موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء32%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493716 / تحميل: 5848
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٣ ـ المستشهدون من الأصحاب بالمبارزة

٣٤ ـ خروج مسلم بن عوسجة ونافع بن هلال للقتال :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ١٤)

ثم خرج مسلم بن عوسجة الأسدي وهو يقول :

إن تسألوا عني فإني ذو لبد

من فرع قوم من ذرى بني أسد

فمن بغاني حائد عن الرشد

وكافر بدين جبار صمد

ثم تابعه نافع بن هلال الجملي وهو يقول :

أنا على دين علي

ابن هلال الجملي

أضربكم بمنصلي

تحت عجاج القسطل

فخرج لنافع رجل من بني قطيعة ، فقال لنافع : أنا على دين عثمان. فقال نافع :

إذن أنت على دين الشيطان ، وحمل عليه فقتله. فأخذ نافع ومسلم يجولان في ميمنة ابن سعد.

٣٥ ـ تشجيع عمرو بن الحجاج لقومه ، واعترافه بشجاعة أصحاب الحسينعليه‌السلام :

(مقتل المقرم ، ص ٢٩٦)

وأخذ أصحاب الحسينعليه‌السلام بعد أن قلّ عددهم وبان النقص فيهم ، يبرز الرجل بعد الرجل ، فأكثروا القتل في أهل الكوفة. فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه :أتدرون من تقاتلون؟!. تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوما مستميتين ، لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم. والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.

فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأي ما رأيت. أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منكم ، ولو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم(١) .

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٩.

٦١

زحف الميمنة

٣٦ ـ عمرو بن الحجاج يزحف على ميمنة الحسينعليه‌السلام :

(الإرشاد للمفيد ، ص ٢٣٦)

وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسينعليه‌السلام فيمن كان معه من أهل الكوفة. فلما دنا من أصحاب الحسينعليه‌السلام جثوا له على الرّكب ، وأشرعوا بالرماح نحوهم ، فلم تقدم خيلهم على الرماح ، فذهبت الخيل لترجع ، فرشقهم أصحاب الحسينعليه‌السلام بالنبل ، فصرعوا منهم رجالا وجرحوا منهم آخرين(١) .

وكان عمرو بن الحجاج يقول لأصحابه : قاتلوا من مرق من الدين ، وفارق الجماعة. فصاح الحسينعليه‌السلام : ويحك يا حجّاج أعليّ تحرّض الناس؟. أنحن مرقنا من الدين وأنت تقيم عليه؟!. ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولى بصليّ النار(٢) !.

٣٧ ـ عمرو بن الحجاج يتهم الحسينعليه‌السلام بالمروق من الدين ، وجواب الحسينعليه‌السلام له :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٥)

ثم دنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسينعليه‌السلام . ثم صاح بقومه : يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين ، وخالف إمام المسلمين. فقال له الحسينعليه‌السلام : يابن الحجاج أعلي تحرّض الناس؟.أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتّم عليه؟!. والله لتعلمنّ أيّنا المارق من الدين ، ومن هو أولى بصليّ النار(٣) .

مصرع مسلم بن عوسجة الأسدي

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٧.

(٢) البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٢.

(٣) مقتل المقرم ، ص ٢٩٦ عن كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٧.

٦٢

٣٨ ـ مصرع مسلم بن عوسجة الأسدي ووصيته لحبيب بن مظاهر ، وما شهده شبث بن ربعي بمسلم :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٩٧)

ثم حمل عمرو بن الحجاج من نحو الفرات فاقتتلوا ساعة ، وفيها قاتل مسلم ابن عوسجة ، فشدّ عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي(١) وثارت لشدة الجلاد غبرة شديدة ، وما انجلت الغبرة إلا ومسلم صريعا وبه رمق.فمشى إليه الحسينعليه‌السلام ومعه حبيب بن مظاهر الأسدي ، فقال له الحسينعليه‌السلام :رحمك الله يا مسلم( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب :٢٣]. ودنا منه حبيب وقال : عزّ عليّ مصرعك يا مسلم ، أبشر بالجنة. فقال قولا ضعيفا : بشّرك الله بخير. قال حبيب : لو لم أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بكل ما أهمّك [حتى أحفظك في ذلك ، لما أنت أهله في القرابة والدين(٢) ].فقال له مسلم : بل أوصيك بهذا [وأشار إلى الحسينعليه‌السلام ] أن تموت دونه. فقال :أفعل وربّ الكعبة(٣) فما أسرع من أن مات. [وفي اللهوف ، ص ٦٠ أنه قال :لأنعمنّك عينا ثم مات] رضوان الله عليه.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ١٦ :

فصاحت جارية له : يا سيداه!. يابن عوسجتاه!.

فنادى أصحاب عمر بن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة. فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم ، أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتذلّون عزّكم [وفي رواية ابن الأثير : وتذلّون أنفسكم لغيركم]. أتفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة؟!. أما والذي أسلمت له ، لربّ موقف له في المسلمين كريم. والله لقد رأيته يوم (سلق أذربيجان) ، قتل ستة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين [أفيقتل مثله وتفرحون؟!].

__________________

(١) في مناقب ابن شهر اشوب أن الّذي قتله : مسلم الضبابي وعبد الرحمن البجلي.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٣.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٩ ، وقد اعتبر شهادة مسلم أول الأصحاب.

٦٣

زحف الميسرة

٣٩ ـ زحف شمر بن ذي الجوشن على ميسرة الحسينعليه‌السلام :

(الإرشاد للمفيد ، ص ٢٣٧)

ثم تراجع القوم إلى الحسينعليه‌السلام ، فحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة ، على أهل الميسرة ، فثبتوا له وطاعنوه. وحمل على الحسينعليه‌السلام وأصحابه من كل جانب. وقاتلهم أصحاب الحسينعليه‌السلام قتالا شديدا ، فأخذت خيلهم تحمل ، وإنما هي اثنان وثلاثون فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلا كشفته.

٤٠ ـ خبر عبد الله بن عمير الكلبي ومقاتلته :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٥ ط أولى مصر)

كان عبد الله بن عمير الكلبي (بالنّخيلة) فرأى القوم يعرضون ليسرحوا إلى قتال الحسينعليه‌السلام . فقال : والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا ، وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين. فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع ، وأعلمها بما يريد.فقالت : أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك ، افعل وأخرجني معك. فخرج بها حتى أتى حسيناعليه‌السلام فأقام معه. فلما دنا عمر بن سعد ورمى بسهم ارتمى الناس.فخرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيد الله بن زياد ، فقالا : من يبارز؟. ليخرج إلينا بعضكم. فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير ، فقال لهما حسين : اجلسا. فقام عبد الله ابن عمير هذا ، فاستأذن الحسين بالخروج فأذن له ، وكان رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين. فخرج وقاتل قتالا مريرا.

فلما برز قال له يسار : من أنت؟. فانتسب له. فقال له : لست أعرفك ، ليخرج إليّ زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير.

فقال له ابن عمير : يابن الفاعلة [وفي رواية : يابن الزانية] ، وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ، ولا يبرز إليك أحد إلا وهو خير منك!.

ثم شدّ عليه فضربه بسيفه حتى برد ، وهو أول من قتل من أصحاب ابن سعد. فإنه لمشتغل بضربه إذ شدّ عليه سالم مولى عبيد الله ، فصاح به أصحابه : قد رهقك العبد ، فلم يعبأ به حتى غشيه ، فبدره بضربة اتّقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت

٦٤

أصابع كفه ، ومال عليه عبد الله فضربه حتى قتله. فرجع وقد قتلهما جميعا ، وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن كلب

حسبي ببيتي في عليم حسبي

إني امرؤ ذو مرّة وعضب

ولست بالخوّار(١) عند النكب

إني زعيم لك أمّ وهب

بالطعن فيهم صادقا والضرب

ضرب غلام مؤمن بالربّ

مصرع عبد الله بن عمير الكلبيرحمهما‌الله

٤١ ـ مصرع عبد الله بن عمير الكلبي ، وزوجته أم وهب (رض):

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٩٧)

وحمل الشمر في جماعة من أصحابه على ميسرة الحسين فثبتوا لهم حتى كشفوهم ، وفيها قاتل عبد الله بن عمير الكلبي [وهو عبد الله بن عمير بن عباس بن عبد قيس بن عليم بن جناب الكلبي العليمي أبو وهب] فقتل تسعة عشر فارسا واثني عشر راجلا ، وشدّ عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقطع يده اليمنى ، وقطع بكر بن حي ساقه ، فأخذ أسيرا وقتل صبرا(٢) . وذكر الطبري في تاريخه أنه كان القتيل الثاني من أصحاب الحسينعليه‌السلام .

فمشت إليه زوجته أم وهب (بنت عبد الله من النمر بن قاسط) وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه وتقول : هنيئا لك الجنة ، أسأل الله الّذي رزقك الجنة أن يصحبني معك. فقال الشمر لغلامه رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فشدخه وماتت(٣) وهي

__________________

(١) ذو مرّة : أي ذو قوة. والخوّار : الضعيف.

(٢) كامل ابن الأثير. والذي يقتل صبرا : هو كل من يقتل في غير معركة ولا حرب كالأسير ، فانه مقتول صبرا.

(٣) الظاهر أنه وقع خلط من المؤرخين بين قصة عبد الله بن عمير الكلبي هذا ، وبين قصة وهب بن حباب الكلبي الّذي سيأتي ذكره ، ومردّ الاشتباه أن زوجة عبد الله بن عمير اسمها (أم وهب) كما نصّ على ذلك الطبري وابن الأثير.

٦٥

أول امرأة قتلت من أصحاب الحسينعليه‌السلام (١) . وقطع رأس عبد الله ورمي به إلى جهة الحسينعليه‌السلام ، فأخذته أمه ومسحت الدم عنه ، ثم أخذت عمود خيمة وبرزت إلى الأعداء ، فردّها الحسينعليه‌السلام وقال : ارجعي رحمك الله ، فقد وضع عنك الجهاد. فرجعت وهي تقول : اللهم لا تقطع رجائي. فقال الحسينعليه‌السلام : لا يقطع الله رجاءك(٢) .

