موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 494061 / تحميل: 5856
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

____________________

= وقد اخبر ابوالحسن موسىعليه‌السلام اسحاق بن عمار بموته إلى سنتين، وان اخوته واهل بيته تتفرق كلمتهم بعده بيسير. ولم يكن اسحاق بن عمار بن حيان الصيرفى الكوفى فطحيا لما تقدم من الماتن من التصريح بوثاقته، وأنه من شيوخ اصحابنا، ولظاهر بعض الاخبار كما تقدم، ولكونه من خاصه أبى عبداللهعليه‌السلام ومن يعتمد عليه كما يظهر من رواية العيون، ولا يكون الفطحى كذلك. كما أنه من حال أخويه وابنه محمد بن اسحاق الذى هو من ثقات اصحاب الكاظمعليه‌السلام وخاصته وكذا من احوال ساير اهل بيته من رواة الحديث و مشايخ الاجازة ممن قد أشرنا اليهم يظهر أنهم ليسوا من الفطحية.

قلت: اثبات التعدد مبنى على أمرين: تعدد عمار بن حيان الكوفى و عمار بن موسى الساباطى وعمار بن الفيض، والافمع اتحاد الجميع بناء‌ا على تعدد الاسم او كون النسبة إلى الجد فلا مجال لتعدد اسحق، ووجود ابن لهما مسمى باسحق والا فمع عدم وجود اكثر من اسحاق فيتعارض قول النجاشى: شيخ من أصحابنا ثقة مع قول الشيخ: فطحى.

وكلام الاول نص في الجلالة والامانة وظاهر في الامامية وكلام الثانى نص في الفطحية، فيؤخد بنص الثانى ويتصرف في ظاهر الاول. والخبير المتأمل في كتب مشايخ الحديث يعرف انه ليس في الاخبار الا اسحاق بن عمار وفى بعضها قد زيد: الصيرفى، فهذا الشيخ قد اكثر في التهذيبين وساير كتبه في الرواية عن اسحاق بن عمار عن أبى عبدالله وأبى الحسنعليهما‌السلام ، ولما ذكره في اصحابهما من رجاله وصفه بالكوفى الصيرفى التغلبى بل في موضع قال: له كتاب.

فلو وقف في الروايات او في الفهرستات والمشيخات والاصول الاربعمائة وساير المصنفات وخاصة الكتب المؤلفة في اصحاب الائمةعليه‌السلام والكتاب الكبير لابى العباس بن عقدة الذى أنهى فيه أصحاب الصادق إلى أربعة آلاف، والكتاب الضخم الذى جمع فيه ابوالعباس بن نوح السيرافى ما ذكره ابن عقدة وما لم يذكره من اصحاب الائمةعليه‌السلام ، على اسحاق بن عمار بن موسى الساباطى من اصحابهما، لذكره في رجاله.

ولو وقف على اسحاق بن عمار بن حيان الصيرفى غير الساباطى، لذكر الطريق اليه في الفهرست، ولم يخف على مثله كلام الصدوق في المشيخة ولا ما ذكره البرقى.

ولم يذكر الساباطى غير الشيخ في الفهرست في هذا الموضع مع انه قال في الفهرست في غياث بن كلوب: له كتاب عن اسحاق بن عمار، ثم ذكر طريقه. وغياث بن كلوب هو الراوى عن اسحاق الصيرفى الكوفى. وعلى هذا فوجود اسحاقين غير معلوم، بل الظاهر الاتحاد.

واما توصيف الشيخ اياه بالساباطى وبأنه فطحى فلا يوجب التعدد. اما الاول فلانه وصف لابيه وتقدم عنه وعن البرقى ان عمارا كان كوفيا سكن مدائن (ساباط). واما الثانى فانه ليس قرينة على التعدد، لا من جهة ما التزم به غير واحد منهم السيد الطباطبائىقدس‌سره في المحكى عنه من الحمل على سبق الذهن ثم القلم بحسب الانس بعمار الساباطى الفطحى وان جلالة الشيخ في الطائفة و معرفته بالرجال منعت عن التصريح بانه من سهو قلمه الشريف ولو كان ذلك من غيره لحمل على السهو بأقل تأمل. بل لان مذهب اسحاق بن عمار الكوفى الصيرفى لم يكن واضحا جليا ولذلك صار محل النظر للاعلام بعد أن كان جليلا وجيها في ايام أبى عبدالله كما تؤمى اليه جملة من الروايات. ولعله قد اشتبه الامر عليه لما مضى أبوعبداللهعليه‌السلام وكانت التقية شديدة كما اشتبه الامر عليه أكابر الشيعة مثل زرارة وأبى بصير ومؤمن الطاق وهشام بن سالم واضطربوا في امر عبدالله بن جعفر ورجع اليه الشيعة: ثم بعد ما وقفوا على البينات وما رأوها من المعجزات من أبى الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام رجعوا اليه وايقنوا وبقى عمار وجماعة على القول بعبد الله على ما يأتى.

فروى الكشى(٢٥٧) عن نصر بن الصباح قال حدثنى سجادة قال حدثنى محمد بن وضاح عن اسحاق بن عمار قال كنت عند أبى الحسنعليه‌السلام جالسا حتى دخل عليه رجل من الشيعة فقال له: يا فلان جدد التوبة واحدث عبادة فانه لم يبق من عمرك الا شهر. =

٢١

____________________

= قال اسحاق: فقلت في نفسى: واعجباه ! كأنه يخبرنا انه يعلم آجال الشيعة، او قال: آجالنا.

قال: فالتفت إلى مغضبا وقال: يا اسحاق وما تنكر من ذلك وقد كان رشيد الهجرى مستضعفا، وكان عنده علم المنايا والامام اولى بذلك من رشيد الهجرى. يا اسحاق قد بقى من عمرك سنتان، اما انه يتشتت اهل بيتك تشتتا قبيحا ويفلس عيالك افلاسا شديدا.

ورواه في اصول الكافى ج ١ ص ٤٨٤ ٧ عن احمد بن مهران عن محمد بن على عن سيف بن عميرة عن اسحاق نحوه من تفاوت وزاد في آخره: فكان هذا في نفسك فقلت: فانى استغفر الله بما عرض في صدرى، فلم يلبث اسحاق بعد هذا المجلس الا يسيرا حتى مات، فما أتى عليهم الا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا.

وروى في ترجمة هشام بن سالم(١٨٢) عن جعفر بن محمد عن الحسن بن على بن النعمان عن أبى يحيى عن هشام بن سالم قال كنا بالمدينة بعد وفاة أبى عبداللهعليه‌السلام أنا ومؤمن الطاق والناس مجتمعون على ان عبدالله صاحب الامر بعد أبيهعليه‌السلام . فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق (الحديث بطوله إلى ان ذكر سؤاله عنه المسائل وأعيائه عن الجواب حتى اعترف بالجهل وخروجهم من عنده باكين حيارى لا يدرون إلى من يقصدون والى من يتوجهون حتى جاء رسول أبى الحسنعليه‌السلام واوحى اليهم فزعموا انه من جواسيس المنصور، فتبعه هشام ظنا منه انه لا يقدر على التخلص منه، فأدخله على ابى الحسنعليه‌السلام ورأى منه من الايات وهكذا ساير اصحابه ورجعوا اليه وفى آخره:) قال وكان كل من دخل عليهعليه‌السلام قطع عليه الا طائفة مثل عمار وأصحابه، فبقى عبدالله لا يدخل عليه احد الا قليلا.. رواه المفيد في الارشاد(٢٠٢) عن ابن قولويه عن الكلينى في الكافى مع تفاوت وفيه: قطع عليهعليه‌السلام الا طائفة عمار الساباطى فبقى عبدالله...

وفى اصول الكافى ج ١ ص ٣٥١ ٧ عن محمد بن يحيى عن احمد محمد بن عيسى عن أبى بحيى الواسطى عن هشام بن سالم نحوه وفى آخره: فكل من دخل عليه قطع الا طائفة عمار واصحابه وبقى عبدالله...

هذا وللاشكال في التمسك بالخبرين على فطحية اسحاق مجال.

اما الاول: فلقصوره سندا بالحسن بن على بن أبى عثمان سجادة الضعيف وبمحمد بن وضاح المهمل في الرجال على كلام في ابن صباح. هذا على ما رواه الكشى، وأما على ما رواه في الكافى فبمحمد بن على الصيرفى الضعيف وبأحمد بن مهران المجهول ان لم يكن ضعيفا.

ودلالة: فان عدم معرفته بصفات الامام وانه يعلم الغيب لا يدل على كونه فطحيا فتأمل.

واما الثانى: فلقصوره سندا بأبى يحيى الواسطى الضعيف أو المشترك بينه وبين غيره.

ولادلة فانه ان تم الاستناد به فانما يدل على كون اسحاق فطحيا بالعموم، ولا يؤخذ به في قبال الخاص الدال على أنه غير فطحى وهو تصريح النجاشى بأنه شيخ من اصحابنا ثقة. مضافا إلى ان بقاء عمار وأصحابه على الشك لا يوجب الحكم بكونهم فطحيين. مع أن عدم القطع في بادى الامر حسب ما قطع أصحابنا عليه لا يوجب الالتزام ببقائهم عليه، ولعله زال الشك وقطعوا عليه هم أيضا بعد حين. وفى غير واحد من الروايات عن أبى الحسن موسىعليه‌السلام أنه قال: انى استوهبت عمار الساباطى من ربى فوهبه لى. ولعله لذلك لم يصرح النجاشى في ترجمته عند ما ذكره باخوته بأنه فطحى، بل قال: وكانوا ثقات في الرواية. =

٢٢

____________________

= ويأتى الكلام في ذلك انشاء الله في ترجمته. بل يمكن دعوى عدول الشيخ عما ذكره في الفهرست من أنه فطحى بما ذكره في الرجال المتأخر تصنيفا عنه في اصحاب الكاظمعليه‌السلام قائلا: ثقة، له كتاب. والفرق بين الاصل وبين الكتاب على ما تقدم في مقدمة هذا الشرح لا يوجب التعدد كما يظهر بالتأمل فيما ذكرنا، وبما وجدنا من اختلاف النجاشى والشيخ في كتاب شخص واحد بالتعبير عنه بالاصل او الكتاب. ومن ذلك يظهر ما في استناد بعضهم لتعدد اسحاق بن عمار الصيرفى بأنه له كتاب كما في المتن و اسحاق بن عمار الساباطى فان له أصلا كما في الفهرست. ثم انه قد خرجنا عن وضع الكتاب في المقام لانه من محل الانظار واختلاف الاراء حسب الاعصار حتى أطنب فيه الموجز في غير المقام بل أفرد بعضهم لذلك رسالة، والله الموفق للصواب. (*)

٢٣

١٦٨ - اسحاق بن جرير بن يزيد بن جرير بن عبدالله البجلى(١)

____________________

(١) كان اسحاق بن جرير من بيت كبير فيهم المحدثون.

فقال السمعانى في الانساب في الجريرى: هذه النسبة إلى جرير بن عبدالله البجلى والى أتباع محمد بن جرير الطبرى، فأما المنتسب إلى جرير البجلى فهو.. وهم كثيرون.. وأبومنصور بن سليمان بن محمد بن الفضل بن جرير النهروانى البجلى الجريرى: من ولد جرير بن عبدالله البجلى صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...

قلت: ونشير إلى جماعة ممن ينتسب اليه اسحاق هذا، وهم:(١ جرير بن عبدالله أبوعمرو البجلى الصحابى) قال الشيخ في الصحابة من رجاله(١٣): جرير بن عبدالله أبوعمرو، ويقال: أبوعبدالله البجلى، سكن الكوفة، وقدم الشام برسالة أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى معاوية، وأسلم في السنة التى قبض فيها النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقال الحلى في الخلاصة ص ٣٦ في الممدوحين بعد ذكره: قدم الشام برسالة أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى معاوية، وذكره أيضا ابن داود في القسم الاول ص ٨١ وذكر نحو ما ذكره الشيخ. وفى البحار ج ٢١ ٣٧١ عن الطبرسى في اعلام الورى في وقايع السنة العاشرة: وفيها قدم وفد بجيلة، قدم جرير بن عبدالله البجلى، ومعه من قومه مأة وخمسون رجلا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذى يمن، على وجه مسحة ملك). فطلع جرير على راحلته ومعه قومه، فأسلموا وبايعوا.

قال جرير: وبسط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده فبايعنى. وقال: على أن تشهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الله، وتقيم الصلوة، وتؤتى الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتنصح للمسلمين، وتطيع الوالى وان كان عبدا حبشيا. فقلت: نعم، فبايعته. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله عما وراء‌ه فقال: يا رسول الله قد أظهر الله الاسلام والاذان وهدمت القبائل أصنامهم التى تعبد. قال: فما فعل ذو الخلصة؟ قال: هو على حاله، فبعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى هدم ذى الخلصة، وعقد له لواء‌ا... فخرج في قومه وهم زهاء مأتين، فما أطال الغيبة حتى رجع، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أهدمته؟ قال: نعم الذى بعثك بالحق، وأحرقته بالنار، فتركته كما يسوء أهله، فبرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيل أخمس ورجالها.

وفى البحار ج ١٦ ٢٣٥ عن ابن شهر آشوب في المناقب عن جرير بن عبدالله أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل بعض بيوته فامتلا البيت، فدخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ ثوبه فلفه فرمى به اليه وقال اجلس على هذا، فاخذه جرير فوضعه على وجهه فقبله.

وروى الراوندى في الخرائج كما في البحار ج ٢٠ ٣٨٠ ٥ و ج ١٥ ٢٢٠ ٤٠ عن جرير بن عبدالله البجلى قال: بعثنى النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله بكتابه إلى ذى الكلاع وقومه، فدخلت عليه، فعظم كتابه، وتجهز، وخرج في جيش عظيم وخرجت معه نسير، اذ رفع لنا دير راهب، فقال: اريد هذا الراهب، فلما دخلنا عليه سأله: أين تريد؟ قال: هذا النبى الذى خرج في قريش وهذا رسوله.

قال الراهب: لقد مات هذا الرسول، فقلت: من أين علمت بوفاته؟ قال انكم قبل أن تصلوا إلى كنت أنظر في كتاب دانيال، مررت بصفة محمد و ونعته وأيامه وأجله، فوجدت أنه توفى في هذه الساعة.

فقال ذو الكلاع: أنا أنصرف، قال جرير: فرجعت فاذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله توفى ذلك اليوم.

