موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493894 / تحميل: 5851
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فأقبل على أم كلثومعليها‌السلام وقال لها : أوصيك يا أخيّة بنفسك خيرا ، وإني بارز إلى هؤلاء القوم. فأقبلت سكينة وهي صارخة وكان يحبها حبا شديدا ، فضمّها إلى صدره ومسح دموعها بكمه ، وقال :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء إذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان

١٢٤ ـ نعي الحسينعليه‌السلام نفسه ، وطلب نسائه الرجوع إلى حرم جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)

قال أبو مخنف : ثم نادىعليه‌السلام : يا أم كلثوم ويا زينب ويا سكينة ويا رقية ويا عاتكة ويا صفية ، عليكنّ مني السلام ، فهذا آخر الاجتماع ، وقد قرب منكن الافتجاع. فصاحت أم كلثوم : يا أخي كأنك استسلمت للموت!. فقال لها الحسينعليه‌السلام : يا أختاه فكيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين!. فقالت :

يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقال لها : يا أختاه هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلا لنام. فرفعت سكينة صوتها بالبكاء والنحيب ، فضمّها الحسينعليه‌السلام إلى صدره الشريف وقبّلها ومسح دموعها بكمّه.

١٢٥ ـ الوداع الأخير(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٤٢٣)

(وفي رواية) فنادى في تلك الحالة : يا زينب يا أم كلثوم ويا سكينة يا رقية يا فاطمة ، عليكنّ مني السلام. فأقبلت زينبعليها‌السلام فقالت : يا أخي ، أيقنت بالقتل؟.فقالعليه‌السلام : كيف لا أيقن وليس لي معين ولا نصير؟. فقالت :

يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقالعليه‌السلام : هيهات ، لو تركت ما ألقيت نفسي في المهلكة ، وكأنكم غير بعيد كالعبيد ، يسوقونكم أمام الركاب ، ويسومونكم سوء العذاب. فلما سمعته زينبعليها‌السلام بكت ، وجرى الدموع من عينيه ، ونادت :

وا وحدتاه ، وا قلة ناصراه ، وا سوء منقلباه ، وا شؤم صباحاه. فشقّت ثوبها ونشرت شعرها ولطمت على وجهها. فقال الحسينعليه‌السلام : مهلا لها ، يا بنت المرتضى ، إن البكاء طويل. فأراد أن يخرج من الخيمة ، فلصقت به زينبعليها‌السلام فقالت : مهلا يا أخي ، توقّف حتى أزوّد من نظري ، وأودّعك وداع مفارق لا تلاق

١٤١

بعده فمهلا يا أخي قبل الممات هنيهة ، لتبرد مني لوعة وغليل. فجعلت تقبّل يديه ورجليه. وأحطن به سائر النسوان

١٢٦ ـ الحسينعليه‌السلام يلبس ثوبا خلقا تحت ثيابه لئلا يجرّد منه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٥١)

ثم قالعليه‌السلام لأخته : آتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد من القوم ، أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه بعد قتلي.

قال الراوي : فارتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب.

يقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٣٤١ :

فأتوه بتبّان ، فلم يرغب فيه لأنه من لباس الذلة. وأخذ ثوبا خلقا [أي باليا] وخرّقه وجعله تحت ثيابه(١) ، ودعا بسراويل حبرة ففزرها ولبسها لئلا يسلب منها.

ويقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية) ص ٢٢٣ :

ثم إنهعليه‌السلام دعا بسروال يماني محكم النسج ، يلمع فيه البصر ، فخرّقه وفزره ، حتى لا يطمع فيه أحد ، لأنهعليه‌السلام يعلم أنه يسلب بعد مقتله. فقيل له : لو لبست تحته تبّانا ـ وهو سروال صغير ـ فقالعليه‌السلام : ذلك ثوب مذلة ، لا ينبغي لي أن ألبسه(٢) .

