موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء5%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493490 / تحميل: 5834
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

حوادث تالية

١ ـ تسيير الرأس الشريف إلى مصر :

ـ بدعة وضع الحدوة للبركة

ـ دفن الرأس الشريف في عسقلان

ـ نقل الرأس الشريف من عسقلان إلى الفسطاط (القاهرة)

ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام في مصر

ـ تعصب الإخشيديين على الشيعة في مصر

٢ ـ تسيير الرأس الشريف إلى المدينة

٣ ـ أحفاد الجناة في كربلاء

ـ تفاخر بعض الأسر الشامية بالمشاركة في قتل الحسينعليه‌السلام

٤ ـ مدفن رأس الحسينعليه‌السلام :

ـ في دمشق

ـ في المدينة

ـ في الكوفة

ـ في عسقلان ثم القاهرة

ـ في كربلاء

٤٠١
٤٠٢

الفصل التاسع والعشرون

الرؤوس والسبايا في دمشق

٤٨٤ ـ توقيت الحوادث في دمشق :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٠)

قال الفاضل الدربندي :

الغافل يظنّ أن ما وقع في أيام متعددة ، أنه وقع في يوم واحد ، وهو يوم دخول الحرم والسبايا دمشق ، بل يظنّ أيضا أن ما وقع من رخصة يزيد وإذنه لأهل البيتعليه‌السلام وغيرهم ، بأن يقيموا مأدبة المأتم والتعزية والندبة على سيد الشهداءعليه‌السلام ، فقد وقع أيضا في ذلك اليوم!. مع أن الأمر ليس كذلك أبدا.

وكيف لا؟ فإن وقوف أهل البيتعليه‌السلام ومكثهم في الحبس في المكان الخراب مما قد دلت عليه روايات معتبرة. ثم بعد غضّ النظر عن كل ذلك أقول : إن الرواة ما أجروا الكلام من جهة الترتيب على نهج واحد.

فإن أبا مخنف ذكر أولا ما نقلناه عنه من مقالات يزيد حين إحضاره الرأس الشريف بين يديه ، ثم ذكر دخول هند بنت عبد الله زوجة يزيد عليه. ثم ذكر دخول الشمر عليه. ثم ذكر قصة رأس الجالوت. ثم ذكر قضية جاثليق النصارى ، ثم ذكر قضية خروج جارية من قصر يزيد ، وقولها له : قطع الله يديك ورجليك. ثم بعد ذلك كله قال : ثم استدعى يزيد الحرم فوقفوا بين يديه ، فنظر إليهن وسأل عنهن إلى آخر ما ذكره.

ثم ذكر بعد ذلك قضية نقل سكينة ما رأته في منامها.

ثم ذكر قضية صعود الإمام زين العابدينعليه‌السلام على المنبر.

هذا والعجب منه حيث يستفاد من ظاهر كلامه أن كل ذلك إنما وقع في يوم واحد ، بل ما ذكر بعد ذلك أيضا ، وذلك من قضية أمر يزيد الناس بقراءة القرآن بعد الصلوات الخمس ، ومن قضية أن يزيد أقام خطيبا ، وقال : يا أهل الشام إني ما قتلت الحسين إلى آخر ما ذكره.

٤٠٣

هذا اللهم إلا أن يقال إن تلك القضايا وإن لم تكن واقعة في يوم واحد ، إلا أن مقصود أبي مخنف كان هو الإشارة إلى محض الترتيب ، ولم يلاحظ في ذلك تعيين يوم كلّ واقعة من الوقائع ، ولا ذكر الأيام على نهج التفصيل.

وكيف كان ، فإن الظاهر من كلمات غير أبي مخنف أن ساعة أمر يزيد بإحضار الرؤوس المطهرة الى مجلسه في اليوم الّذي دخل الحرم والسبايا دمشق ، كانت ساعة أمره بإحضار الحرم والسبايا أيضا إلى مجلسه

ورود السبايا على دمشق

٤٨٥ ـ خولي يطلب من يزيد الخروج لاستقباله :

(نور العين في مشهد الحسين لأبي اسحق الإسفريني ، ص ٨٧)

ثم كتب (خولي) إلى يزيد كتابا يقول فيه : نهنّئ أمير المؤمنين ونعلمه أن معنا رأس عدوك الحسين وحريمه وأطفاله ، ونحن قريب من دمشق ، فاخرج لنا وتلقّنا.

ثم طوى الكتاب وأرسله مع رسول من عنده. فلم يزل سائرا إلى أن دخل دمشق ، وسلّم الكتاب ليزيد ، فقرأه وفهم معناه.

فأمر بتجهيز العساكر فجهزوا ، ثم أمرهم أن يخرجوا لملاقاتهم. فخرجوا من باب (جيرون) وباب (توما) وهم عشرون ألفا ، ومعهم الرايات منشورة ، وألسنتهم بالتهليل والتكبير مشهورة. ولم يزالوا حتى لاقوا القوم ، وأتوا بهم إلى دمشق.

وفي (مقتل أبي مخنف) ص ١٢١ قال :

وأمر يزيد بمائة وعشرين راية ، وأمرهم أن يستقبلوا رأس الحسينعليه‌السلام فأقبلت الرايات ومن تحتها التكبير والتهليل ، وإذا بهاتف ينشد ويقول :

جاؤوا برأسك يابن بنت محمّد

متزمّلا بدمائه تزميلا

لا يوم أعظم حسرة من يومه

وأراه رهنا للمنون قتيلا

فكأنما بك يابن بنت محمّد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

ويكبّرون بأن قتلت ، وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

٤٠٤

استقبال الرؤوس والسبايا خارج دمشق

٤٨٦ ـ تزيين دمشق الشام :

(حياة الإمام الحسينعليه‌السلام لباقر شريف القرشي ، ج ٣ ص ٣٦٨)

وأمرت حكومة دمشق الدوائر الرسمية وشبه الرسمية والمحلات العامة والخاصة بإظهار الزينة والفرح ، للنصر الّذي أحرزته في قتل الحسينعليه‌السلام وسبي ذريته.

ويصف بعض المؤرخين تلك الزينة بقوله(١) :

ولما بلغوا (أي السبايا) ما دون دمشق بأربعة فراسخ ، استقبلهم أهل الشام ، وهم ينثرون النّثار(٢) فرحا وسرورا ، حتى بلغوا بهم قريب البلد ، فوقفوهم عن الدخول ثلاثة أيام وحبسوهم هناك ، حتى تتوفر زينة الشام ، وتزويقها بالحلي والحلل والحرير والديباج ، والفضة والذهب وأنواع الجواهر ، على صفة لم ير الراؤون مثلها ، لا قبل ذلك اليوم ولا بعده.

٤٨٧ ـ استقبال أهل الشام للسبايا :

(المصدر السابق)

ثم خرجت الرجال والنساء والأصاغر والأكابر والوزراء والأمراء ، واليهود والمجوس والنصارى وسائر الملل إلى التفرّج ، ومعهم الطبول والدفوف والبوقات والمزامير ، وسائر آلات الله وو الطرب. وقد كحلوا العيون وخضبوا الأيدي ، ولبسوا أفخر الملابس وتزينوا أحسن الزينة. ولم ير الراؤون أشدّ احتفالا ولا أكثر اجتماعا منه ، حتى كأن الناس كلهم قد حشروا جميعا في صعيد دمشق.

٤٨٨ ـ بقاء الرؤوس والسبايا ثلاثة أيام خارج دمشق ريثما تقام مراسم الزينة لمهرجان النصر :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣)

عن (كامل البهائي) : أوقفوا أهل البيتعليه‌السلام على باب الشام ثلاثة أيام ، حتى يزيّنوا البلد. فزيّنوها بكل حلي وزينة ومرآة كانت فيها ، فصارت بحيث لم تر عين مثلها.

__________________

(١) حجة السعادة في حجة الشهادة.

(٢) النّثار : ما ينثر في حفلات السرور من حلوى أو نقود.

٤٠٥

٤٨٩ ـ كيف استقبلهم أهل الشام :(المصدر السابق ، ص ٨٤)

ثم استقبلهم من أهل الشام زهاء خمسمائة ألف [نصف مليون] من الرجال والنساء مع الدفوف. وخرج أمراء الناس مع الطبول والصنوج والبوقات. وكان فيهم ألوف من الرجال والشبان والنسوان يرقصون ويضربون بالدفّ والصنج والطنبور. وقد تزيّن جميع أهل الشام بأنواع الثياب والكحل والخضاب. وكان خارج البلدة من كثرة الخلائق كعرصة المحشر ، يموج بعضها في بعض.

فلما ارتفع النهار أدخلوا الرؤوس البلد ، ومن ورائها الحرم والأسارى من أهل البيتعليهم‌السلام .

٤٩٠ ـ عجوز على الروشن تضرب رأس الحسينعليه‌السلام بحجر :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣)

عن أبي مخنف ، قال سهل : ورأيت روشنا عاليا [الرّوشن : هو الرف أو الشرفة] فيه خمس نسوة ومعهن عجوز محدودبة الظهر. فلما صارت بإزاء رأس الحسينعليه‌السلام وثبت العجوز وأخذت حجرا وضربت به ثنايا الحسينعليه‌السلام .

فلما رأى علي بن الحسينعليه‌السلام ذلك دعا عليها ، وقال : الله م عجّل بهلاكها وهلاك من معها. فما استتم دعاءه حتى سقط الروشن ، فسقطن بأجمعهن ، فهلكن وهلك تحته خلق كثير.

(وفي رواية أخرى) أن الملعونة اسمها (أم هجّام) ، فلما رأت رأس الحسينعليه‌السلام وهو على رمح طويل ، وشيبته مخضوبة بالدماء ، قالت : لمن هذا الرأس المتقدم ، وما هذه الرؤوس التي خلفه؟. فقالوا لها : هذا رأس الحسين وهذه رؤوس أصحابه. ففرحت فرحا عظيما ، وقالت : ناولوني حجرا لأضرب به رأس الحسين ، فإن أباه قتل أبي وبعلي [أي زوجي]. فناولوها حجرا فضربت به وجه الحسينعليه‌السلام .

وقيل : ضربت ثنايا الحسينعليه‌السلام فأدمته ، وسال الدم على شيبته.

