موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 492569 / تحميل: 5817
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

وقال الشعبي : لما دخلت نساء الحسينعليه‌السلام على نساء يزيد ، قلن :وا حسيناه. فسمعهن يزيد فقال :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٤ :

وأمر أن يدخلوا أهل بيت الحسينعليه‌السلام داره. فلما دخلت النسوة دار يزيد لم تبق امرأة من آل معاوية ، إلا استقبلتهن بالبكاء والصراخ ، والنياحة والصياح ، على الحسينعليه‌السلام ، وألقين ما عليهن من الحلي والحلل. وأقمن المأتم عليه ثلاثة أيام.

٦٠١ ـ أسباب إطلاق سراح السبايا من السجن :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٢٢)

يقول الفاضل الدربندي : الأسباب التي دعت يزيد إلى إطلاق آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السجن والحبس كثيرة ، فقد رأى ذلك المارق من الرأس الشريف ومن آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المعجزات الباهرات ، وخوارق العادات الساطعات ، ما لا يعدّ ولا يحصى.

منها : ما رآه في منامه من رؤيا هائلة في الليلة التي رأت فيها زوجته هند الرؤيا التي سنذكرها ، ويكشف عن ذلك قول هند : " فجعلت أطلب يزيد ، فإذا هو قد دخل إلى بيت مظلم ، وقد دار وجهه إلى الحائط ، وهو يقول : ما لي ولقتل الحسين الخ".

ومنها : ما رأته زوجته هند في منامها وقصّته له ، وسوف نذكرها صفحة ٦٧٣.

ومنها : ما رأته جارية في منامها ، وفيه أن جمعا من الملائكة كانوا يريدون حرق دار يزيد ومن فيها.

ومنها : ما رأته سكينةعليه‌السلام في منامها وقصّته عليه ، وقد مرّ ذكرها.

فهذه الأشياء قد أوقعت الرعب في قلب ذلك الكافر ، من جهة زوال ملكه وانصرام أجله. إلا أن السبب الأقوى هو ما نشأ في قلبه من الخوف والرعب بسبب وقوع المحادثات بين الناس في شأنه ، ونفور أهل الشام عنه ، وقرب ثوران الفتنة ، واحتمال هجوم الناس عليه.

٥٠١

ملاحظة :

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٢٥ :

في يوم إطلاق السبايا من الحبس ، استدعى زين العابدينعليه‌السلام من الحبس ، وكان يزيد يريد من زين العابدينعليه‌السلام أن يتفوه بكلمة حتى يقتله ، فمنعه الله.

٦٠٢ ـ خبر السّبحة :(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ٢٠٠)

قال العلامة المجلسي : روي أنه لما حمل علي بن الحسينعليه‌السلام إلى يزيد ، همّ بضرب عنقه. فأوقفه بين يديه ، وهو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله ، وعلي بن الحسينعليه‌السلام يجيبه حيثما (حسبما) يكلمه ، وفي يدهعليه‌السلام سبحة صغيرة يديرها بأصابعه وهو يتكلم. فقال له يزيد : أنا أكلمك وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يدك!. فكيف يجوز ذلك؟.

فقالعليه‌السلام : حدّثني أبي عن جدي ، أنه كان إذا صلى الغداة [أي صلاة الصبح] وانفتل ، لا يتكلم حتى يأخذ سبحة بين يديه ، فيقول : الله م إني أصبحت أسبّحك وأحمدك وأهلّلك وأكبّرك وأمجّدك ، بعدد ما أدير به سبحتي. ويأخذ السبحة في يده ويديرها ، وهو يتكلم بما يريد من أن يتكلم بالتسبيح. وذكر أن ذلك محتسب له ، وهو حرز له إلى أن يأوي إلى فراشه. فإذا أوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول ، ووضع السّبحة تحت رأسه ، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت. ففعلت هذا اقتداء بجدّي.

فقال يزيد : مرة بعد أخرى ، لست أكلّم أحدا منكم إلا ويجيبني بما يفوز به.وعفا عنه (ووصله ، وأمر بإطلاقه).

٦٠٣ ـ سبحة من تراب الحسينعليه‌السلام :(مجلة الموسم ، العدد ١٣ ص ٤٠)

أول ما ظهرت فكرة السّبحة التي حبّاتها من تراب ، حين استشهد حمزة عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة أحد.

يؤيد ذلك ما ورد في (مزار البحار) للمجلسي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : إن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت سبحتها من خيط صوف مفتول ، معقود عليه عدد التكبيرات ، وكانت تديرها بيدها تكبّر وتسبّح ، حتى قتل حمزة بن عبد المطلبعليه‌السلام فاستعملت تربته ، وعملت منها التسابيح ، فاستعملها الناس. فلما قتل الحسينعليه‌السلام عدل الأمر إليه ، فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية. ا ه.

٥٠٢

وأول من فعل ذلك الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، فبعد أن فرغ من دفن أبيه الحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأنصاره ، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف ، (فشدّ تلك التربة في صرّة) ، وعمل منها سجدة ومسبحة ، وهي السّبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد ، فسأله : ما هذه التي تديرها بيدك؟. فروى له خبرا عن جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤداه أن من يحمل السبحة صباحا ويقرأ الدعاء المخصوص ، لا يزال يكتب له ثواب التسبيح وإن لم يسبّح بها

وأول من صلّى على هذه التربة الإمام زين العابدينعليه‌السلام ثم ابنه الباقر ، ثم ابنه الصادقعليه‌السلام الّذي حثّ شيعته على الاقتداء به والسجود على تربة الحسينعليه‌السلام حتى صارت شعارا من شعارات الشيعة ، يتقربون بها إلى الله. ومما يؤثر عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «إن السجود على تربة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يخرق الحجب السبع». ولعل المراد بالحجب السبع الصفات الذميمة التي تحجب النفس عن أنوار الحق ، وكلها بحرف الحاء ، وهي [الحقد ، الحسد ، الحرص ، الحدّة ، الحماقة ، الحيلة ، الحقارة] ، وبالسجود على التربة الحسينية تزول هذه الحجب السبع ، وتحل محلها الحاءات السبع من الفضائل ، وهي [الحكمة ، الحزم ، الحلم ، الحنان ، الحصانة ، الحياء ، الحب].

اليوم التاسع من صفر

إكرام يزيد للإمام زين العابدينعليه‌السلام

٦٠٤ ـ إنزال يزيد لزين العابدينعليه‌السلام في داره الخاصة :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٢٤)

ورد في (المناقب) : ثم إن يزيد أنزلهم في داره الخاصة ، فما كان يتغدّى ولا يتعشّى حتى يحضر معه علي بن الحسينعليه‌السلام .

٦٠٥ ـ لماذا سمّى الحسينعليه‌السلام عدة من أولاده باسم علي؟ :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٧٥ ط ٣)

في كتاب (النسب) عن يحيى بن الحسن ، قال يزيد لعلي بن الحسينعليه‌السلام :وا عجبا لأبيك سمّى عليا وعليا.! فقالعليه‌السلام : إن أبي أحبّ أباه فسمّى باسمه مرارا.

٥٠٣

٦٠٦ ـ مبارزة بين عمرو بن الحسنعليه‌السلام وخالد بن يزيد :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٤٣ ط ٣)

قال : ودعا يزيد يوما بعلي بن الحسينعليه‌السلام ومعه عمرو بن الحسنعليه‌السلام وكان صغيرا ، يقال إن عمره إحدى عشرة سنة. فقال له يزيد : أتصارع هذا ، يعني ابنه خالد؟. فقال له عمرو : لا.

وفي (تاريخ الطبري) " قال : وما تصنع بمصارعتي إياه؟ ". ولكن أعطني سكينا وأعطه سكينا ، ثم أقاتله!.

قال يزيد : شنشنة أعرفها من أخزم(١) . وهل تلد الحية إلا حية!.

وفي رواية :

شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الأرقم غير الأرقم

إن العصا من العصيّة(٢)

هل تلد الحيّة إلا حيّة

تذييل :

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥١٢ :

يستفاد من إحدى الروايات أن إطلاق يزيد الحرم والسبايا من السجن والحبس الّذي كان في مسجد خراب ، كان في اليوم الّذي أمر يزيد عمرو بن الحسنعليه‌السلام بأن يصارع ابنه خالدا.

(أقول) : وهذا خالد بن يزيد هو الكيميائي المشهور ، وقد اعتزل السياسة.

__________________

(١) شنشنة أعرفها من أخزم : بيت من الرجز يضرب مثلا للرجل يشبه أباه. والشّنشنة : الطبيعة والخليقة والسجيّة. ويعني أن هؤلاء أشبهوا أباهم في العقوق. وأصل البيت قاله أبو أخزم الطائي ، وهو :

إن بنيّ زمّلوني بالدم

شنشنة أعرفها من أخزم

من يلق آساد الرجال يكلم

(٢) إن العصا من العصيّة ، مثل. والعصا : اسم فرس ، والعصية : اسم أمه. يراد به أن الفرس يشبه أباه وأمه في العرق والصفات. (المختار من مجمع الأمثال للميداني ، تقديم إسماعيل اليوسف ، إصدار دار كرم بدمشق ، ص ١١).

٥٠٤

رؤيا عجيبة

٦٠٧ ـ كرامة لرأس الحسينعليه‌السلام في بيت يزيد :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥١٢)

ذكر القطب الراوندي في (الخرايج والجرايح) بعد ذكر رأس اليهود

(الجالوت) كرامة لرأس الحسينعليه‌السلام . قال الراوي :

وأمر يزيد فأدخل الرأس القبة التي بإزاء القبة التي يشرب فيها [الفقّاع].

قال الرجل المشؤوم لسليمان الأعمش :

ووكلنا بالرأس ، وكل ذلك كان في قلبي ، فلم يحملني النوم في تلك القبّة. فلما دخل الليل وكّلنا أيضا بالرأس.

ـ نزول الملائكة والرسل لتعزية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٨٧ ط ٣)

فلما مضى وهن من الليل [أي نحو نصفه] سمعت دويا من السماء ، فإذا مناد ينادي : يا آدم اهبط ، فهبط أبو البشر ، ومعه خلق كثير من الملائكة. ثم سمعت مناديا ينادي : يا إبراهيم اهبط ، فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة.

