موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء5%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493500 / تحميل: 5835
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

وأقبل يقول وينظر إلى الرأس :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

٥٤٦ ـ يزيد يستنكر أن يكون الحسين وآله أفضل من يزيد وآله :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٥٧)

ثم أتي بالرأس حتى وضع بين يدي يزيد في طست من ذهب. فنظر إليه وأنشد :

نفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

ثم أقبل على أهل المجلس ، وقال : إن هذا كان يفخر عليّ ويقول : أبي خير من أبي يزيد ، وأمي خير من أمه ، وجدي خير من جده ، وأنا خير منه ؛ فهذا الّذي قتله فأما قوله بأن أباه خير من أبي ، فلقد حاجّ أبي أباه فقضى الله لأبي على أبيه.وأما قوله بأن أمي خير من أمه ، فلعمري لقد صدق ، إن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير من أمي. وأما قوله بأن جده خير من جدي ، فليس لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول بأنه خير من محمّد. وأما قوله بأنه خير مني ، فلعله لم يقرأ :( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) !.

وقد روى الطريحي في (المنتخب) ص ٤٩٣ ط ٢ هذه المحاورة ، أنها كانت بين يزيد والسيدة زينبعليه‌السلام قال :

لما دعا اللعين يزيد بسبي الحسينعليه‌السلام وعرضوا عليه ، قالت له زينب بنت عليعليه‌السلام : يا يزيد أما تخاف الله سبحانه من قتل الحسينعليه‌السلام ؟. وما كفاك حتى تستحثّ حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العراق إلى الشام؟ وما كفاك انتهاك حرمتهن حتى تسوقنا إليك كما تساق الإماء ، على المطايا بغير وطاء ، من بلد إلى بلد؟!.

فقال لها يزيد : إن أخاك الحسين قال : أنا خير من يزيد ، وأبي خير من أبيه ، وأمي خير من أمه ، وجدي خير من جده. فقد صدق في بعض ، وألحن في بعض.أما جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو خير البرية ، وأما أن أمه خير من أمي ، وأباه خير من أبي ، كيف ذلك وقد حاكم أبوه أبي؟. ثم قرأ :( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) (٢٦) [آل عمران : ٢٦].

فقالت زينبعليه‌السلام :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (١٧٠) [آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠].

٤٦١

ثم قالت : يا يزيد ، ما قتل الحسين غيرك ، ولولاك لكان ابن مرجانة أقلّ وأذل.أما خشيت الله بقتله؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أخيه :

«الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة»؟. فإن قلت : لا ، فقد كذبت ، وإن قلت : نعم ، فقد خصمت نفسك. فقال يزيد :( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) [آل عمران : ٣٤] وبقي خجلانا.

وهو مع ذلك لم يرتدع عن غيّه ، وبيده قضيب ينكث به ثنايا الحسينعليه‌السلام .

يزيد يضرب الرأس الشريف

٥٤٧ ـ يزيد يضرب بالقضيب ثغر الحسينعليه‌السلام :

(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٣٩)

ثم دعا يزيد بقضيب خيزران ، فجعل ينكت به [أي يضرب] ثنايا الحسينعليه‌السلام وهو يقول : لقد كان أبو عبد الله حسن المنطق.

وفي رواية الخوارزمي : لقد كان حسن المضحك.

وفي رواية : وأخذ يزيد القضيب ، وجعل ينكت ثغر الحسينعليه‌السلام (١) ، ويقول : يوم بيوم بدر.

٥٤٨ ـ يزيد يكسر ثنايا الحسينعليه‌السلام بالقضيب :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٣)

عن (مستدرك الوسائل) للنوري ، عن زهرة بل الرياض ، قال : لما وضع الرأس الشريف بين يدي يزيد ، أخذ قضيبا فضرب به ثنايا الحسينعليه‌السلام حتى كسرت [أي ثناياه]. والثنايا هي الأسنان الأمامية من الفم.

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٦٧ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٣٥ ؛ وتذكرة الخواص ، ص ١٤٨ ؛ والصواعق المحرقة ص ١١٦ ؛ والفروع لابن مفلح الحنبلي في فقه الحنابلة ، ج ٣ ص ٥٤٩ ؛ ومجمع الزوائد لابن حجر ، ج ٩ ص ١٩٥ ؛ والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ، ص ٢٠٥ ؛ والخطط المقريزية ، ج ٢ ص ٢٨٩ ؛ والبداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٩٢ ؛ ومناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٢٥. وفي الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٢٣ : صار يزيد يضرب ثناياه بالقضيب.

٤٦٢

٥٤٩ ـ شماتة يزيد :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٩)

وفي ذيل رواية صاحب المناقب : ووضع الرأس في حقّة ، ودخلوا على يزيد إلى أن قال : ووضع رأس الحسينعليه‌السلام على طبق من ذهب ، وهو يقول :كيف رأيت يا حسين؟!.

وقال المفيد صاحب (الفصول) : ولما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد ، وفيها رأس الحسينعليه‌السلام قال يزيد :

نفلّق هاما من أناس أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

وزاد صاحب (الفصول) قول يزيد : وما أنا وهذا إلا كما قال الحصين :

أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواضب في أيماننا تقطر الدّما

نفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

قال أبو مخنف : فجعل يزيد ينكث ثنايا الحسينعليه‌السلام بهذه الأبيات ، وهو ينشد ويقول :

نفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعفّ وأصبر

وأكرم عند الله منا محلة

وأفضل في كل الأمور وأفخر

عدونا وما العدوان إلا ضلالة

عليهم ومن يعدو عن الحق يخسر

فإن تعذلوا فالعذل ألقاه آخرا

إذا ضمّنا يوم القيامة محشر

ولكننا فزنا بملك معجّل

وإن كان في عقباه نار تسعّر

وفي بعض نسخ كتاب (مقتل أبي مخنف) ذكر هذه الأبيات :

كيف رأيت الضرب يا حسين

شفيت قلبي من دم الحسين

أخذت ثاري وقضيت ديني

يا ليت من شاهد في الحنين

يرون فعلي اليوم بالحسين

قال : ولم يزل يفتخر في فرح وسرور وشرب خمر.

٥٥٠ ـ ما قاله يزيد حين وضع الرأس بين يديه :

(كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٢)

ثم أذن للناس فدخلوا عليه والرأس بين يديه ، ومعه قضيب وهو ينكت به ثغره.

ثم قال : إن هذا وإيانا كما قال الحصين بن الحمام :

٤٦٣

أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواضب في أيماننا تقطر الدّما

نفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له أبو برزة الأسلمي : يا يزيد ارفع قضيبك

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٢ ط ٢ نجف :

وذكر ابن أبي الدنيا : أنه لما نكث بالقضيب ثناياه ، أنشد أبيات الحصين ابن الحمام المرّي :

صبرنا وكان الصبر منا سجية

بأسيافنا تفرين هاما ومعصما

نفلّق هاما من رؤوس أحبة

إلينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

قال مجاهد : فو الله لم يبق في الناس أحد إلا سبّه وعابه وتركه.

٥٥١ ـ ما فعل يزيد بالرأس الشريف :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٩٠)

وصار يزيد يضرب الرأس الشريف بقضيب كان معه ، ويقول : لقيت بغيك يا حسين. وبالغ في الفرح ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه العالم.

وفي هذه القصة تصديق لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا ، وإن أشدّ قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو مخزوم". رواه الحاكم في المستدرك.

منكرون وناقمون

كثيرون أولئك الذين لم يسكتوا على الباطل ، وقالوا قولة الحق أمام السلطان الجائر من أول هؤلاء أبو برزة الأسلمي صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي كان في مجلس يزيد ، ورآه ينكت بالخيزران فم الحسينعليه‌السلام .

ولم يقتصر ذلك الإنكار على المسلمين ، بل تعدّاهم إلى غيرهم ، مثل ممثل ملك الروم ، والحبر اليهودي ، ورأس الجالوت.

وحتى من داخل الأسرة الأموية انطلقت صيحات الاستنكار على يزيد وطغيانه ؛ منهم يحيى بن الحكم وأخوه عبد الرحمن ، وعاتكة بنت يزيد ، وهند بنت عبد الله زوجة يزيد. وآخرها خطاب معاوية الثاني ابن يزيد بعد هلاك أبيه.

٤٦٤

٥٥٢ ـ استنكار أبي برزة الأسلمي لعمل يزيد :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٩)

فجعل يزيد ينكث ثناياه بقضيب في يده. فقال له أبو برزة الأسلمي : أتنكث بقضيبك في ثغر الحسينعليه‌السلام !. والذي لا إله إلا هو ، لقد رأيت شفتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما. أما إنك يا يزيد تجيء يوم القيامة ، وابن زياد شفيعك ، ويجيء هذا [أي الحسين] ومحمد شفيعه. ثم قام فولّى.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٤٩٤ ط ٢ :

فدخل عليه رجل من الصحابة (ونقل أنه زيد بن أرقم) فقال له : يا يزيد ، فو الله الّذي لا إله إلا هو ، لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّلهما مرارا كثيرة ، ويقول له ولأخيه الحسن : «اللهم إن هذان وديعتي عند المسلمين». وأنت يا يزيد ، هكذا تفعل بودائع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !.

قال : ثم إن يزيد غضب عليه وأمر به فسجن. حتى نقل أنه مات وهو في السجن.

٥٥٣ ـ ملاسنة أبي برزة الأسلمي ليزيد :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٢ ط ٢ نجف)

قال ابن أبي الدنيا : وكان عنده أبو برزة الأسلمي ، فقال له : يا يزيد ارفع قضيبك ، فو الله لطالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل ثناياه.

وذكر البلاذري أن الّذي كان عند يزيد وقال هذه المقالة هو أنس بن مالك. وهو غلط من البلاذري ، لأن أنسا كان بالكوفة عند ابن زياد ، ولما جيء بالرؤوس بكى.وقد ذكرناه سابقا.

وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي ، ج ٢ ص ٥٧ :

فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي (أو غيره من الصحابة) وقال له : ويحك يا يزيد!.أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمةعليه‌السلام ؟. لقد أخذ قضيبك هذا مأخذا من ثغره!. أشهد لقد رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ، ويقول :«أنتما سيدا شباب أهل الجنة. قتل الله قاتلكما ولعنه ، وأعدّ له جهنم وساءت مصيرا». أما أنت يا يزيد فتجيء يوم القيامة ، وعبيد الله بن زياد شفيعك ، ويجيء هذا ومحمد شفيعه.

٤٦٥

فغضب يزيد وأمر بإخراجه من المجلس ، فأخرج سحبا. وزاد في تنكيث ثنايا الحسينعليه‌السلام . وجعل يزيد بعده يتمثل بأبيات ابن الزّبعرى.

٥٥٤ ـ استنكار سمرة بن جندب :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٥٨)

وقيل : إن الّذي ردّ عليه ليس أبا برزة ، بل هو سمرة بن جندب صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وقال ليزيد : قطع الله يدك يا يزيد ، أتضرب ثنايا طالما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّلهما ويلثم هاتين الشفتين؟!.