٤٩١ ـ خبر العجوز أم هجّام :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٣١١)

قال الفاضل الدربندي : لما قرب السبايا من دمشق مرّوا بقصر عال ، وكانت عجوز جالسة فيه يقال لها أم هجّام ، ومعها وصائفها وجواريها. فلما رأت رأس

٤٠٦

الإمام المظلومعليه‌السلام وهو على قناة طويلة وشيبه مخضوب بالدماء ، قالت العجوز :ما هذا الرأس المتقدم ، وما هذه الرؤوس المشالة على الرماح؟. فقيل لها : إن هذا رأس الحسينعليه‌السلام ، وهذه رؤوس إخوته وأولاده وعترته. ففرحت فرحا عظيما ، فقالت لواحدة من وصائفها : ناوليني حجرا لأضرب به وجه الحسين. فأتتها فضربت به رأس الحسينعليه‌السلام ، فسال الدم على وجهه وشيبه.

فالتفتت إليه أم كلثوم ، فرأت الدم الجديد سائلا على وجهه ولحيته ، فلطمت وجهها ونادت : وا غوثاه وا مصيبتاه وا محمداه وا علياه وا فاطمتاه وا حسناه وا حسيناه.ثم غشي عليها.

فقالت زينبعليه‌السلام : من فعل هذا بوجه أخي ونور بصري؟. فقيل لها : هذه العجوز الملعونة. فقالت : اللهم أهجم عليها قصرها ، وأحرقها بنار الدنيا قبل نار الآخرة.

قال : فما استتم كلامها إلا وقد هجم عليها قصرها ، وأضرمت النار فيه ، فماتت واحترقت. وهكذا كلّ من كان معها في القصر.

فقالت زينبعليه‌السلام : الله أكبر من دعوة ما أسرع إجابتها.

٤٩٢ ـ أم كلثوم تطلب من شمر تقديم الرؤوس على السبايا ، ليشتغل الناس بها عن النظر إليهن :

(مثير الأحزان ، ص ٧٧ ؛ واللهوف ، ص ٧٣)

ولما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر ، فقالت له : لي إليك حاجة!.فقال : ما حاجتك؟. قالت : إذا دخلت بنا البلد ، فاحملنا في درب قليل النظّارة ، وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحّونا عنها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ، ونحن في هذه الحال. فأمر في جواب سؤالها أن تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا ، وسلك بهم [طريقا] بين النظارة على تلك الصفة ، حتى أتى بهم باب دمشق. فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي.

٤٠٧

ملف : دمشق القديمة والمسجد الجامع

لمحة عن دمشق القديمة

والمسجد الجامع

١ ـ تاريخ مدينة دمشق

كانت دمشق منذ آلاف السنين بحيرة مترامية الأطراف تسمى «بحيرة دمشق الكبرى» ، تبدأ من خانق الربوة غربا ، وتنتهي بالعتيبة شرقا. وهذه البقعة بما حباها الله من تكوين ومعطيات بدت وكأنها قطعة من الجنة. فجبل قاسيون يحرسها من الشمال الغربي ، وسلسلته الممتدة إلى الزبداني خضعت في العصور الجيولوجية الموغلة في القدم لهدم شديد عجيب ، شقّ فيها أخدودا عميقا ، ثم فجّر منها ينابيع أجرت في الأخدود أنهارا ، مما شكّل في وهدتها بحيرة عظيمة عذبة المياه ، تحيط بها المرتفعات من كل جانب ، وتمتد إلى الشرق إلى ما يسمى اليوم بحيرة العتيبة.وحول هذه البحيرة العظيمة تكاثفت الأشجار وغرّدت الأطيار ، فإذا أنت وكأنك تعيش في فردوس من الجنة.

وكانت مياه الأمطار التي تهطل في ذلك الوقت على المنطقة غزيرة جدا ، مما سمح بتشكل تلك البحيرة العظمى.

ثم ما برحت المياه مع الزمن تنقص رويدا رويدا ، لتبدّل مناخ المنطقة وسيره نحو الجفاف ، فبدأت البحيرة الكبرى تصغر شيئا فشيئا ، وتبدو التلال الموجودة فيها.وكان الإنسان يعيش في تلك الفترة في المناطق العالية من جبل قاسيون ، وخاصة في منطقة برزة ، التي كانت منطقة الكهوف. ومع انحسار البحيرة بدأ الإنسان ينزل مقتربا من البحيرة. ولما كانت البحيرة مليئة بأنواع السمك ، فكنت ترى على أحد التلال وسط البحيرة صيادي السمك يدلون بقصباتهم إلى الماء لصيد السمك ، فسمّي هذا التل لذلك : تلّة السمّاكة. وكانت تبدو وسط البحيرة المنحسرة أربع تلات بارزة ، هي : تلة السماكة ، والتلة الواقعة في مكان الخراب (تلة الحمراوي) ، وتلة القصاع (سفل التلة). وأما التلة الثالثة فهي أكبرها ، وهي التي أنشئ عليها فيما بعد المعبد ، الّذي تحوّل إلى المسجد الأموي اليوم ، بينما بني القصر الآرامي على تلة السماكة.

٤٠٨

واستمر انحسار البحيرة الصافية حتى زالت (منذ ٩ آلاف سنة) ، تاركة مكانها سبعة فروع لنهر بردى ، تخترق البقعة من الغرب إلى الشرق ، ثم تجتمع لتصبّ في بحيرة العتيبة ، التي هي البقية الباقية من بحيرة دمشق الكبرى.

ومرت السنون ومرّ في تلك الواحة الساحرة (منذ ٧ آلاف سنة) دمشق بن إرم بن سعد بن عاد من أحفاد سام بن نوحعليه‌السلام وقد أتى من اليمن ، فأعجب بتلك الآية الإلهية وخلبت لبّه ، ففكر ببناء مدينة في تلك المنطقة ، فكانت دمشق. وأول ما بدأ بعمله هو بناء المعبد ، وكان له ولدان : أحدهما اسمه (جيرون) والآخر (بريد) ، فبنى لهما قصرين على أعمدة ، أحدهما من الشرق (وهو قصر جيرون) ، والآخر من الغرب (وهو قصر بريد) ، وفتح لكل قصر منهما بابا إلى المعبد ، فسمّي كل واحد من القصرين باسم صاحبه.

دمشق العمورية

(٣٥٠٠ ـ ١٥٠٠ ق. م)

بدأت دمشق تأخذ شكلها كبلدة هامة في عهد العمّوريين الذين غزوها من الشمال ، وكانت تضمّ المعبد (حدد) وأبوابه الخارجية الأربعة : باب جيرون من الشرق ، وباب الفراديس من الشمال ، وباب البريد من الغرب ، والباب الجنوبي الّذي كان يمتد منه طريق مباشر إلى قصر الملك ، الّذي يقع في جنوب المعبد عند الشارع المستقيم (مدحت باشا اليوم) ، وذلك قريبا من تلّة السمّاكة.

(الشكل ١٥)

مخطط دمشق العمورية

٤٠٩

فكانت دمشق في العهد العمّوري عبارة عن مستطيل يحده من الشمال نهر بردى (فرع بانياس) ، ويمتد من الجنوب إلى تلة السماكة ، وكانت دمشق تضم المعبد شمالا والقصر جنوبا ، وبينهما أسواق البيع (ومنها سوق البزورية اليوم).

دمشق الآرامية (١٥٠٠ ـ ٧٠٠ ق. م)

ولما نزح الآراميون من الجزيرة العربية وجاؤوا سورية (بعد ألف عام من العموريين) ، ضاقت بهم دمشق وسورها القديم ، حين اتخذوها عاصمة لهم ، فأنشؤوا سورا جديدا أوسع من الأول ، امتد شرقا إلى جادة باب توما التي تنتهي بالقشلة. ومن الجنوب إلى ساحة الخضرة (نهاية شارع الأمين). ومن الغرب إلى بيمارستان نور الدين في أول الحريقة. أما من الشمال فقد كان توسع السور ضئيلا لوجود النهر ، وقد وصل قريبا من مقام السيدة رقيةعليه‌السلام اليوم.

دمشق اليونانية (٣٣٣ ـ ٦٤ ق. م)

استمر حكم الآراميين لدمشق ٨٠٠ عام ، ثم قام الإسكندر المقدوني بهجومه الواسع على الشرق ، فوقعت دمشق تحت الحكم اليوناني. وفي هذه الفترة توسعت دمشق شرقا ، فبنى اليونانيون حي القصاع خارج السور الآرامي ، وسكنوه.

وظهر أثر اليونان في دمشق في طريقة البناء ، وخصوصا في ذلك العنصر الأساسي لكل مدينة ، وهو الساحة العامة المعروفة باسم (آغور arogA ) حيث تقام السوق ويجتمع المواطنون ويحتفلون (انظر الشكل ١٦). ويصل بين الساحة والمعبد طريق رئيسي هو شارع النوفرة اليوم ، الذي مرّت منه الرؤوس وسبايا أهل البيتعليهم‌السلام بعد دخولهم من باب توما في طريقهم إلى قصر يزيد.

دمشق الرومانية (٦٤ ق. م ـ ٦٣٥ م)

وفي عام ٦٤ ق. م احتل الرومان دمشق. ونتيجة التوسع المستمر اضطروا لبناء سور جديد هو السور الحالي تقريبا. وفتحوا طريقا رئيسيا يخترق دمشق من الشرق (باب شرقي) إلى الغرب (باب الجابية) سمّوه الشارع المستقيم ، ويسمى اليوم السوق الطويل (أو سوق مدحت باشا) بطول ١٥٠٠ م.

وقد أقام الرومان فوق معبد (حدد) معبدا وثنيا للإله جوبيتر (نجم المشتري). ولا تزال بعض آثاره الضخمة الشاهقة ماثلة حتى اليوم ، كما في باب البريد ، الّذي هو الباب الغربي للمعبد.

٤١٠

(الشكل ١٦) : دمشق اليونانية

ولا بأس أن ننوه أن لكل باب من أبواب المعبد الأربعة بابين : باب ملاصق للمعبد ، وباب يبعد عنه قليلا ، وبينهما ممر مغطى برواق على هيئة دهليز محمول على قناطر. ويظهر هذا جليا في باب جيرون الشرقي ، فالباب الشرقي للجامع الأموي اسمه باب جيرون ، وعلى بعد ٥٠ مترا منه إلى الشرق يقع باب ضخم له بوابة رئيسية وبابين صغيرين على جنبيه ، ويدعى هذا الباب أيضا باب جيرون ، وبين البابين سوق صغير يدعى سويقة جيرون ، تقع فيه النوفرة. ولتمييز هذا الباب عن باب الجامع اعتمدنا على تسميته باب جيرون الداخلي.

