موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء5%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493769 / تحميل: 5848
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

٤٦٢ ـ راهب قنّسرين يكلّم الرأس الشريفعليه‌السلام :

(البحار للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٣٠٣ ط ٣)

في (البحار) عن (المناقب) عن النّطنزي في (الخصائص) : لما جاؤوا برأس الحسينعليه‌السلام ونزلوا منزلا يقال له (قنّسرين) اطّلع راهب من صومعته إلى الرأس ، فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه [أي فمه] ويصعد إلى عنان السماء.

يقول العلامة المجلسي معلّقا : " كأن هذا الراهب كان يرى ملكوت الأشياء برياضته ورهبانيته ، فرأى النور الساطع من الرأس ، ولا يراه سائر الناس».

فأتاهم بعشرة آلاف درهم ، وأخذ الرأس وأدخله صومعته. فسمع صوتا ولم ير شخصا ، قال : طوبى لك ، وطوبى لمن عرف حرمته. فرفع الراهب رأسه وقال :يا رب بحق عيسىعليه‌السلام تأمر هذا الرأس بالتكلم معي!. فتكلم الرأس وقال :يا راهب أيّ شيء تريد؟. قال: من أنت؟. قال : أنا ابن محمّد المصطفى ، وأنا ابن علي المرتضى ، وأنا ابن فاطمة الزهراء. أنا المقتول بكربلا ، أنا المظلوم ، أنا العطشان. وسكت.

فوضع الراهب وجهه على وجهه ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول :أنا شفيعك يوم القيامة. فتكلم الرأس وقال : ارجع إلى دين جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال الراهب: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله. فقبل له الشفاعة.

فلما أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم. فلما بلغوا الوادي ، نظروا الدراهم قد صارت حجارة.

ولعل هذا الراهب غير الراهب الّذي ذكرنا قصته فيما قبل ، لأن في طريق الشام كان من الرهبان غير واحد ، والله العالم».

٤٦٣ ـ راهب قنّسرين يتولى الرأس الشريف ، ويعتنق الإسلام بسببه :

(البحار ، ج ٤٥ ص ١٧٢ ط ٣ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٠٢)

ذكر صاحب (العوالم) عن بعض المناقب القديمة : روي أنه لما حمل رأس الحسينعليه‌السلام إلى الشام ، جنّ عليهم الليل ، فنزلوا عند رجل من اليهود ، فلما شربوا وسكروا قالوا له : عندنا رأس الحسين. فقال : أروه لي. فأروه وهو في الصندوق يسطع منه النور نحو السماء.

فتعجب منه اليهودي ، فاستودعه منهم (فأودعوه عنده) ، وقال للرأس (وقد رآه

٣٨١

بذلك الحال) : اشفع لي عند جدك. فأنطق الله الرأس ، فقال : إنما شفاعتي للمحمديين ، ولست بمحمديّ. فجمع اليهودي أقرباءه ، ثم أخذ الرأس ووضعه في طست ، وصبّ عليه ماء الورد ، وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر ، ثم قال لأولاده وأقربائه : هذا رأس ابن بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم قال : يا لهفاه حيث لم أجد جدّك محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسلم على يديه. يا لهفاه حيث لم أجدك حيا فأسلم على يديك وأقاتل بين يديك ، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟. فأنطق الله الرأس ، فقال بلسان فصيح : إن أسلمت فأنا لك شفيع. قاله ثلاث مرات ، وسكت. فأسلم الرجل وأقرباؤه.

يقول العلامة المجلسي : ولعل هذا اليهودي كان راهب قنّسرين ، لأنه أسلم بسبب رأس الحسينعليه‌السلام . وقد جاء ذكره في الأشعار ، وأورده الجوهري والجرجاني في مراثي الحسينعليه‌السلام .

ثم يقول معلقا على الفكرة الأخيرة : لكن اليهودي لا يكون راهبا تاركا للدنيا ، بل يكون حبرا من الأحبار.

معرة النعمان

٤٦٤ ـ في معرة النعمان :(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٦)

قال أبو مخنف : وأتوا إلى (معرّة النعمان) واستقبلوهم وفتحوا لهم الأبواب ، وقدّموا لهم الأكل والشرب ، وبقوا بقية يومهم.

شيزر (المصدر السابق)

ورحلوا منها ونزلوا (شيزر) وكان فيها شيخ كبير ، فقال : يا قوم هذا رأس الحسينعليه‌السلام ، فتحالفوا أن لا يجوزوا في بلدهم. فلما عاينوا ذلك منهم لم يدخلوها.

كفر طاب

ذكر ياقوت الحموي في (معجم البلدان) أن كفر طاب بلدة بين المعرة وبين حلب في البرية ، وهو اشتباه. وقد ذكر أبو مخنف كما سترى أن السبايا مروا بكفر طاب بعد

٣٨٢

شيزر ، وهو اشتباه أيضا. والصحيح ما ذكره أبو الفداء في (تقويم البلدان) من أن كفر طاب على الطريق بين المعرة وشيزر ، ذكره العزيزي.

٤٦٥ ـ في كفر طاب(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : وساروا إلى أن وصلوا إلى (كفر طاب) وكان حصنا صغيرا ، فغلّقوا الأبواب عليهم. فتقدم إليهم خولي فقال : ألستم في طاعتنا فاسقونا الماء. فقالوا : والله لا نسقيكم قطرة واحدة وأنتم منعتم الحسينعليه‌السلام وأصحابه الماء.

سيبور

٤٦٦ ـ قتال في سيبور(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : فرحلوا عنها وأتوا (سيبور) وهم أيضا غلّقوا الأبواب عليهم.وكان فيها شيخ كبير وقد شهد عثمان بن عفان ، فجمع أهل سيبور المشايخ والشبان ، فقال : يا قوم إن الله كره الفتنة ، وقد مرّ هذا الرأس في جميع البلدان ولم يعارضه أحد ، فدعوه يجوز في بلدكم. فقال الشبان : والله لا كان ذلك أبدا. ثم عمدوا إلى القنطرة فقطعوها ، فخرجوا عليهم شاكين في السلاح. فقال لهم خولي : إليكم عنا ، فحملوا عليه وعلى أصحابه فقاتلوهم قتالا شديدا. فقتل من أصحاب خولي ستمائة فارس ، وقتل من الشبان خمس فوارس.

فقالت أم كلثومعليها‌السلام : ما يقال لهذه المدينة؟. فقالوا : سيبور ، فقالت : أعذب الله تعالى شرابهم وأرخص الله أسعارهم ورفع أيدي الظلمة عنهم.

قال أبو مخنف : فلو أن الدنيا مملوءة ظلما وجورا لما نالهم إلا قسط وعدل.

إلى حماة

٤٦٧ ـ المسير إلى حماة :(المصدر السابق ، ص ١١٧)

ثم ساروا حتى وصلوا (حماة) ، فغلّقوا الأبواب في وجوههم ، وصعدوا على السور ، وقالوا : والله لا تدخلون بلدنا هذا ، ولو قتلنا عن آخرنا. فلما سمعوا ذلك ارتحلوا.

٣٨٣

٤٦٨ ـ مسجد الحسينعليه‌السلام قرب حماة(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٧٩)

ذكر في (نفس المهموم) عن بعض أرباب المقاتل أنه قال : سافرت إلى الحج فوصلت إلى حماة ، فرأيت بين بساتينها مسجدا يسمى مسجد الحسينعليه‌السلام . قال :

فدخلت المسجد فرأيت في بعض عماراته سترا مسبلا من جدار ، فرفعته ورأيت حجرا منصوبا في الجدار ، وكان الحجر مؤرّبا فيه موضع عنق رأس أثّر فيه ، وكان عليه دم منجمد. فسألت بعض خدّام المسجد : ما هذا الحجر والأثر والدم؟. فقال لي : هذا الحجر موضع رأس الحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام ، وضعه القوم الذين ساروا به إلى دمشق.

جبل زين العابدين

لقد حاول عساكر الشمر بعد معرة النعمان أن ينزلوا في عدة بلدات فلم يفلحوا ، فقد منعهم أهل شيزر وكفر طاب وسيبور من دخول مدنهم والإقامة فيها ، وهؤلاء أهل (طيبة الإمام) يمنعونهم أيضا ، مما اضطرهم لاتخاذ مكان مناسب للمبيت.وفي نظري أن ذلك المكان هو الربوة الواقعة على بعد ١٠ كم شمال حماة ، فأقاموا على مرتفعها متحصنين بها من أي مهاجم يمكن أن يباغتهم. ولما أقام زين العابدينعليه‌السلام هناك وصلّى صارت مسجدا مكرما يزوره المؤمنون ويتبركون به ، وسمّي مقام زين العابدينعليه‌السلام .

(الشكل ١٤)

مسير السبايا من معرة النعمان إلى حماة مرورا بطيبة الإمام

٣٨٤

والظاهر أنهم قبل وصولهم إلى حماة ، مروا ببلدة سميت (طيبة الإمام) فاحتفل أهلها بالسبايا ، مما اضطر الشمر إلى سحبهم منها إلى التلة الواقعة شمال حماة من جهة الشرق (مقام زين العابدين) ، وهي محاذية ل (قمحانة) التي تبعد ٦ كم شمال حماة (انظر الشكل ١٤).

ولعل مقام زين العابدينعليه‌السلام هذا ، هو غير المسجد الّذي ذكر آنفا ، فقوله (فرأيت بين بساتينها مسجدا إلى آخر الرواية) يوحي بأن القوم قبل صعودهم إلى الربوة ومبيتهم بها ، وضعوا الرأس الشريف قريبا من حماة منتظرين جواب أهلها بالسماح لهم بالدخول ، فقطرت قطرة دم من الرأس الشريف فأقاموا عليها مسجدا ، اعترافا بمنزلة الحسينعليه‌السلام وكرامته عند الله.