توضيح :

حصل خلط كبير عند المؤرخين بين اسمين هنا : عبد الله بن عمير بن جناب الكلبي ، وبين وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي ، وذلك للتشابه بين (جناب)و (حباب) من جهة ، ولأن زوجة عبد الله بن عمير لقبها (أم وهب).

والذي أرجحه أن هناك شخصين مختلفين وكل واحد منهما استشهد على حدة ؛ الأول خرج من الكوفة إلى (النّخيلة) إلى كربلاء ، وهو عبد الله بن عمير ، والثاني كان نصرانيا فلقي الحسينعليه‌السلام في طريقه وأسلم ، وصحبه إلى كربلاء ، وهو وهب بن حباب.

والذي يقوّي رأيي هذا ، أن هناك روايتين مختلفتين لاستشهاد (عبد الله) أو (وهب) وزوجته أو أمه (أم وهب). إحداهما تحكي أنه قتل وجاءت زوجته فجلست عند رأسه تمسح الدم عنه. والثانية أن الأعداء احتوشوه فأخذوه أسيرا ، وقطعوا رأسه ، ثم رموا به إلى عسكر الحسينعليه‌السلام ، فأخذته زوجته وضربت به خيمة للأعداء فهدمتها.

والرواية الأولى تثبت أن زوجته (أم وهب) استشهدت بعده ، حيث ضربها أحدهم بعمود من حديد على رأسها. بينما تشير الثانية إلى أنها حاولت القتال ، ولكن الحسينعليه‌السلام ردّها إلى المخيم.

وسوف تأتيك قصة استشهاد وهب بن حباب الكلبي ، الّذي أسلم مع أمه وزوجته ، بعد قليل.

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٣ ونسب ذلك إلى أم وهب بن جناب الكلبي.

(٢) مقتل المقرم ، ص ٩٨ ، نقلا عن تظلم الزهراء ، ص ١١٣.

٦٦

٤٢ ـ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، والموت جسر المؤمن إلى الجنة :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٧٣)

روي عن أبي جعفر الثاني (الإمام محمّد الجواد) عن آبائه (قال) قال علي بن الحسينعليه‌السلام : لما اشتدّ الأمر بأبي الحسينعليه‌السلام نظر إليه من كان معه ، فإذا هو بخلافهم ، لأنهم كلما اشتد الأمر تغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم ، وكان الحسينعليه‌السلام وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم ، وتهدأ جوارحهم ، وتسكن نفوسهم. فقال بعض لبعض : انظروا لا يبالي بالموت.

فقال لهم الحسينعليه‌السلام : صبرا بني الكرام ، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائم. فأيكم يكره أن ينتقل من سجن [أي الدنيا] إلى قصر [أي الجنة]! ، وهي لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب. إن أبي حدثني عن رسول الله (ص) : أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جناتهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم. ما كذبت ولا كذّبت.

طلب النجدة والمدد

٤٣ ـ عزرة بن قيس يستنجد بابن سعد ، واعتراف شبث بن ربعي بضلال أصحابه :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٩٩)

ولما رأى عزرة بن قيس وهو على الخيل الوهن في أصحابه والفشل كلما يحملون ، بعث إلى عمر بن سعد يستمده الرجال. فقال ابن سعد لشبث بن ربعي :ألا تقدم إليهم؟. قال : سبحان الله ، تكلف شيخ المصر ، وعندك من يجزي عنه؟.ولم يزل شبث بن ربعي كارها لقتال الحسين ، وقد سمع يقول في إمارة مصعب :قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعده [يعني الحسن] آل أبي سفيان خمس سنين ، ثم عدونا على ولده وهو خير أهل الأرض ، نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية؟! ضلال يا لك من ضلال. والله لا يعطي الله أهل هذا المصر خيرا أبدا ، ولا يسددهم لرشد(١) .

فمدّه بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥١.

٦٧

٤٤ ـ وصف أحدهم لبسالة الحسينعليه‌السلام وأصحابه الأبطال :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١٤٧)

ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح نهج البلاغة) ج ٣ ص ٣٠٧ ط مصر : أنه قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد : ويحك ، أقتلتم ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !. فقال : عضضت بالجندل(١) إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا!.ثارت علينا عصابة [يعني جماعة الحسينعليه‌السلام ] أيديها في مقابض سيوفها ، كالأسود الضارية ، تحتطم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنا فاعلين لا أمّ لك!.

مصرع أبي الشعثاء الكنديرحمه‌الله

٤٥ ـ عدول أبي الشعثاء الكندي إلى الحسينعليه‌السلام واستشهاده :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٣٠٠)

وكان أبو الشعثاء الكندي ـ وهو يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي ـ مع ابن سعد ، فلما ردّوا الشروط على الحسينعليه‌السلام صار معه. فقاتل بين يديه ، وجعل يرتجز ويقول(٢) :

أنا يزيد وأبي مهاصر

أشجع من ليث بغيل(٣) خادر

يا ربّ إني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر

وكان راميا ، فجثا على ركبتيه بين يدي الحسينعليه‌السلام ورمى بمئة سهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، والحسينعليه‌السلام يقول : اللهم سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنة.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٩ ط أولى مصر. والجندل : الصخر العظيم.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٣٧.

(٣) أسد خادر : مقيم في خدره ، والخدر : أجمة الأسد. والغيل : موضع الأسد.

٦٨

فلما نفدت سهامه قام وهو يقول : لقد تبيّن لي أني قتلت منهم خمسة(١) . ثم حمل على القوم فقتل تسعة نفر حتى قتلرحمه‌الله (٢) .

٤٦ ـ مبارزة برير بن خضير ليزيد بن معقل ومباهلتهما ، ثم مصرع برير على يد كعب بن جابر ، وقيل بحير الضبّي :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١١)

ثم برز برير بن خضير الهمداني وهو يقول :

أنا برير وأبي خضير

لا خير فيمن ليس فيه خير

وفي رواية مقتل الخوارزمي :

أنا برير وفتى خضير

أضربكم ولا أرى من ضير

يعرف فيّ الخير أهل الخير

كذاك فعل الخير من برير

مصرع بربر بن خضير الهمداني

وكان برير من عباد الله الصالحين ، وكان زاهدا عابدا ، وكان أقرأ أهل زمانه ، وكان يقال له سيّد القرّاء ، وكان شيخا تابعيا ، وله في الهمدانيين شرف وقدر. فحمل وقاتل قتالا شديدا ، وجعل ينادي فيهم : اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين ، اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين ، اقتربوا مني يا قتلة عترة خير المرسلين. فبرز إليه رجل يقال له يزيد بن معقل [وفي رواية : يزيد بن المغفل(٣) ].

وذكر المقرّم هذا الكلام بشيء من التفصيل(٤) قال :

ونادى يزيد بن معقل : يا برير كيف ترى صنع الله بك؟. فقال : صنع الله بي خيرا

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٥.

(٢) أمالي الصدوق ص ٨٧ مجلس ٣٠ ؛ وفي مقتل الخوارزمي أنه قتل في آخر الأصحاب ؛ وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٠ أنه كان أول من قتل.

(٣) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٥٩.

(٤) مقتل المقرم ، ص ٣٠٩ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٧ ، وذكر الطبري أنه برير بن (حضير) بالحاء وليس بالخاء.

٦٩

وصنع بك شرا. فقال يزيد : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّابا ، أتذكر يوم كنت أماشيك في (بني لوذان) وأنت تقول : كان معاوية ضالا وإن إمام الهدى علي بن أبي طالب؟. قال برير : بلى أشهد أن هذا رأيي. فقال يزيد : وأنا أشهد أنك من الضالين. فدعاه برير إلى المباهلة ، فرفعا أيديهما إلى الله سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله. ثم تضاربا فضربه برير على رأسه ضربة قدّت المغفر والدماغ ، فخرّ كأنما هوى من شاهق ، وسيف برير ثابت في رأسه. وبينا هو يريد أن يخرجه إذ حمل عليه (رضي بن منقذ العبدي) واعتنق بريرا واعتركا ، فصرعه برير وجلس على صدره ، فاستغاث رضي العبدي بأصحابه ، فذهب كعب بن جابر الأزدي ليحمل على برير ، فصاح به زهير بن أبي الأخنس : هذا برير بن خضير القارئ الّذي كان يقرئنا القرآن في جامع الكوفة ، فلم يلتفت إليه وطعن بريرا في ظهره ، فبرك برير على رضي العبدي وعضّ وجهه وقطع طرف أنفه ، وألقاه كعب برمحه عنه وضربه بسيفه فقتله رضوان الله عليه. وقام العبدي ينفض التراب عن قبائه وهو يقول : لقد أنعمت عليّ يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبدا.

وذكر الخوارزمي أن الّذي قتله هو بحير بن أوس الضبّي.

ترجمة برير بن خضير الهمداني المشرقي

بنو مشرق بطن من همدان ، قال الرواة : كان برير شيخا تابعيا ناسكا قارئا للقرآن ومن شيوخ القرّاء في الكوفة. وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين. ذكر أرباب السير أن بريرا لما بلغه امتناع الحسينعليه‌السلام من البيعة ليزيد الطاغية ، خرج من الكوفة حتى أتى مكة وصحب الحسينعليه‌السلام حتى استشهد معه رضوان الله عليه.

٤٧ ـ مبارزة الحر بن يزيد الرياحي :(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٠)

ثم قال الحر للحسينعليه‌السلام : يابن رسول الله ، كنت أول خارج عليك فاذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك(١) فلعلي أن أكون ممن يصافح جدك محمدا (ص) غدا

__________________

(١) لا يخفى أن مقتضى بعض الروايات أنه قتل جماعة قبل مصرع الحر ، وهو المستفاد من تاريخ ابن الأثير ، فلذلك حمل على أن المراد من [أول قتيل] أول قتيل من المبارزين.

٧٠

في القيامة. فقال له الحسينعليه‌السلام : إن شئت فأنت ممن تاب الله عليه ، وهو التواب الرحيم. فكان أول من تقدم إلى براز القوم وهو يرتجز ويقول :

إني أنا الحر ومأوى الضيف

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بوادي الخيف(١)

أضربكم ولا أرى من حيف

وروي أنه كان يرتجز أيضا ويقول :

آليت لا أقتل حتى أقتلا

ولن أصاب اليوم إلا مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا معضلا

لا ناكلا عنهم ولا معلّلا

لا عاجزا عنهم ولا مبدّلا

أحمي الحسين الماجد المؤمّلا(٢)

وخرج الحر بن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين يحمي ظهره ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر واستنقذه ، ففعلا ذلك ساعة(٣) .