فقال له يزيد : لو لا صحبتك لرسول الله لضربت والله عنقك.

فقال سمرة : ويلك تحفظ لي صحبتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا تحفظ لابن رسول الله بنوّته؟. فضجّ الناس بالبكاء ، وكادت أن تكون فتنة.

٥٥٥ ـ استنكار الحسن البصري لأعمال يزيد :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٢ ط ٢ نجف)

وروى ابن أبي الدنيا عن الحسن البصري ، قال : ضرب يزيد رأس الحسينعليه‌السلام ومكانا كان يقبّله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم تمثّل الحسن البصري :

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل!

الشعر الّذي تمثّل به يزيد

٥٥٦ ـ الأشعار التي تمثّل بها يزيد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٥٨)

ثم كشف يزيد عن ثنايا رأس الحسينعليه‌السلام بقضيبه ونكثه به ، وأنشد قول الحصين بن الحمام المرّي :

أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواضب في أيماننا تقطر الدّما

صبرنا وكان الصبر منا عزيمة

وأسيافنا يقطعن كفا ومعصما

نفلّق هاما من أناس أعزّة

علينا ، وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له بعض جلسائه : ارفع قضيبك ، فو الله ما أحصي ما رأيت شفتي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكان قضيبك يقبّله.

٤٦٦

٥٥٧ ـ يزيد يتمثل بأشعار عبد الله بن الزبعرى المشرك(١) :

(المصدر السابق ؛ والمنتخب للطريحي ص ٤٨٤)

فسكت يزيد ، وإذا بغراب ينعق ويصيح من أعلى القصر ، فأنشأ يزيد يقول :

يا غراب البين ما شئت فقل

إنما تندب أمرا قد فعل

كل ملك ونعيم زائل

وبنات الدهر(٢) يلعبن بكلّ

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل(٣)

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

وأخذنا من علي ثارنا

وقتلنا الفارس الليث البطل

لست من خندف(٤) إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

ـ قصيدة ابن الزبعرى المشرك التي قالها بعد وقعة أحد :

(سيرة ابن هشام ، ج ٣ ص ١٤٣)

قال عبد الله بن الزّبعرى المشرك بعد وقعة أحد ، يبيّن أنه وقومه قد أخذوا ثأرهم من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقاء قتلاهم في بدر ، وهي القصيدة التي تمثّل يزيد ببعض أبياتها لما وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه :

يا غراب البين أسمعت فقل

إنما تنطق شيئا قد فعل

إن للخير وللشرمدى

وكلا ذلك وجه وقبل(٥)

__________________

(١) قصيدة قالها عبد الله بن الزبعرى في نيّف وعشرين بيتا بعد وقعة أحد ، وقد كان مشركا. وقيل إنه أسلم بعد فتح مكة واعتذر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبل النبي توبته.

(٢) بنات الدهر : حوادثه.

(٣) الأسل : الرماح.

(٤) خندف : في الأصل لقب ليلى بنت عمران ، سمّيت به القبيلة. وإنما لقّبت خندف لأنها كانت تتبختر في مشيها. وخندف زوجة إلياس بن مضرام أحد أجداد قريش. وقد افتخر يزيد بأنه من خندف في الشعر الّذي قاله ، فقالت له زينبعليه‌السلام في مجلسه : لا تذكر خندف التي بينك وبينها ثلاثة عشر أبا ، بل اذكر جدتك القريبة وأفعالها ، وهي هند آكلة الأكباد أم معاوية (سفينة البحار ، ج ١ ص ٥٨٠).

(٥) القبل : المواجهة والمقابلة. يريد أن كل ذلك ملاقيه الإنسان ، من خير أو شر.

٤٦٧

كل عيش ونعيم زائل

وبنات الدهر يلعبن بكلّ

كم قتلنا من كريم سيّد

ماجد الجدّين مقدام بطل

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

حين حكّت بقباء بركها

واستحرّ القتل في عبد الأشل(١)

فقتلنا الضّعف من أشرافهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

ـ تحقيق الأبيات التي تمثّل بها يزيد :

(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٣٠٧)

روى ابن أعثم والخوارزمي وابن كثير وغيرهم ، أن يزيد جعل يتمثّل بأبيات ابن الزّبعرى التالية :

١ ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

٢ لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

٣ قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

قال ابن أعثم في (الفتوح) ج ٢ ص ٢٤١ : ثم زاد فيها هذا البيت :

٤ لست من عتبة إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧١ ط ٢ نجف قال :

المشهور عن يزيد في جميع الروايات أنه لما حضر الرأس بين يديه ، جمع أهل الشام ، وجعل ينكت عليه بالخيزران ، ويقول أبيات ابن الزّبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

قال الشعبي : وزاد فيها يزيد فقال :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

وفي (الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٤١ ، بعد البيت الثاني :

حين ألقت بقباء بركها

واستحرّ القتل في عبد الأشل

__________________

(١) البرك : الصدر. وبنو عبد الأشل : يريد بني عبد الأشهل ، فحذف الهاء.

٤٦٨

وفي (مقتل الخوارزمي) قبل البيت الأول :

يا غراب البين ما شئت فقل

إنما تندب أمرا قد فعل

كلّ ملك ونعيم زائل

وبنات الدهر يلعبن بكلّ

وجاء فيه أيضا ، وفي (اللهوف) ص ٦٩ ، بعد البيت الرابع :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

فتكون الأبيات التي زادها يزيد من عنده هي الثاني والرابع والخامس.

قال العلامة المجلسي في (البحار) ج ٤٥ حاشية ص ١٣٣ :

استشهد يزيد ببيت من القصيدة وهو الأول [ليت أشياخي] والباقي من إنشائه.

ثم قال سبط ابن الجوزي :

قال مجاهد : فلا نعلم الرجل إلا قد نافق في قوله هذا.

وقال شيخ السنّة أحمد بن الحسين : وآخر كلام يزيد لا يشبه أوله ، ولم أكتبه من وجه يثبت مثله ؛ فإن كان قاله ، فقد كان ضمّ إلى فعل الفجّار ـ في قتل الحسينعليه‌السلام وأهل بيته ـ أقوال الكفار. والله يعصمنا من الخطأ والزلل.

يزيد مع الإمام السجّادعليه‌السلام

٥٥٨ ـ ردّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام على أشعار يزيد :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٢ ط ٢ نجف)

قال هشام بن محمّد : لما أنشد يزيد الأبيات ، قال له علي بن الحسينعليه‌السلام :بل ما قال الله أولى :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) (٢٢) [الحديد : ٢٢].

وفي (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة ، ص ٥ : (قال) فغضب يزيد ، وجعل يعبث بلحيته ، وقال :( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (٣٠) [الشورى : ٣٠].

وكان علي بن الحسينعليه‌السلام والنساء موثقين في الحبال ، فناداه عليعليه‌السلام : يا يزيد ، ما ظنّك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا موثّقين في الحبال ، عرايا على أقتاب الجمال؟. فلم يبق في القوم إلا من بكى.

٤٦٩

٥٥٩ ـ يزيد يهمّ بقتل زين العابدينعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٦٨ ط ٣)

في تفسير علي بن إبراهيم ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : لما أدخل رأس الحسين بن عليعليه‌السلام على يزيد ، وأدخل عليه علي بن الحسينعليه‌السلام وبنات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كان علي بن الحسينعليه‌السلام مقيّدا مغلولا. فقال يزيد : يا علي بن الحسين ، الحمد لله الّذي قتل أباك!. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : لعن الله من قتل أبي.

قال : فغضب يزيد وأمر بضرب عنقه. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : فإذا قتلتني ، فبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يردّهن إلى منازلهن ، وليس لهنّ محرم غيري؟فقال يزيد : أنت تردّهن إلى منازلهن.

ثم دعا بمبرد ، فأقبل يبرد (الجامعة) من عنقه بيده. ثم قال له : يا علي ابن الحسين ، أتدري ما الّذي أريد بذلك؟. قال : بلى ، تريد أن لا يكون لأحد عليّ منّة غيرك. فقال يزيد : هذا والله ما أردت.

٥٦٠ ـ مجادلة زين العابدينعليه‌السلام مع يزيد في آية من القرآن :

(المصدر السابق)

ثم قال يزيد : يا علي بن الحسين( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) [الشورى : ٣٠]. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : كلا ، ما هذه فينا نزلت ، إنما نزلت فينا:( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ٢٢لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (٢٣) [الحديد : ٢٢ ـ ٢٣]. فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا ، ولا نفرح بما آتانا منها.

وفي رواية الشعبي : ثم أمر أن يدخل عليه بعلي بن الحسينعليه‌السلام ، فأدخل والنسوة من خلفه. فقال يزيد : من أنت يا غلام؟. فقال له : يا يزيد أنت أعرف الناس بي ، أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قال يزيد : أليس قد قتل علي بن الحسين؟. قال : ذاك أخي علي الأوسط. قال يزيد : وإلى القتل آتي بك يا علي. ثم أمر بقتله ، فأخرج. فصاحت زينبعليه‌السلام : إلى أين يراد بك؟.فقالعليه‌السلام : إلى القتل. فصاحت أم كلثوم وزينب : وحسبك يا يزيد من دمائنا.نناشدك الله إن قتلته فاقتلنا (معه). فأمر بردّه.

٤٧٠

ثم قال : يا علي ، أراد أبوك أن يدعى بأمير المؤمنين ، فقطع الله شأفته ، ومنحني أعناقكم ؛ فأخذت أموالكم ، وقتلت رجالكم ، وسبيت نساءكم ، وأبطلت أحدوثتكم. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) (٢٢) [الحديد : ٢٢]. فرفع يزيد رأسه إليه ولم يضرب عنقه ، فأخرج من بين يديه. فصاحت به أم كلثوم : إلى أين يا حبيبي؟. فقال لها : إلى السيف يا عمة. فصاحت : وا غوثاه باللهعزوجل ، وا بقية من لا يبقى (من) سلالة نبي الهدى ، يا بقية ابن علي المرتضى.

قال : فضجّ الناس بالبكاء. فقال رجل من القوم : يا يزيد ردّ الغلام ، وإلا فأنت مقتول. فردّه.

٥٦١ ـ مجادلة الطفل محمّد الباقرعليه‌السلام ليزيد في محضر أبيه زين العابدينعليه‌السلام :

(نفس المهموم للشيخ عباس القمي ، ص ٤٣٧)

وفي (إثبات الوصية) للمسعودي ، ص ٣٠ :

فلما استشهد الحسينعليه‌السلام حمل علي بن الحسينعليه‌السلام مع الحرم ، وأدخل على اللعين يزيد. وكان لابنه محمّد الباقرعليه‌السلام سنتان وشهور ، فأدخل معه. فلما رآه يزيد قال له: كيف رأيت صنع الله يا علي؟. قال : رأيت ما قضاه اللهعزوجل قبل أن يخلق السموات والأرض.