١٢٧ ـ مصرع ابن صغير للحسينعليه‌السلام عمره ثلاث سنوات :

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ص ٣٠٢)

وبينما الحسينعليه‌السلام جالس ، عليه جبّة خز دكناء ، والنبل يقع حوله ، فوقعت نبلة في ولد له ابن ثلاث سنين. فلبس لامته [أي درعه].

(أقول) : لا يبعد أن يكون هذا هو علي الأصغرعليه‌السلام .

١٢٨ ـ محاولة زين العابدينعليه‌السلام القتال رغم مرضه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ ومقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٠)

ثم التفت الحسينعليه‌السلام عن يمينه وشماله فلم ير أحدا من الرجال. فخرج علي

__________________

(١) مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ، ج ٩ ص ١٩٢ ؛ والبحار ، ج ١٠ ص ٢٠٥.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٥ ص ٤٥١ و ٤٥٢.

١٤٢

ابن الحسينعليهما‌السلام وهو زين العابدين ـ وهو أصغر من أخيه علي القتيل ـ وكان مريضا بالذّرب [وهو داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ، ويفسد فيها ولا تمسكه]. ونهض السجّادعليه‌السلام يتوكأ على عصا ويجرّ سيفه ، لأنه لا يقدر على حمله لمرضه ، وأم كلثوم تنادي خلفه : يا بني ارجع. فقال : يا عمتاه!. ذريني أقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فصاح الحسينعليه‌السلام بأم كلثوم : احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأرجعته إلى فراشه(١) .

١٢٩ ـ لماذا أمرض الله زين العابدينعليه‌السلام ؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٥)

حاول الإمام زين العابدينعليه‌السلام أن يخرج للجهاد رغم مرضه ، فمنعه سيد الشهداءعليه‌السلام . والواقع أن الله تعالى قد أمرض سيد الساجدين ، فطال زمان كونه عليلا ليسقط عنه الجهاد ، حفظا للعالم عن أن ينهدم ويبيد. وقد أثر عن الحسينعليه‌السلام قوله : وحاشا اللهعزوجل شأنه الكبير المتعال ، أن يبقي الأرض بلا حجة من نسلي.

١٣٠ ـ الحسينعليه‌السلام يوصي لابنه زين العابدينعليه‌السلام بالإمامة أكثر من مرة :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٦)

قال الفاضل الدربندي : اعلم أن وصية سيد الشهداءعليه‌السلام على ولده سيد الساجدينعليه‌السلام وتنصيصاته بإمامته ، كما أنها قد وقعت مرات عديدة قبل خروجهعليه‌السلام من المدينة ، فكذا إنها قد وقعت مرات في كربلاء. وما استفيد من الأخبار أنها وقعت في كربلاء أربع مرات : مرة في ليلة عاشوراء ، ومرة في طلب زين العابدينعليه‌السلام الجهاد ، ومرة قبيل شروع الإمام الحسينعليه‌السلام في الجهاد ، ومرة بعد صدور مجاهدات كثيرة وقتل آلاف من الناس في جملة من الحملات منهعليه‌السلام .

١٣١ ـ وصية الإمام الحسينعليه‌السلام لزين العابدينعليه‌السلام :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٧٦ ؛ وأسرار الشهادة ، ص ٤٠٣)

عن (إثبات الوصية) قال : ثم أحضر علي بن الحسينعليه‌السلام وكان عليلا ،

__________________

(١) الخصائص الحسينية للشيخ جعفر التستري ، ص ١٢٩.

١٤٣

فأوصى إليه بالاسم الأعظم ومواريث الأنبياء. وعرّفه أنه قد دفع العلوم والصحف والمصاحف والسلاح إلى أم سلمة رضي الله عنها وأمرها أن تدفع جميع ذلك إليه.

وعنه أيضا : أن الحسينعليه‌السلام أوصى إلى أخته زينب بنت عليعليهما‌السلام في الظاهر ، فكان ما يخرج من علي بن الحسينعليهما‌السلام في زمانه من علم ينسب إلى زينبعليها‌السلام عمته ، سترا على علي بن الحسينعليهما‌السلام وتقيّة واتقاء عليه.