الرستن

٤٦٩ ـ في الرستن :(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٤)

قال أبو مخنف : ثم رحلوا إلى مدينة (حما) وهم مذعورون ، فغلّقوا الأبواب في وجوههم ، ومنعوهم من الدخول إليها. فأجازوه من شرقيّها إلى

(الرستن). وكتبوا إلى صاحب حمص

٤٧٠ ـ خبر درّة الصدفية من حلب :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٠)

قصة امرأة جريئة مقدامة جهّزت كتيبة من المقاتلين ، وخرجت من حلب حتى التقت بجيش شمر وخولي في الطريق ، وحاولت تخليص رأس الحسينعليه‌السلام والسبايا من الأعداء ، فلم تستطع لكثرتهم ، فرجعت.

نجد قصتها في (أسرار الشهادة) ؛ كما نجد قصتها أيضا في (مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد) ص ٤٤ وما بعدها ، عدة صفحات ، اكتفينا بالاشارة إليها.

حمص

٤٧١ ـ مطاردة أهل حمص للأوغاد :

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٧)

قال أبو مخنف : وساروا إلى حمص ، وكتبوا إلى صاحبها : أن معنا رأس الحسينعليه‌السلام . وكان أميرها خالد بن النشيط. فلما قرأ الكتاب أمر بالأعلام

٣٨٥

فنشرت ، والمدينة فزيّنت. وتداعى الناس من كل جانب ومكان. وخرج فتلقّاهم على مسيرة ثلاثة أميال. وشهروا الرأس ، وساروا حتى أتوا باب

(حمص).

فازدحمت الناس بالباب ، فرموهم بالحجارة ، حتى قتل ستة وعشرون فارسا.وأغلقوا الباب في وجوههم ، وقالوا : يا قوم ، أكفر بعد إيمان ، وضلال بعد هدى.لا تتركوا رأس ابن بنت نبيّكم يجوز في مدينتكم.

فخرجوا ووقفوا عند كنيسة قسيس نصارى ، وهي دار خالد بن النشيط. فتحالفوا أن يقتلوا خولي ويأخذوا منه الرأس ، ليكون فخرا لهم إلى يوم القيامة. فبلغهم ذلك فرحلوا عنهم خائفين ، وأتوا بعلبك.

٤٧٢ ـ في كنيسة جرجيس الراهب في حمص :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٢)

نقل عن الشعبي أنه لما أتوا بالسبايا إلى حمص ومنعوهم من الدخول ، دخلوا بالرأس الشريف من باب الرستن ، وأتوا به إلى كنيسة جرجيس الراهب ، وباتوا هناك. وساروا طالبين حوشبة [لعلها تصحيف : جوسية]. ثم جاؤوا بعلبك.

خندق الطعام

٤٧٣ ـ في خندق الطعام :

(نور العين في مشهد الحسين لاسحق الاسفريني ، ص ٨٦)

ثم ساروا إلى أن أقبلوا إلى حمص. فكتبوا لحاكمها : تلقّانا فإن معنا رأس خارجي. فلما وصله الكتاب أمر بنصب الأعلام ، وخرج ولاقاهم وأكرمهم غاية الإكرام.

ثم ارتحلوا إلى (خندق الطعام) فغلّق أهلها الأبواب ، فارتحلوا إلى (جوسية).

جوسية

٤٧٤ ـ في جوسية(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٤)

قال أبو مخنف : حدّثني من حضر ذلك اليوم (بجوسية) أن حاكمها جرّد فيها زهاء

٣٨٦

أربعة آلاف سيف ، وتحالفوا أنهم يقتلون خولي ، ويأخذون الرأس ويدفنونه بجوسية ، ليكون لهم فخرا وعزا.

اللبوة

٤٧٥ ـ مرورهم باللبوة(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : فبلغ ذلك خولي ، فمالوا عن البلد ، وعبروا إلى (اللبوة) ، وكتبوا إلى صاحب بعلبك

بعلبك

٤٧٦ ـ في بعلبك(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٨)

قال أبو مخنف : وأتوا (بعلبك). وكتبوا إلى صاحبها أن تلقّانا ، إن معنا رأس الحسين. فأمر بالجواري أن يضربن الدفوف ، ونشرت الأعلام ، وضربت البوقات ، وأخذوا بالفرح والسرور ، مزيّنين وملطّخين رؤوسهم بالزعفران. واستقبلوا القوم ستة أميال ، وسقوهم الماء والفقّاع [أي البيرة] والسويق والسكر ، وهم يرقصون ويغنّون ويصفّقون ، وباتوا ثملين.

فقالت أم كلثومعليها‌السلام : ما يقال لهذا البلد؟. قالوا : بعلبك. فقالت : أباد الله كثرتهم وخضراتهم ، ولا أعذب الله شرابهم ، ولا رفع الظلم عنهم.

قال : فلو أن الدنيا مملوءة عدلا وقسطا ، لما نالهم إلا ظلم وجور.

(أقول) : هذا كان حالهم حين كانوا أعداء لأهل البيتعليهم‌السلام ، أما الآن فهم على العكس من ذلك ، وهم من أكبر الموالين لهم ، زادهم الله كثرة وخضرة.

أما ما ذكر عن خولة بنت الحسينعليهما‌السلام من قصة في بعلبك ، فلست أرجّحها لأن الإمام الحسينعليه‌السلام لم تكن له ابنة بهذا الاسم ، كما حّققت في كتابي (أنساب العترة الطاهرة) فليراجع.

صومعة الراهب

٤٧٧ ـ في صومعة الراهب(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : وباتوا في بعلبك يأكلون ويشربون الخمور إلى الصباح. ثم

٣٨٧

ارتحلوا إلى طريق الحي ، فأدركهم المساء عند (صومعة راهب) فنزلوا ، وأسندوا الرأس إليها ، فأنشأ زين العابدينعليه‌السلام يقول :

هو الزمان فما تفنى عجائبه

عن الكرام ولا تفنى مصائبه

فليت شعري إلى كم ذا تجاذبنا

صروفه وإلى كم ذا نجاذبه

يسيّرونا على الأقتاب عارية

وسائق العيس يحمى عنه غاربه

كأننا من سبايا الروم بينهم

أو كلّ ما قاله المختار كاذبه

كفرتم برسول الله ويلكم

يا أمة السوء قد ضاقت مذاهبه

قال أبو مخنف : فلما جنّ الليل دفعوا الرأس إلى جانب الصومعة. فلما عسعس الليل سمع الراهب دويّا كدويّ النحل ، فعلم أنه تسبيح الملائكة ، واستأنس من أنوار ساطعة. فأخرج الراهب رأسه من الصومعة ، فنظر إلى رأس الحسينعليه‌السلام وإذا هو يسطع نورا إلى عنان السماء. ونظر إلى باب قد فتح من السماء والملائكة ينزلون كتائبا كتائبا ، ويقولون : السلام عليك يابن رسول الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله. فجزع الراهب جزعا شديدا.

فلما أصبحوا همّوا بالرحيل ، فأشرف الراهب عليهم ، ونادى : من هو عميدكم والمقدّم عليكم؟. فقالوا : خولي بن يزيد. فقال الراهب : وما الّذي معكم؟.قالوا : رأس خارجي خرج بأرض العراق ، قتله عبيد الله بن زياد. فقال : ما اسمه؟.قالوا : الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة الزهراء ، وجده محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال الراهب : تبّا لكم ولما جئتم في طاعته. لقد صدقت الأخبار في قولها ، أنه إذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دما ، ولا يكون هذا إلى بقتل نبي أو وصي نبي.

ثم إنه أدخل رأسه إلى الصومعة وخرّ مغشيا عليه. فلما أفاق قال : صدقت الأخبار ، لأنهم قالوا : يقتل في هذا الوقت نبي أو ابن بنت نبي أو وصي.

ثم قال : أريد أن تدفعوا إليّ هذا الرأس ساعة واحدة وأردّه عليكم. فقال خولي :ما كنت بالذي أكشفه إلا عند يزيد ، وآخذ منه الجائزة. فقال الراهب : وكم جائزتك؟. فقال : بدرة [أي صرّة] فيها عشرة آلاف درهم. فقال الراهب : أنا أعطيك البدرة. فقال: أحضرها. فأحضرها الراهب ودفعها إليهم ، فدفعوا له الرأس وهو على القناة.

٣٨٨

فأخذه الراهب ، وجعل يقبّله ويبكي ويقول : يعزّ والله عليّ يا أبا عبد الله أن لا أواسيك بنفسي ، وأن لا أكون أول شهيد أستشهد بين يديك. ولكن يا أبا عبد الله إذا لقيت جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقرئه مني السلام ، وأخبره أني على قول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، وأشهد أن عليا ولي الله.

ودفع الرأس إليهم. فجعلوا يقتسمون الدراهم ، وإذا هي بأيديهم خزف مكتوب عليها:( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : ٢٢٧].

فقال خولي لأصحابه : اكتموا هذا الخبر ، يا ويلكم عن الخزي بين الناس.

٤٧٨ ـ (رواية مشابهة) خبر الرأس وصاحب الدير :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٧٤)

فنزلوا بعض المنازل ، وفي ذلك المنزل دير فيه راهب. فأخرجوا الرأس على عادتهم ، ووضعوه على الرمح ، وحرسه الحرس على عادتهم ، وأسندوا الرمح إلى الدير. فلما كان في نصف الليل رأى الراهب نورا من مكان الرأس إلى عنان السماء.

فأشرف على القوم وقال : من أنتم؟. قالوا : نحن أصحاب ابن زياد. قال : وهذا رأس من؟. قالوا : رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : نبيّكم؟!. قالوا : نعم. قال : بئس القوم أنتم ، لو كان للمسيحعليه‌السلام ولد لأسكنّاه أحداقنا!.