ثم سمعت مناديا ينادي : يا موسى اهبط ، فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة. ثم سمعت مناديا ينادي : يا عيسى اهبط ، فهبط ومعه كثير من الملائكة. ثم سمعت دويّا عظيما ومناديا ينادي : يا محمّد اهبط ، فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة. فأحدق الملائكة بالقبة.

ثم إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل القبة وأخذ الرأس منها. (وفي رواية) : إن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قعد تحت الرأس (وهو على رمح) فانحنى الرمح ، ووقع الرأس في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأخذه وجاء به إلى آدم فقال : يا أبي يا آدم! ما ترى

ما فعلت أمتي بولدي من بعدي؟. فاقشعر لذلك جلدي.

ثم قام جبرئيلعليه‌السلام فقال : يا محمّد أنا صاحب الزلزال ، فأمرني لأزلزل بهم الأرض ، وأصيح بهم صيحة واحدة يهلكون فيها. قال : لا. فقال : يا محمّد دعني وهؤلاء الأربعين الموكلين بالرأس. قال : فدونك. فجعل ينفخ بواحد واحد ، فدنا

٥٠٥

مني ، فقال : تسمع وترى؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوه دعوه ، لا يغفر الله له ، فتركني.

٦٠٨ ـ قصة الثقفي :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥١٣)

هذه القصة رواها الشعبي عن الثقفي بنحو مفصّل ، وذلك حيث قال :

قال محمّد بن البجلي : حججت بيت الله الحرام ، فبينما أطوف فإذا برجل (وهو ثقفي) يقول : الله م إني أعوذ بك من القوم الظالمين ، لا يزيد على هذا. فتقدمت إليه وسألته عن سبب ذلك؟. فأخذ بيدي إلى شعب من شعاب مكة ويدي في يده.فجلس وجلست. فقال لي : هذا شعب من؟. قلت : شعب علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فقال : لا أقدر أن أقعد في شعب رجل كان مني عليه ما يسوؤه.فقلت : وما ذاك؟. فانحرف ناحية ، وقال : اعلم أني كنت من الأربعين رجلا الموكلين في الشام بحفظ رأس الحسينعليه‌السلام . وكنا إذا جاء الليل نجعله في صندوق ونقفله وننام عنده في بعض البيوت. فلما كانت ليلة من الليالي وقد نام أصحابي وأنا غير نائم ، وإذا بالسقف قد انشقّ ، وإذا قد نزل آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ، ثم نزل وفد من الملائكة والنبيين والمرسلين والصدّيقين والشهداء والصالحين ، فجلسوا أمام الصندوق. ونزل رجل أكثرهم نورا وأحسنهم وجها ، فنصب له كرسي من النور ، وقيل له : اجلس يا محمّد ، يا خاتم النبيين وسيد المرسلين. ونزل من بعده علي بن أبي طالب ، ونزل من بعده أربعة من الرجال ، ومناد يقول : اجلس يا حمزة ويا جعفر ، وانزل يا عقيل ويا عباس. فجلسوا إلى جانب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح الصندوق وأخرج منه رأس الحسينعليه‌السلام فظهر منه نور سدّ المشرق والمغرب ، فبكى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكت الأنبياء والملائكة عند رؤيته. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبي يا آدم ويا أبي نوح ويا أبي إبراهيم ، ويا أخي موسى ويا أخي عيسى ، ويا معاشر الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين والشهداء والصالحين ، انظروا ما فعلت أمتي بولدي الحسينعليه‌السلام .فقالوا : لعن الله أمّة فعلت هذا بولدك الحسينعليه‌السلام .

قال الثقفي : ثم إني سمعت مناديا ينادي : يا أيها الأنبياء والمرسلون والصالحون ، غضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم لتجوز أم البشر ، فإذا بها امرأة أشبه الناس بآدمعليه‌السلام . ثم نزلت مريم ثم آسية بنت مزاحم ، ثم سارة وصفراء ابنة

٥٠٦

شعيب. وإذا بنسوة كالبدور الطالعة ، وإذا بالنداء يأتي : أيها الأنبياء والحاضرون ، نكّسوا رؤوسكم لتجوز أم الغريب فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال الشعبي :

قال الثقفي : ومعها وفد من الملائكة ، فلحقت بالنسوة إلى جانب الصندوق.وجاءت خديجة ، ثم نادت فاطمة : يا أبه يا رسول الله ، ادفع لي رأس ولدي الحسينعليه‌السلام لأقبله ، فدفع إليها الرأس. فجعلت تقبّله وتبكي ، حتى بكى لبكائها أهل السماء. ثم قالت: يا أماه يا حواء ، ويا أختي مريم ويا صفراء ويا آسية ويا أمي خديجة ، ويا معاشر الأنبياء والرسل ، انظروا إلى ما فعلت أمة أبي بولدي ، بعدما فعلوا بأبيه علي وبأخيه الحسن من قبله. فقالوا : يا بنت رسول الله ، الحاكم بينك وبينهم الله رب العالمين وهو خير الحاكمين. فقالت : الحمد لله على ما ابتلي به أهل هذا البيت. ثم قامت والنسوة معها ، وتقدم آدم ومعه الأنبياء والشهداء والصالحون ، فعزّوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمصاب الحسينعليه‌السلام . ثم إنه ردّ الرأس إلى الصندوق.

ثم هبط خمسة من الملائكة ، فتقدم الأول وقال : السلام عليك يا محمّد ، إن الله أمرنا بطاعتك ، أنا ملك الريح ، مرني أسلط الريح عليهم فأقلّبهم ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

لا. فتقدم الثاني فقال : أنا ملك السموات ، مرني أطبق السماء عليهم ، قال : لا.فتقدم الثالث وقال : أنا ملك البحر ، مرني لأغرقهم فيه ، قال : لا. فتقدم الرابع وقال : أنا ملك الشمس ، مرني لأحرقهم ، قال : لا. فتقدم الخامس وقال : أنا ملك الأرض ، مرني أقلب بهم الأرض. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، دعوهم حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين.

ثم قالوا : يا محمّد ، إن الله قد أمرنا بقتل الموكلين بالرأس. فقال :

لا تبقوا منهم إلا رجلا واحدا يحدّث بما باشر ونظر. فقلت : أنا ذلك الرجل يا رسول الله. فأبقيت أنا ، وهلك القوم عن آخرهم. فهذه جملة ما أحدّث به.

فقال الراوي محمّد بن البجلي : قم عني ، فأنت من أهل النار!.

وقد روى الشبلنجي وغيره قصة مشابهة للسابقة ، ولكن ذكر أنها حدثت في بيت يزيد ، وهي التي سمّيناها قصة (أسلم).

٥٠٧

٦٠٩ ـ قصة أسلم :

روى هذه القصة عدة من علماء العامة ؛ منهم الخوارزمي في مقتله ، ج ٢ ص ٨٧ و ٨٨ ؛ ومنهم الشبلنجي في كتابه (نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار) ص ١٣٥ ، نقلا عن (شرح الشفاء) للعلامة التلمساني ، الفصل ٢٤ ، فيما أطلع الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الغيوب ، من ترجمة الحسينعليه‌السلام ؛ ومنهم الإسفرايني في (نور العين في مشهد الحسين) ص ١٠٥.

والقصة كرامة كبيرة للإمام الحسين وأهل البيتعليه‌السلام ، وهي :

روى سليمان [ابن مهران] الأعمش ، قال :

خرجنا ذات سنة حجاجا لبيت الله الحرام ، وزيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فبينا أنا أطوف البيت ، إذا رجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : (اللهمّ اغفر لي ، وما أظنّك تفعل!). فلما فرغت من طوافي ، قلت : سبحان الله العظيم ،

ما كان ذنب هذا الرجل؟. فتنحّيت عنه ، ثم مررت به مرة ثانية ، وهو يقول :

(اللهمّ اغفر لي ، وما أظنّك تفعل!). فلما فرغت من طوافي قصدت نحوه فقلت : يا هذا ، إنك في موقف عظيم يغفر الله فيه الذنوب العظام ، ولو كانت مثل قطر الأمطار وورق الأشجار فلو سألت منهعزوجل المغفرة والرحمة لرجوت أن يفعل ، فإنه منعم كريم. فقال : يا عبد الله من أنت؟. فقلت : أنا سليمان الأعمش. فقال : يا سليمان إياك طلبت ، وقد كنت أتمنى مثلك. فأخذ بيدي وأخرجني من داخل الكعبة إلى خارجها.

فقال لي : يا سليمان ، ذنبي عظيم. فقلت : يا هذا أذنبك أعظم أم الجبل أم السموات أم الأرضون أم العرش؟!.

فقال لي : يا سليمان ، ذنبي أعظم. مهلا عليّ حتى أخبرك بعجب رأيته. فقلت له : تكلم رحمك الله. فقال لي : يا سليمان ، أنا من السبعين رجلا الذين أتوا برأس الحسين بن عليعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية ، فأمر بالرأس فنصب خارج المدينة ، وأمر بإنزاله ووضع في طست من ذهب ، ووضع ببيت منامه.

هند زوجة يزيد ترى النور ينبعث من الرأس الشريف :

قال : فلما كان في جوف الليل ، انتبهت امرأة يزيد [وهي هند بنت عمرو بن سهيل] فإذا شعاع ساطع إلى السماء ، ففزعت فزعا شديدا. وانتبه يزيد من منامه ،

٥٠٨

فقالت له : يا هذا قم ، فإني أرى عجبا. (قال) فنظر يزيد إلى ذلك الضياء ، فقال لها : اسكتي ، فإني أرى كما ترين. [لكن هذه المرأة الحرة أنكرت على يزيد عمله لما أبصرت الرأس والأنوار النبوية تتصاعد منه إلى عنان السماء ، وشاهدت الدم يتقاطر طريا ويشمّ منه رائحة طيبة. فما كان منها إلا أن أعولت وهددته بالفراق ، إذا لم يخرج الرأس الشريف من القصر].