فشاور يزيد جلساءه في أمره ، فأشاروا عليه بقتله ، وقالوا له الكلمة الخبيثة التي طويت كشحا عن نقلها. فابتدر أبو جعفر الباقرعليه‌السلام الكلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال ليزيد : لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه ، حيث شاورهم في موسى وهرون ، فإنهم قالوا له :( أَرْجِهْ وَأَخاهُ ) (١) [الشعراء : ٣٦].وقد أشار هؤلاء عليك بقتلنا ، ولهذا سبب. فقال يزيد : وما السبب؟. فقال : إن هؤلاء كانوا الرّشدة ، وهؤلاء لغير رشدة ، ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلا أولاد الأدعياء. فأمسك يزيد مطرقا.

__________________

(١) أرجه : أي أخّر أو احبس.

٤٧١

٥٦٢ ـ مجادلة بين يزيد وزين العابدينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٦٣)

فتقدم علي بن الحسينعليه‌السلام حتى وقف بين يدي يزيد وقال :

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم

وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا

فالله يعلم أنا لا نحبّكم

ولا نلومكم إن لم تحبّونا

فقال يزيد : صدقت!. ولكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين ، فالحمد لله الّذي قتلهما وسفك دماءهما.

ثم قال يزيد : (ايه) يا علي ، إن أباك قطع رحمي ، وجهل حقي ، ونازعني سلطاني ؛ فصنع الله به ما قد رأيت. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :

( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ ) [الحديد : ٢٢]. فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه يا بني!. فلم يدر خالد ما ذا يردّ. فقال يزيد :

( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) [الشورى : ٣٠].

فقال عليعليه‌السلام : هذا في حق من ظلم ، لا في حق من ظلم. ثم قالعليه‌السلام :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) [الزمر : ٤٢] ، فسكت يزيد. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : يابن معاوية وهند وصخر ، لم تزل النبوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد. ولقد كان جدي علي بن أبي طالبعليه‌السلام في يوم بدر وأحد والأحزاب ، في يده راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار. ثم جعل علي بن الحسينعليه‌السلام يقول:

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم :

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

وقال ابن نما : فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : فقلت وأنا مغلول : أتأذن لي في الكلام؟. فقال يزيد : قل ولا تقل هجرا. فقالعليه‌السلام : لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر. ما ظنك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآني في الغل؟. فقال لمن حوله : خلّوه.

٤٧٢

خطبة زينبعليه‌السلام بالشام

٥٦٣ ـ خطبة العقيلة زينبعليه‌السلام في مجلس يزيد في دمشق :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٢)

ولما سمعت زينبعليه‌السلام يزيد يتمثّل بأبيات ابن الزبعرى المتقدمة ، قامت وخطبت خطبتها المشهورة ، تعرّف الملأ فظاعة أعمال يزيد وتبيّن لهم أهداف أخيها الحسينعليه‌السلام من نهضته واستشهاده.

قالت : الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين. صدق الله سبحانه حيث يقول :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) [الروم : ١٠].

أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ، أنّ بنا على الله هوانا ، وبك عليه كرامة ، وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟!. فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك(١) ، [تضرب أصدريك فرحا ، وتنفض مذوريك مرحا] ، جذلان مسرورا ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا؟!. فمهلا مهلا ، [لا تطش جهلا] ، أنسيت قول الله تعالى :( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) [آل عمران : ١٧٨].

أمن العدل يابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ، على ظهور المطايا ؛ قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، وصحلت أصواتهن ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمعاقل(٢) ، ويتصفّح وجوههن القريب والبعيد ، والدني والشريف ، ليس معهن من حماتهن حميّ ، ولا من رجالهن وليّ!. وكيف ترتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء. وكيف يستبطأ في بغضنا ـ أهل البيت ـ من نظر إلينا بالشّنف والشنآن ، والإحن(٣) والأضغان؟!. ثم تقول غير متأثّم ولا مستعظم :

__________________

(١) شمخ الرجل بأنفه : تكبّر. وعطفا الرجل : جانباه ، والنظر في العطف : كناية عن الخيلاء.

(٢) يحدو بهن : أي يسوقهنّ سوقا شديدا. واستشرف الشيء : رفع بصره ينظر إليه.

(٣) الشّنف : البغض والتنكر. والإحن : جمع إحنة ، وهي الحقد.

٤٧٣

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة ، تنكتها بمخصرتك(١) .وكيف لا تقول ذلك ، وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة(٢) ، بإراقتك دماء ذرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب. وتهتف بأشياخك ، زعمت أنك تناديهم ، فلتردنّ وشيكا موردهم ، ولتودّنّ أنك شللت وبكمت ، ولم تكن قلت ما قلت ، وفعلت ما فعلت.

اللهم خذ لنا بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حماتنا.

فو الله [يا يزيد] ما فريت إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك. ولتردنّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحمّلت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ، في عترته ولحمته. حيث يجمع الله تعالى شملهم ، ويلمّ شعثهم ، ويأخذ بحقهم( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [آل عمران : ١٦٩].

وحسبك بالله حاكما ، وبمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصيما ، وبجبرائيل ظهيرا.وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين ،( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) ، وأيّكم شر مكانا وأضعف جندا.

ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك(٣) ، إني لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك. ولكن العيون عبرى ، والصدور حرّى.

ألا فالعجب كل العجب ، لقتل حزب الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء. فهذه الأيدي تنطف(٤) من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفّرها أمهات الفراعل(٥) . ولئن اتخذتنا مغنما ، لتجدنّنا

__________________

(١) المخصرة : كل ما اختصر الإنسان بيده فأمسكه ، من عصا ونحوها.

(٢) نكأت القرحة : قشرتها. والشأفة : قرحة تخرج في أسفل القدم ، فتكوى فتذهب ، وإذا قطعت مات صاحبها. واستأصل الله شأفته : أذهبه كما تذهب تلك القرحة ، أو معناه : أزاله من أصله.

(٣) ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ، يحتمل في [مخاطبتك] وجهان : الرفع أو النصب.

(٤) تنطف : تقطر.

(٥) العواسل : جمع عسّال ، وهو الذئب. والفراعل : جمع فرعل ، وهو ولد الضبع. (وفي رواية) تعفوها : أي تدرسها وتزيلها.

٤٧٤

وشيكا مغرما ، حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك ، وما ربك بظلّام للعبيد ، وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل.

فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا يرحض عنك عارها. وهل رأيك إلا فند(١) ، وأيامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي : ألا لعنة الله على الظالمين.

والحمد لله رب العالمين ، الّذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة. ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة. إنه رحيم ودود ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فقال يزيد مجيبا لها :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون النوح على النوائح

* * *

الشامي مع فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام

٥٦٤ ـ رجل أزرق أحمر من أهل الشام يطلب فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام جارية له :

(تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ص ٣٥٣)

فقام رجل من أهل الشام أحمر أزرق ، ونظر إلى وصيفة من بنات أهل البيتعليه‌السلام ، فقال ليزيد : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه!.

فقالت زينبعليه‌السلام : لا والله ، ولا كرامة لك ولا له ، إلا أن يخرج من دين الله.فأعادها الأزرق ، فقال له يزيد : كفّ.

٥٦٥ ـ زينبعليه‌السلام تشكك بإسلام يزيد :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٠٣)

وذكر هشام بن محمّد : أنه لما دخلت النساء على يزيد ، نظر رجل من أهل الشام أحمر ، إلى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وكانت وضيئة [أي جميلة]. فقال ليزيد : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه الجارية ، فإنهن لنا حلال.

__________________

(١) الفند : الكذب وضعف الرأي.

٤٧٥

قالت فاطمة : فارتعدت وظننت أن ذلك جائز عندهم ، فأخذت بثياب عمتي زينب ، وقلت : يا عمتاه ، أوتمت وأستخدم؟!. وكانت عمتي تعلم أن ذلك لا يكون.فقالت عمتي : لا حبا ولا كرامة لهذا الفاسق. وقالت للشامي : كذبت والله ولؤمت ، والله ما ذاك لك ولا له.

فغضب يزيد وقال : كذبت ، إن ذلك لي ، ولو شئت أن أفعل لفعلت. قالت زينبعليه‌السلام : كلا ، ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج عن ملتنا وتدين بغيرها.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٥ ط ٢ نجف :

صلّ إلى غير قبلتنا ، ودن بغير ملّتنا ، وافعل ما شئت.

فاستطار يزيد غضبا ، وقال : إياي تستقبلين بهذا؟. إنما خرج من الدين أبوك وأخوك. قالت زينبعليه‌السلام : بدين الله ودين أبي ودين جدي اهتديت أنت وجدك وأبوك إن كنت مسلما!. قال : كذبت يا عدوة الله. قالت : أنت أمير تشتم ظالما ، وتقهر بسلطانك!. قال : فو الله لكأنه استحيا فسكت.

ثم عاد الشامي فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية. فقال له يزيد :اعزب ، وهب الله لك حتفا قاضيا.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٦٢ : ويلك لا تقل ذلك ، فهذه بنت علي وفاطمة ، وهم أهل بيت لم يزالوا مبغضين لنا منذ كانوا.

٥٦٦ ـ الشامي يعاتب يزيد :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٣٧ ط ٣)

وفي بعض الكتب : قالت أم كلثوم للشامي الّذي طلبها جارية له : اسكت يا لكع الرجال. قطع الله لسانك ، وأعمى عينيك ، وأيبس يديك ، وجعل النار مثواك. إن أولاد الأنبياء لا يكونون خدمة لأولاد الأدعياء.

وفي رواية السيد ابن طاووس ، فقال الشامي : من هذه الجارية؟. فقال يزيد :هذه فاطمة بنت الحسين ، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب. فقال الشامي :الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب؟. قال : نعم. فقال الشامي : لعنك الله يا يزيد ، تقتل عترة نبيك وتسبي ذريته!. والله ما توهمت إلا أنهم (من) سبي الروم.فقال يزيد : والله لألحقنك بهم. ثم أمر به فضربت عنقه.

٤٧٦

صلب الرؤوس

مدخل :

الظاهر من الروايات أن يزيد بعد أن حقق رغبته في رؤية رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس أهله بين يديه ، أمر بها فصلبت في ثلاثة أماكن على الترتيب :

ـ على باب قصره.

ـ ثم على أبواب دمشق.

ـ ثم على أبواب المسجد الجامع.

فأما رأس الحسينعليه‌السلام فصلبه على باب قصره ثلاثة أيام ، واستنكرت زوجته هند عمله هذا ، ثم صلبه على أبواب دمشق ، ثم أنزله وجلبه إلى بيت منامه فبات ليلة ، فاستيقظت هند ليلا ورأت الأنوار تتصاعد منه إلى عنان السماء ، فتوعدته بالفراق ، فأخرجه من داره وصلبه على باب المسجد ، أو على منارة جامع دمشق أربعين يوما.

أما بقية الرؤوس فصلبت يوما على باب القصر ، وعدة أيام على أبواب المدينة ، ثم صلبت على أبواب المسجد الجامع.

٥٦٧ ـ صلب الرأس المقدس :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٥٨)

ثم أخرج الرأس من المجلس ، وصلب على باب القصر ثلاثة أيام(١) .

