موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 492601 / تحميل: 5820
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

وأبي القاسم البغوي ، وغيرهما ؛ لم يذكر أحد منهم أن رأس الحسينعليه‌السلام حمل إلى عسقلان ، ولا إلى القاهرة.

٣ ـ وقد دفن بدن الحسينعليه‌السلام في مصرعه بكربلاء ، ولم ينبش ولم يمثّل به.فلم يكونوا يمتنعون من تسليم رأسه إلى أهله ، كما سلّموا بدن ابن الزبير إلى أهله.وإذا تسلّم أهله رأسه ، فلم يكونوا ليدعوا دفنه عندهم بالمدينة المنورة ، عند عمّه وأمه وأخيه مقرّبا من جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدفنوه بالشام حيث لا أحد إذ ذاك ينصرهم على خصومهم!. هذا لا يفعله أحد.

في كربلاء

٦٥٣ ـ مدفن الرأس الشريف في كربلاء :

قال الشيخ محمّد الصبان في (إسعاف الراغبين) ص ١٩٧ :

وذهبت الإمامية إلى أنه أعيد إلى الجثة ، ودفن بكربلاء بعد أربعين يوما من المقتل. وقال المنّاوي في (طبقاته) : ذكر لي بعض أهل الكشف والشهود أنه حصل له اطلاع على أنه دفن مع الجثة بكربلاء.

وقال الطريحي في (المنتخب) ص ٣٨ ط ٢ :

زار الإمام الصادقعليه‌السلام قبر الحسينعليه‌السلام ، فسأله أحد أصحابه : يابن رسول الله ، أليس رأس الحسينعليه‌السلام بعث إلى الشام إلى يزيد؟. فقال : بلى ، ولكن رجلا من موالينا اشتراه من بعد موت يزيد ، وأتى به إلى هذا الموضع ، ودفنه هنا.

النتيجة :

(أقول) : يمكن اعتبار أغلب الروايات السابقة صحيحة ، مع ملاحظة ما يلي :

١ ـ إن بعض المشاهد التي ذكر أن فيها رأس الحسينعليه‌السلام هي مشاهد وضع فيها الرأس الشريف أثناء تجواله في الآفاق ، وذلك وفق ما ذكره ابن شهر اشوب في (مناقبه) ج ٣ ص ٢٣٥ ط نجف ، حيث قال :

ومن مناقب الحسينعليه‌السلام : ما ظهر من المشاهد التي يقال لها مشهد الرأس ؛ من كربلاء إلى عسقلان ، وما بينهما في الموصل ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك. اه

فهذه مشاهد ، وليست مراقد.

٥٤١

وإذا تذكرنا الدوافع السياسية ، عرفنا لماذا حاول الفاطميون مثلا إيهام الناس بأن رأس الحسينعليه‌السلام كان مدفونا في عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة. وعرفنا لماذا ناضل ابن تيمية لتكذيب دعواهم ، لأنه كان من أكبر أعدائهم.

ففي اعتقادي أن الّذي في (عسقلان) هو مشهد للرأس وليس مدفن له. فنكون بذلك قد نفينا دعوى وجود الرأس في عسقلان أو القاهرة. كما ألمح إليه العلامة الأمين عليه الرحمة.

٢ ـ يمكن القول إن رأس الحسينعليه‌السلام لم يردّ إلى كربلاء دفعة واحدة ، بل إنه تنقّل في عدة مدافن ، كان آخرها مدفنه الشريف مع الجسد المقدس في كربلاء.فيمكن أنه دفن في المدينة المنورة ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أنه دفن بالكوفة عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام أو في ظاهرها ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أن سليمان بن عبد الملك دفنه في دمشق عند باب الفراديس الثاني ، ثم نقله عمر ابن عبد العزيز إلى مقابر المسلمين ، ثم نقله هو أو غيره إلى كربلاء.

والذي يغلب في ظني ـ إذا استبعدنا كون الإمام زين العابدينعليه‌السلام أخذ معه الرأس من يزيد فدفنه في كربلاء ـ أن ردّ الرأس إلى الجسد المقدس في كربلاء تمّ بعد موت يزيد ، لأن يزيد كان مهتما جدا بالاحتفاظ بالرأس ، حتى أنه لم يرض أن يريه لزين العابدينعليه‌السلام فكيف به يعطيه إياه. ولعل الدافع إلى ذلك كان حقده الشديد على الحسينعليه‌السلام ، ثم تخوّفه من إثارة الفتنة بين العراقيين إذا رأوا رأس الحسينعليه‌السلام ، وما ينتج عن ذلك من زيادة النقمة عليه.

٣ ـ إن لله إرادة علوية وحكمة إلهية في وجود عدة مشاهد للحسينعليه‌السلام ، ومن دفن رأسه في عدة مواضع ، وذلك ليشيع ذكره في الآفاق ، ويزوره كل المسلمين في كافة الأقطار.

أما إذا ثبتت رواية ردّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام للرأس الشريف مباشرة إلى كربلاء ، فإن كل الروايات الأخرى تكون وهما. وإن كان الأغلب أن ذلك الردّ ـ إن حصل ـ لم يكن في نفس سنة المقتل ٦١ ه‍ ، بل في الأربعين من السنة التالية أو ما بعدها.

٦٥٤ ـ دفن الرؤوس الشريفة :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٩)

جاء النصّ على مجيء الإمام زين العابدينعليه‌السلام بالرؤوس معه إلى كربلاء في (حبيب السير) ؛ كما في (نفس المهموم) ص ٢٥٣ ؛ وفي (رياض الأحزان) ص ١٥٥.

٥٤٢

قال في (حبيب السير) : إن يزيد سلّم رؤوس الشهداء إلى علي بن الحسينعليه‌السلام فألحقها بالأبدان الطاهرة ، يوم العشرين من صفر سنة ٦١ ه‍ ، ثم توجّه إلى المدينة الطيبة.

بينما قال أبو اسحق الإسفريني في (نور العين في مشهد الحسين) ص ٩٩ : وروي أن يزيد بعد أن أرسل علي بن الحسينعليه‌السلام ومن معه ، أمر بدفن الرؤوس إلا رأس الحسينعليه‌السلام فإنه أرسله خارج دمشق ومعه خمسون فارسا يحرسونه ليلا ونهارا ، وذلك من كثرة خوفه وفزعه. فلما مات أتى به الحراس ووضعوه.

ـ روايات مستفيضة عند الإمامية بردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء :

ثم قال السيد المقرّم : أما عن رأس الحسينعليه‌السلام فقد نصت روايات مستفيضة على مجيء الإمام زين العابدينعليه‌السلام بالرأس الشريف إلى كربلاء ودفنه مع الجسد الشريف. وعن هذا الدفن في كربلاء نذكر النصوص التالية :

١ ـ إنه المعوّل عليه عند الإمامية (روضة الواعظين لابن الفتال النيسابوري ، ص ١٦٥ ؛ ومثير الأحزان لابن نما ، ص ٥٨).

٢ ـ عليه عمل الإمامية (اللهوف لابن طاووس ، ص ١١٢).

٣ ـ إنه المشهور بين العلماء (إعلام الورى للطبرسي ، ص ١٥١ ؛ ومقتل العوالم ، ص ١٥٤ ؛ ورياض المصائب ؛ وبحار الأنوار).

٤ ـ إن رأس الحسينعليه‌السلام أعيد إلى بدنه بكربلاء (ذكره المرتضى في بعض مسائله).

٥ ـ ومنه زيارة الأربعين (إضافة الشيخ الطوسي).

٦ ـ في العشرين من صفر ردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى جثته (البحار ، عن العدد القوية لأخي العلامة الحلي ؛ وعجائب المخلوقات للقزويني ، ص ٦٧).

٧ ـ قيل : أعيد الرأس إلى جثته بعد أربعين يوما (الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٢).

٨ ـ أعيد رأس الحسينعليه‌السلام بعد أربعين يوما من قتله (شرح همزية البوصيري لابن حجر).

٥٤٣

٩ ـ الأشهر أنه ردّ إلى كربلاء ، فدفن مع الجسد (تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ١٥٠)

١٠ ـ نقل اتفاق الإمامية على أن الرأس أعيد إلى كربلاء (المناوي في الكواكب الدريّة ، ج ١ ص ٥٧).

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم : وعلى هذا فلا نعبأ بكل ما ورد بخلافه. ورحم الله الحاج مهدي الفلوجي الحلي حيث قال :

لا تطلبوا رأس الحسين فإنه

لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدلّكم

في أنه المقبور وسط فؤادي

٥٤٤

الفصل الثلاثون

تسيير السبايا إلى المدينة

يتضمن الفصل المواضيع التالية :

١ ـ مسير السبايا إلى المدينة المنورة.

٢ ـ ردّ الرؤوس إلى كربلاء.

٣ ـ زيارة الأربعين :

ـ زيارة جابر بن عبد الله الأنصاري

ـ أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام

ـ استبعاد أن يكون ورود السبايا إلى كربلاء يوم الأربعين سنة ٦١

ـ حديث علامات المؤمن الخمسة وشرحها

ـ خبر الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام

٤ ـ وصول السبايا إلى المدينة المنورة :

ـ خطبة زين العابدينعليه‌السلام خارج المدينة

ـ دخول المدينة

ـ ندب الحسينعليه‌السلام في المدينة

٥٤٥
٥٤٦

الفصل الثلاثون

تسيير السبايا إلى المدينة

مقدمة الفصل :

نتيجة الضغوط المختلفة على يزيد ، من داخل البيت الأموي وخارجه ، ومن أعيان المسلمين وغير المسلمين ، ونتيجة لمقت عامة المسلمين له ؛ اضطر إلى تغيير سياسته ، فأظهر أمام الناس أنه يكرّم السبايا ، فأنزلهم منزلا حسنا بعد أن مكثوا وقتا في الخربة ، ثم أسبغ عليهم الجواهر والحلل ، كي يوهم الناس أنه بريء من الجرائم الفاشيّة التي ارتكبها ، ظنا منه أن ذلك ينطلي على المسلمين ، فتخفّ نقمتهم عليه ، ويقلّ مقتهم له.

ولما استشار يزيد حاشيته وأهل الشام ماذا يفعل بالسبايا؟ أشاروا عليه جميعا بتسييرهم إلى بلدهم في المدينة المنورة ؛ منهم من أشار عليه بذلك حبا وشفقة على أهل البيتعليه‌السلام ، مثل النعمان بن بشير الأنصاري ، ومنهم من أشار عليه بذلك تشفّيا وحنقا ، مثل مروان بن الحكم فقرر يزيد ترحيلهم إلى المدينة ، مظهرا المحبة والوداعة لهم ، والإكرام والتفضل عليهم. حتى قالت سكينةعليه‌السلام : " ما رأيت كافرا بالله خيرا من يزيد! ".

فهو كان يمارس شخصيتين متناقضتين : إحداهما حقيقية ، تنفّذ خطة رهيبة شيطانية لمحو الدين وأهله ؛ والأخرى ظاهرية ، تجعل منه حملا وديعا وقديسا طاهرا ، بعد أن وصل إلى حلمه الكبير ، وحصل على أمله الوحيد ، وهو قتل ممثل الإسلام ، والتفرد بالسلطة والأحكام.

وسنرى في الإتجاه الأول ، كيف أنه تابع تسيير الرأس الشريف إلى مصر ، وفي قول إلى المدينة أيضا ، ثم أرجعه إلى دمشق ، مؤكدا بذلك حقيقته الممعنة في الضلال ، بعد أن شكر عبيد الله بن زياد وقرّبه إليه ، عوضا عن عزله ومحاكمته ومعاقبته على ما اقترفت يداه. ولم يتمّ المرحلة الأولى من مخططه الخبيث ، وهي

٥٤٧

قتل عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى جهّز جيوشه لسبي المدينة المنورة واستحلالها ، ثم هدم الكعبة وإحراقها على من فيها.

