موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء5%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493454 / تحميل: 5834
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

الثانية : وأقبلوا بالرأس إلى يزيد بن معاوية ، وأوقفوه ساعة إلى باب الساعات.وأوقفوه هناك ثلاث ساعات من النهار [لعل المقصود بهناك : عند قصر يزيد ، ريثما يؤذن له بالدخول على يزيد].

نور العين للإسفراييني ، روايتان :

الأولى : خرجت العساكر لاستقبال الرؤوس من باب جيرون وباب توما.

الثانية : ثم دخلوا بالرأس من باب جيرون ، وداروا بها إلى باب الفراديس ثم ازدحم الناس حتى خرجوا من باب الساعات ثم أتوا حتى وقفوا بهم على باب القصر.

اللهوف لابن طاووس :

وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة ، حتى أتى بهم باب دمشق ، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع ، حيث يقام السبي.

مخطوطة مصرع الحسينعليه‌السلام ـ مكتبة الأسد ، ص ٥٥ ـ روايتان :

الأولى : وأتوا إلى باب جيرون الأوسط ، فنصب هناك الرأس ساعة من النهار ، فسقط فبنوا هناك موضع مسقطه مسجدا. وداروا به إلى باب الفراديس ، ولم يكن هناك باب بل كان تل تراب ، فازدحم الناس وطلع الرأس. ثم أداروه إلى باب الساعات ، فنصب هناك ساعة من النهار.

الثانية : وأمر بالجيش أن يدخل من باب جيرون إلى باب توما

النتائج :

والآن ماذا نستنتج من مجموعة هذه النصوص؟

إننا نستنتج النقاط التالية :

١ ـ ان الرؤوس والسبايا أدخلوا معا في موكب واحد ، ومعهم رأس الحسينعليه‌السلام ، كما نصّت على ذلك رواية أبي مخنف.

٢ ـ هناك شبه إجماع على أن دخولهم كان من باب توما ، ووقوفهم عند بعض الأبواب الداخلية. وكان من المقرر أن يوقفوهم عند كل مكان مرموق ساعة من نهار [المقصود بالساعة في ذلك الزمان فترة قصيرة ، وليس ما تعارفنا عليه اليوم]. ويدل

٤٢١

على ذلك قول سهل لما رأى رأس الحسينعليه‌السلام على الرمح : يا رسول الله ليت عينك ترى رأس الحسينعليه‌السلام في دمشق يطاف به في الأسواق

٣ ـ من الأماكن التي أوقفوا عندها الرؤوس والسبايا قبل وصولهم إلى باب قصر يزيد: باب جيرون الأوسط ـ باب الفراديس ـ باب الساعات ، ثم أوقفوهم على درج المسجد الجامع حيث يقام السبي عادة ، وهو مجاور لباب قصر يزيد.

٤ ـ قول الإسفراييني : «وداروا بها إلى باب الفراديس» يدل على أن الطريق من باب جيرون إلى باب الفراديس ليس مستقيما بل شبه دائري ، وهذا واضح في المصور (الشكل ٢٠).

٥ ـ قول الإسفراييني : «ثم ازدحم الناس حتى خرجوا من باب الساعات» يدل على أن باب الساعات غير بعيد عن باب الفراديس. وكذلك قول أبي مخنف «ثم أداروه إلى باب الساعات» يدل على ذلك القرب ، مما يدل على أن باب الساعات هو باب الفراديس العموري ، الّذي تقع على يساره جادة سبع طوالع.

٦ ـ إن قول أبي مخنف عن سهل بن سعد : «ودخل الناس من باب الخيزران ، فدخلت في جملتهم» ، وقول الخوارزمي عن سهل : «فأشاروا إلى باب يقال له باب الساعات ، فسرت نحو الباب» يدلان على أن دخول سهل من باب الخيزران مع الناس كان قبل وصوله إلى باب الساعات. كما يدل على أن باب الخيزران قريب من باب الساعات ، وأنه يؤدي إليه. والمناسب لذلك أن يكون هذا الباب غرب باب الساعات ، لأن جهة الغرب كانت المنفذ الوحيد لأهل دمشق ليأتوا للتفرج على الرؤوس والسبايا ، لأن المنفذ الشرقي كان مشغولا بالمهرجان. فباب الخيزران يقع تقديرا في جادة سبع طوالع التي تؤدي إلى المكتبة الظاهرية.

٧ ـ إن عبارة مخطوطة مصرع الحسينعليه‌السلام الموجودة في مكتبة الأسد العامرة هي أجمع وأثمن نص في هذا الموضوع ، وهي دقيقة جدا في التعبير. فهي تذكر أولا : «وداروا به إلى باب الفراديس» أي اتبعوا طريقا دائريا حتى وصلوا بالرأس إلى باب الفراديس ، ثم تذكر: «ثم أداروه إلى باب الساعات» أي أداروا الرأس في مكانه ليرجعوا به جنوبا متجهين إلى باب الساعات.

ـ جولة ميدانية في المنطقة :

إذا سلكنا طريق النوفرة آتين من الشرق ، نصل إلى (باب جيرون الداخلي). ثم

٤٢٢

نرى من بعيد الباب الشرقي للمسجد الجامع واسمه باب جيرون أيضا (أو باب النوفرة) ، وبين البابين سوق صغير اسمه سويقة جيرون. ثم نصل إلى مفرق إلى اليمين يمكن الذهاب منه إلى مرقد السيدة رقيّةعليه‌السلام ، فإذا سلكناه يصبح (قصر يزيد) على يسارنا بحجارته الضخمة. ثم ننعطف إلى اليسار [انظر الشكل ٢٠].ونتابع سيرنا بطريق مائل فنصل إلى مفترق أربعة طرق [مصلّبة] : أحدها إلى الغرب يوصل إلى المكتبة الظاهرية ، وهو جادة سبع طوالع ، حيث رجّحنا وجود (باب الخيزران) وهذه الجادة تساير السور العموري من الداخل. والطريق الثاني إلى الشمال إلى باب الفراديس. وفي هذا المفرق كان (باب الساعات). فإذا تابعنا المسير إلى الشمال وصلنا إلى مرقد السيدة رقيّةعليه‌السلام على الطرف الأيمن ، حتى ننتهي إلى السور الآرامي الّذي يلاصق الطرف الشمالي للمقام بعد توسيعه. ثم نصل إلى السور الروماني الّذي يقع عليه باب الفراديس الجديد (أو العمارة).

وتظهر الأبواب الأربعة في (الشكل ٢٠).

(الشكل ٢٠)

مخطط المسجد الجامع وقصر يزيد

والأبواب الأربعة التي أوقفوا عندها الرؤوس والسبايا

ـ تعليق حول باب الساعات :

قد يظن البعض أن (باب الساعات) هو أحد أبواب دمشق ، أو أحد أبواب المسجد الجامع ، وأنا أنفي ذلك لأمرين :

٤٢٣

الأول : إن الروايات تومي إلى أن باب الساعات باب داخلي يمرّ منه الناس داخل دمشق ، كما في قول الإسفراييني : «وازدحم الناس حتى خرجوا من باب الساعات». «ومن جهة ثانية فإنه ليس هناك من أبواب دمشق باب بهذا الاسم.

الثاني : لقد مرّ على المسجد الجامع بابان سمّوا عبر التاريخ ب (باب الساعات) ، الأول باب الزيادة (الصاغة القديمة) الّذي كان يسمى باب الساعات في القرن الرابع الهجري ، لوجود ساعة كبيرة ميكانيكية عنده. وهذا الباب لم يكن موجودا أصلا في عهد معاوية ويزيد ، بل شقّه في سور المعبد الوليد بن عبد الملك فيما بعد حين وسّع المسجد ، ولذلك سمّي باب الزيادة.

والباب الثاني هو باب جيرون (النوفرة) الّذي سمّي بباب الساعات بعد القرن الخامس الهجري ، وذلك بعد أن احترق قصر الخضراء من جهة باب الزيادة ، نقلت الساعة إلى الباب الشرقي للمسجد (باب جيرون) ، لأن الدخول إلى القصر أصبح من تلك الجهة.

ولا يمكن أن يكون المقصود ب (باب الساعات) أحد هذين البابين ، لأنهما تسمّيا بهذا الاسم بعد اختراع الساعة الآلية التي كانت مبنية عندهما ، في العصور التالية.مما يؤكد أن المقصود بباب الساعات في عصر يزيد باب كانت عنده ساعات شمسية (مزولة) تعتمد على أشعة الشمس لمعرفة الزوال للصلاة.

٤٩٦ ـ تحديد الأبواب التي مرّت بها الرؤوس والسبايا :

باب توما

ذكرنا سابقا أنه شبه الإجماع في الروايات ، أنهم أدخلوا الرؤوس والسبايا إلى دمشق من (باب توما). وهو باب روماني يقع في الشمال الشرقي من مدينة دمشق القديمة ، وكان المسلمون قد بنوا عليه مئذنة بعد الفتح ، ثم أزيلت من عهد قريب أثناء الانتداب الفرنسي. ثم مرّوا بعدة أبواب مثل باب جيرون وباب الفراديس وباب الساعات.

باب جيرون الداخلي

فأما (باب جيرون) فهو باب داخلي يقع في شرق المسجد الجامع ، ويفصل بينه وبين باب المسجد المسمى باسمه «سويقة جيرون» ، ولتمييزه عن باب المسجد نضيف إليه كلمة (داخلي). وهو عبارة عن باب كبير ذي قنطرة ضخمة ، وبابين

٤٢٤

صغيرين على طرفيه (فرخين). ويمكن أن يسمى الباب الكبير (الأوسط) لتمييزه عن الفرخين. وقد تهدمت قنطرة هذا الباب من الزلازل ، أما البابان الطرفيان فقد طغى عليهما ارتفاع أرض دمشق ، حتى لم يبق بين منسوب الأرض وأسكفة الباب أكثر من متر ، وتبدو عليهما النقوش الرومانية. وسترى أن حامل رأس الحسينعليه‌السلام على السنان ، لما وقف به عند الفرخ الشمالي من الداخل ، اهتزّ رمحه فسقط الرأس الشريف ، فبني في مكان سقوطه مسجدا تقديسا لهعليه‌السلام .

باب الفراديس

وأما (باب الفراديس) فهو الباب الشمالي لمدينة دمشق ، وبما أن باب الفراديس هو عدة أبواب متتالية كما ذكرنا سابقا ، هي من الجنوب إلى الشمال : الباب العموري (الأول) ـ الباب الآرامي (الثاني) ـ الباب الروماني (الثالث) ، وبما أن رواية مخطوطة مصرع الحسينعليه‌السلام الموجودة في مكتبة الأسد ، تنصّ على أن هذا الباب كان تلا من التراب في عهد يزيد ، فأغلب الظن أن المقصود بباب الفراديس في الروايات الباب الآرامي (الثاني) الّذي كان مهدوما لقدمه وعدم أهميته. وحين أراد يزيد وضع السبايا ألقى بهم في بناء مهجور عند هذا الباب ، وهو المكان الّذي صار مرقد ومسجد السيدة رقيةعليه‌السلام فيما بعد (انظر المخطط السابق واللاحق).