(قال) فلما أصبح من الغد ، أمر بالرأس فأخرج إلى فسطاط هو من الديباج الأخضر ، وأمر بالسبعين رجلا فخرجنا إليه نحرسه ، وأمر لنا بالطعام والشراب ، حتى غربت الشمس ومضى من الليل ما شاء الله ، ورقدنا.

نزول الأنبياء من السماء :

فاستيقظت ، ونظرت نحو السماء ، وإذا بسحابة عظيمة ولها دويّ كدويّ الجبال وخفقان أجنحة. فأقبلت حتى لصقت بالأرض ، ونزل منها رجل وعليه حلّتان من حلل الجنة ، وبيده درانك [أي بسط] وكراسي. فبسط الدرانك وألقى عليها الكراسي ، وقام على قدميه ، ونادى : انزل يا أبا البشر ، انزل يا آدم صلّى الله عليك وسلّم. فنزل رجل أجمل ما يكون من الشيوخ شيئا ، فأقبل حتى وقف على الرأس ، وقال : السلام عليك يا ولي الله. السلام عليك يا بقية الصالحين. عشت سعيدا وقتلت طريدا. ولم تزل عطشانا حتى ألحقك الله بنا. رحمك الله ، ولا غفر لقاتلك. الويل لقاتلك غدا من النار. ثم زال وقعد على كرسي من تلك الكراسي.

(قال) يا سليمان ، ثم لم ألبث إلا يسيرا ، وإذا بسحابة أخرى أقبلت حتى لصقت بالأرض ، فسمعت مناديا يقول : انزل يا نبي الله ، انزل يا نوح ، وإذا برجل أتمّ الرجال خلقا ، وإذا بوجهه صفرة ، وعليه حلّتان من حلل الجنة. فأقبل حتى وقف على الرأس ، فقال : السلام عليك يا عبد الله. السلام عليك يا بقية الصالحين.قتلت طريدا وعشت سعيدا. ولم تزل عطشانا حتى ألحقك الله بنا. غفر الله لك ، ولا غفر لقاتلك. الويل لقاتلك غدا من النار. ثم زال فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

(قال) يا سليمان ، ثم لم ألبث إلا يسيرا ، وإذا بسحابة أعظم منها ، فأقبلت حتى لصقت بالأرض. فقام الأذان ، وسمعت مناديا ينادي : انزل يا خليل الله ، انزل يا إبراهيم صلى الله عليك وسلم. وإذا برجل ليس بالطويل العالي ولا بالقصير

٥٠٩

المتداني ، أبيض الوجه ، أملح الرجال شيبا. فأقبل حتى وقف على الرأس ، فقال :السلام عليك يا عبد الله. السلام عليك يا بقية الصالحين. قتلت طريدا وعشت سعيدا. ولم تزل عطشانا حتى ألحقك الله بنا. غفر الله لك ، ولا غفر لقاتلك.الويل لقاتلك غدا من النار. ثم تنحّى فقعد على كرسي من تلك الكراسي.

ثم لم ألبث إلا يسيرا ، فإذا بسحابة عظيمة ، فيها دويّ كدويّ الرعد وخفقان أجنحة ، فنزلت حتى لصقت بالأرض. وقام الأذان ، فسمعت قائلا يقول : انزل يا نبي الله ، انزل يا موسى بن عمران. فإذا رجل أشدّ الناس في خلقه ، وأتمّهم في هيبته ، وعليه حلّتان من حلل الجنة. فأقبل حتى وقف على الرأس ، فقال مثلما تقدم. ثم تنحّى فجلس على كرسي من تلك الكراسي.

ثم لم ألبث إلا يسيرا ، وإذا بسحابة أخرى ، وإذا فيها دويّ عظيم وخفقان أجنحة ، فنزلت حتى لصقت بالأرض. وقام الأذان ، فسمعت قائلا يقول : انزل يا عيسى ، انزل يا روح الله. فإذا أنا برجل محمّر الوجه وفيه صفرة ، وعليه حلّتان من حلل الجنة. فأقبل حتى وقف على الرأس ، فقال مثل مقالة آدم ومن بعده. ثم تنحّى فجلس على كرسي من تلك الكراسي.

ثم لم ألبث إلا يسيرا ، وإذا بسحابة عظيمة ، فيها دويّ كدويّ الرعد والرياح وخفقان أجنحة ، فنزلت حتى لصقت بالأرض. فقام الأذان ، وسمعت مناديا ينادي :انزل يا محمّد ، انزل يا أحمد صلى الله عليك وآلك وسلّم. وإذا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليه حلّتان من حلل الجنة ، وعن يمينه صفّ من الملائكة والحسن [وعلي] وفاطمةعليه‌السلام . فأقبل حتى دنا من الرأس ، فضمّه إلى صدره وبكى بكاء شديدا ، ثم دفعه إلى أمه فاطمةعليه‌السلام فضمته إلى صدرها وبكت بكاء شديدا ، حتى علا بكاؤها ، وبكى لها من سمعها في ذلكالمكان.

فأقبل آدمعليه‌السلام حتى دنا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : السلام على الولد الطيّب ، السلام على الخلق الطيّب ، أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك في ابنك الحسين. ثم قام نوحعليه‌السلام فقال مثل قول آدم. ثم قام إبراهيمعليه‌السلام فقال كقولهما.

ثم قام موسى وعيسىعليه‌السلام فقالا كقولهم كلهم ، يعزّونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ابنه الحسينعليه‌السلام .

ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبي آدم ، ويا أبي نوح ، ويا أبي إبراهيم ، ويا أخي

٥١٠

موسى ، ويا أخي عيسى ، اشهدوا ـ وكفى بالله شهيدا ـ على أمتي بما كافؤوني في ابني وولدي من بعدي.

فدنا منه ملك من الملائكة ، فقال : قطّعت قلوبنا يا أبا القاسم. أنا الملك الموكل بسماء الدنيا ، أمرني الله تعالى بالطاعة لك ، فلو أذنت لي أنزلها على أمتك فلا يبقى منهم أحد.

ثم قام ملك آخر ، فقال : قطّعت قلوبنا يا أبا القاسم ، أنا الملك الموكّل بالبحار ، وأمرني الله بالطاعة لك ، فإن أذنت لي أرسلتها عليهم فلا يبقى منهم أحد.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربي ، كفّوا عن أمتي ، فإن لي ولهم موعدا لن أخلفه.

فقام إليه آدمعليه‌السلام فقال : جزاك الله خيرا من نبيّ أحسن ما جوزي به نبيّ عن أمته.

فقال له الحسنعليه‌السلام : يا جداه ، هؤلاء الرقود هم الذين يحرسون أخي ، وهم الذين أتوا برأسه. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملائكة ربي ، اقتلوهم بقتلة ابني. فو الله ما لبثت إلا يسيرا حتى رأيت أصحابي قد ذبحوا أجمعين.

(قال) فلصق بي ملك ليذبحني ، فناديته : يا أبا القاسم أجرني وارحمني يرحمك الله. الأمان الأمان يا رسول الله. فقال : كفّوا عنه. ودنا مني وقال : أنت من السبعين رجلا؟. فقلت : نعم. فألقى يده في منكبي وسحبني على وجهي ، وقال :اذهب لا رحمك الله ، ولا غفر لك. أحرق الله عظامك بالنار. فلذلك أيست من رحمة الله. فلما أصبحت رأيت أصحابي جاثمين رمادا.

فقال الأعمش : إليك عني ، فإني أخاف أن أعاقب من أجلك.

(وفي رواية أخرى) أن هذا الشخص الّذي حمل رأس الحسينعليه‌السلام واسمه [أسلم] نام فرأى في منامه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستقبل الحسينعليه‌السلام في الجنة ، ويرى نار جهنم قد أضرمت لعقابه ، هو وأصحابه السبعون ، ثم فاق مذعورا ، ومن بعد ذلك لم تر عينه النوم.

وقد نظم الشاعر هذا المعنى ، فقال :

طاف بالروضة الشريفة [أسلم]

خائر العزم كالبناء المهدّم

يمسح الستر باليدين ويبكي

كالغلام اليتيم بل هو أيتم

٥١١

صائحا والدموع بلّت لحاه :

(يا رحيما وما أظنّك ترحم)