وسوف نرى في هذا الفصل كيف كلّف يزيد النعمان بن بشير الأنصاري بنقل السبايا إلى المدينة ، وإرجاعهم إلى مدينة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكيف أنهم عرّجوا في مسيرهم على كربلاء ليجددوا الأحزان والعزاء ، فتوافوا في يوم واحد مع الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ، الّذي رغم كبره وفقد بصره جاء لزيارة الحسينعليه‌السلام يوم الأربعين. وفي أغلب الظن أن ذلك التلاقي إن حدث ، فإنه لم يحصل في ٢٠ صفر من العام نفسه ، بل من العام الّذي يليه أي عام ٦٢ ه‍ أو ما بعده.

٦٥٥ ـ ضغوط شديدة على يزيد :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٦)

يقول السيد عبد الرزاق المقرمرحمه‌الله :

لقد سرّ يزيد قتل الحسينعليه‌السلام ومن معه ، وسبي حريم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وظهر عليه السرور في مجلسه ، فلم يبال بإلحاده وكفره حين تمثّل بشعر ابن الزّبعرى ، وحتى أنكر نزول الوحي على رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكنه لما كثرت اللائمة عليه ووضح له الفشل والخطأ من فعلته التي لم يرتكبها حتى من لم ينتحل دين الإسلام وعاب عليه خاصته وأهل بيته ونساؤه ، وكان بمرأى منه ومسمع كلام الرأس الأطهر ، لما أمر بقتل رسول ملك الروم ، يقول : (لا حول ولا قوة إلا بالله) ؛ لم يجد مناصا من إلقاء التبعة على عاتق ابن زياد ، تبعيدا للتهمة عنه ؛ ولكن الثابت لا يزول.

ولما خشي الفتنة وانقلاب الأمر عليه ، عجّل بإخراج السجّادعليه‌السلام والعيال من الشام إلى وطنهم ومقرهم ، ومكّنهم مما يريدون. وأمر النعمان بن بشير وجماعة معه أن يسيروا معهم إلى المدينة ، مع الرفق.

الرحيل من دمشق إلى المدينة المنوّرة

٦٥٦ ـ تسيير السبايا إلى المدينة :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٢)

ولما أراد يزيد أن يجهّزهم ، قال للنعمان بن بشير صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :جهّز هؤلاء النسوة بما يصلحهم ، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا ، وابعث معهم خيلا وأعوانا.

٥٤٨

وفي (أخبار الدول) للقرماني : أن الرسول هو النعمان بن بشير مع ثلاثين رجلا.

وفي (الإرشاد) للشيخ المفيد ، ص ٢٥ : وكان النعمان بن بشير والي الكوفة ، له ميل لأهل البيتعليه‌السلام وهو من الأنصار.

وفي (معالي السبطين) عن كتب المقاتل : لما أرادوا [أي السبايا] الرجوع إلى المدينة ، أحضر يزيد لهم المحامل وزيّنها.

٦٥٧ ـ استرضاء السبايا وإكرامهم :(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : فأعطاهم مالا كثيرا ، وأخلف على كل واحد ما أخذ منه ، وأزاد عليه من الحلي والحلل. ثم دعا بالجمال فأبركوها ، ووطّؤوها لهم بأحسن وطاء وأجمله. ودعا بقائد من قواده ، وضم إليه خمسمائة فارس ، وأمره بالمسير إلى المدينة.

وفي (نور الأبصار) للشبلنجي ، ص ١٣٢ :

وبعد أن أنعم يزيد على السبايا بالألبسة والحلي ، قالت سكينةعليه‌السلام :

ما رأيت كافرا بالله خيرا من يزيد!.

٦٥٨ ـ يزيد ينتدب النعمان بن بشير لإرجاع السبايا إلى المدينة :

(إعلام الورى ، ص ٢٤٩ ط بيروت)

ثم ندب يزيد النعمان بن بشير ، وقال له : تجهّز لتخرج هؤلاء النساء إلى المدينة.

ولما أراد أن يجهّزهم دعا علي بن الحسينعليه‌السلام فاستخلاه [أي خلا به] ، وقال له : لعن الله ابن مرجانة (حيث قتل أباك). أما والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت (ولو بهلاك بعض ولدي) ، ولكن الله قضى بما رأيت. كاتبني من المدينة (وارفع إليّ حوائجك) ، وانه إليّ كل حاجة تكون لك.

وتقدّم بكسوته وكسوة أهله ، وأمر بالأنطاع من الأبريسم ، وصبّ عليها الأموال.وقال : يا أم كلثوم ، خذوا هذه الأموال عوض ما أصابكم!.

فقالت أم كلثوم : يا يزيد ، ما أقلّ حياءك وأصلب وجهك ، تقتل أخي وأهل بيتي ، وتعطيني عوضهم مالا!. والله لا كان ذلك أبدا.

٥٤٩

وأنفذ معهم جماعة عليهم النعمان بن بشير ، وتقدم إليهم أن يسير بهم في الليل ، ويكونوا أمامه ، حيث لا يفوتون طرفة عين. فإذا نزلوا تنحّى عنهم بالظرف ، وتفرّق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم بحيث لو أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم.

فسار معهم ، فلم يزل يرفق بهم في الطريق ، حتى وصلوا إلى المدينة.

٦٥٩ ـ رفض النعمان بن بشير لهدية زينب وفاطمة بنتي عليعليه‌السلام :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٩)

وكان النعمان يسأل عن حوائجهم ويتلطف بهم. فقالت فاطمة لأختها زينب بنت عليعليه‌السلام : لقد أحسن هذا الرجل إلينا ، فهل لك أن تصليه بشيء؟. فقالت : والله ما معنا ما نصله به إلا حليّنا ، فأخرجت إسوارين ودملجين لهما ، فبعثتا بها إليه ، واعتذرنا. فردّ الجميع ، وقال : ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٥ :

وروي عن الحرث بن كعب ، قال : قالت لي فاطمة بنت عليعليه‌السلام : قلت لأختي زينبعليه‌السلام : قد وجب علينا حق هذا الرسول ، لحسن صحبته لنا ، فهل لنا أن نصله بشيء؟. قالت : والله مالنا ما نصله به إلا أن نعطيه حليّنا. فأخذت سواري ودملجي [أي الحلق] وسوار أختي ودملجها ، فبعثنا بها إليه واعتذرنا من قلّتها ، وقلنا : هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا. فقال : لو كان الّذي صنعت للدنيا ففي دون هذا رضاي ، ولكن والله ما فعلته إلا لله ، ولقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ردّ الرؤوس إلى كربلاء

٦٦٠ ـ مصير الرؤوس الشريفة :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٣)

في تاريخ (حبيب السير) أن يزيد بن معاوية سلّم رؤوس الشهداء إلى علي بن الحسينعليه‌السلام فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر. ثم توجّه إلى المدينة الطيبة.

وقال : هذا أصح الروايات الواردة في مدفن الرأس المكرم.

٥٥٠

٦٦١ ـ أخذ زين العابدينعليه‌السلام الرؤوس معه :

(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٩)

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : عند ما خرج الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام من الشام ومعه أهل بيته وجملة من الخدم الذين بعثهم يزيد مع أهل البيتعليه‌السلام ، وعلى رأسهم النعمان بن بشير الأنصاري ، كانوا قد جاؤوا برأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس البقية من أصحابه ليردّوهم إلى أجسادهم. فلما بلغ السجّاد العراق قال للدليل : مرّ بنا إلى كربلاء. فلما وصلوا كربلاء ألحقوا الرؤوس بأجسادها ، ووجد جابر عند قبر الحسينعليه‌السلام .

تعليق :

ذكرنا سابقا أن إلحاق رأس الحسينعليه‌السلام بجسده المقدس ، مما أجمعت عليه الروايات ، وإذا كان رحيل السبايا في صفر عام ٦٢ ه‍ ، أي بعد سنة من ورودهم إلى الشام ، فيحتمل أن يكون يزيد قد أعطى زين العابدينعليه‌السلام رأس أبيه ، فردّه إلى كربلاء. أو إن أحد موالي أهل البيتعليه‌السلام قد سرق الرأس الشريف من الشام بعد مدة وألحقه بالجسد المقدس ، كما في إحدى الروايات عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

أما إلحاق بقية الرؤوس بأجسادها ، فهذا غير متيقن ، لأن هناك أدلة حسّية عن وجود بعض هذه الرؤوس أو كلها وعددها ١٦ رأسا ، في مشهد رؤوس الشهداء في مقبرة باب الصغير (الستّات) بدمشق ، كما نصّ على ذلك السيد الأمين وغيره.وسنبين ذلك فيما بعد.

٦٦٢ ـ هل ردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء يوم الأربعين؟ :

(بغية النبلاء في تاريخ كربلاء لعبد الحسين الكليدار ، ص ١٦)

ولم يتعرض الشيخ المفيد إلى ذكر ورودهم كربلاء بعد إطلاق سراحهم. إلا أن السيد ابن طاووس قال : " أمر يزيد بردّ الأسرى وسبايا الحسينعليه‌السلام إلى أوطانهم بمدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وأما الرأس الشريف ، روي أنه أعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف".

ومن الغريب أن ابن طاووس قد ذكر العبارة السابقة ، بعد أن ذكر امتناع يزيد عن تلبية طلب السجّادعليه‌السلام برؤية وجه أبيه ، فكيف يعطيه الرأس الشريف!.

٥٥١

زيارة الحسينعليه‌السلام في الأربعين

٦٦٣ ـ رجوع السبايا إلى المدينة المنورة مع الإمام زين العابدينعليه‌السلام ومرورهم على كربلاء :

ثم إن يزيد أمر بردّ السبايا والأسارى إلى المدينة المنورة ، فسار بهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام إلى المدينة من طريق العراق الصحراوي ، فلما وصلوا إلى موضع المصرع الشريف في كربلاء ، وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ، قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين ، فأقاموا هناك المآتم والعزاء. وأغلب الظن أنهم وصلوا كربلاء يوم الأربعين من العام التالي لمقتل الحسينعليه‌السلام وليس في العام نفسه.

ثم تابع ركب السبايا مسيره من كربلاء إلى المدينة ، فاستقبلهم أهل المدينة بالبكاء والعويل.

ـ مرور السبايا على كربلاء يوم الأربعين :

(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ٨٢)

ولما رجع علي بن الحسينعليه‌السلام وعياله من الشام وبلغوا العراق ، قالوا للدليل :مرّ بنا على طريق كربلاء. فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري [وكان أعمى] وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام . فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرّحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد ؛ فأقاموا على ذلك أياما.

وفي (رياض الأحزان) ص ١٥٧ : وأقاموا في كربلاء ينوحون على الحسينعليه‌السلام ثلاثة أيام.

٦٦٤ ـ زيارة جابر للقبر الشريف :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢١٠)

عن كتاب (بشارة المصطفى) لأبي جعفر الطبري ، ص ٨٩ وغيره ، بسنده عن الأعمش ، عن عطيّة العوفي ، قال :

خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه زائرا قبر الحسينعليه‌السلام . فلما

٥٥٢

وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات ، فاغتسل ثم ائتزر بإزار ، وارتدى بآخر. ثم فتح صرة فيها صعد [نوع من الطيب] فنثرها على بدنه ، ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله تعالى. حتى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه ، فألمسته إياه. فخرّ على القبر مغشيا عليه ، فرششت عليه شيئا من الماء. فلما أفاق قال : يا حسين [ثلاثا]. ثم قال :حبيب لا يجيب حبيبه ، وأنى لك بالجواب ، وقد شخبت أوداجك من أثباجك [جمع ثبج : وهو وسط شيء تجمّع وبرز] ، وفرّق بين بدنك ورأسك. أشهد أنك ابن خاتم النبيين ، وابن سيد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكسا ، وابن سيد النقبا ، وابن فاطمة سيدة النساء. وما لك لا تكون هكذا ، وقد غذّتك كفّ سيد المرسلين ، وربّيت في حجر المتقين ، ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالإسلام ؛ فطبت حيا وطبت ميتا. غير أن قلوب المؤمنين غير طيّبة بفراقك ، ولا شاكّة في حياتك. فعليك سلام الله ورضوانه. وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.

