صحراوي بعيدا عن الكوفة. ثم عبروا نهر الفرات من منطقة القناطر إلى قصر ابن هبيرة في شرقه. (انظر المخطط التفصيلي المرفق ـ الشكل ١٢)

٤٣٥ ـ وضع الرأس الشريف في صندوق :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٣ ط ٢ نجف)

ذكر عبد الملك بن هاشم في كتاب (السيرة) : الّذي أخبرنا القاضي الأسعد أبو البركات عبد القوي ابن أبي المعالي ابن الجبار السعدي في جمادى الأولى سنة ٦٠٩ ه‍ بالديار المصرية ، قراءة عليه ونحن نسمع ، قال : أنبأنا أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي في جمادى الأولى سنة ٥٥٥ ه‍ ، قال : أنبأنا إلى آخر السند المعتبر. قال :

لما أنفذ ابن زياد رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية مع الأسارى ، موثقين

٣٦١

(الشكل ١٢)

٣٦٢

في الحبال ، منهم نساء وصبيان وصبيات من بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على أقتاب الجمال ، موثّقين مكشّفات الوجوه والرؤوس ، وكلما نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من صندوق أعدّوه له ، فوضعوه على رمح ، وحرسوه طول الليل إلى وقت الرحيل. ثم يعيدوه إلى الصندوق ويرحلوا.

أول منزل خراب

٤٣٦ ـ خروج يد من الحائط تكتب بالدم :

(ينابيع المودة لسليمان القندوزي ، ج ٢ ص ١٧٧ ط ١)

فساروا على ساحل الفرات ، فنزلوا على أول منزل كان خرابا ، فوضعوا الرأس الشريف المبارك المكرم ، والسبايا مع الرأس الشريف. وإذ رأوا يدا خرجت من الحائط معها قلم تكتب بدم عبيط [أي طري جديد] شعرا :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

لقد قتلوا الحسين بحكم جور

وخالف أمرهم حكم الكتاب

فهربوا ثم رجعوا.

ثم رحلوا من ذلك المنزل ، وإذا هاتف يقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

وفي مخطوطة مصرع الحسين [مكتبة الأسد] قال أبو مخنف :

فساروا على جنب الفرات ، وجدّوا في السير. فأول منزل نزلوا به وضعوا الرأس بين أيديهم وجعلوا يشربون الخمر ، وإذ خرجت يد من الحائط فيها قلم يكتب بدم على الحائط هذه الأبيات :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

أترجوه وقد قتلوا نجيبا

وأكرم من مشى فوق التراب

قتلتم للحسين وما رعيتم

نبي الله في خير الشباب

٣٦٣

ألا هبّوا ننوح على حسين

وننصره بشيب أو شباب

ونكفر بالذي فعلوه فيهم

وقالوا : إنه فعل الصواب

غدا يصلوا الجحيم وقد أعدّت

لهم دون الخلائق بالعذاب

فويل للذي قتلوا حسينا

وشالوا رأسه فوق الحراب

فيا قلبي تعزّى عن حسين

والعن دونه الشمر الضبابي

وقل بمقال محزون كئيب

محبّ آل أحمد ذي الشباب :

ألا لعن الإله على يزيد

وعترته إلى يوم الحساب

قال : ففزعوا من ذلك فزعا شديدا ، وتركوا الخمر.

دير للنصارى

٤٣٧ ـ بيت شعر مكتوب في الدير من القديم :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٢)

فساروا إلى أن وصلوا إلى دير في الطريق ، فنزلوا ليقيلوا به [أي يناموا وسط النهار] ، فوجدوا أيضا مكتوبا على بعض جدرانه :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

فسألوا الراهب عن المكتوب ، ومن كتبه؟. فقال : إنه مكتوب ههنا من قبل أن يبعث نبيّكم بخمسمئة عام. ففزعوا من ذلك ورحلوا من ذلك المنزل.

وتركوا الطريق خوفا من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا الرأس منهم.وكلما وصلوا إلى قبيلة طلبوا منهم العلوفة [أي العلف] ، وقالوا : معنا رأس خارجي.

٤٣٨ ـ ما حصل في دير للنصارى في الطريق :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)

روى النّطنزي عن جماعة عن سليمان بن مهران الأعمش ، قال : بينما أنا في الطواف أيام الموسم ، إذا رجل يقول : اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر. فسألته عن السبب؟. فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد على طريق الشام.

٣٦٤

(ستجد قصة هذا الرجل مفصّلة فيما بعد ، تحت عنوان : قصة أسلم).

فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلا ، على دير للنصارى ، والرأس مركوز على رمح ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل ، إذا بكفّ على حائط الدير تكتب عليه بقلم حديد سطرا بدم:

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

فجزعنا جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت ، فعاد أصحابي.

٤٣٩ ـ ما كتب على جدار كنيسة للروم من ثلاثمئة عام :

(المصدر السابق)

وعن مشايخ من بني سليم : أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم ، فإذا مكتوب هذا البيت. فقالوا لهم : منذ متى مكتوب؟. قالوا : قبل أن يبعث نبيّكم بثلاثمئة عام.

وحدّث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينية ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.

٤٤٠ ـ قلم من حديد يكتب سطرا بالدم :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢١٨ ط نجف)

عن (دلائل النبوة) عن أبي بكر البيهقي بالإسناد إلى أبي قبيل ، و (أمالي) أبي عبد الله النيسابوري أيضا : أنه لما قتل الحسينعليه‌السلام واجتزّ رأسه ، قعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويتحيّون بالرأس ، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط ، فكتب سطرا بالدم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

قال : فهربوا وتركوا الرأس ، ثم رجعوا.