وقال ابن سعد في الطبقات ج ١ ٣٤٧ في وفده مع بجيلة: قدم جرير بن عبدالله البجلى سنة عشر المدينة ومعه من قومه مأة وخمسون رجلا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذى يمن، على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير على راحلته ومعه قومه فأسلموا وبايعوا. =

٢٤

____________________

= قال جرير فبسط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبايعنى وقال على أن تشهد أن لا اله الا الله، وأنى رسول الله، وتقيم الصلوة، وتؤتى الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتنصح المسلم، وتطيع الوالى وان كان عبدا حبشيا، فقال: نعم، فبايعه... وكان نزول جرير بن عبدالله على فروة بن عمرو البياضى، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسائله عما وراء‌ه. فقال يا رسول الله قد أظهر الله الاسلام، وأظهر الاذان في مساجدهم وساحاتهم، وهدمت القبائل اصنامها التى كانت تعبد، قال: فما فعل ذو الخلصة؟ قال هو على حاله قد بقى والله مريح منه ان شاء الله، فبعثه رسول الله إلى هدم ذى الخلصة وعقد له لواء‌ا... فخرج في قومه وهم زهاء مأتين، إلى آخر ما ذكره الطبرسى في اعلام الورى.

وقال ايضا في الطبقات ج ٥ ٢٢ عند ذكره فيمن نزل الكوفة من الصحابة: ويكنى أبا عمرو، أسلم في السنة التى قبض فيها النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله ووجهه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذى الخلصة فهدمه، ونزل الكوفة بعد ذلك، وابتنى بها دارا في بجيلة، وتوفى بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة، وكانت ولاية الضحاك سنتين ونصفا بعد زياد بن أبى سفيان.

وقال في معجم البلدان ج ٢ ٢٨٣ في الخلصة: وهو بيت اصنام كان لدوس، وخثعم، وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة، وهو صنم لهم فأحرقه جرير بن عبدالله البجلى حين بعثه النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل: كان لعمرو بن لحى بن قمعة نصبه اعنى الصنم بأسفل مكة حين نصب الاصنام في مواضع شتى، فكانوا يلبسونه القلائد، ويعلقون عليه بيض النعام، ويذبحون عنده، وكان معناهم في تسميتهم له بذلك: ان عباده والطائفين به خلصة، وقيل هو الكعبة اليمانية التى بناها ابرهة بن الصباح الحميرى، وكان فيه صنم يدعى: الخلصة، فهدم. وقيل: كان ذو الخلصة يسمى الكعبة اليمانية، والبيت الحرام الكعبة الشامية... قلت: وقد اطال في نقل الاقوال في تسمية ذى الخلصة، وفى بانيها، وفى الاقوام التى يعبدونها ويستعظمونها وفى كثرة توجه الناس الكفرة اليها قديما وفى آخر الزمان حسب ما روى في ذلك الحديث، وفى كيفيتها، وفى سدانها، وغير ذلك ولم يحك خلافا في هدم جرير لها بأمر النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله واحراقها.

وقال ابن عبد البرفى الاستيعا؟ عند ذكر نسبة جرير بن عبدالله بن جابر...

بن الغوث البجلى: يكنى أبا عمرو وقيل أبا عبدالله، واختلف في بجيلة فقيل ما ذكرنا، وقيل انهم من ولد أنمار بن نزار على ما ذكرناه في كتاب القبائل، ولم يختلفوا أن بجيلة أمهم، نسبوا اليها، وهى بنت صعب بن على بن سعد العشيرة، قال ابن اسحاق: جرير بن عبدالله البجلى سيد قبيلته يعنى بجيلة... وكان كريما في قومه، وافدا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال ابن عبدالبر: وقال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أقبل وافدا عليه: يطلع عليكم خير ذى يمن، كأن على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير.

وروى ابن حجر في الاصابة عنه أنه لما أتى النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ما جاء بك؟ قلت: جئت لاسلم، فألقى كسائه وقال: اذا أتاكم كريم فوم فاكرموه. وأشار إلى الرواية ايضا ابن عبدالبر في الاستيعاب.

قلت: ورواه في البحار ج ١٦ ٢٣٨ عن المناقب مع تفاوت.

قال أبوعمرو: كان اسلامه في العام الذى توفى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال جرير: أسلمت قبل موت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأربعين يوما.. وبعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى ذى كلاع، وذى اعين باليمن... ثم ذكر عن رواية: وبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جرير بن عبدالله إلى ذى الكلاع، وذى ظليم باليمن.. وذكر ابن حجر في الاصابة جملة ما ذكره في الاستيعاب.

وقال ابن سعد في الطبقات ج ٦ ٢٢ عند ذكره: أسلم في السنة التى قبض فيها النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووجهه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذى الخلصة، فهدمه...

٢٥

____________________

= قلت: في وقت اسلام جرير خلاف، فقال أبوعمر في الاستيعاب: كان اسلامه في العام الذى توفى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال جرير: أسلمت قبل موت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأربعين يوما.

وقال ابن سعد في الطبقات ج ٦ ٢٢: أسلم في السنة التى قبض فيها النبى..

قلت: ويبعده رواية البخارى ج ٨ عنه خطبة النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع في باب مستقل، وايضا مسلم في صحيحه ج ١ ٣٧، وهو من احاديث كنز العمال ج ١ ١٦٥.

وأيضا قول الواقدى: ان جريرا وفد على النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله في شهر رمضان سنة عشر، وانه بعثه إلى ذى الخلصة بعد ذلك، ذكره في الاصابة.

وأيضا رواية الطبرانى عن جرير قال قال لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان أخاكم النجاشى قد مات.

وايضا رواية أبى عمرو في الاستيعاب: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعث جريرا إلى ذى كلاع، وذى رعين باليمن، وذى ظليم باليمن.

وأيضا روايته بعث النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله اياه في خمسين من قومه إلى ذى الخلصة، فاتاها وأحرقها.

وذكره ابن سعد أيضا في الطبقات ج ٦ ٢٢. وذو الخلصة بيت كان يدعى: الكعبة اليمانية لخثعم، كان فيه صنم اسمه الخلصة، ذكره في القاموس. وتفصيل ذلك وتحقيقه في كتابنا (الطبقات الكبرى)، عند ذكره في الصحابة.

وكان بعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله جريرا إلى ذى الكلاع، وذى ظليم في مرضهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما في الطبرى ج ٣ ١٨٧. ثم ان جريرا كان في عصر النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله وجيها، ولكن له أحوالا ووجوها بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ان مات، نشير اليها ولم تحصل له بصيرة في عصر الرسالة حتى استعمل للخلفاء ثم اشتراه معاويه في عصره.

١ - جرير في خلافة ابى بكر

لم اقف على ذكر اصحاب السير والتراجم والتواريخ محل اقامة جرير عند وفات النبى الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الا انه يظهر هجرته مما رواه البيهقى في السنن الكبرى ج ٩ ١٣ باب فرض الهجرة باسناده عن جرير قال اتيت النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبايع الناس فقلت: يا نبى الله ابسط يدك حتى أبايعك واشترط على فأنت أعلم بالشرط منى، قال: ابايعك على ان تعبد الله وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتناصح المؤمن، وتفارق المشرك. وايضا باسناد آخر عنه ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من أقام من المشركين فقد برئت منه الذمة.

قال الطبرى في تاريخه ج ٣ ٤٢٧ في ارسال عمر جريرا إلى حرب العراق والقادسية: فاستعمل عرفجة على من كان مقيما على حديلة بن بجيلة، و جريرا على من كان من بنى عامر وغيرهم.

وقد كان ابوبكر ولاه قتال اهل عمان في نفر، وأقفله حين غزا في البحر فولاه عمر عظم بجيلة وقال: اسمعوا لهذا و قال للاخرين: اسمعوا لجرير..

وقال أيضا ج ٣ ٤٦٠: وكان جرير بن عبدالله، وحنظلة بن الربيع ونفر استأذنوا خالدا من (سوى) فأذن لهم، فقدموا على ابى بكر، فذكر له جرير حاجته فقال: أعلى حالنا ! وأخره بها، فلما ولى عمر دعاه بالبينة فأقامها...

قال الحموى في معجم البلدان ج ٣ ٢٧١ في (سوى): اسم ماء لبهراء من ناحية السماوة، وعليه مر خالد بن الوليد لما قصد من العراق الشام.. وذلك في سنة اثنتى عشرة في ايام ابى بكر... =

٢٦

____________________

٢ - جرير في خلافة عمر

= ولما اشتد الحرب بين عسكر المسلمين وبين اهل العراق والفرس و جند الفيل وكثر القتل واضطرب العسكر وتفرق الناس حتى لحقوا المدينة، تحيل عمر امورا: منها ما في الطبرى ج ٣ ص ٤٦٠، قال بعد ذكر انه دعا جرير بن عبدالله وحنظلة بن الربيع ونفرا استأذنوا خالدا من سوى، وأذن لهم، و قدمهم على ابى بكر، ثم ذكر جرير حاجته، وقول أبى بكر ردا عليه: أعلى حالنا ! وأخره بها: فلما ولى عمر دعاه بالبينة فأقامها، وكتب له عمر إلى عماله السعاة في العرب كلهم: من كان فيه أحد ينسب إلى بجيلة في الجاهلية، وثبت عليه في الاسلام يعر ذلك، فأخرجوه إلى جرير. ووعدهم جرير مكانا بين العراق والمدينة، ولما اعطى جرير حاجته في استخراج بجيلة من الناس بجمعهم فأخرجوا له، وامرهم بالموعد ما بين مكة والمدينة والعراق، فتتاموا، قال لجرير: اخرج حتى تلحق بالمثنى (صاحب اللواء يوم القادسية) فقال: بل الشام قال: بل العراق، فان اهل الشام قد قووا على عدوهم، فأبى حتى اكرهه، فلما حرجوا له وأمرهم بالموعد عوضه لاكرامه واستصلاحا له فجعل له ربع خمس ما أفاء الله عليهم في غزاتهم هذ، ولمن اجتمع اليه، ولمن اخرج له اليه من القبائل، وقال: اتخذونا طريقا. فقدموا المدينة، ثم فصلوا منها إلى العراق ممدين للمثنى.. وبعث المثنى بعد الجسر فيمن يليه من الممدين، فتوافوا اليه في جمع عظيم.

قال الطبرى كما في تاريخه ص ٤٦١: وكان جرير ممدا له..، وروى في ص ٤٦٢ عن عطية والشعبى قالا: قال عمر حبن استجم جمع بجيلة: اتخذونا طريقا، فخرج سروات بجيلة ووفدهم نحوه وخلفوا الجمهور.

فقال: اى الوجوه احب اليكم؟ قالوا: الشام فان اسلافنا بها، فقال: بل العراق، فان الشام في كفاية، فلم يزل بهم، ويأبون عليه، حتى عزم على ذلك وجعل لهم ربع خمس ما أفاء الله على المسلمين إلى نصيبهم من الفئ، فاستعمل عرفجة على من كان مقيما على جديلة من بجيلة وجريرا على من كان من بنى عا؟ ر وغيرهم، وقد كان ابوبكر ولاه قتال اهل عمان في نفر، وأقفله حين غزا في البحر، فولاه عمر عظم بجيلة، وقال: اسمعوا لهذا وقال للاخرين: اسمعوا لجرير، فقال جرير لبجيلة: تفرون بهذا وقد كانت بجيلة غضبت على عرفجة في امرأة منهم وقد أدخل علينا ما أدخل..

قال عرفجة: انه كان من شأنى ان الشر تفاقم فينا، ودارنا واحدة فصبنا الدماء، ووتر بعضنا بعضا فاعتزلتهم لمخفتهم، فكنت في هؤلاء اسودهم وأقودهم، فحفظوا على لامر دار بينى وبين دهاقينهم، فحسدونى وكفرونى.

فقال: لا يضرك فاعتزلهم اذ كرهوك، واستعمل جريرا مكانه وجمع له بجيلة، وأرى جريرا وبجيلة انه يبعث عرفجة إلى الشام، فحبب ذلك إلى جرير العراق، وخرج جرير من قومه ممدا للمثنى بن حارثة حتى نزل ذا قار.. وقال ص ٤٦٣: فارسل المثنى إلى جرير والى عصمة بالحث..

قلت: وذكر الطبرى في ج ٣ ص ٤٧١ في امر جرير وعرفجة وارسال عمر اياهما إلى العراق وجها آخر عن ابى اسحاق فلاحظ. وقال ايضا ص ٤٦٩ عن محمد وطلحة وزياد قالوا: وقد كان المثنى وعصمة وجرير أصابوا في أيام البويب على الظهر نزل مهران غنما ودقيقا وبقرا، فبعثوا بها إلى عيالات من قدم من المدينة وقد خلفوهن بالقوادس، والى عيالات اهل الايام قبلهم، وهم بالحيرة...

وفى ص ٤٧٠: فأمر المثنى ان يعقد لهم الجسر ثم اخرجهم في آثار للقوم واتبعتهم بجيلة وخيول من المسلمين تغذ من كل فارس، فانطلقوا في طلبهم حتى بلغوا السبب ولم يبق في العسكر جسرى الاخراج في الخيل، فأصابوا من البقر والسبى وسائر الغنائم شيئا كثيرا، فقسمه المثنى عليهم، وفضل اهل البلاء من جميع القبائل. =

٢٧

____________________

= ونفل بجيلة يومئذ ربع الخمس بينهم بالسوية، وبعث بثلاثة ارباعه مع عكرية.. فاغرروا حتى بلغوا ساباط وتحصن اهل ساباط منهم واستباحوا القريات دونها، وراماهم اهل الحصن بساباط عن حصنهم. وكان اول من دخل حصنهم ثلاثة قواد: عصمة، وعاصم، وجرير، وقد تبعهم او؟ اع من الناس كلهم ثم انكفوا راجعين إلى المثنى.

وعن عطيه بن الحارث قال: لما اهلك الله مهران استمكن المسلمون من الغارة على السواد فيما بينهم وبين دجلة فمخروها ولا يخافون كيدا ولا يلقون فيها مانعا وانتقضت مصالح العجم فرجعت اليهم واعتصموا بساباط وسرهم ان يتركوا ما وراء دجلة. وفى ص ٥٨٩: واقطع عمر طلحة، وجرير بن عبدالله.. وانما القطائع على وجه النفل من خمس ما أفاء الله.. وكتب عمر إلى عثمان بن حنيف مع جرير: اما بعد قأقطع جرير بن عبدالله قدر ما يفوته، لاوكس ولا شطط.. وقال في: ج ٤ من وقايع سنة ٢؟ ص ١٦٣ في عزل عمر عمار بن ياسر ابا اليقظان عن الكوفة: فكتب عمر إلى عمار أن اقبل فخرج بوفد من اهل الكوفة ووفد رجالا ممن يرى انهم معه، فكانوا اشد عليه ممن تخلف...