ثم جال ببصره حول القبر [مع أنه أعمى فقد جال ببصره كأنه يرى ، إذ فتح الله على بصيرته] وقال : السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسينعليه‌السلام وأناخت برحله. أشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين.

والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. فقال له عطيّة العوفي : وكيف ولم نهبط واديا ، ولم نعل جبلا ، ولم نضرب بسيف؟!. والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم ، وأيتمت أولادهم ، وأرملت الأزواج؟!.

فقال له : يا عطية ، إني سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ قوما حشر معهم ، ومن أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم. والذي بعث محمدا بالحق إنّ نيّتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسينعليه‌السلام وأصحابه.

قال عطية : فبينما نحن كذلك ، وإذ بسواد قد طلع من ناحية الشام. فقلت : يا جابر ، هذا سواد طلع من ناحية الشام. فقال جابر لعبده : انطلق إلى هذا السواد ، وائتنا بخبره ، فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا ، لعلنا نلجأ إلى ملجأ ، وإن كان زين العابدينعليه‌السلام فأنت حرّ لوجه الله تعالى.

قال : فمضى العبد ، فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول : يا جابر ، قم

٥٥٣

واستقبل حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . هذا زين العابدينعليه‌السلام قد جاء بعماته وأخواته.فقام جابر يمشي حافي الأقدام مكشوف الرأس ، إلى أن دنا من زين العابدينعليه‌السلام . فقال الإمامعليه‌السلام : أنت جابر؟. فقال : نعم يابن رسول الله.فقال : يا جابر ، ههنا والله قتلت رجالنا ، وذبحت أطفالنا ، وسبيت نساؤنا ، وحرّقت خيامنا.

ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة.

٦٦٥ ـ أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام :

(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٥ ؛ وتذكرة الخواص ، ص ٢٨٠)

يؤخذ من رواية أبي مخنف التي ذكرها الطبري ، أن أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام بعد دفن الأجساد ، كان عبيد الله بن الحر الجعفي. وهناك أنشد أشعارا رائقة ، تشعر عن ندامته على عدم نصرة الحسينعليه‌السلام .

يقول : ويظهر من (مقتل الخوارزمي) أنه أنشدها على قبر الحسينعليه‌السلام

[ولكن لم نجد ذلك في مقتل الخوارزمي] ، فضجّ من معه بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم ، يصلّون ويبكون ويتضرعون ، والأبيات هي :

يقول أمير غادر أي غادر

ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه

ونفسي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تسدّد نادمه

وإني على أن لم أكن من حماته

لذو حسرة ما أن تفارق لازمه

سقى الله أرواح الذين تآزروا

على نصره سقيا من الغيث دائمه

وقفت على أطلالهم ومحالهم

فكاد الحشا ينقضّ والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا سراعا إلى الوغى

مصاليت في الهيجا حماة خضارمه

تأسّوا على نصر ابن بنت نبيهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمه

فإن يقتلوا في كل نفس بقية

عليالأرض قد أضحت لذلك واجمه

وما إن رأى الراؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهرا قماقمه

أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا

فدع خطّة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد أرغمتمونا بقتلهم

فكم ناقم منا عليكم وناقمه

٥٥٤

أهمّ مرارا أن أسير بجحفل

إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفّوا وإلا زرتكم في كتائب

أشدّ عليكم من زحوف الديالمه

ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه ، فقعد على فرسه ونجا منه.

ـ متى كانت زيارة جابر؟ :(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٧)

يقول السيد محمّد حسن مصطفى آل كليدار :

وفي عام ٦٢ ه‍ توجّه إلى كربلاء جابر بن عبد الله الأنصاري ، زائرا قبر الحسينعليه‌السلام ، ومعه جماعة من بني هاشم ، فكانوا عنده في ٢٠ صفر.

٦٦٦ ـ استبعاد أن يكون ورود السبايا في ٢٠ صفر من نفس العام :

(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٧)

يقول السيد عبد العزيز الحسني : إن الحقيقة التي يمكن القول بها كما هو الرأي السائد في أكثر الأوساط العلمية عند رجال الإمامية ، هو ما قاله

[صاحب (القمقام) فرهاد ميرزا] ص ٤٩٥ :

منذ رحل عمر بن سعد عن كربلاء إلى الكوفة ومعه سبايا الحسينعليه‌السلام والرؤوس ، كان قد قطع مسافة ثمانية فراسخ ما بين كربلاء والكوفة [نحو ٤٤ كم] ، فلا بدّ أن قطع هذه المسافة في ثلاثة أيام. وهناك لا بدّ أن عبيد الله بن زياد قد عطّل السبايا مدة من الزمن ، حيث مرّ بهم في جميع أسواق الكوفة ، لكي يوجد رعبا في قلوب القبائل العربية ، وأن ينتظر ورود أوامر يزيد ثانيا. ولما ورد طلب يزيد بجلب السبايا إلى الشام ، كانت المسافة التي يقطعها الراحل على خط مستقيم ما بين الكوفة والشام مائة وخمسة وسبعين فرسخا [حوالي ألف كم] ، إلا أن ابن زياد اتخذ طريقا غير هذا الطريق ، كما يؤخذ من رواية صاحب (المنتخب) قال : أخذوا الرؤوس مع السبايا من أهل الحسينعليه‌السلام من الكوفة إلى تكريت ، ومنه إلى دير عمر ، فوادي نخلة ، ونزلوا بها ليلتهم ، ثم ساروا إلى لينا ، ثم وادي الكحيلة ثم الجهينة ، ثم نصيبين فعين الوردة ، ومن هناك عرّجوا إلى حرّان فحلب. ثم إلى معارة نعمان ، ومنه إلى شيزر. ثم إلى حمص ، ومنه إلى بعلبك ، ومنه إلى دير النصارى ، ثم إلى دمشق. فلا بدّ وأن المسافة كانت شاسعة ، وقد طال أمد السير.

٥٥٥

كما وإن هناك رواية أن أهل البيتعليه‌السلام قد مكثوا مدة ستة أشهر عند يزيد ، حتى انطفأت ثائرته. ثم دعا الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام وخيّره بين البقاء عنده أو المسير إلى المدينة.

ولعمري كيف يمكن في مدة أربعين يوما ، أن تستغرق هذه السفرة في الذهاب والإياب؟!. فمن الأمور المحققة التي تميل إليها الأوساط العلمية عند مؤرخي الإمامية ، أن أهل البيتعليه‌السلام قد وردوا كربلاء في ٢٠ صفر عام ٦٢ ه‍ ، ووجدوا جابرا عند القبر.

ويقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٢٦ بعد أن أورد روايات أبي مخنف ، واللهوف الخ : إن هذه الروايات لم يظهر معها أن ورود آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كربلاء كان يوم الأربعين ، أي العشرين من صفر.

ولا يخفى أن دعوى ورودهم كربلاء يوم العشرين من صفر ، دعوى غير معقولة ؛ لأن آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا في الكوفة مدة في سجن ابن زياد ، ثم كانوا مدة مديدة في دمشق في سجن يزيد. ثم إنهم أقاموا مأتم سيد الشهداءعليه‌السلام في دمشق مدة سبعة أيام ، وكان ذلك بعد خلاصهم من سجن يزيد.

المخرج :

إذا صحّ أن جابر ورد كربلاء يوم ٢٠ صفر من عام ٦١ ه‍ ، فيمكن افتراض أن جابر وجماعة من بني هاشم أدركوا زيارة الأربعين ، ثم مكثوا عند قبر الحسينعليه‌السلام حتى ورد عليهم زين العابدينعليه‌السلام فتلاقوا هناك. وهذا فحوى بعض الروايات : " فتوافوا في وقت واحد".

هذا هو المخرج الأول. أما المخرج الثاني فهو أن جابر والسبايا قد توافوا عند القبر الشريف في يوم واحد ، هو يوم الأربعين ؛ ولكن من العام التالي ٦٢ ه‍.

٦٦٧ ـ تحقيق يوم الأربعين :(تظلم الزهراء للقزويني ، ص ٢٨٧ ط قم)

روى السيد ابن طاووس في (الإقبال) قال : وجدت في (المصباح) أن حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسينعليه‌السلام يوم العشرين من صفر ، وكلاهما مستبعد ، لأن عبيد الله بن زياد كتب إلى يزيد يعرّفه ما جرى ، ويستأذنه في حملهم ، ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه ، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوما أو أكثر منها. ولأنه لما حملهم إلى الشام ، روي أنهم أقاموا فيها شهرا

٥٥٦

في موضع لا يكنّهم من حرّ ولا برد. وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوما ، من يوم قتلهعليه‌السلام إلى أن وصلوا كربلاء أو المدينة.

وأما جوازهم في عودهم على كربلاء ، فيمكن ذلك ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر ، لأنهم اجتمعوا على ما روي مع جابر بن عبد الله الأنصاري ، فإن كان جابر وصل زائرا من الحجاز ، فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه [إلى كربلاء] إلى أكثر من أربعين يوما ، أو على أن يكون وصل جابر من غير الحجاز ، من الكوفة أو غيرها.

يقول السيد رضي بن نبي القزويني : غاية ما قالرحمه‌الله بعد تسليمه ، محض استبعاد ، ولا ينبغي بمحضه إنكار الروايات. فإنا سمعنا من الموثقين قرب الكوفة من دمشق ، بما قد تيسر للبريد أن يسير بثلاثة أيام ومدة مقامهم في دمشق على ما في (المنتخب) لا يعلم كونها زائدة على ثمانية أيام تقريبا.

ولم نظفر على رواية دلّت على مقامهم فيها مدة شهر ، والله يعلم. وأيضا قد يذهب الحمام [أي الزاجل] بالمكاتب بأسرع من ذلك.

واستبعاد مجيء جابر من أرض الحجاز أبعد من هذا ، لما روي أن أبا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالكوفة أو بغداد ، وورد مكة وحجّ في تلك السنة. ولأن أخبار نواعي الحسينعليه‌السلام من الجن والطير وانقلاب التربة دما وغير ذلك ، أكثر من أن يخفى على أمثال جابر كما مضى بعضه ، والله أعلم بحقيقة الحال ، والتسليم لنا خير للمآل.

٦٦٨ ـ هل أعيد الرأس يوم الأربعين؟ :

(تظلم الزهراء للسيد رضي القزويني ، ص ٢٨٥ ط قم)

قال السيد رضي بن نبي القزويني :

وأما تعيين الإعادة يوم الأربعين من قتله ، والوقت الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام ونقله الله جلّ جلاله إلى شرف فضله ، كان (فيه) الإسلام مقلوبا والحق مغلوبا ، وما تكون الإعادة بأمور دنيوية ، والظاهر أنها بقدرة الإله.

لكن وجدت نحو عشر روايات مختلفات في حديث الرأس الشريف ، كلها منقولات. ولم أذكر إلى الآن أنني وقفت ولا رويت تسمية أحد ممن كان من الشام ، حتى أعادوه إلى جسده الشريف بالحائر ، ولا كيفية لحمله من الشام إلى الحائر على

٥٥٧

صاحبه أكمل التحية والإكرام ، ولا كيفية لدخول حرمه المعظم ، ولا من حفر ضريحه المقدس المكرم حتى عاد إليه ، وهل وضعه موضعه من الجسد ، أو في الضريح مضموما إليه؟.

فليقصر الإنسان على ما يجب عليه من تصديق القرآن [يقصد قوله تعالى عن الشهداء( ... عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ] ، من أن الجسد المقدس تكمّل عقيب الشهادة ، وأنه يرزق في دار السعادة. ففي بيان الكتاب العزيز ما يغني عن زيادة دليل وبرهان.