وعن العلامة الكليني عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال : إن الحسينعليه‌السلام لما حضره الّذي حضر ، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة. وكان علي بن الحسينعليه‌السلام مبطونا معهم ، لا يرون إلا أنه لما به. فدفعت فاطمةعليها‌السلام الكتاب إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام .

(قال الراوي) قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟. قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم ، منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا. والله إن فيه الحدود ، حتى أن فيه أرش الخدش [أي الغرامة التي يدفعها الشخص إذا خدش شخصا آخر].

١٣٢ ـ شهادة علي الأصغر بن الحسينعليه‌السلام :

اختلف الرواة في عدد أولاد الحسينعليه‌السلام الذين حضروا كربلاء ، كما اختلفوا في أسمائهم. وقد حققنا سابقا أن عددهم أربعة هم :

علي الأكبرعليه‌السلام ـ علي الأوسط وهو زين العابدينعليه‌السلام ـ علي الأصغر ـ عبد الله الرضيع.

فمن الرواة ما اعتبر زين العابدينعليه‌السلام هو الأصغر ، ولم يذكر علي الأصغر.ومنهم من سمّى عبد الله الرضيع عليا الأصغر ، واعتبر عددهم ثلاثة.

وقد ذكر القرماني في (أخبار الدول وآثار الأول) شهادة علي الأصغر قبل شهادة علي الأكبرعليه‌السلام ، وقال : وطلب الحسينعليه‌السلام ماء لولده الصغير علي الأصغر ، فذهب علي الأكبر بركوة وملأها من الشريعة ورجع. وأجلس الحسينعليه‌السلام ابنه على فخذه وهمّ بسقيه ، فأتاه سهم

يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٤٠٤ : وهذه الرواية كما ترى غير مستقيمة ، وهي تنافي ما في الزيارة المروية من الناحية القائمية المقدسة.

ثم يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٨ : وأصاب سهم ابنا

١٤٤

للحسينعليه‌السلام وهو في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول : الله م احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا.

ثم يقول : وأتي بصبي صغير من أولادهعليه‌السلام اسمه عبد الله [الظاهر أنه الرضيع] ، فحمله وقبّله ، فرماه رجل من بني أسد [لعله حرملة بن كاهل الأسدي] فذبح ذلك الغلام. فتلقى الحسينعليه‌السلام دمه في يده وألقاه نحو السماء ، وقال :يا رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء ، فاجعله لنا خيرا ، وانتقم من الظالمين.

أما ابن أعثم في (كتاب الفتوح) ج ٥ ص ٢٠٩ فيقول : فبقي الحسينعليه‌السلام فريدا وحيدا ، ليس معه ثان إلا ابنه عليعليه‌السلام وهو يومئذ ابن سبع سنين [أقول : هذا خطأ من الناسخ ، ولعل عمره سبع عشرة سنة ، وهو زين العابدينعليه‌السلام ]. وله ابن آخر يقال له علي في الرضاع. فتقدم إلى باب الخيمة ، فقال : ناولوني ذلك الطفل حتى أودّعه وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبّة الصبي [اللّبّة : موضع القلادة من الصدر] ، فقتله.

١٣٣ ـ شهادة الطفل الّذي ولد يوم عاشوراء :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ بعد ص ٢٤٣)

يقول اليعقوبي : ثم تقدّموا رجلا رجلا ، حتى بقي وحده ما معه أحد من أهله ولا ولده ولا أقاربه. فإنه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد له في تلك الساعة.فأذّن في أذنه ، وجعل يحنّكه ، إذ أتاه سهم ، فوقع في حلق الصبي ، فذبحه. فنزع الحسينعليه‌السلام السهم من حلقه ، وجعل يلطخه بدمه ، ويقول : والله لأنت أكرم على الله من الناقة [أي ناقة صالح التي ذبحها قومه فاستحقوا العذاب لذلك] ، ولمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكرم على الله من صالح!. ثم أتى فوضعه مع ولده وبني أخيه.

ويقول السيد الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٧٣ :

في (الإبصار) : عبد الله [الرضيع] ابن الحسينعليه‌السلام ولد في المدينة ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس الكلبي وكانت الرباب عند الحسينعليه‌السلام وولدت له سكينة وعبد الله هذا.