استمرارية الأبواب في باب الفراديس

يقول الأستاذ أحمد غسان سبانو في كتابه القيّم (مكتشفات مثيرة) ص ٢٧٣ عن استمرارية الأبواب السابقة :

بعض أبواب دمشق ظلت في مكانها مدى العصور دون أن تتغير ، مثل البابين الداخليين : باب جيرون وباب البريد.

لكن هذا لا ينطبق على باب الفراديس الخاص بالسور الشمالي ، فقد تغيّر موضعه مع الزمن حسب الضرورات. فباب الفراديس الخاص بالسور العمّوري ، أعطى فيما بعد باب الفراديس الخاص بالسور الآرامي ، ثم باب الفراديس الخاص بالسور الروماني ، وهو ما يطلق عليه باب الفراديس الجديد ، وهو القائم اليوم.

وبين السورين الآرامي والروماني تقع منطقة ضيّقة فيها منازل اليوم ، تدعى (جادة بين السورين) ، وهي تخفي السور الآرامي [لأنها مبنية عليه].

٤٢٥

(أقول) : هذا وقد كانت بين قصر يزيد وباب الفراديس الجديد [وهو الطريق المؤدي إلى مرقد السيدة رقية] عدة أبواب وأقواس ، أخبرني بعض سكان المنطقة أنها كانت موجودة إلى أمد قريب ؛بعضها أزيل في العهد العثماني ، وآخرها أزيل مؤخرا عند توسيع مقام السيدة رقيةعليه‌السلام ، وقد كان يدعى «باب ستي رقية».والمدقق في هذا الطريق يلاحظ بقايا تلك القناطر والأقواس التي كان بعضها أبوابا.

يقول كارل ولتسنجر في كتابه (الآثار الإسلامية في مدينة دمشق) ص ٣٩٢ عن باب الفراديس :

السبب في تعدد أسمائه ، أن أربعة أبواب على الأقل كانت تقوم بالتوالي في هذا المكان ، وهي : البوابة السابقة للإسلام ، والقوس السابق للإسلام ، وباب سور المدينة ، والسوق المتصلة بشمال ذلك الباب والمتجهة نحو المدينة الجديدة (العمارة).

ويصف كارل أحد هذه الأبواب ، وهو باب ستي رقية ، الكائن عند انعطاف الطريق جنوب مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام القديم ، وذلك في كتابه السابق ص ١٠٣ فيقول :

بقية ممر معقود من أصل سابق للإسلام. وهو عبارة عن عقد (قوس) دائري يرتكز على كتف طويل ، يصل ارتفاع القوس ١٧٩ سم. وهو بقايا باب يخص معبد جوبيتر الخارجي ، لم يبق منه سوى قواعد الباب على جانبي الطريق.

وقد أتحفنا الأستاذ سبانو في كتابه السابق (مكتشفات مثيرة) ص ٢٣٩ برسم لهذه الأبواب والأقواس والأسوار ، التي بعضها عمّوري وآرامي ، وبعضها روماني وعربي ، وقد اعتمدنا عليه وعلى غيره من المصادر في الرسم التفصيلي التالي (الشكل ٢١) :

ومن الصدف الغريبة أن تلقى مجموعة سبايا أهل البيتعليه‌السلام في منطقة مهملة بين السورين العمّوري والآرامي ، أطلق عليها المؤرخون اسم (الخربة) حيث كان فيها مسجد خرب يكاد أن ينهدم ، فوضعهم يزيد هناك في غرفة بدون سقف ، لا تحمي من حرّ ولا من قرّ ، حتى تقشّرت جلودهم من حرّ النهار وبرد الليل. وكأنهم

٤٢٦

(الشكل ٢١) : مخطط لمنطقة باب الفراديس شمالي المسجد الجامع

تظهر فيه الأسوار الثلاثة والقناطر والأبواب ومرقد السيدة رقيةعليه‌السلام

٤٢٧

أثناء إقامتهم في هذه البقعة كاللؤلؤة بين الصدفين. ولما توفيت الطفلة رقيّة بنت مولانا الحسينعليه‌السلام ودفنت هناك ، أصبح مرقدها نورا بين بابين ، وبابا بين سورين :

إنه باب حطّة

فادخلوا الباب سجّدا

ويقول الأستاذ سبانو في كتابه (مكتشفات مثيرة) ص ٣٢٥ عن السور الشمالي ومسجد السيدة رقيةعليه‌السلام :

وينتهي الجزء الأول من السور الشمالي عند مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام ، حيث نجد أن مسجد رقيةعليه‌السلام بحدّ ذاته إنما هو واقع على السور ، وأن الباب الموجود هناك والملاصق للمسجد إنما هو باب السور الآرامي. ومن تفحّص الباب يجد أنه يتصل مع منشآت حجرية ضخمة تقع إلى جهة الجنوب من الباب ، مما يظهر بوضوح أن الباب كان بالأساس بابا مزدوجا. وتبدي المنشآت المتبقية أن الباب كان أضخم من الباب الحالي. ويبدو بوضوح أن مسجد رقيةعليه‌السلام إنما يقع بين البابين وعلى السور الآرامي. وهذا ما يفسر وجود هذا المسجد وقدمه.

إن هذه المنطقة جديرة بالدراسة والتمحيص ، وقد تبيّن أن هناك فرع من نهر بردى كان وما يزال يمرّ من خندق السور الشمالي ، ويمكن مشاهدته من عدة نقاط ، وهو يمرّ من باب الفراديس الآرامي ، بمحاذاة جامع السيدة رقيةعليه‌السلام الآن ، وهو يسير تحت الأرض عموما.

(أقول) : وعند توسيع مقام السيدة رقيةعليه‌السلام مؤخرا ، اضطروا إلى تحويل هذا النهر وإبعاده عن المقام.

باب الساعات هو باب الفراديس العمّوري

وأما (باب الساعات) فقد بيّنت سابقا أنه باب الفراديس الأول (العموري) وأنه قريب من باب الفراديس الآرامي ، وقد ميّزته بالباب رقم (٢) في (الشكل ٢٠) وهو مناسب لأن تعلّق عليه الساعات الشمسية ، لأن أشعة الشمس تسقط عليه من الجنوب ، كما أن موقعه مناسب لقربه من المسجد الجامع ومن قصر يزيد ، فهو يشير إلى الوقت أثناء النهار لكل من يمرّ به متجها إلى الشمال ليخرج من باب الفراديس الخارجي.

ولا نستبعد ذلك إذا علمنا أنه كان في الحائط الشمالي من الجامع الأموي باب

٤٢٨

يدعى (باب الساعات) ذكره الأستاذ محمّد أحمد دهمان عن رسالة رآها عند بعض الأفاضل لمؤلف مجهول ، تصف الزلزال الّذي أطاح بالجامع الأموي عام [١١٧٣ ه‍ ـ ١٧٥٩ م] وذلك في كتابه (في رحاب دمشق) ص ٢٠٤ قال يعدّد الأبواب الشمالية للمسجد :

وباب شمالي بالقرب من السميساطية [يقصد باب الناطفيين].

وباب آخر كبير يسمى باب الساعات يخرج منه إلى مدرسة الكلاسة [يقصد به باب الكلاسة ، وهو أحد أبواب الجامع أحدثه الوليد ، ويقع إلى يمين مئذنة العروس من الخارج].

فيمكن أن نتصور أن باب الساعات السالف الذكر ، قد نقلت ساعاته الشمسية إلى داخل صحن المسجد عندما حصل الزلزال ، ولم يعد له شأن يذكر. وإلى اليوم يوجد عند مئذنة العروس من الداخل ساعة شمسية في الجدار الشمالي المطل على صحن المسجد ، يعرف بها ساعات النهار ووقت الزوال.

ـ تعقيب على باب الساعات :

في شبابي كنت سمعت رواية تتعلق بباب الساعات ، ولعل الّذي رواها لي هو المرحوم الحاج حسني صندوق ، تقول الرواية : إن شخصا بعث برسالة إلى المجمع العلمي العربي بدمشق ، يسألهم فيها عن (باب الساعات)؟. فلما وصلت الرسالة إلى رئيس المجمع وهو محمّد كرد علي استنفر كل أعضاء المجمع للردّ على الرسالة ، فلم يستطع أحد أن يحلّ هذا اللغز. وبعد سنوات من البحث والجدال والمناقشات بين أعضاء المجمع ، بتّ رأيهم على أن باب الساعات هو باب داخلي قديم في دمشق ، وأنه هو الواقع عند تقاطع الطريق المؤدي من قصر العظم إلى الحريقة مع سوق الخياطين وسوق الحرير.

وقد ذهبت إلى المنطقة المذكورة ورأيت هذا الباب الّذي يصل سوق الحرير من الشمال مع سوق الخياطين من الجنوب ، وهو باب منخفض مستطيل الشكل ، تعلوه عارضة حجرية أفقية تستند على عضادتي الباب. ويبدو أنه كان هناك باب من العهد العموري ، تتصل به من الغرب منشآت معمارية ضخمة.

وقد سألت أحدهم هناك عن اسم هذا الباب فلم يعرف ، ثم قال : باب الحرير.وهذا الباب يصلح أن يكون بابا للساعات الشمسية لأن اتجاهه نحو الجنوب ، إلا أنني لا أرجّح هذا التأويل إن صحّت نسبته للمجمع ، وقد ذكرته لتبرئة ذمتي.

٤٢٩

باب الخيزران

لم يتطرق أحد من المحققين إلى البحث عن هذا الباب كالذي قبله. وفي توقّعي أنه باب واقع في الطريق الممتدة من باب الساعات السابق الذكر إلى الغرب ، وهو ما يسمى اليوم جادة سبع طوالع ، المؤدية من الغرب إلى المكتبة الظاهرية. وهذا الباب ذكره سهل بن سعد ، حيث قال بأن الناس دخلوا منه ليتفرجوا على موكب الرؤوس والسبايا. فيكونون قد دخلوا منه ليصلوا إلى باب الساعات حيث عرفوا أن الموكب سيمرّ منه.

أما سبب تسمية هذا الباب (بالخيزران) فيمكن أن يكون نسبة إلى المنطقة التي تصنع فيها أعواد الخيزران ، فسمي باسم تلك الصناعة ، مثلما سمي أحد أبواب المسجد الجامع المحدثة بباب الكلاسة لأنه كان يصنع الكلس في غرفة إلى جانبه ، لطلاء جدران المسجد.

مسيرة الرؤوس والسبايا في دمشق

٤٩٧ ـ مسيرة الرؤوس والسبايا خارج دمشق وداخلها :

كان دخول الرؤوس والسبايا معا إلى دمشق ، في الأول من شهر صفر سنة ٦١ ه‍. وسوف أشرح هذه المسيرة بالتفصيل فيما يلي :

الّذي أتصوره أن موكب الرؤوس والسبايا جاء من غرب دمشق ، لمجيئهم من طريق لبنان ، أي من طريق بعلبك ـ شتورة ـ الهامة ـ دمشق ، بمحاذاة نهر بردى.

وصدرت الأوامر من يزيد بعدم إدخالهم دمشق ، بل انتظارهم خارجها ثلاثة أيام ليتسنى لهم تزيين دمشق لاستقبالهم بموكب مهيب. وكان المكان الوحيد الخالي والمناسب لإنزالهم تلك الفترة هو المنطقة الجنوبية من دمشق خارج السور ، التي تدعى اليوم مقبرة باب الصغير ، إذ كانت فارغة من الناس والعمران ، وهي من حيث الأصل اتخذت مقبرة للمسلمين لأنها مليئة بالأحجار والحصى وغير صالحة للزراعة.