زيارة الأربعين

٦٦٩ ـ فضل زيارة الأربعين :(مزار البحار ، ج ٩٨ ص ٣٣٤ ط ٢)

يقول العلامة المجلسي في (مزار البحار) : اعلم أنه ليس في الأخبار ، ما العلة في استحباب زيارة الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين. والمشهور بين الأصحاب أن العلة في ذلك رجوع حرم الحسينعليه‌السلام في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء عند رجوعهم من الشام ، وإلحاق الإمام زين العابدينعليه‌السلام الرؤوس بالأجساد.

وقيل : في مثل ذلك اليوم رجع السبايا إلى المدينة.

وكلاهما مستبعد جدا ، لأن الزمان لا يسع ذلك ، كما يظهر من الأخبار والآثار ، وكون ذلك في السنة الأخرى [أي التالية] أيضا مستبعد.

ولعل العلة في استحباب الزيارة في هذا اليوم هو أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في مثل هذا اليوم وصل من المدينة إلى القبر الشريف ، وزاره بالزيارة المعروفة ، فكان أول من زاره من الإنس ظاهرا. فلذلك يستحب التأسي به.

أو العلة هي إطلاق أهل البيتعليه‌السلام في الشام من الحبس والقيد في مثل هذا اليوم ، أو علة أخرى لا نعرفها.

وتوافق زيارة الأربعين يوم العشرين من صفر ، وذلك لأربعين يوما مضت على مقتل الحسينعليه‌السلام .

وقال السيد ابن طاووس في كتاب (الإقبال) ص ٦٠ : ووجدت في (المصباح) للشيخ الطوسي : أن حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسينعليه‌السلام يوم العشرين من صفر. وفي غير (المصباح) أنهم وصلوا كربلاء أيضا في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر.

٥٥٨

ـ تعليق حول زيارة الأربعين :

(أقول) : إذا صحّت الرواية بأن الإمام زين العابدينعليه‌السلام وافى جابر بن عبد الله الأنصاري في كربلاء يوم الأربعين [٢٠ صفر] فيبعد أن يكون ذلك في السنة نفسها التي قتل فيها الحسينعليه‌السلام ، وذلك لأمور :

١ ـ إن الفترة التي قضاها السبايا في كربلاء ثم الكوفة (السجن) حتى جاء الأمر من دمشق بتسييرهم في أطول طريق إلى الشام ، ثم إقامتهم في دمشق حتى رخّص لهم يزيد بمغادرتها ، ثم حتى وصولهم كربلاء هذه الفترة تزيد عن أربعين يوما بلا شك.

٢ ـ كان جابر في المدينة حين قتل الحسينعليه‌السلام ، ويحتاج خبر مقتل الحسينعليه‌السلام ليصل من الكوفة إليها نحو ٢٤ يوما ، فلو أن جابر قرر الذهاب إلى كربلاء من حين وصول الخبر ، لاحتاج إلى ٢٤ يوما أخرى ليصل إليها ، لا سيما أنه كان ضريرا وكبير السن. فيمتنع أن يصل إلى كربلاء يوم الأربعين.

٣ ـ تنصّ إحدى الروايات على أن الإمام زين العابدينعليه‌السلام صحب معه رأس أبيه الحسينعليه‌السلام ودفنه يوم الأربعين مع الجسد الشريف في كربلاء ، أثناء رجوعه إلى المدينة. وهذا بعيد الظن لأن يزيد كان قد وعد الإمام زين العابدينعليه‌السلام بأن يقضي له ثلاث حاجات مما يريد ، فطلب في إحداها أن يريه وجه أبيه الحسينعليه‌السلام فقد اشتاق إليه. فكان جواب يزيد قوله : أما رؤية الرأس فليس إلى ذلك من سبيل. فإذا كان رفض أن يريه الرأس الشريف فكيف يسمح له بأخذه معه وإرجاعه.

٤ ـ إن يزيد بعد أن روّى حقده برؤية رأس الحسينعليه‌السلام على طبق من ذهب مزمّلا بدمائه ، لم يشفه ذلك حتى أعطى أوامره بتسيير الرأس الشريف إلى كل أرجاء الدولة الإسلامية ، حتى يرى كل المسلمين الرأس ممثّلا به ، فيزيلوا من مخيلتهم أية فكرة في الخروج عليه.

من هذا المنطلق بعث يزيد الرأس الشريف إلى مصر ، عن طريق عمّان والقدس ، فعسقلان فرفح ، حتى وصل إلى الفسطاط [وهي القاهرة اليوم]. وهناك أقام أعوان يزيد الأفراح والأعراس ابتهاجا ومشاركة ليزيد في بهجة انتصاره على الحسينعليه‌السلام وعرضت أمام الناس الخيول التي داست جسد الحسينعليه‌السلام

٥٥٩

في مسيرة حاشدة ، فاشتراها التجار بآلاف الدنانير ، وخلعت حدواتها وعلّقوها على أبواب بيوتهم تبركا بها. ثم أرجع يزيد الرأس الشريف إلى دمشق ، حيث سيّره إلى المدينة المنورة ، وكان عامله عليها عمرو بن سعيد الأشدق وهو من بني أمية ، فبعد أن ابتهج بمقتل الحسينعليه‌السلام وشمت به ، أدخل الرأس إلى مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضعه بجانب قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلا : قد أخذنا ثأرنا منك يا محمّد ، بقتلى بدر!.

ولهذا التسيير للرأس الشريف توهم بعض المؤرخين أنه دفن في القاهرة أو المدينة أو الكوفة.

وهذا التسيير قد استغرق وقتا كبيرا ، وهذا يتعارض كليا مع رواية إرجاع زين العابدينعليه‌السلام الرأس الشريف يوم الأربعين من عام ٦١ ه‍. فلو صحّ ذلك فهو في السنة التالية أو ما بعدها. وهذا ما ذهب إليه كثير من المحققين ، وقد أشار إليه السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله ، وهو ما كان يرجّحه الخطيب المنبري في دمشق المرحوم الحاج حسني صندوق ، وهو ما نراه ونؤيده.

حديث علامات المؤمن

٦٧٠ ـ زيارة الأربعين من علامات المؤمن الخمسة :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٤)

في تفسير الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام قال :

" علامات المؤمن خمس : التختّم باليمين ، وصلاة إحدى وخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والتعفير للجبين ، وزيارة الأربعين".

[شرح الحديث] :

٦٧١ ـ التختّم باليمين :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٧٧)

مما تعرّض له الحديث السابق (التختّم باليمين) ، وهو ما التزم به الإمامية ، تديّنا بروايات أئمتهمعليهم‌السلام ، وخالفهم في ذلك جماعة من السنّة.

وقال الشيخ إسماعيل البروسوي : ذكر في (عقد الدرر) أن السّنة في الأصل

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

(أقول) : حصل الخلط عند الشبلنجي وغيره في اسم هذه الكريمة ، والذي يؤكد أنها رقية بنت الحسينعليه‌السلام وليست بنت عليعليه‌السلام هو قوله : فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ ، فقد كان عمرها خمس سنين. وقد ذكرنا قصة وفاتها أثناء إقامة السبايا في الخربة. أما رقية بنت الإمام عليعليه‌السلام التي حضرت كربلاء فكانت كبيرة ، ورجعت مع السبايا إلى المدينة.

الرواية الثانية : ذكر صديقنا الحاج حسن سليم صالح هذه القصة ، رواية عن جده السيد رضا صالح ، وكان حاضرا أثناء الحادثة ، قال :

كان السيد إبراهيم مرتضى وهو جد السيد إبراهيم مرتضى والد الدكتور عبد الغني ، يسكن في محلة الخراب (حي الأمين). رأى في المنام سيدتنا رقية تقول له :إن قبري يكاد ينهار ، فأصلحوه. وفي نفس الوقت رأى الوالي العثماني في دمشق السيدة رقيةعليه‌السلام وقالت له : يأتي أحد أرحامي ليصلح قبري ، وهو الّذي يحملني!.

جاء الناس ليتفرجوا ، ودخل السيد إبراهيم وحفر وحملها ، وغطوه معها بشرشف. ظل من الصباح حتى العصر وهو حاملها. ولما أرجعها إلى القبر بعد إصلاحه ، ابيضّ شعر رأسه. ولما قفل راجعا إلى الحي ، وأثناء الطريق صار الناس يقطعون من ملابسه قطعا ويأخذونها للبركة ، حتى وصل إلى بيته بدون قميص.وعاش ثلاثة أيام وتوفي.

الرواية الثالثة : سمعت من أحد العارفين قال :

لما تصدّعت جدران قبر رقيةعليها‌السلام نتيجة جريان نهر بردى قربه ، وكان ذلك في عهد الدولة العثمانية ، جاء الحاكم العثماني ليشرف على إصلاح القبر ، واحتار فيمن يقوم بحمل جسد السيدة رقية أثناء إصلاح القبر!. فاقترح عليه الناس أن يقوم بذلك (الأشراف) في البلد ، الذين هم أقرب الناس من السيدة رقيةعليه‌السلام . وكان في دمشق كثير من الأشراف السنّة ، فجاء كل واحد منهم يدّعي أنه أحقّ بهذا العمل من غيره ، واختلفوا في ذلك. وأراد الحاكم أن يقطع نزاعهم ، فقال : أضرب على باب المقام سلسلة وقفلا ، ويأتي من يريد تنفيذ المهمة ، فيتلو أمام القفل حسبه ونسبه ، فالذي ينكسر له القفل من تلقاء ذاته يكون هو الّذي ترضى عنه رقيةعليه‌السلام ليخرجها من قبرها ويحملها ريثما يتمّ إصلاح قبرها.

٦٢١

وجاء كثيرون وفعلوا ذلك فلم ينفتح لهم الباب. وفي الأثناء رأى السيد إبراهيم مرتضى من حي الأمين رؤيا ، مفادها أن السيدة رقيةعليها‌السلام جاءت إليه في المنام ، وقالت له : أدركوني قبل أن يهبط قبري وأغرق في الماء. فجاء إلى المقام بحضور الحاكم العثماني وجميع الأشراف والأعيان ، فبمجرد أن ذكر حسبه ونسبه ، انكسر له القفل وسقطت السلسلة ، ودخل وحفر القبر واستخرج جسد رقيةعليها‌السلام ولفّها بثوب ، وكانت صبية صغيرة دون البلوغ ، ولم يفن جسدها. ثم وضعها في حضنه ، وجلس على كرسي تحت خيمة ، ريثما فرغوا من إصلاح القبر ، ثم أعادها إلى مكانها. وخرج من المقام وقد ابيض شعر رأسه ، وحين خرج صار الناس يأخذون من ثوبه قطعا للبركة حتى تمزّق كل قميصه. ولم يعش طويلا ، بل توفي في تلك السنة.

٧٥٣ ـ الرواية الرابعة في قصة تعمير قبر السيدة رقيةعليها‌السلام بدمشق :

(منتخب التواريخ لمحمد هاشم خراساني ، ص ٣٦٥)

والرواية الرابعة منقولة من كتاب (منتخب التواريخ) باللغة الفارسية ، وأنا أول من ترجمها ، وهي أجمع الروايات الأربعة. قال الشيخ الخراساني :

من القبور المباركة في دمشق مرقد رقية بنت الحسينعليه‌السلام المدفونة في خرابة الشام. وقد ذكر لي العالم الجليل الشيخ محمّد علي الشامي ، وهو من جملة العلماء والدارسين في النجف الأشرف ، أن جده لأمه جناب السيد إبراهيم

[مرتضى] الدمشقي ، والذي ينتهي نسبه إلى الشريف المرتضى علم الهدى ، وكان عمره نحو تسعين عاما ، وله ثلاث بنات وليس له ذكور ؛ رأت بنته الكبرى في النوم السيدة رقية بنت الحسينعليه‌السلام ، وقالت لها : قولي لأبيك أن يقول للوالي أن الماء سقط بين قبري ولحدي ، وأن بدني قد تأذّى ، وأنه يلزم أن يعمّر قبري ولحدي.

نقلت البنت ذلك لأبيها ، وكانت للأب علاقات طيّبة مع أهل السنّة في دمشق ، وكان يتحاشى إثارة الحساسيات معهم ، فلم يهتم برؤيا ابته.