وفي كتاب ابن بطة : أنهم وجدوا ذلك مكتوبا في كنيسة.

وقال أنس بن مالك : احتفر رجل من أهل نجران حفرة ، فوجد فيها لوحا من ذهب فيه مكتوب هذا البيت ، وبعده :

فقد قدموا عليه بحكم جور

فخالف حكمهم حكم الكتاب

ستلقى يا يزيد غدا عذابا

من الرحمن يالك من عذاب

٣٦٥

قصر بني مقاتل

٤٤١ ـ نزولهم في قصر بني مقاتل ، والحرّ على أشده :

(معالي السبطين للمازندراني ، ص ١٣٥)

قال الشيخ الدهدشتي البهبهاني في (الدمعة الساكبة) : في بعض الكتب القديمة عن الشيخ المفيد ، قال :

لما رحلوا بالسبايا والرؤوس إلى دمشق ، وعدل بهم الطريق إلى قصر بني مقاتل ، وكان ذلك اليوم يوما شديد الحر ، وكانت القربة التي معهم مزّقت وأريق ماؤها ، فاشتدّ بهم العطش ، وأمر ابن سعد عدة من قومه في طلب الماء ، وأمر بفسطاط فضرب على أربعين ذراعا ، فجلس هو وأصحابه ورموا بالسبايا والأطفال على وجه الأرض تصهرهم الشمس.

فأتت زينبعليها‌السلام إلى ظل جمل هناك ، وفي حضنها علي بن الحسينعليه‌السلام وقد أشرف على الهلاك من شدة العطش ، وبيدها مروحة تروّحه بها من الحر ، وهي تقول : يعزّ عليّ أن أراك بهذه الحال يابن أخي. ثم ذهبت سكينة إلى شجرة هناك ، وعملت لها وسادة من التراب ونامت عليها. فما كان إلا قليل وإذا القوم قد رحلوا وتركوها

القادسيّة

٤٤٢ ـ ما أنشدته أم كلثومعليها‌السلام عند وصولهم إلى القادسية :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ١١٠)

قال أبو مخنف : ثم إن ابن زياد دعا بشمر بن ذي الجوشن وخولي ، وضمّ إليهما ألفا وخمسمائة فارس ، وأمرهم أن يسيروا بالسبايا والرأس إلى الشام ، وأن يشهروهم في جميع البلدان.

قال سهل : فلما رأيت ذلك تجهزت وسرت مع القوم.

فلما نزلوا القادسية أنشأت أم كلثومعليها‌السلام تقول :

ماتت رجالي وأفنى الدهر ساداتي

وزادني حسرات بعد لوعات

صال اللئام علينا بعد ما علموا

أنّا بنات رسول الله بالهدايات

٣٦٦

يسيّرونا على الأقتاب عارية

كأننا فيهم بعض الغنيمات

يعزز عليك رسول الله ما صنعوا

بأهل بيتك يا خير البريّات

كفرتم برسول الله ويلكم

أهداكم من سلوك في الضلالات

شرقي الحصّاصة ـ قصر ابن هبيرة

٤٤٣ ـ مرور السبايا شرقي الحصّاصة وخارج الأنبار :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد)

قال أبو مخنف : وأخذوا الرأس وساروا على شرقي الجصّاصة [قرية من توابع الكوفة قرب قصر ابن هبيرة] وخارج الأنبار. وإذا بهاتف يهتف على يمين الطريق ، يسمع صوته ولا يرى شخصه ، وهو يقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد منقلبي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

(أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي)

سبيتمونا كسبي الروم ويحكم

هذا جزاء رسول الله عندكم!

ألم يقل أرفقوا في عترتي وصلوا

بالبرّ قرباي لا تؤذوا ذوي رحمي!

جرايا ـ مسكن

ثم مرّوا بجرايا ، ثم وصلوا مسكن قبل أن يعبروا تكريت.

وفي مخطوطة (مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٣٨ :

قال أبو مخنف : وساروا خارج الأنبار ، وكتبوا إلى صاحب تكريت

تكريت

٤٤٤ ـ النصارى في تكريت يستنكرون قتل الحسين وأهلهعليهم‌السلام :

في (ينابيع المودة) للقندوزي ، ج ٢ ص ١٧٧ قال :

فلما وصلوا إلى (تكريت) نشرت الأعلام ، وخرج الناس بالفرح والسرور ، فقالت النصارى للجيش : إنا براء مما تصنعون أيها الظالمون ، فإنكم قتلتم ابن بنت نبيكم ، وجعلتم أهل بيته أسارى؟!.

٣٦٧

وفي (معالي السبطين) للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٣ قال :

فلما وصلوا إلى (تكريت) كتبوا إلى صاحبها بأن تلقّنا ، فإن معنا رأس الحسين.فلما قرأ الكتاب أمر البوقات فضربت ، والأعلام فنشرت ، والمدينة فزيّنت. ودعا الناس من كل جانب ومكان من جميع القبائل ، فخرج فتلقّاهم. وكان كل من سألهم يقولون: هذا رأس خارجي خرج على يزيد بأرض العراق ، في أرض يقال لها كربلاء ، فقتله عبيد الله بن زياد ، وأنفذ به إلى الشام.

