موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 494254 / تحميل: 5861
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

وأبي القاسم البغوي ، وغيرهما ؛ لم يذكر أحد منهم أن رأس الحسينعليه‌السلام حمل إلى عسقلان ، ولا إلى القاهرة.

٣ ـ وقد دفن بدن الحسينعليه‌السلام في مصرعه بكربلاء ، ولم ينبش ولم يمثّل به.فلم يكونوا يمتنعون من تسليم رأسه إلى أهله ، كما سلّموا بدن ابن الزبير إلى أهله.وإذا تسلّم أهله رأسه ، فلم يكونوا ليدعوا دفنه عندهم بالمدينة المنورة ، عند عمّه وأمه وأخيه مقرّبا من جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدفنوه بالشام حيث لا أحد إذ ذاك ينصرهم على خصومهم!. هذا لا يفعله أحد.

في كربلاء

٦٥٣ ـ مدفن الرأس الشريف في كربلاء :

قال الشيخ محمّد الصبان في (إسعاف الراغبين) ص ١٩٧ :

وذهبت الإمامية إلى أنه أعيد إلى الجثة ، ودفن بكربلاء بعد أربعين يوما من المقتل. وقال المنّاوي في (طبقاته) : ذكر لي بعض أهل الكشف والشهود أنه حصل له اطلاع على أنه دفن مع الجثة بكربلاء.

وقال الطريحي في (المنتخب) ص ٣٨ ط ٢ :

زار الإمام الصادقعليه‌السلام قبر الحسينعليه‌السلام ، فسأله أحد أصحابه : يابن رسول الله ، أليس رأس الحسينعليه‌السلام بعث إلى الشام إلى يزيد؟. فقال : بلى ، ولكن رجلا من موالينا اشتراه من بعد موت يزيد ، وأتى به إلى هذا الموضع ، ودفنه هنا.

النتيجة :

(أقول) : يمكن اعتبار أغلب الروايات السابقة صحيحة ، مع ملاحظة ما يلي :

١ ـ إن بعض المشاهد التي ذكر أن فيها رأس الحسينعليه‌السلام هي مشاهد وضع فيها الرأس الشريف أثناء تجواله في الآفاق ، وذلك وفق ما ذكره ابن شهر اشوب في (مناقبه) ج ٣ ص ٢٣٥ ط نجف ، حيث قال :

ومن مناقب الحسينعليه‌السلام : ما ظهر من المشاهد التي يقال لها مشهد الرأس ؛ من كربلاء إلى عسقلان ، وما بينهما في الموصل ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك. اه

فهذه مشاهد ، وليست مراقد.

٥٤١

وإذا تذكرنا الدوافع السياسية ، عرفنا لماذا حاول الفاطميون مثلا إيهام الناس بأن رأس الحسينعليه‌السلام كان مدفونا في عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة. وعرفنا لماذا ناضل ابن تيمية لتكذيب دعواهم ، لأنه كان من أكبر أعدائهم.

ففي اعتقادي أن الّذي في (عسقلان) هو مشهد للرأس وليس مدفن له. فنكون بذلك قد نفينا دعوى وجود الرأس في عسقلان أو القاهرة. كما ألمح إليه العلامة الأمين عليه الرحمة.

٢ ـ يمكن القول إن رأس الحسينعليه‌السلام لم يردّ إلى كربلاء دفعة واحدة ، بل إنه تنقّل في عدة مدافن ، كان آخرها مدفنه الشريف مع الجسد المقدس في كربلاء.فيمكن أنه دفن في المدينة المنورة ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أنه دفن بالكوفة عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام أو في ظاهرها ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أن سليمان بن عبد الملك دفنه في دمشق عند باب الفراديس الثاني ، ثم نقله عمر ابن عبد العزيز إلى مقابر المسلمين ، ثم نقله هو أو غيره إلى كربلاء.

والذي يغلب في ظني ـ إذا استبعدنا كون الإمام زين العابدينعليه‌السلام أخذ معه الرأس من يزيد فدفنه في كربلاء ـ أن ردّ الرأس إلى الجسد المقدس في كربلاء تمّ بعد موت يزيد ، لأن يزيد كان مهتما جدا بالاحتفاظ بالرأس ، حتى أنه لم يرض أن يريه لزين العابدينعليه‌السلام فكيف به يعطيه إياه. ولعل الدافع إلى ذلك كان حقده الشديد على الحسينعليه‌السلام ، ثم تخوّفه من إثارة الفتنة بين العراقيين إذا رأوا رأس الحسينعليه‌السلام ، وما ينتج عن ذلك من زيادة النقمة عليه.

٣ ـ إن لله إرادة علوية وحكمة إلهية في وجود عدة مشاهد للحسينعليه‌السلام ، ومن دفن رأسه في عدة مواضع ، وذلك ليشيع ذكره في الآفاق ، ويزوره كل المسلمين في كافة الأقطار.

أما إذا ثبتت رواية ردّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام للرأس الشريف مباشرة إلى كربلاء ، فإن كل الروايات الأخرى تكون وهما. وإن كان الأغلب أن ذلك الردّ ـ إن حصل ـ لم يكن في نفس سنة المقتل ٦١ ه‍ ، بل في الأربعين من السنة التالية أو ما بعدها.

٦٥٤ ـ دفن الرؤوس الشريفة :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٩)

جاء النصّ على مجيء الإمام زين العابدينعليه‌السلام بالرؤوس معه إلى كربلاء في (حبيب السير) ؛ كما في (نفس المهموم) ص ٢٥٣ ؛ وفي (رياض الأحزان) ص ١٥٥.

٥٤٢

قال في (حبيب السير) : إن يزيد سلّم رؤوس الشهداء إلى علي بن الحسينعليه‌السلام فألحقها بالأبدان الطاهرة ، يوم العشرين من صفر سنة ٦١ ه‍ ، ثم توجّه إلى المدينة الطيبة.

بينما قال أبو اسحق الإسفريني في (نور العين في مشهد الحسين) ص ٩٩ : وروي أن يزيد بعد أن أرسل علي بن الحسينعليه‌السلام ومن معه ، أمر بدفن الرؤوس إلا رأس الحسينعليه‌السلام فإنه أرسله خارج دمشق ومعه خمسون فارسا يحرسونه ليلا ونهارا ، وذلك من كثرة خوفه وفزعه. فلما مات أتى به الحراس ووضعوه.

ـ روايات مستفيضة عند الإمامية بردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء :

ثم قال السيد المقرّم : أما عن رأس الحسينعليه‌السلام فقد نصت روايات مستفيضة على مجيء الإمام زين العابدينعليه‌السلام بالرأس الشريف إلى كربلاء ودفنه مع الجسد الشريف. وعن هذا الدفن في كربلاء نذكر النصوص التالية :

١ ـ إنه المعوّل عليه عند الإمامية (روضة الواعظين لابن الفتال النيسابوري ، ص ١٦٥ ؛ ومثير الأحزان لابن نما ، ص ٥٨).

٢ ـ عليه عمل الإمامية (اللهوف لابن طاووس ، ص ١١٢).

٣ ـ إنه المشهور بين العلماء (إعلام الورى للطبرسي ، ص ١٥١ ؛ ومقتل العوالم ، ص ١٥٤ ؛ ورياض المصائب ؛ وبحار الأنوار).

٤ ـ إن رأس الحسينعليه‌السلام أعيد إلى بدنه بكربلاء (ذكره المرتضى في بعض مسائله).

٥ ـ ومنه زيارة الأربعين (إضافة الشيخ الطوسي).

٦ ـ في العشرين من صفر ردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى جثته (البحار ، عن العدد القوية لأخي العلامة الحلي ؛ وعجائب المخلوقات للقزويني ، ص ٦٧).

٧ ـ قيل : أعيد الرأس إلى جثته بعد أربعين يوما (الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٢).

٨ ـ أعيد رأس الحسينعليه‌السلام بعد أربعين يوما من قتله (شرح همزية البوصيري لابن حجر).

٥٤٣

٩ ـ الأشهر أنه ردّ إلى كربلاء ، فدفن مع الجسد (تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ١٥٠)

١٠ ـ نقل اتفاق الإمامية على أن الرأس أعيد إلى كربلاء (المناوي في الكواكب الدريّة ، ج ١ ص ٥٧).

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم : وعلى هذا فلا نعبأ بكل ما ورد بخلافه. ورحم الله الحاج مهدي الفلوجي الحلي حيث قال :

لا تطلبوا رأس الحسين فإنه

لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدلّكم

في أنه المقبور وسط فؤادي

٥٤٤

الفصل الثلاثون

تسيير السبايا إلى المدينة

يتضمن الفصل المواضيع التالية :

١ ـ مسير السبايا إلى المدينة المنورة.

٢ ـ ردّ الرؤوس إلى كربلاء.

٣ ـ زيارة الأربعين :

ـ زيارة جابر بن عبد الله الأنصاري

ـ أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام

ـ استبعاد أن يكون ورود السبايا إلى كربلاء يوم الأربعين سنة ٦١

ـ حديث علامات المؤمن الخمسة وشرحها

ـ خبر الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام

٤ ـ وصول السبايا إلى المدينة المنورة :

ـ خطبة زين العابدينعليه‌السلام خارج المدينة

ـ دخول المدينة

ـ ندب الحسينعليه‌السلام في المدينة

٥٤٥
٥٤٦

الفصل الثلاثون

تسيير السبايا إلى المدينة

مقدمة الفصل :

نتيجة الضغوط المختلفة على يزيد ، من داخل البيت الأموي وخارجه ، ومن أعيان المسلمين وغير المسلمين ، ونتيجة لمقت عامة المسلمين له ؛ اضطر إلى تغيير سياسته ، فأظهر أمام الناس أنه يكرّم السبايا ، فأنزلهم منزلا حسنا بعد أن مكثوا وقتا في الخربة ، ثم أسبغ عليهم الجواهر والحلل ، كي يوهم الناس أنه بريء من الجرائم الفاشيّة التي ارتكبها ، ظنا منه أن ذلك ينطلي على المسلمين ، فتخفّ نقمتهم عليه ، ويقلّ مقتهم له.

ولما استشار يزيد حاشيته وأهل الشام ماذا يفعل بالسبايا؟ أشاروا عليه جميعا بتسييرهم إلى بلدهم في المدينة المنورة ؛ منهم من أشار عليه بذلك حبا وشفقة على أهل البيتعليه‌السلام ، مثل النعمان بن بشير الأنصاري ، ومنهم من أشار عليه بذلك تشفّيا وحنقا ، مثل مروان بن الحكم فقرر يزيد ترحيلهم إلى المدينة ، مظهرا المحبة والوداعة لهم ، والإكرام والتفضل عليهم. حتى قالت سكينةعليه‌السلام : " ما رأيت كافرا بالله خيرا من يزيد! ".