ثم قال : هل لكم في شيء؟. قالوا : وما هو؟. قال : عندي عشرة آلاف دينار ، تأخذونها وتعطوني الرأس ، يكون عندي تمام الليلة ، وإذا رحلتم تأخذوه؟. قالوا :وما يضرّنا!. فناولوه الرأس وناولهم الدنانير. فأخذه الراهب فغسّله وطيّبه ، وتركه على فخذه ، وقعد يبكي الليل كله.

فلما أسفر الصبح قال : يا رأس لا أملك إلا نفسي ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن جدك محمدا رسول الله ، وأشهد الله أنني مولاك وعبدك.

ثم خرج عن الدير وما فيه ، وصار يخدم أهل البيتعليهم‌السلام .

قال ابن هشام في (السيرة) : ثم إنهم أخذوا الرأس وساروا. فلما قربوا من دمشق ، قال بعضهم لبعض : تعالوا حتى نقسم الدنانير ، لا يراها يزيد فيأخذها منا.

٣٨٩

فأخذوا الأكياس وفتحوها ، وإذا الدنانير قد تحولت خزفا ، وعلى أحد جانبي الدينار مكتوب :( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) [إبراهيم : ٤٢] وعلى الجانب الآخر :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : ٢٢٧]. فرموها في (برداء) وهو نهر بدمشق.

دير النصارى

قصة الراهب رويت بأشكال متعددة ، والرواية التالية تذكر أحداثها في

(دير النصارى) والراوي هو (أسلم) الّذي علم أن الله لن يغفر له. وسترد قصته الأساسية عند الحديث على هند زوجة يزيد في دمشق ، في اليوم الثاني من إقامة السبايا هناك.

٤٧٩ ـ (رواية ثالثة) في دير النصارى :(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٨٤ ط ٣)

في كتاب (الخرايج والجرايح) للقطب الراوندي ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، قال : بينما أنا في الطواف بالموسم إذا رأيت رجلا يدعو وهو يقول : الله م اغفر لي ، وأنا أعلم أنك لا تغفر!.

قال : فارتعدت لذلك ، ودنوت منه وقلت : يا هذا أنت في حرم الله وحرم رسوله ، وهذه أيام حرم في شهر عظيم ، فلم تيأس من المغفرة؟!.

قال : يا هذا ذنبي عظيم. قلت : أعظم من جبل تهامة؟. قال : نعم. قلت : يوازن الجبال الرواسي؟. قال : نعم ، فإن شئت أخبرتك به. قلت : أخبرني. قال : اخرج بنا عن الحرم ، فخرجنا منه.

ما حصل للرأس الشريف في دير النصارى :

فقال لي : أنا أحد من كان في العسكر المشؤوم ، عسكر عمر بن سعد ، حين قتل الحسينعليه‌السلام . وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة.فلما حملناه على طريق الشام ، نزلنا على دير للنصارى ، وكان الرأس معنا مركوزا على رمح ، ومعه الأحراس. فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل ، فإذا بكفّ في حائط الدير تكتب (على الحائط) :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

٣٩٠

قال : فجزعنا من ذلك جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت.ثم عاد أصحابي إلى الطعام ، فإذا الكف قد عادت تكتب :

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فقام أصحابنا إليها ، فغابت. ثم عادوا إلى الطعام ، فعادت تكتب :

وقد قتلوا الحسين بحكم جور

وخالف حكمهم حكم الكتاب

فامتنعت وما هنّأني أكله.

ثم أشرف علينا راهب من الدير ، فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس ، فأشرف فرأى عسكرا.

فقال الراهب للحراس : من أين جئتم؟. قالوا : من العراق ، حاربنا الحسين.فقال الراهب : ابن فاطمة بنت نبيّكم ، وابن ابن عم نبيّكم!. قالوا : نعم. قال : تبّا لكم ، والله لو كان لعيسى بن مريم ابن لحملناه على أحداقنا!.

ولكن لي إليكم حاجة. قالوا : وما هي؟. قال : قولوا لرئيسكم : عندي عشرة آلاف دراهم ، ورثتها من آبائي ، يأخذها مني ويعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل ، فإذا رحل رددته إليه؟. فأخبروا عمر بن سعد بذلك [فيه توهّم ، فالذي أتى بالرأس إلى الشام هو زحر بن قيس ولم يكن عمر بن سعد معهم]. فقال : خذوا منه الدنانير وأعطوه الرأس إلى وقت الرحيل. فجاؤوا إلى الراهب فقالوا : هات المال حتى نعطيك الرأس ، فأدلى إليهم جرابين ، في كل جراب خمسة آلاف درهم. فدعا ابن سعد بالناقد والوزّان ، فانتقدها ووزنها ودفعها إلى خازن له ، وأمر أن يعطي الرأس.

ما فعل الراهب بالرأس الشريف :

فأخذ الراهب الرأس فغسّله ونظّفه وحشاه بمسك وكافور كان عنده ، ثم جعله في حريرة ووضعه في حجره [أي حضنه]. ولم يزل ينوح ويبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس. فقال : يا رأس ، والله لاأملك إلا نفسي ، فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمّد ، أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله. أسلمت على يديك وأنا مولاك.

وقال لهم : إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة وأعطيه الرأس ، فدنا عمر بن

٣٩١

سعد ، فقال : سألتك بالله وبحق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس ، ولا تخرج بهذا الرأس من هذا الصندوق. فقال له : أفعل. فأعطاه الرأس.ونزل الراهب من الدير يلحق ببعض الجبال يعبد الله. ومضى عمر بن سعد ففعل بالرأس مثلما كان يفعل في الأول.

الدنانير تتقلب خزفا :

فلما دنا من دمشق قال لأصحابه : انزلوا. وطلب من الجارية الجرابين فأحضرت بين يديه. فنظر إلى خاتمه ، ثم أمر أن يفتح ، فإذا الدنانير قد تحولت خزفية. فنظروا في سكّتها فإذا على جانبها مكتوب :( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) [إبراهيم : ٤٢] وعلى الجانب الآخر مكتوب :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : ٢٢٧]. فقال (ابن سعد) : إنا لله وإنا إليه راجعون ، خسرت الدنيا والآخرة.

ثم قال لغلمانه : اطرحوها في النهر ، فطرحت.

ورحل إلى دمشق من الغد ، وأدخل الرأس إلى يزيد.

(أقول) : لعل هذا الراهب أو أحد الرهبان الذين استضافوا رأس الحسينعليه‌السلام عندهم ، كان رساما ، فلما أخذ الرأس ونظّفه وعطّره ، أخذ ورقة ورسمه بوضعه الحاضر.

وقد رأيت في متحف الإمام الرضاعليه‌السلام في مشهد ، صورة لرأس الحسينعليه‌السلام من رسم راهب مسيحي ، منقولة عن النسخة الأصلية الموجودة في أحد متاحف إيطاليا ، وقد كتب تحت الصورة :

صورة الرأس المبارك لحضرة الحسين بن عليعليه‌السلام الّذي استشهد في الحرب سنة ٦١ ه‍ وكان عمره ٥٧ سنة. وهي منقولة عن صورة رسمها راهب مسيحي في ذلك الوقت ، والأصل موجود في متحف إيطاليا».

حجر قرب دمشق

٤٨٠ ـ قصة حجر قرب دمشق :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٠)

في (أسرار الشهادة) قال الدربندي : في موضع قريب من دمشق حجر عظيم هو شبيه بالأسد ، فإذا كان يوم عاشوراء يفور من موضع عينيه الدم الكثير. قيل : إنه وضع عليه رأس الحسينعليه‌السلام حين مسير الكفار وجند ابن زياد إلى الشام.

٣٩٢

٤٨١ ـ حال يزيد عند وصول البريد بمجيء رأس الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٣ ط ٢)

فلما وردوا إلى دمشق جاء البريد إلى يزيد ، وهو معصّب الرأس ، ويداه ورجلاه في طشت من ماء حار ، وبين يديه طبيب يعالجه. وعنده جماعة من بني أمية يحادثونه. فحين رآه قال له : أقرّ عينيك بورود رأس الحسين. فنظر شزرا ، وقال : لا أقرّ الله عينيك!.

ثم قال للطبيب : أسرع واعمل ما تريد أن تعمل.

قال : فخرج الطبيب عنه ، وقد أصلح جميع ما أراد أن يصلحه.

ثم إنه أخذ كتابا بعثه إليه ابن زياد وقرأه ، فلما انتهى إلى آخره عضّ على أنامله حتى كاد أن يقطعها ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون. ودفعه إلى من كان حاضرا ، فلما قرؤوه قال بعضهم لبعض : هذا ما كسبت أيديكم.

فما كان إلا ساعة ، وإذا بالرايات قد أقبلت ، ومن تحتها التكبير.

٤٨٢ ـ زحر بن قيس يقصّ على يزيد ما حدث في كربلاء :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٥٦ ؛ والإرشاد للمفيد ، ص ٢٤٥)

وسبق زحر بن قيس برأس الحسينعليه‌السلام إلى دمشق ، حتى دخل على يزيد فسلّم عليه ، ودفع إليه كتاب عبيد الله بن زياد. فأخذ يزيد الكتاب ووضعه بين يديه.

