موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 494170 / تحميل: 5860
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال الميانجي : في بعض الكتب : لما خرجوا من الكوفة كانوا خائفين من قبائل العرب ، لعل فيهم شيء من الحميّة والغيرة على إمامهم ، فيهيجوا ويخلّصوا العيال ويأخذوا الرؤوس. فلهذا عدلوا عن الطريق الأعظم والجادة الكبرى من الكوفة إلى الشام. فعلى هذا كانوا يقطعون مسيرة يومين بيوم ، ويسيرون جانب البر والقرى ، ويجدّون في السير خوفا من الطلب.

٤٣٤ ـ من أين بدأ المسير؟ :

لدينا رواية تذكر أن ركب الرؤوس والسبايا مرّ ب (القادسية) ، والقادسية تقع على بعد نحو ٨٠ كم جنوب الكوفة ، أي على غير طريقهم المتجه إلى الشمال ، فما معنى ذلك؟.

في (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، قال سهل :

فلما رأيت ذلك تجهزت وسرت مع القوم. فلما نزلوا القادسية أنشأت أم كلثومعليها‌السلام تقول : مات رجالي وأفنى الدهر ساداتي (شعر).

ويمكن تفسير ذلك بأن انطلاق ركب الرؤوس والسبايا كان عن طريق القادسية ليكونوا بعيدين عن الكوفة ، التي كانت تغلي كالمرجل بأهلها ، حنقا على يزيد وابن زياد. فأرادوا أن يموّهوا الطريق على الناس حتى لا يلحق بهم أحد ، ويحاول تخليصهم الرؤوس والسبايا. حتى إذا اجتمعوا في (القادسية) وهي في أول البرية ، اتجهوا شمالا بطريق صحراوي بعيدا عن الكوفة. ثم عبروا نهر الفرات من منطقة القناطر إلى قصر ابن هبيرة في شرقه. (انظر المخطط التفصيلي المرفق ـ الشكل ١٢)

٤٣٥ ـ وضع الرأس الشريف في صندوق :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٣ ط ٢ نجف)

ذكر عبد الملك بن هاشم في كتاب (السيرة) : الّذي أخبرنا القاضي الأسعد أبو البركات عبد القوي ابن أبي المعالي ابن الجبار السعدي في جمادى الأولى سنة ٦٠٩ ه‍ بالديار المصرية ، قراءة عليه ونحن نسمع ، قال : أنبأنا أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي في جمادى الأولى سنة ٥٥٥ ه‍ ، قال : أنبأنا إلى آخر السند المعتبر. قال :

لما أنفذ ابن زياد رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية مع الأسارى ، موثقين

٣٦١

(الشكل ١٢)

٣٦٢

في الحبال ، منهم نساء وصبيان وصبيات من بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على أقتاب الجمال ، موثّقين مكشّفات الوجوه والرؤوس ، وكلما نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من صندوق أعدّوه له ، فوضعوه على رمح ، وحرسوه طول الليل إلى وقت الرحيل. ثم يعيدوه إلى الصندوق ويرحلوا.

أول منزل خراب

٤٣٦ ـ خروج يد من الحائط تكتب بالدم :

(ينابيع المودة لسليمان القندوزي ، ج ٢ ص ١٧٧ ط ١)

فساروا على ساحل الفرات ، فنزلوا على أول منزل كان خرابا ، فوضعوا الرأس الشريف المبارك المكرم ، والسبايا مع الرأس الشريف. وإذ رأوا يدا خرجت من الحائط معها قلم تكتب بدم عبيط [أي طري جديد] شعرا :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

لقد قتلوا الحسين بحكم جور

وخالف أمرهم حكم الكتاب

فهربوا ثم رجعوا.

ثم رحلوا من ذلك المنزل ، وإذا هاتف يقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

وفي مخطوطة مصرع الحسين [مكتبة الأسد] قال أبو مخنف :

فساروا على جنب الفرات ، وجدّوا في السير. فأول منزل نزلوا به وضعوا الرأس بين أيديهم وجعلوا يشربون الخمر ، وإذ خرجت يد من الحائط فيها قلم يكتب بدم على الحائط هذه الأبيات :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

أترجوه وقد قتلوا نجيبا

وأكرم من مشى فوق التراب

قتلتم للحسين وما رعيتم

نبي الله في خير الشباب

٣٦٣

ألا هبّوا ننوح على حسين

وننصره بشيب أو شباب

ونكفر بالذي فعلوه فيهم

وقالوا : إنه فعل الصواب

غدا يصلوا الجحيم وقد أعدّت

لهم دون الخلائق بالعذاب

فويل للذي قتلوا حسينا

وشالوا رأسه فوق الحراب

فيا قلبي تعزّى عن حسين

والعن دونه الشمر الضبابي

وقل بمقال محزون كئيب

محبّ آل أحمد ذي الشباب :

ألا لعن الإله على يزيد

وعترته إلى يوم الحساب

قال : ففزعوا من ذلك فزعا شديدا ، وتركوا الخمر.

دير للنصارى

٤٣٧ ـ بيت شعر مكتوب في الدير من القديم :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٢)

فساروا إلى أن وصلوا إلى دير في الطريق ، فنزلوا ليقيلوا به [أي يناموا وسط النهار] ، فوجدوا أيضا مكتوبا على بعض جدرانه :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

فسألوا الراهب عن المكتوب ، ومن كتبه؟. فقال : إنه مكتوب ههنا من قبل أن يبعث نبيّكم بخمسمئة عام. ففزعوا من ذلك ورحلوا من ذلك المنزل.

وتركوا الطريق خوفا من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا الرأس منهم.وكلما وصلوا إلى قبيلة طلبوا منهم العلوفة [أي العلف] ، وقالوا : معنا رأس خارجي.

٤٣٨ ـ ما حصل في دير للنصارى في الطريق :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)

روى النّطنزي عن جماعة عن سليمان بن مهران الأعمش ، قال : بينما أنا في الطواف أيام الموسم ، إذا رجل يقول : اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر. فسألته عن السبب؟. فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد على طريق الشام.

٣٦٤

(ستجد قصة هذا الرجل مفصّلة فيما بعد ، تحت عنوان : قصة أسلم).

فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلا ، على دير للنصارى ، والرأس مركوز على رمح ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل ، إذا بكفّ على حائط الدير تكتب عليه بقلم حديد سطرا بدم:

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

فجزعنا جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت ، فعاد أصحابي.

٤٣٩ ـ ما كتب على جدار كنيسة للروم من ثلاثمئة عام :

(المصدر السابق)

وعن مشايخ من بني سليم : أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم ، فإذا مكتوب هذا البيت. فقالوا لهم : منذ متى مكتوب؟. قالوا : قبل أن يبعث نبيّكم بثلاثمئة عام.

وحدّث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينية ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.

٤٤٠ ـ قلم من حديد يكتب سطرا بالدم :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢١٨ ط نجف)

عن (دلائل النبوة) عن أبي بكر البيهقي بالإسناد إلى أبي قبيل ، و (أمالي) أبي عبد الله النيسابوري أيضا : أنه لما قتل الحسينعليه‌السلام واجتزّ رأسه ، قعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويتحيّون بالرأس ، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط ، فكتب سطرا بالدم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

قال : فهربوا وتركوا الرأس ، ثم رجعوا.

وفي كتاب ابن بطة : أنهم وجدوا ذلك مكتوبا في كنيسة.

وقال أنس بن مالك : احتفر رجل من أهل نجران حفرة ، فوجد فيها لوحا من ذهب فيه مكتوب هذا البيت ، وبعده :

فقد قدموا عليه بحكم جور

فخالف حكمهم حكم الكتاب

ستلقى يا يزيد غدا عذابا

من الرحمن يالك من عذاب

٣٦٥

قصر بني مقاتل

٤٤١ ـ نزولهم في قصر بني مقاتل ، والحرّ على أشده :

(معالي السبطين للمازندراني ، ص ١٣٥)

قال الشيخ الدهدشتي البهبهاني في (الدمعة الساكبة) : في بعض الكتب القديمة عن الشيخ المفيد ، قال :

لما رحلوا بالسبايا والرؤوس إلى دمشق ، وعدل بهم الطريق إلى قصر بني مقاتل ، وكان ذلك اليوم يوما شديد الحر ، وكانت القربة التي معهم مزّقت وأريق ماؤها ، فاشتدّ بهم العطش ، وأمر ابن سعد عدة من قومه في طلب الماء ، وأمر بفسطاط فضرب على أربعين ذراعا ، فجلس هو وأصحابه ورموا بالسبايا والأطفال على وجه الأرض تصهرهم الشمس.

فأتت زينبعليها‌السلام إلى ظل جمل هناك ، وفي حضنها علي بن الحسينعليه‌السلام وقد أشرف على الهلاك من شدة العطش ، وبيدها مروحة تروّحه بها من الحر ، وهي تقول : يعزّ عليّ أن أراك بهذه الحال يابن أخي. ثم ذهبت سكينة إلى شجرة هناك ، وعملت لها وسادة من التراب ونامت عليها. فما كان إلا قليل وإذا القوم قد رحلوا وتركوها

القادسيّة

٤٤٢ ـ ما أنشدته أم كلثومعليها‌السلام عند وصولهم إلى القادسية :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ١١٠)

قال أبو مخنف : ثم إن ابن زياد دعا بشمر بن ذي الجوشن وخولي ، وضمّ إليهما ألفا وخمسمائة فارس ، وأمرهم أن يسيروا بالسبايا والرأس إلى الشام ، وأن يشهروهم في جميع البلدان.

قال سهل : فلما رأيت ذلك تجهزت وسرت مع القوم.

فلما نزلوا القادسية أنشأت أم كلثومعليها‌السلام تقول :

ماتت رجالي وأفنى الدهر ساداتي

وزادني حسرات بعد لوعات

صال اللئام علينا بعد ما علموا

أنّا بنات رسول الله بالهدايات

٣٦٦

يسيّرونا على الأقتاب عارية

كأننا فيهم بعض الغنيمات

يعزز عليك رسول الله ما صنعوا

بأهل بيتك يا خير البريّات

كفرتم برسول الله ويلكم

أهداكم من سلوك في الضلالات

شرقي الحصّاصة ـ قصر ابن هبيرة

٤٤٣ ـ مرور السبايا شرقي الحصّاصة وخارج الأنبار :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد)

قال أبو مخنف : وأخذوا الرأس وساروا على شرقي الجصّاصة [قرية من توابع الكوفة قرب قصر ابن هبيرة] وخارج الأنبار. وإذا بهاتف يهتف على يمين الطريق ، يسمع صوته ولا يرى شخصه ، وهو يقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد منقلبي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

(أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي)

سبيتمونا كسبي الروم ويحكم

هذا جزاء رسول الله عندكم!

ألم يقل أرفقوا في عترتي وصلوا

بالبرّ قرباي لا تؤذوا ذوي رحمي!

جرايا ـ مسكن

ثم مرّوا بجرايا ، ثم وصلوا مسكن قبل أن يعبروا تكريت.

وفي مخطوطة (مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٣٨ :

قال أبو مخنف : وساروا خارج الأنبار ، وكتبوا إلى صاحب تكريت

تكريت

٤٤٤ ـ النصارى في تكريت يستنكرون قتل الحسين وأهلهعليهم‌السلام :

في (ينابيع المودة) للقندوزي ، ج ٢ ص ١٧٧ قال :

فلما وصلوا إلى (تكريت) نشرت الأعلام ، وخرج الناس بالفرح والسرور ، فقالت النصارى للجيش : إنا براء مما تصنعون أيها الظالمون ، فإنكم قتلتم ابن بنت نبيكم ، وجعلتم أهل بيته أسارى؟!.