وأمر يزيد بالرؤوس أن تصلب على أبواب البلد والجامع الأموي ، ففعلوا بها ذلك(٢) .

٥٦٨ ـ استنكار هند بنت عمرو لصلب الرأس الشريف :(المصدر السابق)

فلما رأت هند بنت عمرو بن سهيل زوجة يزيد ، الرأس على باب دارها(٣) والنور

__________________

(١) الخطط المقريزية ، ج ٢ ص ٢٨٩ ؛ والإتحاف بحب الأشراف ، ص ٢٣ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٥ ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٠٤ ؛ وسير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٢١٦.

(٢) نفس المهموم للشيخ عباس القمي ، ص ٢٤٧.

(٣) مقتل العوالم ، ص ١٥١.

٤٧٧

الإلهي يسطع منه ، ودمه طري لم يجف ، ويشمّ منه رائحة ، طيبة(١) ، دخلت المجلس مهتوكة الحجاب ، ووثبت على يزيد وقالت : رأس ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصلوب على باب دارنا؟!. فقام إليها يزيد وغطاها ، وقال لها : أعولي عليه يا هند ، فإنه صريخة بني هاشم ، عجّل عليه ابن زياد فقتله ، قتله الله.

٥٦٩ ـ صلب رأس الحسينعليه‌السلام على منارة جامع دمشق :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٠٧)

في (كامل البهائي) : أمر يزيد برأس الحسينعليه‌السلام وسائر الرؤوس من أهل بيته وأصحابه أن تصلب عليأبواب البلد. وأفجع الفجائع هو أنه أمر بأن يصلب رأس الحسينعليه‌السلام على منارة جامع دمشق أربعين يوما ، وسائر الرؤوس على أبواب المساجد وأبواب البلد ، ويوما على باب دار يزيد.

٥٧٠ ـ نصب رأس الحسينعليه‌السلام حيث نصب رأس يحيىعليه‌السلام :

(حياة الإمام الحسين للسيد باقر شريف القرشي ، ج ٣ ص ٣٧٥)

وبعدما قضى الأثيم يزيد وطره من العبث برأس سيد شباب أهل الجنة ، نصبه في جامع دمشق ، في المكان الّذي نصب فيه رأس يحيى بن زكريا(٢) ، وقد علّق ثلاثة أيام(٣) .

وفي (تقويم البلدان) لأبي الفداء ، ص ٢٣٠ :

لما قتل يحيى بن زكرياعليه‌السلام نصب رأسه على باب المسجد المسمى باب جيرون. وعلى باب جيرون نصب رأس الحسين بن عليعليه‌السلام حيث نصب رأس يحيى بن زكرياعليه‌السلام .

٥٧١ ـ خالد بن معدان يختفي في الشام :

(مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ١٢٥ ط نجف)

عن العاصمي سمعت أبا الحسن علي بن محمّد الأديب يذكر بإسناد له ، أن رأس الحسين بن عليعليه‌السلام لما صلب بالشام ، اخفى خالد بن معدان (وهو من

__________________

(١) الخطط المقريزية ، ج ٢ ص ٢٨٤.

(٢) صبح الأعشى ، ج ٤ ص ٩٧.

(٣) تهذيب التهذيب ، ج ١ ص ١٥٧.

٤٧٨

أفضل التابعين) شخصه من أصحابه. فطلبوه شهرا فوجدوه ، فسألوه عن عزلته ، فقال لهم: أما ترون ما نزل بنا؟. ثم أنشدهم :

جاؤوا برأسك يابن بنت محمّد

متزمّلا بدمائه تزميلا

قتلوك عطشانا ولم يترقّبوا

في قتلك التنزيل والتأويلا

وكأنما بك يابن بنت محمّد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

ويكبّرون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

حبس السبايا في الخربة(١)

تمهيد :

بعد أن شفى يزيد حقده من سبايا أهل البيتعليه‌السلام أمر بهم إلى سجن أو حبس في مكان خرب ، قرب باب الفراديس (باب العمارة) ، غير بعيد عن قصره. وكان ذلك المكان مسجدا مهجورا يكاد أن يسقط. وكان لا يحميهم ولا يكنّهم من برد أو حرّ ، لأنه بدون سقف. وظلوا في هذا الحبس أياما حتى تقشرت وجوههم وجلودهم. وفي بعض الروايات باتوا فيه ثلاثة أيام ، وفي بعضها أكثر من ذلك حتى العشرين يوما.

وكان يزيد بين الفينة والأخرى ، يحضرهم إلى مجلسه ليشفي بقايا حقده وبغضه وكرهه لأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي بعض الروايات أنهم أنزلوهم بعد ذلك دارا تتصل بدار يزيد ، فأقاموا فيها أياما ، ثم نقلوهم إلى دار أخرى.

فإذا فرضنا أنهم أقاموا في الخربة من الجمعة إلى الجمعة ثمانية أيام [من ١ صفر إلى ٨ صفر] ، ثم نزلوا في دار يزيد ثلاثة أيام ، ثم أفردت لهم دار ليقيموا المأتم على الحسينعليه‌السلام سبعة أيام ؛ فتكون إقامتهم في دمشق على أقل تقدير ١٨ يوما.

٥٧٢ ـ حبس السبايا في الخربة :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٨)

يقول الفاضل الدربندي : هناك روايات كثيرة في هذا الشأن :

في (بصائر الدرجات) للصفار عن أحمد بن محمّد ، عن الأهوازي والبرقي

__________________

(١) الخربة والخربة : المكان الخراب.

٤٧٩

مرفوعا ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام يقول : لما أتي بعلي بن الحسينعليه‌السلام ومن معه إلى يزيد بن معاوية ، جعلوهم في بيت. فقال بعضهم : إنما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا ، فتراطن الحرس [أي تكلموا بلغة الرطانة] فقالوا : انظروا إلى هؤلاء يخافون أن يقع عليهم البيت ، وإنما يخرجون غدا فيقتلون!.

قال علي بن الحسينعليه‌السلام : لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري. والرطانة عند أهل المدينة هي اللغة الرومية.

ومن جملة ذلك ما رواه الصدوق في (الأمالي) عن ماجيلويه عن عمه عن نصر بن مزاحم عن لوط بن يحيى [أبو مخنف] عن الحرث بن كعب ، عن فاطمة بنت عليعليه‌السلام قالت : ثم إن يزيد أمر بنساء الحسينعليه‌السلام فحبسن مع علي بن الحسينعليه‌السلام في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ ، حتى تقشّرت وجوههم. ولم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط إلى أن خرج علي بن الحسينعليه‌السلام بالنسوة ، وردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء.

ومن جملة ذلك ما ذكره السيد في (اللهوف) :

قال الراوي : ووعد يزيد علي بن الحسين (ع) في ذلك اليوم [أي الأول] أن يقضي له ثلاث حاجات. ثم أمر بهم إلى منزل لا يكنّهم من حرّ ولا برد ، فأقاموا به حتى تقشّرت وجوههم. وكانوا مدة إقامتهم في البلد المشار إليه ينوحون على الحسينعليه‌السلام .

وفي (الأنوار النعمانية) للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٤٦ :

روى الصدوق في (الأمالي) عن فاطمة بنت عليعليه‌السلام أن يزيد أمر بنساء الحسينعليه‌السلام فحبسن مع علي بن الحسينعليه‌السلام في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا برد ، حتى تقشّرت وجوههم.

قال المدائني : موضع حبس الإمام زين العابدينعليه‌السلام هو اليوم مسجد.

٥٧٣ ـ آل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خربة بالشام :

(روضة الواعظين للفتال النيسابوري ، ص ١٩٢ ط نجف)

قالوا : ثم إن يزيد بن معاوية أمر ، فأنزلوا آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرائر النبوة والرسالة ، وبنات علي والزهراءعليه‌السلام في سكن لا يقي من حرّ ولا برد ، وليس فيه

٤٨٠

سقف يظلهم من حرارة الشمس ، فكانت الشمس تصهرهم في حرّ الظهيرة ، حتى تقشّرت وجوههم وجلودهم من حرارة الشمس.

٥٧٤ ـ مدة إقامة السبايا في الحبس :

يقول السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة في (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء) ص ١٥ : لم نقف على مدة إقامة السبايا في الشام ، إلا أنه قد ورد أنهم أقاموا شهرا في موضع لا يكنّهم من حرّ ولا برد (البحار ، ج ٢١ ص ٢٠٣)

ويقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٠٨ : إن سياق الروايات يعطي كثرة المدة وامتدادها. فإن فرضناها أقل من شهر ، فلا يجوز أن نفرضها أقل من عشرين أو خمسة عشر يوما.

اليوم الثاني من صفر

(يوم السبت ٢ صفر سنة ٦١ ه‍)

٥٧٥ ـ إحضار السبايا إلى مجلس يزيد مرة ثانية :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٩٧)

(وفي رواية) : إن يزيد دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثم دعا بعلي بن الحسينعليه‌السلام وصبيان الحسين ونسائهعليه‌السلام فأدخلوا عليه ، والناس ينظرون.

ثم قال يزيد لعلي بن الحسينعليه‌السلام : أبوك قطع رحمي ، وجهل حقي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ٢٢ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (٢٣) [الحديد : ٢٢ ـ ٢٣].

فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه ، فلم يدر خالد ما يردّ عليه. فقال له يزيد :لا( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (٣٠) [الشورى : ٣٠].

فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : يابن معاوية وهند وصخر ، لم تزل النبوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد. ولقد كان جدي علي بن أبي طالبعليه‌السلام في يوم بدر وأحد والأحزاب في يده راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار.

٤٨١

ثم قال علي بن الحسينعليه‌السلام : ويلك يا يزيد ، إنك لو تدري ماذا صنعت وما الّذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي ، إذا لهربت في الجبال ، وافترشت الرماد ، ودعوت بالويل والثبور ، أن يكون رأس الحسين بن فاطمة وعليعليه‌السلام منصوبا على باب مدينتكم ، وهو وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكم. فأبشر بالخزي والندامة إذا اجتمع الناس ليوم القيامة.