فجاؤوا بالسبايا والرؤوس إلى باب الجابية خارج السور ، ثم عبروا بهم بمحاذاة السور في طريق آهل بالسكان ، هو شارع البدوي اليوم ، حيث صار الناس الذين يتفرجون عليهم يسبّونهم ويبصقون عليهم. وهذا الطريق هو المعبّر عنه في

٤٣٠

الروايات ، أن شمر أدخلهم من طريق كثير النظّارة. حتى وصلوا إلى مقبرة باب الصغير. فنزل السبايا هناك ، حيث أقام زين العابدينعليه‌السلام وزينب وأم كلثوم وسكينة وجميع السبايا ثلاثة أيام. ولا يبعد أن الأمكنة التي تدعى اليوم بمقامات أهل البيتعليهم‌السلام في (الستّات) هي مكان قيامهم وصلاتهم ومبيتهم ، فهي مقامات لهم وليست مراقدهم وقبورهم.

وبعد ثلاثة أيام جاء الأمر من يزيد بإدخالهم إلى دمشق ، فأكملوا بهم المسيرة حول دمشق القديمة بمحاذاة السور إلى جهة الشرق ، إلى باب كيسان ثم باب شرقي ، حتى وصلوا باب توما. حيث كان الناس في انتظارهم.

وكان الجيش الأموي والوزراء والأعيان قد أقاموا مراسم الزينة والفرح داخل دمشق ، وخاصة من باب توما إلى باب جيرون الداخلي ، وهو الباب الداخلي الّذي يؤدي بالقادم من الشرق إلى منطقة قصور الملك ، مثل دار الخضراء وقصر يزيد ، وإلى المسجد الجامع. وكان الجيش قد اصطف على جانبي هذا الطريق يضرب البوقات ويهتف بأهازيج النصر.

وإذا كان النظام اليوناني في تخطيط دمشق ما زال موجودا في عهد يزيد ، وهذا متوقع في العهود الإسلامية الأولى ، فهو يتميّز بشيئين رئيسيين ؛ هما المعبد الواقع في الغرب (الّذي تحدده اليوم جدران الجامع الأموي) ، والساحة العامة (آغورا) الواقعة في الشرق حيث حي الجورة اليوم. وبين المعبد والساحة طريق رئيسي هو طريق القيمرية أو النوفرة. وعليه لا يستبعد أن يكونوا قد أدخلوا الرؤوس والسبايا من باب توما إلى باب جيرون الداخلي ، مرورا بالساحة العامة التي تقارب مساحتها مساحة المسجد الجامع ، حيث نظّمت فيها المواكب والمهرجانات ، وأقيمت الزينات ، لا سيما وأن عدد العساكر التي أمرت بالتواجد بين البابين السابقين ، كان بالآلاف بحيث لا يسعهم أي طريق آخر.

وهكذا أدخل الرؤوس والسبايا من باب توما ، حتى وصلوا إلى باب جيرون الداخلي ، حيث كان يزيد في قصره على منظرة منهم ، فأنشد أشعاره المشهورة التي يذكر فيها (جيرون). فأوقفوهم هناك ساعة ، ثم داروا بهم حتى أوقفوهم عند باب الفراديس ساعة ، ثم أحضروهم عند باب الساعات وظلوا هناك ساعة.

وبعد أن مرّوا من باب الساعات جرّوهم حتى أوقفوهم على درج المسجد

٤٣١

(الشكل ٢٢) : مخطط دمشق القديمة ، مبينا الطريق الّذي سلكته

الرؤوس والسبايا حين أدخلوا دمشق

١ ـ المسجد الجامع

٢ ـ قصر يزيد

٣ ـ قصر الخلافة (دار الخضراء)

٤ ـ باب الزيادة

٥ ـ باب جيرون الداخلي

٦ ـ باب الفراديس الروماني (العمارة)

٧ ـ باب الفراديس العموري (باب الساعات)

٨ ـ باب البريد

٤٣٢

الجامع (درج النوفرة) بجانب قصر يزيد ، حيث يقام السبي عادة ، ليتاح للناس أن يتفرجوا عليهم ، وهم مربوطون بالحبال ، وفي عنق زين العابدينعليه‌السلام الجامعة ، وهي حديدة ذات قفل تربط يديه إلى عنقه. وظلوا هناك ثلاث ساعات حتى جاء الأمر بإدخالهم على مجلس يزيد ، الّذي كان قد جمع وزراءه وقوّاده وأعيان البلد في قصره الملاصق للمسجد الجامع من جهة الشرق.

وبعد إدخال الرؤوس ثم السبايا على يزيد في اليوم الأول ، اقتيد السبايا من مجلسه بعد حلّ الأغلال والقيود إلى (خربة) واقعة شمالي قصر يزيد ، عند باب الفراديس ، حيث مرقد السيدة رقية بنت الحسينعليه‌السلام اليوم. وكان في الخربة مسجد مهدوم ، فوضعوا فيه في غرفة لا تحمي من حرّ ولا قرّ ، وقد سقط نصف سقفها.

مسيرة الرؤوس والسبايا داخل دمشق

٤٩٨ ـ الدخول من باب توما :

في (نور العين) للإسفراييني ، ص ٨٨ قال :

خرجت العساكر لاستقبال الرؤوس من باب جيرون وباب توما.

وفي (اللهوف) لابن طاووس ، ص ٧٣ قال :

وسلك بهم [أي شمر] بين النظارة على تلك الصفة ، حتى أتى بهم باب دمشق ، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع ، حيث يقام السبي.

وفي (مخطوطة مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٥٥ :

وأمر بالجيش أن يدخل من باب جيرون إلى باب توما.

ولعل المقصود بالعبارة الأخيرة أن يزيد أمر جيشه بالانتشار ما بين باب جيرون وباب توما ، لاستقبال موكب الرؤوس والسبايا الداخل من باب توما ، والمتوجه إلى باب جيرون الداخلي ، في طريقه إلى قصر يزيد. وبين البابين تقع الساحة العامة (آغورا) المناسبة لهذا الانتشار.

وفي (الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٢٩ قال :

وأتي بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أدخلوا مدينة دمشق من باب يقال له باب توماء ، ثم أتي بهم حتى وقفوا على درج باب المسجد ، حيث يقام السبي.

٤٣٣

٤٩٩ ـ الوقوف عند باب جيرون الداخلي :

في (نور العين) للإسفراييني ، ص ٨٩ قال :

ثم دخلوا بالرأس من باب جيرون ، وداروا بها إلى باب الفراديس ، فسقطت الرأس فتلقتها قرن حائط ، فعمّر هناك مسجد إلى يومنا هذا.

وفي (مخطوطة مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٥٥ :

وأتوا إلى باب جيرون الأوسط ، فنصب هناك الرأس ساعة من النهار ، فسقط فبنوا هناك موضع مسقطه مسجدا. وداروا به إلى باب الفراديس

وفي (معالي السبطين) للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٣ : وقيل سقط الرأس المبارك هناك ، فبنوا مسجدا هناك ، سمّي بمسجد السّقط.

مسجد السّقط

٥٠٠ ـ مسجد السّقط :

تذكر الروايات السابقة أن موكب الرؤوس والسبايا عند إيقافهم عند باب جيرون الداخلي سقط رأس الحسينعليه‌السلام من على الرمح ، وذلك من داخل الباب عند إحدى البوابتين الصغيرتين لباب جيرون الأوسط ، وهي البوابة الشمالية. وتكريما للمكان الّذي سقط فيه الرأس الشريف ، أقيم مسجد هناك ، سمّي مسجد السّقط.وسمي الطريق من باب جيرون إلى المسجد الجامع : زقاق النّطّة.

ولهذا المسجد تاريخ عريق مليء بالأحداث الجسام. فقد أثار هذا المسجد مشاكل كثيرة في التاريخ ، بين السنة والشيعة في دمشق. ففي حين كان دأب الشيعة ومحبي أهل البيتعليه‌السلام من السنة المحافظة على هذا المسجد ، كان همّ بعض النواصب هدم هذا المسجد وجعله طريقا.

وقد ذكر المؤرخ الدمشقي المتعصب أبو شامة [ت ٦٦٥ ه‍] شيئا من تلك المعارك التي قامت حول هذا المسجد ، لا أقصد معارك حربية ، وإنما معارك مذهبية وتعصبية لا لزوم لها.

واشتدّ الأمر تفاقما عندما حكم الفاطميون دمشق [من ٩٦٨ ـ ١٠٧٥ م] واعتنوا بكل ماله علاقة بأهل البيتعليه‌السلام ، كهذا المسجد ، ومسجد رقيةعليه‌السلام ، ومسجد رأس الحسينعليه‌السلام .

٤٣٤

٥٠١ ـ الفرخ الشمالي لباب جيرون الأوسط :

يقول الأستاذ أحمد غسان سبانو في (مكتشفات مثيرة) ص ٢٦٣ :

كان باب جيرون في الأصل بابا كبيرا في الوسط ، على جانبيه فرخان أو بابان صغيران. فحدث أن سدّ الفرخ الشمالي واتخذ داخله مسجد ، زعم أحدهم أن فيه قبر الست ملكة من نسل عليعليه‌السلام ، فمنع العوام المرور منه ، وجعلوه مسجدا ، وأحدثوا فيه قبرا.

كان باب جيرون من عجائب دمشق ، وقد احترق في فتنة تيمور لنك في القرن التاسع الهجري مع المسجد الّذي أقيم ، وظل كومة تراب عدة سنين. حتى جاء كمشبغا طولو (نائب قلعة دمشق بعد عام ٨٣٠ ه‍) فعمد شخص من خواصه إلى هذا المكان ، وأعاد بناءه مخزنا للأخشاب وغيرها ، وكانت تقع فيه منكرات ، ووجد فيه قتيل مرة. ثم تهدم وزال سقفه. فسعى بعضهم لتجديد عمارته ، فأمر الملك الأشرف قايتباي في سنة ٨٩٢ ه‍ بفتح الباب ، وأعيد طريقا للمارة.

وفي القرن العاشر بني في هذا الباب الصغير حائط ، وجعل مخزن حطب للفرن قبليّه.

أعيد بناء باب المسجد في العهد العثماني وما يزال قائما. وما تزال عضادتا الباب الكبير قائمتين. أما البابان الصغيران ، فالجنوبي مسدود ترى عتبته داخل دكان ، والشمالي كان مختفيا تحت الدور ، وكشف سنة ١٩٤٦ م ، وظهر على عتبته نصّ مرسوم قايتباي بفتح الباب. ووجدت سنة ١٩٤٨ الأرض الرومانية لباب جيرون الكبير على عمق ٤٣٠ سم.

ويقول الأستاذ صلاح الدين المنجد في (خطط دمشق) ص ١٢٦ ط بيروت عام ١٩٤٩ :

يحدثنا المؤرخ أبو شامة عن سبب ذلك في رسالته المسماة (الباعث على إنكار البدع والحوادث) يقول : ذكر لي بعض من لا يوثق به في شهور سنة ٦٣٦ ه‍ أنه رأى مناما يقتضي أن ذلك المكان دفن فيه بعض أهل البيتعليه‌السلام . وقد أخبرني عنه ثقة أنه اعترف له أنه افتعل ذلك. فقطعوا طريق المارة فيه ، وجعلوا الباب بكماله مسجدا مغصوبا ، وقد كان طريقا يضيق بسالكه.