روى عبد الله بن ربيعة الحميري (وفي تذكرة الخواص : ربيعة بن عمر) قال : إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق ، إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه. فقال له يزيد :ويلك ما وراءك وما عندك؟. فقال زحر : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك وبنصره إياك ؛ فإنه ورد علينا الحسين بن علي في اثنين وثمانين رجلا من إخوته وأهل بيته وشيعته (وفي الإرشاد : في ثمانية عشر رجلا من أهل بيته ، وستين من شيعته) ، فسرنا إليهم ، وسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد ، فأبوا علينا ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فعدونا عليهم من شروق الشمس إلى أن أضحى النهار ، فأحطنا بهم من كل ناحية. حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام الرجال ، جعلوا يهربون إلى غير وزر [أي ملجأ] ويلوذون منا بالآكام والحفر ، كما يلوذ الحمام من الصقر. فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلا كجزر جزور ، أو كإغفاءة القائل [أي النائم بعد الظهر] حتى أتينا على آخرهم. فهذه رؤوسهم ،

٣٩٣

وهاتيك أجسادهم بالعراء مجرّدة ، وثيابهم بالدماء مزمّلة ، وخدودهم بالتراب معفّرة. تصهرهم الشمس وتسفي عليهم الريح. زوّارهم الرخم والعقبان ، والذئب والضبعان.

فأطرق يزيد ساعة ، ثم رفع رأسه وبكى. وقال : والله يا هذا لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. أما لو أني صاحبه لعفوت عنه ، ولكن قبّح الله ابن مرجانة [يقصد عبيد الله بن زياد].

جملة تعليقات :

من عادة الملوك ، وخاصة العتاة البغاة مثل يزيد ، أن يظهروا أنفسهم أمام الناس على غير حقيقتهم ، ولا يخفى ذلك على اللبيب. ففي المقطعين السابقين فقط يمكن أن نلاحظ ما يلي من الأكاذيب والمغالطات :

١ ـ استنكار يزيد على صاحب البريد تبشيره بوصول رأس الحسينعليه‌السلام ، ليوهم الحاضرين أنه غير راض عما حصل ، وأن ذلك كان تصرفا شخصيا من ابن زياد ، مع أنه هو الّذي أمره بقتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، وسبي عياله وأطفاله ، بتلك الحالة التي تنفطر منها قلوب الرجال فضلا عن صمّ الجبال.

٢ ـ عضّ يزيد على أنامله حتى كاد يقطعها حين قرأ رسالة عبيد الله بن زياد ، مع أنه هو الّذي أمره بإنجاز كل ما فعل ، لأن يزيد أصلا غير مؤمن لا بالحسين ولا بالإسلام ، كما تقرر كلماته وتصريحاته وأشعاره التي ذكرها فيما بعد.

٣ ـ صوّر زحر بن قيس ليزيد ومن في مجلسه ، أن الحسينعليه‌السلام وأصحابه جبناء يفرّون من وقع السيوف على الهام إلى الحفر والآكام ، وهذا تدليس على الواقع وقلب لكل الوقائع. فالبطولة التي أبداها الحسينعليه‌السلام وأصحابه لا زالت مثار إعجاب العالمين فضلا عن المسلمين ، فقد كانوا يلقون أنفسهم على المنية وكأنها الغادة الرعبوب.

٤ ـ كي يهوّن زحر ما حصل في كربلاء ، قال : فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلا كجزر جزور [أي المدة التي يستغرقها ذبح جمل] أو كإغفاءة القائل [أي غفوة الّذي ينام بعد الظهر] حتى أتينا عن آخرهم مع أن معركة كربلاء استمرت عدة ساعات ، رغم عدم التكافؤ الكلي بين عدد أنصار الحسينعليه‌السلام وهم في حدود المئة ، وبين أنصار يزيد وعددهم ينوف على ثلاثين ألفا.

٣٩٤

ملاحظة : تنصّ آخر رواية على أن زحر أدخل الرأس الشريف على يزيد قبل وصول السباياعليهم‌السلام والرؤوس الأخرى ، فإذا علمنا أن دخول السبايا إلى دمشق كان في ١ صفر ومعهم الرؤوس كلها في مهرجان كبير ، فكيف نوفّق بين الأمرين.

(أقول) : إذا صحت رواية زحر ، فلا بدّ أنهم أعادوا رأس الحسينعليه‌السلام بعد إدخاله على يزيد وضموه إلى بقية الرؤوس عند وصولها إلى دمشق. وعندما سمح يزيد لهم بالدخول ، أدخلوا السبايا والرؤوس ، يتقدمها رأس الحسينعليه‌السلام ، وكل رأس مرفوع على قناة ، وعدد الرؤوس ١٨ رأسا.

٣٩٥
٣٩٦

الفصل التاسع والعشرون

الرؤوس والسبايا في دمشق

ويتضمن :

ـ ورود السبايا على دمشق

ـ استقبال الرؤوس والسبايا خارج دمشق

ملف دمشق القديمة والمسجد الجامع

١ ـ تاريخ مدينة دمشق :

ـ دمشق العمّورية ـ الآرامية

ـ اليونانية ـ الرومانية ـ البيزنطية

٢ ـ دمشق الإسلامية ـ

قصر الخضراء ـ قصر يزيد ـ باب الساعات

٣ ـ أبواب دمشق العشرة ـ

استمرارية الأبواب

ـ أبواب دمشق الداخلية

٤ ـ المسجد الجامع ـ

مخطط المسجد الجامع

ـ المنارات والمآذن ـ القباب في الصحن

ـ قاعات المسجد ومشاهده

حوادث أول يوم من صفر

١ ـ دخول الرؤوس والسبايا دمشق

٢ ـ من أي الأبواب أدخلوا الرؤوس والسبايا؟

٣٩٧

٣ ـ مسيرة الرؤوس والسبايا في دمشق

٤ ـ استبشار يزيد

٥ ـ الرأس الشريف يتكلم!

٦ ـ خبر هند زوجة يزيد مع زينب العقيلةعليه‌السلام

٧ ـ موكب النصر يدخل دمشق

٨ ـ إيقاف السبايا على درج المسجد الجامع

ـ الشيخ المغرّر به

٩ ـ إدخال الرؤوس على يزيد :

ـ مدخل حول ترتيب الحوادث في اليوم الأول

ـ موقف مروان بن الحكم وأخيه عبد الرحمن

ـ حامل الرأس يشرح ليزيد ما حدث في كربلاء

ـ تعنيف هند لزوجها يزيد

ـ شمر يطلب الجائزة

١٠ ـ إدخال السبايا على يزيد في مجلس عام :

ـ كيف أدخل السبايا على يزيد وهم مقرّنون بالحبال

ـ من الّذي غلب؟

ـ نساء يزيد يولولن عند دخول السبايا

ـ محاورة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام ليزيد

١١ ـ إدخال الرأس المطهّر :

ـ يزيد يتفاخر على الحسينعليه‌السلام

ـ يزيد يضرب الرأس الشريف

ـ شماتة يزيد

١٢ ـ منكرون وناقمون :

ـ استنكار أبي برزة الأسلمي

ـ استنكار سمرة بن جندب

ـ استنكار الحسن البصري

١٣ ـ الشعر الّذي تمثّل به يزيد

ـ يزيد مع السجّادعليه‌السلام

ـ خطبة زينبعليه‌السلام بالشام

٣٩٨

ـ الشامي مع فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام

ـ زينبعليه‌السلام تشكك بإسلام يزيد

١٤ ـ صلب الرؤوس :

ـ خالد بن معدان يختفي

١٥ ـ حبس السبايا في الخربة

اليوم الثاني من صفر

١ ـ إحضار السبايا إلى مجلس يزيد مرة ثانية

اليوم الرابع من صفر

١ ـ رؤيا سكينةعليه‌السلام

٢ ـ يزيد يستشير النعمان بن بشير الأنصاري

الأيام التالية

١ ـ رؤيا الطفلة رقية بنت الحسينعليه‌السلام ووفاتها

٢ ـ مجالس الشراب :

ـ استنكار رأس الجالوت بن يهوذا

ـ استنكار جاثليق النصارى

ـ استنكار رسول ملك الروم وإسلامه ـ حديث كنيسة الحافر

يوم الجمعة الثامن من صفر

١ ـ الخطيب الأموي الّذي اشترى مرضاة المخلوق بسخط الخالق

٢ ـ خطبة زين العابدينعليه‌السلام على منبر مسجد دمشق

ـ حبر من أحبار اليهود ينتقد يزيد

ـ خبر المنهال بن عمرو

٣ ـ الإفراج عن السبايا :

ـ يزيد يستشير أهل الشام ماذا يفعل بالسبايا؟

ـ دخول السبايا على نساء يزيد في داره

ـ إنزال السبايا في دار تتصل بدار يزيد

٣٩٩

ـ إقامة المآتم على الحسينعليه‌السلام في دار يزيد ثلاثة أيام

ـ خبر السّبحة

اليوم التاسع من صفر

١ ـ إكرام يزيد لزين العابدينعليه‌السلام

ـ لماذا سمّى الحسينعليه‌السلام عدة من أولاده باسم أبيه عليعليه‌السلام

ـ مبارزة بين عمرو بن الحسنعليه‌السلام وخالد بن يزيد

ـ رؤيا عجيبة للرأس الشريف في بيت يزيد (قصة أسلم)

ـ هند زوجة يزيد ترى النور ينبعث من الرأس الشريف

٢ ـ رؤيا هند

ـ السبايا يطلبن النواحة على الحسينعليه‌السلام سبعة أيام

ـ الحاجات الثلاث التي وعد بها يزيد الإمام زين العابدينعليه‌السلام

٣ ـ خوف يزيد من ازدياد المعارضة عليه :

ـ نصيحة مروان بتسيير السبايا إلى المدينة

ـ أهل الشام ينتبهون من غفلتهم وينقمون على يزيد

ـ من الّذي قتل الحسينعليه‌السلام حقا

ـ ندم يزيد حين لا ينفع الندم

ـ الدوافع الحقيقية لتغيير يزيد معاملته مع زين العابدينعليه‌السلام

٤ ـ محاولة يزيد التنصل من جريمته :

ـ غضب يزيد على ابن زياد لتغطية جريمته

ـ تنصّل يزيد من دم الحسينعليه‌السلام وترحمه عليه

٥ ـ قتل الحسينعليه‌السلام ثأر لقتلى بدر من الكفار :