ورآه فتى فأشفق منه

إذ رآه هناك يدعو فيأثم

قال يا شيخ ، أفي المقام وتدعو

دعوة اليأس إن ربك أرحم

أقتلت النفوس من غير ذنب

قال : يا ليت ، إن ذنبي أعظم

قال يا شيخ ، هل ظلمت يتيما

قال : بل إنني لأطغى وأظلم

قال هل كنت قد فتكت بعرض

وتلذّذت بالشراب المحرّم

قال يا ليت إنني جئت أمرا

روّع البيت والحطيم وزمزم

قال يا شيخ ، هل كفرت بربّ

إنما الكفر في الذنوب المقدّم

قال إني فعلت أكبر منه

ذنب إبليس من ذنوبي أرحم

قال يا شيخ ، رحمة الله عمّت

كلّ من غاص في الذنوب وأجرم

إن في زورة النبي غياثا

وتراب النبي برء وبلسم

قم فحدّث بما فعلت لعلي

بالذي قد فعلت أدرى وأعلم

ربما كان ما فعلت يسيرا

ربما كنت جاهلا تتوهّم

* * *

قال إني شهدت قتل حسين

حينما حلّ في العراق وخيّم

فأخذنا الطريق طولا وعرضا

وتركناه ظامئا يتألّم

وسيوف اللعين تنهل منه

وهو بالسيف ضاربا يتقدّم

لم أجد في الوجود أشجع قلبا

من حسين ولا أعزّ وأعظم

مات أنصاره وبعض بنيه

وهو كالطود شامخا ليس يهزم

ضربات اللعين تأخذ منه

أخذات وبعدها تتحطّم

والشهيد العظيم ينظر للمو

ت ويتلو من الكتاب المعظّم

عينه للسماء تنظر للغي

ب وما زال ثغره يتبسّم

ميتة للشهيد فيها حياة

وسكون لفتنة تتكلّم

والسموات بالرعود تدوّي

وهي في حلكة الغراب وأسحم

باكيات بدمعها صارخات

وهي غضبى على الورى تتجهّم

والأسارى وزينب في الأسارى

مشهد قطّع القلوب ودمدم

وأنا قد حملت رأس حسين

ليزيد ، غنمت أشأم مغنم

ويزيد الأثيم ناكث عهد

بين قوم يتيه زهوا وينعم

٥١٢

يتشفّى للمشركين ببدر

من ذويه وهم وقود جهنم

نسي الدين والشريعة والعه

د وأمسى بعصبة الشرك يحكم

ثم مال الكرى بعيني فنامت

وضميري بهم كسهم مسمّم

وإذا بي أرى الحسين صحيحا

وعليه النبي صلّى وسلّم

قد شهدت الحسين جسما ورأسا

فكأن لم يكن يحزّ ويقصم

وأرى مجلس النبوة ضمّت

دفّتاه على الشهيد المكرّم

من بني هاشم وآل عليّ

والإمام الّذي له الله كرّم

ويقول النبيّ : قرّة عيني

يا حسين أأنت ترمى وتظلم

والإمام الشهيد يخطر فرحا

ن كبدر على جواد مطهّم

تتمنى الجنان لثم ثنايا

مشرقات به ووجه ملثّم

أزلفت جنّة وصفّفن حور

من حواليه كالجمان المنظّم

وإذا النار سعّرت وإذا بي

في رفاقي على شفير جهنم

في كلاليب من لظى وسعير

نترامى على الجحيم ونرجم

ويزيد أمامنا ، والبلايا

طوّقت شمر مع سنان الغشمشم

كلّ ملك بناه بعد حسين

علم الله لا يباع بدرهم

وأشار النبي نحوي فأحسس

ت بنار مهجتي تتضرّم

من منامي أفقت مسلوب رشد

شارد اللبّ ذا ضمير محطّم

لا أذوق المنام إلا لماما

وإذا نمت ذلّتي تتجسّم

الفضاء الرحيب قد ضاق عني

وأنا في إطار سور محكّم

أعجيبا أن قد سمعت مقالي :

(يا رحيما وما أظنّك ترحم)

صرخ السامع الرحيم صراخا

كالذي قد أحسّ لدغة أرقم

ويلك اخرج من الحجاز لئلا

تحرق البيت والحطيم وزمزم

خرج المذنب الغشوم من المي

دان يسعيكسعي أعميو أبكم

هائما كالبهيم في رقعة الأر

ض وأشقى من البهيم وأبهم

صائحا والدموع بلّت لحاه

(يا رحيما وما أظنّك ترحم)

٥١٣

رؤيا هند

٦١٠ ـ رؤيا هند زوجة يزيد :(مدينة المعاجز ، ص ٢٧٤ ط حجر طهران)

روي عن هند بنت عبد الله زوجة يزيد ، قالت :

كنت أخذت مضجعي [أي نمت] فرأيت بابا من السماء وقد فتح ، والملائكة ينزلون كتائب كتائب ، إلى رأس الحسينعليه‌السلام وهم يقولون : السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يابن رسول الله. فبينما أنا كذلك إذ نظرت إلى سحابة قد نزلت من السماء ، وفيها رجال كثير ، وفيهم رجل درّي اللون قمري الوجه ، فأقبل يسعى حتى انكبّ على ثنايا الحسينعليه‌السلام وقبّلها ، وهو يقول : ولدي قتلوك ، تراهم ما عرفوك ، ومن شرب الماء منعوك!.

يا ولدي أنا جدك رسول الله ، وهذا أبوك علي المرتضى ، وهذا أخوك الحسن ، وهذا عمك جعفر ، وهذا عقيل ، وهذان حمزة والعباس ، ثم جعل يعدّد أهل بيته واحدا بعد واحد.

قالت هند : فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة ، وإذا بنور قد انتشر على رأس الحسينعليه‌السلام . فجعلت أطلب يزيد ، وهو قد دخل إلى بيت مظلم ، وقد أدار وجهه إلى الحائط ، وهو يقول : ما لي وللحسين ، وقد وقعت عليه الغمومات.فقصصت عليه المنام وهو منكس الرأس.

قال الراوي : فلما أصبح استدعى بحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لهن : أيما أحب إليكن ؛ المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة؟. ولكم الجائزة السنيّة!.

٦١١ ـ السبايا يطلبن النواحة على الحسينعليه‌السلام سبعة أيام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٢٣)

فقلن : نحب أن ننوح على الحسينعليه‌السلام . قال : فأمر يزيد ، فأفسحوا لهن دارا ، وهيؤوا لهن كل شيء يحتاج إليه. (وفي رواية : ثم أخلت لهن الحجر والبيوت في دمشق). وجعلن ينحن على الحسينعليه‌السلام ، فلم يبق في دمشق قرشية إلا لبست السواد ، وجعلن يبكين على الحسينعليه‌السلام سبعة أيام.

فلما كان اليوم الثامن عرض عليهن ، وخيّرهن بين المقام عنده ، أو المسير إلى المدينة المشرفة ؛ فاخترن المسير إلى المدينة.

(انتهت رواية أبي مخنف ، ويوافق ذلك ما ورد في البحار).

٥١٤

وفي مخطوطة (مصرع الحسين) ـ مكتبة الأسد ، ص ٦٣ :

قال السبايا : فنحبّ أن ننوح على الحسينعليه‌السلام ونندبه.

قال أبو مخنف : فأخلى لهم يزيد دارا تعرف بدار الأحزم وأقاموا عليه النوح أسبوعا.

٦١٢ ـ إقامة المأتم على الحسينعليه‌السلام سبعة أيام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٠٩)

وفي (القمقام) : ثم أرسلت زينبعليه‌السلام إلى يزيد تسأله الإذن أن يقمن المآتم على الحسينعليه‌السلام فأجاز ذلك. وأنزلهن في دار الحجّارة ؛ فأقمن المآتم هناك سبعة أيام ، ويجتمع عندهن في كل يوم جماعة كبيرة لا تحصى من النساء.

٦١٣ ـ معاملة هند لسبايا أهل البيتعليه‌السلام :

(منتخبات التواريخ لدمشق لمحمد أديب آل تقي الحصني ، ج ١ ص ٨٨)

ونقل عن رئيس شرطة يزيد ، وهو حميد بن حريث ، وهو أول شرطي تولى هذه الوظيفة بدمشق ، أنه لما حضر رأس الحسينعليه‌السلام مع زين العابدينعليه‌السلام والسبايا من آل البيت الكرام إلى دمشق ، بين يدي يزيد ، قالت له زوجته هند ، وكانت جارية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام : لقد أحدثت أمرا عظيما في الإسلام ، ردّهم إلى المدينة المنورة ، وأكرم منزلتهم وأحسن رعايتهم ، وهي التي قامت بخدمتهم مدة إقامتهم بدمشق.

ونقل بعضهم أن قبر (هند) هذه ، في محلة القيمرية من أحياء دمشق.

(أقول) : وذكر لي السيد خالد الحموي رواية شائعة بين سكان دمشق ، مفادها أن هند هذه سألت فيما بعد : كيف قتل الحسينعليه‌السلام ؟. فقالوا : قتل عطشان ظمآن ؛ فأمرت ببناء سبلان الماء في كل أحياء دمشق ، حتى يرتوي كل عطشان ، ردا على فعل زوجها الإجرامي.

الحاجات الثلاث

٦١٤ ـ الحاجات الثلاث التي وعد بها يزيد الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٨٥)

ثم قال يزيد لعلي بن الحسينعليه‌السلام : وعدتك بقضاء ثلاث حاجات ، فاذكرها.فقالعليه‌السلام :

٥١٥

(الأولى) : أن تريني وجه سيدي ومولاي الحسينعليه‌السلام ، لأتزوّد منه وأودّعه.

(الثانية) : أن تردّ علينا ما أخذ منا [في كربلاء] ، لأن فيه مغزل فاطمةعليه‌السلام وقميصها وقلادتها.

(الثالثة) : إن كنت عزمت على قتلي ، فوجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهن إلى حرم جدهنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال يزيد : أما وجه أبيك فلن تراه أبدا. وأما قتلك فقد عفوت عنك ، فما يوصلهم إلى المدينة غيرك. وأما ما أخذ منكم ، فأنا أعوّضكم عنه. وأمر اللعين بردّ المأخوذ ، وزاد عليه مائتي دينار ، ففرقها زين العابدينعليه‌السلام على الفقراء والمساكين.

ثم أمر يزيد بردّ الأسارى إلى أوطانهم.

وفي (اللهوف) لابن طاووس : قال يزيد لعلي بن الحسينعليه‌السلام : اذكر حاجاتك الثلاث اللائي وعدتك بقضائهن ، فقالعليه‌السلام : الأولى أن تريني وجه سيدي ومولاي وأبي الحسينعليه‌السلام فأتزود منه. والثانية أن تردّ علينا ما أخذ منا.والثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهن إلى حرم جدّهن.

فقال يزيد الخبيث : أما وجه أبيك فلن تراه أبدا. وأما قتلك فقد عفوت عنك ، وأما النساء فما يردّهن غيرك إلى المدينة. وأما ما أخذ منكم ، فأنا أعوّضكم عنه أضعاف قيمته. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : أما مالك فلا نريده وهو موفّر عليك ، وإنما طلبت ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومقنعتها وقلادتها وقميصها. فأمر يزيد بردّ ذلك ، وزاد فيه من عنده مائتي دينار ، فأخذها زين العابدينعليه‌السلام وفرّقها على الفقراء.

٦١٥ ـ الرأس الشريف يكلّم ابنه زين العابدينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٢)

وفي (شرح الشافية) لأبي فراس الحمداني ، أنه لما قال علي بن الحسينعليه‌السلام :يا يزيد أريد أن تريني وجه أبي وسيدي الحسينعليه‌السلام . قال له يزيد : لن تراه أبدا.فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : يا يزيد أنت ظننت أن رأس أبي مخفيّ عليّ ، وأني ما أقدر أن أراه وأكلمه!. ففي ذلك الوقت كان الرأس الشريف في طشت من ذهب ،

٥١٦

مغطى بمنديل ديبقي ، ووضع في حجرة. ثم توجه نحو الحجرة ، وقال : السلام عليك يا أبا عبد الله. وإذا قد ارتفع المنديل ، وقال الرأس المبارك : وعليك السلام يا علي يا ولدي. فصاح علي بن الحسينعليه‌السلام صيحة وقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أبتاه ، أيتمتني على صغر سني ، وذهبت يا أبتاه عني وفرّق بيني وبينك ، وها أنا راجع إلى حرم جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أودعك الله وأسترعيك وأقرأ عليك السلام.