ثم يورد ما حدث لهذا المسجد ، فتارة يهدمه السنّة ، وتارة يعمّره الرافضة ، على ما ذكر.

٤٣٥

ـ زيارة ميدانية للباب :

هذا وقد زرت باب جيرون الداخلي ، وهو مؤلف من باب كبير (وهو الأوسط) قد هدمت قنطرته ، ومن بابين صغيرين عن يمينه ويساره. وبما أن الأرض قد علت على مرّ العصور عدة أمتار ، لذلك لم يبق من فتحة هذين الفرخين فوق الأرض أكثر من نصف متر.

وأما مسجد السّقط الذي يقع إلى يمين الداخل من الباب الأوسط باتجاه المسجد الأموي ، فقد كان موجودا إلى زمن قريب. وعندما أرادت البلدية الاعتناء بالأبواب ، أزالت المسجد وحوّلته إلى حديقة صغيرة. ولا تزال هذه الأرض تضجّ من عمل بني الإنسان ، إذ كيف يحوّل مسجد كان يذكر فيه اسم الله إلى أرض خراب ، وهل يرضى أحدنا أن يصبح بيته خرابا ، فكيف ببيت الله تعالى؟.

استبشار يزيد

٥٠٢ ـ استبشار يزيد بقدوم الرؤوس والسبايا :

(حياة الإمام الحسين ، ج ٣ ص ٣٧٢)

ولما جيء بالسبايا كان يزيد مطلا على منظر في جيرون ، فلما نظر إلى السبايا والرؤوس قد وضعت على الحراب ، امتلأ سرورا ، وراح يقول :

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الرؤوس على شفا جيرون

نعب الغراب فقلت : قل أو لا تقل

فلقد قضيت من الرسول ديوني

٥٠٣ ـ مشاهدة يزيد لقدوم الرؤوس والسبايا وهو على منظرة جيرون :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٤٧)

وكان يزيد جالسا في منظرة على جيرون. ولما رأى السبايا والرؤوس على أطراف الرماح ، وقد أشرفوا على ثنيّة جيرون ، نعب غراب ، فأنشأ يزيد يقول :

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الرؤوس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت : قل أو لا تقل

فلقد اقتضيت من الرسول ديوني

٤٣٦

ومن هنا حكم ابن الجوزي والقاضي أبو يعلى والتفتازاني والسيوطي بكفره ولعنه(١) .

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٢ يقول :

روى الزهري : لما جاءت الرؤوس كان يزيد في منظرة له على ربى جيرون ، فأنشد لنفسه :

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت : نح أو لا تنح

فلقد قضيت من الغريم ديوني

ونعيب الغراب : هو صوت صياحه ، وهو نذير شؤم.

٥٠٤ ـ استقبال يزيد للسبايا والرؤوس :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٢٩٨)

وفي (جواهر المطالب) لأبي البركات شمس الدين محمّد الباغندي ، كما في نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية بمشهد : قال ابن القفطي في تاريخه :

إن السبي لما ورد على يزيد خرج لتلقّيه ، فلقي الأطفال والنساء من ذرية علي والحسن والحسينعليه‌السلام ، والرؤوس على أسنة الرماح ، وقد أشرفوا على ثنيّة العقاب. فلما رآهم أنشد:

لما بدت تلك الحمول وأشرفت

تلك الرؤوس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت : قل أو لا تقل

فلقد قضيت من الرسول ديوني

يعني يزيد بذلك أنه قتل الحسينعليه‌السلام بمن قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر ، مثل عتبة جده ومن مضى من أسلافه. وقائل مثل هذا بريء من الإسلام ولا شك في كفره.

ثم قال ابن القفطي : وكيف لا ، وهو اللاعب بالنرد ، المتصيّد بالفهد ، والتارك للصلوات ، والمدمن للخمر ، والقاتل لأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، المصرّح في شعره بالكفر الصريح.

__________________

(١) روح المعاني للآلوسي ، ج ٧٦ ص ٧٣ ، تفسير آية( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) قال : أراد بقوله (فقد اقتضيت من الرسول ديوني) أنه قتل بما قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر ، كجده عتبة وخاله وغيرهما ، وهذا كفر صريح. ومثله تمثّله بقول ابن الزّبعرى قبل إسلامه : (ليت أشياخي ببدر شهدوا ...) الأبيات.

٤٣٧

(الشكل ٢٣) : باب جيرون الداخلي ومسجد السقط وقصر يزيد

ومشهد رأس الحسينعليه‌السلام

٥٠٥ ـ الوقوف عند باب الفراديس وباب الساعات :

في (نور العين) للإسفراييني ، ص ٨٩ :

ثم دخلوا بالرأس من باب جيرون ، وداروا بها إلى باب الفراديس ثم ازدحم الناس حتى خرجوا من باب الساعات ثم أتوا حتى وقفوا بهم على باب القصر.

وفي مخطوطة مصرع الحسينعليه‌السلام ـ مكتبة الأسد ، ص ٥٥ :

وأتوا إلى باب جيرون الأوسط ، فنصب هناك الرأس ساعة من النهار ، فسقط فبنوا هناك موضع مسقطه مسجدا. وداروا به إلى باب الفراديس ، ولم يكن هناك باب بل كان تل تراب ، فازدحم الناس وطلع الرأس. ثم أداروه إلى باب الساعات ، فنصب هناك ساعة من النهار.

وقد ذكرنا سابقا أن باب الفراديس المقصود به في الروايات هو الباب الآرامي القديم وكان مهدما. أما باب الساعات فهو باب الفراديس العموري ، وقد كان موجودا إلى عهد قريب ثم أزيل.

٤٣٨

٥٠٦ ـ دخول الرؤوس والسبايا من باب الساعات :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦٠)

في (مقتل الخوارزمي) قال سهل بن سعد : فمن أي باب يدخل؟.

فأشاروا إلى باب يقال له (باب الساعات) فسرت نحو الباب. فبينما أنا هنالك ، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا. وإذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان ، وعليه رأس من أشبه الناس وجها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وإذا بنسوة من ورائه على جمل بغير وطاء. فدنوت من إحداهن فقلت لها : يا جارية من أنت؟. فقالت : سكينة بنت الحسينعليه‌السلام . فقلت لها : ألك حاجة إليّ؟ فأنا سهل بن سعد ، ممن رأى جدك وسمع حديثه. قالت : يا سهل قل لصاحب الرأس أن يتقدم بالرأس أمامنا ، حتى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا ، فنحن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال : فدنوت من صاحب الرأس وقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ أربعمائة دينار؟. قال : وما هي؟. قلت : تقدّم الرأس أمام الحرم. ففعل ذلك ودفعت له ما وعدته.

٥٠٧ ـ سكينةعليه‌السلام توصي سهل بن سعد :

(نور العين للإسفراييني ، ص ٨٨)

قال سهيل الشهروزي : كنت حاضرا دخولهم ، فنظرت إلى السبايا ، وإذا فيهم طفلة صغيرة على ناقة ، وهي تقول : وا أبتاه وا حسيناه وا عطشاه ، وهي كأنها القمر المنير. فنظرت إليّ وقالت : يا هذا أما تستحي من الله وأنت تنظر إلى حريم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقلت لها : والله ما نظرت لك نظرة أستوجب هذا التوبيخ. فقالت :من أنت؟. فقلت : أنا سهيل الشهروزي [الأصح : سهل بن سعد الشهرزوري] ، وأنا من مواليكم ومحبيكم. فقالت : وإلى أين تريد؟. فقلت : أريد الحج إلى بيت الله وزيارة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقالت: إذا وصلت إلى قبر جدنا فأقره السلام وأخبره بخبرنا. فقلت : حبا وكرامة. وهل لك حاجة غير هذا؟. فقالت : إن كان معك شيء من الفضة فأعط حامل رأس أبي ، وأمره أن يتقدم الرأس أمامنا ، حتى يشتغل الناس بالنظر إليها عنا.

قال سهيل : ففعلت ذلك. فقال لي زين العابدينعليه‌السلام : حشرك الله معنا يوم القيامة. ثم إنهعليه‌السلام أنشأ يقول :

٤٣٩

أقاد ذليلا في دمشق كأنني

من الزنج عبد غاب عنه نصير

وجدي رسول الله في كل مشهد

وشيخي أمير المؤمنين أمير

فيا ليت أمي لم تلدني ولم أكن

يزيد يراني في البلاد أسير

٥٠٨ ـ دخول الرايات وحملة الرؤوس :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٥)

قال في (الدمعة الساكبة) : وفي رواية الشعبي على ما نقل عنه :

ثم أشرفت تسع عشرة راية حمراء ، وأشرفت السبايا مهتكات بلا وطاء ولا غطاء. ثم أقبل رأس العباس بن عليعليه‌السلام يحمله ثعلبة بن مرة الكعبي ، وهو بيده على رمح طويل

وفي (أسرار الشهادة) للفاضل الدربندي ، ص ٤٩٦ :

ثم أقبل من بعده رأس جعفر بن عليعليه‌السلام يحمله نمير بن أبي جوشن الضبابي ، وأقبل من بعده رأس محمّد بن عليعليه‌السلام ، ثم أقبل رأس أبي بكر بن عليعليه‌السلام يحمله أنيس بن الحرث البعجي ، وأقبل من بعده رأس علي بن الحسينعليه‌السلام يحمله مرة بن قيس الهمداني ، وأقبل من بعده رأس عون بن عليعليه‌السلام يحمله جابر السعدي ، وأقبل من بعده رأس القاسم بن الحسنعليه‌السلام يحمله محمّد ابن الأشعث الكندي ، وأقبل من بعده رأس يحيى بن عليعليه‌السلام يحمله عمير بن شجاع الكندي ، وأقبل من بعده رأس عبد الله بن عقيلعليه‌السلام يحمله قيس بن أبي مرة الخزاعي ، ثم أقبلت من بعده بقية الرؤوس. ثم أقبل رأس الحسين بن عليعليه‌السلام وهو أشبه الخلق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمله حواشن بن خولي بن يزيد الأصبحي وغيره.

٥٠٩ ـ وصف رأس الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٤)

عن (كامل البهائي) قال سهل بن سعد :

رأيت الرؤوس على الرماح ، ويقدمهم رأس العباس بن عليعليه‌السلام ، نظرت إليه كأنه يضحك. ورأس الإمام الحسينعليه‌السلام كان وراء الرؤوس أمام المخدّرات.وللرأس الشريف مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور ، بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب ، وقد خضبت بالوسمة [نوع من الصباغ النباتي] ، أدعج العينين ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف [أي في قصبة أنفه ارتفاع] ، متبسما إلى

٤٤٠

السماء ، شاخصا ببصره إلى نحو الأفق ، والريح تلعب بلحيته الشريفة يمينا وشمالا ، كأنه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وعن أبي مخنف : والرأس الشريف على رمح بيد شمر بن ذي الجوشن.