فهو كان يمارس شخصيتين متناقضتين : إحداهما حقيقية ، تنفّذ خطة رهيبة شيطانية لمحو الدين وأهله ؛ والأخرى ظاهرية ، تجعل منه حملا وديعا وقديسا طاهرا ، بعد أن وصل إلى حلمه الكبير ، وحصل على أمله الوحيد ، وهو قتل ممثل الإسلام ، والتفرد بالسلطة والأحكام.

وسنرى في الإتجاه الأول ، كيف أنه تابع تسيير الرأس الشريف إلى مصر ، وفي قول إلى المدينة أيضا ، ثم أرجعه إلى دمشق ، مؤكدا بذلك حقيقته الممعنة في الضلال ، بعد أن شكر عبيد الله بن زياد وقرّبه إليه ، عوضا عن عزله ومحاكمته ومعاقبته على ما اقترفت يداه. ولم يتمّ المرحلة الأولى من مخططه الخبيث ، وهي

٥٤٧

قتل عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى جهّز جيوشه لسبي المدينة المنورة واستحلالها ، ثم هدم الكعبة وإحراقها على من فيها.

وسوف نرى في هذا الفصل كيف كلّف يزيد النعمان بن بشير الأنصاري بنقل السبايا إلى المدينة ، وإرجاعهم إلى مدينة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكيف أنهم عرّجوا في مسيرهم على كربلاء ليجددوا الأحزان والعزاء ، فتوافوا في يوم واحد مع الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ، الّذي رغم كبره وفقد بصره جاء لزيارة الحسينعليه‌السلام يوم الأربعين. وفي أغلب الظن أن ذلك التلاقي إن حدث ، فإنه لم يحصل في ٢٠ صفر من العام نفسه ، بل من العام الّذي يليه أي عام ٦٢ ه‍ أو ما بعده.

٦٥٥ ـ ضغوط شديدة على يزيد :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٦)

يقول السيد عبد الرزاق المقرمرحمه‌الله :

لقد سرّ يزيد قتل الحسينعليه‌السلام ومن معه ، وسبي حريم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وظهر عليه السرور في مجلسه ، فلم يبال بإلحاده وكفره حين تمثّل بشعر ابن الزّبعرى ، وحتى أنكر نزول الوحي على رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكنه لما كثرت اللائمة عليه ووضح له الفشل والخطأ من فعلته التي لم يرتكبها حتى من لم ينتحل دين الإسلام وعاب عليه خاصته وأهل بيته ونساؤه ، وكان بمرأى منه ومسمع كلام الرأس الأطهر ، لما أمر بقتل رسول ملك الروم ، يقول : (لا حول ولا قوة إلا بالله) ؛ لم يجد مناصا من إلقاء التبعة على عاتق ابن زياد ، تبعيدا للتهمة عنه ؛ ولكن الثابت لا يزول.

ولما خشي الفتنة وانقلاب الأمر عليه ، عجّل بإخراج السجّادعليه‌السلام والعيال من الشام إلى وطنهم ومقرهم ، ومكّنهم مما يريدون. وأمر النعمان بن بشير وجماعة معه أن يسيروا معهم إلى المدينة ، مع الرفق.

الرحيل من دمشق إلى المدينة المنوّرة

٦٥٦ ـ تسيير السبايا إلى المدينة :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٢)

ولما أراد يزيد أن يجهّزهم ، قال للنعمان بن بشير صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :جهّز هؤلاء النسوة بما يصلحهم ، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا ، وابعث معهم خيلا وأعوانا.

٥٤٨

وفي (أخبار الدول) للقرماني : أن الرسول هو النعمان بن بشير مع ثلاثين رجلا.

وفي (الإرشاد) للشيخ المفيد ، ص ٢٥ : وكان النعمان بن بشير والي الكوفة ، له ميل لأهل البيتعليه‌السلام وهو من الأنصار.

وفي (معالي السبطين) عن كتب المقاتل : لما أرادوا [أي السبايا] الرجوع إلى المدينة ، أحضر يزيد لهم المحامل وزيّنها.

٦٥٧ ـ استرضاء السبايا وإكرامهم :(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : فأعطاهم مالا كثيرا ، وأخلف على كل واحد ما أخذ منه ، وأزاد عليه من الحلي والحلل. ثم دعا بالجمال فأبركوها ، ووطّؤوها لهم بأحسن وطاء وأجمله. ودعا بقائد من قواده ، وضم إليه خمسمائة فارس ، وأمره بالمسير إلى المدينة.

وفي (نور الأبصار) للشبلنجي ، ص ١٣٢ :

وبعد أن أنعم يزيد على السبايا بالألبسة والحلي ، قالت سكينةعليه‌السلام :

ما رأيت كافرا بالله خيرا من يزيد!.

٦٥٨ ـ يزيد ينتدب النعمان بن بشير لإرجاع السبايا إلى المدينة :

(إعلام الورى ، ص ٢٤٩ ط بيروت)

ثم ندب يزيد النعمان بن بشير ، وقال له : تجهّز لتخرج هؤلاء النساء إلى المدينة.

ولما أراد أن يجهّزهم دعا علي بن الحسينعليه‌السلام فاستخلاه [أي خلا به] ، وقال له : لعن الله ابن مرجانة (حيث قتل أباك). أما والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت (ولو بهلاك بعض ولدي) ، ولكن الله قضى بما رأيت. كاتبني من المدينة (وارفع إليّ حوائجك) ، وانه إليّ كل حاجة تكون لك.

وتقدّم بكسوته وكسوة أهله ، وأمر بالأنطاع من الأبريسم ، وصبّ عليها الأموال.وقال : يا أم كلثوم ، خذوا هذه الأموال عوض ما أصابكم!.

فقالت أم كلثوم : يا يزيد ، ما أقلّ حياءك وأصلب وجهك ، تقتل أخي وأهل بيتي ، وتعطيني عوضهم مالا!. والله لا كان ذلك أبدا.

٥٤٩

وأنفذ معهم جماعة عليهم النعمان بن بشير ، وتقدم إليهم أن يسير بهم في الليل ، ويكونوا أمامه ، حيث لا يفوتون طرفة عين. فإذا نزلوا تنحّى عنهم بالظرف ، وتفرّق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم بحيث لو أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم.

فسار معهم ، فلم يزل يرفق بهم في الطريق ، حتى وصلوا إلى المدينة.

٦٥٩ ـ رفض النعمان بن بشير لهدية زينب وفاطمة بنتي عليعليه‌السلام :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٩)

وكان النعمان يسأل عن حوائجهم ويتلطف بهم. فقالت فاطمة لأختها زينب بنت عليعليه‌السلام : لقد أحسن هذا الرجل إلينا ، فهل لك أن تصليه بشيء؟. فقالت : والله ما معنا ما نصله به إلا حليّنا ، فأخرجت إسوارين ودملجين لهما ، فبعثتا بها إليه ، واعتذرنا. فردّ الجميع ، وقال : ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٥ :

وروي عن الحرث بن كعب ، قال : قالت لي فاطمة بنت عليعليه‌السلام : قلت لأختي زينبعليه‌السلام : قد وجب علينا حق هذا الرسول ، لحسن صحبته لنا ، فهل لنا أن نصله بشيء؟. قالت : والله مالنا ما نصله به إلا أن نعطيه حليّنا. فأخذت سواري ودملجي [أي الحلق] وسوار أختي ودملجها ، فبعثنا بها إليه واعتذرنا من قلّتها ، وقلنا : هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا. فقال : لو كان الّذي صنعت للدنيا ففي دون هذا رضاي ، ولكن والله ما فعلته إلا لله ، ولقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ردّ الرؤوس إلى كربلاء

٦٦٠ ـ مصير الرؤوس الشريفة :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٣)

في تاريخ (حبيب السير) أن يزيد بن معاوية سلّم رؤوس الشهداء إلى علي بن الحسينعليه‌السلام فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر. ثم توجّه إلى المدينة الطيبة.

وقال : هذا أصح الروايات الواردة في مدفن الرأس المكرم.

٥٥٠

٦٦١ ـ أخذ زين العابدينعليه‌السلام الرؤوس معه :

(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٩)

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : عند ما خرج الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام من الشام ومعه أهل بيته وجملة من الخدم الذين بعثهم يزيد مع أهل البيتعليه‌السلام ، وعلى رأسهم النعمان بن بشير الأنصاري ، كانوا قد جاؤوا برأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس البقية من أصحابه ليردّوهم إلى أجسادهم. فلما بلغ السجّاد العراق قال للدليل : مرّ بنا إلى كربلاء. فلما وصلوا كربلاء ألحقوا الرؤوس بأجسادها ، ووجد جابر عند قبر الحسينعليه‌السلام .

تعليق :

ذكرنا سابقا أن إلحاق رأس الحسينعليه‌السلام بجسده المقدس ، مما أجمعت عليه الروايات ، وإذا كان رحيل السبايا في صفر عام ٦٢ ه‍ ، أي بعد سنة من ورودهم إلى الشام ، فيحتمل أن يكون يزيد قد أعطى زين العابدينعليه‌السلام رأس أبيه ، فردّه إلى كربلاء. أو إن أحد موالي أهل البيتعليه‌السلام قد سرق الرأس الشريف من الشام بعد مدة وألحقه بالجسد المقدس ، كما في إحدى الروايات عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

أما إلحاق بقية الرؤوس بأجسادها ، فهذا غير متيقن ، لأن هناك أدلة حسّية عن وجود بعض هذه الرؤوس أو كلها وعددها ١٦ رأسا ، في مشهد رؤوس الشهداء في مقبرة باب الصغير (الستّات) بدمشق ، كما نصّ على ذلك السيد الأمين وغيره.وسنبين ذلك فيما بعد.

٦٦٢ ـ هل ردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء يوم الأربعين؟ :

(بغية النبلاء في تاريخ كربلاء لعبد الحسين الكليدار ، ص ١٦)

ولم يتعرض الشيخ المفيد إلى ذكر ورودهم كربلاء بعد إطلاق سراحهم. إلا أن السيد ابن طاووس قال : " أمر يزيد بردّ الأسرى وسبايا الحسينعليه‌السلام إلى أوطانهم بمدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وأما الرأس الشريف ، روي أنه أعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف".

ومن الغريب أن ابن طاووس قد ذكر العبارة السابقة ، بعد أن ذكر امتناع يزيد عن تلبية طلب السجّادعليه‌السلام برؤية وجه أبيه ، فكيف يعطيه الرأس الشريف!.

٥٥١

زيارة الحسينعليه‌السلام في الأربعين

٦٦٣ ـ رجوع السبايا إلى المدينة المنورة مع الإمام زين العابدينعليه‌السلام ومرورهم على كربلاء :

ثم إن يزيد أمر بردّ السبايا والأسارى إلى المدينة المنورة ، فسار بهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام إلى المدينة من طريق العراق الصحراوي ، فلما وصلوا إلى موضع المصرع الشريف في كربلاء ، وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ، قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين ، فأقاموا هناك المآتم والعزاء. وأغلب الظن أنهم وصلوا كربلاء يوم الأربعين من العام التالي لمقتل الحسينعليه‌السلام وليس في العام نفسه.