ـ كيفية حمل الرؤوس والسبايا إلى الشام

ـ موقف يزيد من ابن زياد

ـ الجريمة تلبس يزيد مهما حاول اختلاق المبررات والمعاذير

ـ يزيد هو الآمر الفعلي لقتل الحسينعليه‌السلام

٤٠٠

حوادث تالية

١ ـ تسيير الرأس الشريف إلى مصر :

ـ بدعة وضع الحدوة للبركة

ـ دفن الرأس الشريف في عسقلان

ـ نقل الرأس الشريف من عسقلان إلى الفسطاط (القاهرة)

ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام في مصر

ـ تعصب الإخشيديين على الشيعة في مصر

٢ ـ تسيير الرأس الشريف إلى المدينة

٣ ـ أحفاد الجناة في كربلاء

ـ تفاخر بعض الأسر الشامية بالمشاركة في قتل الحسينعليه‌السلام

٤ ـ مدفن رأس الحسينعليه‌السلام :

ـ في دمشق

ـ في المدينة

ـ في الكوفة

ـ في عسقلان ثم القاهرة

ـ في كربلاء

٤٠١
٤٠٢

الفصل التاسع والعشرون

الرؤوس والسبايا في دمشق

٤٨٤ ـ توقيت الحوادث في دمشق :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٠)

قال الفاضل الدربندي :

الغافل يظنّ أن ما وقع في أيام متعددة ، أنه وقع في يوم واحد ، وهو يوم دخول الحرم والسبايا دمشق ، بل يظنّ أيضا أن ما وقع من رخصة يزيد وإذنه لأهل البيتعليه‌السلام وغيرهم ، بأن يقيموا مأدبة المأتم والتعزية والندبة على سيد الشهداءعليه‌السلام ، فقد وقع أيضا في ذلك اليوم!. مع أن الأمر ليس كذلك أبدا.

وكيف لا؟ فإن وقوف أهل البيتعليه‌السلام ومكثهم في الحبس في المكان الخراب مما قد دلت عليه روايات معتبرة. ثم بعد غضّ النظر عن كل ذلك أقول : إن الرواة ما أجروا الكلام من جهة الترتيب على نهج واحد.

فإن أبا مخنف ذكر أولا ما نقلناه عنه من مقالات يزيد حين إحضاره الرأس الشريف بين يديه ، ثم ذكر دخول هند بنت عبد الله زوجة يزيد عليه. ثم ذكر دخول الشمر عليه. ثم ذكر قصة رأس الجالوت. ثم ذكر قضية جاثليق النصارى ، ثم ذكر قضية خروج جارية من قصر يزيد ، وقولها له : قطع الله يديك ورجليك. ثم بعد ذلك كله قال : ثم استدعى يزيد الحرم فوقفوا بين يديه ، فنظر إليهن وسأل عنهن إلى آخر ما ذكره.

ثم ذكر بعد ذلك قضية نقل سكينة ما رأته في منامها.

ثم ذكر قضية صعود الإمام زين العابدينعليه‌السلام على المنبر.

هذا والعجب منه حيث يستفاد من ظاهر كلامه أن كل ذلك إنما وقع في يوم واحد ، بل ما ذكر بعد ذلك أيضا ، وذلك من قضية أمر يزيد الناس بقراءة القرآن بعد الصلوات الخمس ، ومن قضية أن يزيد أقام خطيبا ، وقال : يا أهل الشام إني ما قتلت الحسين إلى آخر ما ذكره.

٤٠٣

هذا اللهم إلا أن يقال إن تلك القضايا وإن لم تكن واقعة في يوم واحد ، إلا أن مقصود أبي مخنف كان هو الإشارة إلى محض الترتيب ، ولم يلاحظ في ذلك تعيين يوم كلّ واقعة من الوقائع ، ولا ذكر الأيام على نهج التفصيل.

وكيف كان ، فإن الظاهر من كلمات غير أبي مخنف أن ساعة أمر يزيد بإحضار الرؤوس المطهرة الى مجلسه في اليوم الّذي دخل الحرم والسبايا دمشق ، كانت ساعة أمره بإحضار الحرم والسبايا أيضا إلى مجلسه

ورود السبايا على دمشق

٤٨٥ ـ خولي يطلب من يزيد الخروج لاستقباله :

(نور العين في مشهد الحسين لأبي اسحق الإسفريني ، ص ٨٧)

ثم كتب (خولي) إلى يزيد كتابا يقول فيه : نهنّئ أمير المؤمنين ونعلمه أن معنا رأس عدوك الحسين وحريمه وأطفاله ، ونحن قريب من دمشق ، فاخرج لنا وتلقّنا.

ثم طوى الكتاب وأرسله مع رسول من عنده. فلم يزل سائرا إلى أن دخل دمشق ، وسلّم الكتاب ليزيد ، فقرأه وفهم معناه.

فأمر بتجهيز العساكر فجهزوا ، ثم أمرهم أن يخرجوا لملاقاتهم. فخرجوا من باب (جيرون) وباب (توما) وهم عشرون ألفا ، ومعهم الرايات منشورة ، وألسنتهم بالتهليل والتكبير مشهورة. ولم يزالوا حتى لاقوا القوم ، وأتوا بهم إلى دمشق.

وفي (مقتل أبي مخنف) ص ١٢١ قال :

وأمر يزيد بمائة وعشرين راية ، وأمرهم أن يستقبلوا رأس الحسينعليه‌السلام فأقبلت الرايات ومن تحتها التكبير والتهليل ، وإذا بهاتف ينشد ويقول :

جاؤوا برأسك يابن بنت محمّد

متزمّلا بدمائه تزميلا

لا يوم أعظم حسرة من يومه

وأراه رهنا للمنون قتيلا

فكأنما بك يابن بنت محمّد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

ويكبّرون بأن قتلت ، وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

٤٠٤

استقبال الرؤوس والسبايا خارج دمشق

٤٨٦ ـ تزيين دمشق الشام :

(حياة الإمام الحسينعليه‌السلام لباقر شريف القرشي ، ج ٣ ص ٣٦٨)

وأمرت حكومة دمشق الدوائر الرسمية وشبه الرسمية والمحلات العامة والخاصة بإظهار الزينة والفرح ، للنصر الّذي أحرزته في قتل الحسينعليه‌السلام وسبي ذريته.

ويصف بعض المؤرخين تلك الزينة بقوله(١) :

ولما بلغوا (أي السبايا) ما دون دمشق بأربعة فراسخ ، استقبلهم أهل الشام ، وهم ينثرون النّثار(٢) فرحا وسرورا ، حتى بلغوا بهم قريب البلد ، فوقفوهم عن الدخول ثلاثة أيام وحبسوهم هناك ، حتى تتوفر زينة الشام ، وتزويقها بالحلي والحلل والحرير والديباج ، والفضة والذهب وأنواع الجواهر ، على صفة لم ير الراؤون مثلها ، لا قبل ذلك اليوم ولا بعده.

٤٨٧ ـ استقبال أهل الشام للسبايا :

(المصدر السابق)

ثم خرجت الرجال والنساء والأصاغر والأكابر والوزراء والأمراء ، واليهود والمجوس والنصارى وسائر الملل إلى التفرّج ، ومعهم الطبول والدفوف والبوقات والمزامير ، وسائر آلات الله وو الطرب. وقد كحلوا العيون وخضبوا الأيدي ، ولبسوا أفخر الملابس وتزينوا أحسن الزينة. ولم ير الراؤون أشدّ احتفالا ولا أكثر اجتماعا منه ، حتى كأن الناس كلهم قد حشروا جميعا في صعيد دمشق.

٤٨٨ ـ بقاء الرؤوس والسبايا ثلاثة أيام خارج دمشق ريثما تقام مراسم الزينة لمهرجان النصر :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣)

عن (كامل البهائي) : أوقفوا أهل البيتعليه‌السلام على باب الشام ثلاثة أيام ، حتى يزيّنوا البلد. فزيّنوها بكل حلي وزينة ومرآة كانت فيها ، فصارت بحيث لم تر عين مثلها.

__________________

(١) حجة السعادة في حجة الشهادة.

(٢) النّثار : ما ينثر في حفلات السرور من حلوى أو نقود.

٤٠٥

٤٨٩ ـ كيف استقبلهم أهل الشام :(المصدر السابق ، ص ٨٤)

ثم استقبلهم من أهل الشام زهاء خمسمائة ألف [نصف مليون] من الرجال والنساء مع الدفوف. وخرج أمراء الناس مع الطبول والصنوج والبوقات. وكان فيهم ألوف من الرجال والشبان والنسوان يرقصون ويضربون بالدفّ والصنج والطنبور. وقد تزيّن جميع أهل الشام بأنواع الثياب والكحل والخضاب. وكان خارج البلدة من كثرة الخلائق كعرصة المحشر ، يموج بعضها في بعض.

فلما ارتفع النهار أدخلوا الرؤوس البلد ، ومن ورائها الحرم والأسارى من أهل البيتعليهم‌السلام .

٤٩٠ ـ عجوز على الروشن تضرب رأس الحسينعليه‌السلام بحجر :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣)

عن أبي مخنف ، قال سهل : ورأيت روشنا عاليا [الرّوشن : هو الرف أو الشرفة] فيه خمس نسوة ومعهن عجوز محدودبة الظهر. فلما صارت بإزاء رأس الحسينعليه‌السلام وثبت العجوز وأخذت حجرا وضربت به ثنايا الحسينعليه‌السلام .

فلما رأى علي بن الحسينعليه‌السلام ذلك دعا عليها ، وقال : الله م عجّل بهلاكها وهلاك من معها. فما استتم دعاءه حتى سقط الروشن ، فسقطن بأجمعهن ، فهلكن وهلك تحته خلق كثير.