فقال رجل نصراني : يا قوم ، إني كنت بالكوفة ، وقد ورد هذا الرأس ، وليس هو رأس خارجي ، بل هو رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة الزهراء ، وجده محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلما سمعت النصارى ذلك عمدوا إلى النواقيس فأخذوها ، وجمعوا الرهبان ، وأغلقوا البيع [جمع بيعة وهي الكنيسة] إعظاما له ، وقالوا : إلهنا وسيدنا ، إنا برئنا من قوم قتلوا ابن بنت نبيهم.

فبلغهم ذلك ، فلم يدخلوها ، ورحلوا عنها وأخذوا على البرية.

طريق البر

٤٤٥ ـ سلوك طريق البرية(المقتل المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٣)

قال أبو مخنف : ورحلوا من تكريت ، وأخذوا على طريق البر. ثم على (الأعمى) ، ثم على (دير عروة) ، ثم على (صليتا) ، ثم على (وادي النخلة) فنزلوا فيها وباتوا.

وادي النّخلة

٤٤٦ ـ بكاء الجن على الحسينعليه‌السلام في وادي النخلة :

(المصدر السابق ؛ وينابيع المودة ، ص ١٧٧)

قال أبو مخنف : فسمعوا نساء الجن يبكين على الحسينعليه‌السلام ويقلن شعرا :

مسح النبي جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجده خير الجدود

قتلوه ظلما ويلهم

سكنوا به نار الخلود

٣٦٨

أرميناء

ثم رحلوا من وادي النخلة ، وأخذوا على (أرميناء) ، وساروا حتى وصلوا إلى (لينا) ، وكانت عامرة بالناس.

مرشاد

٤٤٧ ـ العجائب في مرشاد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨١ ط ٢ ؛ وينابيع المودة ، ج ٢ ص ١٧٧)

فلما وصلوا إلى بلدة يقال لها (مرشاد) خرج المشايخ والمخدّرات والشبان يتفرجون على السبي والرؤوس ، وهم مع ذلك يصلّون على محمّد وآله ، ويلعنون أعداءهم ؛ وهو من العجائب.

لينا ـ برساباد

٤٤٨ ـ ما حصل في لينا (أو برساباد):

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٤)

وفي مخطوطة (مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٣٩ :

قال أبو مخنف : ثم ارتحلوا على طريق (برساباد) وكانت مدينة عامرة غاصة بأهلها ، فخرجت المخدرات من خدورهن ، والكهول والشبان ، وجعلوا ينظرون إلى رأس الحسينعليه‌السلام ويصلون عليه وعلى جده وأبيه ، ويلعنون من قتله ، وهم يقولون : يا قتلة أولاد الأنبياء ، اخرجوا من بلدنا.

الكحيل ـ جهينة

قال أبو مخنف : فأخذوا على الكحيل (أو الأكحل) ، وأتوا جهينة (مرج جهينة) ، وكتبوا إلى صاحب الموصل ، أن تلقّانا فإن معنا رأس الحسين.

عسقلان

٤٤٩ ـ خبر زرير الخزاعي في عسقلان :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٦)

ذكرنا سابقا أن هذه (عسقلان) غير عسقلان فلسطين ، وقد ذكرها السيد محمّد

٣٦٩

مهدي الحائري في (معالي السبطين) قبل الموصل. وفيها حصلت هذه القصة الغريبة التي هي إحدى المحاولات لاستنقاذ الرؤوس والسبايا من أيدي المجرمين.

في (الدمعة الساكبة) قال : وساروا مجدّين إلى أن وصلوا إلى بلد يقال له (عسقلان) وأمير ذلك البلد يعقوب العسقلاني ، وكان في حرب الحسينعليه‌السلام .فلما وصل العسكر مع الرأس والنساء إليه ، أمر أن يزيّنوا ذلك البلد ، وأمر أصحاب الله وو الزهو أن يفرحوا ويلعبوا ، ويضربوا الطنبور والعود. وجلسوا في القصور باللهو وشرب الخمور.

فلما دخلوا وأدخلوا الرأس والنساء ، كان رجل تاجر اسمه زرير الخزاعي ، وكان واقفا ، فلما رأى الناس على ذلك ، سأل بعضهم : إن هذا الفرح والسرور ما سببه ، وما سبب تزيين الأسواق؟. فقالوا : كأنك غريب. قال : نعم. قالوا : كان في العراق رجل مع جماعة ، وهم يخالفون يزيد وما بايعوه ، فبعث إليهم عسكرا فقتلوهم ، وهذه رؤوسهم ونساؤهم. فسأل زرير : يا هذا ، هؤلاء كانوا مسلمين أم كفرة؟. فقيل له : إنهم كانوا سادات أهل الاسلام. فقال : ما كان سبب خروجهم على يزيد؟. قيل له : إن كبيرهم كان يقول : أنا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا بالخلافة أحق. فسأل : من كبيرهم ، ومن كان أبوه ، ومن كانت أمه؟. قيل : أما اسمه الحسين ، وأخوه الحسن ، وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبوه أمير المؤمنينعليه‌السلام . فلما سمع زرير ذلك اسودّت الدنيا في عينيه وضاقت الأرض عليه.