قال : فضجّ المجلس بالبكاء والعويل ، حتى ارتجّت الأرض. فخشي يزيد من انقلاب الناس عليه ، فقام ودخل منزله.

ملاحظة :

إن قول يزيد لزين العابدينعليه‌السلام : أما وجه أبيك فلن تراه أبدا ، يدل على أنه لم يعطه الرأس الشريف لإرجاعه إلى كربلاء. فإذا صحّ أن زين العابدينعليه‌السلام قد أرجع الرأس الشريف إلى كربلاء ، يكون ذلك قد حصل في سنوات لاحقة فإن من يمنع زين العابدينعليه‌السلام من رؤية وجه أبيه ، حريّ به أن يمنعه من أخذ رأسه ، لا سيما أن ذلك ليس من مصلحة يزيد السياسية.

وسوف نرى كيف أن يزيد بعد ردّ السبايا إلى المدينة ، لم يشف قلبه قتل الحسينعليه‌السلام ، حتى سيّر رأسه الشريف إلى كافة البلدان ؛ إلى الأردن وفلسطين ومصر ، ثم أرجعه إلى دمشق. ثم سيّره إلى المدينة للتشهير به في كل الأمصار ، ثم أرجعه إلى دمشق ، حيث بقي فيها مدة قبل ردّه إلى كربلاء ، من قبل زين العابدينعليه‌السلام أو غيره. والذي أرجّح أن ذلك الردّ حصل بعد موت يزيد.

خوف يزيد من ازدياد المعارضة عليه

٦١٦ ـ نصيحة مروان بتسيير السبايا إلى المدينة خشية النقمة المتزايدة عليه :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٠٩)

فقصد الناس أن يهجموا على يزيد في داره ويقتلوه. فاطّلع على ذلك مروان ، وقال ليزيد : لا يصلح لك توقف أهل بيت الحسين في الشام ، فأعدّ لهم الجهاز ، وابعث بهم إلى الحجاز.

فهيأ لهم المسير ، وبعث بهم إلى المدينة.

٥١٧

٦١٧ ـ أهل الشام ينتبهون من غفلتهم وينقمون على يزيد :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٠)

وفي (الناسخ) : انتبه أهل الشام من تلك الرقدة واستيقظوا منها ، وعطلت الأسواق. وجعلوا يقولون : هذا رأس الحسين ، ابن بنت نبيّنا ، ما علمنا بذلك!.إنما قالوا : هذا رأس خارجي خرج بأرض العراق. فبلغ ذلك الخبر إلى يزيد فاستعمل لهم الأجزاء من القرآن ، وفرّقها في المساجد. وكانوا إذا صلّوا وفرغوا من الصلاة ، وضعت الأجزاء بين أيديهم في مجالسهم ، حتى يشتغلوا بها عن ذكر الحسينعليه‌السلام . والناس مالهم حديث إلا حديث الحسينعليه‌السلام . يقول الرجل لصاحبه : يا فلان ، أما ترى إلى ما فعل بابن بنت نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !؟.

فبلغ ذلك يزيد ، وعرف أن أهل الشام لا يشغلهم عن ذكر الحسينعليه‌السلام شاغل ، فنادى الناس أن يحضروا إلى الجامع ، فحضروا من كل جانب ومكان. فلما تكامل الناس ، قام فيهم خطيبا ، ثم قال : تقولون يا أهل الشام ، أنا قتلت الحسين بن علي ابن أبي طالب ، والله ما قتلته ولا أمرت بقتله ، وإنما قتله عاملي عبيد الله بن زياد.ثم قال : والله لأقتلن من قتله. ثم دعا بالذين تولوا حرب الحسينعليه‌السلام فأوقفوا بين يديه (وفيهم شبث بن ربعي والمصابر بن رهيبة وقيس بن الربيع وشمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس النخعي). فالتفت إلى شبث بن ربعي ، وقال : ويلك أنت قتلت الحسين؟ أم أنا أمرتك بقتله؟. قال شبث : والله ما قتلته ، بل قتله فلان ...وظل كل واحد من هؤلاء الخمسة يحيل قتله إلى غيره ، حتى غضب يزيد غضبا شديدا من قولهم ، وقال لهم : يا ويلكم يحيل بعضكم على بعض!.

٦١٨ ـ من الّذي قتل الحسينعليه‌السلام حقا؟ :(المصدر السابق)

قال قيس بن الربيع : يا أمير المؤمنين ، أنا أقول لك من قتله ، ولي الأمان من القتل. قال : نعم لك الأمان. قال : والله ما قتله إلا الّذي عقد الرايات وفرّق الأموال ووضع العطايا وسيّر الجيوش ، جيشا بعد جيش. فقال : يا ويلك من هو؟.قال : والله ما قتل الحسين غيرك يا يزيد. قال : فغضب يزيد من قوله. وقام ودخل قصره ، ووضع الرأس في طشت وغطاه بمنديل ديبقي ووضعه في حجرة ، ودخل إلى بيت مظلم وجعل يلطم على أمّ رأسه ويقول : ما لي وللحسين بن علي بن أبي طالب.ندم وأنى ينفعه الندم :

٥١٨

فقل ليزيد : سوّد الله وجهه

أحظك من بعد الحسين يزيد

نسجت سرابيل الضلال بقتله

ومزّقت ثوب الدين وهو جديد

وخرج فدعا بالحرم واعتذر عندهن ، وقال لهن : أيما أحبّ إليكن : المقام عندي والجائزة السنيّة ، أو المسير إلى المدينة؟.

٦١٩ ـ ندم يزيد حيث لا ينفع الندم! :

(أقول) : يظهر لمن تأمل في أفعال يزيد وأقواله أنه كان راضيا بقتل الحسينعليه‌السلام وهو الّذي أمر به. لأنه لما جيء برأس الحسينعليه‌السلام وأهل بيته إليه ، سرّ بذلك غاية السرور ، ففعل ما فعل مع الرأس الشريف ، وقال ما قال.وحسنت حال ابن زياد عنده ، وزاده في عطاياه ووصله وبرّه ، وسرّه ما فعل.

ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى عرفهم الناس بأنهم عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واطّلعوا على جلالتهم ، وأنهم مظلومون مطرودون مشردون. فكرهوا فعل يزيد ، بل لعنوه وسبّوه ، وأقبلوا على أهل البيتعليه‌السلام . فلما اطلع يزيد وبلغه بغض الناس له ولعنهم وسبهم إياه ، ندم على قتل الحسينعليه‌السلام فكان يقول : وما عليّ لو احتملت الأذى ، وأنزلت الحسينعليه‌السلام معي في داري ، وحكّمته فيما يريد ، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني ، حفظا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورعاية لحقه وقرابته!.

ثم إنه نسب قتله إلى ابن زياد ولعنه بفعله ذلك ، وأظهر الندم على قتله. وقال :لعن الله ابن مرجانة فإنه اضطره [إلى القتل] ، وقد سأله أن يضع يده في يدي أو يلحق بثغر حتى يتوفاه الله ، فلم يجبه إلى ذلك ، فقتله ، فبغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة ، فأبغضني البر والفاجر بما استعظموا من قتل الحسين. ما لي ولابن مرجانة وغضب عليه.

٦٢٠ ـ الدوافع الحقيقية لتغيير يزيد معاملته مع زين العابدينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١١)

ثم غيّر حاله مع علي بن الحسينعليه‌السلام وسائر أهل بيته ، فأنزلهم في داره الخاصة ، بعدما حبسهم في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا برد ، حتى تقشّرت وجوههم. وكل ذلك حفظا للملك والسلطنة ، وجلبا لقلوب العامة ، لا لأنه ندم على قتل الحسينعليه‌السلام بحسب الواقع ، وساءه ما فعل ابن زياد.

والذي يدل على هذا ما نقل سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) أنه استدعى

٥١٩

ابن زياد إليه ، وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة ، وقرّب مجلسه ورفع منزلته ، وأدخله نساءه وجعله نديمه. وسكر ليلة وقال للمغني : غنّ. ثم قال يزيد بديها :

اسقني شربة تروّي مشاشي

ثم مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب البرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسينا

ومبيد الأعداء والحسّاد

ونقل ابن الأثير في (الكامل) عن ابن زياد أنه قال لمسافر بن شريح اليشكري في طريق الشام : أما قتلي الحسين ، فإنه أشار إليّ يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترت قتله.

محاولة يزيد التنصّل من جريمته

٦٢١ ـ غضب يزيد على ابن زياد لتغطية جريمته :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٥ ط ٢ نجف)

وذكر ابن جرير [الطبري] في تاريخه : أن يزيد لما جيء برأس الحسينعليه‌السلام ، سرّ أولا ، ثم ندم على قتله. وكان يقول : وما عليّ لو احتملت الأذى ، وأنزلت الحسين معي في داري ، حفظا لقرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورعاية لحرمته. لعن الله ابن مرجانة ، لقد بغّضني إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم البغضاء.

ثم غضب على ابن زياد ، ونوى قتله.

٦٢٢ ـ تنصّل يزيد من دم الحسينعليه‌السلام وترحّمه عليه :

(المصدر السابق ، ص ٢٧١)

وحين دخل زحر بن قيس على يزيد حاملا رأس الحسينعليه‌السلام ، سأله يزيد عما حصل؟. فقصّ عليه ما جرى في كربلاء.

قال سبط ابن الجوزي :

فدمعت عينا يزيد ، وقال : لعن الله ابن مرجانة ، ورحم الله أبا عبد الله ، لقد كنا نرضى منكم يا أهل العراق بدون هذا. قبّح الله ابن مرجانة ، لو كان بينه وبينه رحم ما فعل به هذا.