(وفي رواية أخرى) أن الملعونة اسمها (أم هجّام) ، فلما رأت رأس الحسينعليه‌السلام وهو على رمح طويل ، وشيبته مخضوبة بالدماء ، قالت : لمن هذا الرأس المتقدم ، وما هذه الرؤوس التي خلفه؟. فقالوا لها : هذا رأس الحسين وهذه رؤوس أصحابه. ففرحت فرحا عظيما ، وقالت : ناولوني حجرا لأضرب به رأس الحسين ، فإن أباه قتل أبي وبعلي [أي زوجي]. فناولوها حجرا فضربت به وجه الحسينعليه‌السلام .

وقيل : ضربت ثنايا الحسينعليه‌السلام فأدمته ، وسال الدم على شيبته.

٤٩١ ـ خبر العجوز أم هجّام :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٣١١)

قال الفاضل الدربندي : لما قرب السبايا من دمشق مرّوا بقصر عال ، وكانت عجوز جالسة فيه يقال لها أم هجّام ، ومعها وصائفها وجواريها. فلما رأت رأس

٤٠٦

الإمام المظلومعليه‌السلام وهو على قناة طويلة وشيبه مخضوب بالدماء ، قالت العجوز :ما هذا الرأس المتقدم ، وما هذه الرؤوس المشالة على الرماح؟. فقيل لها : إن هذا رأس الحسينعليه‌السلام ، وهذه رؤوس إخوته وأولاده وعترته. ففرحت فرحا عظيما ، فقالت لواحدة من وصائفها : ناوليني حجرا لأضرب به وجه الحسين. فأتتها فضربت به رأس الحسينعليه‌السلام ، فسال الدم على وجهه وشيبه.

فالتفتت إليه أم كلثوم ، فرأت الدم الجديد سائلا على وجهه ولحيته ، فلطمت وجهها ونادت : وا غوثاه وا مصيبتاه وا محمداه وا علياه وا فاطمتاه وا حسناه وا حسيناه.ثم غشي عليها.

فقالت زينبعليه‌السلام : من فعل هذا بوجه أخي ونور بصري؟. فقيل لها : هذه العجوز الملعونة. فقالت : اللهم أهجم عليها قصرها ، وأحرقها بنار الدنيا قبل نار الآخرة.

قال : فما استتم كلامها إلا وقد هجم عليها قصرها ، وأضرمت النار فيه ، فماتت واحترقت. وهكذا كلّ من كان معها في القصر.

فقالت زينبعليه‌السلام : الله أكبر من دعوة ما أسرع إجابتها.

٤٩٢ ـ أم كلثوم تطلب من شمر تقديم الرؤوس على السبايا ، ليشتغل الناس بها عن النظر إليهن :

(مثير الأحزان ، ص ٧٧ ؛ واللهوف ، ص ٧٣)

ولما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر ، فقالت له : لي إليك حاجة!.فقال : ما حاجتك؟. قالت : إذا دخلت بنا البلد ، فاحملنا في درب قليل النظّارة ، وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحّونا عنها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ، ونحن في هذه الحال. فأمر في جواب سؤالها أن تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا ، وسلك بهم [طريقا] بين النظارة على تلك الصفة ، حتى أتى بهم باب دمشق. فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي.

٤٠٧

ملف : دمشق القديمة والمسجد الجامع

لمحة عن دمشق القديمة

والمسجد الجامع

١ ـ تاريخ مدينة دمشق

كانت دمشق منذ آلاف السنين بحيرة مترامية الأطراف تسمى «بحيرة دمشق الكبرى» ، تبدأ من خانق الربوة غربا ، وتنتهي بالعتيبة شرقا. وهذه البقعة بما حباها الله من تكوين ومعطيات بدت وكأنها قطعة من الجنة. فجبل قاسيون يحرسها من الشمال الغربي ، وسلسلته الممتدة إلى الزبداني خضعت في العصور الجيولوجية الموغلة في القدم لهدم شديد عجيب ، شقّ فيها أخدودا عميقا ، ثم فجّر منها ينابيع أجرت في الأخدود أنهارا ، مما شكّل في وهدتها بحيرة عظيمة عذبة المياه ، تحيط بها المرتفعات من كل جانب ، وتمتد إلى الشرق إلى ما يسمى اليوم بحيرة العتيبة.وحول هذه البحيرة العظيمة تكاثفت الأشجار وغرّدت الأطيار ، فإذا أنت وكأنك تعيش في فردوس من الجنة.

وكانت مياه الأمطار التي تهطل في ذلك الوقت على المنطقة غزيرة جدا ، مما سمح بتشكل تلك البحيرة العظمى.

ثم ما برحت المياه مع الزمن تنقص رويدا رويدا ، لتبدّل مناخ المنطقة وسيره نحو الجفاف ، فبدأت البحيرة الكبرى تصغر شيئا فشيئا ، وتبدو التلال الموجودة فيها.وكان الإنسان يعيش في تلك الفترة في المناطق العالية من جبل قاسيون ، وخاصة في منطقة برزة ، التي كانت منطقة الكهوف. ومع انحسار البحيرة بدأ الإنسان ينزل مقتربا من البحيرة. ولما كانت البحيرة مليئة بأنواع السمك ، فكنت ترى على أحد التلال وسط البحيرة صيادي السمك يدلون بقصباتهم إلى الماء لصيد السمك ، فسمّي هذا التل لذلك : تلّة السمّاكة. وكانت تبدو وسط البحيرة المنحسرة أربع تلات بارزة ، هي : تلة السماكة ، والتلة الواقعة في مكان الخراب (تلة الحمراوي) ، وتلة القصاع (سفل التلة). وأما التلة الثالثة فهي أكبرها ، وهي التي أنشئ عليها فيما بعد المعبد ، الّذي تحوّل إلى المسجد الأموي اليوم ، بينما بني القصر الآرامي على تلة السماكة.

٤٠٨

واستمر انحسار البحيرة الصافية حتى زالت (منذ ٩ آلاف سنة) ، تاركة مكانها سبعة فروع لنهر بردى ، تخترق البقعة من الغرب إلى الشرق ، ثم تجتمع لتصبّ في بحيرة العتيبة ، التي هي البقية الباقية من بحيرة دمشق الكبرى.

ومرت السنون ومرّ في تلك الواحة الساحرة (منذ ٧ آلاف سنة) دمشق بن إرم بن سعد بن عاد من أحفاد سام بن نوحعليه‌السلام وقد أتى من اليمن ، فأعجب بتلك الآية الإلهية وخلبت لبّه ، ففكر ببناء مدينة في تلك المنطقة ، فكانت دمشق. وأول ما بدأ بعمله هو بناء المعبد ، وكان له ولدان : أحدهما اسمه (جيرون) والآخر (بريد) ، فبنى لهما قصرين على أعمدة ، أحدهما من الشرق (وهو قصر جيرون) ، والآخر من الغرب (وهو قصر بريد) ، وفتح لكل قصر منهما بابا إلى المعبد ، فسمّي كل واحد من القصرين باسم صاحبه.

دمشق العمورية

(٣٥٠٠ ـ ١٥٠٠ ق. م)

بدأت دمشق تأخذ شكلها كبلدة هامة في عهد العمّوريين الذين غزوها من الشمال ، وكانت تضمّ المعبد (حدد) وأبوابه الخارجية الأربعة : باب جيرون من الشرق ، وباب الفراديس من الشمال ، وباب البريد من الغرب ، والباب الجنوبي الّذي كان يمتد منه طريق مباشر إلى قصر الملك ، الّذي يقع في جنوب المعبد عند الشارع المستقيم (مدحت باشا اليوم) ، وذلك قريبا من تلّة السمّاكة.

(الشكل ١٥)

مخطط دمشق العمورية

٤٠٩

فكانت دمشق في العهد العمّوري عبارة عن مستطيل يحده من الشمال نهر بردى (فرع بانياس) ، ويمتد من الجنوب إلى تلة السماكة ، وكانت دمشق تضم المعبد شمالا والقصر جنوبا ، وبينهما أسواق البيع (ومنها سوق البزورية اليوم).

دمشق الآرامية (١٥٠٠ ـ ٧٠٠ ق. م)

ولما نزح الآراميون من الجزيرة العربية وجاؤوا سورية (بعد ألف عام من العموريين) ، ضاقت بهم دمشق وسورها القديم ، حين اتخذوها عاصمة لهم ، فأنشؤوا سورا جديدا أوسع من الأول ، امتد شرقا إلى جادة باب توما التي تنتهي بالقشلة. ومن الجنوب إلى ساحة الخضرة (نهاية شارع الأمين). ومن الغرب إلى بيمارستان نور الدين في أول الحريقة. أما من الشمال فقد كان توسع السور ضئيلا لوجود النهر ، وقد وصل قريبا من مقام السيدة رقيةعليه‌السلام اليوم.

دمشق اليونانية (٣٣٣ ـ ٦٤ ق. م)

استمر حكم الآراميين لدمشق ٨٠٠ عام ، ثم قام الإسكندر المقدوني بهجومه الواسع على الشرق ، فوقعت دمشق تحت الحكم اليوناني. وفي هذه الفترة توسعت دمشق شرقا ، فبنى اليونانيون حي القصاع خارج السور الآرامي ، وسكنوه.

وظهر أثر اليونان في دمشق في طريقة البناء ، وخصوصا في ذلك العنصر الأساسي لكل مدينة ، وهو الساحة العامة المعروفة باسم (آغور arogA ) حيث تقام السوق ويجتمع المواطنون ويحتفلون (انظر الشكل ١٦). ويصل بين الساحة والمعبد طريق رئيسي هو شارع النوفرة اليوم ، الذي مرّت منه الرؤوس وسبايا أهل البيتعليهم‌السلام بعد دخولهم من باب توما في طريقهم إلى قصر يزيد.