٣٦٧

وفي (معالي السبطين) للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٣ قال :

فلما وصلوا إلى (تكريت) كتبوا إلى صاحبها بأن تلقّنا ، فإن معنا رأس الحسين.فلما قرأ الكتاب أمر البوقات فضربت ، والأعلام فنشرت ، والمدينة فزيّنت. ودعا الناس من كل جانب ومكان من جميع القبائل ، فخرج فتلقّاهم. وكان كل من سألهم يقولون: هذا رأس خارجي خرج على يزيد بأرض العراق ، في أرض يقال لها كربلاء ، فقتله عبيد الله بن زياد ، وأنفذ به إلى الشام.

فقال رجل نصراني : يا قوم ، إني كنت بالكوفة ، وقد ورد هذا الرأس ، وليس هو رأس خارجي ، بل هو رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة الزهراء ، وجده محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلما سمعت النصارى ذلك عمدوا إلى النواقيس فأخذوها ، وجمعوا الرهبان ، وأغلقوا البيع [جمع بيعة وهي الكنيسة] إعظاما له ، وقالوا : إلهنا وسيدنا ، إنا برئنا من قوم قتلوا ابن بنت نبيهم.

فبلغهم ذلك ، فلم يدخلوها ، ورحلوا عنها وأخذوا على البرية.

طريق البر

٤٤٥ ـ سلوك طريق البرية(المقتل المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٣)

قال أبو مخنف : ورحلوا من تكريت ، وأخذوا على طريق البر. ثم على (الأعمى) ، ثم على (دير عروة) ، ثم على (صليتا) ، ثم على (وادي النخلة) فنزلوا فيها وباتوا.

وادي النّخلة

٤٤٦ ـ بكاء الجن على الحسينعليه‌السلام في وادي النخلة :

(المصدر السابق ؛ وينابيع المودة ، ص ١٧٧)

قال أبو مخنف : فسمعوا نساء الجن يبكين على الحسينعليه‌السلام ويقلن شعرا :

مسح النبي جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجده خير الجدود

قتلوه ظلما ويلهم

سكنوا به نار الخلود

٣٦٨

أرميناء

ثم رحلوا من وادي النخلة ، وأخذوا على (أرميناء) ، وساروا حتى وصلوا إلى (لينا) ، وكانت عامرة بالناس.

مرشاد

٤٤٧ ـ العجائب في مرشاد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨١ ط ٢ ؛ وينابيع المودة ، ج ٢ ص ١٧٧)

فلما وصلوا إلى بلدة يقال لها (مرشاد) خرج المشايخ والمخدّرات والشبان يتفرجون على السبي والرؤوس ، وهم مع ذلك يصلّون على محمّد وآله ، ويلعنون أعداءهم ؛ وهو من العجائب.

لينا ـ برساباد

٤٤٨ ـ ما حصل في لينا (أو برساباد):

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٤)

وفي مخطوطة (مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٣٩ :

قال أبو مخنف : ثم ارتحلوا على طريق (برساباد) وكانت مدينة عامرة غاصة بأهلها ، فخرجت المخدرات من خدورهن ، والكهول والشبان ، وجعلوا ينظرون إلى رأس الحسينعليه‌السلام ويصلون عليه وعلى جده وأبيه ، ويلعنون من قتله ، وهم يقولون : يا قتلة أولاد الأنبياء ، اخرجوا من بلدنا.

الكحيل ـ جهينة

قال أبو مخنف : فأخذوا على الكحيل (أو الأكحل) ، وأتوا جهينة (مرج جهينة) ، وكتبوا إلى صاحب الموصل ، أن تلقّانا فإن معنا رأس الحسين.

عسقلان

٤٤٩ ـ خبر زرير الخزاعي في عسقلان :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٦)

ذكرنا سابقا أن هذه (عسقلان) غير عسقلان فلسطين ، وقد ذكرها السيد محمّد

٣٦٩

مهدي الحائري في (معالي السبطين) قبل الموصل. وفيها حصلت هذه القصة الغريبة التي هي إحدى المحاولات لاستنقاذ الرؤوس والسبايا من أيدي المجرمين.

في (الدمعة الساكبة) قال : وساروا مجدّين إلى أن وصلوا إلى بلد يقال له (عسقلان) وأمير ذلك البلد يعقوب العسقلاني ، وكان في حرب الحسينعليه‌السلام .فلما وصل العسكر مع الرأس والنساء إليه ، أمر أن يزيّنوا ذلك البلد ، وأمر أصحاب الله وو الزهو أن يفرحوا ويلعبوا ، ويضربوا الطنبور والعود. وجلسوا في القصور باللهو وشرب الخمور.

فلما دخلوا وأدخلوا الرأس والنساء ، كان رجل تاجر اسمه زرير الخزاعي ، وكان واقفا ، فلما رأى الناس على ذلك ، سأل بعضهم : إن هذا الفرح والسرور ما سببه ، وما سبب تزيين الأسواق؟. فقالوا : كأنك غريب. قال : نعم. قالوا : كان في العراق رجل مع جماعة ، وهم يخالفون يزيد وما بايعوه ، فبعث إليهم عسكرا فقتلوهم ، وهذه رؤوسهم ونساؤهم. فسأل زرير : يا هذا ، هؤلاء كانوا مسلمين أم كفرة؟. فقيل له : إنهم كانوا سادات أهل الاسلام. فقال : ما كان سبب خروجهم على يزيد؟. قيل له : إن كبيرهم كان يقول : أنا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا بالخلافة أحق. فسأل : من كبيرهم ، ومن كان أبوه ، ومن كانت أمه؟. قيل : أما اسمه الحسين ، وأخوه الحسن ، وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبوه أمير المؤمنينعليه‌السلام . فلما سمع زرير ذلك اسودّت الدنيا في عينيه وضاقت الأرض عليه.

فجاء قريبا من السبايا ، فنظر إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام فبكى بكاء شديدا ، وأنّ أنّة عظيمة. فقال زين العابدينعليه‌السلام : ما لي أراك تبكي يا هذا؟. وجميع أهل البلد في فرح وسرور!. فقال : يا مولاي أنا رجل غريب ، قد وقعت في هذا البلد ، وسألت أهل هذا البلد عن فرحهم وسرورهم؟. فقالوا : باغ تباغى على يزيد ، فقتله وبعث برأسه ونسائه إلى الشام. فسألت عن اسمه؟ قالوا : هو الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام وجده محمّد المصطفى. فقلت : تبّا لكم فمن كان أحق منه بالخلافة؟. فقالعليه‌السلام : جزاك الله يا زرير خيرا فقد أرى فيك المعرفة ولنا المحبة. (قال) فقلت : يا سيدي هل لك حاجة ، لأني لك بشرط الخدمة.قالعليه‌السلام : قل للذي هو حامل لرأس الحسينعليه‌السلام أن يتقدم على النساء لتشتغل النظارة بالرأس عن النظر إلى النساء. قال : فمضيت من وقتي وأعطيت حامل الرأس

٣٧٠

خمسين مثقالا من الذهب والفضة حتى اعتزل وتقدّم به ، فاستراحت النساء من مدّ النظر إليهن ، وعاد الناس يتفرجون على الرؤوس. فأتيت إلى الإمام وقلت : سيدي بما ذا تأمرني بعد ذلك؟. قالعليه‌السلام : إن كان في رحلك ثياب زائدة ائتني بها. قال :فمضيت وأتيت لكل واحدة من النساء بثوب ، وأتيت لزين العابدينعليه‌السلام بعمامة.فعند ذلك قام الصياح والزعقات في السوق ، فتأملت ذلك وإذا هو الشمر اللعين ، فأخذتني الحمية فجئت إليه وشتمته ، ومسكت بلجام فرسه ، وقلت له : لعنك الله يا شمر ، رأس من هذا وضعته على الرمح؟. وهؤلاء السبايا الذين سبيتهم أولاد من؟.حتى أركبتهم الجمال بغير وطاء!. قطع الله يديك ورجليك وأعمى قلبك وعينيك.فغضب اللعين وصاح بأصحابه : اضربوه. فضربوه واجتمع عليه الناس بالحجارة حتى أثخنوه. ووقع مغشيا عليه فظنوا أنه قد قتل ومات ، وتركوه ملقى على قفاه لا يتحرك.

فلما كان الليل ومضى نصفه قام زرير مرة يحبو ومرة يتمرغل على ظهره وبطنه من كثرة الجراح ، حتى وصل إلى مسجد هناك يسمى بمشهد سليمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا هو بأناس رؤوسهم مكشوفة وأزياؤهم (وأزياقهم) مشققة ، وأعينهم باكية وقلوبهم محترقة. فقال زرير : ما لكم باكون والناس في هذا البلد فرحون مسرورون؟.فقالوا : أيها القادم علينا إن كنت منا فاجلس وشاركنا في المصيبة ، وإذا هم يبكون على الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام . فحكى زرير قصته وأراهم الطعن في بدنه ، فاشتغلوا بالبكاء ، وزادت مصيبتهم وعزاؤهم على أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الموصل

٤٥٠ ـ كرامة جديدة لرأس الحسينعليه‌السلام قرب الموصل :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٧)

وساروا إلى أن وصلوا قريبا من (موصل).

وفي (الناسخ) : كتب عمر بن سعد كتابا إلى والي موصل ، وفي خبر كتب شمر كتابا إلى الوالي ، أن تلقّنا وهيّئ لنا الزاد والعلوفة. فلما وصل الكتاب إلى والي موصل ، جمع الأكابر وعرض الكتاب عليهم واستشارهم ، فقالوا : حاشا أن نخلّيهم يدخلون علينا رأس الحسينعليه‌السلام . فكتب الوالي كتابا إلى شمر ، بأن أهل هذه البلدة من محبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وإذا دخلتم البلد أخاف أن تثور عليكم

٣٧١

الفتنة ، فالصواب أن تنزلوا قريبا من البلدة ، ونحن نبعث لكم الزاد والعلوفة. فقبل شمر نصيحته ، ونزلوا تحت جبل هناك قريبا من موصل على فرسخ منها ، وأنزلوا العيال والأطفال ، وأنزلوا رأس الحسينعليه‌السلام من الرمح ، ووضعوه على صخرة ، فقطرت قطرة من دم نحره الشريف على الصخرة ، فصارت تنبع ويغلي منها الدم كل سنة في يوم عاشوراء ، والناس مجتمعون إليها في كل سنة ، ويقيمون مراسم العزاء والمأتم على الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وبقيت هذه إلى أيام عبد الملك بن مروان ، فأمر بنقل الحجر ، فلم ير بعد ذلك منه أثر. ولكن بنوا على ذلك المقام قبة وسمّوها مشهد النقطة.

وفي (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٤ قال :

وأنفذوا إلى عامل موصل أن تلقّانا ، فإن معنا رأس الحسينعليه‌السلام فلما قرأ الكتاب أمر بأعلام فنشرت ، والمدينة فزيّنت. وتداعت الناس من كل جانب ومكان. وخرج الوالي فتلقّاهم على ستة أميال.

فقال بعض القوم : ما الخبر؟. فقالوا : رأس خارجي خرج بأرض العراق ، قتله عبيد الله بن زياد ، وبعث برأسه إلى يزيد. فقال رجل منهم : يا قوم ، هذا رأس الحسينعليه‌السلام !. فلما تحقّقوا ذلك اجتمعوا في أربعين ألف (وفي رواية : أربعة آلاف) فارس من الأوس والخزرج ، وتحالفوا أن يقتلوهم ويأخذوا منهم رأس الحسينعليه‌السلام ويدفنوه عندهم ، ليكون فخرا لهم إلى يوم القيامة.