وكان سعد بن مسعود الثقفى عم المختار، وجرير بن عبدالله معه، فسعيابه واخبرا عمر باشياء يكرهها، فعزله عمر ولم يوله. وقال المسعودى في مروج الذهب ج ٢ ٨ ٣ في حرب العراق والفرس: وقد كان جرير بن عبدالله البجلى قدم على عمر، وقد اجتمعت اليه بجيلة، فسرحهم نحو العراق، وجعل لهم ربع ما ظهروا عليه من السواد، وساهمهم مع المسلمين، وخرج عمر فشيعهم، ولحق جرير بناحية الابلة ثم صاعد إلى ناحية المدائن..

وفى ص ٣١٩: وقد تنازع اهل الاخبار والسير في جرير والمثنى، فمن الناس من ذهب إلى ان جريرا كان هو المولى على الجيش، و منهم من رأى ان جريرا على قومه والمثنى على قومه.

٣ - جرير في خلافة عثمان

ولما تولى عثمان استعمل جرير بن عبدالله على ثغر همدان، وكان عليها واليا حتى هلك عثمان، وبويع لامير المؤمنينعليه‌السلام ، فكتب اليه بأخذ البيعة ثم نزل الكوفة كما يأتى.

وكان لجرير هوى في عثمان، فروى الذهبى في سير اعلام النبلاء ج ٣ ص ١١ عن مغيرة قال: خرج عدى، وجرير البجلى، وحنظلة الكاتب من الكوفة فنزلوا قرميسيا، وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان.

٤ - جرير في بدء خلافة الامام امير المؤمنينعليه‌السلام

كان جرير باقيا على ولايته في همدان من بدء خلافة الامامعليه‌السلام إلى زمان نزوله الكوفة، فقال نغرر بن مزاحم في كتاب صفين ص ١٥: لما بويع علىعليه‌السلام وكتب إلى العمال في الافاق، كتب إلى جرير بن عبدالله البجلى، وكان جرير عاملا لعثمان على ثغر همدان، فكتب اليه مع زحر بن قيس الجعفى...

قلت: اخرج كتابهعليه‌السلام إلى جرير نصر بن مزاحم، وابن ابى الحديد في الشرح ج ٣ ٧٠، وابن عساكر في تاريخ دمشق وغيرهم ونذكره بعينه.

٥ - كتاب الامام امير المؤمنينعليه‌السلام عند نزوله الكوفة إلى جرير

ولما بويع الامام امير المؤمنينعليه‌السلام وقدم الكوفة بعد وقعة الجمل، كاتب العمال، فكتب إلى جرير بن عبدالله البجلى عامل عثمان على ثغر همدان مع زحر بن قيس الجعفى: اما بعد فان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم واذا أراد الله بقوم سوء‌ا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال (الرعد ١١). =

٢٨

____________________

= وانى اخبرك عن نبأ من صرنا اليه من جموع طلحة والزبير، عند نكثهم بيعتى، وما صنعوا بعاملى عثمان بن حنيف، وانى نهضت من المدينة بالمهاجرين والانصار، حتى اذا كنت بالعذيب بعثت إلى اهل الكوفة الحسن بن على، و عبدالله بن عباس، وعمار بن ياسر، وقيس بن سعد بن عبادة، فاستنفرتهم، فأجابوا، فسرت بهم حتى نزلت بظهر البصرة، فاعذرت في الدعاء، وأقلت العثرة، وناشدتهم عهد بيعتهم، فأبوا الا قتالى، فاستعنت الله عليهم، فقتل من قتل، وولوا مدبرين إلى مصرهم، وسألونى ما كنت عوتهم اليه قبل اللقاء، فقبلت العافية، ورفعت السيف، واستعملت عليهم عبدالله بن العباس، وسرت إلى الكوفة، وقد بعثت اليك زحر بن قيس، فاسأله عما بدا لك والسلام.ذكره نصر بن مزاحمن في كتاب صفين ص ١٥، وابن ابى الحديد في شرح النهج ج ٣ ٧٠.

٦ - اخذ جرير بيعة اهل همدان لعلىعليه‌السلام

قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص ١٦، وابن ابى الحديد في الشرح ج ٣ ٧١ بعد ذكرهما كتاب الامامعليه‌السلام إلى جرير: فلما قرأ جرير الكتاب، قام فقال ايها الناس، هذا كتاب امير المؤمنين على بن ابيطالبعليه‌السلام ، وهو المأمون على الدين والدنيا، وقد كان من أمره، وأمر عدوه ما نحمد الله عليه، وقد بايعه الناس الاولون من المهاجرين والانصار والتابعين باحسان، ولو جعل هذا الامر شورى بين المسلمين، كان احقهم بها.

الا وان البقاء في الجماعة. والفناء في الفرقة، وان عليا حاملكم على الحق ها استقمتم، فان ملتم أقام ميلكم... فقال الناس: سمعا وطاعة، رضينا رضينا. فكتب جرير إلى علىعليه‌السلام جواب كتابه بالطاعة.

٧ - تردد جرير في بيعته للامامعليه‌السلام

قال نصر: وكان مع علىعليه‌السلام رجل من طيئى، ابن اخت لجرير، فحمل زحر بن قيس شعرا له إلى حاله جرير، وهو:

جرير بن عبد لله لا تردد الهدى

وبايع عليا اننى لك ناصح

فان عليا خير من وطأ الحصى

سوى احمد والموت عاد ورائح

ودع عنك قول الناكثين فانما

أولاك أبا عمرو، كلاب نوابح

وبايعه ان؟ ايعته بنصيحة

ولايك معها في ضميرك قادح

فانك ان تطلب به الدين تعطه

وان تطلب الدنيا فبيعك رابح

وان قلت عثمان بن عفان حقه

على عظيم والشكور مناصح

فحق علىعليه‌السلام اذ وليك كحقه،

وشكرك ما اوليت في الناس صالح

وان قلت لا نرضى عليا امامنا

فدع عنك بحرا ضل فيه السوائح

ابى الله الا انه خير دهره

وافضل من ضمنت عليه الاباطح

ثم قام زحر بن قيس خطيبا، فكان مما حفظ من كلامه ان قال: الحمد لله الذى.. (ثم ذكر خطبته ففيها فضائل علىعليه‌السلام وبيعة المهاجر والانصار له ونكث طلحة والزبير بيعتهما له وما اوقدوا من نار حرب الحمل، وفتح الامامعليه‌السلام ثم قال: (هذا عيان ما غاب عنكم ولئن سألتم الزيادة زدناكم ولا قوة الا بالله.

وفى خطبته: ايها الناس ان علياعليه‌السلام قد كتب اليكم كتابا لا يقال بعده الا رجيع من القول، ولكن لا بد من رد الكلام. ان الناس بايعوا علياعليه‌السلام بالمدينة من غير محاباة له ببيعتهم لعلمه بكتاب الله وسنن الحق.. =

٢٩

____________________

٨ - اعلان جرير بطاعة الامامعليه‌السلام

= قال نصر ص ١٨: وقال جرير في ذلك:

أتانا كتاب علىعليه‌السلام فلم

نرد الكتاب، بارض العجم

ولم نعص ما فيه لما أتى

ولما نذم، ولما فلم

ونحن ولاة على ثغرها

نضيم العزيز ونحمى الذمم

نساقيهم الموت عند اللقاء

بكأس المنايا ونشفى القرم

طحناهم طحنة بالقنا

وضرب سيوع تطير اللمم

مضينا يقينا على ديننا

ودين النبى مجلى الظلم

امين الا له وبرهانه

وعدل البرية والمعتصم

رسول المليك، ومن بعده

خليفتنا القائم المدعم

عليا عنيت وصى النبى

نجالد عنه غواة الامم

له الفضل والسبق والمكرمات

وبيت النبوة لا يهتضم

قال ابن ابى الحديد في الشرح ج ٣ ص ٧٣ بعد ذكره هذه الخطبة والاشعار عن نصر: قال نصر: فسر الناس بخطبة جرير وشعره. وزاد فيما حكاه عن جرير في علىعليه‌السلام وحرف (وصلى على الطهر) بقوله رسول المليك:

فصلى الا له على احمد

رسول المليك تمام النعم

وصلى على الطهر من بعده

خليفتنا القائم المدعم

عليا عنيت وصى النبى

بجالد عنه غواة الامم

له الفضل والسبق والمكرمات

وببت النبوة لا يهتضم

هذا كما رواه في البحار ج ٣٨ ٢٧٦ في سبق علىعليه‌السلام بالاسلام والايمان.

وروى بعضه مع تفاوت يسير عن زحر بن قيس الجعفى في ج ٣٨ ٢٤ فلاحظ.

وكتب جرير بن عبدالله البجلى إلى شرحبيل بن السمط الكندى رئيس اليمامة من اصحاب معاوية.

نصحتك با ابن السمط لا تتبع الهوى

فمالك في الدنيا من الدين من بدل

ولا تك كالمجرى إلى شرغاية

فقد خرق السربال واستونق الجمل

مقال ابن هند في على عضيهة

ولله في صدر ابن أبيطالب أجل

وما كان الا لازما قعر بيته

إلى أن أتى عثمان في بيته الاجل

وصى رسول الله من دون اهله

وفارسه الحامى به يضرب المثل

رواه في البحار ج ٣٨ ٢٤، وأخرجه ابن أبى الحديد في الشرح ج ١ ١٤٩.

٩ - مدح الناس لجرير في طاعته للامامعليه‌السلام

٣٠

____________________

= قال نصر في كتاب صفين ص ١٨ بعد نقل كلام جرير المتقدم: وقال رجل، وقال ابن ابى الحديد في الشرح ج ٣ ٧٣ حكاية عن نصر: وقال ابن الازور القسرى في جرير يمدحه بذلك:

لعمر ابيك والانباء تنمى

لقد جلى بخطبته جرير

وقال مقالة جدعت رجالا

من الحيين خطبهم كبير

بدا بك قبل امتة علىعليه‌السلام

ومخك ان رددت الحق رير

أتاك بأمره زحر بن قيس

وزحر بالتى حدثت خبير

فكنت بما أتاك به سميعا

وكدت اليه من فرح تطير

فأنت بما سعدت به ولى

وأنت لما تعد له نصير

ونعم المرء انت له وزير

ونعم المرء انت له أمير

فأخرزت الثواب، ورب حاد

حدا بالركب ليس له بعير

ليهنك ما سبقت به رجالا

من العلياء والفضل الكبير

وقال النهدى في ذلك:

أنانا بالنبأ زحر بن قيس

عظيم الخطب من جعف بن سعد

تخيره أبوحسن علىعليه‌السلام

ولم يك زنده فيها بصلد

(إلى آخر شعره).

١٠ - كتاب جرير إلى الاشعث في بيعته لعلىعليه‌السلام

قال ابن أبى الحديد في ج ٣ ص ٧٣: قال نصر: وكتب علىعليه‌السلام إلى الاشعث وكان عامل عثمان على آذربيجان يدعوه إلى البيعة والطاعة، وكتب جرير بن عبدالله البجلى إلى الاشعث يحضه على طاعة امير المؤمنينعليه‌السلام ، وقبول كتابه: اما بعد فانى أتتنى بيعة علىعليه‌السلام ، فقبلتها، ولم اجد إلى دفعها سبيلا لانى نظرت فيما غاب عنى من امر عثمان، فلم اجده يلزمنى.

وقد شهد المهاجرون والانصار، فكان اوفق امرهم فيه الوقوف، فاقبل بيعته، فانك لا تنقلب إلى خير منه، واعلم ان بيعة علىعليه‌السلام خير من مصارع اهل البصرة والسلام.

قال قال نصر: فقبل الاشعث البيعة وسمع واطاع.

قلت: الموجود في كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص ٢٠ ذكر بلوغ كتاب امير المؤمنينعليه‌السلام إلى الاشعث بن قيس الكندى مع زياد بن مرحب الهمدانى وقرائته على الناس ثم خطبة الاشعث: ايها الناس ان امير المؤمنين عثمان ولانى آذربيجان، فهلك وهى في يدى، وقد بايع الناس علياعليه‌السلام وطاعتنا له كطاعة من كان قبله، وقد كان من امر وامر طلحة والزبير ما قد بلغكم وعلىعليه‌السلام المأمون على ما غاب عنا وعنكم من ذلك الامر. فلما اتى منزله دعا اصحابه فقال: ان كتاب على قد اوحشنى، وهو آخذ (وعن الامامة والسياسة: آخذى) بمال آذربيجان، وأنا لاحق بمعاوية. =

٣١

____________________

= ثم ذكر كلام القوم وتوبيخهم له على ذلك بقولهم: الموت خير لك من ذلك، اتدع مصرك وجماعة قومك وتكون ذنبا لاهل الشام، وأنه استحياه فسار حتى قدم على علىعليه‌السلام ، وذكر اشعار جماعة في ذلك في منعه عن اللحوق بمعاوية.

١١ - نزع جرير من همدان وسيره إلى الكوفة وبيعته للامامعليه‌السلام .

قال نصر في كتاب صفين ص ٢٠: ثم اقبل جرير سائرا من ثغر همدان حتى ورد على علىعليه‌السلام بالكوفة، فبايعه، ودخل فيما دخل فيه الناس، من طاعة علىعليه‌السلام واللزوم لامره.

وروى في ص ٢٧ عن عامر الشعبى ان علياعليه‌السلام حين قدم من البصرة نزع جريرا من همدان، فجاء حتى نزل الكوفة. و ذكر نحوه ابن أبى الحديد في الشرح ج ٣ ٧٤.

وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق باسناده عن عامر الشعبى ان علياعليه‌السلام بعد قدو؟ ه الكوفة نزع جرير بن عبدالله البجلى من همدان، فأقبل جرير حتى قدم الكوفة على على بن أبيطالبعليه‌السلام ، فبايعه.

١٢ - طلب جرير من امير المؤمنينعليه‌السلام ارساله إلى معاوية

قال نصر في صفين ص ٢٧: فأراد علىعليه‌السلام ان يبعث إلى معاوية رسولا، فقال له جرير: ابعثنى إلى معاوية فانه لم يزل لى متنصحا وودا، فآتيه فادعوه على ان يسلم لك هذا الامر، ويجامعك على الحق، على ان يكون أميرا من امراء‌ك، وعاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله، واتبع ما في كتاب الله، وادعو اهل الشام إلى طاعتك وولايتك وجلهم قومى وأهل بلادى، وقد رجوت الا يعصونى.