ثم تابع ركب السبايا مسيره من كربلاء إلى المدينة ، فاستقبلهم أهل المدينة بالبكاء والعويل.

ـ مرور السبايا على كربلاء يوم الأربعين :

(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ٨٢)

ولما رجع علي بن الحسينعليه‌السلام وعياله من الشام وبلغوا العراق ، قالوا للدليل :مرّ بنا على طريق كربلاء. فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري [وكان أعمى] وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام . فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرّحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد ؛ فأقاموا على ذلك أياما.

وفي (رياض الأحزان) ص ١٥٧ : وأقاموا في كربلاء ينوحون على الحسينعليه‌السلام ثلاثة أيام.

٦٦٤ ـ زيارة جابر للقبر الشريف :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢١٠)

عن كتاب (بشارة المصطفى) لأبي جعفر الطبري ، ص ٨٩ وغيره ، بسنده عن الأعمش ، عن عطيّة العوفي ، قال :

خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه زائرا قبر الحسينعليه‌السلام . فلما

٥٥٢

وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات ، فاغتسل ثم ائتزر بإزار ، وارتدى بآخر. ثم فتح صرة فيها صعد [نوع من الطيب] فنثرها على بدنه ، ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله تعالى. حتى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه ، فألمسته إياه. فخرّ على القبر مغشيا عليه ، فرششت عليه شيئا من الماء. فلما أفاق قال : يا حسين [ثلاثا]. ثم قال :حبيب لا يجيب حبيبه ، وأنى لك بالجواب ، وقد شخبت أوداجك من أثباجك [جمع ثبج : وهو وسط شيء تجمّع وبرز] ، وفرّق بين بدنك ورأسك. أشهد أنك ابن خاتم النبيين ، وابن سيد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكسا ، وابن سيد النقبا ، وابن فاطمة سيدة النساء. وما لك لا تكون هكذا ، وقد غذّتك كفّ سيد المرسلين ، وربّيت في حجر المتقين ، ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالإسلام ؛ فطبت حيا وطبت ميتا. غير أن قلوب المؤمنين غير طيّبة بفراقك ، ولا شاكّة في حياتك. فعليك سلام الله ورضوانه. وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.

ثم جال ببصره حول القبر [مع أنه أعمى فقد جال ببصره كأنه يرى ، إذ فتح الله على بصيرته] وقال : السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسينعليه‌السلام وأناخت برحله. أشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين.

والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. فقال له عطيّة العوفي : وكيف ولم نهبط واديا ، ولم نعل جبلا ، ولم نضرب بسيف؟!. والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم ، وأيتمت أولادهم ، وأرملت الأزواج؟!.

فقال له : يا عطية ، إني سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ قوما حشر معهم ، ومن أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم. والذي بعث محمدا بالحق إنّ نيّتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسينعليه‌السلام وأصحابه.

قال عطية : فبينما نحن كذلك ، وإذ بسواد قد طلع من ناحية الشام. فقلت : يا جابر ، هذا سواد طلع من ناحية الشام. فقال جابر لعبده : انطلق إلى هذا السواد ، وائتنا بخبره ، فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا ، لعلنا نلجأ إلى ملجأ ، وإن كان زين العابدينعليه‌السلام فأنت حرّ لوجه الله تعالى.

قال : فمضى العبد ، فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول : يا جابر ، قم

٥٥٣

واستقبل حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . هذا زين العابدينعليه‌السلام قد جاء بعماته وأخواته.فقام جابر يمشي حافي الأقدام مكشوف الرأس ، إلى أن دنا من زين العابدينعليه‌السلام . فقال الإمامعليه‌السلام : أنت جابر؟. فقال : نعم يابن رسول الله.فقال : يا جابر ، ههنا والله قتلت رجالنا ، وذبحت أطفالنا ، وسبيت نساؤنا ، وحرّقت خيامنا.

ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة.

٦٦٥ ـ أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام :

(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٥ ؛ وتذكرة الخواص ، ص ٢٨٠)

يؤخذ من رواية أبي مخنف التي ذكرها الطبري ، أن أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام بعد دفن الأجساد ، كان عبيد الله بن الحر الجعفي. وهناك أنشد أشعارا رائقة ، تشعر عن ندامته على عدم نصرة الحسينعليه‌السلام .

يقول : ويظهر من (مقتل الخوارزمي) أنه أنشدها على قبر الحسينعليه‌السلام

[ولكن لم نجد ذلك في مقتل الخوارزمي] ، فضجّ من معه بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم ، يصلّون ويبكون ويتضرعون ، والأبيات هي :

يقول أمير غادر أي غادر

ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه

ونفسي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تسدّد نادمه

وإني على أن لم أكن من حماته

لذو حسرة ما أن تفارق لازمه

سقى الله أرواح الذين تآزروا

على نصره سقيا من الغيث دائمه

وقفت على أطلالهم ومحالهم

فكاد الحشا ينقضّ والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا سراعا إلى الوغى

مصاليت في الهيجا حماة خضارمه

تأسّوا على نصر ابن بنت نبيهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمه

فإن يقتلوا في كل نفس بقية

عليالأرض قد أضحت لذلك واجمه

وما إن رأى الراؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهرا قماقمه

أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا

فدع خطّة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد أرغمتمونا بقتلهم

فكم ناقم منا عليكم وناقمه

٥٥٤

أهمّ مرارا أن أسير بجحفل

إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفّوا وإلا زرتكم في كتائب

أشدّ عليكم من زحوف الديالمه

ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه ، فقعد على فرسه ونجا منه.

ـ متى كانت زيارة جابر؟ :(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٧)

يقول السيد محمّد حسن مصطفى آل كليدار :

وفي عام ٦٢ ه‍ توجّه إلى كربلاء جابر بن عبد الله الأنصاري ، زائرا قبر الحسينعليه‌السلام ، ومعه جماعة من بني هاشم ، فكانوا عنده في ٢٠ صفر.

٦٦٦ ـ استبعاد أن يكون ورود السبايا في ٢٠ صفر من نفس العام :

(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٧)

يقول السيد عبد العزيز الحسني : إن الحقيقة التي يمكن القول بها كما هو الرأي السائد في أكثر الأوساط العلمية عند رجال الإمامية ، هو ما قاله

[صاحب (القمقام) فرهاد ميرزا] ص ٤٩٥ :

منذ رحل عمر بن سعد عن كربلاء إلى الكوفة ومعه سبايا الحسينعليه‌السلام والرؤوس ، كان قد قطع مسافة ثمانية فراسخ ما بين كربلاء والكوفة [نحو ٤٤ كم] ، فلا بدّ أن قطع هذه المسافة في ثلاثة أيام. وهناك لا بدّ أن عبيد الله بن زياد قد عطّل السبايا مدة من الزمن ، حيث مرّ بهم في جميع أسواق الكوفة ، لكي يوجد رعبا في قلوب القبائل العربية ، وأن ينتظر ورود أوامر يزيد ثانيا. ولما ورد طلب يزيد بجلب السبايا إلى الشام ، كانت المسافة التي يقطعها الراحل على خط مستقيم ما بين الكوفة والشام مائة وخمسة وسبعين فرسخا [حوالي ألف كم] ، إلا أن ابن زياد اتخذ طريقا غير هذا الطريق ، كما يؤخذ من رواية صاحب (المنتخب) قال : أخذوا الرؤوس مع السبايا من أهل الحسينعليه‌السلام من الكوفة إلى تكريت ، ومنه إلى دير عمر ، فوادي نخلة ، ونزلوا بها ليلتهم ، ثم ساروا إلى لينا ، ثم وادي الكحيلة ثم الجهينة ، ثم نصيبين فعين الوردة ، ومن هناك عرّجوا إلى حرّان فحلب. ثم إلى معارة نعمان ، ومنه إلى شيزر. ثم إلى حمص ، ومنه إلى بعلبك ، ومنه إلى دير النصارى ، ثم إلى دمشق. فلا بدّ وأن المسافة كانت شاسعة ، وقد طال أمد السير.

٥٥٥

كما وإن هناك رواية أن أهل البيتعليه‌السلام قد مكثوا مدة ستة أشهر عند يزيد ، حتى انطفأت ثائرته. ثم دعا الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام وخيّره بين البقاء عنده أو المسير إلى المدينة.

ولعمري كيف يمكن في مدة أربعين يوما ، أن تستغرق هذه السفرة في الذهاب والإياب؟!. فمن الأمور المحققة التي تميل إليها الأوساط العلمية عند مؤرخي الإمامية ، أن أهل البيتعليه‌السلام قد وردوا كربلاء في ٢٠ صفر عام ٦٢ ه‍ ، ووجدوا جابرا عند القبر.

ويقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٢٦ بعد أن أورد روايات أبي مخنف ، واللهوف الخ : إن هذه الروايات لم يظهر معها أن ورود آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كربلاء كان يوم الأربعين ، أي العشرين من صفر.

ولا يخفى أن دعوى ورودهم كربلاء يوم العشرين من صفر ، دعوى غير معقولة ؛ لأن آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا في الكوفة مدة في سجن ابن زياد ، ثم كانوا مدة مديدة في دمشق في سجن يزيد. ثم إنهم أقاموا مأتم سيد الشهداءعليه‌السلام في دمشق مدة سبعة أيام ، وكان ذلك بعد خلاصهم من سجن يزيد.

المخرج :

إذا صحّ أن جابر ورد كربلاء يوم ٢٠ صفر من عام ٦١ ه‍ ، فيمكن افتراض أن جابر وجماعة من بني هاشم أدركوا زيارة الأربعين ، ثم مكثوا عند قبر الحسينعليه‌السلام حتى ورد عليهم زين العابدينعليه‌السلام فتلاقوا هناك. وهذا فحوى بعض الروايات : " فتوافوا في وقت واحد".

هذا هو المخرج الأول. أما المخرج الثاني فهو أن جابر والسبايا قد توافوا عند القبر الشريف في يوم واحد ، هو يوم الأربعين ؛ ولكن من العام التالي ٦٢ ه‍.

٦٦٧ ـ تحقيق يوم الأربعين :(تظلم الزهراء للقزويني ، ص ٢٨٧ ط قم)

روى السيد ابن طاووس في (الإقبال) قال : وجدت في (المصباح) أن حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسينعليه‌السلام يوم العشرين من صفر ، وكلاهما مستبعد ، لأن عبيد الله بن زياد كتب إلى يزيد يعرّفه ما جرى ، ويستأذنه في حملهم ، ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه ، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوما أو أكثر منها. ولأنه لما حملهم إلى الشام ، روي أنهم أقاموا فيها شهرا

٥٥٦

في موضع لا يكنّهم من حرّ ولا برد. وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوما ، من يوم قتلهعليه‌السلام إلى أن وصلوا كربلاء أو المدينة.

وأما جوازهم في عودهم على كربلاء ، فيمكن ذلك ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر ، لأنهم اجتمعوا على ما روي مع جابر بن عبد الله الأنصاري ، فإن كان جابر وصل زائرا من الحجاز ، فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه [إلى كربلاء] إلى أكثر من أربعين يوما ، أو على أن يكون وصل جابر من غير الحجاز ، من الكوفة أو غيرها.