ثم يقول : اشتهر في الألسن هذا الصبي بعلي الأصغر ، وقيل بتخالفهما ، وأن عبد الله الرضيع غيره ، وأن أمه أم إسحق بنت طلحة ، وأنه ولد في كربلاء في يوم عاشوراء وأن علي الأصغر قتل في معركة القتال ، رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه ، والعلم عند الله.

١٤٥

وذكر السيد حميد بن أحمد الزيدي صاحب (الحدائق الوردية) قال : ولد للحسينعليه‌السلام في الحرب ولد (أمه أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله التميمية) زوجة الحسينعليه‌السلام . فأتي به وهو قاعد ، فأخذه في حجره ولبّاه بريقه ، وسماه عبد الله.فبينما هو كذلك إذ رماه عبد الله بن عقبة الغنوي ، وقيل هانئ بن ثبيت الحضرمي ، بسهم فنحره. فأخذ الحسينعليه‌السلام دمه فجمعه ورمى به نحو السماء ، فما وقع منه قطرة إلى الأرض. قال الإمام الباقرعليه‌السلام : ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب (انظر وسيلة الدارين للزنجاني ، ص ٢٨٠). ولنعم ما قيل :

ومنعطف أهوى لتقبيل طفله

فقبّل منه قبله السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردى

ومن قبله في نحره السهم كبّرا

ونذكر الآن شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام ، الّذي له من العمر ستة أشهر.

شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام

١٣٤ ـ مصرع عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام على يد حرملة بن كاهل الأسدي(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤١)

ثم تقدمعليه‌السلام إلى باب الخيمة وقال : ناولوني ولدي الرضيع لأودعه. فأتته زينبعليها‌السلام بابنه عبد الله [وقد سماه ابن شهر اشوب : علي الأصغر] وأمه الرباب بنت امرئ القيس ، فأجلسه في حجره وجعل يقبّله(١) ويقول : بعدا لهؤلاء القوم ، إذا كان خصمهم جدك المصطفى(٢) . ثم أتىعليه‌السلام بالرضيع نحو القوم يطلب له الماء ، وقال لهم : لقد جفّت محالب أمه ، فهل إلى شربة من ماء سبيل؟. ثم قال لهم : يا قوم ، إذا كنت أقاتلكم وتقاتلونني ، فما ذنب هذا الطفل حتى تمنعوا عنه الماء؟!.(وفي رواية) أنه قال : إذا لم ترحموني فارحموا هذا الطفل. فمنهم من رقّ قلبه للطفل ، وقال : اسقوه شربة من ماء ، ومنهم من قال : لا تسقوه ولا ترحموه!.

__________________

(١) عن الله وف ، ص ٦٥.

(٢) عن البحار ، ج ١٠ ص ٢٥٣ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٢.

١٤٦

فخاف عمر بن سعد أن يدبّ النزاع في صفوف جيشه ، فقال لحرملة بن كاهل الأسدي وكان راميا : اقطع نزاع القوم. فسدد حرملة سهمه نحو عنق الصبي ، فرماه بسهم فذبحه من الوريد إلى الوريد ، وهو لائذ بحجر أبيه. فأخذ الطفل يفحص من ألم الجروح ، ويرفرف كما يرفرف الطير المذبوح ، ودمه يشخب من أوداجه ، والحسينعليه‌السلام يتلقّى دمه من نحره حتى امتلأت كفه ، ثم رمى به نحو السماء.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : فما وقع منه قطرة إلى الأرض ، ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب.

ثم قالعليه‌السلام : هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى(١) . الله م لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح. إلهي إن كنت حبست عنا النصر [من السماء] ، فاجعله لما هو خير منه ، وانتقم لنا من [هؤلاء القوم] الظالمين(٢) واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل(٣) . الله م أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) . فسمععليه‌السلام مناديا من السماء : دعه يا حسين فإن له مرضعا في الجنة(٥) .