ورواه ابن ابى الحديد في الشرح ج ٣ ٨٤ عنه مثله، كما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق عنه، وايضا باسناد آخر عن عامر الشعبى مع تفاوت.

قلت: ليس جرير اول من بعثه الامام إلى معاوية بدؤ خلافته، فقد بعث هوعليه‌السلام بدؤ خلافته وقبل حرب الجمل رسولا إلى الشام، وهو سهل بن حنف الاوسى الانصارى الصحابى الجليل الذ؟ كان من السابقين، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبت يوم احد حين انكشف الناس، وبايع يومئذ على الموت وكان ينفخ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبل، و صحب علياعليه‌السلام من يوم بويع له، واستخلفه هوعليه‌السلام على البصرة بعد الجمل و شهد معه صفين، وكان معه حتى مات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علىعليه‌السلام ، وكبر عليه ستا، ذكره ابن عبد البرفى الاستيعاب ج ٢ ٩١، و ابن حجر في الاصابة ج ٢ ٨٦ وغيرهما. ولكن معاوية دس وبعث خيلا للمنع عن دخول أى وال من الامامعليه‌السلام .

قال الطبرى في تاريخه ج ٤ ٤٤٢ في وقايع سنة ست وثلاثين: ومنها تفريق الامامعليه‌السلام عماله وبعثه سهل بن حنيف على الشام: فأما سهل فانه خرج حتى اذا كان بتبوك لقيته خيل، فقالوا: من أنت؟ قال: أمير، قالوا: على اى شيئى؟ قال: على الشام، قالوا: ان كان عثمان بعثك فحيهلا بك، وان كان بعثك غيره فارجع.

قال: او ما سمعتم بالذى كان؟ قالوا بلى، فرجع إلى علىعليه‌السلام . كما ان الامامعليه‌السلام قد كتب إلى معاوية للطاعة والبيعة كتابا وأرسله مع سيرة الجهنى، فقدم عليه، فلم يكتب معاوية بشئ ولم يجبه ورد رسوله إلى آخر ما صنع في الخلاف على الامامعليه‌السلام من ارسال الطومار وغيره.

ذكره الطبرى في تاريخه ج ٤ ٤٤٤ وكذا عبره.

١٣ - منع الاشتر عن ارسال جرير إلى معاوية لما طلب جرير من الامامعليه‌السلام ان يبعثه إلى معاوية لاخذ البيعة منه والرامه الطاعة، منع مالك الاشتر عن ذلك.

قال نصر بن مزاحم في كتاب صفبن ص ٢٨: فقال له الاشتر: لا تبعثه ودعه ولا تصدقه، فو الله انى لاظن هواه هواهم، ونيته نيتهم. فقال له علىعليه‌السلام : دعه حتى ننظر ما يرجع به الينا. =

٣٢

____________________

= واخرجه ابن ابى الحديد في الشرح ج ٣ ٧٤، وابن عساكر في تاريخ مشق.

قلت: ان الامامعليه‌السلام كان اعرف من الاشتر بمعاوية ونيته وأنه لا يبايع ولا يطيع ويريد الحرب كما نطق بذلك كتبه وخطبه وكلماته، فليس امره خفيا عليه، كما انهعليه‌السلام كان اعرف منه بجرير البجلى من بدء اسلامه إلى يومه، ويعرف عاقبة أمره، ولكن كان كل ذلك اتماما للحجة ودعما للباطل وحقنا للدماء ومنعا عن اثارة نار الحرب، والزاما لامثال جرير من الولاة للخلفاء قبله مع كثرتهم على الاستقامة على الحق وعدم البدار بالطرد.

١٤ - ارسال الامامعليه‌السلام جرير البجلى إلى معاوية

قال نصر: فبعثه علىعليه‌السلام وقال له حين ارد أن يبعثه: ان حولى من اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من أهل الدين والرأى من قد رأيت، وقد اخترتك عليهم، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيك: (انك من خير ذى يمن). ايت معاوية بكتابى، فان دخل فيما دخل فيه المسلمون، والا فانبذ اليه، وأعلمه أنى لا أرضى به أميرا، وان العامة لا ترضى به خليفة. واخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن أبى الحديد في الشرح ج ٣ ٧٤. وزاد ص ٨٨ عن المبرد في كتاب الكامل: ان علياعليه‌السلام لما أراد أن يبعث جريرا إلى معاوية، قال: والله يا أمير المؤمنين ! ما أدخرك من نصرتى شيئا، وما أطمع لك في معاوية. فقال علىعليه‌السلام : انما قصدى حجة اقيمها عليه، فلما أتى جرير معاوية دافعه بالبيعة، فقال له جرير: ان المنافق لا يصلى حتى لا يجد من الصلاة بدا. فقال معاوية: انها ليست بخدعة الصبى عن اللبن، فابلعنى ريقى، انه امر له ما بعده.

١٥ - ورود جرير بالشام على معاوية

قال نصر في كتاب صفين ص ٢٨: فانطلق جرير حتى أتى الشام ونزل بمعاوية، فدخل عليه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: اما بعد يا معاوية ! فانه قد اجتمع لابن عمك اهل الحرمين واهل المصرين واهل الحجاز، واهل اليمن، واهل مصر، واهل العروض، عمان، وأهل البحرين، واليمامة، فلم يبق الا اهل هذه الحصون التى انت فيها، لو سال عليها سيل من اوديتها غرقها، وقد اتيتك ادعوك إلى ما يرشدك ويهديك، إلى مبايعة هذا الرجل. ودفع اليه كتاب على بن أبيطالبعليه‌السلام ، وفى آخره: وقد ارسلت اليك والى من قبلك جرير بن عبدالله، وهو من اهل الايمان والهجرة، فبايع ولا قوة الا بالله.

فلما قرء الكتاب قام جرير فقال: الحمد لله المحمود بالعوائد.. إلى ان قال: ايها الناس، ان امر عثمان قد أعيا من شهده، فما ظنكم بمن غاب عنه، وان الناس بايعوا عليا غير واتر ولا موتور، وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على عير حدث. الا وان هذا الدين لا يحتمل الفتن، الا وان العرب لا يحتمل السيف، وقد كانت بالبصرة امس ملحمة ان يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس، وقد بايعت العامة علياعليه‌السلام ، ولو ملكنا الله امورنا لم نختر لها غيره، ومن خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس. فان قلت: استعملنى عثمان ثم لم يعزلنى فان هذا امر لو جاز لم يقم لله دين، وكان لكل امرء ما في يديه، ولكن الله لم يجعل للاخر من الولاة حق الاول، وجعل تلك امورا موطأة، وحقوقا ينسخ بعضها بعضا.

ثم قعد، فقال معاوية: أنظر وننظر، واستطلع رأى اهل الشام. فلما فرغ جرير من خطبته امر معاوية مناديا فنادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعد المنبر ثم قال الحمد لله.. اللهم انصرنا على اقوام يوقظون نائمنا، ويخيفون آمننا، ويريدون هراقة دمائنا واخافة سبيلنا.. ايها الناس ! قد علمتم انى خليفة امير المؤمنين عمر بن الخطاب، وانى خليفة عثمان بن عفان عليكم، وانى لم أقم رجلا منكم على خزاية قط، وانى ولى عثمان وقد قتل مظلوما، والله يقول (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) وأنا احب ان تعلمونى ذات انفسكم في قتل عثمان. فقام اهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك واوثقوا له على ان يبذلوا انفسهم واموالهم.. =

٣٣

____________________

= واخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق وابن أبى الحديد في الشرح ج ٣ ٧٥.

١٦ - مشاورة معاوية مع الامويين في امر البيعة

قال نصر بن مزاحم في صفين ص ٣٢، وابن عساكر في تاريخه، وابن أبى الحديد في الشرح ج ٣ ٧٨: فلما امسى معاوية، وكان قد اغتم بما هو فيه، قال لما جن معاوية الليل واغتم وعنده اهل بيته قال:

تطاول ليلى واعترتنى وساوسى

لات أتى بالترهات البسابس

أتانا جرير والحوادث جمة

بتلك التى فيها اجتماع المعاطس

أكابده والسيف بينى وبينه

ولست لاثواب الدنى بلابس

ان الشام اعطت طاعة يمنية

تواضعها اشياخها في المجالس

فان يجمعوا اصدم عليا بجبهة

تفت عليه كل رطب ويابس

وانى لارجو خير ما نال نائل

وما أنا من ملك العراق بآيس

والا يكونوا عند ظنى بنصرهم

وان يخلفوا ظنى كف عابس

وقد أعلن في ذلك اقرارا بأن ولايته ومخالفته مع علىعليه‌السلام باطل، من الترهات البسابس، ولكن طمعه في الرياسة على الشام وعلى العراق الجئته إلى هذه الغواية، وانه بضمر في نفسه قتل جرير، ثم حر؟ الامام، رجاء‌ا بشرحبيل اليمنى، اذ يوصف الخلافة لمعاوية.

قال نصر: ودعا ثقاته فقال له عتبة بن أبى سفيان (اخوه) وكان نظيره: اجمعن على هذا الامر بعمرو بن العاص، وأثمن له بدينه فانه من قد عرفت. وقد اعتزل امر عثمان في حياته، وهو لامرك اشد اعتزالا ان ير فرصة.

١٧ - خديعة معاوية في تطاول جرير بالجواب ترقبا لقدوم ابن العاص عليه

قال نصر: واستحثه جرير بالبيعة، فقال: يا جرير ! انها ليست بخلسة، وانه أمر له ما بعده، فأبلعنى ريقى حتى أنظر.

١٨ - كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص

قال نصر: كتب معاوية إلى عمرو بالبيع من فلسطين: اما بعد فانه كان من أمر على وطلحة والزبير ما قد بلغك..وقدم علينا جرير بن عبدالله في بيعة على، وقد حبست نفسى عليك حتى تأتيتى، أقبل اذا كرك أمرا.

قال: فلما قرأ الكتاب على عمرو استشار ابنيه عبدالله ومحمدا فقال: ابنى، ما تريان؟ فقال عبدالله: ارى ان نبى اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض.. وقتل عثمان وأنت عنه غائب فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة، ولا تريد ان تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة، اوشك ان تهلك فتشقى فيها، وقال محمد: ارى انك شيخ قريش وصاحب أمرها.. فالحق بجماعة اهل الشام فكن يدا من أياديها، واطلب بدم عثمان، فانك قد استنت فيه إلى بنى امية. فقال عمرو: أما أنت يا عبدالله فأمرتنى بما هو خير لى في دينى واما أنت يا محمد فأمرتنى بما هو خير لى في دنياى، وأنا ناظر فيه. فلما جنه الليل رفع صوته وأهله ينظرون اليه فقال: (تطاول ليلى للهموم الطوارق) إلى آخر اشعاره التى أعلن فيها بانه اشترى سخط الخالق برضى الطاغى وباع آخرته بدنياه... ثم قال له غلامه وردان وكان داهيا ماردا: اعتركت الدنيا والاخرة على قلبك، فقلت: على معه الاخرة في غير دنيا، وفى الاخرة عوض الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض من الا؟ رة فأنت واقف بينهما. =

٣٤

____________________

= قال: فانك والله مأ اخطات فما ترى يوردان؟ قال: أرى أن تقيم في بيتك... فقال عمرو بن العاص: يا قاتل الله وردانا وقدحته.. إلى آخر شعره وفيه ابراز غوايته وخروجه من الدين فسار حتى قدم على معاوية.

١٩ - مكايدة عمرو بن العاص ومعاوية عند دخوله عليه

قال نصر في صفين ص ٣٧ وابن أبى الحديد في الشرح ج ٢ ٦٤: فسار حتى قدم إلى معاوية وعرف حاجة معاوية اليه، فباعده من نفسه، وكايد كل منهما صاحبه، فلما دخل عليه قال يا أبا عبدالله طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة اخبار وليس منها ورد ولا صدر.. ومنها ان عليا نزل الكوفة متهيأ للمسير الينا قال... واما على فلا والله يا معاوية ما تسوى العرب بينك وبينه في شئ من الاشياء وان له في الحرب لحظا ما هو لاحد من قريش، وانه لصاحب ما هو فيه الا ان تظلمه. قال معاوية ادعوك إلى جهاد هذا الرجل الذى عصى ربه وقتل الخليفة، و؟ أظهر الفتنة وفرق الجماعة وقطع الرحم.

قال عمرو: إلى من؟ قال إلى جهاد على، فقال عمرو: والله يا معاوية ما أنت وعلى بعكمى بعير (اى متساويين في الشرف) مالك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه وعلمه... والله ان له مع ذلك حدا وجدا و حظا وخطوة، وبلاء‌ا من الله حسنا، فما تجعل لى ان؟ ايعتك على حربه، وانت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال: حكمك. قال: مصرطعمة.

قال: فتلكأ عليه معاوية وقال يا أبا عبدالله انى اكره ان يتحدث العرب عنك انك انما دخلت في هذا الامر لغرض الدنيا.قال: دعنى عنك.

قال معاوية: انى لو شئت ان امنيك واخدعك لفعلت.

قال عمرو: لا لعمر الله، ما مثلى يخدع، لانا أكيس من ذلك.

قال له معاوية: ادن منى برأسك اسارك.

قال: فدنا منه عمرو يساره، فعض معاوية اذنه، وقال: هذه خدعة، هل ترى في بيتك احدا غيرى وغيرك؟ (ثم أنشأ عمرو شعرا مضمونه ان اعطائى لك دينى نقد، واعطائك ملك مصر نسيئة اوله:)

معاوى لا أعطيك دينى ولم انل

بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع

قال: أبا عبد اله، الم تعلم ان مصرا مثل العراق؟ قال: بلى، ولكنها انما تكون لى اذا كانت لك وانما تكون لك اذا غلبت عليا على العراق، وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علىعليه‌السلام .

قال فدخل عتبة بن أبى سفيان فقال: اما ترضى أن. نشترى عمروا بمصر ان هى صفت لك؟ فليتك لا تغلب على الشام، فلما سمع معاوية قول عتبة أرسل إلى عمرو وأعطاها اياه، وكتب معاوية.

ثم ذكر ملامة ابنى عمرو، وابن عم له كان داهيا حليما وقال: الا تخبرنى يا عمرو بأى رأى تعيش في قريش؟ أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك؟ ! وجرى بينها كلام وشعر ذكره نصر بن مزاحم قى كتاب صفين ص ٤١.