يقول السيد رضي بن نبي القزويني : غاية ما قالرحمه‌الله بعد تسليمه ، محض استبعاد ، ولا ينبغي بمحضه إنكار الروايات. فإنا سمعنا من الموثقين قرب الكوفة من دمشق ، بما قد تيسر للبريد أن يسير بثلاثة أيام ومدة مقامهم في دمشق على ما في (المنتخب) لا يعلم كونها زائدة على ثمانية أيام تقريبا.

ولم نظفر على رواية دلّت على مقامهم فيها مدة شهر ، والله يعلم. وأيضا قد يذهب الحمام [أي الزاجل] بالمكاتب بأسرع من ذلك.

واستبعاد مجيء جابر من أرض الحجاز أبعد من هذا ، لما روي أن أبا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالكوفة أو بغداد ، وورد مكة وحجّ في تلك السنة. ولأن أخبار نواعي الحسينعليه‌السلام من الجن والطير وانقلاب التربة دما وغير ذلك ، أكثر من أن يخفى على أمثال جابر كما مضى بعضه ، والله أعلم بحقيقة الحال ، والتسليم لنا خير للمآل.

٦٦٨ ـ هل أعيد الرأس يوم الأربعين؟ :

(تظلم الزهراء للسيد رضي القزويني ، ص ٢٨٥ ط قم)

قال السيد رضي بن نبي القزويني :

وأما تعيين الإعادة يوم الأربعين من قتله ، والوقت الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام ونقله الله جلّ جلاله إلى شرف فضله ، كان (فيه) الإسلام مقلوبا والحق مغلوبا ، وما تكون الإعادة بأمور دنيوية ، والظاهر أنها بقدرة الإله.

لكن وجدت نحو عشر روايات مختلفات في حديث الرأس الشريف ، كلها منقولات. ولم أذكر إلى الآن أنني وقفت ولا رويت تسمية أحد ممن كان من الشام ، حتى أعادوه إلى جسده الشريف بالحائر ، ولا كيفية لحمله من الشام إلى الحائر على

٥٥٧

صاحبه أكمل التحية والإكرام ، ولا كيفية لدخول حرمه المعظم ، ولا من حفر ضريحه المقدس المكرم حتى عاد إليه ، وهل وضعه موضعه من الجسد ، أو في الضريح مضموما إليه؟.

فليقصر الإنسان على ما يجب عليه من تصديق القرآن [يقصد قوله تعالى عن الشهداء( ... عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ] ، من أن الجسد المقدس تكمّل عقيب الشهادة ، وأنه يرزق في دار السعادة. ففي بيان الكتاب العزيز ما يغني عن زيادة دليل وبرهان.

زيارة الأربعين

٦٦٩ ـ فضل زيارة الأربعين :(مزار البحار ، ج ٩٨ ص ٣٣٤ ط ٢)

يقول العلامة المجلسي في (مزار البحار) : اعلم أنه ليس في الأخبار ، ما العلة في استحباب زيارة الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين. والمشهور بين الأصحاب أن العلة في ذلك رجوع حرم الحسينعليه‌السلام في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء عند رجوعهم من الشام ، وإلحاق الإمام زين العابدينعليه‌السلام الرؤوس بالأجساد.

وقيل : في مثل ذلك اليوم رجع السبايا إلى المدينة.

وكلاهما مستبعد جدا ، لأن الزمان لا يسع ذلك ، كما يظهر من الأخبار والآثار ، وكون ذلك في السنة الأخرى [أي التالية] أيضا مستبعد.

ولعل العلة في استحباب الزيارة في هذا اليوم هو أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في مثل هذا اليوم وصل من المدينة إلى القبر الشريف ، وزاره بالزيارة المعروفة ، فكان أول من زاره من الإنس ظاهرا. فلذلك يستحب التأسي به.

أو العلة هي إطلاق أهل البيتعليه‌السلام في الشام من الحبس والقيد في مثل هذا اليوم ، أو علة أخرى لا نعرفها.

وتوافق زيارة الأربعين يوم العشرين من صفر ، وذلك لأربعين يوما مضت على مقتل الحسينعليه‌السلام .

وقال السيد ابن طاووس في كتاب (الإقبال) ص ٦٠ : ووجدت في (المصباح) للشيخ الطوسي : أن حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسينعليه‌السلام يوم العشرين من صفر. وفي غير (المصباح) أنهم وصلوا كربلاء أيضا في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر.

٥٥٨

ـ تعليق حول زيارة الأربعين :

(أقول) : إذا صحّت الرواية بأن الإمام زين العابدينعليه‌السلام وافى جابر بن عبد الله الأنصاري في كربلاء يوم الأربعين [٢٠ صفر] فيبعد أن يكون ذلك في السنة نفسها التي قتل فيها الحسينعليه‌السلام ، وذلك لأمور :

١ ـ إن الفترة التي قضاها السبايا في كربلاء ثم الكوفة (السجن) حتى جاء الأمر من دمشق بتسييرهم في أطول طريق إلى الشام ، ثم إقامتهم في دمشق حتى رخّص لهم يزيد بمغادرتها ، ثم حتى وصولهم كربلاء هذه الفترة تزيد عن أربعين يوما بلا شك.

٢ ـ كان جابر في المدينة حين قتل الحسينعليه‌السلام ، ويحتاج خبر مقتل الحسينعليه‌السلام ليصل من الكوفة إليها نحو ٢٤ يوما ، فلو أن جابر قرر الذهاب إلى كربلاء من حين وصول الخبر ، لاحتاج إلى ٢٤ يوما أخرى ليصل إليها ، لا سيما أنه كان ضريرا وكبير السن. فيمتنع أن يصل إلى كربلاء يوم الأربعين.

٣ ـ تنصّ إحدى الروايات على أن الإمام زين العابدينعليه‌السلام صحب معه رأس أبيه الحسينعليه‌السلام ودفنه يوم الأربعين مع الجسد الشريف في كربلاء ، أثناء رجوعه إلى المدينة. وهذا بعيد الظن لأن يزيد كان قد وعد الإمام زين العابدينعليه‌السلام بأن يقضي له ثلاث حاجات مما يريد ، فطلب في إحداها أن يريه وجه أبيه الحسينعليه‌السلام فقد اشتاق إليه. فكان جواب يزيد قوله : أما رؤية الرأس فليس إلى ذلك من سبيل. فإذا كان رفض أن يريه الرأس الشريف فكيف يسمح له بأخذه معه وإرجاعه.

٤ ـ إن يزيد بعد أن روّى حقده برؤية رأس الحسينعليه‌السلام على طبق من ذهب مزمّلا بدمائه ، لم يشفه ذلك حتى أعطى أوامره بتسيير الرأس الشريف إلى كل أرجاء الدولة الإسلامية ، حتى يرى كل المسلمين الرأس ممثّلا به ، فيزيلوا من مخيلتهم أية فكرة في الخروج عليه.

من هذا المنطلق بعث يزيد الرأس الشريف إلى مصر ، عن طريق عمّان والقدس ، فعسقلان فرفح ، حتى وصل إلى الفسطاط [وهي القاهرة اليوم]. وهناك أقام أعوان يزيد الأفراح والأعراس ابتهاجا ومشاركة ليزيد في بهجة انتصاره على الحسينعليه‌السلام وعرضت أمام الناس الخيول التي داست جسد الحسينعليه‌السلام

٥٥٩

في مسيرة حاشدة ، فاشتراها التجار بآلاف الدنانير ، وخلعت حدواتها وعلّقوها على أبواب بيوتهم تبركا بها. ثم أرجع يزيد الرأس الشريف إلى دمشق ، حيث سيّره إلى المدينة المنورة ، وكان عامله عليها عمرو بن سعيد الأشدق وهو من بني أمية ، فبعد أن ابتهج بمقتل الحسينعليه‌السلام وشمت به ، أدخل الرأس إلى مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضعه بجانب قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلا : قد أخذنا ثأرنا منك يا محمّد ، بقتلى بدر!.

ولهذا التسيير للرأس الشريف توهم بعض المؤرخين أنه دفن في القاهرة أو المدينة أو الكوفة.

وهذا التسيير قد استغرق وقتا كبيرا ، وهذا يتعارض كليا مع رواية إرجاع زين العابدينعليه‌السلام الرأس الشريف يوم الأربعين من عام ٦١ ه‍. فلو صحّ ذلك فهو في السنة التالية أو ما بعدها. وهذا ما ذهب إليه كثير من المحققين ، وقد أشار إليه السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله ، وهو ما كان يرجّحه الخطيب المنبري في دمشق المرحوم الحاج حسني صندوق ، وهو ما نراه ونؤيده.

حديث علامات المؤمن

٦٧٠ ـ زيارة الأربعين من علامات المؤمن الخمسة :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٤)

في تفسير الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام قال :

" علامات المؤمن خمس : التختّم باليمين ، وصلاة إحدى وخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والتعفير للجبين ، وزيارة الأربعين".

[شرح الحديث] :

٦٧١ ـ التختّم باليمين :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٧٧)

مما تعرّض له الحديث السابق (التختّم باليمين) ، وهو ما التزم به الإمامية ، تديّنا بروايات أئمتهمعليهم‌السلام ، وخالفهم في ذلك جماعة من السنّة.

وقال الشيخ إسماعيل البروسوي : ذكر في (عقد الدرر) أن السّنة في الأصل

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

كفر يزيد وارتداده

٨٧٨ ـ ما حكاه عبد الله بن عمر عن معاوية ويزيد :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٥)

حكى عبد الله بن عمر ، قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في مسجده ، فسمعته يقول لجلسائه : الآن يطلع عليكم رجل ، يموت على غير سنّتي. فما استتم كلامه إذ طلع معاوية وجلس معنا في المسجد. فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب ، فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد ، وخرج ولم يسمع الخطبة. فلما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجا مع ابنه ، قال : لعن الله القائد والمقود.

(أقول) : إن يزيد بن معاوية لم يكن في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد ولد سنة ٢٨ ه‍ ، والصحيح أن معاوية حين خرج من المسجد كان يأخذ بيد أخيه الأصغر يزيد بن أبي سفيان ، وليس ابنه يزيد.

٨٧٩ ـ كفر يزيد وارتداده عن الإسلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٠)

يقول محمّد مهدي المازندراني : ثم لا بأس أن نشير إلى كلمات بعض علماء العامة في كفر يزيد ، ووجوب اللعن عليه.