فلما سمعوا ذلك لم يدخلوا البلد ، وأخذوا على (تل أعفر) ، ثم على جبل سنجار.

تل أعفر ـ سنجار

٤٥١ ـ في تل أعفر وسنجار :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : فلم يدخل خولي الموصل وأخذوا به على طريق البرية ، على جبلة على (تل أعفر) ، ثم على (سنجار). وساروا على نصيبين على الحصن.وقد ذكرنا عند التعريف بسنجار أنها بلدة واقعة في السفح الجنوبي لجبل سنجار ، وفيها مزار للسيدة زينب الكبرىعليها‌السلام وهو يقوم على ربوة عالية في مدخل المدينة.

٣٧٢

والذي يريد التوجه من سنجار إلى (نصيبين) لا بدّ له أن يمرّ بمضيق في الجبل ليصير إلى الشمال ، مارا بوادي (الردّ) في طريقه إلى نصيبين.

(الشكل ١٣) :

مسير السبايا من تل عفر إلى نصيبين مرورا بسنجار

نصيبين

نصيبين بلدة تقع على الحدود السورية التركية ، محاذية للقامشلي. وقد حدثت فيها حوادث جليلة ، منها ما حصل مع راهب نصيبين. فلما أحس العسكر بهجوم مرتقب عليهم حاولوا دخول دير الراهب ليحتموا به ، وباتوا فيه. وإليك قصة ذلك.

٤٥٢ ـ مشهد النقطة في نصيبين(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٧٧)

قال السيد محمّد مهدي الحائري : ثم ساروا إلى أن وصلوا إلى (نصيبين) وهي مدينة قرب دجلة ، وتقع على أحد روافد نهر الخابور المتوجهة إلى الحسكة.

عن (كامل البهائي) : أمر منصور بن إلياس بتزيين البلدة ، فزيّنوها بأكثر من ألف مرآة. فلما دخلوا أراد الملعون الّذي كان معه رأس الحسينعليه‌السلام أن يدخل البلد ، فلم يطعه فرسه. فبدّله بفرس آخر فلم يطعه ، وهكذا فإذا بالرأس قد سقط إلى الأرض ، فأخذه إبراهيم الموصلي فتأمل فيه ، فوجده رأس الحسينعليه‌السلام ، فلامهم ووبخهم ، فقتله أهل الشام.

ثم جعلوا الرأس خارج البلد ، ولم يدخلوا به. ولعل مسقط الرأس الشريف صار مشهدا ومزارا.

٣٧٣

يقول السيد المقرّم في مقتله ، حاشية ص ٤٤٤ :

وفي كتاب (الإشارات إلى معرفة الزيارات) لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي [المتوفى سنة ٦١١ ه‍] ص ٦٦ قال :

في مدينة نصيبين مشهد النقطة ، يقال إنه من دم رأس الحسينعليه‌السلام . وفي سوق النشّابين مشهد الرأس ، فإنه علّق هناك لما عبروا بالسبي إلى الشام.

قال أبو مخنف : فنزلوا إلى نصيبين وشهروا الرأس والسبايا. فلما رأت زينبعليها‌السلام رأس أخيها بكت وأنشأت تقول :

ألم تشهرونا في البرية عنوة

ووالدنا أوحى إليه جليل

كفرتم برب العرش ثم نبيّه

كأن لم يجئكم في الزمان رسول

لحاكم إله العرش يا شرّ أمة

لكم في لظى يوم المعاد عويل

كفر نوبا ـ عين الورد

٤٥٣ ـ في كفر نوبا ثم رأس العين :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : وأتوا به (كفر نوبا) ، وجازوا به إلى (عين الوردة) وهي رأس العين.

دعوات

٤٥٤ ـ في دعوات :(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٧٨)

قال أبو مخنف : وجعلوا يسيرون إلى عين الوردة ، وأتوا إلى قريب

(دعوات). وكتبوا إلى عاملها أن تلقّانا ، فإن معنا رأس الحسينعليه‌السلام . فلما قرأ الكتاب أمر بضرب البوقات ، وخرج يتلقّاهم. فشهروا الرأس ودخلوا من باب الأربعين ، فنصبوا رأس الحسينعليه‌السلام في الرحبة ، من زوال الشمس إلى العصر ، وأهلها طائفة يبكون ، وطائفة يضحكون وينادون : هذا رأس الخارجي ، خرج على يزيد بن معاوية.

قال : وتلك الرحبة التي نصب فيها رأس الحسينعليه‌السلام لا يجتاز فيها أحد وتقضى حاجته إلى يوم القيامة.

٣٧٤

وباتوا ثملين من الخمور إلى الصباح. فلما ارتحلوا بكى زين العابدينعليه‌السلام وأنشأ يقول:

ليت شعري هل عاقل في الدياجي

بات من فجعة الزمان يناجي

أنا نجل الإمام ما بال حقي

ضائع بين عصبة الأعلاج

٤٥٥ ـ قصة صاحب الدير(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٨٢)

قال في (الدمعة الساكبة) : وفي بعض الكتب القديمة قد روي مرسلا عن بعض الثقات عن أبي سعيد الشامي ، قال : كنت يوما مع الكفرة اللئام الذين حملوا الرؤوس والسبايا إلى دمشق. فلما وصلوا إلى دير النصارى ، وقع بينهم [أي جاءهم خبر] أن نصر الخزاعي قد جمع عسكرا ، ويريد أن يهجم عليهم نصف الليل ، ويقتل الأبطال ويجدّل الشجعان ، ويأخذ الرؤوس والسبايا.

فقال رؤساء العسكر من عظم اضطرابهم : نلجأ الليلة إلى الدير ، ونجعله كهفا لنا ، لأن الدير كان محكما لا يقدر أن يتسلط عليه العدو. فوقف الشمر وأصحابه على باب الدير ، وصاح بأعلى صوته : يا أهل الدير. فجاءه القسيس الكبير. فلما رأى العسكر قال لهم : من أنتم وما تريدون؟. فقال الشمر : نحن من عسكر عبيد الله بن زياد ، ونحن سائرون إلى الشام. قال القسيس : لأي غرض؟. قال : كان شخص في العراق قد تباغى وخرج على يزيد بن معاوية وجمع العساكر ، فبعث عسكرا عظيما فقتلوهم ، وهذه رؤوسهم ، وهذه النسوة سبيهم. قال : فلما نظر القسيس إلى رأس الحسينعليه‌السلام وإذا بالنور ساطع منه إلى عنان السماء ، فوقع في قلبه هيبة منه.فقال القسيس : ديرنا ما يسعكم ، بل أدخلوا الرؤوس والسبايا إلى الدير ، وأحيطوا بالدير من خارج ، فإذا دهمكم عدوّ قاتلوه ، ولا تكونوا مضطربين على الرؤوس والسبايا. فاستحسنوا كلام القسيس ، وقالوا : هذا هو الرأي. فحطّوا رأس الحسينعليه‌السلام في صندوق ، وقفلوه وأدخلوه إلى الدير ، هو والنساء وزين العابدينعليه‌السلام وجعلوهم في مكان يليق بهم.

القسّيس يشهد نزول نساء الأنبياء لتعزية الحسينعليه‌السلام :

قال : ثم إن صاحب الدير أراد أن يرى الرأس الشريف ، وجعل ينظر حول البيت [أي الغرفة] الّذي فيه الصندوق ، وكان له رازونة [أي كوة] فحطّ رأسه فيها ، فرأى البيت يشرق نورا ، ورأى أن سقف البيت قد انشق ونزل من السماء تخت عظيم.

٣٧٥

وإذا بامرأة أحسن من الحور جالسة على التخت ، وإذا بشخص يصيح : أطرقوا ولا تنظروا. وإذا قد خرج من ذلك البيت نساء ، وإذا هنّ حواء وسارة وأم إسماعيل وأم يوسف وأم موسى ومريم وآسيةعليهم‌السلام ونساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : فأخرجن الرأس من الصندوق ، وكل من تلك النساء ـ واحدة بعد واحدة ـ يقبّلن الرأس الشريف.

فاطمة الزهراءعليها‌السلام ترثي ابنها :

فلما وقعت النوبة لمولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام غشي عليها ، وغشي على صاحب الدير ، وعاد لا ينظر بالعين ، بل يسمع الكلام ، وإذا بقائلة تقول : السلام عليك يا قتيل الأم ، السلام عليك يا مظلوم الأم ، السلام عليك يا شهيد الأم ، لا يداخلك همّ ولا غم ، وإن الله تعالى سيفرّج عني وعنك. يا بنيّ من ذا الّذي فرّق بين رأسك وجسدك؟. يا بنيّ من ذا الّذي قتلك وظلمك؟. يا بنيّ من ذا الّذي سبى حريمك؟. يا بنيّ من ذا الّذي أيتم أطفالك؟. ثم إنها بكت بكاء شديدا.

صاحب الدير يكلّم الرأس الشريف والرأس يكلّمه :

فلما سمع الديراني (صاحب الدير) ذلك اندهش ووقع مغشيا عليه. فلما أفاق نزل إلى البيت وكسر الصندوق ، واستخرج الرأس وغسّله وحنّطه بالكافور والمسك والزعفران ، ووضعه في قبلته [أي مقابله] وهو يبكي ويقول :

يا رأس من رؤوس بني آدم ، ويا كريم ويا عظيم جميع من في العالم. أظنك من الذين مدحهم الله في التوراة والإنجيل ، وأنت الّذي أعطاك فضل التأويل ، لأن خواتين [جمع خاتون ، وهي السيدة الجليلة] السادات من بني آدم في الدنيا والآخرة يبكين عليك ويندبنك. أنا أريد أن أعرفك باسمك ونعتك.

فنطق الرأس بقدرة الله تعالى ، وقال : أنا المظلوم أنا المهموم أنا المغموم ، أنا الّذي بسيف العدوان والظلم قتلت ، أنا الّذي بحرب أهل البغي ظلمت ، أنا الّذي على غير جرم نهبت ، أنا الّذي من الماء منعت ، أنا الّذي عن الأهل والأوطان بعدت.

فقال صاحب الدير : بالله عليك أيها الرأس زدني. فقال : إن كنت تسأل عن حسبي ونسبي : أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن العروة الوثقى. أنا شهيد.

٣٧٦

كربلا ، أنا قتيل كربلا ، أنا مظلوم كربلا ، أنا عطشان كربلا ، أنا ظمآن كربلا ، أنا وحيد كربلا ، أنا سليب كربلا ، أنا الّذي خذلني الكفرة بأرض كربلا.

القسيس وتلامذته يسلمون على يد الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

قال : فلما سمع صاحب الدير من رأس الحسينعليه‌السلام ذلك ، جمع تلامذته وحكى لهم الحكاية ، وكانوا سبعين رجلا ، فضجّوا بالبكاء والعويل ، ورموا العمائم عن رؤوسهم ، وشقّوا أزياقهم. وجاؤوا إلى سيدنا زين العابدينعليه‌السلام وقد قطّعوا الزنّار وكسروا الناقوس ، واجتنبوا فعل اليهود والنصارى ، وأسلموا على يديه ، وقالوا : يابن رسول الله مرنا أن نخرج إلى هؤلاء الكفار ونقاتلهم ، ونجلي صداء قلوبنا بهم ، ونأخذ بثأر سيدنا ومولانا الحسينعليه‌السلام . فقال لهم الإمامعليه‌السلام : لا تفعلوا ذلك ، فإنهم عن قريب ينتقم الله تعالى منهم ، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

توضيح :

وردت عدة قصص لرهبان وصوامع وأديرة في الطريق ؛ منها ما حصل في أول دير مروا به على شط الفرات ، ومنها ما حصل لراهب قنّسرين الّذي اطّلع من صومعته ثم كلّم الرأس وأسلم ، ومنها ما حصل في صومعة الراهب قبل وصولهم إلى دمشق بقليل ، وقد رويناها بعدة طرق وأشكال. ومنها الرواية الآنفة الذكر وقد وضعناها هنا مسترشدين بالفقرة التالية التي نصّت على أن أهل البيتعليهم‌السلام أقاموا في دير الراهب قبل أن يساقوا إلى حرّان.