دمشق البيزنطية

(٣٩٥ ـ ٦١٤ م)

وما لبث الأمر حتى جاء البيزنطيون ، وهم نصارى اتخذوا القسطنطينية عاصمة لهم ، فهدموا المعبد ، وأقاموا في نصفه الغربي كنيسة سميت باسم (كنيسة يوحنا المعمدان) على اسم النبي يحيىعليه‌السلام .

ثم احتل دمشق الفرس الساسانيون فترة من الزمن ، حتى فتحها المسلمون.

٤١١

٢ ـ دمشق الإسلامية

(٦٣٥ م ـ حتى الآن)

فتح المسلمون مدينة دمشق عام ٦٣٥ م [١٣ ه‍] ، وعيّن عمر بن الخطاب أميرا عليها معاوية بن أبي سفيان. وكان من شروط الفتح أن يكون نصف المعبد الشرقي للمسلمين ، ونصفه الغربي للمسيحيين ، حيث كانت في هذا النصف كنيستهم المشهورة المسماة كنيسة يوحنا المعمدان. وظل المسلمون إلى عهد عبد الملك بن مروان يصلّون في النصف الشرقي ، حيث عملوا فيه محرابا سمّوه محراب الصحابة ، وهو آخر محراب من محاريبه الأربعة اليوم ، من الجهة الشرقية للمسجد.

قصر الخضراء

حين حوّل الرومان معبد (حدد) إلى معبد جوبيتر ، بنوه على نظام السورين :الكبير هو سور الحرم ، والصغير هو سور المعبد (انظر الشكل ١٧). ولما جاء المسيحيون جعلوا الجزء الغربي من المعبد كنيسة. وعند الفتح الإسلامي جعل المسلمون الجزء الشرقي من المعبد مسجدا.

ولما حكم معاوية دمشق وجد الحاجة ماسة إلى بناء قصر له ، فلم يجد أفضل من الفراغ الجنوبي الشرقي الواقع بين سور المعبد وسور الحرم ، لبناء ذلك القصر ،

٤١٢

لا سيما وأنه قريب من المسجد ، ومن الأماكن القليلة المتروكة بلا بناء في المدينة.فبنى دار الإمارة إلى الجنوب الشرقي من المسجد بدون فاصل ، وسماها الخضراء نسبة إلى القبة الخضراء التي كانت تعلوها.

وتحول القصر بعد معاوية إلى دار للملك ، يقطنها من يتولى الخلافة من بني أمية. ثم تهدم القصر حين أحرقه العباسيون ، وبني مكانه ما يسمى اليوم سوق الصاغة (القديمة).

وكان قبر معاوية في الحديقة الشرقية لقصر الخضراء ، فظل حتى اليوم ضمن المنطقة التي تسمى" زقاق الخضراء". وقد أوهم الأمويون الناس أن قبر معاوية في باب الصغير ، حتى لا ينبشه العباسيون ويحرقوه.

قصر يزيد (جيرون سابقا)

وكان من الطبيعي أن يؤمّن معاوية لأبنائه قصورا ، لا سيما لولده الوحيد المدلل يزيد ، فأعطاه القصر الشرقي (جيرون) الملاصق للمعبد من الجهة الشمالية الشرقية. وحين تولى يزيد السلطة بعد أبيه ، جعل قصر الخضراء لأمور الحكم والقضاء ، بينما خصص قصره الخاص لأهل بيته ولمنامه ، حيث أدخل عليه الرؤوس والسبايا ، وظهرت كرامات الرأس الشريف ، وذلك عندما وضع في إحدى غرف القصر ، التي تعرف اليوم باسم «مشهد رأس الحسينعليه‌السلام » وبجانبها الغرفة التي فيها المحراب الّذي كان يصلي فيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام حين قرّبه يزيد وأدخله قصره لغايات سياسية.

وحين جاء الوليد بن عبد الملك ، كانت الحساسية قد اشتدت بين المسلمين والمسيحيين ، نتيجة تداخل أصوات النواقيس والأذان ، وكان في همه توسيع المسجد ، فاشترى الكنيسة ، وأعاد بناء مكان المعبد كله كمسجد فخم ، وحوّل المنارتين الشرقية والغربية إلى مئذنتين ، وبنى مئذنة جديدة على الطراز الإسلامي في منتصف السور الشمالي ، سميت لجمالها : مئذنة العروس.

وكان دخول الناس إلى المعبد في عهد معاوية من الباب الروماني الكبير الواقع في منتصف السور الجنوبي للمعبد ، فيدخل المسلمون من اليمين إلى مسجدهم ، ويدخل المسيحيون من اليسار إلى كنيستهم. ولما أعاد الوليد عمارة المسجد سدّ

٤١٣

هذا الباب لقربه من قصر الخضراء ، وشقّ عوضا عنه بابا جديدا سمّي «باب الزيادة» ، وهو باب الصاغة اليوم.

باب الساعات

وأنشئت فيما بعد عند هذا الباب ساعة ميكانيكية ، فسمي باب الساعات. وظل الأمر كذلك حتى احترق قصر الخضراء ، فانتقل مدخل القصر من الجهة الجنوبية للمسجد إلى الجهة الشرقية حيث سويقة جيرون (النوفرة) ، وأقيمت عند باب المسجد (جيرون) ساعة عظيمة عوضا عن السابقة. وقد وصف ابن جبير هذه الساعة في رحلته. وهذان البابان لا علاقة لهما بباب الساعات الّذي ورد ذكره في النصوص القديمة ، وهو أحد الأبواب التي أوقف رأس الحسينعليه‌السلام عندها قبل إدخاله إلى يزيد في قصره.

وستجد تحقيقا ولأول مرة عن هذا الباب فيما بعد.

٣ ـ أبواب دمشق العشرة

كانت أبواب دمشق في عهد معاوية ويزيد هي الأبواب الرومانية. ويمكن النظر إلى دمشق القديمة على أنها نصف دائرة قطرها الشمالي يشكل نهر بردى. ومن هذه الجهة الشمالية يقع باب توما وباب الفراديس. ويحدها من الشرق باب شرقي ، ومن الغرب باب الجابية ، وبينهما الشارع المستقيم الوحيد في دمشق ، وهو الشارع الّذي بناه الرومان ، ويسمى اليوم السوق الطويل ، أو سوق مدحت باشا. ويحدها من الجنوب باب كيسان ، وباب الصغير (انظر الشكل ١٨). وقد أنشأ المسلمون فيما

(الشكل ١٨)

أبواب دمشق القديمة

٤١٤

بعد عدة أبواب ، مثل باب الجنيق وباب السلامة وباب الفرج وباب النصر. فصار مجموع الأبواب عشرة.

استمرارية الأبواب

تعرضت دمشق القديمة إلى التوسع عبر آلاف السنين ، مما شكّل لها عدة أسوار :السور العمّوري ، والسور الآرامي ، والسور الروماني ، وهو نفسه الإسلامي.والذي يلفت نظرنا في هذا الموضوع هو التوسع من جهة الشمال ، أعني من جهة باب الفراديس. فليس غريبا أن نرى اليوم ثلاثة أسوار متقاربة من هذه الجهة ، توافقها ثلاثة أبواب كلها تدعى باب الفراديس ؛ الأول العموري (وهو القريب من المسجد) ، والأوسط الآرامي ، والثالث الروماني (وهو البعيد). والأخير هو الّذي ظل حتى اليوم ، بينما أهمل البابان الآخران وزالا.

وفي حين نجد بعدا واضحا بين هذه الأسوار الثلاثة من الجهات الأخرى ، فإننا نرى اقتراب هذه الأسوار من بعضها من الناحية الشمالية ، وذلك لعدم إمكانية التوسع من هذه الجهة لوجود نهر بردى (فرع بانياس) الذي يجري ملاصقا للسور الشمالي.

وسوف نتكلم عن هذه الأبواب الشمالية بالتفصيل فيما بعد ، عند كلامنا عن استمرارية الأبواب.

أبواب دمشق الداخلية

يظهر في (الشكل ١٧) كيف أن لكل باب من أبواب المسجد الجامع دهليزا مغطى يمتدّ إلى مسافة عشرات الأمتار ، يدخل من خلاله إلى المسجد. وفي نهاية كل دهليز باب كبير يسمى بنفس الاسم. ولتمييز هذا الباب عن باب المسجد نضيف إليه كلمة (داخلي). فباب جيرون وهو الباب الشرقي للمسجد له دهليز طويل يدعى سويقة جيرون ، وينتهي الدهليز من الشرق بباب ضخم يدعى باب جيرون الداخلي ، ولهذا الباب الرئيسي بابان صغيران عن يمينه وعن شماله. وقد تهدم أعلى القوس بينما ظل البابان الجانبيان ، اللذان طمر قسمهما الأكبر تحت الأرض نتيجة علو سطح الأرض عدة أمتار عن السابق نتيجة الزلازل والحروب. ولباب البريد وهو الباب الغربي للمسجد دهليز مشابه للسابق ، وهو ما كان يسمى بالمسكية ، ينتهي من

٤١٥

الغرب بباب ضخم هو باب البريد الداخلي ، الّذي بقيت بعض آثاره وتهدّم البعض الآخر ، ولا يزال جزء عال منه ماثلا للعيان ، وهو من العهد الروماني.

وأما من الجهة الشمالية ، فلباب الفراديس (الناطفيين) دهليز أيضا ، لكن بابه الداخلي غير موجود اليوم.

وأما باب الزيادة ، فكان له دهليز مغطى ، ولا تزال بقايا الأعمدة التي كانت تحمل الأقواس على الصفين ، ولا نعلم إن كان له باب داخلي أم لا.

٤ ـ المسجد الجامع

يسمى أكبر مسجد في دمشق بجامع دمشق ، أو المسجد الجامع. وهو الذي يعرف اليوم بجامع بني أمية.

لقد كان موقع هذا المسجد مكانا مخصصا للعبادة منذ القديم ، فكان معبد (حدد) في عهد الآراميين ، ثم معبد (جوبيتر) في عهد الرومان ، ثم كنيسة يوحنا المعمدان في عهد البيزنطيين ، إلى أن تمّ تحويله إلى مسجد إسلامي في عهد الوليد بن عبد الملك.

مخطط المسجد الجامع

يتألف الجامع من قسم شمالي مكشوف هو الصحن ، تحيط به أروقة مسقوفة ، ومن قسم جنوبي مغطى هو حرم المسجد المعدّ للصلاة.