في الليلة الثانية رأت البنت الوسطى نفس المنام ، فذكرته لأبيها فلم يكترث به أيضا. وفي الليلة الثالثة رأت البنت الصغرى نفس المنام ، وقصته على أبيها فلم يهتمّ به ، وطوى القصة!.

٦٢٢

في الليلة الرابعة رأى الأب نفسه السيدة رقيةعليه‌السلام في نومه ، قالت له بنحو العتاب : لماذا لم تخبر الوالي بالأمر الّذي طلبته منك؟!.

عندما استيقظ السيد إبراهيم ذهب لعند والي الشام [العثماني] وقصّ عليه رؤياه.فأمر الوالي جميع علماء وصلحاء الشام من السنّة والشيعة بأن يغتسلوا ويلبسوا الثياب الطاهرة النظيفة ، وقال لهم : إن الّذي ينفتح على يده القفل المضروب على باب الحرم المقدس ، فهو الّذي يدخل إلى الضريح وينبشه ، ويخرج جسد السيدة رقيةعليه‌السلام ، ويحملها ريثما يتمّ تعمير قبرها.

بعد أن قام علماء وصلحاء الشيعة والسنة بآداب الغسل كاملة ، ولبسوا أنظف وأطهر الثياب ، اجتمعوا وحاولوا فتح القفل فلم ينفتح على يد أحد منهم ، ما عدا السيد إبراهيم.

وعندما صار الجميع داخل الحرم وحاولوا الحفر حول الضريح ، لم يؤثّر معول أي واحد منهم أبدا ، ما عدا معول السيد إبراهيم. ثم أفرغوا الحرم من الناس ، وعندما فتح السيد إبراهيم اللحد ، رأى جسد السيدة رقيةعليه‌السلام ضمن كفنها صحيحا وسالما ، لكن الماء الكثير كان قد تجمع داخل لحدها. ثم أخرج السيد الجسد اللطيف من اللحد ، وجلس واضعا إياها على ركبتيه. وظل محتفظا بها على ركبتيه ثلاثة أيام وهو يبكي دائما ، حتى تمّ تعمير القبر الشريف. وفي أوقات الصلاة كان يضعها على شيء طاهر ريثما يقضي فرض الصلاة ، ثم يعيدها إلى حضنه. وعند انتهاء العمار أرجع السيد جسد الطفلة إلى لحدها ودفنها.

ومن كرامات السيدة رقيةعليه‌السلام أن السيد إبراهيم ظل أثناء الأيام الثلاثة لا يحتاج إلى طعام ولا شراب ، وأنه ظل طاهرا لا يحتاج إلى تجديد وضوء للصلاة ، وهو لم ينم لحظة.

بعد دفن رقيةعليه‌السلام دعا السيد إبراهيم ربه أن يرزقه غلاما ذكرا ، فاستجاب الله دعاءه ، ورغم كبر سنّه أنجب له صبيا سمّاه سيد مصطفى.

وبعد ذلك أرسل الوالي بتفصيل هذه الحادثة المباركة إلى السلطان عبد الحميد [كانت ولايته بين ١٨٧٩ ـ ١٩٠٩ م] ، فأمر الوالي بتولية السيد إبراهيم على مرقد السيدة رقية وزينب وأم كلثوم وسكينةعليه‌السلام .

وكان ذلك في حدود سنة ١٢٨٠ ه‍ [١٨٦٤ م] أي منذ ١٣٥ سنة.

٦٢٣

(أقول) : إذا وقعت تلك الحادثة في زمن السلطان عبد الحميد ، فيجب أن تكون بحدود عام ١٣٠٠ ه‍ ، وليس عام ١٢٨٠ كما ذكر آنفا.

هذا وقد ذكر الفاضل الدربندي كيفية وفاتها في (أسرار الشهادة) ص ٥١٥.

٧٥٤ ـ مرقد السيدة رقيةعليها‌السلام في مصر :

قال الشيخ محمّد الصبان في (إسعاف الراغبين) ص ٢٠٩ :

توفيت رقيةعليه‌السلام قبل البلوغ ، ومحلها بعد السيدة سكينةعليه‌السلام بشيء يسير ، على يمين الطالب للسيدة نفيسة ، تجاه مسجد شجرة الدر ، في المشهد القريب من دار الخليفة.

وقال المازندراني في (معالي السبطين) ج ٢ ص ١٧١ :

في تآليف بعض معاصرينا (قال) قال الشعراني في الباب العاشر من كتاب (المنن الكبرى) : وأخبرني بعض الخواص أن رقية بنت الحسينعليهما‌السلام في المشهد القريب من جامع دار الخليفة أمير المؤمنين يزيد ، ومعها جماعة من أهل البيتعليهم‌السلام . وهو معروف الآن بجامع شجرة الدر. وهذا الجامع على يسار الطالب للسيدة نفيسة ، والمكان الّذي فيه السيدة رقية عن يمينه ، ومكتوب على الحجر الّذي ببابه هذا البيت :

بقعة شرّفت بآل النبي

وببنت الحسين الشهيد رقيّه

وقد قرأت هذا الكلام في (نور الأبصار) للشبلنجي ، ص ١٧٧ ، ولكنه منسوب الى السيدة رقية بنت الإمام عليعليهما‌السلام ، وأن بيت الشعر هو :

بقعة شرّفت بآل النبي

وببنت الرضا عليّ رقيّه

(أقول) : إن السيدة نفيسة المدفونة في مصر هي نفيسة بنت الحسن الأنور ، أحد أولاد زيد الابن الأكبر للإمام الحسن السبطعليه‌السلام . وللسيدة نفيسة مقام معروف في القاهرة.

٧٥٥ ـ قفص مرقد رقيّةعليها‌السلام :

كان على ضريح رقيةعليه‌السلام في دمشق قفص فضي رائع أهداه مجمع بني الزهراء في طهران عام ١٣٧٦ ه‍ ، وقد نقشت عليه بعض الأشعار والأقوال ، ومنها حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا ...».

٦٢٤

وفي عام ١٤١٤ ه‍ [١٩٩٤ م] وبعد توسيع المقام بشكل كبير ، أهدت الجمهورية الإسلامية في إيران قفصا جديدا أكبر من الأول ، مطعما بالذهب والفضة ، وقد صنع خصيصا في إصفهان. ومن حسن التصرف أنهم نصبوا هذا القفص الجديد مع الاحتفاظ بالقفص القديم ضمنه ، لقيمته التاريخية والأثرية. ويعدّ القفص الجديد من روائع الفن الاسلامي.

وقد أقيمت في البناء الموسع الجديد قبة شامخة ومئذنة عالية ، وأسست الايوانات المحيطة والصحن الكبير لاستيعاب الزوار المتزايدين.

وهناك جامع ملاصق لقبرها الشريف تقام فيه الصلوات. وكتب على الباب الخارجي للمقام :

إليكم كل مكرمة تؤول

إذا ما قيل جدّكم الرسول

٣ ـ مشهد رؤوس الشهداءعليهم‌السلام

٧٥٦ ـ مشهد رؤوس الشهداءعليهم‌السلام في مقبرة باب الصغير بدمشق :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٢٩٠)

قال العلامة السيد محسن الأمين عن مشهد رؤوس الشهداءعليهم‌السلام :

رأيت بعد سنة ١٣٢١ ه‍ في المقبرة المعروفة بمقبرة باب الصغير بدمشق ، مشهدا وضع فوق بابه صخرة كتب عليها :

هذا مدفن رأس العباس بن عليعليه‌السلام ، ورأس علي بن الحسين الأكبرعليهما‌السلام ، ورأس حبيب بن مظاهر رضي الله عنه. ثم إنه هدم بعد ذلك بسنين هذا المشهد ، وأعيد بناؤه وأزيلت هذه الصخرة ، وبني ضريح داخل المشهد. ونقش عليه أسماء كثيرة لشهداء كربلاء. ولكن الحقيقة أنه منسوب إلى الرؤوس الشريفة الثلاثة المقدم ذكرها.

ثم يقول : وهذا المشهد الظن قوي بصحة نسبته ، لأن الرؤوس الشريفة بعد حملها إلى دمشق والطواف بها ، وانتهاء غرض يزيد من إظهار الغلبة والتنكيل بأهلها والتشفي ، لا بدّ أن تدفن في إحدى المقابر ، فدفنت هذه الرؤوس الثلاثة في مقبرة باب الصغير ، وحفظ محل دفنها ، والله أعلم.

(أقول) : كان عدد الرؤوس التي جلبت إلى دمشق ١٦ رأسا ما عدا رأس الحسينعليه‌السلام ، وكلهم من أهل البيتعليهم‌السلام ما عدا واحدا هو الصحابي الجليل

٦٢٥

حبيب بن مظاهر. وليس هناك أي مبرر أن يدفن ثلاثة رؤوس منهم فقط في هذا الموقع دون الباقي. ومما يؤكد أنهم دفنوا جميعا في ذلك المكان القصة الواقعية التالية.

٧٥٧ ـ تعمير مشهد رؤوس الشهداءعليهم‌السلام :

روى لي المرحوم الحاج حسن أبو ياسر الخياط ما يؤيد وجود رؤوس الشهداء جميعا في هذا المشهد المعظم ، قال :

اجتمعت بالسيد سليم مرتضى جد السيد سليم مرتضى متولي مقامات الستات اليوم ، فقصّ عليّ هذه القصة ، قال :

كنا نجدد مقامات أهل البيتعليهم‌السلام في الستات ، ولما أردت تعمير مقام رؤوس الشهداءعليهم‌السلام ، أتيت بمعلم مسيحي ينحت الأحجار لعمل سور جديد حول المقام. وكان العامل يأتي صباحا باكرا ، أفتح له المقام ثم أتركه وأذهب إلى البيت.ثم أرجع العصر لأناظر ما أنجزه من عمل. وفي يوم من الأيام جئت فوجدت المسيحي قد جمع أغراضه في السلة يريد إنهاء عمله. قلت : ما بك؟. قال : إذا أنا أردت الاستمرار في العمل عندكم ، أخاف أن أترك ديني وأصير مسلما!. قلت :لماذا؟. قال : البارحة بينما كنت أحرر التراب حول مقام الرؤوس ، لأضع الأحجار الجديدة ، انفتحت أمامي ثغرة ، نظرت منها فإذا بي أرى غرفة تحت الأرض فيها عدة رؤوس ؛ بعضها أمرد ، وبعضها بلحية ، وبعضها مغمض عينيه ، وأحدها معصّب رأسه.

ثم جاء السيد سليم [ت ١٣٤٩ ه‍ ـ ١٩٣١ م] ونظر من الكوة ، فرأى الرؤوس وعددهم ستة عشر رأسا ، مصفوفة بشكل دائرة ، وكأنها مدفونة لساعتها ، كل رأس منها ما زال بشحمه ولحمه لم يصبه أذى أو بلى ، والدماء ظاهرة عليه ثم سدّ المسيحي الثغرة ورحل.

والظاهر أن العلامة السيد محسن الأمين الّذي عاصر تلك الحادثة ، لم يكن حاضرا في دمشق في ذلك الوقت ، بل مسافرا إلى لبنان. وكم كنت متمنيا لو رأى الرؤوس بعينه ووثّق تلك الواقعة الهامة.

كرامة لمشهد رؤوس الشهداءعليهم‌السلام :

قال السيدان كامل ومحمد علي نظام في مجلة العرفان ، عدد تشرين الأول

٦٢٦

١٩٣٢ ص ٣٣٣ : ذهبنا يوما لزيارة مقامات أهل البيتعليهم‌السلام الكائنة في مقبرة باب الصغير في دمشق ، فلما وصلنا إلى مقام رؤوس الشهداء الّذين استشهدوا مع الحسينعليه‌السلام بكربلاء ، وجدنا القبة والجدران بحاجة إلى الترميم والإصلاح ، فوفّقنا الله للقيام بذلك ، وجلبنا من يلزم من العمال ، وأخذوا في الترميم إلى أن تمّ على أحسن ما يرام. وكان الفراغ من ذلك يوم الخميس في ١٢ جمادى الأولى ١٣٥٠ ه‍ / ١٩٣١ م. وفي أثناء العمل سقط سعيد بن ديب شرف أحد العمال من أعلى القبة إلى الأرض ، فلم يتأذّ ولم يصب بسوء قط ، ولا شك أن ذلك من كرامات أهل البيتعليهم‌السلام . فهنيئا لمن والاهم وتمسّك بحبلهم واقتدى بهم.