فجاء قريبا من السبايا ، فنظر إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام فبكى بكاء شديدا ، وأنّ أنّة عظيمة. فقال زين العابدينعليه‌السلام : ما لي أراك تبكي يا هذا؟. وجميع أهل البلد في فرح وسرور!. فقال : يا مولاي أنا رجل غريب ، قد وقعت في هذا البلد ، وسألت أهل هذا البلد عن فرحهم وسرورهم؟. فقالوا : باغ تباغى على يزيد ، فقتله وبعث برأسه ونسائه إلى الشام. فسألت عن اسمه؟ قالوا : هو الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام وجده محمّد المصطفى. فقلت : تبّا لكم فمن كان أحق منه بالخلافة؟. فقالعليه‌السلام : جزاك الله يا زرير خيرا فقد أرى فيك المعرفة ولنا المحبة. (قال) فقلت : يا سيدي هل لك حاجة ، لأني لك بشرط الخدمة.قالعليه‌السلام : قل للذي هو حامل لرأس الحسينعليه‌السلام أن يتقدم على النساء لتشتغل النظارة بالرأس عن النظر إلى النساء. قال : فمضيت من وقتي وأعطيت حامل الرأس

٣٧٠

خمسين مثقالا من الذهب والفضة حتى اعتزل وتقدّم به ، فاستراحت النساء من مدّ النظر إليهن ، وعاد الناس يتفرجون على الرؤوس. فأتيت إلى الإمام وقلت : سيدي بما ذا تأمرني بعد ذلك؟. قالعليه‌السلام : إن كان في رحلك ثياب زائدة ائتني بها. قال :فمضيت وأتيت لكل واحدة من النساء بثوب ، وأتيت لزين العابدينعليه‌السلام بعمامة.فعند ذلك قام الصياح والزعقات في السوق ، فتأملت ذلك وإذا هو الشمر اللعين ، فأخذتني الحمية فجئت إليه وشتمته ، ومسكت بلجام فرسه ، وقلت له : لعنك الله يا شمر ، رأس من هذا وضعته على الرمح؟. وهؤلاء السبايا الذين سبيتهم أولاد من؟.حتى أركبتهم الجمال بغير وطاء!. قطع الله يديك ورجليك وأعمى قلبك وعينيك.فغضب اللعين وصاح بأصحابه : اضربوه. فضربوه واجتمع عليه الناس بالحجارة حتى أثخنوه. ووقع مغشيا عليه فظنوا أنه قد قتل ومات ، وتركوه ملقى على قفاه لا يتحرك.

فلما كان الليل ومضى نصفه قام زرير مرة يحبو ومرة يتمرغل على ظهره وبطنه من كثرة الجراح ، حتى وصل إلى مسجد هناك يسمى بمشهد سليمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا هو بأناس رؤوسهم مكشوفة وأزياؤهم (وأزياقهم) مشققة ، وأعينهم باكية وقلوبهم محترقة. فقال زرير : ما لكم باكون والناس في هذا البلد فرحون مسرورون؟.فقالوا : أيها القادم علينا إن كنت منا فاجلس وشاركنا في المصيبة ، وإذا هم يبكون على الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام . فحكى زرير قصته وأراهم الطعن في بدنه ، فاشتغلوا بالبكاء ، وزادت مصيبتهم وعزاؤهم على أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الموصل

٤٥٠ ـ كرامة جديدة لرأس الحسينعليه‌السلام قرب الموصل :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٧)

وساروا إلى أن وصلوا قريبا من (موصل).

وفي (الناسخ) : كتب عمر بن سعد كتابا إلى والي موصل ، وفي خبر كتب شمر كتابا إلى الوالي ، أن تلقّنا وهيّئ لنا الزاد والعلوفة. فلما وصل الكتاب إلى والي موصل ، جمع الأكابر وعرض الكتاب عليهم واستشارهم ، فقالوا : حاشا أن نخلّيهم يدخلون علينا رأس الحسينعليه‌السلام . فكتب الوالي كتابا إلى شمر ، بأن أهل هذه البلدة من محبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وإذا دخلتم البلد أخاف أن تثور عليكم

٣٧١

الفتنة ، فالصواب أن تنزلوا قريبا من البلدة ، ونحن نبعث لكم الزاد والعلوفة. فقبل شمر نصيحته ، ونزلوا تحت جبل هناك قريبا من موصل على فرسخ منها ، وأنزلوا العيال والأطفال ، وأنزلوا رأس الحسينعليه‌السلام من الرمح ، ووضعوه على صخرة ، فقطرت قطرة من دم نحره الشريف على الصخرة ، فصارت تنبع ويغلي منها الدم كل سنة في يوم عاشوراء ، والناس مجتمعون إليها في كل سنة ، ويقيمون مراسم العزاء والمأتم على الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وبقيت هذه إلى أيام عبد الملك بن مروان ، فأمر بنقل الحجر ، فلم ير بعد ذلك منه أثر. ولكن بنوا على ذلك المقام قبة وسمّوها مشهد النقطة.

وفي (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٤ قال :

وأنفذوا إلى عامل موصل أن تلقّانا ، فإن معنا رأس الحسينعليه‌السلام فلما قرأ الكتاب أمر بأعلام فنشرت ، والمدينة فزيّنت. وتداعت الناس من كل جانب ومكان. وخرج الوالي فتلقّاهم على ستة أميال.

فقال بعض القوم : ما الخبر؟. فقالوا : رأس خارجي خرج بأرض العراق ، قتله عبيد الله بن زياد ، وبعث برأسه إلى يزيد. فقال رجل منهم : يا قوم ، هذا رأس الحسينعليه‌السلام !. فلما تحقّقوا ذلك اجتمعوا في أربعين ألف (وفي رواية : أربعة آلاف) فارس من الأوس والخزرج ، وتحالفوا أن يقتلوهم ويأخذوا منهم رأس الحسينعليه‌السلام ويدفنوه عندهم ، ليكون فخرا لهم إلى يوم القيامة.