فلما حضرت الرؤوس عنده ، قال : فرّقت سميّة بيني وبين أبي عبد الله ، وانقطع الرحم. لو كنت صاحبه لعفوت عنه ، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا. رحمك الله يا حسين ، لقد قتلك رجل لم يعرف حقّ الأرحام.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

الرابع من كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام .

وجلال الدين السيوطي في كتابه «رسالة الأزهار».

والحافظ أبو سعيد الخرگوشي في «شرف المصطفى».

والحافظ أبو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.

والحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين.

والحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي.

وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين / باب ١٢.

والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.

وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ٢٠.

والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الأول.

وغير هؤلاء الأعلام من علماء العامة ومؤرّخيهم ذكروا عن أبي سعيد الخدري أنه قال [أنّ حسان بن ثابت قام بعد ما فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خطابه يوم الغدير ، فقال : يا رسول الله! أتأذن لي أن أقول أبياتا؟]

فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قل على بركة الله تعالى».

فصعد على مرتفع من الأرض وارتجل بهذه الأبيات :

[يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ فاسمع بالرسول مناديا

وقال : فمن مولاكم ووليّكم؟

فقالوا : ولم يبدوا هناك التّعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تلف منّا في الولاية عاصيا

فقال له : قم يا علي فإنّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

من كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا]

هناك دعا : اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

٧٠١

فيتّضح ـ لكلّ منصف ـ من هذه الأبيات : أنّ الأصحاب والحاضرين في يوم الغدير فهموا من حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطابه وعمله أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصب علياعليه‌السلام إماما وخليفة على الناس ، وأن رسول الله لم يقصد من كلمة المولى سوى الولاية والأولوية والتصرّف في شئون العامّة. فلذا صرّح بذلك حسّان في شعره بمسمع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراى :

فقال له [قم يا علي فانّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا(١) ]

__________________

(١) نجد لغير حسان أيضا من الصحابة أبياتا تتضمّن هذا المعنى منهم الصحابي الجليل سيّد الخزرج قيس بن سعد الخزرجي الأنصاري ، كما ذكر أبيات شعره سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الأمة / ٢٠ / فقال : إنّ قيس أنشدها بين يدي عليّعليه‌السلام في صفين :

قلت لمّا بغى العدوّ علينا :

حسبنا ربّنا ونعم الوكيل

حسبنا ربنا الذي فتح البصر

ة بالأمس والحديث طويل

ويقول فيها :

وعلي إمامنا وإمام

لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي : من كنت مولا

ه فهذا مولاه خطب جليل

إنما قاله النبي على الأمة

حتم ما فيه قال وقيل

ومنهم عمرو بن العاص مع ما كان يحمله من البغضاء والعداء على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لكنه حينما تشاجر مع معاوية حول ولاية مصر وخراجه ردّ على كتاب معاوية بقصيدة معروفة بالجلجلية ، ولكي تعرف مصادرها من كتب العامّة راجع كتاب الغدير للعلامة الكبير والحبر الخيبر الأميني قدس‌سره : ج ٢ ص ١١٤ وما بعد. قال فيها :

[نصرناك من جهلنا يا ابن هند

على النبأ الأعظم الأفضل

وحيث رفعناك فوق الرءوس

نزلنا إلى أسفل الأسفل

٧٠٢

__________________

وكم قد سمعنا من المصطفى

وصايا مخصّصة في علي؟

وفي يوم «خمّ» رقى منبرا

يبلّغ والركب لم يرحل

وفي كفّه كفّه معلنا

ينادي بأمر العزيز العلي

ألست بكم منكم في النفوس

بأولى؟ فقالوا : بلى فافعل

فأنحله إمرة المؤمنين

من الله مستخلف المنحل

وقال : فمن كنت مولى له

فهذا له اليوم نعم الولي

فوال مواليه يا ذا الجلال

وعاد معادي أخ المرسل

ولا تنقضوا العهد من عترتي

فقاطعهم بي لم يوصل

وقال وليكم فاحفظوه

فمدخله فيكم مدخلي

فبخبخ شيخك لما رأى

عرى عقد حيدر لم تحلل]

إلى آخر قصيدته التي يقول فيها مخاطبا لمعاوية :

[فأنّك في إمرة المؤمنين

ودعوى الخلافة في معزل

ومالك فيها ولا ذرّة

ولا لجدّك بالأوّل

فإن كان بينكما نسبه

فأين الحسام من المنجل؟!

وأين الحصى من نجوم السما؟

وأين معاوية من علي؟!]

أيها القارئ الكريم فكر في معنى البيتين وأنصف!

[فأنحله إمرة المؤمنين

من الله مستخلف المنحل

وقال وليكم فاحفظوه

فمدخله فيكم مدخلي]

هكذا فهم عمرو بن العاص حديث النبي وخطابه في الغدير.

«المترجم»

٧٠٣

ولو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقصد غير ما قاله حسّان لأمر بتغير شعره ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّد شعر حسّان وقال له «لا تزال مؤيّدا بروح القدس». وفي بعض الأخبار «لقد نطق روح القدس على لسانك!». وهذا البيت يؤيّد ويصدّق ما رواه الطبري في كتابه الولاية من خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير فقال فيما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«اسمعوا وأطيعوا فإنّ الله مولاكم وعليّ إمامكم ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة.

معاشر الناس هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي».

الذين نقضوا العهد

على أيّ تقدير ، سواء تفسّرون حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما نفسره نحن الشيعة ، أو بتفسيركم أنتم بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من قوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه» أي المحب والناصر ، فممّا لا شك فيه أنّ الأصحاب خالفوا علياعليه‌السلام بعد رسول الله في قضية الخلافة وخذلوه ولم ينصروه ، فنقضوا العهد الذي أخذه منهم نبيهم في الإمام عليعليه‌السلام ، وهذا ما لا ينكره أحد من أهل العلم والاطّلاع من الفريقين.

فعلى تقدير معنى المولى وتفسيره بالمحب والناصر ، وأنّ النبي يوم الغدير أمر أصحابه أن يحبوا عليا وينصروه. فهل هجومهم على باب داره وإتيانهم النار ، وتهديدهم بحرق الدّار ومن فيها ، وترويعهم أهل البيت الشريف ، وإيذاؤهم فاطمة وأبناءها ، وإخراجهم عليا من البيت

٧٠٤

كرها مصلتين سيوفهم عليه ، يهدّدونه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر ، وضربهم حبيبة رسول الله وبضعته الزهراء حتى أسقطوا جنينها المحسن!!

فهل هذه الجرائم والجنايات التي ارتكبها كثير من الصحابة كان امتثالا لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير؟! أم كان خلافا له وهل كل ما فعلوه من حين السقيفة وبعدها إلى وفاة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، يوافق ما فسّرتموه من معنى المولى؟ أم انبعثت وكشفت عن البغضاء والشحناء؟!

وهل هذه الأعمال الوحشية ، كانت المودّة التي فرضها الله على المسلمين لقربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ومن أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فاطمة؟!

والله سبحانه يقول :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) .

وأمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصلة أقربائه وأمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلوا أقرباءه ولا يقطعوهم كما جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم ، وذكره الحمويني أيضا عن عكرمة عن ابن عباس كما نقله عنهما الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الثالث والأربعون.

ونقله عن حلية الأولياء ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٩ / ١٧٠ / الخبر الثاني عشر / ط دار إحياء التراث العربي :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتى ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي ، فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ورزقوا فهما

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية ٢٣.

٧٠٥

وعلما ، فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي».

وكلهم قد عاهدوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مودّة أهل بيته ولكنهم نقضوا العهد ، وكأنّهم ما سمعوا ولم يقرءوا كتاب الله العزيز حيث يقول :( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (١) .

فاتركوا التعصب واتبعوا الحق تسعدوا!

الحافظ : لا نسمح لكم أن تنسبوا صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى نقض العهد والميثاق ، وهم المجاهدون في سبيل الله والصابرون في سوح القتال والمتحمّلون ضربات السيوف وطعنات الرماح!!

كيف تجيزون أنفسكم أن تنسبوا أولئك المؤمنين والمجاهدين إلى نقض العهد والميثاق؟!

إنّ تهجّمكم على الصحابة الكرام وتجرّأكم عليهم بنسبة ما لا يليق بهم سبب لتكفيركم عند أكثر أهل السنّة.

قلت : إن كان هذا الأمر سببا تكفيرنا ، فالصحابة كلهم كافرون! وعلماؤكم وأعلامكم أكثرهم كافرون! لأنّنا ننقل عنهم ، ولا نقول شيء بغير دليل ، وإنما دائما نذكر مصادر ما نقوله فيهم من كتبكم ومسانيدكم وهذا واضح للحاضرين في ما تحدثنا وناقشناه في المجالس السالفة.

ولكننا نمتاز بأننا نضع النقاط على الحروف ونلفت أنظار المسلمين إلى أعمال الصحابة وأفعالهم ، فنمدح محسنهم ونؤيّد حسناته ليرغب

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية ٢٥.

٧٠٦

المؤمنون بالتأسّي والاقتداء بهم ، ويحبّونهم لحب الله وحبّ الخير والحق والاحسان.

ونقدح بالمسيء من الصحابة ونذمّهم لسيئاتهم ومنكراتهم وما عملوا من الباطل ، حتى يتبرّأ المؤمنون منهم ، ويستنكروا أفعالهم المنافية للإيمان والوجدان وللسنّة والقرآن!! لكي لا يرتكبوها ولا يكرّروها بحجّة الاقتداء بالصحابة ، فإنّ منهم الصالحين ومنهم الطالحين.

ملخص الكلام : نحن إنّما ننشر فضائل المحسنين وفضائح المسيئين من الصحابة ، من باب نشر المعروف وإنكار المنكر ، ولكي نعطي كل ذي حقّ حقّه.

فإن تنكرون علينا هذا الأمر وتكفّرونا من أجله ، فالأحرى أن تنكروا على صحابة الرسول وتكفّروهم حتى الشيخين! لأنهم كانوا ينتقدون بعضهم بعضا ويطعن بعضهم في بعض وكانوا يتساببون ويتقاتلون!! وإنّ أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار فاطمةعليها‌السلام وأحداث قتل عثمان وحرب الجمل وصفّين أدلّ دليل على ذلك.