٤٥٦ ـ ورود أهل البيتعليهم‌السلام إلى مدينة حرّان :(كتاب : ما جرى بعد

واقعة عاشوراء للحاج محمّد دانشيار شوشتري ، ص ١٠٨ باللغة الفارسية)

يقول صاحب كتاب (روضة الأحباب) وهو من علماء السنة الموثوقين(١) :

إن شخصا يهوديا اسمه يحيى الحرّاني كان يسكن على رأس تل قريب من مدينة حرّان. وسمع يوما أن أهل البيتعليهم‌السلام سيقوا من دير الراهب إلى حران ، وسمع

__________________

(١) جاء في الموسوعة الإسلامية البريطانية ـ حرف الجيم : كتب المؤرخ الفارسي عطاء الله ابن فضل الله الشيرازي النيسابوري [ت ٩١٧ ه‍] فيما بين عامي ٨٨٨ ـ ٩٠٠ ه‍ سيرة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل بيته وصحابته عنوانها (روضة الأحباب في سير النبي والآل والأصحاب) مجلدان ، وأهداها لمير علي شير. ويمكن الرجوع في شأنه إلى حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون).

٣٧٧

كذلك أن جماعة مؤلفة من نساء وأطفال قد أسروا ، ودخلوا حرّان بصحبة رؤوس كثيرة مقطّعة. فخرج يحيى من بيته ونزل من أعلى التل ، وانتظر وصول القافلة بجوار الطريق. وعندما انجلت مقدمة القافلة رأى يحيى رؤوسا محمولة على الرماح ، ورأى أهل البيت يساقون وراء الرؤوس كما يساق الكفار بقوة وعنف. وفي تلك اللحظات وقعت عين يحيى على رأس ابن بنت المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان نور جماله يشع من بعيد. وعندما حدّق به شاهد شفتيه المباركتين تتحركان ، فاقترب من الرأس ليسمع ما ذا يقول ، فسمعه يقول :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )

وعندما سمع هذه الآية المباركة يتلوها الرأس المقطوع ، أخذته الدهشة والذعر والحيرة ، وبشكل عفوي اقترب من أحد الجنود وسأله عن صاحب الرأس؟.أجابه : هذا رأس الحسين بن عليعليه‌السلام . سأله عن اسم أمه؟. أجابه : إنها فاطمة بنت محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وسأله عن هوية الأسرى الذين معه؟. أجابه : هؤلاء الأطفال والنساء هم عائلته. عند ذلك وقع يحيى باكيا ، وقال : أحمد الله أنه انكشف لي أن في شريعة محمّد ، كل من يمشي في طريق الضلال تكون عقوبته النار الأبدية.وانطلاقا من هذا المبدأ فإننا نجد أن الأنبياء وأهلهم هم أكثر الناس تحمّلا لألوان الظلم والاضطهاد والألم والعذاب ، وإن هذه البلية العمياء والداهية الدهياء لهي برهان على هذه الحقيقة.

عندئذ نطق يحيى اليهودي بالشهادتين وأسلم لله. وطلب أن يقدّم لأهل البيت كل ما يملك من أدوات وأغراض ، فرفض العسكر ذلك ومنعوه ، لأنهم خافوا من سلطة يزيد. وبما أن يحيى كان محبا للحسينعليه‌السلام ، وبما أن المحبّين عادة لا ينظرون إلى الربح والخسارة ، فقد شهر سيفه وقاتل العسكر حتى نال الشهادة ، ودفن بجوار بوابة حرّان ، وسمّي منذ ذلك الحين (يحيى الشهيد) رضوان الله عليه.

الرّقّة

٤٥٧ ـ في الرقّة :

من المقطوع به مرور السباياعليهم‌السلام على (الرقة) ، وهي بلدة معروفة تقع على الجانب الأيسر لنهر الفرات عند التقائه برافد (البليخ). وفي جنوبها وجنوب النهر يقع جبل (صفّين) الّذي كانت عنده الموقعة المشهورة. ولم يذكر مرورهمعليه‌السلام على الرقة في أية رواية ، مع أن مرورهم بها حتمي.

٣٧٨

دوسر ـ بالس

٤٥٨ ـ مرور الرأس الشريف على دوسر ثم بالس :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : وأتوا به (دوسر) ، وأخذوا به تخت (بالس) ونزلوا بها. وكتبوا إلى صاحب حلب

فأما دوسر فهي (قلعة جعبر) وتقع على الفرات بين الرقة وبالس.

وأما بالس [وتدعى اليوم مسكنة] ففيها مشهد الطرح ، وبها مشهد الحجر الّذي وضع عليه رأس الحسينعليه‌السلام عند مرور السبايا بها (انظر التعريف ببالس سابقا).

حلب ـ جبل الجوشن

٤٥٩ ـ وصول الرؤوس والسبايا إلى حلب :

(تاريخ مشهد الإمام الحسين في حلب للسيد حسين يوسف مكي ، ص ١١ و ١٢)

وأما (حلب) فلم تكن مركزا في ذلك الوقت ، وإنما كانت تابعة

ل (قنّسرين) التي تقع إلى الجنوب الغربي من حلب على بعد ٢٥ كم. وقد كان مبيت (الرؤوس) عند وصولها إلى حلب على جبل يقع غرب حلب ، هو جبل الجوشن ، سمّي بهذا الاسم نسبة لشمر بن ذي الجوشن الّذي تولى ذبح الحسينعليه‌السلام واقتياد الرؤوس والسبايا والتشهير بهم في البلاد. وذلك ليبقى هذا الاسم معلنا بفسق الشمر وفجوره وفظاعة أعماله إلى يوم القيامة.

وأما (السبايا) فقد نزلوا على بعد مائتي متر جنوب مكان الرؤوس. وبقي في هذين المكانين قبل الارتحال أثران هامان ، الأول : نقطة من دم الحسينعليه‌السلام سقطت من الرأس الشريف على الحجر الّذي وضع عليه ، بني عليها

[مشهد الحسينعليه‌السلام ]. والثاني : قبر السقط (محسن) الّذي أسقطته إحدى زوجات الحسينعليه‌السلام أثناء مبيت السبايا ، وقد بني عليه [مشهد السقطعليه‌السلام ].

وقد شاء الله تعالى أن يظهر أمر هذين الأثرين للوجود ، وأن تكون لتلك الكرامات التي بانت لهذين المشهدين ، الأثر في نفس سيف الدولة الحمداني ، مما دعاه إلى تشييد مشهد لكل منهما سنة ٣٥١ ه‍».

٣٧٩

٤٦٠ ـ في جبل الجوشن(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٩)

في (القمقام) عن ياقوت الحموي في (معجم البلدان) : أن في قرب حلب جبلا اسمه (جوشن) ، وهو جبل مطلّ على حلب في غربيّها وفيه مقابر ومشاهد للشيعة ، منها مقبرة ابن شهر اشوب صاحب المناقب. وكان في ذلك الجبل معدن الصفر ، ومنه يحمل النحاس الأحمر.

وفي قبلي الجبل مشهد يسمى (بمشهد السقط) لأنه لما عبروا بسبي الحسينعليه‌السلام ونسائه ، كانت زوجة الحسينعليه‌السلام حاملا بولد اسمه (محسن) وأسقطت هناك. والعيال طلبوا من الصنّاع في ذلك الجبل خبزا وماء وبعض الحوائج ، فشتموهم ومنعوهم ، فدعون عليهم. ومن ذلك اليوم فقد ذلك المعدن ، ومن عمل فيه لا يربح. فدفن السقط هناك ، وسمي بمشهد السقطعليه‌السلام . وأهل حلب يعبّرون عنه بالشيخ محسّن ، بفتح الحاء وتشديد السين المكسورة.

وقد تكلمنا سابقا عند التعريف بمشهد الحسين ومشهد السقط بشكل مستفيض حول تاريخ هذين المشهدين الكريمين ، وكيف تهدّم مشهد الحسينعليه‌السلام في هذا القرن ، ثم أعاد بناءه المجدد الأكبر العلامة السيد حسين يوسف مكي العاملي طيّب الله ثراه ، سنة ١٩٦٠ م.

قنّسرين

قنّسرين : تعرف بإسكي حلب ، وكانت مركز جند هام ، وتقع على طريق القوافل بين حلب وأنطاكية (منجد الأعلام ـ حرف القاف).

٤٦١ ـ البغاة في قنّسرين :(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٦)

قال أبو مخنف : وأتوا (قنّسرين) وكانت عامرة بأهلها. فلما بلغهم ذلك أغلقوا الأبواب ، وجعلوا يلعنونهم ويرمونهم بالحجارة ، ويقولون : يا فجرة ، يا قتلة أولاد الأنبياء ، والله لا دخلتم بلدنا ، ولو قتلنا عن آخرنا. فرحلوا عنهم.

قال : فبكت أم كلثوم ، وأنشأت تقول :

كم تنصبون لنا الأقتاب عارية

كأننا من بنات الروم في البلد

أليس جدي رسول الله ويلكم

هو الّذي دلّكم قصدا إلى الرّشد

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

إلا العذاب الّذي أخنى على لبد

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

وقدم الحصين بن نمير مكة ، فناوش ابن الزبير الحرب في الحرم ، ورماه بالنيران حتى أحرق الكعبة.

وكان عبد الله بن عمير الليثي قاضي ابن الزبير ، إذا تواقف الفريقان ، قام على الكعبة ، فنادى بأعلى صوته :

يا أهل الشام!. هذا حرم الله الّذي كان مأمنا في الجاهلية ، يأمن فيه الطير والصيد. فاتقوا الله يا أهل الشام.

فيصيح الشاميون : الطاعة الطاعة [أي ليزيد]!. الكرّة الكرة!. الرواح قبل المساء!.

فلم يزل على ذلك حتى أحرقت الكعبة. وكان حريقها سنة ٦٤ ه‍.

(أقول) : هذا هو الضرب الأول للكعبة بالمنجنيق وحرقها. أما الضرب الثاني فقد تمّ على يد الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان ، حين كان عبد الله بن الزبير معتصما بالكعبة. فانتصر عليه الحجاج وقتله. وكان هو الكبش الّذي تستحلّ به حرمة الكعبة ، كما حدّث الإمام الحسينعليه‌السلام نقلا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٥٠ ـ ضلال ليس بعده ضلال :(الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ١٢٣)

قال مسرف بن عقبة بعد أن عيّن الحصين بن النمير ، وقد أدرك الموت : الله م إني لم أعمل قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، عملا أحب إليّ من قتلي أهل المدينة ، ولا أرجى عندي في الآخرة ، ثم هلك.