٢٠ - مشورة عمرو ومعاوية في أمر جرير والبيعة

قال نصر ص ٤٤: لما بات عمرو عند معاوية واصبح اعطاه مصر طعمة له وكتب له بها وقال: ما ترى؟ قال... ثم قال: ما ترى في على؟ قال أرى فيه خيرا، اتاك هذه البيعة خير أهل العراق ومن عند خير الناس في أنفس الناس ودعواك اهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد، ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندى، وهو عدو لجرير المرسل اليك، فارسل اليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس ان عليا قتل عثمان، وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فانها كلمة جامعة لك اهل الشام على ما تحب، وان تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشئ أبدا. =

٣٥

____________________

= فكتب إلى شرحبيل: ان جرير بن عبدالله قدم علينا من عند على بن أبيطالب بأمر فطيع، فاقدم ودعا رؤس قحطان، واليمن، وبنى شرحبيل بن السمط، وكانوا ثقات معاوية وخاصته، فامرهم ان يلقوه ويخبروه ان عليا قتل عثمان. فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل وهو بحمص استشار اهل اليمن قاختلفوا عليه وقيل له (فعلام تصدق معاوية عليه؟ لا تهلك نفسك وقومك فان كرهت ان يذهب بحظها جرير فسر إلى علىعليه‌السلام فبايعه على شأنك وقومك. فأبى شرحبيل الا ان يسير إلى معاوية.

٢١ - دعوة جرير لشرحبيل إلى الحق ونصيحته في بيعته للامامعليه‌السلام

ذكر نصر ص ٤٦ وغيره قدوم شرحبيل على معاوية ونلقى الناس له معظمين ومصانعة معاوية له واجتماعه مع حصين بن نمير ثم اجتماعهما مع جرير بن عبدالله، قال: فتكلم شرحبيل فقال: يا جرير ! آتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الاسد، واردت ان تخلط الشام بالعراق، وأطرأت عليا وهو قاتل عثمان.

فأقبل عليه جرير فقال: يا شرحبيل، اما قولك: انى جئت بأمر ملفف فكيف يكون امرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والانصار وقوتل على رده طلحه والزبير. وأما قولك: انى القبتك في لهوات الاسد، ففى لهواتها ألقيت نفسك. وأما خلط العراق بالشام فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل. وأما قولك ان عليا قتل عثمان فو الله ما في يديك من ذلك الا القذف بالغيب من مكان بعيد، ولكنك ملت إلى الدنيا. وشئ كان في نفسك على زمن سعد بن أبى وقاص. فبلغ معاوية قول الرجلين، فبعث إلى جرير، فزجره ولم يدر ما أجابه اهل الشام.

٢٢ - كتاب جرير إلى شرحبيل نصيحة له

قال نصر ص ٤٨: وكتب جرير إلى شرحبيل:

شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى

فمالك في الدنيا من الدين من بدل

وقل لابن حرب مالك اليوم حرمة

تروم بها ما رمت، فاقطع له الامل

شرحبيل ان الحق قد جد جده

وانك مأمون الاديم من النخل

فأرود ولا تفرط بشئى نخافه

عليك ولا تعجل فلا خير في العجل

ولاتك كالمجرى إلى شرغاية

فقد خرق السربال واستنوق الجمل

وقال ابن هند في على عضيهة

ولله خرق في صدر ابن أبيطالب أجل

وما لعلى في ابن عفان سقطه

بأمر، ولا جلب عليه، ولا قتل

وما كان الا لازما قعر ببته

إلى ان أتى عثمان في بيته الاجل

فمن قال قولا غير هذا فحسبه

من الزور والبهتان قول الذى احتمل

وصى رسول الله من دون أهله

وفارسه الاولى به يضرب المثل

* * *

فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعرو فكر، وقال: هذه نصيحة لى في دينى ودنياى، لا والله لا أعجل في هذا الامر بشئ، وفى نفسى منه حاجة. =

٣٦

____________________

٢٣ - دسيسة معاوية لشراء دين شرحبيل اليمانى ولما ذعر شرحبيل من كتاب جرير دس معاوية وكاد لشراء دينه بديناه.

فقال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص ٤٩: فاستتر له القوم، ولفف له معاوية الرجال يدخلون اليه ويخرجون، ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفه، حتى أعاد وأرأيه وشحذوا عزمه. وقال ابن عبد البرقى الاستيعاب ج ١٤١ في شرحبيل انه كان عدوا لجرير فاستقدمه معاوية، فقدم عليه، فهيأ له رجالا يشهدون عنده ان عليا قتل عثمان، فشهدوا.

٢٤ - تعبير قوم شرحبيل له في عزمه الخبيث

ولما سمع قوم شرحبيل باتباعه لمعاوية للطمع. في الدنيا وعداء‌ا منه على جرير، عيروه.

فقال نصر ص ٤٩: وبلغ ذلك قومه فبعث ابن اخت له من بارق، وكان يرى رأى على بن أبيطالبعليه‌السلام ، فبايعه بعده وكان ممن لحق من أهل الشام، وكان ناسكا، فقال:

لعمر أبى الاشقى ابن هند لقد رمى

شرحبيل بالسهم الذى هو قاتله

ولفف قوما يسحبون ذيو لهم

جميعا وأولى الناس بالذنب فاعله

فألفى يمانيا ضعيفا نخاعه

إلى كل ما يهوون تحدى رواحله

فطأطأ لها لما رموه بثقلها

ولا يرزق التقوى من الله خاذله

ليأكل دنيا لابن هند بدينه

الا وابن هند قبل ذلك آكله

وقالوا على في ابن عفان، خدعه

ودبت اليه بالشنان عوائله

ولا والذى ارسى شبيرا مكانه

لقد كف عنه كفه ووسائله

وما كان الا من اصحاب محمد ص

وكلهم تغلى عليه مراجله

فما بلغ شرحبيل هذا القول قال: هذا بعيث الشيطان، الان امتحن الله قلبى. والله لاسير من صاحب هذا الشعر اوليفوتنى. فهرب الفتى إلى الكوفة، وكان اصله منها، وكاد اهل الشام ان يرتابوا.

٢٥ - كتاب النجاشى إلى شرحبيل

قال ابن حجر في الاصابة ج ٢ ١٤٢ في ترجمة شرحبيل: يقول النجاشى يخاطبه:

شرحبيل ما للدين فارقت امرنا

ولكن لبغض المالكى جرير

وانما نسبه مالكيا لانه من ذرية مالك بن سعد بن بدر، بطن من بجيلة، و كان ما بين شرحبيل وجرير تباعد. =

٣٧

____________________

= وقال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص ٥١: فبعث اليه النجاشى بن الحارث وكان صديقا له:

شرحبيل ما للدين فارقت امرنا

ولكن لبغض المالكى جرير

وشحناء دبت بين سعد وبينه

فاصبحت كالحادى بغير بعير

وما انت، اذ كانت بجيلة عاتبت

قريشا فيا لله بعد نصير

أتفضل امرا غبت عنه بشبهة

وقد حار فيها عقل كل بصير

بقول رجال لم يكونوا أئمة

ولا للتى لقو كها بحضور

وما قول قوم غائبين تقاذفوا

من الغيب مادلاهم بغرور

وتترك ان الناس اعطوا عهودهم

علياعليه‌السلام على انس به وسرور

اذا قيل هاتوا واحدا تقتدونه

نظيرا له لم يفصحوا بنظير

لعلك ان تشقى الغراة بحربه

شرحبيل ما ما جئته بصغير

٢٦ - تحريص معاوية شرحبيل على ندائه بأن علياعليه‌السلام

قتل عثمان ورد جرير عليه قال نصر: وبعث معاوية إلى شرحبيل: ان هذا الامر الذى قد عرفته لا يتم الا برضا العامة، فسر في مدائن الشام، وناد فيهم بأن عليا قتل عثمان، وانه يجب على المسلمين ان يطلبوا بدمه.فسار.. وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها، لا يأتى على قوم الا قبلوا ما اتاهم به ثم دخل على معاوية، فقال انت عامل امير المؤمنين وابنه، و؟ حن المؤمنون، فان كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان حتى ندرك بثارنا اوتفنى ارواحنا استعملناك علينا...

فقال جرير: يا شرحبيل مهلا فان الله قد حقن الدماء، ولم الشعث، وجمع امر الامة، ودنا من هذه الامة سكون، فاياك ان تفسد بين الناس، وأمسك عن هذا القول قبل ان يظهر منك قول لا تستطيع رده.

قال: لا والله لا أستره ابدا، ثم قام فتكلم، فقال الناس: صدق صدق، القول ما قال والرأى ما رأى.

فأيس جرير عند ذلك عن معاوية وعن عوام الشام.

٢٧ - خدعة معاوية لجرير في كتاب منهما إلى الامامعليه‌السلام

قال نصر في كتاب صفين ص ٥٢، وكذا ابن ابى الحديد في الشرح ج ٣ ٨٤ عن الجرجانى قال: كان معاوية أتى جريرا في منزله، فقال يا جرير انى رأيت رأيا. قال: هاته.

قال: اكتب إلى صاحبك يجعل لى الشام ومصر جباية، فاذا حضرته الوفاة لم يجعل لاحد بعده بيعة في عنقى، واسلم له هذا الامر. واكتب اليه بالخلافة.

فقال جرير: اكتب بما اردت، واكتب معك، فكتب معاوية بذلك إلى علىعليه‌السلام .

قلت: ثم ذكر نصر شعرين للوليد بن عقبة الاموى يحرض فيهما معاوية على حرب الامامعليه‌السلام وفيهما:

سألت عليا فيه مالن تناله

ولو نلته لم يبق الا لياليا

أمثل على (عليه‌السلام ) تعتريه بخدعة

وقد كان ما جربت من قبل كافيا

وايضا من شعره في ذلك:

فان عليا غير ساحب ذيله

على خدعة ما سوغ الماء شاربة

٢٨ - كتاب الامامعليه‌السلام إلى جرير يكشف فيه عن خدعة معاوية

٣٨

____________________

= قال نصر: فكتب علىعليه‌السلام إلى جرير: اما بعد فانما اراد معاوية ألا يكون في عنقه بيعة، وان يختار من امره ما احب، وأراد ان يريثك حتى يذوق اهل الشام، وان المغيرة بن شعبة قد كان اشار على ان استعمل معاوية على الشام وانا بالمدينة، فأبيت ذلك عليه ولم يكن الله ليرانى أتخذ المضلين عضدا، فان بايعك الرجل فأقبل. قال: فخرج جرير يتجسس الاخبار، فاذا هو بغلام يتغنى على قعود له، وهو يقول:

حكيم، وعمار الشجا، ومحمد

وأشتر، والمكشوح جروا الدواهيا

وقد كان فيها للزبير عجابة

وصاحبه الادنى أشاب النواصيا

فأما علىعليه‌السلام فاستغاث ببيته

فلا آمر فيها ولم يك ناهيا

وقلت في جميع الناس ما شئت بعده

وان قلت اخطأ الناس لم تك خاطيا

إلى آخر شعره...

قال جرير: يا ابن اخى ! من انت؟ قال: انا غلام؟ ن قريش و أصلى من ثقيف، أنا ابن المغيرة الاخنس بن شريق، قتل أبى مع عثمان يوم الدار. فعجب جرير من قوله، وكتب بشعره إلى علىعليه‌السلام ، فقال علىعليه‌السلام : والله من اخطأ الغلام شيئا.

٢٩ - توقيت الامامعليه‌السلام لجرير وقتا لاقامته

قال نصر ص ٥٥ عن حديث صالح قال: ابطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس، وقال علىعليه‌السلام : وقت لرسولى وقتا لا يقيم بعده الا مخدوعا او عاصيا.

قال نصر: وابطأ على عليعليه‌السلام حتى أيس منه.

٣٠ - اشارة اصحاب الامامعليه‌السلام بالحرب مع معاوية وجوابهعليه‌السلام

ولما ابطأ جرير أشار اصحاب الامامعليه‌السلام بالاستعداد لحرب اهل الشام فقال الامامعليه‌السلام كما في نهج البلاغه ٤٣: ان استعدادى حرب اهل الشام وجرير عندهم، اغلاق للشام، وصرف لاهله عن خير ان ارادوه، ولكن وقت لجرير وقتا لا يقيم بعده الا مخدوعا او عاصيا، والرأى مع الاناه فارودوا، ولا اكره لكم الا عدا، ولقد ضربت أنف هذا الامر وعينه، وقلبت ظهره و؟ طنه، فلم أر فيه الا القتال او الكفر بما جاء محمد صلى الله عليه، انه قد كان على الامة وال أحدث احداثا، وأوجد الناس مقالا، فقالوا، ثم نقموا فغيروا.

٣١ - كتاب الامام إلى جرير في تخييره معاوية بين السلم والبيعه وبين الحرب:

قال نصر ص ٥٥: وفى حديث محمد وصالح بن صدقة قالا: وكتب علىعليه‌السلام إلى جرير بعد ذلك: اما بعد فاذا أتاك كتابى هذا فاحمل معاوية على الفصل، وخذه بالامر الحزم، ثم خيره بين حرب مجلية، او سلم محظية، فان اختار الحرب فانبذله، وان اختار السلم فخذ بيعته. وفى نهج البلاغه تمام الكتاب مع تفاوت يسير في بعض الفاظه. فلما انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية فأقرأه الكتاب فقال له: يا معاوية انه لا يطبع على قلب الا بذنب، ولا يشرح صدر الا بتوبة، ولا اظن قلبك الا مطبوعا، اراك قد وقفت بين الحق والباطل كأمك تنتظر شيئا في يدى غيرك. فقال معاوية: القاك بالفيصل اول مجلس ان شاء الله.

فلما بايع معاوية اهل الشام وذاقهم قال: يا جرير الحق بصاحبك، واكتب اليه بالحرب.

٣٢ - رجوع جرير متهما في امر معاوية

قال ابن ابى الحديد في الشرح ج ٣ ص ١٥ ونصر في كتاب صفين ص ٥٩ عن صالح بن صدقة باسناده قال: لما رجع جرير إلى علىعليه‌السلام كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية، فاجتمع جرير والاشتر عند علىعليه‌السلام .

فقال الاشتر: اما والله يا امير المؤمنين ! لو كنت ارسلتنى إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذى أرخى من خناقه، واقام عنده، حتى لم يدع بابا يرجو روحه الا فتحه، او يخاف غمه الاسد. =

٣٩

____________________

= فقال جرير: والله لو أتيتهم لقتلوك، وخوفه بعمرو، وذى الكلاع، وحوشب ذى ظليم، وقد زعموا انك من قتلة عثمان.