اليوم الرابع من صفر

٥٧٦ ـ رؤيا سكينة بنت الحسينعليه‌السلام بدمشق :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٨٣ ط نجف)

لما عرضت السبايا على يزيد في اليوم الرابع من إقامتهن في الخربة ، وحاول يزيد قتل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، قالت سكينة ليزيد : يا يزيد رأيت البارحة رؤيا ، إن سمعتها مني قصصتها عليك!. فقال يزيد : هاتي ما رأيت. فقالت سكينة :

رأيت البارحة في منامي كأن خمسة نجب من نور قد أقبلت ، وعلى كل نجيب [أي فرس] شيخ ، والملائكة محدقة بهم ، ومعهم وصيف يمشي. فمضت النّجب وأقبل الوصيف إليّ ، وقرب مني وقال : يا سكينة إن جدك يسلّم عليك. فقلت :لاوعلى رسول الله السلام. يا رسول رسول الله من أنت؟. قال : وصيف من وصائف الجنة. فقلت : من هؤلاء المشيخة الذين جاؤوا على النجب؟. قال : الأول آدم صفوة الله ، والثاني إبراهيم خليل الله ، والثالث موسى كليم الله ، والرابع عيسى روح الله. فقلت : من هذا القابض على لحيته ، يسقط مرة ويقوم أخرى؟. فقال : جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقلت : وأين هم قاصدون؟. قال : إلى أبيك الحسينعليه‌السلام . لافأقبلت أسعى في طلبه لأعرّفه ما صنع بنا الظالمون بعده. فبينما أنا كذلك ، إذ أقبلت خمسة هوادج من نور ، في كل هودج امرأة. فقلت : من هذه النسوة المقبلات؟. لا قال : الأولى حواء أم البشر ، والثانية آسية بنت مزاحم ، والثالثة مريم بنت عمران ، والرابعة خديجة بنت خويلد. والخامسة الواضعة يدها على رأسها ، تسقط مرة وتقوم أخرى ، فقلت : من؟. فقال : جدتك فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم أبيك [الحسين].فقلت : والله لأخبرنّها ما صنع بنا. فلحقتها ووقفت بين يديها أبكي وأقول : يا أماه جحدوا والله حقنا. يا أماه بدّدوا والله شملنا. يا أماه استباحوا والله حريمنا.

٤٨٢

يا أماه قتلوا والله الحسين أبانا!. فقالت : كفّي صوتك يا سكينة ، فقد أقرحت كبدي ، وقطّعت نياط قلبي. هذا قميص أبيك الحسينعليه‌السلام معي لا يفارقني ، حتى ألقى الله به.

ثم إن يزيد تركها ولم يعبأ بقولها.

٥٧٧ ـ يزيد يستشير النعمان بن بشير الأنصاري :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٥٩)

عن عكرمة بن خالد قال : أتي برأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية بدمشق ، فنصب. فقال يزيد : عليّ بالنعمان بن بشير. فلما جاء قال : كيف رأيت ما فعل عبيد الله بن زياد؟. قال : الحرب دول. فقال : الحمد لله الّذي قتله. فقال النعمان : قد كان أمير المؤمنين [يقصد معاوية] يكره قتله. فقال يزيد : ذلك قبل أن يخرج ، ولو خرج على أمير المؤمنين لقتله. قال النعمان : ما كنت أدري ما كان يصنع. ثم خرج النعمان.

فقال يزيد : هو كما ترون إلينا منقطع ، وقد ولاه أمير المؤمنين ورفعه ، ولكن أبي كان يقول : لم أعرف أنصاريا قط إلا يحب عليا وأهله ، ويبغض قريشا بأسرها.

الأيام التالية

رؤيا الطفلة رقيّةعليه‌السلام ووفاتها

ذكر المؤرخون أنه كان للإمام الحسينعليه‌السلام أربع بنات هن : فاطمة [أمها أم اسحق التيمية] ، وسكينة [أمها الرباب بنت امرئ القيس] ، وزينب

(ذكرها السيد الأمين في الأعيان ، ج ١ ص ٥٧٩) والظاهر أنها لم تحضر كربلاء ، وليس هناك أي خبر عنها. أما الرابعة فلا يذكرونها ، وليست هي إلا رقيّةعليه‌السلام ، ولعل سبب عدم ذكرها لأنها كانت طفلة صغيرة ، ولم تشترك في شيء من أحداث كربلاء. أما أمّها فالظاهر أنها [أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله التيمية] أم فاطمة.

وقد اشتهرت السيدة رقيةعليه‌السلام برؤياها التي رأتها حين كانت مع السبايا في الخربة عند باب الفراديس بدمشق ، وبطريقة وفاتها المأساوية التي تقطّع الأكباد.

٤٨٣

ـ مصادر وفاة رقيّة بنت الحسينعليه‌السلام :

ذكر قصة رؤيا رقيةعليه‌السلام ووفاتها العديد من المصادر ، نعدّ منها :

(١) ـ كامل البهائي [باللغة الفارسية] للشيخ عماد الدين الحسن بن علي الطبري الآملي. ألقّه عام ٦٧٥ ه‍ ، وهو أقدم مصدر للقصة. يذكر أنه نقل القصة عن كتاب (الحاوية).

(٢) ـ المنتخب في المراثي والخطب للطريحي.

(٣) ـ نفس المهموم للشيخ عباس القمي.

(٤) ـ أسرار الشهادة للدربندي ، المتوفى سنة ١٢٨٦ ه‍.

(٥) ـ مقتل العوالم للسيد محمّد بن أبي طالب الحسيني الحائري ، عنه ينقل المجلسي وصاحب (الإيقاد).

(٦) ـ بحار الأنوار للعلامة المجلسي ، المجلد العاشر.

(٧) ـ الإيقاد للسيد محمّد علي الشاه عبد العظيمي الحسني [ت ١٣٣٤ ه‍]

٥٧٨ ـ الحسينعليه‌السلام مسافر :

(روضة الواعظين للفتال النيسابوري ، ص ١٩٢ ط نجف)

نقل عن بعض التواريخ أن عائلة الحسينعليه‌السلام وأرامل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد قتل رجالهن يوم الطف ، وسبيهنّ من بلد إلى بلد ، كانوا يخفون على صغار الأطفال واليتامى قتل أوليائهم وآبائهم ، فإن بكى يتيم أو يتيمة أباه أو أخاه ناغوه باللطف ، وأخبروه بأنه في سفر ، وسوف يعود من سفره. فكانوا بهذا ونحوه يشغلون اليتامى والأطفال عن الشعور بألم اليتم ومرارة المصاب.

٥٧٩ ـ قصة رؤيا رقيةعليه‌السلام ووفاتها :

ذكر القصة مع تفاوت بسيط كل من (نفس المهموم) ص ٤١٦ ،

(والمنتخب) للطريحي ، ص ١٣٦ ، وكتاب (الإيقاد) للسيد الحسني. ونجمع الروايات الثلاث فيما يلي :

كان لمولانا الحسينعليه‌السلام بنت صغيرة يحبها وتحبه ، وقيل كانت تسمى رقيّة.وكان لها من العمر ثلاث أو أربع سنوات. ومن يوم استشهاده ما عادت تراه ، فعظم ذلك عليها واستوحشت لأبيها. وكانت مع الأسرى في الشام ، وكانت تبكي لفراق

٤٨٤

أبيها ليلا ونهارا. وكان أهلها كلما طلبته يقولون لها : هو في السفر ، وغدا يأتي ومعه ما تطلبين.

إلى أن كانت ليلة من الليالي ، فرأت أباها بنومها. فلما انتبهت صاحت وبكت وانزعجت ، وقالت : ائتوني بوالدي وقرة عيني ، فإني رأيته الساعة في المنام مضطربا شديدا. وكلما حاول أهل البيتعليه‌السلام إسكاتها ازدادت حزنا وبكاء. فعظم ذلك على أهل البيتعليه‌السلام ، فضجّوا بالبكاء وجددوا الأحزان ، ولطموا الخدود ، وحثوا على رأسهم التراب ، ونشروا الشعور ، وقام الصياح.

فانتبه يزيد من نومه ، وقال : ما الخبر؟. قالوا : إن بنت الحسين الصغيرة رأت أباها بنومها ، فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح.

فلما سمع يزيد ذلك قال : ارفعوا رأس أبيها ، وحطّوه بين يديها ، لتنظر إليه وتتسلى به. فجاؤوا بالرأس الشريف إليها في طبق مغطى بمنديل ديبقي ، ووضعوه بين يديها. فقالت : ما هذا؟. إني طلبت أبي ولم أطلب الطعام!. فقال : إن هناك أباك. فرفعت المنديل ورأت رأسا ، فقالت : ما هذا الرأس؟. قالوا لها : إنه رأس أبيك. فرفعته من الطشت وضمّته إلى صدرها وهي تقول :

يا أبتاه من ذا الّذي خضّبك بدمائك؟. يا أبتاه من ذا الّذي قطع وريدك؟. يا أبتاه من ذا الّذي أيتمني على صغر سني؟. يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟. يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟. يا أبتاه من للنساء الحاسرات؟. يا أبتاه من للأرامل المسبيّات؟. يا أبتاه من للعيون الباكيات؟. يا أبتاه من للضائعات الغريبات؟. يا أبتاه من للشعور المنشرات؟. يا أبتاه من بعدك وا خيبتنا!.

يا أبتاه من بعدك وا غربتنا!. يا أبتاه ليتني كنت لك الفدى. يا أبتاه ليتني كنت قبل هذا اليوم عميا. يا أبتاه ليتني وسّدت الثرى ، ولا أرى شيبك مخضبا بالدما.

ثم إنها وضعت فمها على فمه الشريف ، وبكت بكاء شديدا حتى غشي عليها.فلما حركوها فإذا بها قد فارقت روحها الدنيا.

فلما رأى أهل البيتعليه‌السلام ما جرى ، ارتفعت أصواتهم بالبكا ، وتجدد الحزن والعزا ، ومن سمع من أهل الشام بكاءهم بكى. فلم ير في ذلك اليوم إلا باك وباكية.

٤٨٥

وفي (معالي السبطين) ص ١٧٠ :

وأمر يزيد بغسلها وكفّنها ودفنها (في الخربة).

وفي (مقتل آل بحر العلوم) ص ٢٩٦ ط ٢ قال :

وذكر بعض الأكابر أن أم كلثوم كان جزعها وبكاؤها ونحيبها على تلك الطفلة أشد وأبلغ من باقي العيال ، فما كانت تهدأ وتسكن طيلة تلك المدة التي قضوها في الشام.

فقالت لها العقيلة زينب الكبرىعليه‌السلام : يا أخيّة ، ما هذا الجزع والبكاء والهلع؟. كلنا أصبنا بفقد هذه الطفلة ، ولم يخصّك المصاب وحدك!.

فقالت لها : يا أختاه لا تلوميني ، كنت واقفة عشية أمس بعد العصر ، وإلى جنبي هذه الطفلة [أي رقية] بباب الخربة ، في وقت انصراف أطفال أهل الشام من مدارسهم إلى بيوتهم وأهاليهم ، فكان بعضهم يقف بباب الخربة للتفرج علينا ثم يذهب. فقالت لي هذه الطفلة : عمّة ، إلى أين يذهب هؤلاء الأطفال؟. فقلت لها :إلى منازلهم وأهاليهم.

فقالت لي : عمّة ، ونحن ليس لنا منزل ولا مأوى غير هذه الخربة؟!.

وأنا يا أختاه كلما ذكرت هذا الكلام منها لم تهدأ لي زفرة ، ولم تسكن لي عبرة.

مجالس الشراب

٥٨٠ ـ يزيد يشرب الفقّاع على رأس الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٢)

عن (أمالي الصدوق) قال الإمام الرضاعليه‌السلام : أول من اتّخذ له الفقّاع [وهي البيرة] في الإسلام بالشام ، يزيد بن معاوية. فأحضر وهو على المائدة ، وقد نصبها على رأس الحسينعليه‌السلام ، فجعل يشربه ويسقي أصحابه ، ويقول : اشربوا فهذا شراب مبارك ، ومن بركته أنّا أول ما تناولناه ورأس الحسين عدونا بين أيدينا ، ومائدتنا منصوبة عليه. ونحن نأكل ونفوسنا ساكنة وقلوبنا مطمئنة.