وفي رواية (مقتل الحسين) لأبي مخنف ، ص ٧٧ :

ثم تقدم الحر إلى الحسينعليه‌السلام وقال : يا مولاي أريد أن تأذن لي بالبراز إلى الميدان ، فإني أول من خرج إليك ، وأحب أن أقتل بين يديك!. فقال لهعليه‌السلام :ابرز بارك الله فيك ، فبرز الحر وهو يقول :

أكون أميرا غادرا وابن غادر

إذا كنت قاتلت الحسين بن فاطمه

وروحي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تواسيه نادمه

أهمّ مرارا أن أسير بجحفل

إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفوّا وإلا زرتكم بكتائب

أشدّ عليكم من زحوف الديالمه

سقى الله أرواح الذين توازروا

على نصره سحا من الغيث دائمه

وقفت على أجسادهم وقبورهم

فكاد الحشا ينفتّ والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى

سراعا إلى الهيجا ليوثا ضراغمه

تواسوا على نصر ابن بنت نبيهم

بأسيافهم آساد خيل قشاعمه

__________________

(١) الحيف : الظلم. وادي الخيف : يقصد بها مكة المكرمة.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٨ ط ٤.

(٣) مقتل المقرم ص ٣٠٢ عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٢ ، والبداية ج ٨ ص ١٨٣.

٧١

ثم حمل على القوم وغاص في أوساطهم ، فقتل رجالا ونكّس أبطالا ، حتى قتل مائة فارس ، ورجع إلى الحسينعليه‌السلام .

ثم حمل على القوم وهو يقول :

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

فأنت بكأس الموت لا شكّ كارع

وحام عن ابن المصطفى وحريمه

لعلك تلقى حصد ما أنت زارع

لقد خاب قوم خالفوا الله ربهم

يريدون هدم الدين والدين شارع

يريدون عمدا قتل آل محمّد

وجدّهم يوم القيامة شافع

٤٨ ـ مبارزة الحر ليزيد بن سفيان ومصرعه :(مقدمة مرآة العقول ، ج ٢ ص ٢٥٣)

وروي عن أبي زهير العبسي أن الحر بن يزيد لما لحق بالحسينعليه‌السلام ، قال يزيد بن سفيان من بني شقرة وهم بنو الحارث بن تميم : أما والله لو أني رأيت الحر بن يزيد حين خرج لأتبعته السنان.

قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون ، والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ، ويتمثل بقول عنترة :

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

ولبانه(١) حتى تسربل بالدم

وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبه ، وإن دماءه لتسيل. فقال الحصين ابن تميم ـ وكان على شرطة عبيد الله ـ ليزيد بن سفيان : هذا الحر بن يزيد الّذي كنت تتمنى [قتله ، فهل لك به]!. قال : نعم. فخرج إليه ، فقال له : هل لك يا حر بن يزيد في المبارزة؟. قال : نعم قد شئت ، فبرز له. قال : فأنا سمعت الحصين بن تميم يقول : والله لبرز له فكأنما كانت نفسه في يده ، فما لبّثه الحر حين خرج إليه أن قتله [وقتل أربعين فارسا وراجلا(٢) ].

مصرع الحر بن يزيد الرياحيرحمه‌الله

__________________

(١) اللّبان : الصدر.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١١.

٧٢

٤٩ ـ مصرع الحر بن يزيد الرياحي (رض):

(مقتل الحسين للمقرم ص ٣٠٢)

ثم رمى أيوب بن مشرح الخيواني فرس الحر بسهم فعقره وشبّ به الفرس ، فوثب عنه كأنه ليث(١) وبيده السيف. فقاتلهم راجلا قتالا شديدا وهو يقول :

إن تعقروا بي فأنا ابن الحرّ

أشجع من ذي لبد هزبر

وفي رواية أنه كان يرتجز ويقول :

إني أنا الحر ونجل الحرّ

أشجع من ذي لبد هزبر

ولست بالخوّار عند الكرّ

لكنني الثابت عند الفرّ

وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفا وأربعين رجلا(٢) .

ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه ، فاشترك في قتله أيوب بن مشرح ، فاحتمله أصحاب الحسينعليه‌السلام حتى وضعوه أمام الفسطاط الّذي يقاتلون دونه وهكذا كان يؤتى بكل قتيل إلى هذا الفسطاط ، والحسينعليه‌السلام يقول :قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيين(٣) .

ثم التفت الحسينعليه‌السلام إلى الحر وكان به رمق ، فقال له وهو يمسح الدم عنه :أنت الحر كما سمّتك أمك ، وأنت الحرّ في الدنيا والآخرة.

ورثاه رجل من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، وقيل علي بن الحسينعليه‌السلام ، وقيل إنها من إنشاء الإمام الحسينعليه‌السلام خاصة(٤) فقال :

لنعم الحرّ حرّ بني رياح

صبور عند مشتبك الرماح

ونعم الحر إذ نادى حسين

فجاد بنفسه عند الصياح

وفي (طبقات ابن سعد) أنه المتوكل الليثي(٥) .

__________________

(١) مقتل المقرّم ، ص ٣٠٢ عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٨ و ٢٥٠.

(٢) مقتل المقرّم ، ص ٣٠٢ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢١٧ ط إيران.

(٣) مقتل المقرّم ، ص ٣٠٢ عن تظلم الزهراء ، ص ١١٨ ؛ والبحار ، ج ١٠ ص ١١٧.

(٤) مقتل المقرّم ، ص ٣٠٣ عن روضة الواعظين ص ١٦٠ ؛ وأمالي الصدوق ، ص ٩٧ مجلس ٣٠.

(٥) مجلة تراثنا الصادرة في قم ، العدد ١٠ ص ١٨١.

٧٣

ترجمة الحر بن يزيد التميمي الرياحي

هو الّذي جعجع بالحسينعليه‌السلام وكان أول خارج عليه ، ثم بعد ذلك أدركته السعادة وحظي بشرف الشهادة ، فكان من أول المستشهدين بين يدي الحسينعليه‌السلام يوم الطف وذكر أرباب السير أنه لما استشهد الحر أخرج الحسينعليه‌السلام منديله وعصب به رأس الحر.

وذكر الشيخ السماوي ومثله العلامة المظفر قال : وإنما دفنت بنو تميم الحر بن يزيد على نحو ميل من الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن اعتناء به.ولعل بنو تميم هم الذين تكتّلوا يوم الحادي عشر من المحرم ومنعوا الناس من قطع رأس الحر وحمله ، كما فعلوا ببقية الرؤوس ، إذ قطعوها من الأبدان وحملوها على أطراف الرماح. وللحر بن يزيد الرياحي اليوم مشهد يزار خارج مدينة كربلاء ، في الموضع الّذي كان قديما يدعى النواويس (انظر الشكل).

(الشكل ٥) : مرقد الحر بن يزيد الرياحي في ضاحية كربلاء

٧٤

٥٠ ـ الردّ على الذين اتهموا الحر بالارتداد عن الدين ، وأن توبته

لم تقبل : (الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٣ ص ٢٦٥)

قال السيد نعمة الله الجزائري : لقد حدثني جماعة من الثقاة أن الشاه إسماعيل الصفوي لما ملك بغداد ، وأتى إلى مشهد الحسينعليه‌السلام ، وسمع من بعض الناس الطعن على الحر بن يزيد ؛ أتى إلى قبره ، وأمر بنبشه ، فرأوه نائما كهيئته لما قتل ، ورأوا على رأسه عصابة مشدودا بها رأسه. فأراد الشاه أخذ تلك العصابة ، لما نقل في كتب السير أن تلك العصابة هي منديل الحسينعليه‌السلام شدّ به رأسه لما أصيب في تلك الواقعة ، ودفن على تلك الهيئة. فلما حلّوا تلك العصابة جرى الدم من رأسه حتى امتلأ منه القبر ، فلما شدّوا عليه تلك العصابة انقطع الدم. فأمر فبنى على قبره بناء ، وعيّن له خادما يخدم قبره. وتبيّن له أن شهادته كانت على حقّ ، وأنه معدود في الشهداء.

* * *

* مدخل إلى البحث التالي (انتصار العقيدة على العاطفة):

عندما تتغلب العقيدة على العاطفة يستهين الإنسان بالحياة ، وهذا ما فعله أصحاب الحسينعليه‌السلام ، حتى أن الواحد منهم كان يقدّم ابنه للقتل أو أخاه ، وكانت المرأة تقدّم ابنها للشهادة أو زوجها. فكان الحسينعليه‌السلام يردّ الغلام الّذي حضرت أمه معه (مثل عمرو بن جنادة الأنصاري) ، فيقول الغلام : أمي أمرتني بذلك.

ومن أروع أشكال هذا الانتصار للعقيدة على العاطفة ، تلك الأم التي أسلمت على يد الحسين (ع) ، ثم قدّمت ابنها (وهب) للشهادة في سبيل الله. فلمثل هذا فليعمل العاملون ، وفي مثل ذلك فليتنافس المتنافسون.

شهادة وهب ابن حباب الكلبيرحمه‌الله

٧٥

٥١ ـ مصرع وهب بن حباب الكلبي :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٦ ط ٤)

ثم برز وهب بن حباب الكلبي ، ويقال إنه كان نصرانيا فأسلم هو وأمه على يد الحسينعليه‌السلام ، وكانت معه أمه وزوجته. فقالت أمه : قم يا بني فانصر ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال : أفعل يا أمّاه ولا أقصّر(١) ، فبرز وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الكلبي

سوف تروني وترون ضربي

وحملتي وصولتي في الحرب

أدرك ثاري بعد ثار صحبي

وأدفع الكرب أمام الكرب

ليس جهادي في الوغى باللعب

ثم حمل وهب ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة. ثم رجع إلى امرأته وأمه وقال :يا أماه أرضيت؟. فقالت : ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسينعليه‌السلام ، فقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك.

فقالت له أمه : يا بني اعزب عن قولها ، وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة. فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه. وأخذت امرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي ، قاتل دون الطيبين حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأقبل كي يردّها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود دون أن أموت معك. فقال الحسينعليه‌السلام : جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي إلى النساء رحمك الله ، فانصرفت إليهن. ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

توضيح :

لما حصل الالتباس بين (عبد الله بن عمير بن جناب الكلبي)و (وهب بن عبد الله ابن حباب الكلبي) نجد أن نفس القصة يرويها بعضهم تحت الاسم الأول ، وبعضهم تحت الاسم الثاني.