(أقول) : الرؤوس المدفونة في هذا الموقع هي :

من الأصحاب : حبيب بن مظاهر. ومن الآل : علي بن الحسين الأكبرعليه‌السلام ـ القاسم بن الحسنعليه‌السلام ـ عبد الله بن الحسنعليه‌السلام . ومن أولاد الإمام عليعليه‌السلام : أبو الفضل العباس ـ عبد الله بن عليعليه‌السلام ـ جعفر بن عليعليه‌السلام ـ عثمان بن عليعليه‌السلام ـ محمّد الأصغر ابن عليعليه‌السلام ـ عمر الأصغر بن عليعليه‌السلام ـ أبو بكر بن علي ومن نسل عقيل : جعفر بن عقيلعليه‌السلام ـ عبد الله بن عقيلعليه‌السلام ـ محمّد بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام . ومن نسل جعفر الطيارعليه‌السلام :عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفرعليهم‌السلام .

وهي الرؤوس التي أتوا بها مع السبايا إلى الشام ، وعددها ستة عشر رأسا ، ما عدا رأس الحسينعليه‌السلام الّذي أرجع إلى كربلاء.

هذا وقد حصل تحسين ملحوظ على مشهد رؤوس الشهداءعليهم‌السلام ، كما أهدى الشيعة البهرة من الهند قفصا جديدا لرؤوس الشهداء ، وضعوا داخله على التابوت ٧٢ كرة صغيرة من المخمل ترمز للرؤوس الشريفة ، منها ١٦ حمراء اللون وهي المدفونة في ذلك المكان ، والعدد الباقي بلون أخضر لتمييزها عنها ، وهي التي دفنت في كربلاء ولم تأت إلى دمشق.

وقد ذكر لي الأخ السيد سليم مرتضى متولي مقامات الستات ، أنهم أثناء تركيب القفص الجديد ، حفروا في الأرض لتثبيت القفص ، فانبعثت من الأرض رائحة كالمسك ، فدهش البهرة والحاضرون وخروا لله ساجدين.

وفي تقديري أن المراقد المقطوع بصحتها في دمشق اثنان : مرقد السيدة

٦٢٧

رقيةعليها‌السلام عند باب الفراديس ، ومرقد رؤوس الشهداءعليهم‌السلام في الستات ، إضافة إلى مرقد العقيلة زينبعليه‌السلام في قرية (راوية) الذي أجمع علماء الشيعة على ثبوته.

٧٥٨ ـ هل تفنى أجساد الأنبياء والمعصومينعليهم‌السلام ؟ :

يذهب فريق من علمائنا إلى أن أجساد الأنبياء والأئمةعليه‌السلام تحافظ على حالها وشكلها بعد الموت ، فلا تبلى ولا تفنى. ولعل هذه الكرامة تشمل أيضا أجساد كل الشهداءعليهم‌السلام .

وهناك عدة حوادث تؤكد هذه الحقيقة. وقد مرّ معنا أنهم عندما اضطروا إلى إصلاح مرقد السيدة رقيةعليها‌السلام بدمشق ، وحملها أحد أبناء عمها من آل المرتضى من حي الأمين ، وجدها صبيّة دون البلوغ ، وهي ما تزال برونقها وبهائها ، وكأنها نائمة بين يديه. كما ألمحنا آنفا إلى أنهم عندما كانوا يصلحون حائط مرقد رؤوس الشهداء في (الستات) حفروا في الأرض فانفتحت لهم كوة تفضي إلى غرفة تحت الأرض ، ورأوا فيها ستة عشر رأسا مصفوفة على دائرة ، وكأنهم قد دفنوا في تلك اللحظة ، وآثار الدماء على وجوههم ، والعصائب ما زالت على رؤوسهم ، لم تتغير أوصافهم ، ولم تبل أجسادهم. يقول الإمام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة :

«أيها الناس ، خذوها عن خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه يموت من مات منا وليس بميّت ، ويبلى من بلي وليس ببال».(الخطبة رقم ٨٥).

٧٥٩ ـ قبور أهل البيتعليهم‌السلام في باب الصغير :

(الإشارات إلى معرفة الزيارات لأبي بكر الهروي ، ص ١٣)

تزخر مقبرة باب الصغير في جنوب دمشق القديمة خارج السور مباشرة بمقامات وقبور عديدة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وذلك في بقعة خاصة تدعى (الستّات). وهذه بعض القبور:

قال أبو بكر الهروي : وقبلي باب الصغير قبر أم الحسن ابنة حمزة بن جعفر الصادقعليه‌السلام ، وقبر علي بن عبد الله بن العباس ، وقبر سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس ، وقبر زوجته أم الحسن ابنة جعفر بن الحسن بن الحسن بن فاطمة الزهراءعليهم‌السلام ، وقبر خديجة ابنة زين العابدينعليه‌السلام . هؤلاء في تربة واحدة.

وقبر سكينة بنت الحسينعليه‌السلام ، وقبر محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٦٢٨

(أقول) : هذا عدا عن قبور أخرى لم يذكرها الهروي ، منها : قبر عبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينبعليه‌السلام ، وقبر عبد الله بن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ومقام أم كلثوم بنت الإمام عليعليه‌السلام .

٤ ـ مقام السيدة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام

ذكرنا سابقا أنه كان للإمام الحسينعليه‌السلام عدة بنات ، حضر منهن مع الحسينعليه‌السلام في الطف ثلاث ، هن حسب ترتيب الكبر : فاطمة وسكينة ورقيّة.

وقد اختلفت الأقوال في مرقدي فاطمة وسكينةعليهما‌السلام :

١) ـ ففي قول أنهما توفيتا في المدينة.

٢) ـ ويقول ابن سعد في (الطبقات) : إن سكينةعليها‌السلام توفيت في مكة ، في نفس السنة التي توفيت فيها أختها فاطمةعليه‌السلام ، وهي سنة ١١٧ ه‍.

٣) ـ والقول الثالث : أن سكينةعليه‌السلام توفيت في دمشق ، ودفنت مع عمتها أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام في الباب الصغير في مشهد واحد ، قريب من مشهد رؤوس الشهداءعليه‌السلام .

٧٦٠ ـ مسجد سكينةعليه‌السلام :

(تاريخ ابن عساكر ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، مج ٢ قسم ١ ص ٨٠)

قال ابن عساكر : مسجد يعرف بمسجد سكينة ، في وسط المقبرة بقرب قبر بلال.وفي الحاشية : يزعمون أنها سكينة بنت الحسينعليه‌السلام وليست هي. وفي طبرية مشهد به قبر سكينة بنت الحسينعليه‌السلام أيضا.

(انظر الإشارات إلى معرفة الزيارات لأبي بكر الهروي ، ص ١٩)

٧٦١ ـ قبر سكينةعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٩٧)

قال ابن الأكفاني : وأراني أيضا قبر بريهة ابنة الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في قبة ، وقبر سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في قبة.

ـ تعليق ابن عساكر :(المصدر السابق ، ص ١٩٩)

وأما قبر بريهة ، فلا أدري القول في نسبها يصح ، لأن أصحاب النسب لم يذكروا في أولاد الحسن بن عليعليه‌السلام ابنة اسمها بريهة.

وأما قبر سكينة بنت الحسينعليه‌السلام فيحتمل ، لأنها تزوجت بالأصبغ بن عبد

٦٢٩

العزيز بن مروان ، الّذي كان بمصر ، ودخلت إليه فمات قبل أن تصل إليه ، فيحتمل أنها قدمت دمشق وماتت بها. والصحيح أنها ماتت بالمدينة.

وقال ابن عساكر في تاريخه ـ تراجم النساء ، ص ١٥٥ : قرأت بخط علي ابن محمّد بن إبراهيم الحبائي ، حدثنا شيوخنا عن أسلافهم أن قبر سكينة بنت الحسينعليه‌السلام بدمشق ، ولكن يضعّفه أهل العلم.

وقد أكد ابن الأثير في (الكامل) ج ٥ ص ١٩٥ أن فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وأختها سكينةعليه‌السلام توفيتا في عام واحد ، وقد توفيت سكينة في المدينة ، وطلب واليها الصلاة عليها.

وفي (معالي السبطين) ج ٢ ص ٢١٨ : أن والي المدينة خالد بن عبد الملك أراد الصلاة على سكينة ، ولما تأخر ويئس أهلها من مجيئه صلوا عليها.

٧٦٢ ـ وصف القبر المنسوب لسكينة في دمشق :

في (خطط دمشق) لصلاح الدين المنجد ، ص ٥٧ يقول :

يقع في مقبرة الباب الصغير بدمشق ، قبر ينسب إلى السيدة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام ، وفي النسبة خلاف.

يهبط إلى القبر بسلم ، نجد ضريحا من خشب الجوز ، عليه نقوش وزخارف غنية ، مزهرة رائعة ، على الطراز الفاطمي. في ثنايا ذلك كتابات كوفية ، فيها (هذا قبر سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام ). وحول الضريح آية الكرسي.

وفي مجلة (الحوليات الأثرية العربية السورية) المجلد ٣٥ لعام ١٩٨٥ ـ عدد خاص عن دمشق ، بعنوان [العظماء الذين دفنوا في دمشق أو ماتوا فيها].

قال : ذكر المؤرخون أن سكينة سيدة الشعراء ، وأنها ماتت بدمشق ، ودفنت في تربة القلندرية داخل القبة ، في مقبرة باب الصغير ، ولها قبر فخم عليه قبة. والضريح مصنوع من الخشب المحلّى بالزخارف المحفورة المخرّقة والكتابات الكوفية ، ويرجح أنه صنع في العصر الفاطمي. وقد ذكرت بعض الروايات أنها توفيت بالمدينة.

(راجع منتخبات التواريخ للحصني ، ص ٤٣٢ ؛ وقبور العظماء للريحاوي ، ص ٦٥٩)

الكلام الفصل :

بعد التعارض الشديد في الروايات حول مدفن السيدة سكينة بنت الحسينعليها‌السلام يأتينا البرهان القاطع على أنها ليست مدفونة في مقبرة (البستان) بدمشق. وذلك مما

٦٣٠

ذكره السيد محسن الأمين في (الأعيان) طبعة بيروت حجم كبير ، المجلد ٧ ص ٢٧٤ ، والمجلد ٣ ص ٤٩١ قال :

قال ابن خلكان : توفيت سكينة بنت الحسينعليها‌السلام في المدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة ١١٧ ه‍ ، في أيام هشام بن عبد الملك ، وعمرها ٧٥ سنة. وقال سبط ابن الجوزي : ماتت فاطمة بنت الحسينعليها‌السلام وأختها سكينة في سنة واحدة ، وهي سنة ١١٧ ه‍.

وفي (الأغاني) ما حاصله : أنها ماتت وعلى المدينة خالد بن عبد الملك ، فآذنوه بالجنازة ، وذلك في أول النهار في حرّ شديد ، فجعل يماطلهم إلى أن صلّيت العشاء ولم يجئ ، فجعلوا يصلون عليها جمعا جمعا فرادى ، وينصرفون.