المنارات والمآذن

كان في الزوايا الأربع للمعبد أربع صوامع (أبراج) قبل أن يصير جامعا ، فتهدمت الصومعتان الشماليتان من القديم ، ولم تجددا.

ولما بنى الوليد المسجد رفع فوق الصومعتين الجنوبيتين ، المئذنتين الشرقية والغربية ، وبنى مئذنة العروس في وسط الجدار الشمالي. وتسمى المئذنة الشرقية مئذنة عيسىعليه‌السلام لأنه يقال إن عيسىعليه‌السلام سوف ينزل منها في آخر الزمان. بينما تسمى المئذنة الغربية مئذنة قايتباي ، لأنه أعاد بناءها السلطان المملوكي قايتباي عام ٨٩٣ ه‍ بعد أن احترقت.

٤١٦

(الشكل ١٩) : مخطط المسجد الجامع

٤١٧

القباب في الصحن

هناك ثلاث قباب في الصحن :

الأولى : القبة الغربية ، وتسمى قبة المال أو قبة الخزنة ، وهي أكبرها ، وكان فيها مصاحف بالخط الكوفي ، ثم نقلت إلى اسطنبول. وقيل إنها كانت مخزنا لمال الجامع وهداياه الثمينة.

الثانية : القبة الشرقية ، وتعرف بقبة زين العابدينعليه‌السلام ، ويقال إنها بنيت في زمن المستنصر العبيدي سنة ٤٥٠ ه‍ ، وكتب عليها اسمه وأسماء الأئمة الاثني عشرعليه‌السلام . ثم سميت قبة الساعات ، إذ كانت فيها ساعات المسجد.

الثالثة : القبة المضروبة على بركة الماء وسط الصحن ، وهي قبة صغيرة مثمنة في وسطها أنبوبة نحاس تمجّ الماء ، بنيت لوضوء المصلّين سنة ٣٦٩ ه‍. وقد أزيلت من فترة ، ثم أعيد إنشاؤها كالسابق.

قاعات المسجد ومشاهده

توجد في الجهات الأربع من الجامع أربع قاعات كبيرة مستطيلة ، موزعة على جانبي البابين الشرقي والغربي ، سمّيت بالمشاهد ، ونسبت إلى الخلفاء الراشدين الأربعة. الأولى إلى يسار الداخل من باب البريد ، وتدعى مشهد عثمان ، وهي قاعة الاستقبال اليوم. والثانية إلى يمين الداخل من هذا الباب ، وتدعى مشهد عمر.والثالثة إلى يسار الداخل من باب جيرون ، وتدعى مشهد أبي بكر. والرابعة إلى يمين الداخل من هذا الباب ، وتدعى مشهد الإمام علي ابن أبي طالبعليه‌السلام ، ويتصل بها مشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ومشهد رأس الحسينعليه‌السلام . والمشهدان الأخيران هما جزء من قصر يزيد.

وستجد وصفا مفصلا للمشاهد الثلاثة الأخيرة فيما بعد.

٤١٨

حوادث أول يوم من صفر

(يوم الجمعة أول صفر سنة ٦١ ه‍)

دخول الرؤوس والسبايا دمشق

٤٩٣ ـ يوم دخول الرؤوس والسبايا إلى دمشق :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣)

في (نفس المهموم) : قال الكفعمي وشيخنا البهائي والمحدّث الكاشاني :

في أول يوم من صفر أدخل رأس الحسينعليه‌السلام إلى دمشق الشام(١) وهو عيد عند بني أمية ، وهو يوم تتجدد فيه الأحزان عندنا.

٤٩٤ ـ عيد بعاصمة الخلافة الأموية :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦)

قال سهل بن سعد الشهرزوري :

خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام ، فإذا أنا بمدينة مطّردة الأنهار كثيرة الأشجار ، قد علّقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول. فقلت في نفسي : لعل لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن!. فرأيت قوما يتحدثون ، فقلت : يا هؤلاء ، ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟. قالوا : يا شيخ نراك غريبا. فقلت : أنا سهل ابن سعد ، قد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحملت حديثه. فقالوا : يا سهل ما أعجبك [أن] السماء لا تمطر دما ، والأرض لا تخسف بأهلها؟!. قلت : ولم ذاك؟. فقالوا : هذا رأس الحسين ثمرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهدى من أرض العراق إلى الشام ؛ وسيأتي الآن!. قلت :وا عجباه أيهدى رأس الحسينعليه‌السلام والناس يفرحون!. فمن أي باب يدخل؟.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٢٨٩ :

__________________

(١) يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في حاشية ص ٤٤٧ من مقتله : نصّ عليه (كامل البهائي)و (الآثار الباقية) للبيروني و (المصباح) للكفعمي ، ص ٢٦٩ و (تقويم الحسنين) للفيض ، ص ١٥.

وبناء على ما في (تاريخ الطبري) من حبسهم في السجن إلى أن يأتي البريد من الشام بخبرهم ، يبعد وصولهم إلى الشام في أول صفر ، فإن المسافة بعيدة تستدعي زمنا طويلا ، اللهم إلا أن يكون البريد من طريق (الطير الزاجل).

٤١٩

فقالوا : الرأس يدخل من هذا الباب. فوقفت هناك ، وكلما تقدموا بالرأس كان أشدّ لفرحهم وارتفعت أصواتهم. وإذا برأس الحسينعليه‌السلام والنور يسطع من فيه كنور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلطمت على وجهي وقطعت أطماري وعلا بكائي ونحيبي ، وقلت : وا حزناه للأبدان السليبة النازحة عن الأوطان ، المدفونة بلا أكفان. وا حزناه على الخدّ التريب ، والشيب الخضيب. يا رسول الله ليت عينك ترى رأس الحسينعليه‌السلام في دمشق يطاف به في الأسواق ، وبناتك مشهورات على النياق ، مشقّقات الذيول والأزياق(١) ، ينظر إليهم شرار الفسّاق!. أين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يراكم على هذا الحال

من أيّ الأبواب أدخلوا الرؤوس والسبايا؟

٤٩٥ ـ من أيّ الأبواب أدخلوا الرؤوس والسبايا؟ :

نستعرض أولا الروايات ، ثم نحاول التوفيق بينها ، ثم نخلص إلى النتيجة.

يورد الخوارزمي في مقتله روايتين :

الأولى : قال سهل بن سعد : فمن أي باب يدخل؟. فأشاروا إلى باب يقال له باب الساعات ، فسرت نحو الباب. فبينما أنا هناك ، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا.

الثانية : إن السبايا لما وردوا مدينة دمشق ، أدخلوا من باب يقال له باب توما. ثم أتي بهم حتى أقيموا على درج باب المسجد الجامع ، حيث يقام السبي.

المنتخب للطريحي :(ج ٢ ص ٤٨٣)

قال : ثم دخلوا بالسبايا والرؤوس إلى دمشق ، وعلي بن الحسينعليه‌السلام معهم على جمل بغير وطاء ثم أتوا إلى باب الساعات ، فوقفوا هناك ثلاث ساعات يطلبون الإذن من يزيد.

مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، روايتان :(ص ١٢١ و ١٢٤)

الأولى : قال سهل : ودخل الناس من باب الخيزران ، فدخلت في جملتهم ، وإذا قد أقبل ثمانية عشر رأسا ، وإذا السبايا على المطايا بغير وطاء ، ورأس الحسينعليه‌السلام بيد شمر.

__________________

(١) الأزياق : جمع زيق ، وهو ما يكفّ به جيب القميص.

٤٢٠

الثانية : وأقبلوا بالرأس إلى يزيد بن معاوية ، وأوقفوه ساعة إلى باب الساعات.وأوقفوه هناك ثلاث ساعات من النهار [لعل المقصود بهناك : عند قصر يزيد ، ريثما يؤذن له بالدخول على يزيد].

نور العين للإسفراييني ، روايتان :

الأولى : خرجت العساكر لاستقبال الرؤوس من باب جيرون وباب توما.

الثانية : ثم دخلوا بالرأس من باب جيرون ، وداروا بها إلى باب الفراديس ثم ازدحم الناس حتى خرجوا من باب الساعات ثم أتوا حتى وقفوا بهم على باب القصر.

اللهوف لابن طاووس :

وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة ، حتى أتى بهم باب دمشق ، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع ، حيث يقام السبي.

مخطوطة مصرع الحسينعليه‌السلام ـ مكتبة الأسد ، ص ٥٥ ـ روايتان :

الأولى : وأتوا إلى باب جيرون الأوسط ، فنصب هناك الرأس ساعة من النهار ، فسقط فبنوا هناك موضع مسقطه مسجدا. وداروا به إلى باب الفراديس ، ولم يكن هناك باب بل كان تل تراب ، فازدحم الناس وطلع الرأس. ثم أداروه إلى باب الساعات ، فنصب هناك ساعة من النهار.

الثانية : وأمر بالجيش أن يدخل من باب جيرون إلى باب توما

النتائج :

والآن ماذا نستنتج من مجموعة هذه النصوص؟

إننا نستنتج النقاط التالية :

١ ـ ان الرؤوس والسبايا أدخلوا معا في موكب واحد ، ومعهم رأس الحسينعليه‌السلام ، كما نصّت على ذلك رواية أبي مخنف.

٢ ـ هناك شبه إجماع على أن دخولهم كان من باب توما ، ووقوفهم عند بعض الأبواب الداخلية. وكان من المقرر أن يوقفوهم عند كل مكان مرموق ساعة من نهار [المقصود بالساعة في ذلك الزمان فترة قصيرة ، وليس ما تعارفنا عليه اليوم]. ويدل

٤٢١

على ذلك قول سهل لما رأى رأس الحسينعليه‌السلام على الرمح : يا رسول الله ليت عينك ترى رأس الحسينعليه‌السلام في دمشق يطاف به في الأسواق

٣ ـ من الأماكن التي أوقفوا عندها الرؤوس والسبايا قبل وصولهم إلى باب قصر يزيد: باب جيرون الأوسط ـ باب الفراديس ـ باب الساعات ، ثم أوقفوهم على درج المسجد الجامع حيث يقام السبي عادة ، وهو مجاور لباب قصر يزيد.

٤ ـ قول الإسفراييني : «وداروا بها إلى باب الفراديس» يدل على أن الطريق من باب جيرون إلى باب الفراديس ليس مستقيما بل شبه دائري ، وهذا واضح في المصور (الشكل ٢٠).