فالطبري يذكر فقط عبد الله بن عمير الكلبي ، وكذلك ابن الأثير. بينما في (الفتوح) لابن أعثم يذكر وهب بن عبد الله بن عمير الكلبي. وفي (مثير الأحزان)

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٢ ، ونسب ذلك إلى وهب بن عبد الله بن جناب الكلبي.

٧٦

لابن نما و (اللهوف) لابن طاووس : وهب بن جناب الكلبي. وفي (مناقب ابن شهر اشوب) : وهب بن عبد الله الكلبي.

وفي (العيون العبرى) للميانجي يقول : يذكر الشيخ السماوي في (إبصار العين) :عبد الله بن عمير الكلبي ، ولم يذكر وهب الكلبي ؛ والخوارزمي على العكس.

ويذكر الخوارزمي في مقتله : أن وهب بن عبد الله هذا كان نصرانيا فأسلم هو وأمه على يد الحسينعليه‌السلام .

أما السيد الأمين في لواعجه فقد اعتبرهما شخصين مختلفين ، وهذا ما اعتمدناه ونوّهنا عنه عند شهادة عبد الله بن عمير الكلبي [توضيح بعد الفقرة ٤١]. وهذا أيضا ما ذهب إليه السيد محمّد تقي آل بحر العلوم في مقتله.

تقويض أبنية الحسينعليه‌السلام وحرقها

٥٢ ـ عمر بن سعد يأمر بتقويض أبنية الحسينعليه‌السلام وحرقها بالنار :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٤٧ ط ١ مصر)

يقول الطبري : وقاتلوهم حتى انتصف النهار ، أشدّ قتال خلقه الله. وأخذوا لا يقدرون على أن يأتوهم إلا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقاربها. فلما رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالا يقوّضونها (عن أيمانهم وعن شمائلهم) ليحيطوا بهم. فكان أصحاب الحسينعليه‌السلام يشدّون على كل من دخل يقوّضها وينهبها ، فيقتلونه ويرمونه من قريب (فيعقرونه).

فأمر ابن سعد بإحراقها فأحرقوها (فصاحت النساء ودهشت الأطفال). فقال الحسينعليه‌السلام : دعوهم فليحرقوها ، فإنهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها ، وكان كذلك.

٥٣ ـ الشمر يطعن فسطاط الحسينعليه‌السلام ويحاول تحريق الخيام :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦٤)

وحمل القوم بعضهم على بعض ، واشتد بينهم القتال. فصبر لهم الحسينعليه‌السلام وأصحابه ، حتى انتصف النهار ، وهم يقاتلون من جهة واحدة. فلما رأى ابن سعد ذلك أمر بإحراق الخيم. فقال الحسينعليه‌السلام لأصحابه : دعوهم فإنهم لن يصلوا

٧٧

إليكم. ثم حمل الشمر حتى طعن فسطاط الحسين ، ونادى : عليّ بالنار لأحرق بيوت الظالمين (فصحن النساء وخرجن من الفسطاط). فحمل عليه أصحاب الحسين حتى كشفوه عن الخيمة. فناداه الحسينعليه‌السلام : ويلك

يا شمر تريد أن تحرق خيمة رسول الله؟!. قال : نعم. فرفع الحسين طرفه إلى السماء ، وقال : اللهم لا يعجزك شمر أن تحرقه بالنار يوم القيامة(١) .

٥٤ ـ استنكار حميد بن مسلم لفعل الشمر :

(مقدمة مرآة العقول ، ج ٢ ص ٢٥٤)

وروي عن حميد بن مسلم (قال) قلت لشمر بن ذي الجوشن : سبحان الله ، إن هذا لا يصلح لك ؛ أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين : تعذّب بعذاب الله ، وتقتل الولدان والنساء؟!. والله إن في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك. (قال) فقال : من أنت؟.(قال) قلت : لا أخبرك من أنا. قال : وخشيت والله أن لو عرفني أن يضرني عند السلطان!.

٥٥ ـ زجر شبث بن ربعي للشمر :

(المصدر السابق ، ص ٢٥٥)

قال : فجاءه رجل كان أطوع له مني (شبث بن ربعي) فقال له : ما رأيت مقالا أسوأ من قولك ، ولا موقفا أقبح من موقفك!. أمرعبا للنساء صرت!. قال : فأشهد أنه استحيا فذهب لينصرف.

٥٦ ـ حملة زهير لاستنقاذ البيوت :

(المصدر السابق)

وحمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة ، فشدّ على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه ؛ فكشفهم عن البيوت ، حتى ارتفعوا عنها.

مصرع عمرو بن خالد الأزدي وابنهرحمهما‌الله

__________________

(١) اللهوف ، ص ٦٩ ؛ ومقتل المقرم ، ص ٢٩٨ عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥١.

٧٨

٥٧ ـ شهادة عمرو بن خالد الأزدي ، وابنه خالد :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٤٢)

وبرز عمرو بن خالد الأزدي وهو يقول :

إليك يا نفس إلى الرحمن

فأبشري بالرّوح والرّيحان

اليوم تجزين على الإحسان

قد كان منك غابر الزمان

ما خطّ في اللوح لدى الديّان

لا تجزعي فكل حيّ فان

والصبر أحظى لك بالإيمان

يا معشر الأزد بني قحطان

ثم قاتل حتى قتل رحمة الله عليه.

فتقدم ابنه خالد بن عمرو ، وهو يرتجز ويقول :

صبرا على الموت بني قحطان

كيما تكونوا في رضيا لرحمن

ذي المجد والعزة والبرهان

وذي العليو الطوّل والإحسان

يا أبتا قد صرت في الجنان

في قصر درّ حسن البنيان

فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمة الله عليه.

توضيح :

حصل خلط بين عمرو بن خالد الأزدي السابق ، وبين عمرو بن خالد الصيداوي الّذي سيأتي ذكره في الفقرة التالية. وأغلب المصادر ذكرت الأخير (عمرو) ما عدا السيد الأمين في اللواعج الّذي ذكره (عمر). فالذي استشهد في جماعة أربعة مع مولاه وصديقيه هو عمر بن خالد الصيداوي.

وقد ذكر السيد الأمين في (اللواعج) ص ١٣٢ شخصا ثالثا باسم مشابه وهو (عمرو بن خالد الصيداوي) وقد استشهد بعد جون.

قال : وبرز عمرو بن خالد الصيداوي ، فقال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا. فقال له الحسينعليه‌السلام : تقدّم فإنا لاحقون بك عن ساعة ، فتقدم فقاتل حتى قتل.

٥٨ ـ استشهاد جماعة :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٥)

وأما عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه ، وجابر بن الحارث السلماني

٧٩

ومجمع بن عبد الله العائذي ، فإنهم قاتلوا في أول القتال ، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على أهل الكوفة ، فلما أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس وقطعوهم عن أصحابهم ، فندب إليهم الحسينعليه‌السلام أخاه العباسعليه‌السلام فاستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم. وفي أثناء الطريق اقترب منهم العدو فشدوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح ، وقاتلوا حتى قتلوا أول الأمر في مكان واحد.

وعاد العباسعليه‌السلام إلى أخيه وأخبرهم بخبرهم.

وكان هؤلاء الأربعة من مخلصي الشيعة في الكوفة ، التحقوا بالحسينعليه‌السلام بالعذيب قبل وصوله إلى كربلاء.

ترجمة عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٨١)

كان عمرو من أشراف الكوفة ، مخلص الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام . قام مع مسلم بن عقيل ، حتى إذا خانته الكوفة لم يسعه إلا الاختفاء. فلما سمع بمقتل قيس بن مسهر ، وأخبر أن الحسينعليه‌السلام صار بالحاجر ، خرج إليه مع سعد مولاه ، وجابر بن الحارث السلماني ومجمع بن عبد الله العائذي ، وابنه خالد ؛ واتّبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو (الكامل) فجنبوه. وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي ، وكان جاء إلى الكوفة يمتار لأهله طعاما. فخرج بهم على طريق متنكبة ، وسار سيرا عنيفا من الخوف ، حتى انتهوا إلى الحسينعليه‌السلام وهو بعذيب الهجانات ، فاستقبلهم. وقالعليه‌السلام :أما والله إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا ؛ قتلنا أو ظفرنا.

٥٩ ـ احتدام القتال إلى زوال الشمس :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٨)

وكان القتل يبين في أصحاب الحسينعليه‌السلام لقلة عددهم ، ولا يبين في أصحاب عمر بن سعد لكثرتهم. واشتدّ القتال والتحم ، وكثر القتل والجراح في أصحاب أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام إلى أن زالت الشمس.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

وأبي القاسم البغوي ، وغيرهما ؛ لم يذكر أحد منهم أن رأس الحسينعليه‌السلام حمل إلى عسقلان ، ولا إلى القاهرة.

٣ ـ وقد دفن بدن الحسينعليه‌السلام في مصرعه بكربلاء ، ولم ينبش ولم يمثّل به.فلم يكونوا يمتنعون من تسليم رأسه إلى أهله ، كما سلّموا بدن ابن الزبير إلى أهله.وإذا تسلّم أهله رأسه ، فلم يكونوا ليدعوا دفنه عندهم بالمدينة المنورة ، عند عمّه وأمه وأخيه مقرّبا من جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدفنوه بالشام حيث لا أحد إذ ذاك ينصرهم على خصومهم!. هذا لا يفعله أحد.

في كربلاء

٦٥٣ ـ مدفن الرأس الشريف في كربلاء :

قال الشيخ محمّد الصبان في (إسعاف الراغبين) ص ١٩٧ :

وذهبت الإمامية إلى أنه أعيد إلى الجثة ، ودفن بكربلاء بعد أربعين يوما من المقتل. وقال المنّاوي في (طبقاته) : ذكر لي بعض أهل الكشف والشهود أنه حصل له اطلاع على أنه دفن مع الجثة بكربلاء.