٥١٠ ـ دخول الناس من باب الخيزران :

(مقتل أبي مخنف ، ص ١٢١ و ١٢٤)

قال سهل بن سعد : ودخل الناس من باب الخيزران ، فدخلت في جملتهم ، وإذا قد أقبل ثمانية عشر رأسا ، وإذا السبايا على المطايا بغير وطاء ، ورأس الحسينعليه‌السلام بيد شمر ، وهو يقول :

أنا صاحب الرمح الطويل. أنا قاتل ذي الدين الأصيل. أنا قتلت ابن سيد الوصيين ، وأتيت برأسه إلى أمير المؤمنين (يزيد بن معاوية).

فقالت له أم كلثوم [بنت علي]عليه‌السلام : كذبت يا لعين بن اللعين ، ألا لعنة الله على القوم الظالمين. ويلك تفخر بقتل من ناغاه في المهد جبرائيل وميكائيل ، ومن اسمه مكتوب على سرادق عرش رب العالمين ، ومن ختم الله بجده المرسلين ، وقمع بأبيه المشركين. فمن أين مثل جدي محمّد المصطفى ، وأبي علي المرتضى ، وأمي فاطمة الزهراء؟!.

فأقبل عليها خولي وقال : تأبين الشجاعة وأنت بنت الشجاع.

ثم قال : وأقبلوا بالرأس إلى يزيد بن معاوية ، وأوقفوه ساعة إلى باب الساعات.وأوقفوه هناك ثلاث ساعات من النهار.

وقد ذكرنا سابقا أن باب الخيزران لا بدّ أن يكون إلى الغرب من باب الساعات ، أي في زقاق (سبع طوالع) شمالي المسجد الجامع ، وأن الناس دخلوا من باب الخيزران متوجهين إلى باب الساعات لرؤية الرؤوس والسبايا يدخلون من هناك.

الرأس الشريف يتكلم

تعددت الروايات في تكلّم رأس الحسينعليه‌السلام في عدة مواقف وأماكن ، منها الكوفة ودمشق وغيرهما. عدا عما جرى بين الرأس الشريف وبعض الرهبان من مكالمات ومحاورات ، كان من نتيجتها إسلامهم وهدايتهم. وقد ذكرنا ما جرى في

٤٤١

الكوفة من تلاوة الرأس الشريف لمقطع من سورة الكهف ولبعض الآيات الأخرى ، وذلك في الفقرتين رقم ٣٤٩ و ٣٥٠ من هذا الجزء.

والآن نذكر ما حصل في دمشق عند باب الفراديس وغيره.

٥١١ ـ الرأس الشريف يتكلم في دمشق :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٤)

في (القمقام) نقلا عن مناقب ابن شهر اشوب : سمعوا من الرأس الشريف يرفع صوته في دمشق الشام ويقول : " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

وفي (الناسخ) عن منهال بن عمرو ، قال : لما أدخل الرأس الشريف إلى دمشق الشام ، رأيت رجلا يتلو القرآن أمام الرأس ، ويتلو سورة الكهف ، فلما وصل إلى هذه الآية :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) ، أشهد والله لقد سمعت الرأس المبارك قال بلسان طلق ذلق : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي.

٥١٢ ـ تكلم الرأس الشريف عند باب الفراديس :

(فرائد السمطين ، ج ٢ ص ١٦٩)

قال أبو الحسن العسقلاني بإسناده ، قال الأعمش : قلت لمسلمة بن كهيل : الله إنك سمعته منه؟. قال : الله إني سمعت منه في باب الفراديس في دمشق ، لا مثّل ولا شبّه لي ، وهو [أي رأس الحسين (ع)] يقول :( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (١٣٧) [البقرة : ١٣٧].

٥١٣ ـ النصارى في دمشق يحتشمون لأهل البيتعليه‌السلام أكثر من أدعياء الإسلام :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٥٦)

في (الدمعة الساكبة) قال سهل : وكان معي رقيق نصراني ، يريد بيت المقدس ، وهو متقلد بسيف تحت ثيابه ، فكشف الله تعالى عن بصره ، فسمع رأس الحسينعليه‌السلام يقرأ القرآن ويقول :( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) [إبراهيم : ٤٢] ، فأدركته السعادة ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله.

٤٤٢

ثم انتضى سيفه وحمل به على القوم ، وهو يبكي. فجعل يضرب فيهم ، فقتل منهم جماعة كثيرة ، فتكاثروا عليه فقتلوه ،رحمه‌الله .

فقالت أم كلثومعليه‌السلام : ما هذه الصيحة؟. فحكيت لها الحكاية. فقالت :وا عجباه ، النصارى يحتشمون لدين الإسلام ، وأمة محمّد الذين يزعمون أنهم على دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلون أولاده ويسبون حريمه! ولكن العاقبة للمتقين.

خبر هند زوجة يزيد

٥١٤ ـ من هي هند؟ :

هناك روايتان : إحداهما تقول بأنها هند بنت عمرو بن سهيل ، وكانت تحت عبد الله بن عامر بن كريز ، فأجبر معاوية زوجها على طلاقها لرغبة يزيد فيها ، كما حاول أن يفعل مع أرينب بنت اسحق زوجة عبد الله بن سلّام ، فباءت مساعيه بالفشل.

والرواية الثانية ، التي ذكرها الطبري في تاريخه عن أبي مخنف ، أنها هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز ، فلما قتل أبوها بقيت عند أمير المؤمنينعليه‌السلام . وعندما قبض أمير المؤمنينعليه‌السلام بقيت في دار الحسنعليه‌السلام . فسمع بها معاوية فأخذها من الحسنعليه‌السلام فزوّجها من ولده يزيد.

وفي خبر أنها كانت تحت الحسينعليه‌السلام فطلقها ، وتزوجها يزيد ، فبقيت عند يزيد إلى أن قتل الحسينعليه‌السلام [راجع معالي السبطين ، ج ٢ ص ١٠٣].

٥١٥ ـ خبر هند مع زينب العقيلةعليه‌السلام :

(معالي السبطين ، ج ٢ ص ١٠٣)

لم يكن لهند بنت عبد الله علم بأن الحسينعليه‌السلام قد قتل. ولما قتل الحسينعليه‌السلام وأتوا بنسائه وبناته وأخواته إلى الشام ، دخلت امرأة على هند وقالت : يا هند هذه الساعة أقبلوا بسبايا ولم أعلم من أين هم؟. فلعلك تمضين إليهم وتتفرجين عليهم. فقامت هند ولبست أفخر ثيابها وتخمّرت بخمارها ، ولبست إزارها ، وأمرت خادمة لها أن تحمل الكرسي. فلما رأتها الطاهرة زينبعليه‌السلام التفتت إلى أختها أم كلثوم وقالت لها : أخيّة أتعرفين هذه الجارية.؟ قالت : لا والله. قالت لها : أخيّة هذي خادمتنا هند بنت عبد الله. فسكتت أم كلثوم ونكّست

٤٤٣

رأسها ، وكذلك زينب. فقالت هند : أخيّة أراك طأطأت رأسك!. فسكتت زينبعليه‌السلام ولم تردّ عليها جوابا. ثم قالت لها : أخية من أي البلاد أنتم؟. فقالت لها زينبعليه‌السلام : من بلاد المدينة. فلما سمعت هند بذكر المدينة نزلت عن الكرسي وقالت : على ساكنها أفضل السلام. ثم التفتت إليها زينب وقالت : أراك نزلت عن الكرسي. قالت هند : إجلالا لمن سكن في أرض المدينة. ثم قالت لها : أخية أريد أن أسألك عن بيت في المدينة. قالت لها الطاهرة زينب : اسألي ما بدا لك. قالت :أريد أن أسألك عن دار علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قالت لها زينبعليه‌السلام : وأين لك معرفة بدار عليعليه‌السلام .؟ فبكت وقالت : إني كنت خادمة عندهم. قالت لها زينب : وعن أيّما تسألين؟. قالت : أسألك عن الحسينعليه‌السلام وعن إخوته وأولاده وعن بقية أولاد عليعليه‌السلام ، وأسألك عن سيدتي زينب وعن أختها أم كلثوم وعن بقية مخدّرات فاطمة الزهراءعليه‌السلام . فبكت عند ذلك زينبعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت لها : يا هند ، أما إن سألت عن دار عليعليه‌السلام فقد خلّفناها تنعى أهلها ، وأما إن سألت عن الحسينعليه‌السلام فهذا رأسه بين يدي يزيد ، وأما إن سألت عن العباسعليه‌السلام وعن بقية أولاد عليعليه‌السلام فقد خلّفناهم على الأرض مجزّرين كالأضاحي بلا رؤوس ، وإن سألت عن زين العابدينعليه‌السلام فها هو عليل نحيل لا يطيق النهوض من كثرة المرض والأسقام ، وإن سألت عن زينب فأنا زينب بنت علي ، وهذي أم كلثوم ، وهؤلاء بقية مخدّرات فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

فلما سمعت هند كلام زينبعليه‌السلام رقّت وبكت ونادت : وا أماه وا سيداه وا حسيناه ، ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء ، ولا أنظر بنات فاطمة الزهراء على هذه الحالة. ثم تناولت حجرا وضربت به رأسها ، فسال الدم على وجهها ومقنعتها وغشي عليها. فلما أفاقت من غشيتها أتت إليها الطاهرة زينبعليه‌السلام وقالت لها : يا هند قومي واذهبي إلى دارك ، لأني أخشى عليك من بعلك يزيد. فقالت هند : والله لا أذهب حتى أنوح على سيدي ومولاي أبي عبد الله ، وحتى أدخلك وسائر النساء الهاشميات معي داري.

٤٤٤

عود على بدء

الموكب يدخل دمشق

٥١٦ ـ وصف موكب النصر :

مع إطلالة الأول من صفر كانت دمشق على أهبة الاستعداد لاستقبال موكب الرؤوس والسبايا ، موكب النصر والفرح ، والطرب والمرح. وقد اصطفّت الجنود والقواد على طول الطريق الّذي يمتد من باب توما إلى باب جيرون الداخلي ، الّذي يؤدي إلى منطقة القصور الملكية لبني أمية ، المجاورة للمسجد الجامع ، ومنها قصر يزيد ، حيث يزيد يقف مع بعض أعيانه على شرفة قصره. وقد أقيمت الزينات والأضواء في جميع الشوارع والمحلات ، وخرج الناس يشاركون الملك الضلّيل في بهجته وطربه بمناسبة نصره وغلبه

هذه هي المسيرات والعراضات تملأ الأزقة والطرقات والساحات ، وقد لبس الناس أزياءهم ، وتحلّوا بسيوفهم وأتراسهم إنه عيد دمشق العظيم ، بمناسبة قتل ريحانة سيد المرسلين ، وسبط الرسول الكريم ، سيد الشهداء الحسين (ع).