شهادة ابن عقدة :

قال ابن عقدة : ومما يدل على كفره وزندقته ، فضلا عن سبّه ولعنه ، أشعاره التي أفصح فيها بالإلحاد ، وأبان عن خبث الضمير والاعتقاد ؛ منها قوله في تحليل الخمر وإنكار البعث :

إذا ما نظرنا في أمور قديمة

وجدنا حلالا شربها متواليا

وإن متّ يا أم الأحيمر فانكحي

ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإن الّذي حدّثت من يوم بعثنا

أحاديث طمّ تجعل القلب ساهيا

وله أيضا :

معشر الندمان قوموا

واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام

واتركوا ذكر المعاني

شغلتني نغمة العيدا

ن عن صوت الأذان

وتعوّضت عن الحو

ر خمورا في الدّنان

٧٢١

شهادة أبي يعلى :(المصدر السابق)

وحكى القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب (الوجهين والروايتين) أنه قال : إن صحّ عن يزيد ذلك [أي ما استشهد به من أبيات شعر ابن الزبعرى المشرك] ، فقد كفر بالله وبرسوله ، لأنه أسف على كفار بدر ، ولم يرض بقتلهم ، وأنكر أمر الله فيهم ، وفعل الرسول في جهادهم ، واعتبر أن قتل الحسينعليه‌السلام صواب ، وعادله بالكفار وسوّى بينهم ، والله سبحانه وتعالى يقول :( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ ) (٢٠) [الحشر :٢٠]. وهل هذا إلا ارتداد عن الدين ف( لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) [الأعراف : ٤٤]( الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ٢٨جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ ) (٢٩) [إبراهيم : ٢٨ ـ ٢٩]. ثم إن يزيد زاد في القصيدة بقوله :

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

قال مجاهد : وهذا نافق في الدين.

شهادة الزهري :(المصدر السابق)

وقال الزهري : لما جاءت الرؤوس كان يزيد على منظرة جيرون ، فأنشد يقول :

لما بدت تلك الرؤوس وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح

فلقد قضيت من النبي ديوني

وهل أحد يشكّ في كفره ، بعد إنشاده هذه الأبيات؟!.

٨٨٠ ـ صبّ يزيد الخمر على رأس الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

وقال بعض آخر : إن صبّ الجرعة من الخمر على رأس الحسينعليه‌السلام واستهزاءه بأن علياعليه‌السلام ساق على الحوض ، وأن محمدا حرّم الذهب والفضة ، وشعره في الانتقام من بني أحمد ، واترا عن شيوخه الكفرة المقتولين يوم بدر ؛ إن صحّ عنه ذلك فهو كافر ، لأنه ما فعل ذلك إلا وهو منكر لما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...والمنكر لما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كافر.

٧٢٢

٨٨١ ـ رأي عمر بن عبد العزيز في يزيد :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣١)

قال نوفل بن أبي الفرات : كنت عند عمر بن عبد العزيز ، فذكر رجل يزيد ، فقال : قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية!. فقال عمر : تقول أمير المؤمنين!.وأمر به فضرب عشرين سوطا.

٨٨٢ ـ رأي عبد الملك بن مروان بمن قبله :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢١٨)

خطب عبد الملك بن مروان بالمدينة بعد قتل الزبير ، فقال : أما بعد ، فلست بالخليفة المستضعف [يعني عثمان] ، ولا الخليفة المداهن [يعني معاوية] ، ولا الخليفة المأفون [يعني يزيد].

٨٨٣ ـ رأي ابن حجر في كفر يزيد :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٦٨)

قال ابن حجر في (شرح الهمزية) : إن يزيد قد بلغ من قبائح الفسق والانحلال عن التقوى مبلغا لا يستكثر عليه صدور تلك القبائح منه. بل قال الإمام أحمد بن حنبل بكفره ، وناهيك به علما وورعا ، يقضيان بأنه لم يقل ذلك إلا لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك ، ثبتت عنده ، وإن لم تثبت عند غيره.

٨٨٤ ـ رأي عبد الباقي العمري وحكمه بكفر يزيد :

(المصدر السابق ، ص ٥٧)

قال الشبراوي بعد ذكر الأبيات التي تمثّل بها يزيد :

إن هذه الأبيات أشار إليها شاعر العراق المرحوم عبد الباقي العمري في ديوانه (الباقيات الصالحات) بقوله :

نقطع في تكفيره إن صحّ ما

قد قال للغراب لما نعبا

٨٨٥ ـ آراء علماء السنة في يزيد ولعنه :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)

قال ابن عماد الحنبلي : ولعلماء السلف في يزيد وقتله الحسينعليه‌السلام خلاف في اللعن والتوقف.

قال ابن الصلاح : والناس في يزيد ثلاث فرق : فرقة تحبه وتتولاه ، وفرقة تسبّه

٧٢٣

وتلعنه ، وفرقة متوسطة في ذلك ، لا تتولاه ولا تلعنه. قال : وهذه الفرقة هي المصيبة ، ومذهبها هو اللائق لمن يعرف سير الماضين ، ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة. انتهى كلامه

ويتابع الحنبلي كلامه قائلا : وعلى الجملة فما نقل عن قتلة الحسينعليه‌السلام والمتحاملين عليه ، يدلّ على الزندقة وانحلال الإيمان من قلوبهم ، وتهاونهم بمنصب النبوة ، وما أعظم ذلك!. فسبحان من حفظ الشريعة حينئذ ، وشيّد أركانها حتى انقضت دولتهم. وعلى فعل الأمويين وأمرائهم بأهل البيتعليه‌السلام حمل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هلاك أمتي على أيدي أغيلمة من قريش».

رأي التفتازاني في لعن يزيد :(المصدر السابق)

وقال سعد الدين التفتازاني في (شرح العقائد النسفية) : اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين (ع) ، أو أمر بقتله ، أو أجازه أو رضي به (من غير تبيّن).

قال : والحق أن رضا يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام ، واستبشاره بذلك ، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مما تواتر معناه ، وإن كانت تفاصيله آحادا.

قال : فنحن لا نتوقف في شأنه ، بل في كفره وإيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. اه

رأي الحافظ ابن عساكر :(المصدر السابق ، ص ٦٩)

وقال الحافظ ابن عساكر : نسب إلى يزيد قصيدة منها :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

فإن صحّت عنه ، فهو كافر بلا ريب.

رأي الحافظ الذهبي :

(المصدر السابق)

وقال الحافظ الذهبي في يزيد : كان ناصبيا فظا غليظا ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر. افتتح دولته بقتل الحسينعليه‌السلام ، وختمها بوقعة الحرّة. فمقته الناس ، ولم يبارك في عمره. وخرج عليه غير واحد بعد الحسينعليه‌السلام .

٧٢٤

رأي الكيا الهراسي :

واستفتي الكيا الهراسي في يزيد ، فذكر فصلا واسعا من مخازيه حتى نفدت الورقة. ثم قال : ولو مددت ببياض [اي ورق] لمددت العنان في مخازي هذا الرجل.

رأي الغزّالي :

وأما الغزالي ، فرغم كل علمه وفهمه ، فقد توقف في شأنه ومنع من لعنه ، مع تقبيح فعله ، بدعوى أنه ربما تاب قبل موته. مع أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد لعن يزيد ، وهو يعلم أنه لن يتوب. وواقع الحال يدلّ على عدم توبته ، فقد قصف الله عمره أثناء ما كان جيشه يضرب الكعبة ويحرقها. فأين التوبة!.

رأي اليافعي :

وقال اليافعي : وأما حكم من قتل الحسينعليه‌السلام أو أمر بقتله ، ممن استحل ذلك فهو كافر ، وإن لم يستحل ففاسق فاجر.

لعن يزيد وسبّه

٨٨٦ ـ كفر يزيد ولعنه :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٩٢)

قال الشيخ الصبان : وقد قال الإمام أحمد بن حنبل بكفره ، وناهيك به ورعا وعلما ، يقتضيان أنه لم يقل ذلك إلا لما ثبت عنده من أمور صريحة وقعت منه توجب ذلك.

وواقفه على ذلك جماعة كابن الجوزي.

وأما فسقه فقد أجمعوا عليه. وأجاز قوم من العلماء لعنه بخصوص اسمه ، روي ذلك عن الإمام أحمد.

قال ابن الجوزي : صنّف القاضي أبو يعلى كتابا فيمن كان يستحق اللعنة ، وذكر منهم يزيد.

وأما جواز لعن من قتل الحسينعليه‌السلام أو أمر بقتله أو أجازه أو رضي به ، من غير تسمية ؛ فمتّفق عليه.

٧٢٥

٨٨٧ ـ هل يزيد من الصحابة ، وهل يجوز لعنه؟ :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٠ ؛

والكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ، ج ٢ ص ٥٣)

سئل عماد الدين الكيا الهراسي الفقيه الشافعي ، عن يزيد بن معاوية ، هل هو من الصحابة أم لا؟. وهل يجوز لعنه أم لا؟. فقال : إنه لم يكن من الصحابة ، لأنه ولد في أيام عمر بن الخطاب.

وأما قول السلف في لعنه ؛ ففيه لأحمد قولان : تلويح وتصريح ، ولمالك قولان :تلويح وتصريح ، ولأبي حنيفة قولان : تلويح وتصريح ، ولنا قول واحد : التصريح دون التلويح. وكيف لا يكون ذلك وهو اللاعب بالنرد ، والمتصيّد بالفهود ، ومدمن الخمر. وشعره في الخمر معلوم ، ومنه قوله :

أقول لصحب ضمّت الكاس شملهم

وداعي صبابات الهوى يترنّم

خذوا بنصيب من نعيم ولذة

فكلّ وإن طال المدى يتصرّم

ولا تتركوا يوم السرور إلى غد

فربّ غد يأتي بما ليس يعلم

وكتب الهراسي فصلا طويلا ، ثم قلب الورقة وكتب : لو مددت ببياض ، لمددت العنان في مخازي هذا الرجل.

وقال الجاحظ في (الرسالة ١١ في بني أمية) ص ٢٩٨ :

المنكرات التي اقترفها يزيد ؛ من قتل الحسينعليه‌السلام ، وحمله بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا ، وقرعه ثنايا الحسينعليه‌السلام بالعود ، وإخافته أهل المدينة ، وهدم الكعبة ؛ تدل على القسوة والغلظة والنّصب وسوء الرأي والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان. فالفاسق ملعون ، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون.

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) : كان يزيد بن معاوية ناصبيا فظا غليظا جلفا ، يتناول المسكر ويفعل المنكر. افتتح دولته بقتل الشهيد الحسينعليه‌السلام ، وختمها بوقعة الحرّة [في المدينة] ، فمقته الناس ولم يبارك في عمره.

(راجع مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٢ و ١٣ ، ط ٣)

٧٢٦

رأي ابن الجوزي وأحمد بن حنبل

٨٨٨ ـ هل يجوز لعن يزيد؟ :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٦ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي : ذكر جدي أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في كتابه (الردّ على المتعصب العنيد ، المانع من ذم يزيد) وقال : سألني سائل فقال : ما تقولون في يزيد بن معاوية؟. فقلت له : يكفيه ما به.

فقال : أتجوّز لعنه؟. فقلت : قد أجازها العلماء الورعون ؛ منهم أحمد بن حنبل ، فإنه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة!.

ـ كيف أجاز الله لعن يزيد في القرآن؟ :

وحكى جدي أبو الفرج عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه (المعتمد في الأصول) بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل (قال) قلت لأبي : إن قوما ينسبونا إلى توالي يزيد. فقال : يا بني وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟!.