٥٨١ ـ يزيد يلعب الشطرنج على رأس الحسينعليه‌السلام استبشارا بنصره :

(المصدر السابق ، ص ٩٣)

وفي (أمالي الصدوق) عن الفضل بن شاذان ، قال : سمعت الإمام الرضاعليه‌السلام

٤٨٦

يقول : لما حمل رأس الحسينعليه‌السلام إلى الشام ، أمر يزيد فوضع ، ونصبت عليه مائدة. فأقبل هو وأصحابه يأكلون ويشربون الفقّاع. فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طشت تحت سريره ، وبسط عليه رقعة الشطرنج ، وجلس يزيد يلعب بالشطرنج ، ويذكر الحسين وأباه وجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويستهزئ بذكرهم ، فمتى قمّر صاحبه [أي غلبه بالقمار] تناول الفقاع فشربه ثلاث مرات ، ثم صبّ فضلته مما يلي الطشت من الأرض.

ثم يقول الإمام الرضاعليه‌السلام : فمن كان من شيعتنا فليتورع من شرب الفقّاع واللعب بالشطرنج. ومن نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسينعليه‌السلام ، وليلعن يزيد وآل يزيد ، يمح اللهعزوجل بذلك ذنوبه ولو كانت كعدد النجوم.

٥٨٢ ـ تجرؤات يزيد على الدين وأهله :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٣)

عن (التبر المذاب) : شرب يزيد [الفقاع] ، ثم صبّ جرعة منه على رأس الحسينعليه‌السلام وقال : كيف رأيت يا حسين ، أتزعم أن أباك ساق على الحوض!.فإذا مررت عليه يومئذ فلا تسقني. وإن جدك حرّم آنية الذهب والفضة على الأمّة ، ها رأسك على الذهب. ويفخر أبوك بأنه قتل الأقران يوم بدر ، هذا بذاك.

رأس الجالوت بن يهوذا

٥٨٣ ـ سؤال رأس الجالوت [رئيس اليهود] ليزيد عن صاحب الرأس؟

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٨٧ ط ٣)

ودخل على يزيد رأس اليهود (واسمه رأس الجالوت) فرأى الرأس بين يديه ، فقال : ما هذا الرأس؟. فقال : رأس خارجي. قال : ومن هو؟. قال : الحسين.قال : ابن من؟. قال : ابن علي. قال : ومن أمه؟. قال : فاطمة. قال : ومن فاطمة؟. قال : بنت محمّد!. قال : نبيكم؟. قال : نعم. قال : لا جزاكم الله خيرا. بالأمس كان نبيكم ، واليوم قتلتم ابن بنته؟!. ويحك إن بيني وبين داود النبي نيّفا وثلاثين أبا ، فإذا رأتني اليهود كفّرت إليّ [أي عظّمتني بالخضوع والانحناء إلي].

ثم مال إلى الطست وقبّل الرأس ، وقال : أشهد ألا إله إلا الله ، وأن جدك محمدا رسول الله ، وخرج. فأمر يزيد بقتله.

٤٨٧

٥٨٤ ـ رأس الجالوت يستنكر على يزيد فعله :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٥ ط ٢)

قال أبو مخنف : وحضر عند يزيد رأس الجالوت ، فرآه يقلّب رأس الحسينعليه‌السلام بالقضيب ، فقال له : أتأذن لي أن أسألك يا يزيد؟. فقال : اسأل ما بدا لك. فقال له : سألتك بالله هذا رأس من؟ فما رأيت أحسن منه ولا من مضحكه!. فقال : هذا رأس الحسين بن علي ، خرج علينا بأرض العراق ، فقتلناه.

فقال رأس الجالوت : فبما استوجب هذا الفعل؟. فقال : ويلك دعوه أهل العراق وكتبوا إليه ، وأرادوا أن يجعلوه خليفة ، فقتله عاملي عبيد الله بن زياد ، وبعث إليّ برأسه.

فقال له : يا يزيد ، هو أحقّ منكم بما طلب ، وهو ابن بنت نبيكم.

ما أعجب أمركم ، إن بيني وبين داود نيفا وثلاثين جدا ، واليهود يعظّمونني

(ولا يرون التزويج إلا برضائي) ويأخذون التراب من تحت قدمي. وأنتم بالأمس كان نبيكم بين أظهركم ، واليوم شددتم على ولده فقتلتموه ، وسبيتم حريمه ، وفرّقتموهم في البراري والقفار!. إنكم لأشرّ قوم.

فقال له يزيد : ويلك أمسك عن هذا الكلام أو تقتل.

٥٨٥ ـ تعظيم اليهود لرأس الجالوت لأنه من نسل داودعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٩)

قال السيد ابن طاوس وابن نما : إنه قد روى ابن لهيعة عن أبي الأسود محمّد ابن عبد الرحمن ، قال : لقيني رأس الجالوت بن يهوذا ، فقال : والله إن بيني وبين داود لسبعين أبا ، وإن اليهود لتلقاني فتعظّمني ، وأنتم ليس بينكم وبين ابن نبيكم إلا أب واحد ، قتلتموه؟!.

٥٨٦ ـ حبر من أحبار اليهود ينتقد يزيد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٧١)

وروي أنه كان في مجلس يزيد هذا ، حبر من أحبار اليهود ، فقال : يا أمير المؤمنين من هذا الغلام؟. قال : علي بن الحسين. قال : فمن الحسين؟. قال : ابن علي بن أبي طالب. قال : فمن أمه؟. قال : فاطمة بنت محمّد!. فقال له الحبر : يا

٤٨٨

سبحان الله!. فهذا ابن بنت نبيكم ، قتلتموه في هذه السرعة ، بئسما خلّفتموه في ذريته. فو الله لو ترك نبينا موسى بن عمران فينا سبطا لظننت أنّا كنا نعبده من دون ربنا. وأنتم إنما فارقتم نبيكم بالأمس ، فوثبتم على ابنه وقتلتموه!. سوأة لكم من أمّة!. فأمر يزيد به فوجئ بحلقه.

فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاقتلوني ، وإن شئتم فذروني. إني أجد في التوراة : من قتل ذرية نبي ، فلا يزال ملعونا أبدا ما بقي ، فإذا مات أصلاه الله نار جهنم.

دخول جاثليق النصارى :

٥٨٧ ـ قصة جاثليق النصارى :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥١١)

بعد أن يذكر أبو مخنف قصة رأس الجالوت ، وأن يزيد أمر بقتله ، يقول : فبينما هو كذلك ، إذ دخل عليه جاثليق النصارى ، وكان شيخا كبيرا. فنظر إلى رأس الحسينعليه‌السلام وقال : ما هذا أيها الخليفة؟. فقال : هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : فبما استوجب القتل؟. قال : لأن أهل العراق دعوه ليجلس على الخلافة ، فقتله عاملي عبيد الله بن زياد ، وبعث إليّ برأسه.

فقال له جاثليق : اعلم أني كنت الساعة في البيعة [وهي معبد النصارى] ، وإذا قد سمعت رجفة شديدة ، فنظرت وإذا بغلام شاب كأن الشمس في وجهه ، وقد نزل من السماء ومعه رجال ، فقلت لبعضهم : من هذا؟. فقال لي : هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والملائكة من حوله يعزّونه على ولده الحسينعليه‌السلام .

ثم قال ليزيد : ارفع الرأس من بين يديك يا ويلك ، وإلا أهلكك الله. فقال له يزيد : جئتنا بأحلامك الكاذبة!. يا غلمان أخرجوه ، فجعلوا يسحبونه. ثم أمر بضربه فأوجعوه ضربا. فنادى : يا أبا عبد الله ، اشهد لي عند جدك ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فغضب يزيد ، فقال : اسلبوه روحه. فقال : يا يزيد إن شئت تضرب ، وإن شئت لم تضرب ، فهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقف بإزائي وبيده قميص من نور وتاج من نور ، وهو يقول لي :

٤٨٩

ليس بيني وبين أن أتوّجك بهذا التاج ، وألبسك هذا القميص ، إلا أن تخرج من الدنيا ، ثم أنت رفيقي في الجنة.

ثم قضى نحبه.

تذييل : قال الفاضل الدربندي :

المستفاد من هذه الروايات المذكورة ، أن يزيد كان يأمر بإحضار الرأس الشريف إلى مجلسه في كل يوم. بل المستفاد من جملة من الروايات أن يزيد كان كل يوم يحضر فيه الرأس الشريف إلى مجلسه ، كان ينكت ثناياه بمخصرته ، ويشتغل باللهو واللعب ، وشرب الخمور والمسكرات ، ويظهر السرور والفرح ، ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم. وظل يفعل ذلك إلى أن غلب عليه الخوف والخشية من ثوران الفتنة ، وهجوم الناس عليه وزوال دولته.

رسول ملك الروم

٥٨٨ ـ سؤال رسول قيصر عن صاحب الرأس الشريف :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٢ ط ٢ نجف)

حكى هشام بن محمّد عن أبيه عن عبيد بن عمير ، قال : كان رسول قيصر حاضرا عند يزيد ، فقال ليزيد : هذا رأس من؟. فقال : رأس الحسين. قال : ومن الحسين؟. قال: ابن فاطمة. قال : ومن فاطمة؟. قال : بنت محمّد!. قال :نبيكم؟. قال : نعم. قال : ومن أبوه؟. قال : علي بن أبي طالب. قال : ومن علي؟.قال : ابن عم نبينا. فقال : تبّا لكم ولدينكم ، ما أنتم وحقّ المسيح على شيء. إن عندنا في بعض الجزائر دير فيه حافر حمار ركبه عيسى السيد المسيحعليه‌السلام ، ونحن نحجّ إليه في كل عام من الأقطار ، وننذر له النّذر ، ونعظّمه كما تعظمون كعبتكم.فأشهد أنكم على باطل. ثم قام ولم يعد إليه.

ملاحظة :

قال السيد مرتضى العسكري في (مقدمة مرآة العقول للمجلسي) ج ٢ ص ٣٠٩ :

نستنتج من رواية الإمام زين العابدينعليه‌السلام التالية ، والتي ورد فيها أن يزيد كان يتّخذ مجالس الشراب على رأس الحسينعليه‌السلام ، أن مجالس يزيد التي وضع فيها الرأس ، هي مجالس متعددة وليس مجلسا واحدا.

٤٩٠

٥٨٩ ـ خبر رسول ملك الروم :

(اللهوف لابن طاووس ، ص ٧٩ ؛ والمنتخب للطريحي ، ص ٣٤٧ ط ٢)

روي عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام قال :

لما أتي برأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد ، كان يتخذ مجالس الشراب ، ويأتي برأس الحسينعليه‌السلام ويضعه بين يديه ، ويشرب عليه.

فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم ، وكان من أشراف الروم وعظمائهم. فقال : يا ملك العرب ، هذا رأس من؟. قال له يزيد : مالك بذلك حاجة. فقال : إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته ، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه ، حتى يشاركك في الفرح والسرور. فقال له يزيد :هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب. قال : ومن أمه؟. فقال : فاطمة الزهراء بنت محمّد المصطفى!.

فقال النصراني : أما تراني إذا حقّقت النظر إليه يقشعر جسمي ، وأسمعه يقرأ آيات من كتابكم!. أفّ لك ولدينك ، ديني خير من دينك. اعلم أن أبي من حوافد [جمع حفيد] داودعليه‌السلام وبيني وبينه آباء كثيرة ، والنصارى يعظّمونني ويأخذون من تراب أقدامي ، تبركا فيّ ؛ وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما بينكم وبينه إلا أم واحدة. فأي دين دينكم؟. فكأنكم

لم تصدّقوا نبيّكم حتى فعلتم به هكذا.

٥٩٠ ـ حديث كنيسة الحافر :(المصدران السابقان)

ثم قال ليزيد : هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟ فقال له : قل حتى أسمع. فقال :اعلم أن بين عمان والصين بحر مسيرة سنة ، ليس فيه عمران إلا بلدة واحدة وسط الماء ، طولها ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا ، ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ، ومنها يحمل الكافور والياقوت ، وأشجارهم العود والعنبر ، وهي في أيدي النصارى ، لا ملك لأحد الملوك فيها سواهم. وفي تلك البلدة كنائس كثيرة ، لكن أعظمها كنيسة الحافر. في محرابها حقّة من ذهب ، معلّق بها حافر ، يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسىعليه‌السلام . وقد زيّنوا حول الحقّة بالذهب والجواهر ، والديباج والأبريسم ، يقصدها في كل عام عالم من النصارى ، يطوفون حولها ويقبّلونها ، ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى ببركتها ؛ هذا شأنهم بحافر حمار

٤٩١

يزعمون أنه حمار كان يركبه عيسىعليه‌السلام نبيهم ، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيّكم!. فلا بارك الله تعالى فيكم ولا في دينكم.

وفي (المفيد في ذكرى السبط الشهيد) للسيد عبد الحسين إبراهيم العاملي ، ص ١٥٧ : فاحتار يزيد في أمره ، وماذا يردّ على النصراني!. فقال في جوابه جهلا وعنادا : لو لا أن بلغني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه من قتل ذميا كان خصمه يوم القيامة ، لقتلتك لأجل تعرّضك بهذا الكلام. فقال النصراني : وا عجبا لجهلك يا يزيد ، أيكون رسول الله خصم من قتل ذمّيا ، ولا يكون خصم من قتل أولاده وأحفاده؟!.

فاغتاظ يزيد وقال : اقتلوا هذا النصراني لكي لا يفضحنا في بلاده.

ـ إسلام الرجل النصراني :

فلما أحسّ النصراني بذلك ، قال له : أتريد أن تقتلني؟. قال : نعم ، لا بدّ من قتلك. فخرّ ساجدا إلى الأرض شكرا لله تعالى ، وقال : اعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام ، وهو يقول : يا نصراني ، أنت من أهل الجنة. فعجبت من كلامه غاية العجب.

ووثب إلى رأس الحسينعليه‌السلام ، وضمّه إلى صدره ، وجعل يقبّله ويبكي ، ونادى : السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين ورحمة الله وبركاته ، اشهد لي عند ربك وجدك وأبيك وأمك وأخيك ، بأني : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، وأن عليا وليّ الله.

فغاروا عليه بالسيوف وقطّعوه ،رحمه‌الله تعالى.

٥٩١ ـ قصة (عبد الوهاب) رسول ملك الروم الّذي أسلم على يد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأى شفقته على الحسن والحسينعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٨٩ ط ٣)

روي في بعض مؤلفات أصحابنا مرسلا ، أن نصرانيا أتى رسولا من ملك الروم إلى يزيد ، وقد حضر في مجلسه الّذي أتي إليه فيه برأس الحسينعليه‌السلام . فلما رأى النصراني رأس الحسينعليه‌السلام بكى وصاح وناح ، حتى ابتلّت لحيته بالدموع ، ثم قال :

اعلم يا يزيد ، أني دخلت المدينة [المنورة] تاجرا في أيام حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

٤٩٢

وقد أردت أن آتيه بهدية ، فسألت من أصحابه : أي شيء أحب إليه من الهدايا؟.فقالوا: الطّيب أحبّ إليه من كل شيء ، وأن له رغبة فيه.

قال : فحملت من المسك فارتين ، وقدرا من العنبر الأشهب ، وجئت بها إليه ، وهو يومئذ في بيت زوجته أم سلمة رضي الله عنها. فلما شاهدت جماله ازداد لعيني من لقائه نورا ساطعا ، وزادني منه سرور ، وقد تعلّق قلبي بمحبته. فسلّمت عليه ووضعت العطر بين يديه. فقال : ما هذا؟. قلت : هدية محقّرة أتيت بها إلى حضرتك. فقال لي : ما اسمك؟. فقلت : اسمي عبد الشمس. فقال لي : بدّل اسمك ، فإني أسمّيك (عبد الوهاب). إن قبلت مني الإسلام ، قبلت منك الهدية. قال : فنظرته وتأملته ، فعلمت أنه نبي ، وهو النبي الّذي أخبرنا عنه عيسىعليه‌السلام حيث قال : (إني مبشّر لكم برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد). فاعتقدت ذلك ، وأسلمت على يده في تلك الساعة. ورجعت إلى الروم ، وأنا أخفي الإسلام. ولي مدة من السنين ، وأنا مسلم مع خمس من البنين وأربع من البنات. وأنا اليوم وزير ملك الروم ، وليس لأحد من النصارى اطّلاع على حالنا.

ـ وزير ملك الروم يقصّ ليزيد ما رآه في حضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

واعلم يا يزيد أني يوم كنت في حضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في بيت أم سلمة ، رأيت هذا العزيز الّذي رأسه وضع بين يديك مهينا حقيرا ، قد دخل على جده من باب الحجرة ، والنبي فاتح باعه ليتناوله ، وهو يقول : مرحبا بك يا حبيبي ، حتى أنه تناوله وأجلسه في حجره ، وهو يقبّل شفتيه ، ويرشف ثناياه ، وهو يقول : بعد عن رحمة الله من قتلك ، لعن الله من قتلك ، لعن الله من قتلك يا حسين وأعان على قتلك.والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ذلك يبكي.

فلما كان اليوم الثاني كنت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده ، إذ أتاه الحسينعليه‌السلام مع أخيه الحسنعليه‌السلام وقال : يا جداه قد تصارعت مع أخي الحسن ، ولم يغلب أحدنا الآخر ، وإنما نريد أن نعلم أيّنا أشدّ قوة من الآخر. فقال لهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبيبيّ يا مهجتيّ ، إن التصارع لا يليق بكما ، ولكن اذهبا فتكاتبا ، فمن كان خطه أحسن كذلك ، تكون قوته أكثر.

قال : فمضيا وكتب كل واحد منهما سطرا ، وأتيا إلى جدهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعطياه اللوح ليقضي بينهما ، فنظر النبي إليهما ساعة ، ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما ، فقال

٤٩٣

لهما : يا حبيبيّ إني نبيّ أمّي ، لا أعرف الخط ، اذهبا إلى أبيكما ليحكم بينكما ، وينظر أيّكما أحسن خطا.

(أقول) : وهكذا حوّلهما جدهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبيهماعليه‌السلام ، وأبوهما حوّلهما إلى أمهما وهكذا ، حتى لا يحكم لأحدهما على الآخر ، إذ أن ذلك يكسر قلب أحدهما ، والنبي لا يرضى بذلك وقد أعرضت عن سرد القصة بالتفصيل لضعفها ، مع سموّ معناها ومغزاها.

ثم قال رسول الروم : فانظر يا يزيد كيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدخل على أحدهما ألم ترجيح الكتابة ، ولم يرد كسر قلبهما ، وكذلك أمير المؤمنين وفاطمةعليه‌السلام ، وكذلك ربّ العزة لم يرد كسر قلب أحدهما وأنت هكذا تفعل بابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!. أفّ لك ولدينك يا يزيد.

يوم الجمعة الثامن من صفر

في (كامل البهائي) : أمر يزيد اجتماع الناس في يوم الجمعة بإذن عام ، لاستماع خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

٥٩٢ ـ الخطيب الأموي الّذي اشترى مرضاة المخلوق بسخط الخالق :

في (وسيلة الدارين) ص ٣٨٧ :

قال السيد في (اللهوف) والمجلسي في (البحار) والشيخ عماد الدين في (كامل البهائي) : إن يزيد أمر بمنبر وخطيب ليخبر الناس بمساوئ الحسين وعليعليه‌السلام وما فعلا.

وفي (أسرار الشهادة) للدربندي ، ص ٥٠٥ :

ذكر في المناقب عن كتاب (الأمم) ، قال الأوزاعي : لما أتي بعلي بن الحسين ورأس أبيهعليه‌السلام إلى يزيد بالشام ، قال لخطيب بليغ : خذ بيد هذا الغلام فأت به المنبر ، وأخبر الناس بسوء رأي أبيه وجده وفراقهم الحق وبغيهم.

قال : ففعل الخطيب ما أمره يزيد بفعله ، فلم يدع شيئا من المساوئ إلا ذكره فيهم.

وفي (اللهوف) ص ٧٨ قال السيد ابن طاووس :

ودعا يزيد الخاطب وأمره أن يصعد المنبر فيذمّ الحسين وأباهعليه‌السلام . فصعد

٤٩٤

وبالغ في ذم أمير المؤمنين والحسين الشهيد صلوات الله عليهما ، والمدح لمعاوية ويزيد. فصاح به علي بن الحسينعليه‌السلام : ويلك أيها الخاطب ، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوّأ مقعدك من النار.

خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

على منبر مسجد دمشق

ثم قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام ليزيد : أتأذن لي أن أرقى هذه الأعواد ، فأتكلم بكلام ، فيه لله تعالى رضى ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب؟. فأبى يزيد.فقال خالد بن يزيد : ائذن له ، فشفّع الناس فيه فلم يقبل شفاعتهم. فقال ابنه معاوية وهو صغير السن : يا أبتاه ما قدر أن يأتي به ، ائذن له حتى يخطب. فقال يزيد : أنتم من أمر هؤلاء في شك. إنهم ورثوا العلم والفصاحة ، وأخاف أن يحصل من خطبته فتنة علينا.

فقال الناس : يا أمير المؤمنين ائذن له ليصعد ، فلعلنا نسمع منه شيئا. فقال لهم :إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان. فقالوا : وما قدر ما يحسن هذا؟. فقال : إنه من أهل بيت ورثوا العلم والفصاحة ، وزقّوا العلم زقّا

ولم يزالوا به حتى أذن له بالصعود.