دخل موكب الرؤوس والسبايا من باب توما ، ثم عبروا الساحة العامة (آغورا) ، حتى وصلوا إلى باب جيرون الداخلي ، حيث أوقفوا هناك ساعة ليتفرج عليهم الناس ، ونصب الرأس على الباب ، ليراه كل شامت ومرتاب. ثم كان لا بدّ لزيادة التشهير بهم من تسييرهم إلى الأماكن الهامة ، فجاؤوا بالركب إلى باب الفراديس ، حيث علّق الرأس ساعة ، وقد غصّت الطرق بالناس ، سيّروه من هناك إلى باب داخلي مجاور هو باب الساعات الواقع جنوب باب الفراديس ، حيث علّق الرأس عليه ساعة أخرى وكان آخر مطافهم أن وصلوا إلى درج المسجد الجامع المتصل بالباب الشرقي للجامع ، فأدخلوا الرؤوس إلى قصر يزيد من بابه المجاور للدرج ، بينما أوقفوا السبايا على الدرج حيث يقام السبي ، لتمرّ أمامهم وفود الناس ، فتلقي عليهم نظرات الشماتة والازدراء ، مثلما تلقي عليهم حجارة من السباب والشتائم ، ويتصفح وجوههم القاصي والداني ، وهم في حالة محزنة مزرية ، وقد تمزقت ثيابهم وتقشرت وجوههم ، والقيود معقودة في أعناقهم ؛ من زين العابدينعليه‌السلام إلى زينب والنساء ، إلى الصبية والأطفال. وظلوا على درج السبي ثلاث ساعات ، حتى أذن لهم بالدخول على يزيد.

٤٤٥

لقد كان يوما حافلا في دمشق لم تشهد له مثيلا في التاريخ لقد انتصر يزيد وتغلّب ، مثلما انتصر أبوه من قبل وتسلّط ، ولكن نصر الأرض غير نصر السماء ، وغلبة الدنيا غير غلبة الدين( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (٢٢٧) [الشعراء :٢٢٧].

٥١٧ ـ إيقاف السبايا على درج المسجد الجامع :

أجمعت الروايات على أن آخر محطة للسبايا قبل إدخالهم على يزيد هي درج المسجد الجامع حيث يقام السبي ، وذلك ليتسنى للناس المحتشدين أن يأتوا لرؤيتهم والتفرج عليهم. ريثما يأتي الأمر من يزيد لإدخالهم إلى قصره من الباب المجاور للدرج. وقد كان هذا الباب مفتوحا ، ثم سدّوه بالأحجار ، وتظهر آثار هذا الباب بوضوح في جدار القصر ، على يمين الصاعد على الدرج وقبل دخوله المسجد. (انظر المخطط السابق).

وهذه بعض الروايات :

في (نور العين) للإسفراييني ، ص ٨٩ :

ثم ازدحم الناس ، حتى خرجوا من باب الساعات ، والنساء مكشوفات الوجوه ، والرؤوس على الرماح. فقال أهل الشام : والله ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء ، فمن أنتم؟. فقالت سكينة بنت الحسينعليه‌السلام : نحن سبايا آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم أتوا حتى وقفوا بهم على باب القصر ، [حمدا(١) حدقت] النظّار إلى زين العابدينعليه‌السلام وهو موثوق بالرباط.

وفي رواية ابن أعثم والخوارزمي :

ثم أتي بهم حتى وقفوا (أقيموا) على درج باب المسجد (الجامع) حيث يقام السبي.

٥١٨ ـ إيقاف السبايا ثلاث ساعات قبل أن يؤذن لهم بالدخول :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٩)

وأوصلوا الرؤوس والنساء وقت الزوال إلى باب دار يزيد بن معاوية ، وهم في

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولعل الصحيح [وقد أحدقت].

٤٤٦

تعب شديد من كثرة الإزدحام ، فأوقفوا ثلاث ساعات ليأذن لهم يزيد بالدخول.فصاح صائح : هؤلاء سبايا أهل بيت الخارجي الملعون.

٥١٩ ـ الشيخ المغرّر به :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦١ ؛

ولواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٩٢ ؛ ومقتل المقرم ص ٤٤٨)

في (تاريخ مختصر الدول) لابن العبري ، ص ١٩٠ : فأمر يزيد نساء الحسين وبناتهعليه‌السلام فأقمن بدرج المسجد ، حيث توقف الأسارى ، لينظر الناس إليهم.

وإذا شيخ أقبل ، فدنا من نساء الحسينعليه‌السلام وعياله ، وقال : الحمد لله الّذي قتلكم وأهلككم وأراح العباد (البلاد) من رجالكم ، وأمكن أمير المؤمنين منكم.

يقول السيد عبد الرزاق المقرم : ههنا أفاض الإمام السجّادعليه‌السلام من لطفه على هذا المسكين المغترّ بتلك التمويهات ، لتقريبه من الحق وإرشاده إلى السبيل.وهكذا أهل البيتعليه‌السلام تشرق أنوارهم على من يعلمون صفاء قلبه وطهارة طينته واستعداده للهداية".

فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام : يا شيخ هل قرأت القرآن؟. قال : نعم. قال :فهل قرأت هذه الآية :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ؟[الشورى : ٢٣]. قال الشيخ : قرأتها ؛ قالعليه‌السلام : فنحن القربى. يا شيخ فهل قرأت في بني إسرائيل:( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) [الإسراء : ٢٦]؟. فقال : قد قرأت ذلك ؛ فقالعليه‌السلام : فنحن القربى. يا شيخ فهل قرأت هذه الآية :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) [الأنفال : ٤١]؟. قال : نعم ؛ فقالعليه‌السلام : فنحن القربى.يا شيخ ولكن هل قرأت هذه الآية :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣]؟. قال : قد قرأت ذلك ؛ فقالعليه‌السلام : فنحن أهل البيت الذين اختصّنا الله بآية الطهارة يا شيخ.

فبقي الشيخ ساكتا ساعة ، نادما على ما تكلم به ، وقال : بالله إنكم هم؟!. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : تالله إنا لنحن هم من غير شك ، وحقّ جدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنا لنحن هم!. فبكى الشيخ ورمى عمامته ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : الله م إني أتوب إليك من بغض هؤلاء ، وإني أبرأ إليك من عدوّ محمّد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجن والإنس.

٤٤٧

ثم قال : هل من توبة؟. فقال لهعليه‌السلام : نعم ، إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا. فقال : أنا تائب.

فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ ، فأمر به فقتل.

٥٢٠ ـ تزيين دار يزيد ونصب السرير له :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للزنجاني ، ص ٣٨٣)

ولما أدخلوا الرؤوس والسبايا دمشق الشام ، أمر يزيد فزيّنت داره بأنواع الزينة ، ونصب ليزيد سرير مرصّع ، ونصب أطراف سريره كراسي من الذهب والفضة.وجلس يزيد في سريره ، وعلى رأسه تاج مكلل بالدرّ والياقوت ، وحوله أربعمائة نفر من الأمراء والأعيان والسفراء ، وسفراء الملوك من النصارى وغيرهم ، وحوله كثير من مشايخ قريش.

٥٢١ ـ دار الخضراء وقصر يزيد :

لما أصبح معاوية حاكما لدمشق ، بنى في الجنوب الشرقي من المسجد الجامع دارا له ، وجعلها قصرا للإمارة ، وسماها (دار الخضراء). وبعد أن ضرب على فخذه أثناء صلاته في المسجد ، جعل بابا يصل بين داره والمسجد مباشرة ، وجعله خاصا به ، وجعل له مقصورة عالية في المسجد يصلي فيها بعيدا عن الناس.

ولما ولي يزيد الحكم جعل لسكنه قصرا ملاصقا للمسجد من الجهة الشمالية الشرقية [انظر الشكل ٢٤]. ولعله فعل ذلك ليعزل دار سكنه عن دار الخضراء التي خصّصها لشؤون الحكم.

وجعل لقصره عدة أبواب ، منها باب رئيسي من الشمال (١) ، وباب يدخل منه إلى المسجد مباشرة (٢) ، وباب مجاور لباب جيرون (٣) الّذي هو الباب الشرقي للمسجد ، وهذا الباب (٣) مسدود الآن ، ومنه أدخلت الرؤوس والسبايا على يزيد.ويقع مشهد رأس الحسينعليه‌السلام قريبا من هذا الباب في غرفة ملاصقة للمسجد ، لأن يزيد بيّت رأس الحسينعليه‌السلام هناك ليلة ، قبل صلبه على باب قصره ، ثم على باب المسجد ، ثم على إحدى منارات المسجد. وتذكر بعض الروايات أنه في هذا المكان دفن رأس الحسينعليه‌السلام قبل نقله إلى كربلاء.

ولا يبعد أن يكون حمام النوفرة الحالي جزءا من قصر يزيد. وإذا دخلنا في أول زقاق بعد الحمام نجد الأحجار الكبيرة التي تشكّل الحائط الشرقي للقصر ، حيث

٤٤٨

(الشكل ٢٤) : دار الخضراء

وقصر يزيد الملاصق للمسجد على يمين الداخل من باب جيرون

كان يزيد يجلس على إحدى الشرفات ، يمتّع نظره بمنظر قدوم سبايا أهل البيتعليه‌السلام ورؤوس قتلاهم ، وهم مقبلون من باب جيرون الداخلي نحو المسجد.

ونلاحظ من جهة الشمال أن جدار القصر يحاذي تماما جدار المسجد الجامع ، وله هناك باب فخم ، كان بابا للثانوية التجارية ، ثم أصبح المكان اليوم بيوتا ومحلات تجارية.

ويمثّل مشهد رأس الحسينعليه‌السلام جزءا صغيرا من القصر ، وهو الجزء الغربي الملاصق للمسجد ، وهو صلة الوصل بين القصر والمسجد ، ومنه كان يدخل يزيد إلى صحن المسجد مباشرة.

ـ تاريخ قصر يزيد :

(الآثار الإسلامية في مدينة دمشق لكارل لتسينغر ، ص ١٢٧)

قال كارل عن قصر يزيد : البناء هو دار عطا العجلاني اليوم ، كانت في السابق مقرا لمدرسة شيخ المشايخ. أما في الأصل فقد كان المكان قصرا ليزيد بن معاوية

٤٤٩

[٦٨٠ ـ ٦٨٣ م]. لاحظ قطع الحجاة الكلاسيكية في الجزء السفلي من الجدار الشرقي للبناء نفسه. وكان البناء يستخدم سجنا في أيام ابن شاكر ، وكان يعرف بالبيت الحجري (احترق سنة ٥٦٢ ه‍].

هذا وتقع إلى الشمال من باب جيرون ، وإلى الشرق من مشهد علي (في الجامع الأموي) المدرسة الرواحية (نسبة إلى ابن رواحة المتوفى سنة ٦٢٢ ه‍) والمدرسة الدولعية (التي أنشأها العلامة جمال الدين الدولعي المتوفى سنة ٦٣٥ ه‍) ، وكان بيت خديجة يقع إلى الجوار منهما. تضم الباحة جزءا من واجهة تتمتع بقوسين أصمّين ، وتتناوب فيها المداميك الملونة. ترجع هذه الواجهة إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي [التاسع الهجري].

إدخال الرؤوس على يزيد

٥٢٢ ـ مدخل حول ترتيب الحوادث من الزوال في اليوم الأول من صفر :

الروايات متداخلة ، لا يظهر منها بشكل حاسم ، هل أدخلت السبايا إلى يزيد مع الرؤوس ، أم أحدهما سبق الآخر. لكننا نرجح أن إدخال الرأس الشريف كان سابقا ، لقولهم: "رمي الرأس بين يدي يزيد ...".