فقلت : فلم لا تلعنه؟. فقال : وما [وفي رواية : متى] رأيتني لعنت شيئا يا بني؟.ولم لا يلعن من لعنه الله في كتابه؟. فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه؟. فقال :في قوله تعالى :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢)أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ) (٢٣) [محمد : ٢٢ ـ ٢٣] وهل يكون فساد أعظم من قتل الحسينعليه‌السلام . وقد قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) [الأحزاب : ٥٧] وأي أذى أشدّ على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قتل الحسينعليه‌السلام الذي هو له ولبنته البتول قرة عين؟!.

٨٨٩ ـ رأي أحمد بن حنبل :(التاريخ الحسيني لمحمود الببلاوي ، ص ١١)

نقل صالح بن أحمد بن حنبل (قال) قلت لأبي : يا أبت أتلعن يزيد؟. فقال :يا بني كيف لا نلعن من لعنه الله تعالى في ثلاث آيات من كتابه العزيز ؛ في الرعد والقتال والأحزاب؟!. قال تعالى :( وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٢٥) [الرعد : ٢٥] وأي قطيعة أفظع من قطيعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ابن بنته الزهراءعليه‌السلام ؟!. وقال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (٥٧) [الأحزاب : ٥٧] وأي أذيّة

٧٢٧

لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق قتل ابن بنته الزهراءعليه‌السلام ؟!. وقال تعالى :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢)أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ) (٢٣) [محمد : ٢٢ ـ ٢٣] وهل بعد قتل الحسينعليه‌السلام إفساد في الأرض أو قطيعة للأرحام؟!.

٨٩٠ ـ من أخاف أهل المدينة ملعون :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٨ ط ٢ نجف)

قال أحمد بن حنبل في (المسند) : حدثنا أنس بن عياص ، حدثني يزيد بن حفصة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السائب ابن خلاد ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا».

وفي صحيح البخاري : حدثنا حسين بن حريث ، أخبرنا أبو الفضل عن جعيد عن عائشة ، قالت : سمعت سعدا يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يكيد أهل المدينة (أحد) إلا انماع كما ينماع الملح في الماء». أخرجه مسلم أيضا بمعناه ، ومنه : «لا يريد أهل المدينة أحد بسوء ، إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص».

ولا خلاف أن يزيد أخاف أهل المدينة وسبى أهلها ونهبها وأباحها في وقعة الحرّة.

٨٩١ ـ رأي أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في لعن يزيد :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٣٠١ ط ٢ نجف)

قال سبط ابن الجوزي : ولما لعنه جدي أبو الفرج على المنبر ببغداد ، بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء ، قام جماعة من الجفاة من مجلسه ، فذهبوا. فقال جدي :( أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ ) (٩٥) [هود : ٩٥].

وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم ، أن جماعة سألوا جدي أبا الفرج عن يزيد ، فقالوا : ما تقول في رجل ولّي ثلاث سنين ؛ في السنة الأولى قتل الحسينعليه‌السلام ، وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها ، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟. فقالوا : نلعن؟. فقال : فالعنوه.

وقال أبو الفرج في كتابه (الردّ على المتعصب العنيد) : قد جاء في الحديث لعن من فعل ما لا يقارب معشار عشر معشار عشر فعل يزيد.

٧٢٨

٨٩٢ ـ رأي الفاضل الدربندي :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٠)

يقول الفاضل الدربندي عن يزيد : والعجب من جماعة يتوقفون في أمره ، ويتنزّهون عن لعنه!. وقد أجازه كثير من الأئمة ؛ منهم ابن الجوزي ، وناهيك به علما وجلالة.

ثم ذكر محاورة صالح مع أبيه أحمد بن حنبل ، وأدلة جواز لعن يزيد من القرآن.ثم عقوبة من أخاف أهل المدينة ، وأن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ثم ساق القصة التالية :

ـ مناوشة ظريفة للفاضل الدربندي :

يقول الفاضل الدربندي : إن الأمر الأعجب ، أن جمعا من المتعصبين في هذا الزمان من الفرقة الشافعية ، يستنكفون عن اللعن على يزيد ، بل ينسبون ذلك إلى إمام مذهبهم الشافعي أيضا!. وتعصّب الأكراد الساكنين (بغداد) أزيد من تعصّب غيرهم ، بل إن جمعا منهم يفتون بحلّية دماء الذين يلعنون على يزيد!.

ومن جملة الظرائف الواقعة قبل مدة أني كنت نازلا في بغداد ، في دار علامة علماء العامة شهاب الدين سيد محمود الأروسي المفتي. فخرجت يوما من المنزل وحيدا ، فسرت حتى وصلت منزل ملا عبد الرحمن الكردي ، وكان أهل السنة يفضّلونه على المفتي. فلما حضرت عنده جرى بيننا ما حرّك العداوة الأصلية ...قال : أنتم معشر الشيعة لم تلعنون يزيد وأبيه معاوية؟!. فلما سمعت هذا الكلام ، ارتعدت فرائصي واغتظت ورفعت صوتي قائلا : أي مسلم يسأل عن مثل هذه المسألة؟ لعنة الله ولعنة اللاعنين على يزيد وأبيه معاوية. فلما سمع الكردي هذا الكلام مني تغيّر لونه واسودّ وجهه وكاد أن يهلك من شدة الغضب ، وما ظننت إلا أن السموات قد سقطت على رأسه ، أو أنه خسف الله به الأرضين!. فصاح صيحة منكرة واجتمع الناس بها ثم قال : فقد جئت بشيء عظيم ، أتلعن خال المؤمنين ، وأنت في دار السلام بغداد ، مجمع أهل السنة؟. فعليك إثبات جواز اللعن عليه ، وإلا فإني أقيم عليك الحدّ والتعزير.

فقلت له : اربع على ظلعك [أي ارفق على نفسك ولا تحمّلها ما لا تطيق] ، سبحان الله كيف أنت تقيم الحدّ والتعزير على أحد ، وأنت ممن وجب في شأنه الحدود والتعزيرات؟!. ثم إن الضروري من الدين لا يحتاج إلى إقامة الدليل ، وقد

٧٢٩

غطّى بصرك وبصيرتك التنصّب والتعصّب ، حيث تعدّ الضروري من قسم النظريات.وعلى كلّ فإن إثبات ذلك بالدليل من أسهل الأمور.

أنسيت قول علامتكم التفتازاني في (شرح المقاصد في تذييل مباحث الإمامة) مع كونه على ما تعرفه من التنصّب والتعصّب؟ فقال : " لا ريب أن أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد آذوا عترته بعده ، فليس كل صحابي بمعصوم ، ولا كل من لقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخير بموسوم. إلا أنّا كففنا عن الطعن في الأولين لئلا تشقّ العصى على الإسلام والمسلمين. وأما من بعدهم من الظالمين فتشهد بظلمهم الأرض والسماء والحيوانات والجمادات ، فعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين".

فقلت له : أليس هذا مضمون كلامه وخلاصة مراميه في ذلك التذييل؟. فقال :نعم ، ولكن أقول : من العلامة التفتازاني؟ وأين قوله من أن يكون حجة؟ بل أنا أعلم منه. فائتني بأثارة من العلم من الآيات المحكمة والأخبار النبوية. فقلت له : هل تلتزم باللعن على يزيد ومعاوية إذا ذكرت آية صريحة وأخبارا نبوية من طرقكم في ذلك الباب؟. فقال : نعم.

فلما أخذت منه العهد والميثاق على ذلك ، قرأت قوله تعالى في سورة الأحزاب :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) [الأحزاب: ٥٧]. فقال : كيف التقريب في الاستدلال؟.

فقلت له : ألم يرد في الأخبار المتضافرة المتسامعة من طرقكم أنه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، حربك حربي وسلمك سلمي ، ولحمك لحمي ودمك دمي ، ومن حاربك فقد حاربني وحارب الله. فقال : نعم قد ورد.

ثم قلت له : ألم يرد أيضا في الأخبار المتواترة المتكاثرة من طرقكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : حسين مني وأنا من حسين ، لحمه لحمي ودمه دمي؟. فقال :نعم قد ورد.

ثم قلت له : ألم يرد أيضا في الأخبار المتواترة المتوافرة في طرقكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : فاطمة بضعة مني ، من أغضبها فقد أغضبني ، ومن آذاها فقد آذاني؟. فقال : نعم قد ورد.

فقلت له : هل التقريب في الاستدلال تام أم لا؟. فطأطأ رأسه طويلا ، فسكت فلعله قد التفت إلى أن الإذعان بذلك كله ، نظرا إلى أنه لا يمكن [إمكانه] ، قد خرّب

٧٣٠

بنيان مذهبه ، وكيف لا؟ فإن الإذعان بذلك يستلزم الإذعان بارتداد الأولين ، ويستلزم وجوب اللعن عليهم ، فضلا عن يزيد ومعاوية.

ثم لما أردت أن أقوم من المجلس ، أحلفني بالله أن أجلس فيه مدة نصف ساعة أيضا. فأمر خادمه بتجديد البن [أي القهوة] والتتن والقليان!.

«انتهى كلام الفاضل الدربندي»

قبر يزيد ومعاوية

٨٩٣ ـ انطماس قبور الظالمين وذكرهم :

من مظاهر عدالة الله ، أن الشهيد يخلّد ذكره حتى في الدنيا ، بينما يمحو ذكر الظالم ، كما يمحو أثره وقبره فهذه قبور عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكللها الذهب والعقيان ، بينما قبور ملوك بني أمية فتكللها الأوساخ والأدران ، ويلفّها العدم والنسيان ، فلا يعرف لها محل ولا مكان!. وأوضح شاهد على ذلك قبر يزيد وقبر معاوية في دمشق الشام.

يقول الشيخ محمّد حسين المظفر في كتابه (تاريخ الشيعة) ص ١٣٨ عن التشيّع في دمشق :

وأما اليوم فالشيعة في سورية ودمشق مجاهرة بالتشيع ، ولهم شأن في البلاد رفيع. ولو رأيت اليوم قباب القبور العلوية المشيّدة في دمشق عاصمة بني أمية ، مع اندراس قبور بني أمية ؛ لعرفت كيف يعلو الحق ، وإن اجتهد أعداؤه طول الزمن في طمسه.

قبر يزيد

٨٩٤ ـ قبر يزيد :(الخصائص الحسينية للتستري ، ص ٢٧٠)

قال الشيخ جعفر التستري :

وانظر إلى قبر يزيد في الشام ، من يوم قبر فيه إلى الآن ، كل من يمرّ عليه لا بدّ أن يرجمه بالحجارة ، ويحمل كلّ من يريد المرور عليه الحجارة من بعيد. يفعل ذلك الشيعة والسنّة ، واليهود والنصارى. وقد جرّب أن من لم يضربه بحجر ، لم تقض حاجته. وقد صار [قبره] تلا عظيما من أحجار الرجم.