وقال الطريحي في (المنتخب) ص ٣٨ ط ٢ :

زار الإمام الصادقعليه‌السلام قبر الحسينعليه‌السلام ، فسأله أحد أصحابه : يابن رسول الله ، أليس رأس الحسينعليه‌السلام بعث إلى الشام إلى يزيد؟. فقال : بلى ، ولكن رجلا من موالينا اشتراه من بعد موت يزيد ، وأتى به إلى هذا الموضع ، ودفنه هنا.

النتيجة :

(أقول) : يمكن اعتبار أغلب الروايات السابقة صحيحة ، مع ملاحظة ما يلي :

١ ـ إن بعض المشاهد التي ذكر أن فيها رأس الحسينعليه‌السلام هي مشاهد وضع فيها الرأس الشريف أثناء تجواله في الآفاق ، وذلك وفق ما ذكره ابن شهر اشوب في (مناقبه) ج ٣ ص ٢٣٥ ط نجف ، حيث قال :

ومن مناقب الحسينعليه‌السلام : ما ظهر من المشاهد التي يقال لها مشهد الرأس ؛ من كربلاء إلى عسقلان ، وما بينهما في الموصل ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك. اه

فهذه مشاهد ، وليست مراقد.

٥٤١

وإذا تذكرنا الدوافع السياسية ، عرفنا لماذا حاول الفاطميون مثلا إيهام الناس بأن رأس الحسينعليه‌السلام كان مدفونا في عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة. وعرفنا لماذا ناضل ابن تيمية لتكذيب دعواهم ، لأنه كان من أكبر أعدائهم.

ففي اعتقادي أن الّذي في (عسقلان) هو مشهد للرأس وليس مدفن له. فنكون بذلك قد نفينا دعوى وجود الرأس في عسقلان أو القاهرة. كما ألمح إليه العلامة الأمين عليه الرحمة.

٢ ـ يمكن القول إن رأس الحسينعليه‌السلام لم يردّ إلى كربلاء دفعة واحدة ، بل إنه تنقّل في عدة مدافن ، كان آخرها مدفنه الشريف مع الجسد المقدس في كربلاء.فيمكن أنه دفن في المدينة المنورة ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أنه دفن بالكوفة عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام أو في ظاهرها ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أن سليمان بن عبد الملك دفنه في دمشق عند باب الفراديس الثاني ، ثم نقله عمر ابن عبد العزيز إلى مقابر المسلمين ، ثم نقله هو أو غيره إلى كربلاء.

والذي يغلب في ظني ـ إذا استبعدنا كون الإمام زين العابدينعليه‌السلام أخذ معه الرأس من يزيد فدفنه في كربلاء ـ أن ردّ الرأس إلى الجسد المقدس في كربلاء تمّ بعد موت يزيد ، لأن يزيد كان مهتما جدا بالاحتفاظ بالرأس ، حتى أنه لم يرض أن يريه لزين العابدينعليه‌السلام فكيف به يعطيه إياه. ولعل الدافع إلى ذلك كان حقده الشديد على الحسينعليه‌السلام ، ثم تخوّفه من إثارة الفتنة بين العراقيين إذا رأوا رأس الحسينعليه‌السلام ، وما ينتج عن ذلك من زيادة النقمة عليه.

٣ ـ إن لله إرادة علوية وحكمة إلهية في وجود عدة مشاهد للحسينعليه‌السلام ، ومن دفن رأسه في عدة مواضع ، وذلك ليشيع ذكره في الآفاق ، ويزوره كل المسلمين في كافة الأقطار.

أما إذا ثبتت رواية ردّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام للرأس الشريف مباشرة إلى كربلاء ، فإن كل الروايات الأخرى تكون وهما. وإن كان الأغلب أن ذلك الردّ ـ إن حصل ـ لم يكن في نفس سنة المقتل ٦١ ه‍ ، بل في الأربعين من السنة التالية أو ما بعدها.

٦٥٤ ـ دفن الرؤوس الشريفة :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٩)

جاء النصّ على مجيء الإمام زين العابدينعليه‌السلام بالرؤوس معه إلى كربلاء في (حبيب السير) ؛ كما في (نفس المهموم) ص ٢٥٣ ؛ وفي (رياض الأحزان) ص ١٥٥.

٥٤٢

قال في (حبيب السير) : إن يزيد سلّم رؤوس الشهداء إلى علي بن الحسينعليه‌السلام فألحقها بالأبدان الطاهرة ، يوم العشرين من صفر سنة ٦١ ه‍ ، ثم توجّه إلى المدينة الطيبة.

بينما قال أبو اسحق الإسفريني في (نور العين في مشهد الحسين) ص ٩٩ : وروي أن يزيد بعد أن أرسل علي بن الحسينعليه‌السلام ومن معه ، أمر بدفن الرؤوس إلا رأس الحسينعليه‌السلام فإنه أرسله خارج دمشق ومعه خمسون فارسا يحرسونه ليلا ونهارا ، وذلك من كثرة خوفه وفزعه. فلما مات أتى به الحراس ووضعوه.

ـ روايات مستفيضة عند الإمامية بردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء :

ثم قال السيد المقرّم : أما عن رأس الحسينعليه‌السلام فقد نصت روايات مستفيضة على مجيء الإمام زين العابدينعليه‌السلام بالرأس الشريف إلى كربلاء ودفنه مع الجسد الشريف. وعن هذا الدفن في كربلاء نذكر النصوص التالية :

١ ـ إنه المعوّل عليه عند الإمامية (روضة الواعظين لابن الفتال النيسابوري ، ص ١٦٥ ؛ ومثير الأحزان لابن نما ، ص ٥٨).

٢ ـ عليه عمل الإمامية (اللهوف لابن طاووس ، ص ١١٢).

٣ ـ إنه المشهور بين العلماء (إعلام الورى للطبرسي ، ص ١٥١ ؛ ومقتل العوالم ، ص ١٥٤ ؛ ورياض المصائب ؛ وبحار الأنوار).

٤ ـ إن رأس الحسينعليه‌السلام أعيد إلى بدنه بكربلاء (ذكره المرتضى في بعض مسائله).

٥ ـ ومنه زيارة الأربعين (إضافة الشيخ الطوسي).

٦ ـ في العشرين من صفر ردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى جثته (البحار ، عن العدد القوية لأخي العلامة الحلي ؛ وعجائب المخلوقات للقزويني ، ص ٦٧).

٧ ـ قيل : أعيد الرأس إلى جثته بعد أربعين يوما (الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٢).

٨ ـ أعيد رأس الحسينعليه‌السلام بعد أربعين يوما من قتله (شرح همزية البوصيري لابن حجر).

٥٤٣

٩ ـ الأشهر أنه ردّ إلى كربلاء ، فدفن مع الجسد (تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ١٥٠)

١٠ ـ نقل اتفاق الإمامية على أن الرأس أعيد إلى كربلاء (المناوي في الكواكب الدريّة ، ج ١ ص ٥٧).

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم : وعلى هذا فلا نعبأ بكل ما ورد بخلافه. ورحم الله الحاج مهدي الفلوجي الحلي حيث قال :

لا تطلبوا رأس الحسين فإنه

لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدلّكم

في أنه المقبور وسط فؤادي

٥٤٤

الفصل الثلاثون

تسيير السبايا إلى المدينة

يتضمن الفصل المواضيع التالية :

١ ـ مسير السبايا إلى المدينة المنورة.

٢ ـ ردّ الرؤوس إلى كربلاء.

٣ ـ زيارة الأربعين :

ـ زيارة جابر بن عبد الله الأنصاري

ـ أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام

ـ استبعاد أن يكون ورود السبايا إلى كربلاء يوم الأربعين سنة ٦١

ـ حديث علامات المؤمن الخمسة وشرحها

ـ خبر الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام

٤ ـ وصول السبايا إلى المدينة المنورة :

ـ خطبة زين العابدينعليه‌السلام خارج المدينة

ـ دخول المدينة

ـ ندب الحسينعليه‌السلام في المدينة

٥٤٥
٥٤٦

الفصل الثلاثون

تسيير السبايا إلى المدينة

مقدمة الفصل :

نتيجة الضغوط المختلفة على يزيد ، من داخل البيت الأموي وخارجه ، ومن أعيان المسلمين وغير المسلمين ، ونتيجة لمقت عامة المسلمين له ؛ اضطر إلى تغيير سياسته ، فأظهر أمام الناس أنه يكرّم السبايا ، فأنزلهم منزلا حسنا بعد أن مكثوا وقتا في الخربة ، ثم أسبغ عليهم الجواهر والحلل ، كي يوهم الناس أنه بريء من الجرائم الفاشيّة التي ارتكبها ، ظنا منه أن ذلك ينطلي على المسلمين ، فتخفّ نقمتهم عليه ، ويقلّ مقتهم له.

ولما استشار يزيد حاشيته وأهل الشام ماذا يفعل بالسبايا؟ أشاروا عليه جميعا بتسييرهم إلى بلدهم في المدينة المنورة ؛ منهم من أشار عليه بذلك حبا وشفقة على أهل البيتعليه‌السلام ، مثل النعمان بن بشير الأنصاري ، ومنهم من أشار عليه بذلك تشفّيا وحنقا ، مثل مروان بن الحكم فقرر يزيد ترحيلهم إلى المدينة ، مظهرا المحبة والوداعة لهم ، والإكرام والتفضل عليهم. حتى قالت سكينةعليه‌السلام : " ما رأيت كافرا بالله خيرا من يزيد! ".

فهو كان يمارس شخصيتين متناقضتين : إحداهما حقيقية ، تنفّذ خطة رهيبة شيطانية لمحو الدين وأهله ؛ والأخرى ظاهرية ، تجعل منه حملا وديعا وقديسا طاهرا ، بعد أن وصل إلى حلمه الكبير ، وحصل على أمله الوحيد ، وهو قتل ممثل الإسلام ، والتفرد بالسلطة والأحكام.

وسنرى في الإتجاه الأول ، كيف أنه تابع تسيير الرأس الشريف إلى مصر ، وفي قول إلى المدينة أيضا ، ثم أرجعه إلى دمشق ، مؤكدا بذلك حقيقته الممعنة في الضلال ، بعد أن شكر عبيد الله بن زياد وقرّبه إليه ، عوضا عن عزله ومحاكمته ومعاقبته على ما اقترفت يداه. ولم يتمّ المرحلة الأولى من مخططه الخبيث ، وهي

٥٤٧

قتل عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى جهّز جيوشه لسبي المدينة المنورة واستحلالها ، ثم هدم الكعبة وإحراقها على من فيها.