٨٥١ ـ ضرب الكعبة وحرقها :(مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٨١)

ونصب الحصين بن نمير فيمن معه من أهل الشام ، المجانيق والعرّادات [العرّادة : هي المنجنيق الصغير] على مكة والمسجد (الحرام) من الجبال والفجاج ، وابن الزبير في المسجد ، ومعه المختار بن أبي عبيدة الثقفي داخلا في جملته ...فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت ، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات. واحترقت البنيّة. ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحد عشر رجلا [أقول : ما هذه المعجزة الإلهية لمن أراد التعدي على حرمة الكعبة! وما أشبهها بأصحاب الفيل الذين أرسل الله عليهم طيرا أبابيل]. وذلك قبل وفاة يزيد بأحد عشر يوما [أقول : وهذه معجزة ثانية لمن يعتدي على حرمات الله فيبتر الله عمره بترا].

٧٠١

٨٥٢ ـ نزول صاعقة على الذين أرادوا ضرب الكعبة بالمنجنيق :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢١٢)

أخرج ابن عساكر عن محمّد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال : إني لفوق (جبل) أبي قبيس ، حين وضع المنجنيق على ابن الزبير ، فنزلت صاعقة كأني أنظر إليها تدور كأنها جمار أحمر ، فأحرقت من أصحاب المنجنيق نحوا من خمسين رجلا.

٨٥٣ ـ وصف حريق الكعبة :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣١٣)

وكان ابن الزبير قد ضرب فسطاطا في ناحية ، فكلما جرح رجل من أصحابه أدخله ذلك الفسطاط. فجاء رجل من أهل الشام بنار في طرف سنانه فأشعلها في الفسطاط ، وكان يوما شديد الحر ، فتمزق الفسطاط ، فوقعت النار على الكعبة ، فاحترق الخشب والسقف وانصدع الركن ، واحترقت الأستار وتساقطت إلى الأرض.

واحترقت الكعبة المشرفة يوم السبت لست خلون من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ، ومات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة خلت من ربيع الأول ، وجاء خبر موته بعد حريق الكعبة بإحدى عشرة ليلة.

٨٥٤ ـ ضرب الكعبة وهدمها :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٠)

قال القرماني : سار الحصين بن نمير [بعد موت مسرف] حتى وافى مكة ، فتحصّن منه ابن الزبير في المسجد الحرام بجميع من كان معه. فنصب الحصين المنجنيق على جبل أبي قبيس ، ورمى به الكعبة المعظمة ، وذلك في صفر سنة ٦٤ ه‍ ، واحترقت من شرارة نيرانها أستار الكعبة وسقفها ، وقرنا الكبش الّذي فدي به اسماعيل وكان في السقف. فبينما هم كذلك إذ ورد على الحصين بموت يزيد بن معاوية. فأرسل إلى ابن الزبير يسأله الموادعة ، فأجابه إلى ذلك ، وفتح الأبواب واختلط العسكران يطوفان بالبيت. ثم انصرف [الحصين] بمن معه إلى الشام.

قال أبو مخنف : مكث أهل الشام يقاتلون ابن الزبير ، حتى إذا مضى من شهر ربيع الأول أربعة عشر يوما مات يزيد ، فمكثوا أربعين يوما لا يعلمون بموته. وبلغ ابن الزبير موته قبل أن يبلغ الحصين ، فقال : يا أهل الشام لماذا تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟

٧٠٢

هلاك الطاغية يزيد

٨٥٥ ـ هلاك يزيد بن معاوية :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٢)

قال اليعقوبي : ومات يزيد بن معاوية في صفر سنة ٦٤ ه‍ ، بموضع يقال له حوّارين [لعلها القريتين شرق حمص]. وحمل إلى دمشق ، فدفن بها. وصلى عليه ابنه معاوية [الثاني] ابن يزيد.

وكان له من الولد الذكور أربعة : معاوية الثاني وخالد وأبو سفيان وعبد الله.

وكان سعيد بن المسيّب [أحد فقهاء المدينة السبعة ، توفي سنة ٩٤ ه‍] يسمّي سني يزيد بن معاوية (الأربعة) بالشؤم :

في السنة الأولى : مات معاوية وتولى يزيد الحكم

[١٥ رجب سنة ٦٠ ه‍]

وفي الثانية : قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

[١٠ محرم سنة ٦١ ه‍]

وفي الثالثة : استباح حرم رسول الله ، وانتهك حرمة المدينة وأهلها.

[ذو الحجة سنة ٦٣ ه‍]

وفي الرابعة : سفك الدماء في حرم الله ، وأحرق الكعبة.

[٦ ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍]

ومات يزيد في ظروف غامضة.

[١٤ ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍]

(أقول) : لقد قصم الله عمر يزيد ، وهو في ريعان الشباب [٣٨ عاما] رحمة بالأمة ، بعد أن لم يترك موبقة إلا ارتكبها ، ولا حرمة إلا انتهكها ، ولما يمض على وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من خمسين عاما.

ومن العجب أنه مع كل ما فعل ، فهو في نظر بعض المسلمين ، الذين لا يفرّقون بين الكفر والدين ؛ أمير المؤمنين.

٧٠٣

٨٥٦ ـ بعض صفات يزيد :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٥٤)

وقد روي أن يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد ، واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب ، والنطاح بين الكباش والدباب والقرود. وما من يوم إلا يصبح فيه مخمورا.

وكان يشدّ القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ، ويلبس القرد قلانس الذهب ، وكذلك الغلمان. وكان يسابق بين الخيل. وكان إذا مات القرد حزن عليه.

ـ قرود يزيد :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٢٩٨)

في (جواهر المطالب) لأبي البركات شمس الدين محمّد الباغندي ، كما في نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية المباركة ما لفظه :

حكى ابن الفوطي في تاريخه قال : كان ليزيد قرد يجعله بين يديه ، فيكنّيه

(أبي قبيس) ، ويسقيه فضل كأسه ، ويقول (متهكّما) : هذا شيخ من بني إسرائيل أصابته خطيئة فمسخ. وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت له ، ويرسلها مع الخيل في حلبة السباق.

وفي (الفخري) لابن طباطبا :

كان يزيد بن معاوية أشد الناس كلفا بالصيد ، لا يزال لاهيا به ، وكان يلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب ، والجلال المنسوجة منه ، ويهب لكل كلب عبدا يخدمه.

٨٥٧ ـ قصة عن كلب يزيد :

(الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية لمحمد بن علي بن طباطبا ، المعروف بابن الطقطقي ، عني بنشره محمود توفيق ، المطبعة الرحمانية بمصر ، ص ٣٩)

قيل : إن عبيد الله بن زياد ، أخذ من بعض أهل الكوفة أربعمائة ألف دينار جناية ، وجعلها في خزن بيت المال. فرحل ذلك الرجل من الكوفة ، وقصد دمشق ، ليشكو حاله إلى يزيد. وكانت دمشق في تلك الأيام فيها سرير الملك. فلما وصل الرجل إلى ظاهر دمشق سأل عن يزيد ، فعرّفوه أنه في الصيد ، فكره أن يدخل دمشق وليس يزيد حاضرا فيها ، فضرب مخيمه ظاهر المدينة ، وأقام به ينتظر عود يزيد من الصيد. فبينا هو في بعض الأيام جالس في خيمته ، لم يشعر إلا بكلبة قد دخلت عليه

٧٠٤

الخيمة ، وفي قوائمها الأساور الذهب ، وعليها جلّ (أي جلال) يساوي مبلغا كبيرا ، وقد بلغ منها العطش والتعب ، وقد كادت تموت تعبا وعطشا ، فعلم أنها ليزيد ، وأنها قد شذّت منه. فقام إليها ، وقدّم لها ماء وتعهدها بنفسه ، فما شعر إلا بشاب حسن الصورة على فرس جميل ، وعليه زي الملوك ، وقد علته غبرة ، فقام إليه وسلّم عليه ، فقال له : أرأيت كلبة عابرة بهذا الموضع؟. فقال : نعم يا مولانا ، ها هي في الخيمة ، قد شربت ماء واستراحت ، وقد كانت لما جاءت إلى ههنا جاءت على غاية من العطش والتعب. فلما سمع يزيد كلامه نزل ودخل الخيمة ، ونظر إلى الكلبة وقد استراحت ، فجذب بحبلها ليخرج. فشكا الرجل إليه حاله ، وعرّفه ما أخذ منه عبيد الله بن زياد ، فطلب دواة وكتب له بردّ ماله وخلعة سنيّة ، وأخذ الكلبة وخرج. فردّ الرجل من ساعته إلى الكوفة ، ولم يدخل دمشق.

٨٥٨ ـ سبب هلاك يزيد :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٥٤)

وقيل : إن سبب موت يزيد ، أنه حمل قردة ، وجعل ينقّزها(١) فعضّته. وذكروا عنه غير ذلك.

مات يزيد بحوّارين من قرى دمشق ، في الرابع عشر من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ (وعمره ٣٨ عاما).

ثم حمل بعد موته إلى دمشق ، وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد ، ودفن بمقابر باب الصغير.

وفي (أنساب الأشراف) : قيل لأبي مسلم الخولاني يوم مات يزيد : ألا تصلي على يزيد؟. فقال : يصلي عليه ظباء حوّارين!.

وفي (معالم المدرستين) ج ٣ ص ٢٢ عن (أنساب الأشراف) ج ٤ قسم ١ ص٢:وروى البلاذري عن شيخ من أهل الشام ، أن سبب وفاة يزيد ، أنه حمل قردة على الأتان وهو سكران ، ثم ركض خلفها ، فسقط فاندقت عنقه أو انقطع في جوفه شيء.

وروي عن ابن عياش أنه قال : خرج يزيد يتصيّد بحوّارين ، وهو سكران ، فركب وبين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردا ، وجعل يركّض الأتان ويقول :

أبا خلف احتل لنفسك حيلة

فليس عليها إن هلكت ضمان

فسقط واندقت عنقه.

__________________

(١) نقّز : توثّب صعدا ، ونقّز القرد : جعل يلاعبه ويرقصه.

٧٠٥

ويبدو أن هذا القرد الّذي كنّاه (أبا خلف) هو غير القرد الّذي كنّاه (أبا قبيس).

٨٥٩ ـ حوّارين :(معجم البلدان لياقوت الحموي)

حوّارين : حصن من ناحية حمص.

قال أحمد بن جابر : مرّ خالد بن الوليد في مسيره من العراق إلى الشام بتدمر والقريتين ، ثم أتى حوّارين من سنير [هو جبل القلمون] ، فأغار على مواشي أهلها ، فقاتلوه ، وقد جاءهم مدد من أهل بعلبك. ثم أتى مرج راهط.

وفي (كتاب الفتوح) لأبي حذيفة اسحق بن بشير : وسار خالد بن الوليد من تدمر حتى مرّ بالقريتين ، وهي التي تدعى حوّارين ، وهي من تدمر على مرحلتين ، وبها مات يزيد بن معاوية في سنة ٦٤ ه‍.

٨٦٠ ـ هلاك يزيد الملعون :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٦٩)

قال أبو مخنف : وتواترت الأخبار بهلاك الطاغي الكافر يزيد ، وذلك أنه ركب يوما للصيد بجيشه ، فلاحت ظبية فتبعها ، وقال لمن معه من الجيش : لا يتبعني منكم أحد. وسار خلف الظبية ، وكان تحته سابق من الخيل ، فتاه به ذاك الجواد بجريه ، فلم يلحقها إلا بين جبلين في شعب ، فدخلت الظبية في الشعب ، ولم يقف لها على خبر ، فهمّ ليرجع فلم يطاوعه الجواد ؛ فأرسل الله تعالى عليه ملك الموت فقبض روحه الخبيثة ، ووضعها في الحامية ، وسلّمها إلى زبانية الهاوية.