وأنتم إمّا تجهلون الحقائق أو تتجاهلون ، أو أنّ محبّتكم للصحابة وصلت إلى حدّ المثل الشائع :

«حبّ الشيء يعمي ويصم» ، لذلك حينما تسمع مني بأنّ الصحابة بعضهم نقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتغضب وتتعصّب للصحابة وتنكر الخبر!! ومقتضى الحال أن تطالبني بالدليل قبل أن تغضب وتتعصب.

الحافظ : الآن أطالبك بدليلك ، فات به إن كنت من الصادقين!

٧٠٧

أكثرهم نقضوا العهد

أولا : ثبت عند كل عالم ذي وجدان وصاحب ضمير ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير أخذ العهد والميثاق من أصحابه على حب عليّ ونصرته وموالاته وطاعته ، فيا ترى هل نصروه في أحداث السقيفة وما بعدها أم خذلوه؟ ونقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغدير وخالفوه؟!

ثانيا : قد صدر منهم في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقض العهد أيضا ، فإنهم بايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاهدوه على أن يقاتلوا دونه ولا يتركوه في المعركة ولا يولّوا الدّبر للأعداء ، بل يقابلوهم وجها لوجه حتى ينالوا إحدى الحسنيين. ولقد حذّرهم الله سبحانه من الفرار والهزيمة في القتال والجهاد فقال :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ* وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١) .

وقد ذكر كثير من محدثيكم ومؤرخيكم أنّ كثيرا من الأصحاب انهزموا وفرّوا يوم حنين ، وأجمعوا أنّ جلهم فروا يوم أحد وفي خيبر ومنهم الشيخان وعثمان :

أخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٥ / ٢٤ / طبع دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال [.. وكان ممن ولى : عمر وعثمان والحارث بن حاطب وثعلبة بن حاطب وسواد بن غزية وسعد

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ١٥ و ١٦.

٧٠٨

ابن عثمان وعقبة بن عثمان وخارجة بن عمر ولقيتهم أم أيمن تحثى في وجوههم التراب وتقول لبعضهم : هاك المغزل فاغزل به!!]

واحتجّ من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في قصة الحديبية ، قال [قال عمر يومئذ : يا رسول الله ، ألم تكن حدّثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام وتأخذ مفتاح الكعبة وتعرّف مع المعرّفين وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحر؟!! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أقلت لكم في سفركم هذا؟». قال عمر : لا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أما إنكم ستدخلونه وآخذ مفتاح الكعبة وأحلق رأسي ورءوسكم ببطن مكة وأعرّف مع المعرّفين ؛ ثم أقبلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر وقال : أنسيتم يوم احد( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ ) (١) وأنا أدعوكم في أخراكم!

أنسيتم يوم الأحزاب( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) (٢) !».

أنسيتم يوم كذا! وجعلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكّرهم أمورا.

أنسيتم يوم كذا!

فقال المسلمون : صدق الله وصدق رسوله ، أنت يا رسول الله أعلم بالله منا.

فلمّا دخل عام القضيّة وحلق رأسه قال «هذا الذي كنت وعدتكم به». فلما كان يوم الفتح وأخذ مفتاح الكعبة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أدعوا إليّ عمر بن الخطاب ، فجاء فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا الذي كنت قلت لكم».

قالوا : فلو لم يكن فرّ يوم أحد لما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : أنسيتم يوم أحد

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٥٣.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ١٠.

٧٠٩

( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ ) (١) (٢) ]

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٥٣.

(٢) قال الله سبحانه في سورة التوبة الآية ٢٥ :( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) .

فيا ترى من هؤلاء الذين ولّوا مدبرين؟

أخرج البخاري في : ج ٣ / ٦٧ / طبع عيسى البابي الحلبي بمصر : عن أبي محمد مولى أبي قتادة قال [لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين ، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله ، فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس! فقلت له : ما شأن الناس؟ قال : أمر الله

وقال سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا ) آل عمران / ١٥٥.

اتفق المفسرون أنّ الآية تشير إلى الفارّين يوم أحد وكان منهم عمر وعثمان.]

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٥ / ٢٠ / طبعة دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال : وبايعه يومئذ على الموت ثمانية : ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار ، فأمّا المهاجرون فعليّ عليه‌السلام وطلحة والزبير ؛ وأمّا الأنصار فأبو دجانة والحارث بن الصمّة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت وسهل بن حنيف ، ولم يقتل منهم ذلك اليوم أحد ؛ وأمّا باقي المسلمين ففرّوا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوهم في أخراهم.]

قال ابن أبي الحديد : قلت قد اختلف في عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذ أم لا؟ مع اتفاق الرواة كافّة على أنّ عثمان لم يثبت ، فالواقدي ذكر أنّه [أي عمر] لم يثبت الخ] وقال الفخر الرازي في مفاتيح الغيب : ج ٩ / ٥٢ : ومن المنهزمين [عمر ، إلا أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين ومنهم عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار يقال

٧١٠

__________________

لهما : سعد وعقبة انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ، ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام]

وقال الآلوسي في تفسيره روح المعاني : ج ٤ / ٩٩ [فقد ذكر أبو القاسم البلخي أنّه لم يبق مع النبي (صلى الله عليه وسلّم) يوم أحد إلا ثلاثة عشر نفسا ، خمسة من المهاجرين : أبو بكر وعليّ وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ، والباقون من الأنصار وأمّا سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل ، وعمر بن الخطاب (رض) كان من هذا الصنف كما في خبر ابن جرير.]

وقال النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن : ج ٤ / ١١٢ ـ ١١٣ بهامش تفسير الطبري [الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أنّ نفرا قليلا تولّوا ، وابعدوا فمنهم من دخل المدينة ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب ومن المنهزمين عمر.]

وقال السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور : ج ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ : قال [أي عمر] [لما كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى.]

ثم قال السيوطي : أخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال [كان الذين ولوا الدبر يومئذ : عثمان بن عفّان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان من الأنصار من بني زريق.]

أقول : وأخرجه الطبري أيضا في تفسيره جامع البيان : ج ٤ / ٩٥ ـ ٩٦.

قال الزمخشري : استزلّهم ، طلب منهم الزلل ، ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم.

فمعناه ، الذين فرّوا يوم أحد إنما أطاعوا الشيطان إذ دعاهم إلى نفسه بالفرار من الجهاد في سبيل الله ، ففرّوا من الله سبحانه إلى حيث أمرهم الشيطان!!

وقال السيوطي في الدر المنثور : ج ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ : عن سعيد بن جبير [إن الذين تولّوا منكم ، يعني : انصرفوا عن القتال منهزمين يوم التقى الجمعان ، يوم أحد حين التقى جمع المسلمين وجمع المشركين ، فانهزم المسلمون عن النبي (صلّى الله عليه

٧١١

__________________

[وآله] وسلّم) وبقي في ثمانية عشر رجلا ، إنّما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ، يعني : تركوا المركز.]

أقول : وقد اشتهر بين المحدثين والمؤرخين فرار الشيخين في أحد ، فكما قرأت أقوالهم عن فرار عمر وعثمان هلمّ معي إلى ما نقلوه عن أبي بكر.

قال المتقي الهندي في كنز العمال : ج ٥ / ٢٧٤ : عن عائشة قالت : كان أبو بكر اذا ذكر أحد بكى ـ إلى أن قالت ـ ثم أنشأ ـ يحدّث ، قال [كنت أوّل من فاء يوم أحد.]. (الحديث).

أقول : الفيء الرجوع ، ومع الواضح أنه لا رجوع الاّ بعد الهزيمة والفرار.

قال في كنز العمال : أخرجه الطيالسي وابن سعد وابن السني والشاشي والبزّار والطبراني في الأوسط وابن حبّان والدارقطني في الإفراد وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر والضياء المقدسي ، انتهى.

أقول : ونقل كثير من أعلام السنة روايات في فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر ، فقد أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٢٤ / عن ابن عباس أنه قال [بعث رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إلى خيبر ، أحسبه قال : أبا بكر ، فرجع منهزما ومن معه ، فلما كان من الغد بعث عمر فرجع منهزما يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه الخ.]

وفي كنز العمال : ج ٦ / ٣٩٤ / أخرج بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :

[فإنّ رسول الله (ص) بعث أبا بكر ـ يعني يوم خيبر ـ فسار بالناس ، فانهزم حتى رجع عليه وبعث عمر فانهزم بالناس ، حتى انتهى إليه الخ] قال في كنز العمال : أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وابن ماجه والبزار وابن جرير وصححه والطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل والضياء المقدسي.

٧١٢

__________________

وفي مستدرك الصحيحين : ج ٣ / ٣٨ [روى بسنده عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى عمر فانطلق فرجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه. قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم.]

أقول : لقد أفتى كثير من العلماء وفقهاء الفريقين ، أنّ الفرار من الزحف ، من الذنوب الكبيرة التي لا كفّارة لها. كالشرك. مستندين إلى ما رواه المحدثون : «خمس ليس لهنّ كفّارة : الشرك بالله ، وقتل النفس بغير حق ـ إلى أن قال ـ والفرار من الزحف. أخرجه المناوي في فيض القدير : ج ٣ ص ٤٥٨ في شرح الجامع الصغير للسيوطي.

قال : أخرجه أحمد بن حنبل في المسند وأبو الشيخ في التوبيخ عن أبي هريرة (وقال في الشرح) ورواه عنه الديلمي.

أقول : أيها القارئ الكريم بالله عليك! أنصف!! أين هؤلاء الفارون من حيدرة الكرّار؟ الذي روى في حقه ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٤ ص ٢٥٠ ـ ٢٥١ / طبع دار إحياء التراث العربي قال : [وسمع ذلك اليوم ـ أي يوم أحد ـ صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا :

لا سيف إلاّ ذو الفقار

ولا فتى إلاّ علي

فسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه ، فقال «هذا جبرائيل»].

وبعد نقله الخبر قال ابن أبي الحديد : وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدّثين وهو من الأخبار المشهورة ، ووقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق ، ورأيت بعضها خاليا عنه ، وسألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة رحمه‌الله عن هذا الخبر ، فقال : خبر صحيح ، فقلت : فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال : أو كلّ ما كان صحيحا ، تشتمل عليه كتب الصحاح؟ كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة!