وسوف نرى في هذا الفصل كيف كلّف يزيد النعمان بن بشير الأنصاري بنقل السبايا إلى المدينة ، وإرجاعهم إلى مدينة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكيف أنهم عرّجوا في مسيرهم على كربلاء ليجددوا الأحزان والعزاء ، فتوافوا في يوم واحد مع الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ، الّذي رغم كبره وفقد بصره جاء لزيارة الحسينعليه‌السلام يوم الأربعين. وفي أغلب الظن أن ذلك التلاقي إن حدث ، فإنه لم يحصل في ٢٠ صفر من العام نفسه ، بل من العام الّذي يليه أي عام ٦٢ ه‍ أو ما بعده.

٦٥٥ ـ ضغوط شديدة على يزيد :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٦)

يقول السيد عبد الرزاق المقرمرحمه‌الله :

لقد سرّ يزيد قتل الحسينعليه‌السلام ومن معه ، وسبي حريم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وظهر عليه السرور في مجلسه ، فلم يبال بإلحاده وكفره حين تمثّل بشعر ابن الزّبعرى ، وحتى أنكر نزول الوحي على رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكنه لما كثرت اللائمة عليه ووضح له الفشل والخطأ من فعلته التي لم يرتكبها حتى من لم ينتحل دين الإسلام وعاب عليه خاصته وأهل بيته ونساؤه ، وكان بمرأى منه ومسمع كلام الرأس الأطهر ، لما أمر بقتل رسول ملك الروم ، يقول : (لا حول ولا قوة إلا بالله) ؛ لم يجد مناصا من إلقاء التبعة على عاتق ابن زياد ، تبعيدا للتهمة عنه ؛ ولكن الثابت لا يزول.

ولما خشي الفتنة وانقلاب الأمر عليه ، عجّل بإخراج السجّادعليه‌السلام والعيال من الشام إلى وطنهم ومقرهم ، ومكّنهم مما يريدون. وأمر النعمان بن بشير وجماعة معه أن يسيروا معهم إلى المدينة ، مع الرفق.

الرحيل من دمشق إلى المدينة المنوّرة

٦٥٦ ـ تسيير السبايا إلى المدينة :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٢)

ولما أراد يزيد أن يجهّزهم ، قال للنعمان بن بشير صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :جهّز هؤلاء النسوة بما يصلحهم ، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا ، وابعث معهم خيلا وأعوانا.

٥٤٨

وفي (أخبار الدول) للقرماني : أن الرسول هو النعمان بن بشير مع ثلاثين رجلا.

وفي (الإرشاد) للشيخ المفيد ، ص ٢٥ : وكان النعمان بن بشير والي الكوفة ، له ميل لأهل البيتعليه‌السلام وهو من الأنصار.

وفي (معالي السبطين) عن كتب المقاتل : لما أرادوا [أي السبايا] الرجوع إلى المدينة ، أحضر يزيد لهم المحامل وزيّنها.

٦٥٧ ـ استرضاء السبايا وإكرامهم :(المصدر السابق)

قال أبو مخنف : فأعطاهم مالا كثيرا ، وأخلف على كل واحد ما أخذ منه ، وأزاد عليه من الحلي والحلل. ثم دعا بالجمال فأبركوها ، ووطّؤوها لهم بأحسن وطاء وأجمله. ودعا بقائد من قواده ، وضم إليه خمسمائة فارس ، وأمره بالمسير إلى المدينة.

وفي (نور الأبصار) للشبلنجي ، ص ١٣٢ :

وبعد أن أنعم يزيد على السبايا بالألبسة والحلي ، قالت سكينةعليه‌السلام :

ما رأيت كافرا بالله خيرا من يزيد!.

٦٥٨ ـ يزيد ينتدب النعمان بن بشير لإرجاع السبايا إلى المدينة :

(إعلام الورى ، ص ٢٤٩ ط بيروت)

ثم ندب يزيد النعمان بن بشير ، وقال له : تجهّز لتخرج هؤلاء النساء إلى المدينة.

ولما أراد أن يجهّزهم دعا علي بن الحسينعليه‌السلام فاستخلاه [أي خلا به] ، وقال له : لعن الله ابن مرجانة (حيث قتل أباك). أما والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت (ولو بهلاك بعض ولدي) ، ولكن الله قضى بما رأيت. كاتبني من المدينة (وارفع إليّ حوائجك) ، وانه إليّ كل حاجة تكون لك.

وتقدّم بكسوته وكسوة أهله ، وأمر بالأنطاع من الأبريسم ، وصبّ عليها الأموال.وقال : يا أم كلثوم ، خذوا هذه الأموال عوض ما أصابكم!.

فقالت أم كلثوم : يا يزيد ، ما أقلّ حياءك وأصلب وجهك ، تقتل أخي وأهل بيتي ، وتعطيني عوضهم مالا!. والله لا كان ذلك أبدا.

٥٤٩

وأنفذ معهم جماعة عليهم النعمان بن بشير ، وتقدم إليهم أن يسير بهم في الليل ، ويكونوا أمامه ، حيث لا يفوتون طرفة عين. فإذا نزلوا تنحّى عنهم بالظرف ، وتفرّق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم بحيث لو أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم.

فسار معهم ، فلم يزل يرفق بهم في الطريق ، حتى وصلوا إلى المدينة.

٦٥٩ ـ رفض النعمان بن بشير لهدية زينب وفاطمة بنتي عليعليه‌السلام :

(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٩)

وكان النعمان يسأل عن حوائجهم ويتلطف بهم. فقالت فاطمة لأختها زينب بنت عليعليه‌السلام : لقد أحسن هذا الرجل إلينا ، فهل لك أن تصليه بشيء؟. فقالت : والله ما معنا ما نصله به إلا حليّنا ، فأخرجت إسوارين ودملجين لهما ، فبعثتا بها إليه ، واعتذرنا. فردّ الجميع ، وقال : ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٥ :

وروي عن الحرث بن كعب ، قال : قالت لي فاطمة بنت عليعليه‌السلام : قلت لأختي زينبعليه‌السلام : قد وجب علينا حق هذا الرسول ، لحسن صحبته لنا ، فهل لنا أن نصله بشيء؟. قالت : والله مالنا ما نصله به إلا أن نعطيه حليّنا. فأخذت سواري ودملجي [أي الحلق] وسوار أختي ودملجها ، فبعثنا بها إليه واعتذرنا من قلّتها ، وقلنا : هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا. فقال : لو كان الّذي صنعت للدنيا ففي دون هذا رضاي ، ولكن والله ما فعلته إلا لله ، ولقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ردّ الرؤوس إلى كربلاء

٦٦٠ ـ مصير الرؤوس الشريفة :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٣)

في تاريخ (حبيب السير) أن يزيد بن معاوية سلّم رؤوس الشهداء إلى علي بن الحسينعليه‌السلام فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر. ثم توجّه إلى المدينة الطيبة.

وقال : هذا أصح الروايات الواردة في مدفن الرأس المكرم.

٥٥٠

٦٦١ ـ أخذ زين العابدينعليه‌السلام الرؤوس معه :

(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٩)

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : عند ما خرج الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام من الشام ومعه أهل بيته وجملة من الخدم الذين بعثهم يزيد مع أهل البيتعليه‌السلام ، وعلى رأسهم النعمان بن بشير الأنصاري ، كانوا قد جاؤوا برأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس البقية من أصحابه ليردّوهم إلى أجسادهم. فلما بلغ السجّاد العراق قال للدليل : مرّ بنا إلى كربلاء. فلما وصلوا كربلاء ألحقوا الرؤوس بأجسادها ، ووجد جابر عند قبر الحسينعليه‌السلام .

تعليق :

ذكرنا سابقا أن إلحاق رأس الحسينعليه‌السلام بجسده المقدس ، مما أجمعت عليه الروايات ، وإذا كان رحيل السبايا في صفر عام ٦٢ ه‍ ، أي بعد سنة من ورودهم إلى الشام ، فيحتمل أن يكون يزيد قد أعطى زين العابدينعليه‌السلام رأس أبيه ، فردّه إلى كربلاء. أو إن أحد موالي أهل البيتعليه‌السلام قد سرق الرأس الشريف من الشام بعد مدة وألحقه بالجسد المقدس ، كما في إحدى الروايات عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

أما إلحاق بقية الرؤوس بأجسادها ، فهذا غير متيقن ، لأن هناك أدلة حسّية عن وجود بعض هذه الرؤوس أو كلها وعددها ١٦ رأسا ، في مشهد رؤوس الشهداء في مقبرة باب الصغير (الستّات) بدمشق ، كما نصّ على ذلك السيد الأمين وغيره.وسنبين ذلك فيما بعد.

٦٦٢ ـ هل ردّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء يوم الأربعين؟ :

(بغية النبلاء في تاريخ كربلاء لعبد الحسين الكليدار ، ص ١٦)

ولم يتعرض الشيخ المفيد إلى ذكر ورودهم كربلاء بعد إطلاق سراحهم. إلا أن السيد ابن طاووس قال : " أمر يزيد بردّ الأسرى وسبايا الحسينعليه‌السلام إلى أوطانهم بمدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وأما الرأس الشريف ، روي أنه أعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف".

ومن الغريب أن ابن طاووس قد ذكر العبارة السابقة ، بعد أن ذكر امتناع يزيد عن تلبية طلب السجّادعليه‌السلام برؤية وجه أبيه ، فكيف يعطيه الرأس الشريف!.

٥٥١

زيارة الحسينعليه‌السلام في الأربعين

٦٦٣ ـ رجوع السبايا إلى المدينة المنورة مع الإمام زين العابدينعليه‌السلام ومرورهم على كربلاء :

ثم إن يزيد أمر بردّ السبايا والأسارى إلى المدينة المنورة ، فسار بهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام إلى المدينة من طريق العراق الصحراوي ، فلما وصلوا إلى موضع المصرع الشريف في كربلاء ، وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ، قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين ، فأقاموا هناك المآتم والعزاء. وأغلب الظن أنهم وصلوا كربلاء يوم الأربعين من العام التالي لمقتل الحسينعليه‌السلام وليس في العام نفسه.