فقال الاشتر: لو أتيته والله يا جرير لم يعينى جوابها، ولم يثقل على محملها، ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر. قال: فأتهم اذا. قال: الان وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشر؟ !.

ثم قال عن عامر الشعبى قال: اجتمع جرير والاشتر عند علىعليه‌السلام فقال الاشتر: أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين ان تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشه؟ وأقبل الاشتر يشتمه ويقول: يا أخا بجيلة ! ان عثمان اشترى منك دينك بهمدان. والله ما أنت بأهلل أن تمشى فوق الارض حيا، انما أتيتهم لتتخذ يدا بمسيرك اليهم، ثم رجعت الينا من عندهم تهددنا بهم، وأنت والله منهم، ولا أرى سعيك الا لهم، ولئن اطاعنى فيك أمير المؤمنينعليه‌السلام ليحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه، حتى تستبين هذه الامور ويهلك الله الظالمين.

قال جرير: وددت والله انك كنت مكانى بعثت، اذا والله لم ترجع.

قال نصر: وقال الاشتر فيما كان من تخويف من جرير اياه بعمرو و حوشب وذى الكلاع: (لعمرك يا جرير لقول عمرو) إلى آخر شعره.

٣٣ - ترك جرير الكوفة ولحوقه بقرقيساء

ولما اعتزل جرير عن الحق وأظهر الشقاق سكن قرقيساء، حتى هلك سنة اربع وخمسين او احد وخمسين، ذكره ابنا عبدالبر، وحجر في الاستيعاب والاصابة.

وذكر نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص ١٢: ان ارض الجزيرة وحران والرفة والرهة وقرقيساء كان في سلطان الضحاك لمعاوية، وكان من كان بالكوفة والبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان معاوية، فخرج الاشتر وهو يريد الضحاك بن قيس بحران. ثم مضى على اهل قرقيساء فتحرزوا منه...

وذكره ابن ابى الحديد في الشرح ج ٤ ص ٨٤. وقال نصر ايضا بعد كلام الاشتر لجرير ص ٥٩: فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيساء، ولحق به اناس من قسر من قومه..

وقال ابن ابى الحديد في الشرح ج ٤ ص ٩٣ في المنحرفين عن علىعليه‌السلام : وممن فارقهعليه‌السلام حنظلة الكاتب، خرج هو وجرير بن عبدالله البجلى من الكوفة إلى قرقيساء، وقالا: لا نقيم ببلدة يعاب فيها عثمان. وتقدم ص ٤٣ عن الذهبى في سير اعلام النبلاء ج ٣ ص ١١١ نحوه.

٣٤ - انحراف جرير وتوليه عن سبيل الحق

وقد تولى جرير بن عبدالله البجلى عن سبيل المؤمنين وطريق الحق بعدما تبين له الهدى، وأظهر الانحراف عن الامام امير المؤمنينعليه‌السلام جهارا وأعلن العدى والشقاق، وصار من أهل هذه الاية: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا. النساء ٥ ١).

وروى العياشى في تفسيره ج ١ ٢٧٥ كما في البحار ج ٤٢ ١٤٩ ونور الثقلين ج ١ ٥٥١ عنه عن عمرو بن ابى المقدام عن ابيه عن رجل من الانصار قال: خرجت أنا والاشعث الكندى، وحرير البجلى حتى اذا كنا بظهر الكوفة بالفرس من بناضب، فقال الاشعث وجرير: السلام عليك يا امير المؤمنين خلافا على على بن ابيطالبعليه‌السلام فلما خرج الانصارى قال لعلىعليه‌السلام ، فقال علىعليه‌السلام : دعهما فهو امامهما يوم القايمه، اما تسمع إلى الله وهو يقول: (نوله ما تولى).

وقال ابن ابى الحديد في الشرح ج ٤ ٧٥ في ذكر المنحرفين عن علىعليه‌السلام : وروى يحيى بن عيسى الرملى عن الاعمش: ان جريرا والاشعث خرجا إلى جبان الكوفه، فمر بهما ضب بعدو، وهما في ذم علىعليه‌السلام ، فنادياه: يا أبا حسل هلم يدك نبايعك بالخلافة، فبلغ علياعليه‌السلام قولهما، فقال: اما انهما يحشران يوم القيامة وامامهما ضب. =

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

٤٦٢ ـ راهب قنّسرين يكلّم الرأس الشريفعليه‌السلام :

(البحار للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٣٠٣ ط ٣)

في (البحار) عن (المناقب) عن النّطنزي في (الخصائص) : لما جاؤوا برأس الحسينعليه‌السلام ونزلوا منزلا يقال له (قنّسرين) اطّلع راهب من صومعته إلى الرأس ، فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه [أي فمه] ويصعد إلى عنان السماء.

يقول العلامة المجلسي معلّقا : " كأن هذا الراهب كان يرى ملكوت الأشياء برياضته ورهبانيته ، فرأى النور الساطع من الرأس ، ولا يراه سائر الناس».

فأتاهم بعشرة آلاف درهم ، وأخذ الرأس وأدخله صومعته. فسمع صوتا ولم ير شخصا ، قال : طوبى لك ، وطوبى لمن عرف حرمته. فرفع الراهب رأسه وقال :يا رب بحق عيسىعليه‌السلام تأمر هذا الرأس بالتكلم معي!. فتكلم الرأس وقال :يا راهب أيّ شيء تريد؟. قال: من أنت؟. قال : أنا ابن محمّد المصطفى ، وأنا ابن علي المرتضى ، وأنا ابن فاطمة الزهراء. أنا المقتول بكربلا ، أنا المظلوم ، أنا العطشان. وسكت.

فوضع الراهب وجهه على وجهه ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول :أنا شفيعك يوم القيامة. فتكلم الرأس وقال : ارجع إلى دين جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال الراهب: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله. فقبل له الشفاعة.

فلما أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم. فلما بلغوا الوادي ، نظروا الدراهم قد صارت حجارة.

ولعل هذا الراهب غير الراهب الّذي ذكرنا قصته فيما قبل ، لأن في طريق الشام كان من الرهبان غير واحد ، والله العالم».

٤٦٣ ـ راهب قنّسرين يتولى الرأس الشريف ، ويعتنق الإسلام بسببه :

(البحار ، ج ٤٥ ص ١٧٢ ط ٣ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٠٢)

ذكر صاحب (العوالم) عن بعض المناقب القديمة : روي أنه لما حمل رأس الحسينعليه‌السلام إلى الشام ، جنّ عليهم الليل ، فنزلوا عند رجل من اليهود ، فلما شربوا وسكروا قالوا له : عندنا رأس الحسين. فقال : أروه لي. فأروه وهو في الصندوق يسطع منه النور نحو السماء.

فتعجب منه اليهودي ، فاستودعه منهم (فأودعوه عنده) ، وقال للرأس (وقد رآه

٣٨١

بذلك الحال) : اشفع لي عند جدك. فأنطق الله الرأس ، فقال : إنما شفاعتي للمحمديين ، ولست بمحمديّ. فجمع اليهودي أقرباءه ، ثم أخذ الرأس ووضعه في طست ، وصبّ عليه ماء الورد ، وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر ، ثم قال لأولاده وأقربائه : هذا رأس ابن بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم قال : يا لهفاه حيث لم أجد جدّك محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسلم على يديه. يا لهفاه حيث لم أجدك حيا فأسلم على يديك وأقاتل بين يديك ، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟. فأنطق الله الرأس ، فقال بلسان فصيح : إن أسلمت فأنا لك شفيع. قاله ثلاث مرات ، وسكت. فأسلم الرجل وأقرباؤه.

يقول العلامة المجلسي : ولعل هذا اليهودي كان راهب قنّسرين ، لأنه أسلم بسبب رأس الحسينعليه‌السلام . وقد جاء ذكره في الأشعار ، وأورده الجوهري والجرجاني في مراثي الحسينعليه‌السلام .

ثم يقول معلقا على الفكرة الأخيرة : لكن اليهودي لا يكون راهبا تاركا للدنيا ، بل يكون حبرا من الأحبار.

معرة النعمان

٤٦٤ ـ في معرة النعمان :(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٦)

قال أبو مخنف : وأتوا إلى (معرّة النعمان) واستقبلوهم وفتحوا لهم الأبواب ، وقدّموا لهم الأكل والشرب ، وبقوا بقية يومهم.

شيزر (المصدر السابق)

ورحلوا منها ونزلوا (شيزر) وكان فيها شيخ كبير ، فقال : يا قوم هذا رأس الحسينعليه‌السلام ، فتحالفوا أن لا يجوزوا في بلدهم. فلما عاينوا ذلك منهم لم يدخلوها.

كفر طاب

ذكر ياقوت الحموي في (معجم البلدان) أن كفر طاب بلدة بين المعرة وبين حلب في البرية ، وهو اشتباه. وقد ذكر أبو مخنف كما سترى أن السبايا مروا بكفر طاب بعد

٣٨٢

شيزر ، وهو اشتباه أيضا. والصحيح ما ذكره أبو الفداء في (تقويم البلدان) من أن كفر طاب على الطريق بين المعرة وشيزر ، ذكره العزيزي.

٤٦٥ ـ في كفر طاب(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : وساروا إلى أن وصلوا إلى (كفر طاب) وكان حصنا صغيرا ، فغلّقوا الأبواب عليهم. فتقدم إليهم خولي فقال : ألستم في طاعتنا فاسقونا الماء. فقالوا : والله لا نسقيكم قطرة واحدة وأنتم منعتم الحسينعليه‌السلام وأصحابه الماء.

سيبور

٤٦٦ ـ قتال في سيبور(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : فرحلوا عنها وأتوا (سيبور) وهم أيضا غلّقوا الأبواب عليهم.وكان فيها شيخ كبير وقد شهد عثمان بن عفان ، فجمع أهل سيبور المشايخ والشبان ، فقال : يا قوم إن الله كره الفتنة ، وقد مرّ هذا الرأس في جميع البلدان ولم يعارضه أحد ، فدعوه يجوز في بلدكم. فقال الشبان : والله لا كان ذلك أبدا. ثم عمدوا إلى القنطرة فقطعوها ، فخرجوا عليهم شاكين في السلاح. فقال لهم خولي : إليكم عنا ، فحملوا عليه وعلى أصحابه فقاتلوهم قتالا شديدا. فقتل من أصحاب خولي ستمائة فارس ، وقتل من الشبان خمس فوارس.

فقالت أم كلثومعليها‌السلام : ما يقال لهذه المدينة؟. فقالوا : سيبور ، فقالت : أعذب الله تعالى شرابهم وأرخص الله أسعارهم ورفع أيدي الظلمة عنهم.

قال أبو مخنف : فلو أن الدنيا مملوءة ظلما وجورا لما نالهم إلا قسط وعدل.

إلى حماة

٤٦٧ ـ المسير إلى حماة :(المصدر السابق ، ص ١١٧)

ثم ساروا حتى وصلوا (حماة) ، فغلّقوا الأبواب في وجوههم ، وصعدوا على السور ، وقالوا : والله لا تدخلون بلدنا هذا ، ولو قتلنا عن آخرنا. فلما سمعوا ذلك ارتحلوا.

٣٨٣

٤٦٨ ـ مسجد الحسينعليه‌السلام قرب حماة(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٧٩)

ذكر في (نفس المهموم) عن بعض أرباب المقاتل أنه قال : سافرت إلى الحج فوصلت إلى حماة ، فرأيت بين بساتينها مسجدا يسمى مسجد الحسينعليه‌السلام . قال :

فدخلت المسجد فرأيت في بعض عماراته سترا مسبلا من جدار ، فرفعته ورأيت حجرا منصوبا في الجدار ، وكان الحجر مؤرّبا فيه موضع عنق رأس أثّر فيه ، وكان عليه دم منجمد. فسألت بعض خدّام المسجد : ما هذا الحجر والأثر والدم؟. فقال لي : هذا الحجر موضع رأس الحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام ، وضعه القوم الذين ساروا به إلى دمشق.

جبل زين العابدين

لقد حاول عساكر الشمر بعد معرة النعمان أن ينزلوا في عدة بلدات فلم يفلحوا ، فقد منعهم أهل شيزر وكفر طاب وسيبور من دخول مدنهم والإقامة فيها ، وهؤلاء أهل (طيبة الإمام) يمنعونهم أيضا ، مما اضطرهم لاتخاذ مكان مناسب للمبيت.وفي نظري أن ذلك المكان هو الربوة الواقعة على بعد ١٠ كم شمال حماة ، فأقاموا على مرتفعها متحصنين بها من أي مهاجم يمكن أن يباغتهم. ولما أقام زين العابدينعليه‌السلام هناك وصلّى صارت مسجدا مكرما يزوره المؤمنون ويتبركون به ، وسمّي مقام زين العابدينعليه‌السلام .

(الشكل ١٤)

مسير السبايا من معرة النعمان إلى حماة مرورا بطيبة الإمام

٣٨٤

والظاهر أنهم قبل وصولهم إلى حماة ، مروا ببلدة سميت (طيبة الإمام) فاحتفل أهلها بالسبايا ، مما اضطر الشمر إلى سحبهم منها إلى التلة الواقعة شمال حماة من جهة الشرق (مقام زين العابدين) ، وهي محاذية ل (قمحانة) التي تبعد ٦ كم شمال حماة (انظر الشكل ١٤).

ولعل مقام زين العابدينعليه‌السلام هذا ، هو غير المسجد الّذي ذكر آنفا ، فقوله (فرأيت بين بساتينها مسجدا إلى آخر الرواية) يوحي بأن القوم قبل صعودهم إلى الربوة ومبيتهم بها ، وضعوا الرأس الشريف قريبا من حماة منتظرين جواب أهلها بالسماح لهم بالدخول ، فقطرت قطرة دم من الرأس الشريف فأقاموا عليها مسجدا ، اعترافا بمنزلة الحسينعليه‌السلام وكرامته عند الله.

الرستن

٤٦٩ ـ في الرستن :(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٤)

قال أبو مخنف : ثم رحلوا إلى مدينة (حما) وهم مذعورون ، فغلّقوا الأبواب في وجوههم ، ومنعوهم من الدخول إليها. فأجازوه من شرقيّها إلى

(الرستن). وكتبوا إلى صاحب حمص

٤٧٠ ـ خبر درّة الصدفية من حلب :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٠)

قصة امرأة جريئة مقدامة جهّزت كتيبة من المقاتلين ، وخرجت من حلب حتى التقت بجيش شمر وخولي في الطريق ، وحاولت تخليص رأس الحسينعليه‌السلام والسبايا من الأعداء ، فلم تستطع لكثرتهم ، فرجعت.