فلما سمعوا ذلك لم يدخلوا البلد ، وأخذوا على (تل أعفر) ، ثم على جبل سنجار.

تل أعفر ـ سنجار

٤٥١ ـ في تل أعفر وسنجار :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : فلم يدخل خولي الموصل وأخذوا به على طريق البرية ، على جبلة على (تل أعفر) ، ثم على (سنجار). وساروا على نصيبين على الحصن.وقد ذكرنا عند التعريف بسنجار أنها بلدة واقعة في السفح الجنوبي لجبل سنجار ، وفيها مزار للسيدة زينب الكبرىعليها‌السلام وهو يقوم على ربوة عالية في مدخل المدينة.

٣٧٢

والذي يريد التوجه من سنجار إلى (نصيبين) لا بدّ له أن يمرّ بمضيق في الجبل ليصير إلى الشمال ، مارا بوادي (الردّ) في طريقه إلى نصيبين.

(الشكل ١٣) :

مسير السبايا من تل عفر إلى نصيبين مرورا بسنجار

نصيبين

نصيبين بلدة تقع على الحدود السورية التركية ، محاذية للقامشلي. وقد حدثت فيها حوادث جليلة ، منها ما حصل مع راهب نصيبين. فلما أحس العسكر بهجوم مرتقب عليهم حاولوا دخول دير الراهب ليحتموا به ، وباتوا فيه. وإليك قصة ذلك.

٤٥٢ ـ مشهد النقطة في نصيبين(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٧٧)

قال السيد محمّد مهدي الحائري : ثم ساروا إلى أن وصلوا إلى (نصيبين) وهي مدينة قرب دجلة ، وتقع على أحد روافد نهر الخابور المتوجهة إلى الحسكة.

عن (كامل البهائي) : أمر منصور بن إلياس بتزيين البلدة ، فزيّنوها بأكثر من ألف مرآة. فلما دخلوا أراد الملعون الّذي كان معه رأس الحسينعليه‌السلام أن يدخل البلد ، فلم يطعه فرسه. فبدّله بفرس آخر فلم يطعه ، وهكذا فإذا بالرأس قد سقط إلى الأرض ، فأخذه إبراهيم الموصلي فتأمل فيه ، فوجده رأس الحسينعليه‌السلام ، فلامهم ووبخهم ، فقتله أهل الشام.

ثم جعلوا الرأس خارج البلد ، ولم يدخلوا به. ولعل مسقط الرأس الشريف صار مشهدا ومزارا.

٣٧٣

يقول السيد المقرّم في مقتله ، حاشية ص ٤٤٤ :

وفي كتاب (الإشارات إلى معرفة الزيارات) لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي [المتوفى سنة ٦١١ ه‍] ص ٦٦ قال :

في مدينة نصيبين مشهد النقطة ، يقال إنه من دم رأس الحسينعليه‌السلام . وفي سوق النشّابين مشهد الرأس ، فإنه علّق هناك لما عبروا بالسبي إلى الشام.

قال أبو مخنف : فنزلوا إلى نصيبين وشهروا الرأس والسبايا. فلما رأت زينبعليها‌السلام رأس أخيها بكت وأنشأت تقول :

ألم تشهرونا في البرية عنوة

ووالدنا أوحى إليه جليل

كفرتم برب العرش ثم نبيّه

كأن لم يجئكم في الزمان رسول

لحاكم إله العرش يا شرّ أمة

لكم في لظى يوم المعاد عويل

كفر نوبا ـ عين الورد

٤٥٣ ـ في كفر نوبا ثم رأس العين :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : وأتوا به (كفر نوبا) ، وجازوا به إلى (عين الوردة) وهي رأس العين.

دعوات

٤٥٤ ـ في دعوات :(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٧٨)

قال أبو مخنف : وجعلوا يسيرون إلى عين الوردة ، وأتوا إلى قريب

(دعوات). وكتبوا إلى عاملها أن تلقّانا ، فإن معنا رأس الحسينعليه‌السلام . فلما قرأ الكتاب أمر بضرب البوقات ، وخرج يتلقّاهم. فشهروا الرأس ودخلوا من باب الأربعين ، فنصبوا رأس الحسينعليه‌السلام في الرحبة ، من زوال الشمس إلى العصر ، وأهلها طائفة يبكون ، وطائفة يضحكون وينادون : هذا رأس الخارجي ، خرج على يزيد بن معاوية.

قال : وتلك الرحبة التي نصب فيها رأس الحسينعليه‌السلام لا يجتاز فيها أحد وتقضى حاجته إلى يوم القيامة.

٣٧٤

وباتوا ثملين من الخمور إلى الصباح. فلما ارتحلوا بكى زين العابدينعليه‌السلام وأنشأ يقول:

ليت شعري هل عاقل في الدياجي

بات من فجعة الزمان يناجي

أنا نجل الإمام ما بال حقي

ضائع بين عصبة الأعلاج

٤٥٥ ـ قصة صاحب الدير(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٨٢)

قال في (الدمعة الساكبة) : وفي بعض الكتب القديمة قد روي مرسلا عن بعض الثقات عن أبي سعيد الشامي ، قال : كنت يوما مع الكفرة اللئام الذين حملوا الرؤوس والسبايا إلى دمشق. فلما وصلوا إلى دير النصارى ، وقع بينهم [أي جاءهم خبر] أن نصر الخزاعي قد جمع عسكرا ، ويريد أن يهجم عليهم نصف الليل ، ويقتل الأبطال ويجدّل الشجعان ، ويأخذ الرؤوس والسبايا.