ثم تابع ركب السبايا مسيره من كربلاء إلى المدينة ، فاستقبلهم أهل المدينة بالبكاء والعويل.

ـ مرور السبايا على كربلاء يوم الأربعين :

(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ٨٢)

ولما رجع علي بن الحسينعليه‌السلام وعياله من الشام وبلغوا العراق ، قالوا للدليل :مرّ بنا على طريق كربلاء. فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري [وكان أعمى] وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام . فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرّحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد ؛ فأقاموا على ذلك أياما.

وفي (رياض الأحزان) ص ١٥٧ : وأقاموا في كربلاء ينوحون على الحسينعليه‌السلام ثلاثة أيام.

٦٦٤ ـ زيارة جابر للقبر الشريف :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢١٠)

عن كتاب (بشارة المصطفى) لأبي جعفر الطبري ، ص ٨٩ وغيره ، بسنده عن الأعمش ، عن عطيّة العوفي ، قال :

خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه زائرا قبر الحسينعليه‌السلام . فلما

٥٥٢

وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات ، فاغتسل ثم ائتزر بإزار ، وارتدى بآخر. ثم فتح صرة فيها صعد [نوع من الطيب] فنثرها على بدنه ، ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله تعالى. حتى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه ، فألمسته إياه. فخرّ على القبر مغشيا عليه ، فرششت عليه شيئا من الماء. فلما أفاق قال : يا حسين [ثلاثا]. ثم قال :حبيب لا يجيب حبيبه ، وأنى لك بالجواب ، وقد شخبت أوداجك من أثباجك [جمع ثبج : وهو وسط شيء تجمّع وبرز] ، وفرّق بين بدنك ورأسك. أشهد أنك ابن خاتم النبيين ، وابن سيد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكسا ، وابن سيد النقبا ، وابن فاطمة سيدة النساء. وما لك لا تكون هكذا ، وقد غذّتك كفّ سيد المرسلين ، وربّيت في حجر المتقين ، ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالإسلام ؛ فطبت حيا وطبت ميتا. غير أن قلوب المؤمنين غير طيّبة بفراقك ، ولا شاكّة في حياتك. فعليك سلام الله ورضوانه. وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.

ثم جال ببصره حول القبر [مع أنه أعمى فقد جال ببصره كأنه يرى ، إذ فتح الله على بصيرته] وقال : السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسينعليه‌السلام وأناخت برحله. أشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين.

والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. فقال له عطيّة العوفي : وكيف ولم نهبط واديا ، ولم نعل جبلا ، ولم نضرب بسيف؟!. والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم ، وأيتمت أولادهم ، وأرملت الأزواج؟!.

فقال له : يا عطية ، إني سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ قوما حشر معهم ، ومن أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم. والذي بعث محمدا بالحق إنّ نيّتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسينعليه‌السلام وأصحابه.

قال عطية : فبينما نحن كذلك ، وإذ بسواد قد طلع من ناحية الشام. فقلت : يا جابر ، هذا سواد طلع من ناحية الشام. فقال جابر لعبده : انطلق إلى هذا السواد ، وائتنا بخبره ، فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا ، لعلنا نلجأ إلى ملجأ ، وإن كان زين العابدينعليه‌السلام فأنت حرّ لوجه الله تعالى.

قال : فمضى العبد ، فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول : يا جابر ، قم

٥٥٣

واستقبل حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . هذا زين العابدينعليه‌السلام قد جاء بعماته وأخواته.فقام جابر يمشي حافي الأقدام مكشوف الرأس ، إلى أن دنا من زين العابدينعليه‌السلام . فقال الإمامعليه‌السلام : أنت جابر؟. فقال : نعم يابن رسول الله.فقال : يا جابر ، ههنا والله قتلت رجالنا ، وذبحت أطفالنا ، وسبيت نساؤنا ، وحرّقت خيامنا.

ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة.

٦٦٥ ـ أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام :

(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٥ ؛ وتذكرة الخواص ، ص ٢٨٠)

يؤخذ من رواية أبي مخنف التي ذكرها الطبري ، أن أول من زار قبر الحسينعليه‌السلام بعد دفن الأجساد ، كان عبيد الله بن الحر الجعفي. وهناك أنشد أشعارا رائقة ، تشعر عن ندامته على عدم نصرة الحسينعليه‌السلام .

يقول : ويظهر من (مقتل الخوارزمي) أنه أنشدها على قبر الحسينعليه‌السلام

[ولكن لم نجد ذلك في مقتل الخوارزمي] ، فضجّ من معه بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم ، يصلّون ويبكون ويتضرعون ، والأبيات هي :

يقول أمير غادر أي غادر

ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه

ونفسي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تسدّد نادمه

وإني على أن لم أكن من حماته

لذو حسرة ما أن تفارق لازمه

سقى الله أرواح الذين تآزروا

على نصره سقيا من الغيث دائمه

وقفت على أطلالهم ومحالهم

فكاد الحشا ينقضّ والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا سراعا إلى الوغى

مصاليت في الهيجا حماة خضارمه

تأسّوا على نصر ابن بنت نبيهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمه

فإن يقتلوا في كل نفس بقية

عليالأرض قد أضحت لذلك واجمه

وما إن رأى الراؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهرا قماقمه

أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا

فدع خطّة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد أرغمتمونا بقتلهم

فكم ناقم منا عليكم وناقمه

٥٥٤

أهمّ مرارا أن أسير بجحفل

إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفّوا وإلا زرتكم في كتائب

أشدّ عليكم من زحوف الديالمه

ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه ، فقعد على فرسه ونجا منه.

ـ متى كانت زيارة جابر؟ :(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٧)

يقول السيد محمّد حسن مصطفى آل كليدار :

وفي عام ٦٢ ه‍ توجّه إلى كربلاء جابر بن عبد الله الأنصاري ، زائرا قبر الحسينعليه‌السلام ، ومعه جماعة من بني هاشم ، فكانوا عنده في ٢٠ صفر.

٦٦٦ ـ استبعاد أن يكون ورود السبايا في ٢٠ صفر من نفس العام :

(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٧)

يقول السيد عبد العزيز الحسني : إن الحقيقة التي يمكن القول بها كما هو الرأي السائد في أكثر الأوساط العلمية عند رجال الإمامية ، هو ما قاله

[صاحب (القمقام) فرهاد ميرزا] ص ٤٩٥ :

منذ رحل عمر بن سعد عن كربلاء إلى الكوفة ومعه سبايا الحسينعليه‌السلام والرؤوس ، كان قد قطع مسافة ثمانية فراسخ ما بين كربلاء والكوفة [نحو ٤٤ كم] ، فلا بدّ أن قطع هذه المسافة في ثلاثة أيام. وهناك لا بدّ أن عبيد الله بن زياد قد عطّل السبايا مدة من الزمن ، حيث مرّ بهم في جميع أسواق الكوفة ، لكي يوجد رعبا في قلوب القبائل العربية ، وأن ينتظر ورود أوامر يزيد ثانيا. ولما ورد طلب يزيد بجلب السبايا إلى الشام ، كانت المسافة التي يقطعها الراحل على خط مستقيم ما بين الكوفة والشام مائة وخمسة وسبعين فرسخا [حوالي ألف كم] ، إلا أن ابن زياد اتخذ طريقا غير هذا الطريق ، كما يؤخذ من رواية صاحب (المنتخب) قال : أخذوا الرؤوس مع السبايا من أهل الحسينعليه‌السلام من الكوفة إلى تكريت ، ومنه إلى دير عمر ، فوادي نخلة ، ونزلوا بها ليلتهم ، ثم ساروا إلى لينا ، ثم وادي الكحيلة ثم الجهينة ، ثم نصيبين فعين الوردة ، ومن هناك عرّجوا إلى حرّان فحلب. ثم إلى معارة نعمان ، ومنه إلى شيزر. ثم إلى حمص ، ومنه إلى بعلبك ، ومنه إلى دير النصارى ، ثم إلى دمشق. فلا بدّ وأن المسافة كانت شاسعة ، وقد طال أمد السير.

٥٥٥

كما وإن هناك رواية أن أهل البيتعليه‌السلام قد مكثوا مدة ستة أشهر عند يزيد ، حتى انطفأت ثائرته. ثم دعا الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام وخيّره بين البقاء عنده أو المسير إلى المدينة.

ولعمري كيف يمكن في مدة أربعين يوما ، أن تستغرق هذه السفرة في الذهاب والإياب؟!. فمن الأمور المحققة التي تميل إليها الأوساط العلمية عند مؤرخي الإمامية ، أن أهل البيتعليه‌السلام قد وردوا كربلاء في ٢٠ صفر عام ٦٢ ه‍ ، ووجدوا جابرا عند القبر.

ويقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٢٦ بعد أن أورد روايات أبي مخنف ، واللهوف الخ : إن هذه الروايات لم يظهر معها أن ورود آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كربلاء كان يوم الأربعين ، أي العشرين من صفر.

ولا يخفى أن دعوى ورودهم كربلاء يوم العشرين من صفر ، دعوى غير معقولة ؛ لأن آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا في الكوفة مدة في سجن ابن زياد ، ثم كانوا مدة مديدة في دمشق في سجن يزيد. ثم إنهم أقاموا مأتم سيد الشهداءعليه‌السلام في دمشق مدة سبعة أيام ، وكان ذلك بعد خلاصهم من سجن يزيد.

المخرج :

إذا صحّ أن جابر ورد كربلاء يوم ٢٠ صفر من عام ٦١ ه‍ ، فيمكن افتراض أن جابر وجماعة من بني هاشم أدركوا زيارة الأربعين ، ثم مكثوا عند قبر الحسينعليه‌السلام حتى ورد عليهم زين العابدينعليه‌السلام فتلاقوا هناك. وهذا فحوى بعض الروايات : " فتوافوا في وقت واحد".

هذا هو المخرج الأول. أما المخرج الثاني فهو أن جابر والسبايا قد توافوا عند القبر الشريف في يوم واحد ، هو يوم الأربعين ؛ ولكن من العام التالي ٦٢ ه‍.