(وفي رواية ثانية) أنه لما رجع تاه به فرسه ، وبقي حائرا في البرية ، فهمّز جواده فلم يندفع من تحته ، وكان حائرا. فأرسل الله عليه أعرابيا ، وهو في البيداء يتلظى عطشا. فقال له الأعرابي : يا ذا الرجل إن كنت ضالا هديناك ، وإن كنت عطشانا سقيناك ، وإن كنت جائعا أطعمناك. فقال له يزيد : لو عرفتني لزدت في إكرامي.فقال له : من أنت؟. فقال : أنا يزيد بن معاوية. فقال له الأعرابي : لا مرحبا بك ولا أهلا ، ما أقبح طلعتك ، وما أشنع سمعتك ، والله لأقتلنك كما قتلت الحسينعليه‌السلام . وجذب سيفه وهمّ أن يعلوه ، فذعرت فرس يزيد من بريق السيف ، فطرحته تحتها وقطّعت أمعاءه.

(وفي رواية ثالثة) قال له : أذلّك الله من ملعون شقيّ غوي ، فإن الله قد أضلك في الدنيا والآخرة. وإن الله قد أرسلني إليك لأنتقم منك كما فعلت بابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويلك قتلت الحسينعليه‌السلام وهتكت حريمه!. فإن كنت على الحق فردّ

٧٠٦

عن نفسك قبل أن أبيدك. فمدّ يزيد يده إلى قائم سيفه فلم تطاوعه يده ثم مدّ الشخص يده إلى قائم سيفه ليضربه ، فقال له يزيد : لا تفعل فإني أضمن لك من المال ما شئت. فقال له الشخص : يا ويلك

يا ملعون ، حاش لله أبيع الآخرة بالمال ، وأختار الضلالة على الهدى ، كما فعلت أنت يا ملعون ، قبّحك الله. إن اللهعزوجل أرسلني إليك لأنتقم منك. ثم جرّد الشخص سيفه فسطع ولمع ، فنفر فرس يزيد من بريق السيف ، وألقته (الفرس) على الحجارة في الأرض ، وجعلت تدوس أمعاءه ، حتى مات.

(وفي رواية رابعة) أنه لما رجع يزيد إلى قومه رأى طيرا ، فتبع ذلك الطير حتى أتى إلى منهل بارد ، وكان يزيد عطشانا فنزل عن جواده ليشرب ، وإذا بالطير حائلا بينه وبين الماء. فقال الطير : تريد أن تشرب الماء وأنت قتلت ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عطشانا ظاميا. ثم انقضّ عليه لوقته ، وأخذ ربعه وطار. وفعل بثلاثة الأرباع كذلك. ولم يزل به كل يوم هذا الفعل إلى يوم القيامة.

(وفي رواية خامسة) أن يزيد ركب في بعض الأيام في خاصته عشرة آلاف فارس يريد الصيد والقنص ، فسار حتى بعد عن دمشق مسير يومين ، فلاحت له ظبية. فقال لأصحابه : لا يتبعني أحد منكم. ثم إنه أطلق جواده في طلبها ، وجعل يطردها من واد إلى واد ، حتى انتهت إلى واد مهول مخوف ، فأسرع في طلبها ، فلما توسّط الوادي لم ير لها خبرا ، ولم يعرف لها أثرا. وكظّه العطش فلم يجد هناك شيئا من الماء. وإذا هو برجل ومعه كوز ماء ، فقال له : يا هذا اسقني قليلا من الماء. فلما سقاه ، قال : لو عرفت من أنا لازددت في كرامتي. فقال له : ومن تكون؟. قال :أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فقال الرجل : أنت والله قاتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام يا عدو الله.ثم نهض [يزيد] ليلزمه ، فنفر الفرس من تحته ، فرمى به عن متنه ، فعلقت رجله بالركاب ، فجعل الفرس كلما رآه خلفه نفر. فلم يزل كذلك إلى أن مزّقه ، وعجّل بروحه إلى النار.

وكان له عشرة ندماء لا يفارقونه ولا يفارقهم ، ويأمنهم على حريمه وأولاده وماله ، فاقتحموا الطريق الّذي سلك فيه ليعرفوا خبره ، فوجدوا الفرس ، وفخذه معلّق في الركاب. فوقعت الصيحة في العسكر. فرجعوا إلى دمشق ، وارتجّت دمشق لموته.

(انتهى كلام أبي مخنف في مقتله الصغير والكبير).

٧٠٧

خلافة معاوية الثاني

رحمه‌الله

٨٦١ ـ خلافة معاوية بن يزيد :

ثم ولي أمر الناس معاوية بن يزيد ، ويلقّب معاوية الثاني ، أو معاوية الصغير ، وهو ابن إحدى وعشرين سنة.

قال الذهبي : وكان خيرا من أبيه ، فيه عقل ودين. اه

ولما علم أن الأمر ليس له ، عزم على اعتزال الخلافة ، فخلع نفسه ، وأوصى أن يصلي بالناس الضحاك بن قيس الفهري ، ريثما يجتمع الناس على خليفة.

وفي (منتخبات التواريخ) ج ١ ص ٨٩ :

وعندما خاف بنو أمية أن يفلت الأمر من أيديهم ، طعنوا الضحاك وهو يؤمّ الصلاة ، فخرّ ميّتا ، لأنه كان يعمل لصالح عبد الله بن الزبير ، الّذي أعلن حكمه على الحجاز.

وبعد أربعين يوما توفي معاوية الثاني. قيل : إن زوجته قتلته!.

وجاء في (خطط الشام) لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٤٦ عن معاوية الثاني :

ولما حضرته الوفاة لم يرض أن يعهد بالأمر من بعده ، فقالوا : ولّ أخاك خالدا.فقال: أتفوز بنو أمية بحلاوتها ، وأبوء بوزرها ، وأمنعها أهلها!. كلا إني

لبريء منها.

قال المسعودي : أراد أن يجعلها إلى نفر من أهل الشورى ينصبون من يرونه أهلا لها.

وقال معاوية الثاني : فاختاروا مني إحدى خصلتين : إما أن أخرج منها وأستخلف عليكم من أراه لكم رضى ومقنعا ، ولكم الله عليّ لا آلوكم نصحا في الدين والدنيا ، وإما أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها.

فأنف الناس من قوله ، وأبوا من ذلك. وخافت بنو أمية أن تزول الخلافة منهم ، وماج أمرهم واختلفوا.

وقيل : إن معاوية بن يزيد كان قدريا ، لأن عمر المقصوص كان علّمه ذلك ، فدان به وتحققه. فلما بايعه الناس ، قال للمقصوص : ما ترى؟. قال : إما أن تعتدل

٧٠٨

أو تعتزل!. فخطب الناس يستعفي من بيعتهم ، فوثب بنو أمية على عمر المقصوص ، وقالوا : أنت أفسدته وعلّمته ، فطمروه ودفنوه حيا.

ثم إنه اعتزل الخلافة ، ودخل منزله ولم يخرج إلى الناس ، وتغيّب حتى مات.وعمره إحدى وعشرون سنة. وصلى عليه أخوه خالد بن يزيد ، ودفن بدمشق في ناحية من البزورية.

وقيل : إنه دسّ إليه السمّ ، فشربه فمات. وقال بعضهم : طعن.

٨٦٢ ـ خبر عمر القوصي :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٢)

قال القرماني : ثم إن بني أمية قالوا لمعلمه عمر القوصي : أنت علّمته هذا وصددته عن الخلافة ، وحملته على ما وسمنا به من الظلم ، وحسّنت له البدع ، حتى نطق بما نطق ، وقال ما قال؟. فقال : والله ما فعلته ، ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فلم يقبلوا منه ذلك ، وأخذوه ودفنوه حيا ، حتى مات.

٨٦٣ ـ أيام معاوية الثاني ابن يزيد :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٤)

قال اليعقوبي : ثم ملك معاوية بن يزيد بن معاوية ، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة. وكانت مدة خلافته أربعين يوما ، وقيل : بل أربعة أشهر. وكان له مذهب جميل [يقصد أنه يقرّ بالفضل لأهل البيتعليه‌السلام ، وذلك لأن مؤدبه عمر المقصوص كان مواليا].

فخطب الناس فقال : أما بعد حمد الله والثناء عليه.

أيها الناس ، فإنا بلينا بكم وبليتم بنا ، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا.

ألا وإن جدي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به منه في القرابة برسول الله ، وأحق في الإسلام ، سابق المسلمين ، وأول المؤمنين ، وابن عم رسول رب العالمين ، وأبا بقية خاتم المرسلين. فركب منكم ما تعلمون ، وركبتم منه ما لا تنكرون ، حتى أتته منيّته ، وصار رهنا بعمله.

ثم قلّد أبي ، وكان غير خليق للخير ؛ فركب هواه ، واستحسن خطأه ، وعظم رجاؤه ؛ فأخلفه الأمل ، وقصّر عنه الأجل ؛ فقلّت منعته ، وانقطعت مدته ، وصار في حفرته ، رهينا بذنبه ، وأسيرا بجرمه.

٧٠٩

ثم بكى ، وقال : إن أعظم الأمور علينا ، علمنا بسوء مصرعه ، وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الحرمة ، وحرّق الكعبة. وما أنا المتقلّد أموركم ، ولا المتحمّل تبعاتكم ، فشأنكم أمركم. فو الله لئن كانت الدنيا مغنما ، لقد نلنا منها حظا ، وإن تكن شرا فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها.

فقال له مروان بن الحكم : سنّها فينا عمريّة [أي اجعلها استخلافا مثلما فعل عمر ابن الخطاب!]. قال : ما كنت أتقلدكم حيا وميتا ، ومتى صار يزيد ابن معاوية مثل عمر ، ومن لي برجل مثل رجال عمر!.

وتوفي معاوية الثاني وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وصلى عليه أخوه خالد بن يزيد ، ودفن بدمشق في ناحية من البزورية.

٨٦٤ ـ ما قالته أم معاوية الصغير :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٢)

... ودخلت عليه أمه ، فوجدته يبكي!. فقالت له : ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك. فقال : وددت والله ذلك. ثم قال : ويلي إن لم يرحمني ربي.

ترجمة معاوية الثاني

(التنبيه والإشراف للمسعودي)

هو معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، يكنى أبا عبد الرحمن. وإنما كنّي أبا ليلى تقريعا له ، لعجزه عن القيام بالأمر. أمه أم خالد بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة. وتوفي بدمشق في شهر ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ودفن بها ، وكانت أيامه أربعين يوما.

كان ربعة من الرجال ، نحيفا يعتريه صفار. وكان مواليا لأهل البيتعليه‌السلام معترفا بحقهم ، وذلك من جهة أن مؤدّبه عمر المقصوص كان شيعيا. لذلك اعتزل معاوية الثاني الملك ، بعد أن اعترف أمام جمهور بني أمية بفساد فعل أبيه وجده ، فمات حرارحمه‌الله .

٧١٠

الفصل الرابع والثلاثون

يزيد وأبوه في الميزان

ترجمة يزيد بن معاوية

بعد موت معاوية بن أبي سفيان ـ أول من ابتدع الملكية في الإسلام ـ خلفه على الملك ابنه يزيد ، سنة ٦٠ ه‍. وقد كان معاوية أكره المسلمين على بيعة يزيد ، وهو يعلم أن ابنه رجل فاجر معلن بالفسق ، يبيح الخمر والزنا وقتل النفس المحترمة ، ويجالس الغانيات على موائد الشراب

فلما مات معاوية أنكر المسلمون بيعة يزيد وقاموا عليه في العراق والحجاز.