٥ ـ قول الإسفراييني : «ثم ازدحم الناس حتى خرجوا من باب الساعات» يدل على أن باب الساعات غير بعيد عن باب الفراديس. وكذلك قول أبي مخنف «ثم أداروه إلى باب الساعات» يدل على ذلك القرب ، مما يدل على أن باب الساعات هو باب الفراديس العموري ، الّذي تقع على يساره جادة سبع طوالع.

٦ ـ إن قول أبي مخنف عن سهل بن سعد : «ودخل الناس من باب الخيزران ، فدخلت في جملتهم» ، وقول الخوارزمي عن سهل : «فأشاروا إلى باب يقال له باب الساعات ، فسرت نحو الباب» يدلان على أن دخول سهل من باب الخيزران مع الناس كان قبل وصوله إلى باب الساعات. كما يدل على أن باب الخيزران قريب من باب الساعات ، وأنه يؤدي إليه. والمناسب لذلك أن يكون هذا الباب غرب باب الساعات ، لأن جهة الغرب كانت المنفذ الوحيد لأهل دمشق ليأتوا للتفرج على الرؤوس والسبايا ، لأن المنفذ الشرقي كان مشغولا بالمهرجان. فباب الخيزران يقع تقديرا في جادة سبع طوالع التي تؤدي إلى المكتبة الظاهرية.

٧ ـ إن عبارة مخطوطة مصرع الحسينعليه‌السلام الموجودة في مكتبة الأسد العامرة هي أجمع وأثمن نص في هذا الموضوع ، وهي دقيقة جدا في التعبير. فهي تذكر أولا : «وداروا به إلى باب الفراديس» أي اتبعوا طريقا دائريا حتى وصلوا بالرأس إلى باب الفراديس ، ثم تذكر: «ثم أداروه إلى باب الساعات» أي أداروا الرأس في مكانه ليرجعوا به جنوبا متجهين إلى باب الساعات.

ـ جولة ميدانية في المنطقة :

إذا سلكنا طريق النوفرة آتين من الشرق ، نصل إلى (باب جيرون الداخلي). ثم

٤٢٢

نرى من بعيد الباب الشرقي للمسجد الجامع واسمه باب جيرون أيضا (أو باب النوفرة) ، وبين البابين سوق صغير اسمه سويقة جيرون. ثم نصل إلى مفرق إلى اليمين يمكن الذهاب منه إلى مرقد السيدة رقيّةعليه‌السلام ، فإذا سلكناه يصبح (قصر يزيد) على يسارنا بحجارته الضخمة. ثم ننعطف إلى اليسار [انظر الشكل ٢٠].ونتابع سيرنا بطريق مائل فنصل إلى مفترق أربعة طرق [مصلّبة] : أحدها إلى الغرب يوصل إلى المكتبة الظاهرية ، وهو جادة سبع طوالع ، حيث رجّحنا وجود (باب الخيزران) وهذه الجادة تساير السور العموري من الداخل. والطريق الثاني إلى الشمال إلى باب الفراديس. وفي هذا المفرق كان (باب الساعات). فإذا تابعنا المسير إلى الشمال وصلنا إلى مرقد السيدة رقيّةعليه‌السلام على الطرف الأيمن ، حتى ننتهي إلى السور الآرامي الّذي يلاصق الطرف الشمالي للمقام بعد توسيعه. ثم نصل إلى السور الروماني الّذي يقع عليه باب الفراديس الجديد (أو العمارة).

وتظهر الأبواب الأربعة في (الشكل ٢٠).

(الشكل ٢٠)

مخطط المسجد الجامع وقصر يزيد

والأبواب الأربعة التي أوقفوا عندها الرؤوس والسبايا

ـ تعليق حول باب الساعات :

قد يظن البعض أن (باب الساعات) هو أحد أبواب دمشق ، أو أحد أبواب المسجد الجامع ، وأنا أنفي ذلك لأمرين :

٤٢٣

الأول : إن الروايات تومي إلى أن باب الساعات باب داخلي يمرّ منه الناس داخل دمشق ، كما في قول الإسفراييني : «وازدحم الناس حتى خرجوا من باب الساعات». «ومن جهة ثانية فإنه ليس هناك من أبواب دمشق باب بهذا الاسم.

الثاني : لقد مرّ على المسجد الجامع بابان سمّوا عبر التاريخ ب (باب الساعات) ، الأول باب الزيادة (الصاغة القديمة) الّذي كان يسمى باب الساعات في القرن الرابع الهجري ، لوجود ساعة كبيرة ميكانيكية عنده. وهذا الباب لم يكن موجودا أصلا في عهد معاوية ويزيد ، بل شقّه في سور المعبد الوليد بن عبد الملك فيما بعد حين وسّع المسجد ، ولذلك سمّي باب الزيادة.

والباب الثاني هو باب جيرون (النوفرة) الّذي سمّي بباب الساعات بعد القرن الخامس الهجري ، وذلك بعد أن احترق قصر الخضراء من جهة باب الزيادة ، نقلت الساعة إلى الباب الشرقي للمسجد (باب جيرون) ، لأن الدخول إلى القصر أصبح من تلك الجهة.

ولا يمكن أن يكون المقصود ب (باب الساعات) أحد هذين البابين ، لأنهما تسمّيا بهذا الاسم بعد اختراع الساعة الآلية التي كانت مبنية عندهما ، في العصور التالية.مما يؤكد أن المقصود بباب الساعات في عصر يزيد باب كانت عنده ساعات شمسية (مزولة) تعتمد على أشعة الشمس لمعرفة الزوال للصلاة.

٤٩٦ ـ تحديد الأبواب التي مرّت بها الرؤوس والسبايا :

باب توما

ذكرنا سابقا أنه شبه الإجماع في الروايات ، أنهم أدخلوا الرؤوس والسبايا إلى دمشق من (باب توما). وهو باب روماني يقع في الشمال الشرقي من مدينة دمشق القديمة ، وكان المسلمون قد بنوا عليه مئذنة بعد الفتح ، ثم أزيلت من عهد قريب أثناء الانتداب الفرنسي. ثم مرّوا بعدة أبواب مثل باب جيرون وباب الفراديس وباب الساعات.

باب جيرون الداخلي

فأما (باب جيرون) فهو باب داخلي يقع في شرق المسجد الجامع ، ويفصل بينه وبين باب المسجد المسمى باسمه «سويقة جيرون» ، ولتمييزه عن باب المسجد نضيف إليه كلمة (داخلي). وهو عبارة عن باب كبير ذي قنطرة ضخمة ، وبابين

٤٢٤

صغيرين على طرفيه (فرخين). ويمكن أن يسمى الباب الكبير (الأوسط) لتمييزه عن الفرخين. وقد تهدمت قنطرة هذا الباب من الزلازل ، أما البابان الطرفيان فقد طغى عليهما ارتفاع أرض دمشق ، حتى لم يبق بين منسوب الأرض وأسكفة الباب أكثر من متر ، وتبدو عليهما النقوش الرومانية. وسترى أن حامل رأس الحسينعليه‌السلام على السنان ، لما وقف به عند الفرخ الشمالي من الداخل ، اهتزّ رمحه فسقط الرأس الشريف ، فبني في مكان سقوطه مسجدا تقديسا لهعليه‌السلام .

باب الفراديس

وأما (باب الفراديس) فهو الباب الشمالي لمدينة دمشق ، وبما أن باب الفراديس هو عدة أبواب متتالية كما ذكرنا سابقا ، هي من الجنوب إلى الشمال : الباب العموري (الأول) ـ الباب الآرامي (الثاني) ـ الباب الروماني (الثالث) ، وبما أن رواية مخطوطة مصرع الحسينعليه‌السلام الموجودة في مكتبة الأسد ، تنصّ على أن هذا الباب كان تلا من التراب في عهد يزيد ، فأغلب الظن أن المقصود بباب الفراديس في الروايات الباب الآرامي (الثاني) الّذي كان مهدوما لقدمه وعدم أهميته. وحين أراد يزيد وضع السبايا ألقى بهم في بناء مهجور عند هذا الباب ، وهو المكان الّذي صار مرقد ومسجد السيدة رقيةعليه‌السلام فيما بعد (انظر المخطط السابق واللاحق).

استمرارية الأبواب في باب الفراديس

يقول الأستاذ أحمد غسان سبانو في كتابه القيّم (مكتشفات مثيرة) ص ٢٧٣ عن استمرارية الأبواب السابقة :

بعض أبواب دمشق ظلت في مكانها مدى العصور دون أن تتغير ، مثل البابين الداخليين : باب جيرون وباب البريد.

لكن هذا لا ينطبق على باب الفراديس الخاص بالسور الشمالي ، فقد تغيّر موضعه مع الزمن حسب الضرورات. فباب الفراديس الخاص بالسور العمّوري ، أعطى فيما بعد باب الفراديس الخاص بالسور الآرامي ، ثم باب الفراديس الخاص بالسور الروماني ، وهو ما يطلق عليه باب الفراديس الجديد ، وهو القائم اليوم.

وبين السورين الآرامي والروماني تقع منطقة ضيّقة فيها منازل اليوم ، تدعى (جادة بين السورين) ، وهي تخفي السور الآرامي [لأنها مبنية عليه].

٤٢٥

(أقول) : هذا وقد كانت بين قصر يزيد وباب الفراديس الجديد [وهو الطريق المؤدي إلى مرقد السيدة رقية] عدة أبواب وأقواس ، أخبرني بعض سكان المنطقة أنها كانت موجودة إلى أمد قريب ؛بعضها أزيل في العهد العثماني ، وآخرها أزيل مؤخرا عند توسيع مقام السيدة رقيةعليه‌السلام ، وقد كان يدعى «باب ستي رقية».والمدقق في هذا الطريق يلاحظ بقايا تلك القناطر والأقواس التي كان بعضها أبوابا.

يقول كارل ولتسنجر في كتابه (الآثار الإسلامية في مدينة دمشق) ص ٣٩٢ عن باب الفراديس :

السبب في تعدد أسمائه ، أن أربعة أبواب على الأقل كانت تقوم بالتوالي في هذا المكان ، وهي : البوابة السابقة للإسلام ، والقوس السابق للإسلام ، وباب سور المدينة ، والسوق المتصلة بشمال ذلك الباب والمتجهة نحو المدينة الجديدة (العمارة).