دمشق الرومانية (٦٤ ق. م ـ ٦٣٥ م)

وفي عام ٦٤ ق. م احتل الرومان دمشق. ونتيجة التوسع المستمر اضطروا لبناء سور جديد هو السور الحالي تقريبا. وفتحوا طريقا رئيسيا يخترق دمشق من الشرق (باب شرقي) إلى الغرب (باب الجابية) سمّوه الشارع المستقيم ، ويسمى اليوم السوق الطويل (أو سوق مدحت باشا) بطول ١٥٠٠ م.

وقد أقام الرومان فوق معبد (حدد) معبدا وثنيا للإله جوبيتر (نجم المشتري). ولا تزال بعض آثاره الضخمة الشاهقة ماثلة حتى اليوم ، كما في باب البريد ، الّذي هو الباب الغربي للمعبد.

٤١٠

(الشكل ١٦) : دمشق اليونانية

ولا بأس أن ننوه أن لكل باب من أبواب المعبد الأربعة بابين : باب ملاصق للمعبد ، وباب يبعد عنه قليلا ، وبينهما ممر مغطى برواق على هيئة دهليز محمول على قناطر. ويظهر هذا جليا في باب جيرون الشرقي ، فالباب الشرقي للجامع الأموي اسمه باب جيرون ، وعلى بعد ٥٠ مترا منه إلى الشرق يقع باب ضخم له بوابة رئيسية وبابين صغيرين على جنبيه ، ويدعى هذا الباب أيضا باب جيرون ، وبين البابين سوق صغير يدعى سويقة جيرون ، تقع فيه النوفرة. ولتمييز هذا الباب عن باب الجامع اعتمدنا على تسميته باب جيرون الداخلي.

دمشق البيزنطية

(٣٩٥ ـ ٦١٤ م)

وما لبث الأمر حتى جاء البيزنطيون ، وهم نصارى اتخذوا القسطنطينية عاصمة لهم ، فهدموا المعبد ، وأقاموا في نصفه الغربي كنيسة سميت باسم (كنيسة يوحنا المعمدان) على اسم النبي يحيىعليه‌السلام .

ثم احتل دمشق الفرس الساسانيون فترة من الزمن ، حتى فتحها المسلمون.

٤١١

٢ ـ دمشق الإسلامية

(٦٣٥ م ـ حتى الآن)

فتح المسلمون مدينة دمشق عام ٦٣٥ م [١٣ ه‍] ، وعيّن عمر بن الخطاب أميرا عليها معاوية بن أبي سفيان. وكان من شروط الفتح أن يكون نصف المعبد الشرقي للمسلمين ، ونصفه الغربي للمسيحيين ، حيث كانت في هذا النصف كنيستهم المشهورة المسماة كنيسة يوحنا المعمدان. وظل المسلمون إلى عهد عبد الملك بن مروان يصلّون في النصف الشرقي ، حيث عملوا فيه محرابا سمّوه محراب الصحابة ، وهو آخر محراب من محاريبه الأربعة اليوم ، من الجهة الشرقية للمسجد.

قصر الخضراء

حين حوّل الرومان معبد (حدد) إلى معبد جوبيتر ، بنوه على نظام السورين :الكبير هو سور الحرم ، والصغير هو سور المعبد (انظر الشكل ١٧). ولما جاء المسيحيون جعلوا الجزء الغربي من المعبد كنيسة. وعند الفتح الإسلامي جعل المسلمون الجزء الشرقي من المعبد مسجدا.

ولما حكم معاوية دمشق وجد الحاجة ماسة إلى بناء قصر له ، فلم يجد أفضل من الفراغ الجنوبي الشرقي الواقع بين سور المعبد وسور الحرم ، لبناء ذلك القصر ،

٤١٢

لا سيما وأنه قريب من المسجد ، ومن الأماكن القليلة المتروكة بلا بناء في المدينة.فبنى دار الإمارة إلى الجنوب الشرقي من المسجد بدون فاصل ، وسماها الخضراء نسبة إلى القبة الخضراء التي كانت تعلوها.

وتحول القصر بعد معاوية إلى دار للملك ، يقطنها من يتولى الخلافة من بني أمية. ثم تهدم القصر حين أحرقه العباسيون ، وبني مكانه ما يسمى اليوم سوق الصاغة (القديمة).

وكان قبر معاوية في الحديقة الشرقية لقصر الخضراء ، فظل حتى اليوم ضمن المنطقة التي تسمى" زقاق الخضراء". وقد أوهم الأمويون الناس أن قبر معاوية في باب الصغير ، حتى لا ينبشه العباسيون ويحرقوه.

قصر يزيد (جيرون سابقا)

وكان من الطبيعي أن يؤمّن معاوية لأبنائه قصورا ، لا سيما لولده الوحيد المدلل يزيد ، فأعطاه القصر الشرقي (جيرون) الملاصق للمعبد من الجهة الشمالية الشرقية. وحين تولى يزيد السلطة بعد أبيه ، جعل قصر الخضراء لأمور الحكم والقضاء ، بينما خصص قصره الخاص لأهل بيته ولمنامه ، حيث أدخل عليه الرؤوس والسبايا ، وظهرت كرامات الرأس الشريف ، وذلك عندما وضع في إحدى غرف القصر ، التي تعرف اليوم باسم «مشهد رأس الحسينعليه‌السلام » وبجانبها الغرفة التي فيها المحراب الّذي كان يصلي فيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام حين قرّبه يزيد وأدخله قصره لغايات سياسية.

وحين جاء الوليد بن عبد الملك ، كانت الحساسية قد اشتدت بين المسلمين والمسيحيين ، نتيجة تداخل أصوات النواقيس والأذان ، وكان في همه توسيع المسجد ، فاشترى الكنيسة ، وأعاد بناء مكان المعبد كله كمسجد فخم ، وحوّل المنارتين الشرقية والغربية إلى مئذنتين ، وبنى مئذنة جديدة على الطراز الإسلامي في منتصف السور الشمالي ، سميت لجمالها : مئذنة العروس.

وكان دخول الناس إلى المعبد في عهد معاوية من الباب الروماني الكبير الواقع في منتصف السور الجنوبي للمعبد ، فيدخل المسلمون من اليمين إلى مسجدهم ، ويدخل المسيحيون من اليسار إلى كنيستهم. ولما أعاد الوليد عمارة المسجد سدّ

٤١٣

هذا الباب لقربه من قصر الخضراء ، وشقّ عوضا عنه بابا جديدا سمّي «باب الزيادة» ، وهو باب الصاغة اليوم.

باب الساعات

وأنشئت فيما بعد عند هذا الباب ساعة ميكانيكية ، فسمي باب الساعات. وظل الأمر كذلك حتى احترق قصر الخضراء ، فانتقل مدخل القصر من الجهة الجنوبية للمسجد إلى الجهة الشرقية حيث سويقة جيرون (النوفرة) ، وأقيمت عند باب المسجد (جيرون) ساعة عظيمة عوضا عن السابقة. وقد وصف ابن جبير هذه الساعة في رحلته. وهذان البابان لا علاقة لهما بباب الساعات الّذي ورد ذكره في النصوص القديمة ، وهو أحد الأبواب التي أوقف رأس الحسينعليه‌السلام عندها قبل إدخاله إلى يزيد في قصره.

وستجد تحقيقا ولأول مرة عن هذا الباب فيما بعد.

٣ ـ أبواب دمشق العشرة

كانت أبواب دمشق في عهد معاوية ويزيد هي الأبواب الرومانية. ويمكن النظر إلى دمشق القديمة على أنها نصف دائرة قطرها الشمالي يشكل نهر بردى. ومن هذه الجهة الشمالية يقع باب توما وباب الفراديس. ويحدها من الشرق باب شرقي ، ومن الغرب باب الجابية ، وبينهما الشارع المستقيم الوحيد في دمشق ، وهو الشارع الّذي بناه الرومان ، ويسمى اليوم السوق الطويل ، أو سوق مدحت باشا. ويحدها من الجنوب باب كيسان ، وباب الصغير (انظر الشكل ١٨). وقد أنشأ المسلمون فيما

(الشكل ١٨)

أبواب دمشق القديمة

٤١٤

بعد عدة أبواب ، مثل باب الجنيق وباب السلامة وباب الفرج وباب النصر. فصار مجموع الأبواب عشرة.

استمرارية الأبواب

تعرضت دمشق القديمة إلى التوسع عبر آلاف السنين ، مما شكّل لها عدة أسوار :السور العمّوري ، والسور الآرامي ، والسور الروماني ، وهو نفسه الإسلامي.والذي يلفت نظرنا في هذا الموضوع هو التوسع من جهة الشمال ، أعني من جهة باب الفراديس. فليس غريبا أن نرى اليوم ثلاثة أسوار متقاربة من هذه الجهة ، توافقها ثلاثة أبواب كلها تدعى باب الفراديس ؛ الأول العموري (وهو القريب من المسجد) ، والأوسط الآرامي ، والثالث الروماني (وهو البعيد). والأخير هو الّذي ظل حتى اليوم ، بينما أهمل البابان الآخران وزالا.

وفي حين نجد بعدا واضحا بين هذه الأسوار الثلاثة من الجهات الأخرى ، فإننا نرى اقتراب هذه الأسوار من بعضها من الناحية الشمالية ، وذلك لعدم إمكانية التوسع من هذه الجهة لوجود نهر بردى (فرع بانياس) الذي يجري ملاصقا للسور الشمالي.

وسوف نتكلم عن هذه الأبواب الشمالية بالتفصيل فيما بعد ، عند كلامنا عن استمرارية الأبواب.