٧١٣

هذا الخبر حينما ينقله ابن أبي الحديد وغيره فلا بأس عليه ، ولكن نحن الشيعة إذا نقلناه ، فأنتم علماء العامّة تتعصّبون وتتهجّمون علينا وتحرّكون الجهلة والعوام وتقولون بأنّ الرافضة يهينون الصحابة وينالون من الشيخين!! هذا لأنكم تسيئون بنا الظنون وعلى حدّ قول الشاعر :

وعين الرضا عن كل عيب كليله

ولكنّ عين السخط تبدي المساويا

ولذلك فلنا معكم موقف عسير في يوم القيامة إذا شكوناكم إلى الله العدل الحكيم ليحكم بيننا ويأخذ منكم حقّنا ويعاقبكم على ظلمكم إذ تفتون علينا بالكفر! وتؤيّدون الذين ظلموا ؛ ومن رضي بعمل قوم حشر معهم ،( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١) .

الحافظ : نحن ما ظلمناكم ولا نؤيد الظالمين وهذا افتراء علينا.

قلت : الظلم الذي جرى علينا كثير ، ولو تغاضينا وعفونا عن بعضها فلا نعفو عن هجومهم على بيت أمّي فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وإيذائها وغصبهم حقها ، فإنّي من ذراريها ويحقّ لي أن أقيم الدعوى

__________________

أقول : وأما فتح خيبر على يد الإمام عليعليه‌السلام فهو «نار على علم» وليس له منكر في العالمين.

فأين هذا المجاهد الفاتح والصابر الناجح عن أولئك المنهزمين الجبناء.

[فإن يك بينهما نسبة

فأين الحسام من المنجل؟]

وأين الحصى من نجوم السماء؟ وأين أولئكم من علي عليه‌السلام ؟

(١) سورة الشعراء ، الآية ٢٢٧. «المترجم»

٧١٤

على من ظلمها وضربها وأسقط جنينها واغتصب فدكها!!

الحافظ : نحن ما كنّا في ذلك الزمان حتى نعرف الحقائق وهذه الدعاوى تحتاج إلى الإثبات.

قلت : نعم نحن ما كنّا في ذلك الزمان ، ولكن الروايات والأحاديث التي نقلها المؤرخون والمحدثون تكون بمثابة شهود القضية والواقعة ، لا سيما إذا كان الرواة والمؤرخون من أعلامكم.

فدك وما يدور حولها

فدك وعوالي سبع قرى زراعيّة حوالي المدينة المنورة كانت تمتد من سفح الجبال إلى سيف البحر ومن العريش إلى دومة الجندل.

قال ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان في كتابه الآخر فتوح البلدان : ج ٦ / ٣٤٣.

وأحمد بن يحيى البلاذري في تاريخه.

وابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١٠ / واللفظ للأخير : عن كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده عن الزهري قال [بقيت بقيّة من أهل خيبر تحصّنوا ، فسألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحقن دماءهم ويسيّرهم ، ففعل ، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك ، وكانت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة ، لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

قال أبو بكر : وروى محمد بن إسحاق أيضا ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، فبعثوا إلى

٧١٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصالحوه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق ، أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم ، وكانت فدك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالصة له ، لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. قال : وقد روى أنّه صالحهم عليها كلها ، الله أعلم أيّ الامرين كان! انتهى كلام الجوهري.]

وما نقله الطبري في تاريخه قريب من كلام الجوهري بل كلام كل المؤرخين والمحدثين عن فدك يقارب كلام الجوهري.

فدك حق فاطمةعليها‌السلام

بعد ما رجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة المنوّرة نزل جبرئيل من عند الرب الجليل بالآية الكريمة :( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ) (١) .

فانشغل فكر النبي بذي القربى ، من هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبرئيل ثانيا عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إنّ الله سبحانه يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمةعليها‌السلام فطلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمةعليها‌السلام وقال : إنّ الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدكا ، فمنحها وتصرّفت هي فيها وأخذت حاصلها فكانت تنفقها على المساكين.

الحافظ : هل هذا الحديث في تفسير الآية الكريمة موجود في كتب علمائنا أيضا؟ أم يخصّ تفاسيركم؟

قلت : لقد صرّح بهذا التفسير كبار مفسريكم وأعلامهم منهم :

__________________

(١) سورة الأسراء ، الآية ٢٦.

٧١٦

الثعلبي في تفسير كشف البيان ، وجلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور : ج ٤ رواه عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المتوفى عام ٣٥٢ ، وأبو القاسم الحاكم الحسكاني والمتقي الهندي في كنز العمّال وابن كثير الدّمشقي الفقيه الشافعي في تاريخه والشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة / باب ٣٩ نقلا عن الثعلبي وعن جمع الفوائد وعيون الأخبار أنّه لما نزلت :( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة فأعطاها فدك الكبير.

فكانت فدك في يد فاطمةعليها‌السلام يعمل عليها عمّالها ، ويأتون إليها بحاصلها في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي كانت تتصرّف فيها كيفما شاءت ، تنفق على نفسها وعيالها أو تتصدق بها على الفقراء والمعوزين.

ولكن بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل أبو بكر جماعة فأخرجوا عمّال فاطمة من فدك وغصبوها وتصرّفوا فيها تصرّفا عدوانيا!

الحافظ : حاشا أبو بكر أن يتصرّف في ملك فاطمة تصرّفا عدوانيا ، وإنما كان سمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة». وقد استند إلى هذا الحديث الشريف وأخذ فدكا.

هل الأنبياء لا يورّثون؟

قلت : أولا : نحن نقول : بأنّ فدك كانت نحلة وهبة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمةعليها‌السلام وهي استلمتها وتصرّفت فيها فهيعليها‌السلام كانت متصرّفة في فدك حين أخذها أبو بكر. وما كانت إرثا.

٧١٧

ثانيا : الحديث الذي استند إليه أبو بكر مردود غير مقبول لأنه حديث موضوع لوجود اشكالات فيه.

الحافظ : ما هي إشكالاتكم؟ ولما ذا يكون مردودا؟

قلت : أولا : واضع الحديث عند ما وضع على لسانه بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» قد غفل عن آيات المواريث التي جاءت في القرآن الحكيم ، في توريث الأنبياء ، ولو كان يقول : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا لا أورّث لكان له مخلص من آيات توريث الأنبياء في القرآن فالصيغة الأولى : نحن معاشر الأنبياء لا نورث تعارض نصّ القرآن الحكيم ، فتكذيب أبي بكر وردّه أولى من نسبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ما يخالف كتاب الله عزّ وجلّ.

كما أنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام أيضا احتجّت على أبي بكر وردّته وردّت حديثه بالاستناد إلى القرآن الحكيم فإنه أقوى حجة وأدلّ دليل وأكبر برهان.

استدلال الزهراءعليها‌السلام وخطبتها

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١١ / طبع دار إحياء التراث العربي ، عن أبي بكر الجوهري بإسناده عن طرق مختلفة تنتهي إلى زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراء وإلى الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيهعليه‌السلام وإلى الإمام الباقر بن جعفر ـ محمد بن علي ـ عليهما السّلام وإلى عبد الله بن الحسن المثنى ابن الامام الحسن السبطعليه‌السلام قالوا جميعا [لمّا بلغ فاطمةعليها‌السلام إجماع أبي بكر على منعها فدكا ، لاثت خمارها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ في ذيولها ،

٧١٨

ما تخرم مشيتها مشيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار ، فضرب بينها وبينهم ريطة بيضاء ، ـ وقال بعضهم : قبطيّة ، وقالوا : قبطية بالكسر والضم ـ ثم أنت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم ، ثم قالت : ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد والطّول والمجد ، الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم.]

وذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها : فاتّقوا الله حقّ تقاته ، وأطيعوه فيما أمركم به ، فإنّما يخشى الله من عباده العلماء ، واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة.

ونحن وسيلته في خلقه ، ونحن خاصّته ومحل قدسه ، ونحن حجّته في غيبه ، ونحن ورثة أنبيائه.

ثم قالت : أنا فاطمة ابنة محمد ، أقول عودا على بدء ، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا ، فاسمعوا باسماع واعية وقلوب راعية! ثم قالت :( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (١) فان تعزوه ابي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ثم ذكرت كلاما طويلا تقول في آخره : ثم أنتم الآن تزعمون ان لا إرث لي!( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) ؟(٢) إيها معاشر المسلمين! أبتزّ إرث أبي!

يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي!! لقد جئت شيئا فريّا!! إلى آخر خطبتها(٣) .

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١٢٨.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٥٠.

(٣) أقول : وروى ابن أبي الحديد هذه الخطبة عن طريق عروة عن عائشة ، في شرح

٧١٩

وجاء في بعض الروايات كما في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري وغيره ، أنها قالت في خطبتها :

[أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم!

إذ يقول الله جلّ ثناؤه :( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (١) .

واختص من خبر يحيى وزكريّا إذ قال : ربّ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (٢) .

وقال تبارك وتعالى :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ

__________________

النهج ١٦ / ٢٥١ / طبع دار إحياء التراث العربي ، فقد روت عائشة خطبة فاطمة مشابهة لما مرّ وفيها قالت فاطمة. [.. حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، ظهرت حسيكة النّفاق وشمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين واطلع الشيطان رأسه صارخا بكم ، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ، ولقربه متلاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحمشكم* فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) فهيهات! وأنّى بكم وأنّى تؤفكون!! وكتاب الله بين أظهركم ، زواجره بيّنة وشواهده لائحة وأوامره واضحة ، أرغبة عنه تريدون ، أم لغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا!( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ثم لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها ، تسرّون حسوا في ارتغاء ، ونحن نصبر منكم على مثل حزّ المدى ، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ،( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .

يا ابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئا فريّا! فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون! إلى آخر الخبر.] «المترجم»

(١) سورة النمل ، الآية ١٦.

(٢) سورة مريم ، الآية ٦.

٧٢٠

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800