ثمّ يقول السيد الأمين في (الأعيان) المجلد ٣ ص ٤٩٢ :

أما القبر المنسوب إليها بدمشق في مقبرة الباب الصغير ، فهو غير صحيح ، لإجماع أهل التواريخ على أنها دفنت بالمدينة. ويوجد على هذا القبر المنسوب إليها بدمشق صندوق من الخشب كتب عليه آية الكرسي بخط كوفي مشجّر رأيته.وأخبرني الشيخ عباس القمي الّذي هو ماهر في قراءة الخطوط الكوفية بدمشق سنة ١٣٥٦ ه‍ أن الاسم المكتوب بآخر الكتابة التي على الصندوق (سكينة بنت الملك) بلا شك ولا ريب ، وكسر ما بعد لفظة الملك. فالقبر إذن لإحدى بنات الملوك المسماة (سكينة) وليس لسكينة بنت الحسينعليه‌السلام .

٧٦٣ ـ من هي سكينةعليه‌السلام ؟ :(إسعاف الراغبين للصبان ، ص ٢١٠)

قال الصبان : المشهور على الألسنة في اسمها أنه (سكينة) بفتح السين وكسر الكاف ، لكن في القاموس و (شرح أسماء رجال المشكاة) أنه مصغّر ، بضم السين وفتح الكاف.

(أقول) : والأول هو الأغلب [أي بفتح السين] ، وكنّيت به لأنها كما وصفها أبوها الحسينعليه‌السلام بأنها الغالب عليها السكينة والاستغراق مع الله تعالى. ثم قال الصبان : واعلم أن ما في (منن الشعراني الكبرى) مخالف لما مرّ. فإن فيها أن سكينة المدفونة بمصر أخت الحسينعليه‌السلام لا بنته. ولدى الرجوع إلى بنات الإمام عليعليه‌السلام لم نعثر على أن له بنتا باسم سكينة من بين أولاده السبعة والعشرين.

ويؤيد أنها ليست في مصر ، ما في (تهذيب الأسماء واللغات) للنووي ، بأن الصحيح وقول الأكثرين ، أن سكينة بنت الحسينعليه‌السلام توفيت بالمدينة.

٦٣١

ترجمة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام

ولدت السيدة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام قبل وفاة عمها الحسن (ع).

وقال السيد الأمين في (الأعيان) عن ابن خلكان : توفيت السيدة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة ١١٧ ه‍. وكان عمرها على ما قيل خمسا وسبعين سنة ، فعلى هذا كان لها بالطف تسع عشرة سنة.

وقال سبط ابن الجوزي : ماتت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وأختها سكينة في سنة واحدة ، وهي سنة ١١٧ ه‍.

اسمها وفضلها :

هي سكينة بنت الحسينعليه‌السلام وأمها الرباب. وقيل إن اسمها أميمة ، وقيل أمينة ، وقيل آمنة. أما سكينة فلقبها ، لأنها كانت تغلب عليها السكينة.وعاشت بعد أبيها الحسينعليه‌السلام ستا وخمسين سنة.

قال في (القمقام) : وكانت أديبة ، سخيّة عفيفة ، ظريفة فاضلة. وكانت في البذل والعطاء كأبيها سيد الشهداءعليه‌السلام .

وفي (معالي السبطين) ج ٢ ص ١٢٨ : وحجّت سكينة في سنة من السنين ، وكانت ترمي الجمرات السبع ، حتى رمت ستة منها ، فلما همّت بالسابعة وقع الحصى من يدها ، فأخرجت خاتمها من إصبعها ورمت به بدلا عن الحصى.

وكانت سكينةعليه‌السلام في حبالة مصعب بن الزبير بن العوام ، وله أربعة زوجات ، إحداهن سكينة بنت الحسينعليه‌السلام . وولدت سكينة منه بنتا سمّتها الرباب باسم أمها. وقيل اللباب ، وقيل فاطمة.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي : وكانت سكينة قد ولدت من مصعب ابنة سمّتها اللباب ، وكانت فائقة الجمال ، لم يكن في عصرها أجمل منها ، فكانت تلبسها اللؤلؤ ، وتقول : ما ألبستها إياه إلا حتى تفضحه.

٦٣٢

تابع : ترجمة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام

وقال ابن عساكر في تاريخه ـ تراجم النساء ص ١٥٥ : وتزوجت سكينة بنت الحسينعليه‌السلام من عبد الله بن الحسن بن عليعليه‌السلام ، فقتل مع عمه الحسينعليه‌السلام بالطف قبل أن يبني بها.

وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ٢٨٨ : وأما سكينة فتزوجها مصعب بن الزبير فهلك عنها ، فتزوجها عبد الله ابن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ، ثم تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز أخو عمر بن عبد العزيز ، ثم فارقها قبل الدخول بها.

وماتت في أيام هشام بن عبد الملك ، ولها السيرة الجميلة والكرم الوافر والعقل التام" هذا قول ابن قتيبة".

أما غيره فيقول : أول من تزوجها مصعب بن الزبير قهرا. وهو الّذي ابتكرها ، ثم قتل عنها. وكانت من الجمال والأدب والظرف والسخاء بمنزلة عظيمة ، وكانت تؤوي إلى منزلها الأدباء والشعراء والفضلاء ، فتجيزهم على مقدارهم.

٧٦٤ ـ زواج سكينةعليه‌السلام من مصعب بن الزبير :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٢٩)

وقيل إن مصعب بن الزبير خطبها قبل وقعة الطف وتزوجها بعد الوقعة ، والصحيح أن مصعب خطب سكينةعليه‌السلام بعد وقعة الطف من زين العابدينعليه‌السلام ، ولم يرض الإمام بذلك ، لأنه عرف منها عدم القبول. وكان مصعب واليا على العراقين : البصرة والكوفة ، وكانت له الرياسة ، وله قوة وشوكة واقتدار وأصرّ على ذلك ، وخوّفهم وهددهم ، وقال لا بدّ لي من هذا الأمر ، وبينهم قرابة قريبة ، لأن أباه الزبير ، ابن صفية ، وصفية بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .والزبير ، ابن العوام ، والعوام قيل أخو خديجة بنت خويلد ، وليس هذا بمعلوم.

ولما أصرّ مصعب على هذا الأمر ، ولم تكن لأهل البيتعليه‌السلام حيلة في الخلاص منه ، رضوا بذلك وزوّجوها منه.

٦٣٣

٧٦٥ ـ جواب الحسينعليه‌السلام لابن أخيه الحسن المثنىعليه‌السلام حين طلب منه إحدى ابنتيه :(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ١٦٠)

روى الصبان في (إسعاف الراغبين) أن الحسن المثنى بن الحسنعليه‌السلام أتى عمه الحسينعليه‌السلام يخطب إحدى ابنتيه : فاطمة وسكينة.

فقال له الحسينعليه‌السلام : اختر يا بني إحداهما ، فلم يجد جوابا. فقال الحسينعليه‌السلام : أختار لك فاطمة ، فهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار ، وفي الجمال تشبه الحور العين وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله ، فلا تصلح لرجل!.

ثم يقول السيد جواد شبّر : هذه شهادة من الإمام الحسينعليه‌السلام في تقوى هذه السيدة المصونة (سكينة) ، وأنها منقطعة إلى الطاعة والعبادة ، فكأنها لا تأنس بغيرهما. وهذا مما زاد في موقعها من قلب أبيها الحسينعليه‌السلام إمام عصره ، حتى استحقت أن يصفها المعصوم (بخيرة النسوان) ، وذلك لما ودّععليه‌السلام عيالاته يوم عاشوراء ، أجلس سكينة وهو يمسح على رأسها ، ويقول :

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان

ثم يقول السيد جواد شبّر : أيليق بهذه المصونة الجليلة والحرة النبيلة ، أن تجالس الشعراء وينشدونها الأشعار! كما روى ذلك أبو الفرج المرواني الاصفهاني في كتابه (الأغاني) ، وروايته عن آل الزبير [يقصد الزبير بن بكّار] ، وعداوة آل الزبير لآل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشهورة مذكورة.

٧٦٦ ـ الخلط المتعمّد بين سكينة بنت الحسينعليه‌السلام وسكينة بنت خالد الزبيرية:

(أقول) : وكثيرا ما كان المؤرخون يخلطون ـ عمدا أو سهوا ـ بين سكينة بنت الحسينعليه‌السلام وبين سكينة بنت خالد الزبيرية ، التي كانت تحضر مجالس الشعر والغزل. فصوّروا للناس أن سكينةعليه‌السلام كانت تجالس الشعراء. وهذه الرواية التي رواها أبو الفرج في (الأغاني) ، قد افتعلها الزبير بن بكار صاحب كتاب (نسب قريش) ، لأنه وجد في التاريخ أن سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير ، كانت تجالس الشعراء ويتغزلون بها وبجمالها ، وهذه وصمة عار في تاريخ آل الزبير ، فلم

٦٣٤

يجد أفضل من رفع هذه الوصمة من آل الزبير ولصقها بأهل البيتعليه‌السلام . وكان الوضع السياسي يتطلب ذلك.

٧٦٧ ـ الدفاع عن سكينةعليه‌السلام :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، حاشية ص ٢٦٦)

قال السيد أسد حيدر :

موضوع البحث عن حياة سكينة بنت الحسينعليه‌السلام يستلزم البسط والإيضاح ، لما أحيط بتاريخ حياتها من أمور لا ترتبط بواقع الحال ، لأنها استهدفت لحملة ظالمة ، وتحامل شائن ، من أعداء آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأهمل المؤرخون الرسميون ذكر كثير من مواقفها المشرفة ، ذات المغزى المشرّف.

كما تعمّد من تربطه أواصر النسب بالأمويين ، فأورد في سجل التاريخ أمورا مفتعلة ، وأكاذيب منحولة ، بل هي أساطير سمر في ليالي الشتاء ، وحكايات هي من وحي الخيال ، والتي صيغت بعبارات جذّابة ، شارك فيها كل من يحاول الوقيعة بآل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكان أبرزهم في هذه الحملة ، وأشجعهم في هذه الجولة ، وهو الزبير بن بكّار ، أحد أجهزة إعلام الباطل ، وهو المعروف باختراع القصص ووضع الأحاديث ونشر الخرافات.

ولا يختلف اثنان بأن (الزبير بن بكار) كان من أشد الناس عداء لأهل البيتعليه‌السلام .

وتناول أبو الفرج الاصفهاني تلك الخرافات ، فوسّع الدائرة ، وتزيّد واختلق.وأبو الفرج هو ذلك الأموي في النسب والنزعة.

وتلقّف تلك المفتريات أناس مأجورون ، يعيشون تحت الظلام ، من مستشرقين وتلامذتهم ، فكانت هناك مجموعة مفتريات وأكاذيب حول سيرة هذه السيدة الطاهرة.

وقد تسابق لردّ هذه المفتريات جماعة من العلماء الأعلام ، وألّفوا كتبا قيّمة [مثل السيد عبد الرزاق المقرّم في كتابه (السيدة سكينة) ، والأستاذ توفيق الفكيكي في كتابه (السيدة سكينة بنت الحسين)]. ومع ذلك فالموضوع بحاجة إلى مزيد من التحقيق وتسليط الأضواء ، لفضح تلك الأكاذيب ومحو تلك المفتريات.

٦٣٥

ترجمة الزبير بن بكار

(جمهرة نسب قريش للزبير بن بكار ، ص ٥٥)

هو الزبير بن بكار (أبو بكر) ابن عبد الله بن مصعب بن ثابت ابن عبد الله بن الزبير بن العوام ، قاضي مكة. وكنيته أبو عبد الله ابن أبي بكر ، وهو من النسابين ، وعليه اعتماد الناس في معرفة أنساب القرشيين ، وهو مؤلف كتاب (نسب قريش).

قال أحمد بن علي السليماني في كتاب (الضعفاء) : كان الزبير بن بكار منكر الحديث ، أي أنه وضعه في زمرة من يضعون الحديث.

وفي (كشف الغمة) للإربلي ، ج ٢ ص ٤٣ قال :

ذكر ياقوت الحموي في كتابه (معجم الأدباء) كلاما عن الزبير بن بكار هذا مختصره : الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب

ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، يكنّى أبا عبد الله. الكثير العلم ، الغزير الفهم. أعلم الناس قاطبة بأخبار قريش وأنسابها ومآثرها وأشعارها.