٧٣١

(أقول) : ولما هلك يزيد في ظروف غامضة ، ولم يجدوا غير فخذه ، قبروه قرب مقبرة باب الصغير بدمشق ، في غرفة ليس لها سقف. وقد كان الناس إلى وقت قريب ـ كما كان يحدّثنا آباؤنا ـ إذا مرّ أحدهم بهذه الغرفة يضرب على ساكنها حجرا ، تعبيرا عن أن يزيد كإبليس يستحق الرجم والطرد من رحمة الله. ثم سكّروا تلك الغرفة وهجروها. فأنشأ أحدهم بجوارها معملا لنفخ الزجاج ، فكان أتون النار ملاصقا لقبر يزيد ، يحرقه في الدنيا قبل أن يحرق في نار جهنم ، جزاء وفاقا( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) !.

وقد سمعت من المرحوم الحاج حسن أبي ياسر الخياط يقول : إن فخذ يزيد هو في غرفة مواجه الدرج الّذي يصعد منه إلى مقبرة الستات. وحين كنا صغارا كنا مثل كل الناس عندما نمرّ من هناك نضرب على الغرفة حجرا. ثم فرّغوا الغرفة من الأحجار وقلبوها إلى معمل لأنوال النسيج.

وعلى مقربة من فخذ يزيد يوجد قبر يظن أهل الشام أنه قبر أبي عبيدة بن الجراح ، ولذلك سمّوا المسجد الذي يقابل قبر يزيد : جامع الجرّاح.

(أقول) : هذا خطأ لأن أبا عبيدة دفن في غور بيسان ، وليس في دمشق.

وفي (خطط دمشق) لصلاح الدين المنجد ، ص ٩٠ :

جامع جرّاح : خارج الباب الصغير ، بمحلة سوق الغنم ، بدرب جرّاح. كان أصله مسجدا للجنائز ، بناه الملك الأشرف موسى ، ثم جدده جرّاح المنيحي.

ـ حرق عظام بني أمية وعظم يزيد :(الكنى والألقاب ، ج ١ ص ٢٣٣)

بعد أن صلب الأمويون زيد بن علي [زين العابدينعليه‌السلام ] على جذع شجرة ، وأبقوه مصلوبا خمس سنين عريانا ، جاء الوليد بن يزيد فكتب إلى عامله بالكوفة فأحرق زيدا بخشبته ، وأذرى رماده في الرياح على شاطئ الفرات ؛ صار هذا سببا لأن يفعل العباسيون بهم وبقبورهم مثل ذلك.

حكى المسعودي عن الهيثم بن عدي عن معمّر بن هانئ الطائي ، قال : خرجت مع عبد الله بن علي وهو عم السفاح والمنصور ، فانتهينا إلى قبر هشام بن عبد الملك فاستخرجناه صحيحا ، ما فقدنا منه إلا خرمة أنفه ؛ فضربه عبد الله ثمانين سوطا ، ثم أحرقه. فاستخرجنا سليمان بن عبد الملك من أرض دابق ، فلم نجد منه شيئا ، إلا صلبه وأضلاعه ورأسه ، فأحرقناه. وفعلنا ذلك بغيره من بني أمية ، وكانت قبورهم

٧٣٢

بقنّسرين [قرب حلب]. ثم انتهينا إلى دمشق فأخرجنا الوليد بن عبد الملك ، فما وجدنا إلا شؤون رأسه. ثم احتفرنا عن يزيد بن معاوية ، فما وجدنا منه إلا عظما واحدا ، ووجدنا خطا أسود كأنما خطّ بالرماد بالطول في لحده. ثم تتبّعنا قبورهم في جميع البلدان ، فأحرقنا ما وجدنا فيها منهم.

قبر معاوية

٨٩٥ ـ قبر معاوية في دمشق :

جاء في (تاريخ ابن عساكر) تحقيق صلاح الدين المنجد ، مج ٢ قسم ١ ص ١٩٨:أما معاوية فيختلف في قبره. فيقال : إن قبره خلف حائط المسجد الجامع ، موضع دراسة السّبع اليوم. والأصح أن قبره خارج باب الصغير. ا ه

وقال صلاح الدين المنجد في (خطط دمشق) ص ١٢٠ :

أصبح من الثابت أن معاوية بن أبي سفيان دفن بمقبرة الباب الصغير بدمشق.وذلك بعد أن عثر على شاهد يدل على قبر نصر المقدسي ، الّذي تذكر المصادر الموثوقة أنه دفن في جوار قبر معاوية. ويبدو أن موضع هذا القبر كان مثار جدل في الأعصر الخالية. فقالوا : إنه في بيت في قبلة الجامع الأموي.

وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) : إنه دفن بين باب الجابية وباب الصغير.

٨٩٦ ـ قبر معاوية في النقّاشات :

(تاريخ ابن عساكر ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، ج ٢ قسم ١ ص ٢٦١)

قال ابن عساكر : توفي معاوية بدمشق في رجب سنة ٦٠ ه‍ وله ثمانون سنة.

ودفن بدمشق في الموضع المعروف بباب الصغير ، وقيل بل في الدار المعروفة بدمشق (بالخضراء) إلى هذا الوقت ، في قبلة المسجد الجامع ، وفيها الشرطة والحبوس. وكان بها ينزل ، ومن ولي الأمر بعده من بني أمية. وإن الّذي في مقبرة باب الصغير هو قبر معاوية بن يزيد بن معاوية.

وجاء في (نزهة الأنام في محاسن الشام) لأبي البقاء البدري ، ص ٢٧٦ :

ونقل عن الحافظ ابن طولون في (بهجة الأنام) أن قبر معاوية الكبير في الحائط القبلي من جامع دمشق ، في قصر الإمارة الخضراء ، وهو الّذي تسميه العامة (قبر

٧٣٣

هود). أما الّذي في الباب الصغير فهو قبر أبي ليلى معاوية الثاني ابن يزيد ، الّذي تولى الحكم نحو أربعين يوما ، وكان منه عفّة ودين.

٨٩٧ ـ قبر معاوية الثاني في الباب الصغير :

(كتاب الزيارات بدمشق للقاضي العدوي ، ص ١٢)

قال القاضي محمود العدوي : ثم دفن معاوية [الثاني] ، فقيل بدار الإمارة ، وهي الخضراء ، وقيل بمقبرة باب الصغير ، وعليه الجمهور.

وقال ابن كثير أيضا في (البداية والنهاية) ج ٨ ص ٢٣٧ في وفاة معاوية ابن ابنه :دفن بباب الصغير عند آبائه ، وحزن الناس عليه كثيرا لعقله وعفته ودينه وزهده.والظاهر أن القبر الّذي بباب الصغير يقال له قبر معاوية بن يزيد بن معاوية هذا ، وليس بقبر معاوية بن أبي سفيان. ويقال : إن معاوية بن أبي سفيان مدفون في حائط جامع دمشق ، خوفا عليه من الخوارج.

٨٩٨ ـ وصف قبر معاوية بن أبي سفيان في النقّاشات :

(الآثار الإسلامية لكارل ولتسنغر ، ص ١٤٨)

يذكر عبد الغني كما يورده (كريمر) : أن قبر معاوية يقع في الجامع الأموي

[حارة النقاشات] ضمن تربة مربعة ، مشيّدة بالحجارة الصقيلة ، وتعلوها رقبة مثمّنة ، تخترق كل ضلع من أضلاعها نافذتان متباعدتان. تقوم فوق الرقبة آجرية نصف كروية ومطلية بطبقة من الجص.

من الداخل : إن الجدران مشيّدة بالحجارة الصقيلة ، لكنها خالية من الطينة حاليا. تقوم في الزوايا دعامات تحمل أقواسا جدارية ، ويجري الانتقال من القبة بواسطة مثلثات زوايا. تظهر في الزاوية الشمالية علائم مقرنصات ذات مساحات كبيرة ، كما أنها دقيقة ومتطورة.

وبما أننا لم نعثر على كتابة تأسيسية ، فإنني أريد أن أؤرّخ البناء بعد سنة ١٣٢٠ م.

(أقول) : من المشهور في دمشق أن معاوية بن أبي سفيان حين توفي ، دفن في حديقة قصره (الخضراء) ، وهو المعروف اليوم بحي النقاشات ، أو زقاق الخضراء ، الواقع في جنوب شرق المسجد الأموي. وهذا القبر موجود ضمن بيت ينزل إليه بدرج ، وقد تراكمت عليه الأوساخ والقاذورات ، مصحوبة بالروائح الكريهة ،

٧٣٤

وبجيوش الذباب. أما القبة المضروبة عليه فقد تشققت حتى كادت أن تخرّ وتسجد ، كما وصفها الشاعر محمّد المجذوب(١) من طرطوس في قصيدته التالية ، التي وصف فيها قبر معاوية وصفا حيا كما رآه حين زاره.

٨٩٩ ـ زيارة الشاعر محمّد المجذوب لقبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ثم لقبر معاوية :

ذهب الشاعر الطرطوسي محمّد المجذوب خريج الأزهر ، إلى النجف الأشرف ، وزار هناك مرقد مولانا الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فوجد الذهب الإبريز يسجد على أعتابه وعند ما عاد إلى دمشق مرّ بخربة فيها قبر ، فسأل عنها؟.فقالوا : إنها قبر معاوية!.

فأنشد في ذلك الموقف الأبيات التالية ، مخاطبا بها (أبا يزيد) :

أين القصور أبا يزيد ولهوها

والصّافنات وزهوها والسّؤدد

أين الدّهاء نحرت عزّته على

أعتاب دنيا سحرها لا ينفد

آثرت فانها على الحقّ الذي

هو لو علمت على الزّمان مخلد

تلك البهارج قد مضت لسبيلها

وبقيت وحدك عبرة تتجدد

هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه

لأسال مدمعك المصير الأسود

كتل من التّرب المهين بخربة

سكر الذّباب بها فراح يعربد

خفيت معالمها على زوّارها

فكأنها في مجهل لا يقصد

ومشى بها ركب البلى فجدارها

عان يكاد من الضّراعة يسجد

والقبّة الشّماء نكّس طرفها

فبكلّ جزء للفناء بها يد

تهمي السحائب من خلال شقوقها

والريح في جنباتها تتردّد

وكذا المصلّي مظلم فكأنه

مذ كان لم يجتز به متعبد

__________________

(١) محمّد المجذوب : أديب وقاصّ وشاعر سوري مرموق ، ولد في طرطوس عام ١٩٠٧ م وتوفي عام ٢٠٠٠ م عن عمر يناهز ٩٣ عاما. من كتبه الكثيرة : فضائح المبشرين ـ دروس من الوحي ـ مشكلات الجيل في ضوء الدين ـ همسات قلب (شعر) ـ نار ونور (شعر) ١٩٤٧. من تراث الأبوة (مسرحيات تاريخية) اللاذقية ١٩٣٥ ـ الكواكب الأحد عشر (قصة طويلة) بيروت ١٩٥٤. (مجلة الموسم ـ العدد ٧ ص ٨٧٣).