وقد أتى يزيد في مدة خلافته الوجيزة وهي أربع سنوات ، بثلاث موبقات عظام ، لو أتى أحد من المسلمين واحدة منها لخرج عن ربقة الإسلام ، واستوجب غضب الجبار والخلود في النار.

وهذه الموبقات هي : قتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبي نسائه وذريته. ثم استباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام ، وأخذ أهلها من المهاجرين والأنصار عبيدا ليزيد ، وذلك في وقعة الحرة ، التي كانت بقيادة مسلم بن عقبة. ثم محاصرة مكة المكرمة ورمي الكعبة بالمنجنيق وحرقها بالنار ، على يد الحصين بن نمير.

ومن لطف الله بالمسلمين أن حكم يزيد لم يدم طويلا ، إذ مات في مستهل شبابه بعد أربع سنوات من حكمه وعمره ٣٨ عاما. وقيل : إنه مات أثناء تلهّيه بالصيد في (حوّارين) شرق حمص. ولم يعثر من جثته إلا على فخذه ، فنقلت إلى دمشق ودفنت قرب مقبرة باب الصغير اليوم ، في غرفة مهجورة ليس لها سقف ، يرميها المارة بالحجارة ، تبرّؤا من يزيد ومن أفعاله المنكرة.

٧١١

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣١ :

مات يزيد في شهر ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ بذات الجنب بحوران [لعلها تصحيف : حوارين] وحمل إلى دمشق. وصلى عليه أخوه خالد ، وقيل ابنه معاوية الثاني. ودفن بمقبرة باب الصغير ، وقبره الآن مزبلة. وقد بلغ سبعا وثلاثين سنة.

نسب يزيد

٨٦٥ ـ مفارقات ومناقضات :(الحسين إمام الشاهدين ، ص ٩٢)

يقول الدكتور علي شلق : في عهد يزيد بن معاوية فتح عقبة بن نافع المغرب ، وفتح مسلم بن زياد بخارى وخوارزم. ويقال : إن يزيد أول من خدم الكعبة ، وكساها الديباج الخسروي.

فوا عجبا كيف يفتح يزيد البلاد لنشر الإسلام ، ثم هو يغزو مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقتل أجلاء الصحابة ، ويستبيح أعراض الصحابيات!. لا بل أعجب من ذلك وأغرب أن يخلع على الكعبة كسوتها ، ثم يعجّل عليها فيحرقها!.

إن هذا يدل على أن كل أعماله لم تكن للدين والإسلام ، وإنما كانت لتوطيد الملك والسلطان ، والحكم والصولجان.

٨٦٦ ـ نسب يزيد :(وسيلة الدارين ، ص ٨٤)

روى صاحب كتاب (إلزام الناصب) ، وأبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي في كتابه (المثالب) ، والحافظ أبو سعيد إسماعيل بن علي الحنفي في (مثالب بني أمية) ، والشيخ أبو الفتح جعفر بن محمّد الميداني في (بهجة المستفيد) : أن يزيد ابن معاوية ، أمه كانت بنت بجدل الكلبية ، أمكنت عبد أبيها من نفسها ، فحملت بيزيد فلينظر العاقل إلى أصول هؤلاء القوم ، كيف كانوا يقدّمونهم على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا!.

وذكر ابن شهر آشوب في تفسير قوله تعالى عن إبليس :( وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ) [الإسراء : ٦٤] ، أن الإمام الحسنعليه‌السلام جلس مع يزيد يأكلان

٧١٢

الرطب ، فقال يزيد : يا حسن إني منذ كنت أبغضك!. فقال الإمام الحسنعليه‌السلام :اعلم يا يزيد ، أن إبليس شارك أباك في جماعه ، فاختلط الماءان ، فأورثك ذلك عداوتي وعداوة أخي ، لأن الله يقول :( وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ) [الإسراء : ٦٤].

وشارك الشيطان (حربا) عند جماعه فولد (صخرا) ، فلذلك كان يبغض جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٦٧ ـ ولادة يزيد من سفاح :

(يزيد بن معاوية فرع الشجرة الملعونة في القرآن لأبي جعفر أحمد المكي ، ص ٧١)

تزوج معاوية امرأة من بني كلب اسمها ميسون ، وكان أبوها يسمى (بجدل) شيخ كلب. وكان للأب عبد اسمه (سفاح).

وكان هذا العبد قد زنى بميسون وأذهب بكارتها ، وحملت منه. ثم حملت إلى معاوية ، فوجدها ثيّبا.

وطلبت من معاوية الطلاق ، والعودة إلى بلادها. فطلقها وأرسلها إلى أهلها في (حوّارين) ، فوضعت هناك يزيد. فهو يزيد بن سفاح ، وليس يزيد بن معاوية.

ونشأ يزيد في حوّارين ، في أحضان النصارى من أخواله ، بعيدا عن أجواء المسلمين. وحين هلك معاوية لم يكن يزيد عنده ، بل استدعي من حوارين [شرق حمص] لاستلام مقاليد الحكم. فماذا نتوقع من يزيد أن يفعله حين يحكم؟!. لا غرابة يقتل أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويستبيح مدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويضرب الكعبة ويحرقها!.

ـ رواية أخرى :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص بعد ٩٠)

وقيل : إن معاوية [كان] ذات يوم يبول ، فلدغته عقرب في ذكره ، فزوّجوه عجوزا ليجامعها ويشفى من دائه. فجامعها مرة وطلقها ، فوقعت النطفة مختلطة بسم العقرب في رحم العجوز ، فحصل منها يزيد. وكأن فيه نزلت الآية :( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) [الأعراف : ٥٨].

ولذلك إن اللعين يزيد لم يكن فيه صفة من صفات الملوك ، ولا فيه خصلة من خصالهم.

٧١٣

٨٦٨ ـ أنساب بني أمية ، وأنهم ليسوا من قريش :

(وسيلة الدارين للسيد إبراهيم الموسوي الزنجاني ، ص ٨٥)

قال السيد القاضي نور الله التستري في كتابه (إحقاق الحق) في بيان نسب بني أمية: إن نسبهم بطريق علماء أهل البيت وغيرهم ، أن بني أمية ليسوا من قريش ؛ فقد كان (لعبد شمس) عبد رومي يقال له (أميّة) فنسب إلى قريش ، وأصلهم من الروم.وذلك أن العرب من سيرتهم أن يلحق الرجل بنسبه عبده ، وكان ذلك جائزا عندهم.وقد عدّ ذلك من وجوه كريمة في العرب. ولما افتخر معاوية في كتاباته إلى عليعليه‌السلام بالصحبة والقرشية ، كتبعليه‌السلام في جوابه : «ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق».[نهج البلاغة ، كتاب رقم ١٧]

يقصد بذلكعليه‌السلام أن معاوية كان من الطلقاء ، وأنه لصيق أي ملحق بالنسب إلحاقا.

الملامح الهاشمية والأحقاد الأموية

٨٦٩ ـ التفاضل بين بني هاشم وبني أمية :

(الحسين بن علي إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ١٢١)

قال الدكتور علي شلق :

الناس في الأرض كالشجر ، تأتلف أشكالهم وقدورهم ، ولكن الاختلاف في عقولهم وأمزجتهم ، يرتسم في أهوائهم وسلوكهم.

وكما أن في الأرض قطعا متجاورات ، وجنات من نخيل وأعناب ؛ منها نخيل صنوان وغير صنوان ، وكلها تسقى بماء واحد ، ونفضّل بعضها على بعض في الأكل ؛ كذلك كان في قريش أنواع من الدوح والشجر ، تختلف في الطعم والثمر.وقد برز فيهم بطنان متميزان ، هما : بنو هاشم وبنو أمية.

ولما جاء الإسلام والفريقان يتنافسان ، فانخفض جناح بني حرب الأمويين ، وعلا نجم بني عبد المطّلب الهاشميين.

بنو هاشم : قانعون معتزّون ، أصحاب رسالة وشهامة وأخلاق.

٧١٤

وبنو أمية : يخفضون الجناح وينتظرون ، وهم أكثر عددا ومالا ، وأصحاب دنيا وشهوات.

وكان بنو أمية ومن في فلكهم بزعامة أبي سفيان بن حرب ، كابدوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتربّصوا به الدوائر ، حتى هاجر من مكة إلى القحطانيين في المدينة. عند ذلك خلا الجو لبني أمية في مكة.

ولكن لم يطل العهد ، حتى كان جيش المهاجرين والأنصار بقيادة النبي الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدقّ أبواب مكة ليفتحها ، فيسقط في يد أبي سفيان زعيم مكة والأحزاب ، ويتحقق الموت أو الأسر.

لنستمع إلى محاورة أبي سفيان مع العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ـ يقول أبو سفيان للعباس وكانا صديقين : لقد أصبح أمر ابن أخيك عظيما!.

ـ فيجيبه العباس ناصحا : عليك أن تطلب منه الأمان قبل فوات الأوان.

ـ أبو سفيان : كيف وقد بيّتت له القتل ، وما فعل ببدر وأحد والأحزاب وحنين؟.

ـ العباس : إنه محمّد يا صديقي!. نبي لا يحقد ، ورسول من عند الله!.

ـ أبو سفيان : هل أنت ضامن لي؟.

ـ العباس : ويلك يا أبا سفيان ، كأنك لم تجرّب مكارم الشمائل والأخلاق!.ثم يدخل أبو سفيان وأولاده ـ وفيهم معاوية ـ في الإسلام. والإسلام يجبّ ما قبله. ويعلو صوت الرسول العظيم في أهل مكة ، وكأنه يقصد أبا سفيان بالذات :

اذهبوا فأنتم الطّلقاء!.

٨٧٠ ـ ما فعلت هند أم معاوية بالحمزةعليه‌السلام وكبده في أحد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٢١ ط ٢)

قال فخر الدين الطريحي : فجاءت هند بنت عتبة ، ووقفت على جسد حمزةعليه‌السلام وجدعت [أي قطعت] أذنيه وأنفه ، وشقّت بطنه ، وقطعت أصابعه ونظمتها بخيط ، وجعلتها قلادة في عنقها. ثم أخرجت كبد حمزة وأخذت منه قطعة بأسنانها ومضغتها حنقا منها عليه ، وأرادت بلعها فلم تقدر على بلعها ، فقذفتها ؛ لأن الله تعالى صان كبد حمزة أن يحلّ في معدة تحرق بالنار. فهل رأيتم أو سمعتم امرأة أكلت كبد إنسان ، غير هند الهوان ، والله يقول :( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) [الأعراف : ٥٨].

٧١٥

٨٧١ ـ الملامح الهاشمية :(الحسين إمام الشاهدين ، ص ١٤)

الملامح الهاشمية : جمال المظهر ، نقاء المخبر ، قوة جسدية ، شجاعة ، قامات مشيقة ، فصاحة بارعة ، حضور مهيب وحبيب ، إلى مثالية ذات أبعاد.

بدا هذا جميعه في أبي طالب ، وحمزة ، والعباس ، وعبد الله : أبناء عبد المطلب ، شيخ مشايخ قريش ؛ وتجلّى في الحسينعليه‌السلام وأولاده تجلّي المجرات في السموات.

٨٧٢ ـ الملامح الأموية :(المصدر السابق ، ص ١٤ ـ ١٦)

الملامح الأموية : بين البدانة والنحافة ، السّمرة والبياض ، ذكاء بارع الحيل وحسن التصرف ، حب المال والمنفعة ، سير عليدروب الواقعية ، هوس بالمناصب والتسلط.

ظهر هذا جليا في أبي سفيان ، ومروان بن الحكم ، ومعاوية ويزيد. ومن تسلسل من هذه (البؤرة) مرورا بعبد الملك بن مروان ، وانتهاء بمروان الحمار.