فقال رؤساء العسكر من عظم اضطرابهم : نلجأ الليلة إلى الدير ، ونجعله كهفا لنا ، لأن الدير كان محكما لا يقدر أن يتسلط عليه العدو. فوقف الشمر وأصحابه على باب الدير ، وصاح بأعلى صوته : يا أهل الدير. فجاءه القسيس الكبير. فلما رأى العسكر قال لهم : من أنتم وما تريدون؟. فقال الشمر : نحن من عسكر عبيد الله بن زياد ، ونحن سائرون إلى الشام. قال القسيس : لأي غرض؟. قال : كان شخص في العراق قد تباغى وخرج على يزيد بن معاوية وجمع العساكر ، فبعث عسكرا عظيما فقتلوهم ، وهذه رؤوسهم ، وهذه النسوة سبيهم. قال : فلما نظر القسيس إلى رأس الحسينعليه‌السلام وإذا بالنور ساطع منه إلى عنان السماء ، فوقع في قلبه هيبة منه.فقال القسيس : ديرنا ما يسعكم ، بل أدخلوا الرؤوس والسبايا إلى الدير ، وأحيطوا بالدير من خارج ، فإذا دهمكم عدوّ قاتلوه ، ولا تكونوا مضطربين على الرؤوس والسبايا. فاستحسنوا كلام القسيس ، وقالوا : هذا هو الرأي. فحطّوا رأس الحسينعليه‌السلام في صندوق ، وقفلوه وأدخلوه إلى الدير ، هو والنساء وزين العابدينعليه‌السلام وجعلوهم في مكان يليق بهم.

القسّيس يشهد نزول نساء الأنبياء لتعزية الحسينعليه‌السلام :

قال : ثم إن صاحب الدير أراد أن يرى الرأس الشريف ، وجعل ينظر حول البيت [أي الغرفة] الّذي فيه الصندوق ، وكان له رازونة [أي كوة] فحطّ رأسه فيها ، فرأى البيت يشرق نورا ، ورأى أن سقف البيت قد انشق ونزل من السماء تخت عظيم.

٣٧٥

وإذا بامرأة أحسن من الحور جالسة على التخت ، وإذا بشخص يصيح : أطرقوا ولا تنظروا. وإذا قد خرج من ذلك البيت نساء ، وإذا هنّ حواء وسارة وأم إسماعيل وأم يوسف وأم موسى ومريم وآسيةعليهم‌السلام ونساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : فأخرجن الرأس من الصندوق ، وكل من تلك النساء ـ واحدة بعد واحدة ـ يقبّلن الرأس الشريف.

فاطمة الزهراءعليها‌السلام ترثي ابنها :

فلما وقعت النوبة لمولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام غشي عليها ، وغشي على صاحب الدير ، وعاد لا ينظر بالعين ، بل يسمع الكلام ، وإذا بقائلة تقول : السلام عليك يا قتيل الأم ، السلام عليك يا مظلوم الأم ، السلام عليك يا شهيد الأم ، لا يداخلك همّ ولا غم ، وإن الله تعالى سيفرّج عني وعنك. يا بنيّ من ذا الّذي فرّق بين رأسك وجسدك؟. يا بنيّ من ذا الّذي قتلك وظلمك؟. يا بنيّ من ذا الّذي سبى حريمك؟. يا بنيّ من ذا الّذي أيتم أطفالك؟. ثم إنها بكت بكاء شديدا.

صاحب الدير يكلّم الرأس الشريف والرأس يكلّمه :

فلما سمع الديراني (صاحب الدير) ذلك اندهش ووقع مغشيا عليه. فلما أفاق نزل إلى البيت وكسر الصندوق ، واستخرج الرأس وغسّله وحنّطه بالكافور والمسك والزعفران ، ووضعه في قبلته [أي مقابله] وهو يبكي ويقول :

يا رأس من رؤوس بني آدم ، ويا كريم ويا عظيم جميع من في العالم. أظنك من الذين مدحهم الله في التوراة والإنجيل ، وأنت الّذي أعطاك فضل التأويل ، لأن خواتين [جمع خاتون ، وهي السيدة الجليلة] السادات من بني آدم في الدنيا والآخرة يبكين عليك ويندبنك. أنا أريد أن أعرفك باسمك ونعتك.

فنطق الرأس بقدرة الله تعالى ، وقال : أنا المظلوم أنا المهموم أنا المغموم ، أنا الّذي بسيف العدوان والظلم قتلت ، أنا الّذي بحرب أهل البغي ظلمت ، أنا الّذي على غير جرم نهبت ، أنا الّذي من الماء منعت ، أنا الّذي عن الأهل والأوطان بعدت.

فقال صاحب الدير : بالله عليك أيها الرأس زدني. فقال : إن كنت تسأل عن حسبي ونسبي : أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن العروة الوثقى. أنا شهيد.

٣٧٦

كربلا ، أنا قتيل كربلا ، أنا مظلوم كربلا ، أنا عطشان كربلا ، أنا ظمآن كربلا ، أنا وحيد كربلا ، أنا سليب كربلا ، أنا الّذي خذلني الكفرة بأرض كربلا.