٦٦٧ ـ تحقيق يوم الأربعين :(تظلم الزهراء للقزويني ، ص ٢٨٧ ط قم)

روى السيد ابن طاووس في (الإقبال) قال : وجدت في (المصباح) أن حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسينعليه‌السلام يوم العشرين من صفر ، وكلاهما مستبعد ، لأن عبيد الله بن زياد كتب إلى يزيد يعرّفه ما جرى ، ويستأذنه في حملهم ، ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه ، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوما أو أكثر منها. ولأنه لما حملهم إلى الشام ، روي أنهم أقاموا فيها شهرا

٥٥٦

في موضع لا يكنّهم من حرّ ولا برد. وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوما ، من يوم قتلهعليه‌السلام إلى أن وصلوا كربلاء أو المدينة.

وأما جوازهم في عودهم على كربلاء ، فيمكن ذلك ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر ، لأنهم اجتمعوا على ما روي مع جابر بن عبد الله الأنصاري ، فإن كان جابر وصل زائرا من الحجاز ، فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه [إلى كربلاء] إلى أكثر من أربعين يوما ، أو على أن يكون وصل جابر من غير الحجاز ، من الكوفة أو غيرها.

يقول السيد رضي بن نبي القزويني : غاية ما قالرحمه‌الله بعد تسليمه ، محض استبعاد ، ولا ينبغي بمحضه إنكار الروايات. فإنا سمعنا من الموثقين قرب الكوفة من دمشق ، بما قد تيسر للبريد أن يسير بثلاثة أيام ومدة مقامهم في دمشق على ما في (المنتخب) لا يعلم كونها زائدة على ثمانية أيام تقريبا.

ولم نظفر على رواية دلّت على مقامهم فيها مدة شهر ، والله يعلم. وأيضا قد يذهب الحمام [أي الزاجل] بالمكاتب بأسرع من ذلك.

واستبعاد مجيء جابر من أرض الحجاز أبعد من هذا ، لما روي أن أبا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالكوفة أو بغداد ، وورد مكة وحجّ في تلك السنة. ولأن أخبار نواعي الحسينعليه‌السلام من الجن والطير وانقلاب التربة دما وغير ذلك ، أكثر من أن يخفى على أمثال جابر كما مضى بعضه ، والله أعلم بحقيقة الحال ، والتسليم لنا خير للمآل.

٦٦٨ ـ هل أعيد الرأس يوم الأربعين؟ :

(تظلم الزهراء للسيد رضي القزويني ، ص ٢٨٥ ط قم)

قال السيد رضي بن نبي القزويني :

وأما تعيين الإعادة يوم الأربعين من قتله ، والوقت الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام ونقله الله جلّ جلاله إلى شرف فضله ، كان (فيه) الإسلام مقلوبا والحق مغلوبا ، وما تكون الإعادة بأمور دنيوية ، والظاهر أنها بقدرة الإله.

لكن وجدت نحو عشر روايات مختلفات في حديث الرأس الشريف ، كلها منقولات. ولم أذكر إلى الآن أنني وقفت ولا رويت تسمية أحد ممن كان من الشام ، حتى أعادوه إلى جسده الشريف بالحائر ، ولا كيفية لحمله من الشام إلى الحائر على

٥٥٧

صاحبه أكمل التحية والإكرام ، ولا كيفية لدخول حرمه المعظم ، ولا من حفر ضريحه المقدس المكرم حتى عاد إليه ، وهل وضعه موضعه من الجسد ، أو في الضريح مضموما إليه؟.

فليقصر الإنسان على ما يجب عليه من تصديق القرآن [يقصد قوله تعالى عن الشهداء( ... عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ] ، من أن الجسد المقدس تكمّل عقيب الشهادة ، وأنه يرزق في دار السعادة. ففي بيان الكتاب العزيز ما يغني عن زيادة دليل وبرهان.

زيارة الأربعين

٦٦٩ ـ فضل زيارة الأربعين :(مزار البحار ، ج ٩٨ ص ٣٣٤ ط ٢)

يقول العلامة المجلسي في (مزار البحار) : اعلم أنه ليس في الأخبار ، ما العلة في استحباب زيارة الحسينعليه‌السلام في يوم الأربعين. والمشهور بين الأصحاب أن العلة في ذلك رجوع حرم الحسينعليه‌السلام في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء عند رجوعهم من الشام ، وإلحاق الإمام زين العابدينعليه‌السلام الرؤوس بالأجساد.

وقيل : في مثل ذلك اليوم رجع السبايا إلى المدينة.

وكلاهما مستبعد جدا ، لأن الزمان لا يسع ذلك ، كما يظهر من الأخبار والآثار ، وكون ذلك في السنة الأخرى [أي التالية] أيضا مستبعد.

ولعل العلة في استحباب الزيارة في هذا اليوم هو أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في مثل هذا اليوم وصل من المدينة إلى القبر الشريف ، وزاره بالزيارة المعروفة ، فكان أول من زاره من الإنس ظاهرا. فلذلك يستحب التأسي به.

أو العلة هي إطلاق أهل البيتعليه‌السلام في الشام من الحبس والقيد في مثل هذا اليوم ، أو علة أخرى لا نعرفها.

وتوافق زيارة الأربعين يوم العشرين من صفر ، وذلك لأربعين يوما مضت على مقتل الحسينعليه‌السلام .

وقال السيد ابن طاووس في كتاب (الإقبال) ص ٦٠ : ووجدت في (المصباح) للشيخ الطوسي : أن حرم الحسينعليه‌السلام وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسينعليه‌السلام يوم العشرين من صفر. وفي غير (المصباح) أنهم وصلوا كربلاء أيضا في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر.

٥٥٨

ـ تعليق حول زيارة الأربعين :

(أقول) : إذا صحّت الرواية بأن الإمام زين العابدينعليه‌السلام وافى جابر بن عبد الله الأنصاري في كربلاء يوم الأربعين [٢٠ صفر] فيبعد أن يكون ذلك في السنة نفسها التي قتل فيها الحسينعليه‌السلام ، وذلك لأمور :

١ ـ إن الفترة التي قضاها السبايا في كربلاء ثم الكوفة (السجن) حتى جاء الأمر من دمشق بتسييرهم في أطول طريق إلى الشام ، ثم إقامتهم في دمشق حتى رخّص لهم يزيد بمغادرتها ، ثم حتى وصولهم كربلاء هذه الفترة تزيد عن أربعين يوما بلا شك.

٢ ـ كان جابر في المدينة حين قتل الحسينعليه‌السلام ، ويحتاج خبر مقتل الحسينعليه‌السلام ليصل من الكوفة إليها نحو ٢٤ يوما ، فلو أن جابر قرر الذهاب إلى كربلاء من حين وصول الخبر ، لاحتاج إلى ٢٤ يوما أخرى ليصل إليها ، لا سيما أنه كان ضريرا وكبير السن. فيمتنع أن يصل إلى كربلاء يوم الأربعين.

٣ ـ تنصّ إحدى الروايات على أن الإمام زين العابدينعليه‌السلام صحب معه رأس أبيه الحسينعليه‌السلام ودفنه يوم الأربعين مع الجسد الشريف في كربلاء ، أثناء رجوعه إلى المدينة. وهذا بعيد الظن لأن يزيد كان قد وعد الإمام زين العابدينعليه‌السلام بأن يقضي له ثلاث حاجات مما يريد ، فطلب في إحداها أن يريه وجه أبيه الحسينعليه‌السلام فقد اشتاق إليه. فكان جواب يزيد قوله : أما رؤية الرأس فليس إلى ذلك من سبيل. فإذا كان رفض أن يريه الرأس الشريف فكيف يسمح له بأخذه معه وإرجاعه.

٤ ـ إن يزيد بعد أن روّى حقده برؤية رأس الحسينعليه‌السلام على طبق من ذهب مزمّلا بدمائه ، لم يشفه ذلك حتى أعطى أوامره بتسيير الرأس الشريف إلى كل أرجاء الدولة الإسلامية ، حتى يرى كل المسلمين الرأس ممثّلا به ، فيزيلوا من مخيلتهم أية فكرة في الخروج عليه.

من هذا المنطلق بعث يزيد الرأس الشريف إلى مصر ، عن طريق عمّان والقدس ، فعسقلان فرفح ، حتى وصل إلى الفسطاط [وهي القاهرة اليوم]. وهناك أقام أعوان يزيد الأفراح والأعراس ابتهاجا ومشاركة ليزيد في بهجة انتصاره على الحسينعليه‌السلام وعرضت أمام الناس الخيول التي داست جسد الحسينعليه‌السلام

٥٥٩

في مسيرة حاشدة ، فاشتراها التجار بآلاف الدنانير ، وخلعت حدواتها وعلّقوها على أبواب بيوتهم تبركا بها. ثم أرجع يزيد الرأس الشريف إلى دمشق ، حيث سيّره إلى المدينة المنورة ، وكان عامله عليها عمرو بن سعيد الأشدق وهو من بني أمية ، فبعد أن ابتهج بمقتل الحسينعليه‌السلام وشمت به ، أدخل الرأس إلى مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضعه بجانب قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلا : قد أخذنا ثأرنا منك يا محمّد ، بقتلى بدر!.

ولهذا التسيير للرأس الشريف توهم بعض المؤرخين أنه دفن في القاهرة أو المدينة أو الكوفة.

وهذا التسيير قد استغرق وقتا كبيرا ، وهذا يتعارض كليا مع رواية إرجاع زين العابدينعليه‌السلام الرأس الشريف يوم الأربعين من عام ٦١ ه‍. فلو صحّ ذلك فهو في السنة التالية أو ما بعدها. وهذا ما ذهب إليه كثير من المحققين ، وقد أشار إليه السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله ، وهو ما كان يرجّحه الخطيب المنبري في دمشق المرحوم الحاج حسني صندوق ، وهو ما نراه ونؤيده.

حديث علامات المؤمن

٦٧٠ ـ زيارة الأربعين من علامات المؤمن الخمسة :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٤)

في تفسير الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام قال :

" علامات المؤمن خمس : التختّم باليمين ، وصلاة إحدى وخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والتعفير للجبين ، وزيارة الأربعين".

[شرح الحديث] :

٦٧١ ـ التختّم باليمين :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٧٧)

مما تعرّض له الحديث السابق (التختّم باليمين) ، وهو ما التزم به الإمامية ، تديّنا بروايات أئمتهمعليهم‌السلام ، وخالفهم في ذلك جماعة من السنّة.

وقال الشيخ إسماعيل البروسوي : ذكر في (عقد الدرر) أن السّنة في الأصل

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800