٥٩٣ ـ خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام على منبر دمشق :

(وسيلة الدارين للزنجاني ، ص ٣٨٧)

فصعدعليه‌السلام المنبر وخطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، فقال فيها :

الحمد لله الّذي لا بداية له ، والدائم الّذي لا نفاد له ، والأول الّذي لا أوّل لأوّليته ، والآخر الّذي لا آخر لآخريّته ، والباقي بعد فناء الخلق. قدّر الليالي والأيام ، وقسّم فيما بينهم الأقسام ، فتبارك الله الملك العلّام.

إلى أن قال :

أيها الناس ، أعطينا ستا وفضّلنا بسبع : أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة ، والمحبة في قلوب المؤمنين. وفضّلنا بأن منا النبي

٤٩٥

محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المختار ، ومنا الصدّيق [يقصد علياعليه‌السلام ] ومنا الطيار ، ومنا أسد الله وأسد رسوله [يقصد الحمزة] ، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنة ؛ فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي :

أيها الناس ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الزكاة (الركن) بأطراف الردا ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حجّ ولبّى ، أنا ابن من حمل على البراق في الهوا ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنى فتدلّى فكان (من ربه) قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلا الله. أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكّائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين ، من آل طه ويس ، رسول رب العالمين. أنا ابن المؤيد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل. أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين ، وأول السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبير المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين. وناصر دين الله ، وولي أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علم الله. سمح سخيّ بهي ، بهلول(١) زكي أبطحي ، رضي مرضي. مقدام همام ، صابر صوّام ، مهذّب قوّام ، شجاع قمقام. قاطع الأصلاب ، ومفرّق الأحزاب. أربطهم جنانا(٢) ، وأطلقهم عنانا ، وأجرأهم لسانا.وأمضاهم عزيمة ، وأشدّهم شكيمة(٣) . أسد باسل ، وغيث هاطل. يطحنهم في

__________________

(١) البهلول من الرجال : الضحّاك.

(٢) ربط الجنان : كناية عن ملازمة الشريعة وترك المحارم.

(٣) شديد الشكيمة : شديد النفس ، أبيّ.

٤٩٦

الحروب ـ إذا ازدلفت الأسنة ، وقربت الأعنّة ـ طحن الرحى ، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم. ليث الحجاز ، وصاحب الإعجاز. وكبش العراق ، الإمام بالنص والاستحقاق. مكي مدني ، أبطحي تهامي ، حنيفيّ عقبي ، بدري أحدي ، هجري مهاجري. من العرب سيدها ، ومن الوغى ليثها. وارث المشعرين ، وأبو السبطين ، الحسن والحسينعليه‌السلام . مظهر العجائب ، ومفرّق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسد الله الغالب ، مطلوب كل طالب ، غالب كل غالب ، ذاك جدي علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ثم قالعليه‌السلام : أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيدة النساء ، أنا ابن الطهر البتول ، أنا ابن بضعة الرسول. أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن المقتول ظلما ، أنا ابن محزوز الرأس من القفا ، أنا ابن العطشان حتى قضى ، أنا ابن طريح كربلاء ، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء ، أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء ، أنا ابن من رأسه على السنان يهدى ، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تسبى.

ـ قيام الأذان :

فلم يزل يقول : أنا أنا ، حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة. فأمر المؤذن أن يؤذّن ، فقطع عليه الكلام. فلما قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر!. قال علي بن الحسينعليه‌السلام : كبّرت كبيرا لا يقاس ، ولا يدرك بالحواس. لا شيء أكبر من الله. فلما قال المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله!. قال عليعليه‌السلام : شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخي وعظمي. فلما قال المؤذن : أشهد أن محمدا رسول الله!. التفت علي من فوق المنبر إلى يزيد وقال :يا يزيد ، محمّد هذا جدي أم جدك؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت ، وإن قلت إنه جدي ، فلم قتلت عترته؟. ولم قتلت أبي وسبيت نساءه؟. فلم يردّ جوابا.

٥٩٤ ـ إعداد دار جديدة لإقامة السبايا ، مجاورة لدار يزيد :

قال : ولما فرغ المؤذن من الأذان والإقامة ، فتقدم يزيد وصلى صلاة الظهر.

وفي (الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٤٩ :

فلما فرغ يزيد من صلاته ، أمر بعلي بن الحسينعليه‌السلام وأخواته وعماته ، ففرّغ لهم دارا فنزلوها. وأقاموا أياما يبكون وينوحون على الحسينعليه‌السلام .

٤٩٧

(أقول) : ويظهر من هذا أن يزيد بدأ يعدّل من معاملته للسبايا وزين العابدينعليه‌السلام خوفا من نقمة الناس عليه ، بعد أن انكشفت لهم حقيقة الأمر ، وأن المصفّد بالحديد والمطوّق بالجامعة ، جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن المربوقة بالحبال هي زينب العقيلة ، التي أمها فاطمة الزهراء وجدها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ملاحظة :

يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٠٨ :

إن القرائن والشواهد تدل على أن احتجاجات الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام وخطبته السابقة ، كانت في بعض الأيام التي كان الحرم والسبايا فيها

في السجن والحبس ، لا في اليوم الأول الّذي وردوا فيه دمشق وأحضروا

في مجلس يزيد.

ومما يؤيد ذلك قولهم : " إن زين العابدين [بعد خطبته السابقة] أخذ ناحية باب المسجد ، فلقيه مكحول ، فقال : كيف أمسيت قال : أمسينا ..." فهذا يؤكد أن هذه الخطبة حصلت بعد نزول السبايا في الخربة.

٥٩٥ ـ مكحول يسأل زين العابدينعليه‌السلام : كيف أمسيت؟ :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٦٢ ط ٣)

فنزل علي بن الحسينعليه‌السلام من على المنبر ، فأخذ ناحية باب المسجد ، فلقيه مكحول صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وفي رواية : المنهال بن عمرو الضبابي) فقال له :كيف أمسيت يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال : أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون( يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ، وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) .

وفي (مناقب آل أبي طالب) لابن شهراشوب ، ج ٤ ص ١٦٨ :

وأمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منها ، وأمست قريش تفتخر على العرب بأن محمدا منها ، وأمسى آل محمّد مقهورين مخذولين. فإلى الله نشكو كثرة عدونا ، وتفرّق ذات بيننا ، وتظاهر الأعداء علينا.

٥٩٦ ـ قصة المنهال بن عمرو :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٦٧)

روى السيد نعمة الله الجزائري في (الأنوار النعمانية) عن منهال بن عمرو الدمشقي ، قال :

٤٩٨

كنت أتمشّى في أسواق دمشق ، وإذا أنا بعلي بن الحسينعليه‌السلام يمشي ويتوكأ على عصا في يده ، ورجلاه كأنهما قصبتان ، والدم يجري من ساقيه ، والصفرة قد غلبت عليه.

قال منهال : فخنقتني العبرة ، فاعترضته وقلت له : كيف أصبحت يابن رسول الله؟. قال : يا منهال وكيف يصبح من كان أسيرا ليزيد بن معاوية!. يا منهال والله منذ قتل أبي ، نساؤنا ما شبعت بطونهنّ ، ولا كسيت رؤوسهن ، صائمات النهار ونائحات الليل. يا منهال أصبحنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، فالحاكم بيننا وبينهم الله ، يوم فصل القضاء. يا منهال أصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منهم ، وتفتخر قريش على العرب بأن محمدا منها ، وإنا عترة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصبحنا مقتولين مذبوحين ، مأسورين مشرّدين ، شاسعين عن الأمصار ، كأننا أولاد ترك وكابل. هذا صباحنا أهل البيت ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم قالعليه‌السلام : يا منهال ، الحبس الّذي نحن فيه ليس له سقف. يا منهال لقد تقشّرت وجوهنا من حرارة الشمس ، والشمس تصهرنا ، ولا نرى الهواء [أي لا نخرج إلى الهواء] ، فأفرّ منه سويعة لضعف بدني ، وأرجع إلى عماتي وأخواتي خشية على النساء.

الإفراج عن السبايا

٥٩٧ ـ يزيد يستشير أهل الشام ماذا يفعل بالسبايا؟ :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة للدينوري ، ج ٢ ص ٨)

ثم استشار يزيد أهل الشام فيما يصنع بالسبايا ، فقال : يا أهل الشام ما ترون في هؤلاء؟. فقال رجل من أهل الشام : لا تتخذنّ من كلب سوء جروا!.

فقال له النعمان بن بشير [الأنصاري] : يا أمير المؤمنين ، اصنع بهم ما كان يصنع بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآهم بهذه الحال.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٦٦ : ثم استشار أهل الشام ماذا يصنع بهم؟.فقالوا له : لا تتخذ من كلب سوء جروا!. فقال النعمان بن بشير : انظر ما كان يصنعه بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاصنعه.

٤٩٩

فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام : يا يزيد ، بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !.

قال : فبكى يزيد حتى كادت نفسه تفيض ، وبكى أهل الشام حتى علت أصواتهم. ثم قال : خلّوا عنهم ، واذهبوا بهم إلى الحمّام واغسلوهم ، واضربوا عليهم القباب ، ففعلوا. وأمال عليهم المطبخ وكساهم ، وأخرج لهم الجوائز الكثيرة من الأموال والكسوة.

ثم قال يزيد : لو كان بينهم وبين عاضّ بظر أمّه [كناية عن أحطّ الناس قيمة] نسب ما قتلهم ، ارجعوا بهم إلى المدينة.

قال : فبعث بهم من صار بهم إلى المدينة.

٥٩٨ ـ دخول السبايا على نساء يزيد في داره :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٠٤ ط نجف)

ثم دخل نساء الحسينعليه‌السلام وبناته على نساء يزيد ، فقمن إليهن ، وصحن وبكين ، وبكين المأتم على الحسينعليه‌السلام .

٥٩٩ ـ إنزال السبايا في دار تتصل بدار يزيد :(الإرشاد للمفيد ، ص ٢٤٦)

ثم أمر يزيد بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة ، ومعهن علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، فأفرد لهم دارا تتصل بدار يزيد ؛ فأقاموا أياما.

وفي (تاريخ ابن عساكر) تراجم النساء ، ص ١٢٣ :

ثم أمر النسوة أن ينزلن في دار على حدة ، معهن أخوهن علي بن الحسينعليه‌السلام في الدار التي هو فيها.

قال : فخرجن حتى دخلن دار يزيد ، فلم يبق من آل معاوية بن أبي سفيان امرأة إلا استقبلتهن ، تبكي وتنوح على الحسينعليه‌السلام . وأقاموا عليه المناحة ثلاثة أيام.

٦٠٠ ـ إقامة المآتم على الحسينعليه‌السلام في دار يزيد ثلاثة أيام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٥ ط ٢ نجف)

وقال الزهري : لما دخلت نساء الحسينعليه‌السلام وبناته على نساء يزيد ، قمن إليهن وصحن وبكين ، وأقمن المآتم على الحسينعليه‌السلام .

ثم قال يزيد لعلي الأصغر : إن شئت أقمت عندنا فبررناك ، وإن شئت رددناك إلى المدينة. فقال : لا أريد إلا المدينة ، فردّه إليها مع أهله.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800