نجد قصتها في (أسرار الشهادة) ؛ كما نجد قصتها أيضا في (مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد) ص ٤٤ وما بعدها ، عدة صفحات ، اكتفينا بالاشارة إليها.

حمص

٤٧١ ـ مطاردة أهل حمص للأوغاد :

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٧)

قال أبو مخنف : وساروا إلى حمص ، وكتبوا إلى صاحبها : أن معنا رأس الحسينعليه‌السلام . وكان أميرها خالد بن النشيط. فلما قرأ الكتاب أمر بالأعلام

٣٨٥

فنشرت ، والمدينة فزيّنت. وتداعى الناس من كل جانب ومكان. وخرج فتلقّاهم على مسيرة ثلاثة أميال. وشهروا الرأس ، وساروا حتى أتوا باب

(حمص).

فازدحمت الناس بالباب ، فرموهم بالحجارة ، حتى قتل ستة وعشرون فارسا.وأغلقوا الباب في وجوههم ، وقالوا : يا قوم ، أكفر بعد إيمان ، وضلال بعد هدى.لا تتركوا رأس ابن بنت نبيّكم يجوز في مدينتكم.

فخرجوا ووقفوا عند كنيسة قسيس نصارى ، وهي دار خالد بن النشيط. فتحالفوا أن يقتلوا خولي ويأخذوا منه الرأس ، ليكون فخرا لهم إلى يوم القيامة. فبلغهم ذلك فرحلوا عنهم خائفين ، وأتوا بعلبك.

٤٧٢ ـ في كنيسة جرجيس الراهب في حمص :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٢)

نقل عن الشعبي أنه لما أتوا بالسبايا إلى حمص ومنعوهم من الدخول ، دخلوا بالرأس الشريف من باب الرستن ، وأتوا به إلى كنيسة جرجيس الراهب ، وباتوا هناك. وساروا طالبين حوشبة [لعلها تصحيف : جوسية]. ثم جاؤوا بعلبك.

خندق الطعام

٤٧٣ ـ في خندق الطعام :

(نور العين في مشهد الحسين لاسحق الاسفريني ، ص ٨٦)

ثم ساروا إلى أن أقبلوا إلى حمص. فكتبوا لحاكمها : تلقّانا فإن معنا رأس خارجي. فلما وصله الكتاب أمر بنصب الأعلام ، وخرج ولاقاهم وأكرمهم غاية الإكرام.

ثم ارتحلوا إلى (خندق الطعام) فغلّق أهلها الأبواب ، فارتحلوا إلى (جوسية).

جوسية

٤٧٤ ـ في جوسية(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٤)

قال أبو مخنف : حدّثني من حضر ذلك اليوم (بجوسية) أن حاكمها جرّد فيها زهاء

٣٨٦

أربعة آلاف سيف ، وتحالفوا أنهم يقتلون خولي ، ويأخذون الرأس ويدفنونه بجوسية ، ليكون لهم فخرا وعزا.

اللبوة

٤٧٥ ـ مرورهم باللبوة(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : فبلغ ذلك خولي ، فمالوا عن البلد ، وعبروا إلى (اللبوة) ، وكتبوا إلى صاحب بعلبك

بعلبك

٤٧٦ ـ في بعلبك(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٨)

قال أبو مخنف : وأتوا (بعلبك). وكتبوا إلى صاحبها أن تلقّانا ، إن معنا رأس الحسين. فأمر بالجواري أن يضربن الدفوف ، ونشرت الأعلام ، وضربت البوقات ، وأخذوا بالفرح والسرور ، مزيّنين وملطّخين رؤوسهم بالزعفران. واستقبلوا القوم ستة أميال ، وسقوهم الماء والفقّاع [أي البيرة] والسويق والسكر ، وهم يرقصون ويغنّون ويصفّقون ، وباتوا ثملين.

فقالت أم كلثومعليها‌السلام : ما يقال لهذا البلد؟. قالوا : بعلبك. فقالت : أباد الله كثرتهم وخضراتهم ، ولا أعذب الله شرابهم ، ولا رفع الظلم عنهم.

قال : فلو أن الدنيا مملوءة عدلا وقسطا ، لما نالهم إلا ظلم وجور.

(أقول) : هذا كان حالهم حين كانوا أعداء لأهل البيتعليهم‌السلام ، أما الآن فهم على العكس من ذلك ، وهم من أكبر الموالين لهم ، زادهم الله كثرة وخضرة.

أما ما ذكر عن خولة بنت الحسينعليهما‌السلام من قصة في بعلبك ، فلست أرجّحها لأن الإمام الحسينعليه‌السلام لم تكن له ابنة بهذا الاسم ، كما حّققت في كتابي (أنساب العترة الطاهرة) فليراجع.

صومعة الراهب

٤٧٧ ـ في صومعة الراهب(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : وباتوا في بعلبك يأكلون ويشربون الخمور إلى الصباح. ثم

٣٨٧

ارتحلوا إلى طريق الحي ، فأدركهم المساء عند (صومعة راهب) فنزلوا ، وأسندوا الرأس إليها ، فأنشأ زين العابدينعليه‌السلام يقول :

هو الزمان فما تفنى عجائبه

عن الكرام ولا تفنى مصائبه

فليت شعري إلى كم ذا تجاذبنا

صروفه وإلى كم ذا نجاذبه

يسيّرونا على الأقتاب عارية

وسائق العيس يحمى عنه غاربه

كأننا من سبايا الروم بينهم

أو كلّ ما قاله المختار كاذبه

كفرتم برسول الله ويلكم

يا أمة السوء قد ضاقت مذاهبه

قال أبو مخنف : فلما جنّ الليل دفعوا الرأس إلى جانب الصومعة. فلما عسعس الليل سمع الراهب دويّا كدويّ النحل ، فعلم أنه تسبيح الملائكة ، واستأنس من أنوار ساطعة. فأخرج الراهب رأسه من الصومعة ، فنظر إلى رأس الحسينعليه‌السلام وإذا هو يسطع نورا إلى عنان السماء. ونظر إلى باب قد فتح من السماء والملائكة ينزلون كتائبا كتائبا ، ويقولون : السلام عليك يابن رسول الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله. فجزع الراهب جزعا شديدا.

فلما أصبحوا همّوا بالرحيل ، فأشرف الراهب عليهم ، ونادى : من هو عميدكم والمقدّم عليكم؟. فقالوا : خولي بن يزيد. فقال الراهب : وما الّذي معكم؟.قالوا : رأس خارجي خرج بأرض العراق ، قتله عبيد الله بن زياد. فقال : ما اسمه؟.قالوا : الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة الزهراء ، وجده محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال الراهب : تبّا لكم ولما جئتم في طاعته. لقد صدقت الأخبار في قولها ، أنه إذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دما ، ولا يكون هذا إلى بقتل نبي أو وصي نبي.

ثم إنه أدخل رأسه إلى الصومعة وخرّ مغشيا عليه. فلما أفاق قال : صدقت الأخبار ، لأنهم قالوا : يقتل في هذا الوقت نبي أو ابن بنت نبي أو وصي.

ثم قال : أريد أن تدفعوا إليّ هذا الرأس ساعة واحدة وأردّه عليكم. فقال خولي :ما كنت بالذي أكشفه إلا عند يزيد ، وآخذ منه الجائزة. فقال الراهب : وكم جائزتك؟. فقال : بدرة [أي صرّة] فيها عشرة آلاف درهم. فقال الراهب : أنا أعطيك البدرة. فقال: أحضرها. فأحضرها الراهب ودفعها إليهم ، فدفعوا له الرأس وهو على القناة.

٣٨٨

فأخذه الراهب ، وجعل يقبّله ويبكي ويقول : يعزّ والله عليّ يا أبا عبد الله أن لا أواسيك بنفسي ، وأن لا أكون أول شهيد أستشهد بين يديك. ولكن يا أبا عبد الله إذا لقيت جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقرئه مني السلام ، وأخبره أني على قول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، وأشهد أن عليا ولي الله.

ودفع الرأس إليهم. فجعلوا يقتسمون الدراهم ، وإذا هي بأيديهم خزف مكتوب عليها:( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : ٢٢٧].

فقال خولي لأصحابه : اكتموا هذا الخبر ، يا ويلكم عن الخزي بين الناس.

٤٧٨ ـ (رواية مشابهة) خبر الرأس وصاحب الدير :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٧٤)

فنزلوا بعض المنازل ، وفي ذلك المنزل دير فيه راهب. فأخرجوا الرأس على عادتهم ، ووضعوه على الرمح ، وحرسه الحرس على عادتهم ، وأسندوا الرمح إلى الدير. فلما كان في نصف الليل رأى الراهب نورا من مكان الرأس إلى عنان السماء.

فأشرف على القوم وقال : من أنتم؟. قالوا : نحن أصحاب ابن زياد. قال : وهذا رأس من؟. قالوا : رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : نبيّكم؟!. قالوا : نعم. قال : بئس القوم أنتم ، لو كان للمسيحعليه‌السلام ولد لأسكنّاه أحداقنا!.

ثم قال : هل لكم في شيء؟. قالوا : وما هو؟. قال : عندي عشرة آلاف دينار ، تأخذونها وتعطوني الرأس ، يكون عندي تمام الليلة ، وإذا رحلتم تأخذوه؟. قالوا :وما يضرّنا!. فناولوه الرأس وناولهم الدنانير. فأخذه الراهب فغسّله وطيّبه ، وتركه على فخذه ، وقعد يبكي الليل كله.

فلما أسفر الصبح قال : يا رأس لا أملك إلا نفسي ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن جدك محمدا رسول الله ، وأشهد الله أنني مولاك وعبدك.

ثم خرج عن الدير وما فيه ، وصار يخدم أهل البيتعليهم‌السلام .

قال ابن هشام في (السيرة) : ثم إنهم أخذوا الرأس وساروا. فلما قربوا من دمشق ، قال بعضهم لبعض : تعالوا حتى نقسم الدنانير ، لا يراها يزيد فيأخذها منا.

٣٨٩

فأخذوا الأكياس وفتحوها ، وإذا الدنانير قد تحولت خزفا ، وعلى أحد جانبي الدينار مكتوب :( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) [إبراهيم : ٤٢] وعلى الجانب الآخر :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : ٢٢٧]. فرموها في (برداء) وهو نهر بدمشق.

دير النصارى

قصة الراهب رويت بأشكال متعددة ، والرواية التالية تذكر أحداثها في

(دير النصارى) والراوي هو (أسلم) الّذي علم أن الله لن يغفر له. وسترد قصته الأساسية عند الحديث على هند زوجة يزيد في دمشق ، في اليوم الثاني من إقامة السبايا هناك.

٤٧٩ ـ (رواية ثالثة) في دير النصارى :(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٨٤ ط ٣)

في كتاب (الخرايج والجرايح) للقطب الراوندي ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، قال : بينما أنا في الطواف بالموسم إذا رأيت رجلا يدعو وهو يقول : الله م اغفر لي ، وأنا أعلم أنك لا تغفر!.

قال : فارتعدت لذلك ، ودنوت منه وقلت : يا هذا أنت في حرم الله وحرم رسوله ، وهذه أيام حرم في شهر عظيم ، فلم تيأس من المغفرة؟!.

قال : يا هذا ذنبي عظيم. قلت : أعظم من جبل تهامة؟. قال : نعم. قلت : يوازن الجبال الرواسي؟. قال : نعم ، فإن شئت أخبرتك به. قلت : أخبرني. قال : اخرج بنا عن الحرم ، فخرجنا منه.

ما حصل للرأس الشريف في دير النصارى :

فقال لي : أنا أحد من كان في العسكر المشؤوم ، عسكر عمر بن سعد ، حين قتل الحسينعليه‌السلام . وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة.فلما حملناه على طريق الشام ، نزلنا على دير للنصارى ، وكان الرأس معنا مركوزا على رمح ، ومعه الأحراس. فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل ، فإذا بكفّ في حائط الدير تكتب (على الحائط) :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

٣٩٠

قال : فجزعنا من ذلك جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت.ثم عاد أصحابي إلى الطعام ، فإذا الكف قد عادت تكتب :

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فقام أصحابنا إليها ، فغابت. ثم عادوا إلى الطعام ، فعادت تكتب :

وقد قتلوا الحسين بحكم جور

وخالف حكمهم حكم الكتاب

فامتنعت وما هنّأني أكله.

ثم أشرف علينا راهب من الدير ، فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس ، فأشرف فرأى عسكرا.

فقال الراهب للحراس : من أين جئتم؟. قالوا : من العراق ، حاربنا الحسين.فقال الراهب : ابن فاطمة بنت نبيّكم ، وابن ابن عم نبيّكم!. قالوا : نعم. قال : تبّا لكم ، والله لو كان لعيسى بن مريم ابن لحملناه على أحداقنا!.

ولكن لي إليكم حاجة. قالوا : وما هي؟. قال : قولوا لرئيسكم : عندي عشرة آلاف دراهم ، ورثتها من آبائي ، يأخذها مني ويعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل ، فإذا رحل رددته إليه؟. فأخبروا عمر بن سعد بذلك [فيه توهّم ، فالذي أتى بالرأس إلى الشام هو زحر بن قيس ولم يكن عمر بن سعد معهم]. فقال : خذوا منه الدنانير وأعطوه الرأس إلى وقت الرحيل. فجاؤوا إلى الراهب فقالوا : هات المال حتى نعطيك الرأس ، فأدلى إليهم جرابين ، في كل جراب خمسة آلاف درهم. فدعا ابن سعد بالناقد والوزّان ، فانتقدها ووزنها ودفعها إلى خازن له ، وأمر أن يعطي الرأس.

ما فعل الراهب بالرأس الشريف :

فأخذ الراهب الرأس فغسّله ونظّفه وحشاه بمسك وكافور كان عنده ، ثم جعله في حريرة ووضعه في حجره [أي حضنه]. ولم يزل ينوح ويبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس. فقال : يا رأس ، والله لاأملك إلا نفسي ، فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمّد ، أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله. أسلمت على يديك وأنا مولاك.