ثم نزلعليه‌السلام عن فرسه ، وحفر له بجفن سيفه ، ودفنه مرمّلا بدمه ، وصلّى عليه(٦) . ويقال : وضعه مع قتلى أهل بيته(٧) .

(وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٨٣) : ثم أقبل الحسينعليه‌السلام إلى أم كلثوم وقال لها : يا أختاه أوصيك بولدي الأصغر خيرا ، فإنه طفل صغير وله من العمر ستة أشهر. فقالت له : يا أخي إن هذا الطفل له ثلاثة أيام ما شرب الماء ، فاطلب له شربة من الماء. فقال : هلمّي إليّ به. فأخذ الطفل وتوجّه نحو القوم ، وقال : يا قوم قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري ، وما بقي غير هذا الطفل ، وهو يتلظى عطشا فاسقوه

__________________

(١) عن اللهوف ، ص ٦٦.

(٢) عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٣٦.

(٣) عن تظلم الزهراء ، ص ١٢٢.

(٤) عن المنتخب للطريحي ، ص ٣١٣.

(٥) تذكرة الخواص ، ص ١٤٤ ؛ والقمقام لميرزا فرهاد ، ص ٣٨٥.

(٦) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ والاحتجاج للطبرسي ، ص ١٦٣ ط نجف.

(٧) الإرشاد للمفيد ، ومثير ابن نما ، ص ٣٦.

١٤٧

شربة من الماء. فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشوم من ظالم غشوم ، فذبح الطفل من الأذن إلى الأذن. وقيل : إن السهم رماه قديمة العامري. فجعل الحسينعليه‌السلام يتلقى الدم بكفيه ويرمي به إلى السماء ويقول : الله م إني أشهدك على هؤلاء القوم ، فإنهم نذروا ألا يتركوا أحدا من ذرية نبيك. ثم رجع بالطفل مذبوحا ، ودمه يجري على صدره ، فألقاه إلى أم كلثوم ، فوضعه في الخيمة وبكى عليه.

١٣٥ ـ منزلة عبد الله الرضيععليه‌السلام (أسرار الشهادة ، ص ٤٠٠)

يقول الفاضل الدربندي : إن عبد الله الرضيع الّذي كان في القماط ، قد طلب بلسان الحال الفوز بدرجة الشهادة ، حين سمع أباه يستغيث فلا يغاث ، فقطّع قماطه وألقى نفسه إلى الأرض.

وبعد استشهاده صلّى عليه الحسينعليه‌السلام ودفنه إن صلاة الإمامعليه‌السلام عليه في ضيق ذلك الوقت ، مما يشير إلى علوّ درجة هذا الطفل الرضيع من حيث الشهادة ، فإن درجة شهادته عند الله بمنزلة درجة شهادة سادات الشبان والكهول والشيوخ من الشهداء ، بل لا يصل إلى درجته إلا درجة طائفة من سادات الشهداء.فصلاة الإمامعليه‌السلام عليه كصلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحمزة يوم أحد في هذا المقام أيضا.

ـ ماذا بعد استشهاد الطفل الرضيععليه‌السلام ؟ :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، ص ١٣١)

وهكذا بدأ شلال الدم ينحدر على أرض كربلاء ، وسحب المأساة تتجمع في آفاقها الكئيبة ، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حول الحسينعليه‌السلام وتنبعث من حناجر النساء والأطفال.

١٣٦ ـ رثاء الحسينعليه‌السلام أصحابه الذين استشهدوا :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)

قال أبو مخنف : ثم توجّهعليه‌السلام نحو القوم وقال : : يا ويلكم علام تقاتلوني ؛ على حقّ تركته ، أم على سنّة غيّرتها ، أم على شريعة بدّلتها؟!. فقالوا : بل نقاتلك بغضا منا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين. فلما سمع كلامهم بكى وجعل ينظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا من أنصاره إلا من صافح التراب جبينه ، ومن قطع الحمام أنينه. فنادى : يا مسلم بن عقيل ويا هانئ بن عروة ويا حبيب بن مظاهر ويا