من هنا يرتسم في البال مزاجان مختلفان ، ونمطان متباينان وها نحن نرى ذينك النمطين متمثلين في حكم الخلافة ، وبذا يستقر للهاشمية اسم الخلافة الشورية ، وللأموية اسم الملكية الوراثية.

امتدت خصومة أبي سفيان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى فتح مكة ، فكان من الذين أرغموا على قبول الأمر الواقع ، وسمّوا ب (الطّلقاء).

والذي يبدو أن إيمان الجذوع الأموية العتيقة بالإسلام ، بل بدعوة محمّد الهاشميصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يجري على السطوح ، ولا ينفذ إلى الأعماق. ولا عبرة بحرض بعضهم على شعيرات احتفظ بها من شعر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقليمات من أظفاره

[يقصد به معاوية] ، وقميص كان قد أهداه إياه الرسول الكريم ، كي يعلو في نظر المسلمين ؛ فالهداية والصلاح لا يتوقفان على شعر وأظفار وثياب ، فالبركة الحقيقية هي في العمل المنجي ، والصدق المشرّف.

والحسين الحسينعليه‌السلام ذلك الّذي هزئ بالموت ، فإذا به ذو عرش على قلوب الملايين ، لا يحتاج إلى قميص أو شعيرات أو أظافر يتبرك بها ، وحسبه أنه قال للموت : أريد أن تموت أنت ، وأنا أحيا إلى الأبد الأبيد ، قطرة في محيط التاريخ.

٧١٦

وأتقدم في القرن العشرين ، بعد أربعة عشر قرنا ، من هذا الجيل في العصر بصورة للحسين ، عسى أن يسطع منها ضوء يهدي ، وعطر يرفع ، وصوت يهبّ سامعه إلى نجدة الحق ، ونصرة الشمائل. وكل ذلك في سبيل الإنسانية والحضارة ، وكلتاهما جناحان نحو آفاق الله.

لقد استهوت على معاوية وبني أمية شهوة الحكم وشهوة الفتوحات ، وكلتاهما فرع من حب العيش والدنيا ، وصدى لغريزة التملك والحياة ، ومنها الهوس بالحرص على النسل ، وتوريثه وتعزيزه.

واليوم ذهب الفتح ، وانقضى الحكم ، وانطفأت قناديل الفتوحات ، وأصبح الكل هباء وفناء ، لأنهم لم يعملوا كل ذلك بدافع من سمو الحقيقة العليا ، بل عملوا على تعطيل الشورى وعدالتها ، وتغليب الوراثية والنفعية والاستبدادية.

في حين قام الهاشميون من أبناء عليعليه‌السلام ، ليثبّتوا مبدأ الخلافة والإمامة ، ولم يدعوا إليها بدافع الاستبداد والأثرة وحب التوريث ، بل كانوا أهلا لها ، وكانوا أصحاب حق وأصحاب مواقف. ولذلك استشهدوا في سبيل مبدئهم ، وخلدتهم العقيدة والتاريخ.

ـ ما قيمتنا اليوم؟ :

نحن اليوم بعد علي والحسينعليه‌السلام ، وبعد الراشدية المثلى والرسول العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أكثر عددا من مسلمي عصر صدر الإسلام ، والعصر الأموي والعباسي ، وأغنى مالا وأقوى عددا ، وأوسع رقعة وأغزر طاقة وعلما ؛ ولكننا لا نساوي والله قيمة شهيد واحد مات مع الحسينعليه‌السلام ، ولا نصلح أن ننتسب إلى صحابي واحد جاهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لماذا؟. لأننا فقدنا حب الحق والبطولة ، وفضّلنا المال والثياب والقصور والمزارع والمراكب وبهرج العيش. فمتى يقوم فينا من يحب الموت لتتقدم منه الحياة ، ويطلب الشهادة ليحيا في فردوس البطولة؟.

٨٧٣ ـ ما هو السبب الحقيقي لقتل يزيد للإمام الحسينعليه‌السلام ؟ :

(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص)

يخيّل للمرء لأول وهلة أن سبب قتل يزيد للحسينعليه‌السلام هو لأنه لم يبايع له ، وهو ما كان يشيعه يزيد بين الناس ، فيقول : إنه خارجي خرج عليّ فقتلته. ولكن هل هذا هو السبب الحقيقي لقتلهعليه‌السلام ؟.

٧١٧

فليت شعري إذا كان هذا هو السبب ، فهل قتل جيش يزيد الطفل الصغير ، لأنه لم يبايع خليفتهم؟!.

أم هل سبوا بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وساروا بهن من كربلاء إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى الشام ، من أجل أن يبايعن الخليفة؟.

إذن لماذا فعلوا ذلك وغير ذلك؟.

لماذا حرّق جيش يزيد خيام آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء؟.

ولماذا داس جيش يزيد بحوافر خيولهم صدر ابن بنت رسول الله وظهره؟.

ولماذا تركوا جسده وأجساد آل بيته وأنصاره في العراء ولم يدفنوهم؟.

ولماذا قطعوا رؤوسهم بوحشية نادرة واقتسموها فيما بينهم ، وحملوها على أطراف الرماح؟.

ولماذا حملوا نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأطفاله على أقتاب الإبل بدون غطاء ولا وطاء؟

وساروا بهم من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل؟.

ولماذا ينكث يزيد ـ ومن قبله ابن زياد ـ ثنايا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام بالقضيب ، ثم يصلبه ثلاثا على مئذنة المسجد في دمشق؟.

إن الجواب على كل ذلك قد أفصح عنه يزيد في قوله ، حين وضع الرأس الشريف بين يديه ، وتمثّل بأبيات ابن الزّبعرى المشرك الكافر. فالذي دفعه إلى ذلك حقده على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليعليه‌السلام وسلالتهما ، الذين قتلوا أجداده وأعمامه الكفار يوم بدر. إذن فهي أحقاد بدرية كامنة ، والقوم لم يسلموا ولكن استسلموا ، حتى إذا حانت الفرصة لهم أخذوا بثأرهم من الإسلام ومن نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٧٤ ـ مقارنة بين أعمال بني أمية وبني هاشم :

لم يزل بنو أمية بقيادة أبي سفيان يحاربون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أسلموا مكرهين يوم فتح مكة ، فعاملهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاملة حسنة ، وقال : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن». وعفا عنهم ولم يضرب أعناقهم ، بل قال لهم : «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

لكنهم حين أصبح الملك بأيديهم ، منعوا علياعليه‌السلام وجنده من الماء المباح ، ونكثوا بصلح الحسنعليه‌السلام وسمّوه ، وجزّروا أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء كما تجزّر الأضاحي ، وسبوا نساءه وأطفاله كما تسبى الترك والديلم.

٧١٨

ويمكن اختصار ذلك كله بالقول المشهور (كل إناء ينضح بما فيه). وسوف أسوق القصة التالية كمثال بليغ على ما جرى.

٨٧٥ ـ رؤيا الشيخ نصر الله ، وأبيات الشاعر الحيص بيص :

(الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ، ص ١٩٦ ط ٢)

حكى الشيخ نصر الله بن يحيى مشارف الصاغة ، وكان من الثقات الخيرين ، قال : رأيت علي بن أبي طالبعليه‌السلام في المنام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، تقولون يوم فتح مكة : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، ثم يتمّ [على] ولدك الحسينعليه‌السلام يوم كربلاء منهم ما تمّ؟!. فقال ليعليه‌السلام : أما سمعت أبيات ابن الصيفي التميمي في هذا المعنى؟. فقلت : لا. فقال : اذهب إليه واسمعها!.

فاستيقظت من نومي مفكرا. ثم إني ذهبت إلى دار ابن الصيفي [وهو الحيص بيص الشاعر ، الملقب بشهاب الدين] ، فطرقت عليه الباب ، فخرج علي. فقصصت عليه الرؤيا ، (فشهق) وأجهش بالبكاء ، وحلف بالله إن كان سمعها مني أحد ، وإن أكن نظمتها إلا في ليلتي هذه. ثم أنشد :

ملكنا فكان العفو منا سجيّة

فلما ملكتم سال بالدم أبطح

وحلّلتم قتل الأسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

٨٧٦ ـ لا مقارنة بين الإمام الحسينعليه‌السلام والطاغية يزيد :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٦)

يقول السيد عبد الرزاق المقرّمرحمه‌الله :

فابن ميسون عصارة تلكم المنكرات ، فمتى كان يصلح لشيء من الملك ، فضلا عن الخلافة الإلهية ، وفي الأمة ريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة ؛ أبوه من قام الدين بجهاده ، وأمه سيدة نساء العالمين ، وهو الخامس من أصحاب الكساء ، وهو عديل القرآن في (حديث الثقلين). يتفجّر العلم من جوانبه ، ويزدهي الخلق العظيم معه أينما توجّه ، وعبق النبوة بين أعطافه ، وألق الإمامة في أسارير وجهه ثم أترى أن معاوية كالإمام ، أم أبا سفيان كالنبي ، أم هند آكلة الأكباد كأم المؤمنين خديجة ، أم ميسون كفاطمة سيدة نساء العالمين ، أم أمية كهاشم؟ أم خلاعة الجاهلية

٧١٩

كفضيلة الإسلام ، أم الجهل المطبق بيزيد كالعلم المتدفّق من الحسينعليه‌السلام ، أم الشره المخزي كالطهارة المقدسة؟!. إلى غير ذلك مما لا مجال للمفاضلة فيها بين يزيد والحسين ، مما يكلّ به القلم ، وينقطع به الكلام.

٨٧٧ ـ التقابل بين الحسينعليه‌السلام ويزيد ، تقابل النقيضين :

(مقتل سيد الشهداء لعبد الكريم خان ، ص ٢٥)

يقول الأستاذ عبد الله العلايلي :

نحن لا نريد أن نعطي رأيا في معاوية ، ولكن نريد أن يعرف القارئ أو المستمع ما قاله بعض أعلام إخواننا أهل السنة ، أنه ليس مما يشك فيه (عدوّ ليزيد أو صديق) أن التقابل الكلي بين الحسين ويزيد ، تقابل النقيضين أو الضدين ، فلذا يشبّه بتقابل النور والظلمة ، والسموّ والانحطاط ، والكرامة والخسّة ؛ فهما صنفان أو صفّان :رجال الله ، ورجال الجبت والطاغوت.

ثم يقول في كتابه (سموّ المعنى في سموّ الذات) ص ٦٣ : ثبت لمفكري المسلمين عامة في ذلك الحين أن يزيد بالنظر إلى خلقه الخاص وتربيته الخاصة ، سيكون أداة هدّامة في بناء الحكومة والدين معا ، وإن مفكري المسلمين قد عدّوا ولايته منكرا كبيرا ، لا يصح لمسلم السكوت معه ، ومن واجبه الجهر بالإنكار.

«انتهى كلام العلايلي»

وفي مقابل ذلك فالحسينعليه‌السلام ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي كان مجموعة آيات من آيات الله سبحانه ، تملأ أرجاء العالم شأنا وعظمة. فإنه آية في الخلق ، وآية في الأخلاق ، وآية في كل فضل وفضيلة كيف لا يكون كذلك وهو وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خلقه وخلقه ، في كل حال من أحواله وجميل صفاته. كما يشهد له بذلك الأفذاذ من حملة العلم والمؤتمنين على التاريخ الصادق. ويكفيه رفعة قول جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه :

«حسين مني ، وأنا من حسين»

«أحبّ الله من أحبّ حسينا»

٧٢٠

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800