وقال لهم : إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة وأعطيه الرأس ، فدنا عمر بن

٣٩١

سعد ، فقال : سألتك بالله وبحق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس ، ولا تخرج بهذا الرأس من هذا الصندوق. فقال له : أفعل. فأعطاه الرأس.ونزل الراهب من الدير يلحق ببعض الجبال يعبد الله. ومضى عمر بن سعد ففعل بالرأس مثلما كان يفعل في الأول.

الدنانير تتقلب خزفا :

فلما دنا من دمشق قال لأصحابه : انزلوا. وطلب من الجارية الجرابين فأحضرت بين يديه. فنظر إلى خاتمه ، ثم أمر أن يفتح ، فإذا الدنانير قد تحولت خزفية. فنظروا في سكّتها فإذا على جانبها مكتوب :( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) [إبراهيم : ٤٢] وعلى الجانب الآخر مكتوب :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : ٢٢٧]. فقال (ابن سعد) : إنا لله وإنا إليه راجعون ، خسرت الدنيا والآخرة.

ثم قال لغلمانه : اطرحوها في النهر ، فطرحت.

ورحل إلى دمشق من الغد ، وأدخل الرأس إلى يزيد.

(أقول) : لعل هذا الراهب أو أحد الرهبان الذين استضافوا رأس الحسينعليه‌السلام عندهم ، كان رساما ، فلما أخذ الرأس ونظّفه وعطّره ، أخذ ورقة ورسمه بوضعه الحاضر.

وقد رأيت في متحف الإمام الرضاعليه‌السلام في مشهد ، صورة لرأس الحسينعليه‌السلام من رسم راهب مسيحي ، منقولة عن النسخة الأصلية الموجودة في أحد متاحف إيطاليا ، وقد كتب تحت الصورة :

صورة الرأس المبارك لحضرة الحسين بن عليعليه‌السلام الّذي استشهد في الحرب سنة ٦١ ه‍ وكان عمره ٥٧ سنة. وهي منقولة عن صورة رسمها راهب مسيحي في ذلك الوقت ، والأصل موجود في متحف إيطاليا».

حجر قرب دمشق

٤٨٠ ـ قصة حجر قرب دمشق :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٠)

في (أسرار الشهادة) قال الدربندي : في موضع قريب من دمشق حجر عظيم هو شبيه بالأسد ، فإذا كان يوم عاشوراء يفور من موضع عينيه الدم الكثير. قيل : إنه وضع عليه رأس الحسينعليه‌السلام حين مسير الكفار وجند ابن زياد إلى الشام.

٣٩٢

٤٨١ ـ حال يزيد عند وصول البريد بمجيء رأس الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٣ ط ٢)

فلما وردوا إلى دمشق جاء البريد إلى يزيد ، وهو معصّب الرأس ، ويداه ورجلاه في طشت من ماء حار ، وبين يديه طبيب يعالجه. وعنده جماعة من بني أمية يحادثونه. فحين رآه قال له : أقرّ عينيك بورود رأس الحسين. فنظر شزرا ، وقال : لا أقرّ الله عينيك!.

ثم قال للطبيب : أسرع واعمل ما تريد أن تعمل.

قال : فخرج الطبيب عنه ، وقد أصلح جميع ما أراد أن يصلحه.

ثم إنه أخذ كتابا بعثه إليه ابن زياد وقرأه ، فلما انتهى إلى آخره عضّ على أنامله حتى كاد أن يقطعها ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون. ودفعه إلى من كان حاضرا ، فلما قرؤوه قال بعضهم لبعض : هذا ما كسبت أيديكم.

فما كان إلا ساعة ، وإذا بالرايات قد أقبلت ، ومن تحتها التكبير.

٤٨٢ ـ زحر بن قيس يقصّ على يزيد ما حدث في كربلاء :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٥٦ ؛ والإرشاد للمفيد ، ص ٢٤٥)

وسبق زحر بن قيس برأس الحسينعليه‌السلام إلى دمشق ، حتى دخل على يزيد فسلّم عليه ، ودفع إليه كتاب عبيد الله بن زياد. فأخذ يزيد الكتاب ووضعه بين يديه.

روى عبد الله بن ربيعة الحميري (وفي تذكرة الخواص : ربيعة بن عمر) قال : إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق ، إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه. فقال له يزيد :ويلك ما وراءك وما عندك؟. فقال زحر : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك وبنصره إياك ؛ فإنه ورد علينا الحسين بن علي في اثنين وثمانين رجلا من إخوته وأهل بيته وشيعته (وفي الإرشاد : في ثمانية عشر رجلا من أهل بيته ، وستين من شيعته) ، فسرنا إليهم ، وسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد ، فأبوا علينا ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فعدونا عليهم من شروق الشمس إلى أن أضحى النهار ، فأحطنا بهم من كل ناحية. حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام الرجال ، جعلوا يهربون إلى غير وزر [أي ملجأ] ويلوذون منا بالآكام والحفر ، كما يلوذ الحمام من الصقر. فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلا كجزر جزور ، أو كإغفاءة القائل [أي النائم بعد الظهر] حتى أتينا على آخرهم. فهذه رؤوسهم ،

٣٩٣

وهاتيك أجسادهم بالعراء مجرّدة ، وثيابهم بالدماء مزمّلة ، وخدودهم بالتراب معفّرة. تصهرهم الشمس وتسفي عليهم الريح. زوّارهم الرخم والعقبان ، والذئب والضبعان.

فأطرق يزيد ساعة ، ثم رفع رأسه وبكى. وقال : والله يا هذا لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. أما لو أني صاحبه لعفوت عنه ، ولكن قبّح الله ابن مرجانة [يقصد عبيد الله بن زياد].

جملة تعليقات :

من عادة الملوك ، وخاصة العتاة البغاة مثل يزيد ، أن يظهروا أنفسهم أمام الناس على غير حقيقتهم ، ولا يخفى ذلك على اللبيب. ففي المقطعين السابقين فقط يمكن أن نلاحظ ما يلي من الأكاذيب والمغالطات :

١ ـ استنكار يزيد على صاحب البريد تبشيره بوصول رأس الحسينعليه‌السلام ، ليوهم الحاضرين أنه غير راض عما حصل ، وأن ذلك كان تصرفا شخصيا من ابن زياد ، مع أنه هو الّذي أمره بقتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، وسبي عياله وأطفاله ، بتلك الحالة التي تنفطر منها قلوب الرجال فضلا عن صمّ الجبال.

٢ ـ عضّ يزيد على أنامله حتى كاد يقطعها حين قرأ رسالة عبيد الله بن زياد ، مع أنه هو الّذي أمره بإنجاز كل ما فعل ، لأن يزيد أصلا غير مؤمن لا بالحسين ولا بالإسلام ، كما تقرر كلماته وتصريحاته وأشعاره التي ذكرها فيما بعد.

٣ ـ صوّر زحر بن قيس ليزيد ومن في مجلسه ، أن الحسينعليه‌السلام وأصحابه جبناء يفرّون من وقع السيوف على الهام إلى الحفر والآكام ، وهذا تدليس على الواقع وقلب لكل الوقائع. فالبطولة التي أبداها الحسينعليه‌السلام وأصحابه لا زالت مثار إعجاب العالمين فضلا عن المسلمين ، فقد كانوا يلقون أنفسهم على المنية وكأنها الغادة الرعبوب.

٤ ـ كي يهوّن زحر ما حصل في كربلاء ، قال : فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلا كجزر جزور [أي المدة التي يستغرقها ذبح جمل] أو كإغفاءة القائل [أي غفوة الّذي ينام بعد الظهر] حتى أتينا عن آخرهم مع أن معركة كربلاء استمرت عدة ساعات ، رغم عدم التكافؤ الكلي بين عدد أنصار الحسينعليه‌السلام وهم في حدود المئة ، وبين أنصار يزيد وعددهم ينوف على ثلاثين ألفا.

٣٩٤

ملاحظة : تنصّ آخر رواية على أن زحر أدخل الرأس الشريف على يزيد قبل وصول السباياعليهم‌السلام والرؤوس الأخرى ، فإذا علمنا أن دخول السبايا إلى دمشق كان في ١ صفر ومعهم الرؤوس كلها في مهرجان كبير ، فكيف نوفّق بين الأمرين.

(أقول) : إذا صحت رواية زحر ، فلا بدّ أنهم أعادوا رأس الحسينعليه‌السلام بعد إدخاله على يزيد وضموه إلى بقية الرؤوس عند وصولها إلى دمشق. وعندما سمح يزيد لهم بالدخول ، أدخلوا السبايا والرؤوس ، يتقدمها رأس الحسينعليه‌السلام ، وكل رأس مرفوع على قناة ، وعدد الرؤوس ١٨ رأسا.

٣٩٥
٣٩٦

الفصل التاسع والعشرون

الرؤوس والسبايا في دمشق

ويتضمن :

ـ ورود السبايا على دمشق

ـ استقبال الرؤوس والسبايا خارج دمشق

ملف دمشق القديمة والمسجد الجامع

١ ـ تاريخ مدينة دمشق :

ـ دمشق العمّورية ـ الآرامية

ـ اليونانية ـ الرومانية ـ البيزنطية

٢ ـ دمشق الإسلامية ـ

قصر الخضراء ـ قصر يزيد ـ باب الساعات

٣ ـ أبواب دمشق العشرة ـ

استمرارية الأبواب

ـ أبواب دمشق الداخلية

٤ ـ المسجد الجامع ـ

مخطط المسجد الجامع

ـ المنارات والمآذن ـ القباب في الصحن

ـ قاعات المسجد ومشاهده

حوادث أول يوم من صفر

١ ـ دخول الرؤوس والسبايا دمشق

٢ ـ من أي الأبواب أدخلوا الرؤوس والسبايا؟

٣٩٧

٣ ـ مسيرة الرؤوس والسبايا في دمشق

٤ ـ استبشار يزيد

٥ ـ الرأس الشريف يتكلم!

٦ ـ خبر هند زوجة يزيد مع زينب العقيلةعليه‌السلام

٧ ـ موكب النصر يدخل دمشق

٨ ـ إيقاف السبايا على درج المسجد الجامع

ـ الشيخ المغرّر به

٩ ـ إدخال الرؤوس على يزيد :

ـ مدخل حول ترتيب الحوادث في اليوم الأول

ـ موقف مروان بن الحكم وأخيه عبد الرحمن

ـ حامل الرأس يشرح ليزيد ما حدث في كربلاء

ـ تعنيف هند لزوجها يزيد

ـ شمر يطلب الجائزة

١٠ ـ إدخال السبايا على يزيد في مجلس عام :

ـ كيف أدخل السبايا على يزيد وهم مقرّنون بالحبال

ـ من الّذي غلب؟

ـ نساء يزيد يولولن عند دخول السبايا

ـ محاورة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام ليزيد

١١ ـ إدخال الرأس المطهّر :

ـ يزيد يتفاخر على الحسينعليه‌السلام

ـ يزيد يضرب الرأس الشريف

ـ شماتة يزيد

١٢ ـ منكرون وناقمون :

ـ استنكار أبي برزة الأسلمي

ـ استنكار سمرة بن جندب

ـ استنكار الحسن البصري

١٣ ـ الشعر الّذي تمثّل به يزيد

ـ يزيد مع السجّادعليه‌السلام

ـ خطبة زينبعليه‌السلام بالشام

٣٩٨

ـ الشامي مع فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام

ـ زينبعليه‌السلام تشكك بإسلام يزيد

١٤ ـ صلب الرؤوس :

ـ خالد بن معدان يختفي

١٥ ـ حبس السبايا في الخربة

اليوم الثاني من صفر

١ ـ إحضار السبايا إلى مجلس يزيد مرة ثانية

اليوم الرابع من صفر

١ ـ رؤيا سكينةعليه‌السلام

٢ ـ يزيد يستشير النعمان بن بشير الأنصاري

الأيام التالية

١ ـ رؤيا الطفلة رقية بنت الحسينعليه‌السلام ووفاتها

٢ ـ مجالس الشراب :

ـ استنكار رأس الجالوت بن يهوذا

ـ استنكار جاثليق النصارى

ـ استنكار رسول ملك الروم وإسلامه ـ حديث كنيسة الحافر

يوم الجمعة الثامن من صفر

١ ـ الخطيب الأموي الّذي اشترى مرضاة المخلوق بسخط الخالق

٢ ـ خطبة زين العابدينعليه‌السلام على منبر مسجد دمشق

ـ حبر من أحبار اليهود ينتقد يزيد

ـ خبر المنهال بن عمرو

٣ ـ الإفراج عن السبايا :

ـ يزيد يستشير أهل الشام ماذا يفعل بالسبايا؟

ـ دخول السبايا على نساء يزيد في داره

ـ إنزال السبايا في دار تتصل بدار يزيد

٣٩٩

ـ إقامة المآتم على الحسينعليه‌السلام في دار يزيد ثلاثة أيام

ـ خبر السّبحة

اليوم التاسع من صفر

١ ـ إكرام يزيد لزين العابدينعليه‌السلام

ـ لماذا سمّى الحسينعليه‌السلام عدة من أولاده باسم أبيه عليعليه‌السلام

ـ مبارزة بين عمرو بن الحسنعليه‌السلام وخالد بن يزيد

ـ رؤيا عجيبة للرأس الشريف في بيت يزيد (قصة أسلم)

ـ هند زوجة يزيد ترى النور ينبعث من الرأس الشريف

٢ ـ رؤيا هند

ـ السبايا يطلبن النواحة على الحسينعليه‌السلام سبعة أيام

ـ الحاجات الثلاث التي وعد بها يزيد الإمام زين العابدينعليه‌السلام

٣ ـ خوف يزيد من ازدياد المعارضة عليه :

ـ نصيحة مروان بتسيير السبايا إلى المدينة

ـ أهل الشام ينتبهون من غفلتهم وينقمون على يزيد

ـ من الّذي قتل الحسينعليه‌السلام حقا

ـ ندم يزيد حين لا ينفع الندم

ـ الدوافع الحقيقية لتغيير يزيد معاملته مع زين العابدينعليه‌السلام

٤ ـ محاولة يزيد التنصل من جريمته :

ـ غضب يزيد على ابن زياد لتغطية جريمته

ـ تنصّل يزيد من دم الحسينعليه‌السلام وترحمه عليه

٥ ـ قتل الحسينعليه‌السلام ثأر لقتلى بدر من الكفار :

ـ كيفية حمل الرؤوس والسبايا إلى الشام

ـ موقف يزيد من ابن زياد

ـ الجريمة تلبس يزيد مهما حاول اختلاق المبررات والمعاذير

ـ يزيد هو الآمر الفعلي لقتل الحسينعليه‌السلام

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800