ويصف كارل أحد هذه الأبواب ، وهو باب ستي رقية ، الكائن عند انعطاف الطريق جنوب مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام القديم ، وذلك في كتابه السابق ص ١٠٣ فيقول :

بقية ممر معقود من أصل سابق للإسلام. وهو عبارة عن عقد (قوس) دائري يرتكز على كتف طويل ، يصل ارتفاع القوس ١٧٩ سم. وهو بقايا باب يخص معبد جوبيتر الخارجي ، لم يبق منه سوى قواعد الباب على جانبي الطريق.

وقد أتحفنا الأستاذ سبانو في كتابه السابق (مكتشفات مثيرة) ص ٢٣٩ برسم لهذه الأبواب والأقواس والأسوار ، التي بعضها عمّوري وآرامي ، وبعضها روماني وعربي ، وقد اعتمدنا عليه وعلى غيره من المصادر في الرسم التفصيلي التالي (الشكل ٢١) :

ومن الصدف الغريبة أن تلقى مجموعة سبايا أهل البيتعليه‌السلام في منطقة مهملة بين السورين العمّوري والآرامي ، أطلق عليها المؤرخون اسم (الخربة) حيث كان فيها مسجد خرب يكاد أن ينهدم ، فوضعهم يزيد هناك في غرفة بدون سقف ، لا تحمي من حرّ ولا من قرّ ، حتى تقشّرت جلودهم من حرّ النهار وبرد الليل. وكأنهم

٤٢٦

(الشكل ٢١) : مخطط لمنطقة باب الفراديس شمالي المسجد الجامع

تظهر فيه الأسوار الثلاثة والقناطر والأبواب ومرقد السيدة رقيةعليه‌السلام

٤٢٧

أثناء إقامتهم في هذه البقعة كاللؤلؤة بين الصدفين. ولما توفيت الطفلة رقيّة بنت مولانا الحسينعليه‌السلام ودفنت هناك ، أصبح مرقدها نورا بين بابين ، وبابا بين سورين :

إنه باب حطّة

فادخلوا الباب سجّدا

ويقول الأستاذ سبانو في كتابه (مكتشفات مثيرة) ص ٣٢٥ عن السور الشمالي ومسجد السيدة رقيةعليه‌السلام :

وينتهي الجزء الأول من السور الشمالي عند مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام ، حيث نجد أن مسجد رقيةعليه‌السلام بحدّ ذاته إنما هو واقع على السور ، وأن الباب الموجود هناك والملاصق للمسجد إنما هو باب السور الآرامي. ومن تفحّص الباب يجد أنه يتصل مع منشآت حجرية ضخمة تقع إلى جهة الجنوب من الباب ، مما يظهر بوضوح أن الباب كان بالأساس بابا مزدوجا. وتبدي المنشآت المتبقية أن الباب كان أضخم من الباب الحالي. ويبدو بوضوح أن مسجد رقيةعليه‌السلام إنما يقع بين البابين وعلى السور الآرامي. وهذا ما يفسر وجود هذا المسجد وقدمه.

إن هذه المنطقة جديرة بالدراسة والتمحيص ، وقد تبيّن أن هناك فرع من نهر بردى كان وما يزال يمرّ من خندق السور الشمالي ، ويمكن مشاهدته من عدة نقاط ، وهو يمرّ من باب الفراديس الآرامي ، بمحاذاة جامع السيدة رقيةعليه‌السلام الآن ، وهو يسير تحت الأرض عموما.

(أقول) : وعند توسيع مقام السيدة رقيةعليه‌السلام مؤخرا ، اضطروا إلى تحويل هذا النهر وإبعاده عن المقام.

باب الساعات هو باب الفراديس العمّوري

وأما (باب الساعات) فقد بيّنت سابقا أنه باب الفراديس الأول (العموري) وأنه قريب من باب الفراديس الآرامي ، وقد ميّزته بالباب رقم (٢) في (الشكل ٢٠) وهو مناسب لأن تعلّق عليه الساعات الشمسية ، لأن أشعة الشمس تسقط عليه من الجنوب ، كما أن موقعه مناسب لقربه من المسجد الجامع ومن قصر يزيد ، فهو يشير إلى الوقت أثناء النهار لكل من يمرّ به متجها إلى الشمال ليخرج من باب الفراديس الخارجي.

ولا نستبعد ذلك إذا علمنا أنه كان في الحائط الشمالي من الجامع الأموي باب

٤٢٨

يدعى (باب الساعات) ذكره الأستاذ محمّد أحمد دهمان عن رسالة رآها عند بعض الأفاضل لمؤلف مجهول ، تصف الزلزال الّذي أطاح بالجامع الأموي عام [١١٧٣ ه‍ ـ ١٧٥٩ م] وذلك في كتابه (في رحاب دمشق) ص ٢٠٤ قال يعدّد الأبواب الشمالية للمسجد :

وباب شمالي بالقرب من السميساطية [يقصد باب الناطفيين].

وباب آخر كبير يسمى باب الساعات يخرج منه إلى مدرسة الكلاسة [يقصد به باب الكلاسة ، وهو أحد أبواب الجامع أحدثه الوليد ، ويقع إلى يمين مئذنة العروس من الخارج].

فيمكن أن نتصور أن باب الساعات السالف الذكر ، قد نقلت ساعاته الشمسية إلى داخل صحن المسجد عندما حصل الزلزال ، ولم يعد له شأن يذكر. وإلى اليوم يوجد عند مئذنة العروس من الداخل ساعة شمسية في الجدار الشمالي المطل على صحن المسجد ، يعرف بها ساعات النهار ووقت الزوال.

ـ تعقيب على باب الساعات :

في شبابي كنت سمعت رواية تتعلق بباب الساعات ، ولعل الّذي رواها لي هو المرحوم الحاج حسني صندوق ، تقول الرواية : إن شخصا بعث برسالة إلى المجمع العلمي العربي بدمشق ، يسألهم فيها عن (باب الساعات)؟. فلما وصلت الرسالة إلى رئيس المجمع وهو محمّد كرد علي استنفر كل أعضاء المجمع للردّ على الرسالة ، فلم يستطع أحد أن يحلّ هذا اللغز. وبعد سنوات من البحث والجدال والمناقشات بين أعضاء المجمع ، بتّ رأيهم على أن باب الساعات هو باب داخلي قديم في دمشق ، وأنه هو الواقع عند تقاطع الطريق المؤدي من قصر العظم إلى الحريقة مع سوق الخياطين وسوق الحرير.

وقد ذهبت إلى المنطقة المذكورة ورأيت هذا الباب الّذي يصل سوق الحرير من الشمال مع سوق الخياطين من الجنوب ، وهو باب منخفض مستطيل الشكل ، تعلوه عارضة حجرية أفقية تستند على عضادتي الباب. ويبدو أنه كان هناك باب من العهد العموري ، تتصل به من الغرب منشآت معمارية ضخمة.

وقد سألت أحدهم هناك عن اسم هذا الباب فلم يعرف ، ثم قال : باب الحرير.وهذا الباب يصلح أن يكون بابا للساعات الشمسية لأن اتجاهه نحو الجنوب ، إلا أنني لا أرجّح هذا التأويل إن صحّت نسبته للمجمع ، وقد ذكرته لتبرئة ذمتي.

٤٢٩

باب الخيزران

لم يتطرق أحد من المحققين إلى البحث عن هذا الباب كالذي قبله. وفي توقّعي أنه باب واقع في الطريق الممتدة من باب الساعات السابق الذكر إلى الغرب ، وهو ما يسمى اليوم جادة سبع طوالع ، المؤدية من الغرب إلى المكتبة الظاهرية. وهذا الباب ذكره سهل بن سعد ، حيث قال بأن الناس دخلوا منه ليتفرجوا على موكب الرؤوس والسبايا. فيكونون قد دخلوا منه ليصلوا إلى باب الساعات حيث عرفوا أن الموكب سيمرّ منه.

أما سبب تسمية هذا الباب (بالخيزران) فيمكن أن يكون نسبة إلى المنطقة التي تصنع فيها أعواد الخيزران ، فسمي باسم تلك الصناعة ، مثلما سمي أحد أبواب المسجد الجامع المحدثة بباب الكلاسة لأنه كان يصنع الكلس في غرفة إلى جانبه ، لطلاء جدران المسجد.

مسيرة الرؤوس والسبايا في دمشق

٤٩٧ ـ مسيرة الرؤوس والسبايا خارج دمشق وداخلها :

كان دخول الرؤوس والسبايا معا إلى دمشق ، في الأول من شهر صفر سنة ٦١ ه‍. وسوف أشرح هذه المسيرة بالتفصيل فيما يلي :

الّذي أتصوره أن موكب الرؤوس والسبايا جاء من غرب دمشق ، لمجيئهم من طريق لبنان ، أي من طريق بعلبك ـ شتورة ـ الهامة ـ دمشق ، بمحاذاة نهر بردى.

وصدرت الأوامر من يزيد بعدم إدخالهم دمشق ، بل انتظارهم خارجها ثلاثة أيام ليتسنى لهم تزيين دمشق لاستقبالهم بموكب مهيب. وكان المكان الوحيد الخالي والمناسب لإنزالهم تلك الفترة هو المنطقة الجنوبية من دمشق خارج السور ، التي تدعى اليوم مقبرة باب الصغير ، إذ كانت فارغة من الناس والعمران ، وهي من حيث الأصل اتخذت مقبرة للمسلمين لأنها مليئة بالأحجار والحصى وغير صالحة للزراعة.

فجاؤوا بالسبايا والرؤوس إلى باب الجابية خارج السور ، ثم عبروا بهم بمحاذاة السور في طريق آهل بالسكان ، هو شارع البدوي اليوم ، حيث صار الناس الذين يتفرجون عليهم يسبّونهم ويبصقون عليهم. وهذا الطريق هو المعبّر عنه في

٤٣٠

الروايات ، أن شمر أدخلهم من طريق كثير النظّارة. حتى وصلوا إلى مقبرة باب الصغير. فنزل السبايا هناك ، حيث أقام زين العابدينعليه‌السلام وزينب وأم كلثوم وسكينة وجميع السبايا ثلاثة أيام. ولا يبعد أن الأمكنة التي تدعى اليوم بمقامات أهل البيتعليهم‌السلام في (الستّات) هي مكان قيامهم وصلاتهم ومبيتهم ، فهي مقامات لهم وليست مراقدهم وقبورهم.

وبعد ثلاثة أيام جاء الأمر من يزيد بإدخالهم إلى دمشق ، فأكملوا بهم المسيرة حول دمشق القديمة بمحاذاة السور إلى جهة الشرق ، إلى باب كيسان ثم باب شرقي ، حتى وصلوا باب توما. حيث كان الناس في انتظارهم.