ثم أمر يزيد بإنزاله من على الرمح ، وإعداده ليعرض في مجلس عام مع السبايا.وبعد ثلاث ساعات أدخل السبايا إلى مجلس يزيد ، وحصلت ملاسنات بين الإمام زين العابدينعليه‌السلام ويزيد الماكر.

وبعد توضيب الرأس الشريف وتسريحه ، أدخل إلى مجلس يزيد ـ مع بقية الرؤوس ـ على طشت من ذهب. وقد كان يزيد استدعى الأعيان والوزراء ، ليشاركوه في بهجته وسروره.

ولما شرع يزيد يضرب ثنايا الحسينعليه‌السلام بالقضيب ، اعترض عليه الصحابي أبو برزة الأسلمي وعنّفه. وحين تمثّل يزيد بأبيات ابن الزبعرى المشرك (ليت أشياخي ببدر شهدوا ...) ردّ عليه زين العابدينعليه‌السلام ، وكذلك العقيلة زينبعليه‌السلام .

ثم دخل شمر إلى المجلس وطلب من يزيد الجائزة على إنجازه للمهمة. ثم دخلت هند زوجة يزيد إلى مجلسه مستنكرة عليه عمله الشائن.

٤٥٠

هذه الحوادث كلها حدثت في اليوم الأول من دخول السبايا إلى دمشق ، وذلك من الظهر إلى المغرب ، وكان آخرها قصة الشامي الّذي طلب إحدى بنات الحسينعليه‌السلام ليتخذها جارية له يتسرى بها. ثم أودع يزيد السبايا في حبس الخربة.

أما بقية الحوادث المروية ، فيمكن أنها حدثت في أيام تالية متفرقة. منها قصة رأس الجالوت ، وقصة جاثليق النصارى ، وقصة رسول ملك الروم. لأن يزيد كان كل يوم يقيم مجلسا عاما ، ويحضر فيه رأس الحسينعليه‌السلام ، ويشرب الخمر. ولعله في بعضها كان يحضر زين العابدينعليه‌السلام والسبايا أيضا ، وفي إحدى المرات كان خطاب زين العابدينعليه‌السلام على منبر مسجد دمشق ، وذلك يوم الجمعة التالي.

٥٢٣ ـ لؤم محفّر بن ثعلبة الأنصاري :(كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٢)

ورفع محفّر بن ثعلبة الأنصاري صوته مناديا على باب يزيد : جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم!. فقال يزيد : ما ولدت أم محفّر ألأم وأحمق منه ، ولكنه [أي الحسين] قاطع ظالم.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٥٨ : قال ابن محفّز : يا أمير المؤمنين ، جئناك برؤوس هؤلاء الكفرة اللئام!. فقال يزيد : ما ولدت أم محفّز أكفر وألأم وأذمّ.

وفي رواية (لواعج الأشجان) ص ١٩١ : فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفّر بن ثعلبة صوته فقال : هذا محفّر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة. فأجابه علي بن الحسينعليه‌السلام : ما ولدت أم محفّر أشرّ وألأم.

٥٢٤ ـ إدخال حملة الرؤوس على يزيد :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٨٩)

فخرج حجّاب يزيد وأدخلوا الذين معهم الرؤوس. فلما دخلوا على يزيد قالوا : بعزّة الأمير قتلنا أهل بيت أبي تراب واستأصلناهم.

وفي (نفس المهموم) : رمي الرأس بين يدي يزيد.

٥٢٥ ـ موقف مروان بن الحكم وأخيه عبد الرحمن من أعمال يزيد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٤ ط ٢)

قال أبو مخنف : ثم أتوا بالرأس إلى باب الساعات ، فوقفوا هناك ثلاث ساعات ، يطلبون الإذن من يزيد.

٤٥١

فبينما هم كذلك ، إذ خرج مروان بن الحكم. فلما نظر إلى رأس الحسينعليه‌السلام صار ينظر إلى أعطافه جذلا طربا. ثم خرج أخوه عبد الرحمن ، فلما نظر إلى الرأس بكى ، ثم قال: أما أنتم فقد حجبتم عن شفاعة جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله

لا جامعتكم على أمر أبدا.

ثم قال : بالعزيز عليّ يا أبا عبد الله ما نزل بك ، ثم أنشأ يقول :

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل!

إمام غريب الطفّ أدنى(١) برأسه

من ابن زياد وهو في العالم الرّذل

٥٢٦ ـ حامل الرأس يشرح ليزيد ما حدث في كربلاء :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٨)

قال أبو مخنف : وأقبلوا بالرأس إلى باب الساعات ، وأوقفوه هناك ثلاث ساعات. ثم أتوا به إلى يزيد بن معاوية ، وكان مروان جالسا إلى جنبه. فسألهم :كيف فعلتم به؟. فقالوا: جاءنا في ثمانية عشر من أهل بيته ونيّف وخمسين من أنصاره ، فسألناهم أن ينزلوا على حكم الأمير أو القتال ، فاختاروا القتال. فقتلناهم عن آخرهم ، وهذه رؤوسهم ، والسبايا على المطايا.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٥٦ : فأطرق يزيد ساعة ثم رفع رأسه وبكى ، وقال : والله يا هذا لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. أما والله لو صار إليّ لعفوت عنه. ولكن قبّح الله ابن مرجانة (يقصد ابن زياد).

فجعل مروان بن الحكم يهزّ أعطافه ، وأنشد يقول :

يا حبّذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدّين

شفيت نفسي من دم الحسين

أخذت ثأري وقضيت ديني

وفي (مقدمة مرآة العقول للمجلسي) للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٣٠٤ :

روى الطبري وغيره قال : لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد ؛ رأس الحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه ، قال يزيد :

__________________

(١) أدنى : أكثر دنوا. أي كيف يكون إمام قتل في طف كربلاء غريبا ، أدنى من ابن زياد الوضيع حسبا ونسبا؟!.

٤٥٢

يفلّقن هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان ، وكان في المجلس :

لهام بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل(١)

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل(٢)

فضرب يزيد في صدر يحيى ، وقال : اسكت.

(وفي رواية) : أنه أسرّ إليه ، وقال : سبحان الله أفي هذا الموضع ما يسعك السكوت!.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٥٧ : فقال يزيد : نعم!. فلعن الله ابن مرجانة إذ أقدم على قتل مثل الحسين بن فاطمة. أما والله لو كنت أنا صاحبه لما سألني خصلة إلا أعطيته إياها ، ولدفعت عنه الحتف بكل ما استطعت ، ولو بهلاك بعض ولدي. ولكن إذا قضى الله أمرا لم يكن له مردّ.

وروي أن يزيد نظر إلى عبد الرحمن ، وقال : سبحان الله ، أفي هذا الموضع تقول ذلك ، أما يسعك السكوت!.

وفي (العقد الفريد) لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٨ : لما وضع الرأس بين يدي يزيد تمثّل بقول حصين بن الجاحم المزني :

نفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام وكان في السبي : كتاب الله أولى بك من الشعر ، يقول الله :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ٢٢ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (٢٣) [الحديد : ٢٢ ـ ٢٣].

فغضب يزيد ، وجعل يعبث بلحيته. ثم قال : غير هذا من كتاب الله أولى بك وبأبيك ، قال الله :( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (٣٠) [الشورى : ٣٠].

__________________

(١) الوغل : المدعي نسبا كاذبا.

(٢) في البيت الثاني إقواء ، وهو من عيوب الشعر. والإقواء : كسر القافية وضمّها.

٤٥٣

٥٢٧ ـ استنكار هند بنت عبد الله لأعمال زوجها يزيد :

(مقتل أبي مخنف ، ص ١٢٥)

قال أبو مخنف : فسمعته هند بنت عبد الله زوجة يزيد ، وكان مشغوفا بها.

قال : فدعت برداء فتردّت به ، وتقنّعت ووقفت من وراء الستر ، وقالت ليزيد : هل معك أحد؟. قال : أجل. فأمر من كان عنده بالانصراف. وقال : ادخلي ، فدخلت.

قال : فنظرت إلى رأس الحسينعليه‌السلام فصرخت ، وقالت : ما هذا الّذي معك؟.فقال : رأس الحسين بن علي. قال : فبكت وقالت : يعزّ والله على فاطمة أن ترى رأس ولدها بين يديك. لقد فعلت فعلا استوجبت به اللعن من الله ورسوله. (وفي رواية المنتخب ، ص ٤٨٥) : «ويحك ، فعلت فعلة استوجبت بها النار يوم القيامة».والله ما أنا لك بزوجة ولا أنت لي ببعل. فقال لها : ما أنت وفاطمة؟!. فقالت :بأبيها وبعلها وبنيها هدانا الله وألبسنا هذا القميص. ويلك يا يزيد ، بأي وجه تلقى الله ورسوله؟!. فقال لها : يا هند دعي هذا الكلام.

(وفي رواية): " ارتدعي يا هند من كلامك هذا ، والله ما أخبرت بذلك ولا أمرت به". فخرجت باكية وتركته.

وفي (معالي السبطين) للمازندراني ، ج ٢ ص ١٧٥ : فقامت [هند] وحسرت رأسها وشقّت الثياب وهتكت الستر ، وخرجت حافية إلى يزيد وهو في مجلس عام ، وقالت : يا يزيد أنت أمرت برأس الحسينعليه‌السلام يشال على الرمح عند باب الدار؟. أرأس ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصلوب على فناء داري؟!.

يقول الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥١٦ : ويظهر أن استنكار هذه المرأة الحرة لأعمال يزيد ، ودخولها على مجلسه ، حدث عدة مرات :

الأولى : في اليوم الأول بعد انصراف الناس من المجلس ، وهو المشار إليه أولا.

الثانية : بعد صلب الرأس على باب القصر ، وهو المشار إليه ثانيا.

الثالثة : رؤيا هند قبيل تسيير السبايا إلى المدينة. وكان ذلك الإستنكار من دوافع يزيد إلى الإسراع في تسيير السبايا إلى المدينة والتخلص منهم.

٤٥٤

٥٢٨ ـ شمر يطلب الجائزة من يزيد :(أسرار الشهادة للدربندي ، ٤٩٨)

ثم دخل عليه الشمر وجعل يقول :

املأ ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت السيّد المهذّبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وأكرم الناس جميعا حسبا

سيد أهل الحرمين والورى

ومن على الخلق معا منتصبا

طعنته بالرمح حتى انقلبا

ضربته بالسيف ضربا عجبا

قال : فنظر إليه يزيد شزرا ، وقال له : أملأ الله ركابك نارا وحطبا ، إذا علمت أنه خير الناس أما وأبا ، فلم قتلته؟!. قال شمر : أطلب بذلك الجائزة من عندك.

قال : فلكزه يزيد بزبال سيفه ، وقال : لا جائزة لك عندي ، فولّى هاربا( خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) [الحج : ١١].

إدخال السبايا على يزيد في مجلس عام

٥٢٩ ـ علي بن الحسينعليه‌السلام أول من دخل :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦٢)

قيل : إن أول من دخل شمر بن ذي الجوشن بعلي بن الحسينعليه‌السلام ، مغلولة يداه إلى عنقه. فقال له يزيد : من أنت يا غلام؟. قال : أنا علي بن الحسين. فأمر برفع الغل عنه.