ولد ونشأ بالحجاز ، ومات بمكة سنة ٢٥٦ ه‍ عن ٨٤ سنة. وكان أبوه على قضاء مكة ، وولاه المتوكل القضاء بها بعد أبيه ، ومات وهو قاضيها.ودخل بغداد عدة مرات آخرها سنة ٢٥٣ ه‍.

ثم يقول : وكيف يقدم على تصنيف كتاب باسم (الموفقيات) نسبة إلى الموفق طلحة بن المتوكل ولي العهد ، وفيه ما يناقض مذهبه ويخالف عقيدته (الزبيرية)؟!.

(أقول) : ولا غرابة في ذلك ، فهو يدل على نفاقه وتدليسه

المشهورين ، لأنه يؤمن بأن الغاية تبرر الواسطة!.

٦٣٦

٥ ـ مقام السيدة أم كلثوم بنت علي (ع)

٧٦٨ ـ من هي السيدة أم كلثومعليه‌السلام التي حضرت كربلاء؟ :

كان للإمام عليعليه‌السلام عدة بنات باسم زينب وأم كلثوم ، مما سبّب لدى المؤرخين خلطا كبيرا بينهنّ. فقد أنجبت السيدة فاطمة الزهراء للإمامعليه‌السلام بنتين بعد الحسن والحسينعليه‌السلام هما : زينب العقيلة ، وأم كلثوم. ثم تزوّج الإمامعليه‌السلام بعد وفاة فاطمةعليه‌السلام أم سعيد بنت عروة الثقفية ، فأنجبت له بنتا سمّاها أم كلثوم. ثم تزوجعليه‌السلام أم ولد ، فولدت له بنتا سمّاها زينب.

وللتفريق بين هذه البنات الأربع ، سمّيت العقيلة (زينب الكبرى) ، والتي أمها أم ولد (زينب الصغرى). في حين سمّيت أم كلثوم بنت فاطمة (أم كلثوم الكبرى) ، وأم كلثوم الأخرى (أم كلثوم الصغرى).

وقد لاحظنا أن الشيخ المفيد في (الإرشاد) يسمي أم كلثوم الكبرى :

«زينب الصغرى المكناة أم كلثوم» ، فصرنا أمام ثلاث زينبات أخوات ، هن :

١ ـ زينب الكبرى وهي عقيلة بني هاشم : تزوجها ابن عمها عبد الله بن جعفر الطيارعليه‌السلام .

٢ ـ زينب الصغرى المكناة أم كلثوم الكبرى : وهي التي قيل إن عمر بن الخطاب تزوجها. وقد توفيت هذه في عهد معاوية قبل كربلاء ، ودفنت في المدينة.

٣ ـ زينب الصغرى التي أمها أم ولد : توفيت في حياة أبيها ، ولم تحضر كربلاء.

إذن فاللواتي حضرن كربلاء من البنات الأربع السابقة ، هما فقط : زينب الكبرى العقيلة ، وأم كلثوم الصغرى التي أمها أم سعيد الثقفية.

٧٦٩ ـ أمثلة على الخلط الكبير بين الأخوات :

وكمثال على الخلط الناتج عن الجهل بالموضوع ، ما أوردته مجلة (الحوليات الأثرية العربية السورية) المجلد ٣٥ لعام ١٩٨٥ في البحث [العظماء الذين دفنوا في دمشق أو ماتوا فيها] تحت عنوان : السيدة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قالت :

وتلقّب بأم كلثوم ، خطبها عمر بن الخطاب. وذهب بعض المؤرخين إلى أنها ماتت بدمشق ، ودفنت في باب الصغير قرب قبر بلال الحبشي.

٦٣٧

ثم يقول : ويوجد لها قبر آخر في قرية (راوية) المعروفة حاليا بالست ، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من دمشق ، على بعد عدة كيلومترات. وهو مزار شهير محتفى به ، يؤمّه الزوار من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، ويقدّمون عنده النذور ، وحوله الأبنية لنزول الغرباء ، وعليه قبة فخمة ضمن مسجد واسع.

فترى أيها القارئ الخلط بين زينب الكبرى ، وبين شقيقتها أم كلثوم الكبرى.علما بأن القبر الأول الّذي في الستات ـ إن صحّت نسبته ـ هو لأم كلثوم الصغرى التي أمها أم سعيد ، والقبر الثاني الّذي في (راوية) هو لزينب الكبرى العقيلة ، وكلتاهما غير أم كلثوم الكبرى التي نسب إليها أنها تزوجت عمر بن الخطاب.

وقد نفى ابن عساكر أن يكون قبر راوية لأم كلثوم التي تزوجها عمر.

قال في (تاريخ مدينة دمشق) تحقيق صلاح الدين المنجد ، مج ٢ قسم ١ ص ٨٠:مسجد راوية مستجد على قبر أم كلثوم. وأم كلثوم هذه ليست بنت علي من فاطمةعليه‌السلام التي تزوجها عمر ، لأنها ماتت هي وابنها زيد بن عمر بالمدينة في يوم واحد ، وصلى عليها وعلى ابنها الإمام الحسنعليه‌السلام بصلاة واحدة ، ودفنا بالبقيع.

(أقول) : نوافق ابن عساكر على أن المدفونة في راوية ليست زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم الكبرى التي قيل إنها تزوجت عمر ، لكننا نخالفه في أنها أم كلثوم الصغرى ، ونجزم أنها زينب العقيلة التي تزوجت ابن عمها عبد الله بن جعفر الطيارعليه‌السلام .

وجاء في مجلة الموسم ـ العدد ٤ ص ٩٤٠ :

إن أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام التي أمها فاطمة الزهراءعليه‌السلام توفيت بالمدينة في أيام أخيها الحسن بن عليعليه‌السلام ، وصلى عليها وعلى ابنها زيد بصلاة واحدة.

وذكر في (أسد الغابة) : وتوفيت أم كلثوم وابنها زيد في وقت واحد.

وروى الشيخ الحر العاملي في (الوسائل) أنه خرجت جنازة أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام وابنها زيد بن عمر ، وفي الجنازة الحسن والحسينعليه‌السلام وعبد الله بن عمر وعبد الله بن العباس وأبو هريرة ، فوضعوا جنازة الغلام مما يلي الإمام ، والمرأة وراءه ، وقالوا : هذا هو السنّة.

٦٣٨

٧٧٠ ـ أمثلة أخرى على الأخبار المتعارضة :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٣٤)

قال الشيخ المازندراني :

ويظهر من الأخبار الكثيرة أن أم كلثوم بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام من فاطمة الزهراء ، أيضا كانت مع الحسينعليه‌السلام في الطف.

قال الشيخ فخر الدين الطريحي في كتاب (التكملة) : أم كلثوم هذه كنية لزينب الصغرى بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكانت مع أخيها الحسينعليه‌السلام بكربلاء.والمشهور بين الأصحاب أنه تزوجها عمر بن الخطاب غصبا ، كما أصرّ السيد المرتضى وصمم عليه في رسالة عملها في هذه المسألة ، وهو الأصح للأخبار المستفيضة.

قال ابن قتيبة في كتاب (المعارف) : وأما أم كلثوم الكبرى بنت فاطمةعليه‌السلام ، فكانت عند عمر بن الخطاب ، ولدت له فاطمة وزيدا. فلما قتل عمر تزوجها محمّد ابن جعفر بن أبي طالب ، فماتت عنده.

ثم ذكر المازندراني قول من ادعى أنها شهدت كربلاء ثم ماتت في المدينة ، وأرى أن الكلام ينطبق على أم كلثوم الصغرى وليس الكبرى. قال :

وقال الشيخ ميثم البحراني : إن أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام توفيت بالمدينة بعد رجوعها من كربلاء ، وكانت مدة مكثها في المدينة أربعة أشهر وعشرة أيام ، ولم تزل يزداد فيها البكاء والكآبة والحزن وإقامة العزاء والنوح ، إلى أن توفيت رحمها الله.

ثم قال المازندراني : وكانت أم كلثوم أول من لحق بالحسينعليه‌السلام من الهاشميات والهاشميين بعد رقيةعليه‌السلام التي توفيت بالشام ، كما أن أمها فاطمة الزهراءعليه‌السلام كانت أول من لحق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

في حين ادّعى غيرهم أن زينب الصغرى مدفونة في دمشق ، وليس في المدينة.

قال السيد عبد الرزاق كمونة الحسيني في كتابه (مشاهد العترة الطاهرة) ص ٩٠ ط ٢ بيروت : ولاتفاق المحدثين والمؤرخين من الفريقين أن أم كلثوم التي قبرها في دمشق ، هي زينب الصغرى بنت الإمام عليعليه‌السلام التي أمها أم سعيد بنت عمرو بن مسعود الثقفية ، التي خرجت إلى محمّد بن عقيل.

(أقول) : كيف يكون هناك اتفاق بين المؤرخين على أن القبر الّذي في (الستات) هو قبر زينب الصغرى ، مع الأخبار المتعارضة التي وقفت على بعضها؟ لا بل إنه

٦٣٩

ثبت أنهاعليها‌السلام رجعت مع السبايا إلى المدينة ، وليس هناك من دليل على خروجها من هناك ، لا سيما ما ذكر من أنها توفيت بعد ذلك بأربعة أشهر من شدة الحزن والأسى على أخيهاعليه‌السلام ، وهي التي كانت تدعى زينب النوّاحة.

وقد أكد العلامة السيد محسن الأمينرحمه‌الله على أن القبرين الموجودين في باب الصغير بمحلة الستّات ليسا قبر سكينة ولا أم كلثوم ، فهما توفيتا في المدينة ودفنتا هناك.

وفي تقديري أن هذا المكان هو مقام لهما حيث أقامتا فيه مدة من الزمن عند مجيئهما مع السبايا ، فأصبح مشهدا مشرّفا ، وليس هو مرقد لهما. ولا يستبعد أن القبرين اللذين في هذا المشهد هو لامرأتين شريفتين من نسل الحسينعليه‌السلام ، وقد اعتني بهما في عهد الدولة الفاطمية ، ولكنهما ليستا من بنات الحسينعليه‌السلام أو أخواته ، بل من الحفيدات البعيدات.

٧٧١ ـ وصف مسجد ومشهد سكينة وأم كلثوم في الستات :

(ثمار المقاصد في ذكر المساجد ليوسف بن عبد الهادي ، ص ٢٥٢)

قال : هو مسجد ذو منارة حديثة ، تقع إلى جانب القبتين اللتين فوق ضريحي السيدتين سكينة وأم كلثوم. والقبتان جدّدتا سنة ١٣٣٠ ه‍ كما هو مؤرّخ على الباب. وللقبة الشمالية باب شمالي إلى المقبرة ، وشباكان في كل جهة من الجهات الثلاث الأخرى. وللقبة الجنوبية [حيث ضريح أم كلثوم] شباكان إلى الجنوب واثنان إلى الشرق ، وبينهما الباب. وفي الجنوب باب يؤدي إلى غرفة يقيم فيها قيّم المسجد.

وفي أرض القبة الجنوبية عشر درجات ينزل منها إلى الطابق السفلي [القبو] وفيه ممرّ في جانبيه حجرتان : جنوبية فيها ضريح السيدة أم كلثوم زينب الصغرى بنت الإمام عليعليه‌السلام ، وتابوتها من خشب حديث الصنع. وفي الحجرة الشمالية ضريح السيدة سكينةعليه‌السلام ، ولها تابوت خشبي مربع قديم من خشب الجوز ، حسن الصنع ذو زخارف وكتابات كوفية فاطمية ، ونقوشه من أجمل النقوش الخشبية.

٧٧٢ ـ هل تزوّج عمر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراءعليه‌السلام ؟ :

ذكر السنّة أن عمر بن الخطاب خطب إلى الإمام عليعليه‌السلام ابنته الصغيرة أم كلثوم ، في قصة أسطورية. وهذه البنت أمها فاطمة الزهراءعليه‌السلام التي ماتت واجدة

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800