وكان الجيش الأموي والوزراء والأعيان قد أقاموا مراسم الزينة والفرح داخل دمشق ، وخاصة من باب توما إلى باب جيرون الداخلي ، وهو الباب الداخلي الّذي يؤدي بالقادم من الشرق إلى منطقة قصور الملك ، مثل دار الخضراء وقصر يزيد ، وإلى المسجد الجامع. وكان الجيش قد اصطف على جانبي هذا الطريق يضرب البوقات ويهتف بأهازيج النصر.

وإذا كان النظام اليوناني في تخطيط دمشق ما زال موجودا في عهد يزيد ، وهذا متوقع في العهود الإسلامية الأولى ، فهو يتميّز بشيئين رئيسيين ؛ هما المعبد الواقع في الغرب (الّذي تحدده اليوم جدران الجامع الأموي) ، والساحة العامة (آغورا) الواقعة في الشرق حيث حي الجورة اليوم. وبين المعبد والساحة طريق رئيسي هو طريق القيمرية أو النوفرة. وعليه لا يستبعد أن يكونوا قد أدخلوا الرؤوس والسبايا من باب توما إلى باب جيرون الداخلي ، مرورا بالساحة العامة التي تقارب مساحتها مساحة المسجد الجامع ، حيث نظّمت فيها المواكب والمهرجانات ، وأقيمت الزينات ، لا سيما وأن عدد العساكر التي أمرت بالتواجد بين البابين السابقين ، كان بالآلاف بحيث لا يسعهم أي طريق آخر.

وهكذا أدخل الرؤوس والسبايا من باب توما ، حتى وصلوا إلى باب جيرون الداخلي ، حيث كان يزيد في قصره على منظرة منهم ، فأنشد أشعاره المشهورة التي يذكر فيها (جيرون). فأوقفوهم هناك ساعة ، ثم داروا بهم حتى أوقفوهم عند باب الفراديس ساعة ، ثم أحضروهم عند باب الساعات وظلوا هناك ساعة.

وبعد أن مرّوا من باب الساعات جرّوهم حتى أوقفوهم على درج المسجد

٤٣١

(الشكل ٢٢) : مخطط دمشق القديمة ، مبينا الطريق الّذي سلكته

الرؤوس والسبايا حين أدخلوا دمشق

١ ـ المسجد الجامع

٢ ـ قصر يزيد

٣ ـ قصر الخلافة (دار الخضراء)

٤ ـ باب الزيادة

٥ ـ باب جيرون الداخلي

٦ ـ باب الفراديس الروماني (العمارة)

٧ ـ باب الفراديس العموري (باب الساعات)

٨ ـ باب البريد

٤٣٢

الجامع (درج النوفرة) بجانب قصر يزيد ، حيث يقام السبي عادة ، ليتاح للناس أن يتفرجوا عليهم ، وهم مربوطون بالحبال ، وفي عنق زين العابدينعليه‌السلام الجامعة ، وهي حديدة ذات قفل تربط يديه إلى عنقه. وظلوا هناك ثلاث ساعات حتى جاء الأمر بإدخالهم على مجلس يزيد ، الّذي كان قد جمع وزراءه وقوّاده وأعيان البلد في قصره الملاصق للمسجد الجامع من جهة الشرق.

وبعد إدخال الرؤوس ثم السبايا على يزيد في اليوم الأول ، اقتيد السبايا من مجلسه بعد حلّ الأغلال والقيود إلى (خربة) واقعة شمالي قصر يزيد ، عند باب الفراديس ، حيث مرقد السيدة رقية بنت الحسينعليه‌السلام اليوم. وكان في الخربة مسجد مهدوم ، فوضعوا فيه في غرفة لا تحمي من حرّ ولا قرّ ، وقد سقط نصف سقفها.

مسيرة الرؤوس والسبايا داخل دمشق

٤٩٨ ـ الدخول من باب توما :

في (نور العين) للإسفراييني ، ص ٨٨ قال :

خرجت العساكر لاستقبال الرؤوس من باب جيرون وباب توما.

وفي (اللهوف) لابن طاووس ، ص ٧٣ قال :

وسلك بهم [أي شمر] بين النظارة على تلك الصفة ، حتى أتى بهم باب دمشق ، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع ، حيث يقام السبي.

وفي (مخطوطة مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٥٥ :

وأمر بالجيش أن يدخل من باب جيرون إلى باب توما.

ولعل المقصود بالعبارة الأخيرة أن يزيد أمر جيشه بالانتشار ما بين باب جيرون وباب توما ، لاستقبال موكب الرؤوس والسبايا الداخل من باب توما ، والمتوجه إلى باب جيرون الداخلي ، في طريقه إلى قصر يزيد. وبين البابين تقع الساحة العامة (آغورا) المناسبة لهذا الانتشار.

وفي (الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٢٩ قال :

وأتي بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أدخلوا مدينة دمشق من باب يقال له باب توماء ، ثم أتي بهم حتى وقفوا على درج باب المسجد ، حيث يقام السبي.

٤٣٣

٤٩٩ ـ الوقوف عند باب جيرون الداخلي :

في (نور العين) للإسفراييني ، ص ٨٩ قال :

ثم دخلوا بالرأس من باب جيرون ، وداروا بها إلى باب الفراديس ، فسقطت الرأس فتلقتها قرن حائط ، فعمّر هناك مسجد إلى يومنا هذا.

وفي (مخطوطة مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٥٥ :

وأتوا إلى باب جيرون الأوسط ، فنصب هناك الرأس ساعة من النهار ، فسقط فبنوا هناك موضع مسقطه مسجدا. وداروا به إلى باب الفراديس

وفي (معالي السبطين) للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣ : وقيل سقط الرأس المبارك هناك ، فبنوا مسجدا هناك ، سمّي بمسجد السّقط.

مسجد السّقط

٥٠٠ ـ مسجد السّقط :

تذكر الروايات السابقة أن موكب الرؤوس والسبايا عند إيقافهم عند باب جيرون الداخلي سقط رأس الحسينعليه‌السلام من على الرمح ، وذلك من داخل الباب عند إحدى البوابتين الصغيرتين لباب جيرون الأوسط ، وهي البوابة الشمالية. وتكريما للمكان الّذي سقط فيه الرأس الشريف ، أقيم مسجد هناك ، سمّي مسجد السّقط.وسمي الطريق من باب جيرون إلى المسجد الجامع : زقاق النّطّة.

ولهذا المسجد تاريخ عريق مليء بالأحداث الجسام. فقد أثار هذا المسجد مشاكل كثيرة في التاريخ ، بين السنة والشيعة في دمشق. ففي حين كان دأب الشيعة ومحبي أهل البيتعليه‌السلام من السنة المحافظة على هذا المسجد ، كان همّ بعض النواصب هدم هذا المسجد وجعله طريقا.

وقد ذكر المؤرخ الدمشقي المتعصب أبو شامة [ت ٦٦٥ ه‍] شيئا من تلك المعارك التي قامت حول هذا المسجد ، لا أقصد معارك حربية ، وإنما معارك مذهبية وتعصبية لا لزوم لها.

واشتدّ الأمر تفاقما عندما حكم الفاطميون دمشق [من ٩٦٨ ـ ١٠٧٥ م] واعتنوا بكل ماله علاقة بأهل البيتعليه‌السلام ، كهذا المسجد ، ومسجد رقيةعليه‌السلام ، ومسجد رأس الحسينعليه‌السلام .

٤٣٤

٥٠١ ـ الفرخ الشمالي لباب جيرون الأوسط :

يقول الأستاذ أحمد غسان سبانو في (مكتشفات مثيرة) ص ٢٦٣ :

كان باب جيرون في الأصل بابا كبيرا في الوسط ، على جانبيه فرخان أو بابان صغيران. فحدث أن سدّ الفرخ الشمالي واتخذ داخله مسجد ، زعم أحدهم أن فيه قبر الست ملكة من نسل عليعليه‌السلام ، فمنع العوام المرور منه ، وجعلوه مسجدا ، وأحدثوا فيه قبرا.

كان باب جيرون من عجائب دمشق ، وقد احترق في فتنة تيمور لنك في القرن التاسع الهجري مع المسجد الّذي أقيم ، وظل كومة تراب عدة سنين. حتى جاء كمشبغا طولو (نائب قلعة دمشق بعد عام ٨٣٠ ه‍) فعمد شخص من خواصه إلى هذا المكان ، وأعاد بناءه مخزنا للأخشاب وغيرها ، وكانت تقع فيه منكرات ، ووجد فيه قتيل مرة. ثم تهدم وزال سقفه. فسعى بعضهم لتجديد عمارته ، فأمر الملك الأشرف قايتباي في سنة ٨٩٢ ه‍ بفتح الباب ، وأعيد طريقا للمارة.

وفي القرن العاشر بني في هذا الباب الصغير حائط ، وجعل مخزن حطب للفرن قبليّه.

أعيد بناء باب المسجد في العهد العثماني وما يزال قائما. وما تزال عضادتا الباب الكبير قائمتين. أما البابان الصغيران ، فالجنوبي مسدود ترى عتبته داخل دكان ، والشمالي كان مختفيا تحت الدور ، وكشف سنة ١٩٤٦ م ، وظهر على عتبته نصّ مرسوم قايتباي بفتح الباب. ووجدت سنة ١٩٤٨ الأرض الرومانية لباب جيرون الكبير على عمق ٤٣٠ سم.

ويقول الأستاذ صلاح الدين المنجد في (خطط دمشق) ص ١٢٦ ط بيروت عام ١٩٤٩ :

يحدثنا المؤرخ أبو شامة عن سبب ذلك في رسالته المسماة (الباعث على إنكار البدع والحوادث) يقول : ذكر لي بعض من لا يوثق به في شهور سنة ٦٣٦ ه‍ أنه رأى مناما يقتضي أن ذلك المكان دفن فيه بعض أهل البيتعليه‌السلام . وقد أخبرني عنه ثقة أنه اعترف له أنه افتعل ذلك. فقطعوا طريق المارة فيه ، وجعلوا الباب بكماله مسجدا مغصوبا ، وقد كان طريقا يضيق بسالكه.

ثم يورد ما حدث لهذا المسجد ، فتارة يهدمه السنّة ، وتارة يعمّره الرافضة ، على ما ذكر.