القسيس وتلامذته يسلمون على يد الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

قال : فلما سمع صاحب الدير من رأس الحسينعليه‌السلام ذلك ، جمع تلامذته وحكى لهم الحكاية ، وكانوا سبعين رجلا ، فضجّوا بالبكاء والعويل ، ورموا العمائم عن رؤوسهم ، وشقّوا أزياقهم. وجاؤوا إلى سيدنا زين العابدينعليه‌السلام وقد قطّعوا الزنّار وكسروا الناقوس ، واجتنبوا فعل اليهود والنصارى ، وأسلموا على يديه ، وقالوا : يابن رسول الله مرنا أن نخرج إلى هؤلاء الكفار ونقاتلهم ، ونجلي صداء قلوبنا بهم ، ونأخذ بثأر سيدنا ومولانا الحسينعليه‌السلام . فقال لهم الإمامعليه‌السلام : لا تفعلوا ذلك ، فإنهم عن قريب ينتقم الله تعالى منهم ، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

توضيح :

وردت عدة قصص لرهبان وصوامع وأديرة في الطريق ؛ منها ما حصل في أول دير مروا به على شط الفرات ، ومنها ما حصل لراهب قنّسرين الّذي اطّلع من صومعته ثم كلّم الرأس وأسلم ، ومنها ما حصل في صومعة الراهب قبل وصولهم إلى دمشق بقليل ، وقد رويناها بعدة طرق وأشكال. ومنها الرواية الآنفة الذكر وقد وضعناها هنا مسترشدين بالفقرة التالية التي نصّت على أن أهل البيتعليهم‌السلام أقاموا في دير الراهب قبل أن يساقوا إلى حرّان.

٤٥٦ ـ ورود أهل البيتعليهم‌السلام إلى مدينة حرّان :(كتاب : ما جرى بعد

واقعة عاشوراء للحاج محمّد دانشيار شوشتري ، ص ١٠٨ باللغة الفارسية)

يقول صاحب كتاب (روضة الأحباب) وهو من علماء السنة الموثوقين(١) :

إن شخصا يهوديا اسمه يحيى الحرّاني كان يسكن على رأس تل قريب من مدينة حرّان. وسمع يوما أن أهل البيتعليهم‌السلام سيقوا من دير الراهب إلى حران ، وسمع

__________________

(١) جاء في الموسوعة الإسلامية البريطانية ـ حرف الجيم : كتب المؤرخ الفارسي عطاء الله ابن فضل الله الشيرازي النيسابوري [ت ٩١٧ ه‍] فيما بين عامي ٨٨٨ ـ ٩٠٠ ه‍ سيرة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل بيته وصحابته عنوانها (روضة الأحباب في سير النبي والآل والأصحاب) مجلدان ، وأهداها لمير علي شير. ويمكن الرجوع في شأنه إلى حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون).

٣٧٧

كذلك أن جماعة مؤلفة من نساء وأطفال قد أسروا ، ودخلوا حرّان بصحبة رؤوس كثيرة مقطّعة. فخرج يحيى من بيته ونزل من أعلى التل ، وانتظر وصول القافلة بجوار الطريق. وعندما انجلت مقدمة القافلة رأى يحيى رؤوسا محمولة على الرماح ، ورأى أهل البيت يساقون وراء الرؤوس كما يساق الكفار بقوة وعنف. وفي تلك اللحظات وقعت عين يحيى على رأس ابن بنت المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان نور جماله يشع من بعيد. وعندما حدّق به شاهد شفتيه المباركتين تتحركان ، فاقترب من الرأس ليسمع ما ذا يقول ، فسمعه يقول :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )

وعندما سمع هذه الآية المباركة يتلوها الرأس المقطوع ، أخذته الدهشة والذعر والحيرة ، وبشكل عفوي اقترب من أحد الجنود وسأله عن صاحب الرأس؟.أجابه : هذا رأس الحسين بن عليعليه‌السلام . سأله عن اسم أمه؟. أجابه : إنها فاطمة بنت محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وسأله عن هوية الأسرى الذين معه؟. أجابه : هؤلاء الأطفال والنساء هم عائلته. عند ذلك وقع يحيى باكيا ، وقال : أحمد الله أنه انكشف لي أن في شريعة محمّد ، كل من يمشي في طريق الضلال تكون عقوبته النار الأبدية.وانطلاقا من هذا المبدأ فإننا نجد أن الأنبياء وأهلهم هم أكثر الناس تحمّلا لألوان الظلم والاضطهاد والألم والعذاب ، وإن هذه البلية العمياء والداهية الدهياء لهي برهان على هذه الحقيقة.

عندئذ نطق يحيى اليهودي بالشهادتين وأسلم لله. وطلب أن يقدّم لأهل البيت كل ما يملك من أدوات وأغراض ، فرفض العسكر ذلك ومنعوه ، لأنهم خافوا من سلطة يزيد. وبما أن يحيى كان محبا للحسينعليه‌السلام ، وبما أن المحبّين عادة لا ينظرون إلى الربح والخسارة ، فقد شهر سيفه وقاتل العسكر حتى نال الشهادة ، ودفن بجوار بوابة حرّان ، وسمّي منذ ذلك الحين (يحيى الشهيد) رضوان الله عليه.