٥٣٠ ـ إدخال آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مجلس يزيد :

(مقدمة مرآة العقول ، ج ٢ ص ٣٠٤)

روى الطبري قال :

جلس يزيد بن معاوية ، ودعا أشراف أهل الشام ، فأجلسهم حوله. ثم دعا بعلي ابن الحسينعليه‌السلام وصبيان الحسين ونسائه ، فأدخلوا عليه ، والناس ينظرون.

وروى سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ١٤٩ وغيره : أن الصبيان والصبيات من بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا موثّقين في الحبال.

٤٥٥

٥٣١ ـ عدد الذكور الذين أدخلوا على يزيد :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ص ٥)

قال : وذكروا أن أبا معشر قال : حدثني محمّد بن الحسين بن علي ، قال : دخلنا على يزيد ، ونحن اثنا عشر غلاما ، مغلّلين في الحديد وعلينا قميص. فقال يزيد :أخلصتم أنفسكم بعبيد أهل العراق؟. وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج ، ولا بقتله حين قتل!.

٥٣٢ ـ كيف ادخل السبايا على يزيد وهم مربوطون بالحبال :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٢)

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : أتى بنا يزيد بن معاوية بعدما قتل الحسين بن عليعليه‌السلام ونحن اثنا عشر غلاما ، وكان أكبرنا يومئذ علي بن الحسينعليه‌السلام ، فأدخلنا عليه ، وكان كل واحد منا مغلولة يده إلى عنقه.

وفي (الأنوار النعمانية) : أدخلوهن [أي السبايا] وهن مربقات بحبل طويل ، وزحر ابن قيس يجرّهن.

وفي (المنتخب) قال علي بن الحسينعليه‌السلام : لما وفدنا على يزيد ، أتونا بحبل وربقونا مثل الأغنام. وكان الحبل بعنقي وعنق أم كلثوم ، وبكتف زينب وسكينة والبناتعليه‌السلام . وساقونا ؛ وكلما قصّرنا عن المشي ضربونا ، حتى أوقفونا بين يدي يزيد ، وهو على سرير مملكته.

٥٣٣ ـ من الّذي غلب؟ يزيد أم الحسينعليه‌السلام ؟ :

(المصدر السابق ، ص ٩٤)

قال المفيد : فلما انتهوا إلى باب يزيد ، استقبلهم إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله ، وقال : يا علي بن الحسين ، من غلب؟. وهو يغطي وجهه. فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام : إذا أردت أن تعلم من غلب ، ودخل وقت الصلاة ، فأذّن وأقم (تعرف من غلب).

٥٣٤ ـ نساء يزيد يولولن عند دخول السبايا :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٠)

وفي خبر عن (الأمالي) : ثم أدخل نساء الحسينعليه‌السلام على يزيد بن معاوية ،

٤٥٦

فصاحت نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله ، وولولن وأقمن المآتم ، ووضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه.

وقال السيد ابن طاووس : ثم أدخل ثقل الحسينعليه‌السلام ونساؤه ومن تخلّف من أهله على يزيد ، وهم مقرّنون في الحبال ، وزين العابدينعليه‌السلام مغلول. فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال ، قال له علي بن الحسينعليه‌السلام : أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنّك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا على هذه الصفة؟.(فلم يبق في القوم أحد إلا وبكى). فأمر يزيد بالحبال فقطّعت (وأمر بفكّ الغلّ عن زين العابدين). ثم وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه.

محاورة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام ليزيد

٥٣٥ ـ يزيد يتعرف على السبايا ويسأل عن أسمائهن :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٦ ط ٢)

ثم إن يزيد أمر بإحضار السبايا ، فأحضروا بين يديه. فلما حضروا عنده جعل ينظر إليهن ، ويسأل من هذه ، من هذا؟. فقيل : هذه أم كلثوم الكبرى ، وهذه أم كلثوم الصغرى ، وهذه صفيّة ، وهذه أم هاني ، وهذه رقية : بنات عليعليه‌السلام . وهذه سكينة ، وهذه فاطمة : بنتا الحسينعليه‌السلام ، وهذا علي بن الحسينعليه‌السلام .

فالتفت اللعين إلى سكينة ، وقال : يا سكينة أبوك الّذي جهل حقي ، وقطع رحمي ، ونازعني في ملكي!.

٥٣٦ ـ تقريع سكينة ليزيد :(المصدر السابق ، ص ٤٨٦)

فبكت سكينةعليه‌السلام وقالت : لا تفرح بقتل أبي ، فإنه كان مطيعا لله ولرسوله ، ودعاه إليه فأجابه ، وسعد بذلك. وإن لك يا يزيد بين يدي الله مقاما يسألك عنه ، فاستعدّ للمسألة جوابا ، وأنّى لك الجواب!.

وفي (أسرار الشهادة) للفاضل الدربندي ، ص ٥٠٠ :

عن (الأنوار النعمانية) : أن الحريم لما دخلن في السبي على يزيد ، وكان يطلع فيهن ويسأل عن كل واحدة بعينها ، وهن مربقات بحبل طويل ، وزجر بن قيس يجرّهن ، حتى أقبلت امرأة ، وكانت تستر وجهها بزنديها ، لأنها لم يكن لها خرقة تستر بها وجهها ، فقال : من هذه التي ليس لها ستر؟. قالوا : سكينة بنت

٤٥٧

الحسين (ع). قال : أنت سكينة؟ فسالت دموعها على خدها ، واختنقت بعبرتها.فسكت عنها حتى كادت أن تطلع روحها من البكاء. فقال لها : وما يبكيك؟. قالت :كيف لا تبكي من ليس لها ستر تستر به وجهها ورأسها عنك!. فبكى يزيد وأهل مجلسه.

ثم قال : لعن الله عبيد الله بن زياد ، ما أقوى قلبه على آل الرسول!. ثم أقبل إليها وقال : ارجعي مع النسوة ، حتى آمر بكنّ أمري.

٥٣٧ ـ زين العابدينعليه‌السلام يستثير عطف يزيد على السبايا :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠١)

وفي رواية (الفصول المهمة) لابن الصباغ المالكي : ثم أمر بعلي بن الحسينعليه‌السلام وأدخل إليه مغلولا. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : يا يزيد لو رآنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغلولين لفكّه عنا ؛ فأمر بفكّه عنه. فقالعليه‌السلام : لو رآنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بعد لأحب أن يقرّبنا إليه ؛ فأمر به فقرّب منه.

إدخال الرأس المطهّر

٥٣٨ ـ إعداد الرأس الشريف :

قال سهل بن سعد : فدخلت مع من دخل لأنظر ما يصنع يزيد. فأمر بحطّ الرأس عن الرمح ، وأن يوضع في طشت ذهب ، ويغطى بمنديل ديبقي [أي منسوج من الشعر المضفور] ، ويدخل به عليه.

٥٣٩ ـ تسريح شعر الرأس الشريف ولحيته :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٣)

عن (مستدرك الوسائل) للنوري ، عن زهرة بل الرياض ، قال :

وضعوا الرأس بين يديه بعدما غسّلوه ، وسرّحوا لحيته وشعره ، وجعلوه في طشت.

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٠٨ قال :

فلما وضع الرأس بين يديه يزيد ، بعدما غسّلوه ، وسرّحوا لحيته وشعره ، وجعلوه في طشت من ذهب ؛ فجعل يزيد ينكت ثناياه بقضيب في يده.

٤٥٨

٥٤٠ ـ يزيد يبدي اشمئزازه من رائحة رأس الحسينعليه‌السلام :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٦)

ثم جيء برأس الحسينعليه‌السلام فوضع بين يدي يزيد ، فأمر الغلام فرفع الثوب الّذي كان عليه. فحين رآه غطّى وجهه بكمّه كأنه شمّ رائحة ، وقال : الحمد لله الّذي كفانا المؤن بغير مؤنة( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) [المائدة : ٦٤].

٥٤١ ـ رائحة المسك تفوح من الرأس الشريف :

(المصدر السابق)

قالت (دبا) حاضنة يزيد : دنوت من رأس الإمام الحسينعليه‌السلام حين شمّ يزيد منه رائحة لم تعجبه ، فإذا تفوح منه رائحة من روح الجنة كالمسك الأذفر ، بل أطيب.

وفي (سفينة البحار) ج ١ ص ٤٩٢ :

روي : أنه لما أدخل بالرأس الشريف على يزيد ، كان للرأس طيب قد فاح على كل طيب.

٥٤٢ ـ يزيد يطلب إحضار الرأس الشريف بين يديه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٤ ط ٢)

يقول الطريحي : ثم إن يزيد بعث يطلب الرأس ، فلما أوتي به إليه ، وضعه في طشت من ذهب ، وجعل ينكث ثناياه بقضيب كان عنده ، وهو يقول : رحمك الله يا حسين ، لقد كنت حسن المضحك. ثم أنشأ :

نفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

ويقول السيد الأمين في (اللواعج) ص ١٩٥ :

ثم وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يدي يزيد ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه.

ويقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٤٥٥ :

ودعا يزيد برأس الحسينعليه‌السلام ووضعه أمامه في طست من ذهب ، وكان النساء خلفه. فقامت سكينة وفاطمة تتطاولان النظر إليه ، ويزيد يستره عنهما ، فلما رأينه صرخن بالبكاء.

٤٥٩

٥٤٣ ـ ما فعلته زينبعليه‌السلام لما رأت الرأس الشريف :

(لواعج الأشجان ، ص ١٩٥)

وأما زينبعليه‌السلام فإنها لما رأت رأس الحسينعليه‌السلام أهوت إلى جيبها فشقّته ، ثم نادت بصوت حزين يقرّح القلوب : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يابن مكة ومنى ، يابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يابن بنت المصطفى.

قال الراوي : فأبكت والله كلّ من كان حاضرا في المجلس ، ويزيد ساكت ، وهو بذاك شامت.

٥٤٤ ـ فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام تستنكر على يزيد فعله :

(الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ، ص ١٧٦)

ثم إنه أدخل نساء الحسين والرأس بين يديه ، فجعلت فاطمة وسكينة تتطاولان لتنظرا إلى الرأس ، وجعل يزيد يستره عنهما. فلما رأينه صرخن وأعلنّ بالبكاء ، فبكت لبكائهن نساء يزيد وبنات معاوية ، فولولن وأعلنّ الصوت.

وفي (أسرار الشهادة) للفاضل الدربندي ، ص ٥٠٠ :

قال سهل بن سعد : ووضع الرأس الشريف في حقّة ، وأدخل على يزيد ، وهو جالس على السرير ، وحوله كثير من مشايخ قريش.

وفي (مقتل الحسين لأبي مخنف المنقول من تاريخ الطبري) ص ٢١٧ :

فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وكانت أكبر من سكينة : أبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا يا يزيد؟.(أيسرك هذا؟). فقال يزيد : يا ابنة أخي (والله ما يسرّني) وأنا لهذا كنت أكره. قالت : والله ما ترك لنا خرص. قال : يا ابنة أخي ما أتى إليك أعظم مما أخذ منك.

فبكى الناس ، وبكى أهل داره ، حتى علت الأصوات.

٥٤٥ ـ سكينةعليه‌السلام تشهد على قساوة يزيد :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٥٥ ط ٣)

ووضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يدي يزيد ، فقالت سكينة : ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ، ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرّا منه ، ولا أجفى منه.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800