٧٣٥

أأبا يزيد لتلك حكمة خالق

تجلى على قلب الحكين فيرشد

أرأيت عاقبة الجموح ونزوة

أودى بلبّك غيّها المترصّد

أغرتك بالدنيا فرحت تشنّها

حربا على الحقّ الصّراح وتوقد

تعدو بها ظلما على من حبّه

دين ، وبغضته شقاء سرمد

علم الهدى وإمام كلّ مطهّر

ومثابة العلم الذي لا يجحد

ورثت شمائلهپ براءة أحمد

فيكاد من برديه يشرق أحمد

وغلوت حتى قد جعلت زمامها

إرثا لكلّ مذمّم لا يحمد

هتك المحارم واستباح خدورها

ومضى بغير هواه لا يقيّد

فأعادها بعد الهدى عصبيّة

جهلاء تلتهم النّفوس وتفسد

فكأنما الإسلام سلعة تاجر

وكأنّ أمّته لآلك أعبد

* * *

فاسأل مرابض كربلاء ويثرب

عن تلكم النّار التي لا تخمد

أرسلت مارجها فماج بحرّه

أمس الجدود ولن يجنبها غد

عبثا يعالج ذو الصّلاح فسادها

ويطيبّ معضلها الحكيم المرشد

أين الّذي يسلو مواجع أحمد

وجراح فاطمة التي لا تضمد

والزّاكيات من الدّماء يريقها

باغ على حرم النّبوة مفسد

والطّاهرات فديتهنّ حواسرا

تنثال من عبراتهنّ الأكبد

والطّيبين من الصّغار كأنهم

بيض الزّنابق ذيد عنها المورد

تشكو الظّماء لظالمين أصمّهم

حقد أناخ على الجوانح موقد

والذائدين تبعثرت أشلاؤهم

بددا ، فثمّة معصم وهنا يد

تطأ السّنابك بالطّغاة أديمها

مثل الكتاب مشى عليه الملحد

فعلى الرّمال من الأباة مضرّج

وعلى النّياق من الهداة مصفّد

وعلى الرّماح بقيّة من عابد

كالشّمس ضاء به الصّفا والمسجد

فلطالما حنّ الدّجى لحنينه

وحنا على زفراته المتهجّد

إن يجهل الأثماء موضع قدره

فلقد داره الرّاكعون السّجّد

٧٣٦

تلك الفواجع ما تزال طيوفها

في كلّ جارحة تحسّ وتشهد

ما كان ضرّك لو كففت شواظها

فسلكت نهج الحقّ وهو معبّد

ولزمت ظلّ أبي تراب وهو من

في ظلّه يرجى السّداد وينشد

ولو أن فعلت لصنت شرعة أحمد

وحميت مجدا قد بناه محمّد

ولعاد دين الله يغمر نوره الدّ

نيا ، فلا عبد ولا مستعبد

* * *

أأبا يزيد وساء ذلك عترة

ماذا أقول وباب سمعك موصد

قم وارمق النّجف الشريف بنظرة

يرتدّ طرفك وهو باك أرمد

تلك العظام أعزّ ربّك قدرها

فتكاد لو لا خوف ربّك تعبد

أبدا تباكرها الوفود ، يحثّها

من كلّ حدب شوقها المتوقّد

نازتتها الدنيا ففزت بوردها

ثمّ انقضى كالحلم ذاك المورد

وسعت إلى الأخرى فأصبح ذكرها

في الخالدين ، وعطف ربّك أخلد

* * *

أأبا يزيد لتلك آهة موجع

أفضى إليك بها فؤاد مقصد

أنا لست بالقالي ولا أنا شامت

قلب الكريم عن الشّماتة أبعد

هي مهجة حرّى أذاب شغافها

حزن على الإسلام لم يك يهمد

ذكّرتها الماضي فهاج دفينها

شمل لشعب المصطفى متبدّد

فبعثته عتبا وإن يك قاسيا

هو في ضلوعي زفرة تتردّد

لم أستطع جلدا على غلوائها

أيّ القلوب على اللّظى تتجلّد؟

* * *

لكن هذا الشاعر تجاهل فيما بعد هذه القصيدة ، فلم ينشرها في ديوانه (نار ونور) المطبوع عام ١٩٤٧ ، ولا في ديوانه الثاني (همسات قلب) المطبوع عام ١٩٧٠ ، فكأنه ندم على قولها ، مع أنها أصدق قصيدة قالها.

٧٣٧

مظاهر العدل الإلهي

٩٠٠ ـ العدل الإلهي في مصير الحسينعليه‌السلام ومصير أعدائه :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٣٣ و ١٣٤)

قال السيد علي جلال الحسيني المصري في كتابه (الحسين) :

ومن آثار العدل الإلهي ، قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء ، كما قتل الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء ، وأن يبعث برأسه إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ، كما بعث برأس الحسينعليه‌السلام إلى ابن زياد.

وهل أمهل يزيد بن معاوية بعد الحسينعليه‌السلام إلا ثلاث سنين أو أقل؟!. وأي موعظة أبلغ من أن كل من اشترك في دم الحسينعليه‌السلام اقتصّ الله تعالى منه ، فقتل أو نكب!. وأي عبرة لأولي الأبصار أعظم من كون ضريح الحسينعليه‌السلام حرما معظّما ، وقبر يزيد بن معاوية مزبلة؟!.

ـ العناية الإلهية بأهل البيتعليه‌السلام :

وتأمّل عناية الله بالبيت النبوي الكريم ؛ يقتل أبناء الحسينعليه‌السلام ولا يترك منهم إلا صبي مريض ، أشفى على الهلاك ؛ فيبارك الله في أولاده ، فيكثر عددهم ويعظم شأنهم. والذين قتلوا مع الحسينعليه‌السلام من أهل بيته رجال ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه.

ـ شتان بين الذهب والرغام! :

ثم يقول : وشتان ما السبط الزكي ، والظالم السكّير ، يزيد القرود والطنابير.وهل يستوي الفاسق الجائر ، والعادل الإمام ، وأين الذهب من الرغام. لكن اقتضت الحكمة الإلهية سير الحوادث بخلاف ذلك ، وإذا أراد الله أمرا فلا مردّ له.واقتضت أيضا أن يبقى أثر جهاد الحسينعليه‌السلام على مرّ الدهور ، كلما أرهق الناس الظلم ، تذكّره من ندب نفسه لخدمة الأمة ، فلم يحجم عن بذل حياته متى كانت فيه مصلحة لها.

٩٠١ ـ العاقبة للمتقين :(المصدر السابق)

قال تعالى جلّ من قائل :( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا

٧٣٨

فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٨٣) [القصص : ٨٣]. وكثير من الناس يغرّهم العلوّ في الأرض والتمكن فيها ، فيظنون أن ذلك ميزة لهم على غيرهم ، غير ناظرين إلى أن هذه الدنيا ليست دار الجزاء ، إنما هي دار الامتحان والبلاء ، وأن العاقبة ليست فيها ، إنما هي في دار البقاء فالحسينعليه‌السلام حين استشهد ، استبدل دار الشقاء وهي الدنيا ، بدار البقاء وهي الآخرة. فانتقل إلى دار الجنان ، يعيش فيها خالدا ، مصداقا لقوله تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١٧٠) [آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠].

أما الذين ظنوا أنهم انتصروا على الحسينعليه‌السلام ، فقد عاشوا حياة الشقاء في الدنيا ، وسوف يخلّدون في نار جهنم ، والله لهم بالمرصاد.

العبرة في المصير

٩٠٢ ـ الحسينعليه‌السلام إمام الشاهدين :

(الحسين بن عليعليه‌السلام إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٩)

الإمام الحسينعليه‌السلام كان يدرك بالمنطق الرياضي إدراكا شموليا ، أنه مفارق جسده وعيشه لم يقلعليه‌السلام : إلهي إلهي لماذا تركتني؟ بل صاح : إلهي أنا قادم إليك. وكأنه يرى دمه ، ودماء رفاقه الشهداء أمام بصره ، رياضا طفحت وردا وبيلسانا وشقائق نعمان.

ـ العبرة في المصير ، والخلود للحسينعليه‌السلام :

آثر معاوية مقعده وبطنه.

وعمل يزيد لشهوة جسده.

ونال المغيرة لقيمة.

وعمرو بن العاص جريعة.

ومات ابن زياد ، وابن ذي الجوشن ، وابن سعد ، في الموت منذ أن ولدوا ؛ وبقي الحسين بن عليعليه‌السلام يذكر حيا ، نضرا ، فوّاحا ، كلما ذكر محمّد وآل محمّد ورسالة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في كل صلاة وفي كل تسليم.

٧٣٩

٩٠٣ ـ خفقة النشيد الأخيرة :(المصدر السابق ، ص ١٣١)

منذ ثلاثة عشر قرنا ، والكلام على الحسينعليه‌السلام : أخضر ، أزهر ، فوّاح ، معطار ، يفرح ويبكي ، ويمجّد ويرفع. ثم لا ينتهي بانطواء جيل ، وولادة آخر.

ومنذ ذلك الزمن ، وقلّ أن يذكر الذاكرون يزيد ، وابن زياد ، وابن سعد ، وابن ذي الجوشن ، إلا كما يذكر أحدنا : الحرباء والعقرب والخنزير. بينما يتردد اسم البلبل والروضة والجدول ، تردد النسيم والشعاع والماء ، في العيون والمعاطس ، والأفواه والقلوب. ذلك بيّن الخطوط والألوان.

فالحسينعليه‌السلام دخل في تراث الانسانية ، واحدا من بناة شمائلها ، وعمارة حضارتها. وغلّب جانب الخير والحق والجمال ، على جانب الشر والباطل والضلال ، فأصبح كوكبا في كل سماء من أرض البشر ، يجري اسمه على الأقلام ، مجرى نشيد الانتصار على الحناجر والأوتار.

يبقى أمر مهمّ إضافة لما قدّمنا ، هو أمر البطل يكون شاهدا وشهيدا ، عندما يقدم بشجاعة قلّ نظيرها ، لدى القادة الأبطال المقدمين.

فصحيح أن سقراط مات ، واختار قدح السمّ ، وشربه بشوق. لكنه مضى وحده!.

وصحيح أن المسيحعليه‌السلام صلب على مذهب النصارى ، لكنه توجّع وتوسّل وصاح : إلهي إلهي لماذا تركتني؟!. ورفعه الله إليه. ثم مضى وحده!.

الإسكندر : حمّ ومات!. هنيبال : هرب وتاه وضاع!.

نابليون : انطفأ في الأسر!. هتلر : انتحر!.

موسيليني : جرّ كما تجرّ الهرّة!.

وخالد بن الوليد : كره الموت على الفراش!.

وهؤلاء جميعا كانوا قادة ، على اختلاف وتباين في المعتقد والمنهج والفضيلة ، لكن واحدا منهم لم يرسم وهو على شفير النهاية ، بعينيه وقلبه وجسده المفجع ، والخارق والمذهل ، كما رسم الحسينعليه‌السلام ومعه أفلاذ أسرته كلهم ، وأحباء قلبه

٧٤٠

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800