الرّقّة

٤٥٧ ـ في الرقّة :

من المقطوع به مرور السباياعليهم‌السلام على (الرقة) ، وهي بلدة معروفة تقع على الجانب الأيسر لنهر الفرات عند التقائه برافد (البليخ). وفي جنوبها وجنوب النهر يقع جبل (صفّين) الّذي كانت عنده الموقعة المشهورة. ولم يذكر مرورهمعليه‌السلام على الرقة في أية رواية ، مع أن مرورهم بها حتمي.

٣٧٨

دوسر ـ بالس

٤٥٨ ـ مرور الرأس الشريف على دوسر ثم بالس :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : وأتوا به (دوسر) ، وأخذوا به تخت (بالس) ونزلوا بها. وكتبوا إلى صاحب حلب

فأما دوسر فهي (قلعة جعبر) وتقع على الفرات بين الرقة وبالس.

وأما بالس [وتدعى اليوم مسكنة] ففيها مشهد الطرح ، وبها مشهد الحجر الّذي وضع عليه رأس الحسينعليه‌السلام عند مرور السبايا بها (انظر التعريف ببالس سابقا).

حلب ـ جبل الجوشن

٤٥٩ ـ وصول الرؤوس والسبايا إلى حلب :

(تاريخ مشهد الإمام الحسين في حلب للسيد حسين يوسف مكي ، ص ١١ و ١٢)

وأما (حلب) فلم تكن مركزا في ذلك الوقت ، وإنما كانت تابعة

ل (قنّسرين) التي تقع إلى الجنوب الغربي من حلب على بعد ٢٥ كم. وقد كان مبيت (الرؤوس) عند وصولها إلى حلب على جبل يقع غرب حلب ، هو جبل الجوشن ، سمّي بهذا الاسم نسبة لشمر بن ذي الجوشن الّذي تولى ذبح الحسينعليه‌السلام واقتياد الرؤوس والسبايا والتشهير بهم في البلاد. وذلك ليبقى هذا الاسم معلنا بفسق الشمر وفجوره وفظاعة أعماله إلى يوم القيامة.

وأما (السبايا) فقد نزلوا على بعد مائتي متر جنوب مكان الرؤوس. وبقي في هذين المكانين قبل الارتحال أثران هامان ، الأول : نقطة من دم الحسينعليه‌السلام سقطت من الرأس الشريف على الحجر الّذي وضع عليه ، بني عليها

[مشهد الحسينعليه‌السلام ]. والثاني : قبر السقط (محسن) الّذي أسقطته إحدى زوجات الحسينعليه‌السلام أثناء مبيت السبايا ، وقد بني عليه [مشهد السقطعليه‌السلام ].

وقد شاء الله تعالى أن يظهر أمر هذين الأثرين للوجود ، وأن تكون لتلك الكرامات التي بانت لهذين المشهدين ، الأثر في نفس سيف الدولة الحمداني ، مما دعاه إلى تشييد مشهد لكل منهما سنة ٣٥١ ه‍».

٣٧٩

٤٦٠ ـ في جبل الجوشن(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٩)

في (القمقام) عن ياقوت الحموي في (معجم البلدان) : أن في قرب حلب جبلا اسمه (جوشن) ، وهو جبل مطلّ على حلب في غربيّها وفيه مقابر ومشاهد للشيعة ، منها مقبرة ابن شهر اشوب صاحب المناقب. وكان في ذلك الجبل معدن الصفر ، ومنه يحمل النحاس الأحمر.

وفي قبلي الجبل مشهد يسمى (بمشهد السقط) لأنه لما عبروا بسبي الحسينعليه‌السلام ونسائه ، كانت زوجة الحسينعليه‌السلام حاملا بولد اسمه (محسن) وأسقطت هناك. والعيال طلبوا من الصنّاع في ذلك الجبل خبزا وماء وبعض الحوائج ، فشتموهم ومنعوهم ، فدعون عليهم. ومن ذلك اليوم فقد ذلك المعدن ، ومن عمل فيه لا يربح. فدفن السقط هناك ، وسمي بمشهد السقطعليه‌السلام . وأهل حلب يعبّرون عنه بالشيخ محسّن ، بفتح الحاء وتشديد السين المكسورة.

وقد تكلمنا سابقا عند التعريف بمشهد الحسين ومشهد السقط بشكل مستفيض حول تاريخ هذين المشهدين الكريمين ، وكيف تهدّم مشهد الحسينعليه‌السلام في هذا القرن ، ثم أعاد بناءه المجدد الأكبر العلامة السيد حسين يوسف مكي العاملي طيّب الله ثراه ، سنة ١٩٦٠ م.

قنّسرين

قنّسرين : تعرف بإسكي حلب ، وكانت مركز جند هام ، وتقع على طريق القوافل بين حلب وأنطاكية (منجد الأعلام ـ حرف القاف).

٤٦١ ـ البغاة في قنّسرين :(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٦)

قال أبو مخنف : وأتوا (قنّسرين) وكانت عامرة بأهلها. فلما بلغهم ذلك أغلقوا الأبواب ، وجعلوا يلعنونهم ويرمونهم بالحجارة ، ويقولون : يا فجرة ، يا قتلة أولاد الأنبياء ، والله لا دخلتم بلدنا ، ولو قتلنا عن آخرنا. فرحلوا عنهم.

قال : فبكت أم كلثوم ، وأنشأت تقول :

كم تنصبون لنا الأقتاب عارية

كأننا من بنات الروم في البلد

أليس جدي رسول الله ويلكم

هو الّذي دلّكم قصدا إلى الرّشد

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

إلا العذاب الّذي أخنى على لبد

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800