أبواب دمشق الداخلية

يظهر في (الشكل ١٧) كيف أن لكل باب من أبواب المسجد الجامع دهليزا مغطى يمتدّ إلى مسافة عشرات الأمتار ، يدخل من خلاله إلى المسجد. وفي نهاية كل دهليز باب كبير يسمى بنفس الاسم. ولتمييز هذا الباب عن باب المسجد نضيف إليه كلمة (داخلي). فباب جيرون وهو الباب الشرقي للمسجد له دهليز طويل يدعى سويقة جيرون ، وينتهي الدهليز من الشرق بباب ضخم يدعى باب جيرون الداخلي ، ولهذا الباب الرئيسي بابان صغيران عن يمينه وعن شماله. وقد تهدم أعلى القوس بينما ظل البابان الجانبيان ، اللذان طمر قسمهما الأكبر تحت الأرض نتيجة علو سطح الأرض عدة أمتار عن السابق نتيجة الزلازل والحروب. ولباب البريد وهو الباب الغربي للمسجد دهليز مشابه للسابق ، وهو ما كان يسمى بالمسكية ، ينتهي من

٤١٥

الغرب بباب ضخم هو باب البريد الداخلي ، الّذي بقيت بعض آثاره وتهدّم البعض الآخر ، ولا يزال جزء عال منه ماثلا للعيان ، وهو من العهد الروماني.

وأما من الجهة الشمالية ، فلباب الفراديس (الناطفيين) دهليز أيضا ، لكن بابه الداخلي غير موجود اليوم.

وأما باب الزيادة ، فكان له دهليز مغطى ، ولا تزال بقايا الأعمدة التي كانت تحمل الأقواس على الصفين ، ولا نعلم إن كان له باب داخلي أم لا.

٤ ـ المسجد الجامع

يسمى أكبر مسجد في دمشق بجامع دمشق ، أو المسجد الجامع. وهو الذي يعرف اليوم بجامع بني أمية.

لقد كان موقع هذا المسجد مكانا مخصصا للعبادة منذ القديم ، فكان معبد (حدد) في عهد الآراميين ، ثم معبد (جوبيتر) في عهد الرومان ، ثم كنيسة يوحنا المعمدان في عهد البيزنطيين ، إلى أن تمّ تحويله إلى مسجد إسلامي في عهد الوليد بن عبد الملك.

مخطط المسجد الجامع

يتألف الجامع من قسم شمالي مكشوف هو الصحن ، تحيط به أروقة مسقوفة ، ومن قسم جنوبي مغطى هو حرم المسجد المعدّ للصلاة.

المنارات والمآذن

كان في الزوايا الأربع للمعبد أربع صوامع (أبراج) قبل أن يصير جامعا ، فتهدمت الصومعتان الشماليتان من القديم ، ولم تجددا.

ولما بنى الوليد المسجد رفع فوق الصومعتين الجنوبيتين ، المئذنتين الشرقية والغربية ، وبنى مئذنة العروس في وسط الجدار الشمالي. وتسمى المئذنة الشرقية مئذنة عيسىعليه‌السلام لأنه يقال إن عيسىعليه‌السلام سوف ينزل منها في آخر الزمان. بينما تسمى المئذنة الغربية مئذنة قايتباي ، لأنه أعاد بناءها السلطان المملوكي قايتباي عام ٨٩٣ ه‍ بعد أن احترقت.

٤١٦

(الشكل ١٩) : مخطط المسجد الجامع

٤١٧

القباب في الصحن

هناك ثلاث قباب في الصحن :

الأولى : القبة الغربية ، وتسمى قبة المال أو قبة الخزنة ، وهي أكبرها ، وكان فيها مصاحف بالخط الكوفي ، ثم نقلت إلى اسطنبول. وقيل إنها كانت مخزنا لمال الجامع وهداياه الثمينة.

الثانية : القبة الشرقية ، وتعرف بقبة زين العابدينعليه‌السلام ، ويقال إنها بنيت في زمن المستنصر العبيدي سنة ٤٥٠ ه‍ ، وكتب عليها اسمه وأسماء الأئمة الاثني عشرعليه‌السلام . ثم سميت قبة الساعات ، إذ كانت فيها ساعات المسجد.

الثالثة : القبة المضروبة على بركة الماء وسط الصحن ، وهي قبة صغيرة مثمنة في وسطها أنبوبة نحاس تمجّ الماء ، بنيت لوضوء المصلّين سنة ٣٦٩ ه‍. وقد أزيلت من فترة ، ثم أعيد إنشاؤها كالسابق.

قاعات المسجد ومشاهده

توجد في الجهات الأربع من الجامع أربع قاعات كبيرة مستطيلة ، موزعة على جانبي البابين الشرقي والغربي ، سمّيت بالمشاهد ، ونسبت إلى الخلفاء الراشدين الأربعة. الأولى إلى يسار الداخل من باب البريد ، وتدعى مشهد عثمان ، وهي قاعة الاستقبال اليوم. والثانية إلى يمين الداخل من هذا الباب ، وتدعى مشهد عمر.والثالثة إلى يسار الداخل من باب جيرون ، وتدعى مشهد أبي بكر. والرابعة إلى يمين الداخل من هذا الباب ، وتدعى مشهد الإمام علي ابن أبي طالبعليه‌السلام ، ويتصل بها مشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ومشهد رأس الحسينعليه‌السلام . والمشهدان الأخيران هما جزء من قصر يزيد.

وستجد وصفا مفصلا للمشاهد الثلاثة الأخيرة فيما بعد.

٤١٨

حوادث أول يوم من صفر

(يوم الجمعة أول صفر سنة ٦١ ه‍)

دخول الرؤوس والسبايا دمشق

٤٩٣ ـ يوم دخول الرؤوس والسبايا إلى دمشق :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣)

في (نفس المهموم) : قال الكفعمي وشيخنا البهائي والمحدّث الكاشاني :

في أول يوم من صفر أدخل رأس الحسينعليه‌السلام إلى دمشق الشام(١) وهو عيد عند بني أمية ، وهو يوم تتجدد فيه الأحزان عندنا.

٤٩٤ ـ عيد بعاصمة الخلافة الأموية :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦)

قال سهل بن سعد الشهرزوري :

خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام ، فإذا أنا بمدينة مطّردة الأنهار كثيرة الأشجار ، قد علّقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول. فقلت في نفسي : لعل لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن!. فرأيت قوما يتحدثون ، فقلت : يا هؤلاء ، ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟. قالوا : يا شيخ نراك غريبا. فقلت : أنا سهل ابن سعد ، قد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحملت حديثه. فقالوا : يا سهل ما أعجبك [أن] السماء لا تمطر دما ، والأرض لا تخسف بأهلها؟!. قلت : ولم ذاك؟. فقالوا : هذا رأس الحسين ثمرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهدى من أرض العراق إلى الشام ؛ وسيأتي الآن!. قلت :وا عجباه أيهدى رأس الحسينعليه‌السلام والناس يفرحون!. فمن أي باب يدخل؟.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٢٨٩ :

__________________

(١) يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في حاشية ص ٤٤٧ من مقتله : نصّ عليه (كامل البهائي)و (الآثار الباقية) للبيروني و (المصباح) للكفعمي ، ص ٢٦٩ و (تقويم الحسنين) للفيض ، ص ١٥.

وبناء على ما في (تاريخ الطبري) من حبسهم في السجن إلى أن يأتي البريد من الشام بخبرهم ، يبعد وصولهم إلى الشام في أول صفر ، فإن المسافة بعيدة تستدعي زمنا طويلا ، اللهم إلا أن يكون البريد من طريق (الطير الزاجل).

٤١٩

فقالوا : الرأس يدخل من هذا الباب. فوقفت هناك ، وكلما تقدموا بالرأس كان أشدّ لفرحهم وارتفعت أصواتهم. وإذا برأس الحسينعليه‌السلام والنور يسطع من فيه كنور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلطمت على وجهي وقطعت أطماري وعلا بكائي ونحيبي ، وقلت : وا حزناه للأبدان السليبة النازحة عن الأوطان ، المدفونة بلا أكفان. وا حزناه على الخدّ التريب ، والشيب الخضيب. يا رسول الله ليت عينك ترى رأس الحسينعليه‌السلام في دمشق يطاف به في الأسواق ، وبناتك مشهورات على النياق ، مشقّقات الذيول والأزياق(١) ، ينظر إليهم شرار الفسّاق!. أين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يراكم على هذا الحال

من أيّ الأبواب أدخلوا الرؤوس والسبايا؟

٤٩٥ ـ من أيّ الأبواب أدخلوا الرؤوس والسبايا؟ :

نستعرض أولا الروايات ، ثم نحاول التوفيق بينها ، ثم نخلص إلى النتيجة.

يورد الخوارزمي في مقتله روايتين :

الأولى : قال سهل بن سعد : فمن أي باب يدخل؟. فأشاروا إلى باب يقال له باب الساعات ، فسرت نحو الباب. فبينما أنا هناك ، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا.

الثانية : إن السبايا لما وردوا مدينة دمشق ، أدخلوا من باب يقال له باب توما. ثم أتي بهم حتى أقيموا على درج باب المسجد الجامع ، حيث يقام السبي.

المنتخب للطريحي :(ج ٢ ص ٤٨٣)

قال : ثم دخلوا بالسبايا والرؤوس إلى دمشق ، وعلي بن الحسينعليه‌السلام معهم على جمل بغير وطاء ثم أتوا إلى باب الساعات ، فوقفوا هناك ثلاث ساعات يطلبون الإذن من يزيد.

مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، روايتان :(ص ١٢١ و ١٢٤)

الأولى : قال سهل : ودخل الناس من باب الخيزران ، فدخلت في جملتهم ، وإذا قد أقبل ثمانية عشر رأسا ، وإذا السبايا على المطايا بغير وطاء ، ورأس الحسينعليه‌السلام بيد شمر.

__________________

(١) الأزياق : جمع زيق ، وهو ما يكفّ به جيب القميص.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800