٤٣٥

ـ زيارة ميدانية للباب :

هذا وقد زرت باب جيرون الداخلي ، وهو مؤلف من باب كبير (وهو الأوسط) قد هدمت قنطرته ، ومن بابين صغيرين عن يمينه ويساره. وبما أن الأرض قد علت على مرّ العصور عدة أمتار ، لذلك لم يبق من فتحة هذين الفرخين فوق الأرض أكثر من نصف متر.

وأما مسجد السّقط الذي يقع إلى يمين الداخل من الباب الأوسط باتجاه المسجد الأموي ، فقد كان موجودا إلى زمن قريب. وعندما أرادت البلدية الاعتناء بالأبواب ، أزالت المسجد وحوّلته إلى حديقة صغيرة. ولا تزال هذه الأرض تضجّ من عمل بني الإنسان ، إذ كيف يحوّل مسجد كان يذكر فيه اسم الله إلى أرض خراب ، وهل يرضى أحدنا أن يصبح بيته خرابا ، فكيف ببيت الله تعالى؟.

استبشار يزيد

٥٠٢ ـ استبشار يزيد بقدوم الرؤوس والسبايا :

(حياة الإمام الحسين ، ج ٣ ص ٣٧٢)

ولما جيء بالسبايا كان يزيد مطلا على منظر في جيرون ، فلما نظر إلى السبايا والرؤوس قد وضعت على الحراب ، امتلأ سرورا ، وراح يقول :

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الرؤوس على شفا جيرون

نعب الغراب فقلت : قل أو لا تقل

فلقد قضيت من الرسول ديوني

٥٠٣ ـ مشاهدة يزيد لقدوم الرؤوس والسبايا وهو على منظرة جيرون :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٤٧)

وكان يزيد جالسا في منظرة على جيرون. ولما رأى السبايا والرؤوس على أطراف الرماح ، وقد أشرفوا على ثنيّة جيرون ، نعب غراب ، فأنشأ يزيد يقول :

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الرؤوس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت : قل أو لا تقل

فلقد اقتضيت من الرسول ديوني

٤٣٦

ومن هنا حكم ابن الجوزي والقاضي أبو يعلى والتفتازاني والسيوطي بكفره ولعنه(١) .

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٢ يقول :

روى الزهري : لما جاءت الرؤوس كان يزيد في منظرة له على ربى جيرون ، فأنشد لنفسه :

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت : نح أو لا تنح

فلقد قضيت من الغريم ديوني

ونعيب الغراب : هو صوت صياحه ، وهو نذير شؤم.

٥٠٤ ـ استقبال يزيد للسبايا والرؤوس :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٢٩٨)

وفي (جواهر المطالب) لأبي البركات شمس الدين محمّد الباغندي ، كما في نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية بمشهد : قال ابن القفطي في تاريخه :

إن السبي لما ورد على يزيد خرج لتلقّيه ، فلقي الأطفال والنساء من ذرية علي والحسن والحسينعليه‌السلام ، والرؤوس على أسنة الرماح ، وقد أشرفوا على ثنيّة العقاب. فلما رآهم أنشد:

لما بدت تلك الحمول وأشرفت

تلك الرؤوس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت : قل أو لا تقل

فلقد قضيت من الرسول ديوني

يعني يزيد بذلك أنه قتل الحسينعليه‌السلام بمن قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر ، مثل عتبة جده ومن مضى من أسلافه. وقائل مثل هذا بريء من الإسلام ولا شك في كفره.

ثم قال ابن القفطي : وكيف لا ، وهو اللاعب بالنرد ، المتصيّد بالفهد ، والتارك للصلوات ، والمدمن للخمر ، والقاتل لأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، المصرّح في شعره بالكفر الصريح.

__________________

(١) روح المعاني للآلوسي ، ج ٧٦ ص ٧٣ ، تفسير آية( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) قال : أراد بقوله (فقد اقتضيت من الرسول ديوني) أنه قتل بما قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر ، كجده عتبة وخاله وغيرهما ، وهذا كفر صريح. ومثله تمثّله بقول ابن الزّبعرى قبل إسلامه : (ليت أشياخي ببدر شهدوا ...) الأبيات.

٤٣٧

(الشكل ٢٣) : باب جيرون الداخلي ومسجد السقط وقصر يزيد

ومشهد رأس الحسينعليه‌السلام

٥٠٥ ـ الوقوف عند باب الفراديس وباب الساعات :

في (نور العين) للإسفراييني ، ص ٨٩ :

ثم دخلوا بالرأس من باب جيرون ، وداروا بها إلى باب الفراديس ثم ازدحم الناس حتى خرجوا من باب الساعات ثم أتوا حتى وقفوا بهم على باب القصر.

وفي مخطوطة مصرع الحسينعليه‌السلام ـ مكتبة الأسد ، ص ٥٥ :

وأتوا إلى باب جيرون الأوسط ، فنصب هناك الرأس ساعة من النهار ، فسقط فبنوا هناك موضع مسقطه مسجدا. وداروا به إلى باب الفراديس ، ولم يكن هناك باب بل كان تل تراب ، فازدحم الناس وطلع الرأس. ثم أداروه إلى باب الساعات ، فنصب هناك ساعة من النهار.

وقد ذكرنا سابقا أن باب الفراديس المقصود به في الروايات هو الباب الآرامي القديم وكان مهدما. أما باب الساعات فهو باب الفراديس العموري ، وقد كان موجودا إلى عهد قريب ثم أزيل.

٤٣٨

٥٠٦ ـ دخول الرؤوس والسبايا من باب الساعات :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦٠)

في (مقتل الخوارزمي) قال سهل بن سعد : فمن أي باب يدخل؟.

فأشاروا إلى باب يقال له (باب الساعات) فسرت نحو الباب. فبينما أنا هنالك ، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا. وإذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان ، وعليه رأس من أشبه الناس وجها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وإذا بنسوة من ورائه على جمل بغير وطاء. فدنوت من إحداهن فقلت لها : يا جارية من أنت؟. فقالت : سكينة بنت الحسينعليه‌السلام . فقلت لها : ألك حاجة إليّ؟ فأنا سهل بن سعد ، ممن رأى جدك وسمع حديثه. قالت : يا سهل قل لصاحب الرأس أن يتقدم بالرأس أمامنا ، حتى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا ، فنحن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال : فدنوت من صاحب الرأس وقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ أربعمائة دينار؟. قال : وما هي؟. قلت : تقدّم الرأس أمام الحرم. ففعل ذلك ودفعت له ما وعدته.

٥٠٧ ـ سكينةعليه‌السلام توصي سهل بن سعد :

(نور العين للإسفراييني ، ص ٨٨)

قال سهيل الشهروزي : كنت حاضرا دخولهم ، فنظرت إلى السبايا ، وإذا فيهم طفلة صغيرة على ناقة ، وهي تقول : وا أبتاه وا حسيناه وا عطشاه ، وهي كأنها القمر المنير. فنظرت إليّ وقالت : يا هذا أما تستحي من الله وأنت تنظر إلى حريم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقلت لها : والله ما نظرت لك نظرة أستوجب هذا التوبيخ. فقالت :من أنت؟. فقلت : أنا سهيل الشهروزي [الأصح : سهل بن سعد الشهرزوري] ، وأنا من مواليكم ومحبيكم. فقالت : وإلى أين تريد؟. فقلت : أريد الحج إلى بيت الله وزيارة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقالت: إذا وصلت إلى قبر جدنا فأقره السلام وأخبره بخبرنا. فقلت : حبا وكرامة. وهل لك حاجة غير هذا؟. فقالت : إن كان معك شيء من الفضة فأعط حامل رأس أبي ، وأمره أن يتقدم الرأس أمامنا ، حتى يشتغل الناس بالنظر إليها عنا.

قال سهيل : ففعلت ذلك. فقال لي زين العابدينعليه‌السلام : حشرك الله معنا يوم القيامة. ثم إنهعليه‌السلام أنشأ يقول :

٤٣٩

أقاد ذليلا في دمشق كأنني

من الزنج عبد غاب عنه نصير

وجدي رسول الله في كل مشهد

وشيخي أمير المؤمنين أمير

فيا ليت أمي لم تلدني ولم أكن

يزيد يراني في البلاد أسير

٥٠٨ ـ دخول الرايات وحملة الرؤوس :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٥)

قال في (الدمعة الساكبة) : وفي رواية الشعبي على ما نقل عنه :

ثم أشرفت تسع عشرة راية حمراء ، وأشرفت السبايا مهتكات بلا وطاء ولا غطاء. ثم أقبل رأس العباس بن عليعليه‌السلام يحمله ثعلبة بن مرة الكعبي ، وهو بيده على رمح طويل

وفي (أسرار الشهادة) للفاضل الدربندي ، ص ٤٩٦ :

ثم أقبل من بعده رأس جعفر بن عليعليه‌السلام يحمله نمير بن أبي جوشن الضبابي ، وأقبل من بعده رأس محمّد بن عليعليه‌السلام ، ثم أقبل رأس أبي بكر بن عليعليه‌السلام يحمله أنيس بن الحرث البعجي ، وأقبل من بعده رأس علي بن الحسينعليه‌السلام يحمله مرة بن قيس الهمداني ، وأقبل من بعده رأس عون بن عليعليه‌السلام يحمله جابر السعدي ، وأقبل من بعده رأس القاسم بن الحسنعليه‌السلام يحمله محمّد ابن الأشعث الكندي ، وأقبل من بعده رأس يحيى بن عليعليه‌السلام يحمله عمير بن شجاع الكندي ، وأقبل من بعده رأس عبد الله بن عقيلعليه‌السلام يحمله قيس بن أبي مرة الخزاعي ، ثم أقبلت من بعده بقية الرؤوس. ثم أقبل رأس الحسين بن عليعليه‌السلام وهو أشبه الخلق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمله حواشن بن خولي بن يزيد الأصبحي وغيره.

٥٠٩ ـ وصف رأس الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٤)

عن (كامل البهائي) قال سهل بن سعد :

رأيت الرؤوس على الرماح ، ويقدمهم رأس العباس بن عليعليه‌السلام ، نظرت إليه كأنه يضحك. ورأس الإمام الحسينعليه‌السلام كان وراء الرؤوس أمام المخدّرات.وللرأس الشريف مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور ، بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب ، وقد خضبت بالوسمة [نوع من الصباغ النباتي] ، أدعج العينين ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف [أي في قصبة أنفه ارتفاع] ، متبسما إلى

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800