١٤٨

زهير بن القين ويا يزيد بن مظاهر ويا فلان ويا فلان يا أبطال الصفا ، ويا فرسان الهيجا ، مالي أناديكم فلا تجيبون ، وأدعوكم فلا تسمعون!. أنتم نيام ، أرجوكم تنتبهون ، أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصروه!. هذه نساء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفقدكم قد علاهن النحول ، فقوموا عن نومتكم أيها الكرام ، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام. ولكن صرعكم والله ريب المنون ، وغدر بكم الدهر الخؤون ، وإلا لما كنتم عن نصرتي تقصّرون ، ولا عن دعوتي تحتجبون. فها نحن عليكم مفتجعون ، وبكم لاحقون. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

١٣٧ ـ الضحّاك بن عبد الله المشرقي يترك المعركة بعد استئذان الحسينعليه‌السلام (تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٣٥٤)

قال أبو مخنف : حدثني عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : لما رأيت أصحاب الحسينعليه‌السلام قد أصيبوا ، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، قلت له : يابن رسول الله ، قد علمت ما كان بيني وبينك ؛ قلت لك :أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا ، فإذا لم أر مقاتلا فأنا في حلّ من الانصراف!. فقلت لي :

نعم!. فقالعليه‌السلام : صدقت ، وكيف لك بالنجاة؟. إن قدرت على ذلك فأنت في حل!.

فأقبلت إلى فرسي ، وقد كنت ـ حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر ـ أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لأصحابنا من البيوت ، وأقبلت أقاتل معهم راجلا ، فقتلت يومئذ بين يدي الحسينعليه‌السلام رجلين ، وقطعت يد آخر. وقال لي الحسينعليه‌السلام يومئذ مرارا : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ، ثم استويت على متنها ثم ضربتها ، حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم ، فأفرجوا لي ، واتّبعني منهم خمسة عشر رجلا ، حتى انتهيت إلى (شفية) قرية قريبة من شاطئ الفرات. فلما لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي ، فقالوا : هذا الضحاك بن عبد الله المشرقي ، هذا ابن عمنا ، ننشدكم الله لما كففتم عنه. فقال ثلاثة نفر من بني تميم

١٤٩

كانوا معهم : بلى والله لنجيبنّ إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم.

قال : فلما تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون. قال : فنجّاني الله.

وقد وردت قصة التحاق الضحّاك بن عبد الله المشرقي بالحسينعليه‌السلام في الجزء الأول من الموسوعة ـ الفقرة ٧٩٧ ، فراجع.

(جدول بأشهر المستشهدين من آل أبي طالبعليهم‌السلام

مع ذكر أمهاتهم وقاتليهم)

اسم الشهيد

اسم والدته

اسم قاتله

علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام

ليلى بنت أبي مرة

مرة بن منقذ العبدي

عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام

الرباب

حرملة بن كاهل الأسدي

أبو بكر (عبد الله الأكبر) بن الحسن

أم ولد : رملة

عبد الله بن عقبة الغنوي وقيل :

حرملة بن كاهل

القاسم بن الحسن (شقة القمر)

أم ولد : رملة

عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي

(الغلام) عبد الله بن الحسنعليه‌السلام

أم ولد

حرملة بن كاهل الأسدي

العباس بن عليعليه‌السلام

أم البنين

زيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل السنبسي

عبد الله الأصغر بن عليعليه‌السلام

فاطمة

هانئ بن ثبيت الحضرمي

جعفر بن عليعليه‌السلام

بنت حزام

هانئ بن ثبيت الحضرمي

عثمان بن عليعليه‌السلام

الكلابية

رجل من بني أبان بن دارم

محمّد الأوسط بن عليعليه‌السلام

أمامة بنت أبي العاص

رجل من بني أبان بن دارم

أبو بكر (عبد الله) بن عليعليه‌السلام

ليلى بنت مسعود

زحر بن بدر النخعي

عمر الأصغر بن عليعليه‌السلام

الصهباء التغلبية

لم يعرف قاتله

محمّد الأصغر بن عليعليه‌السلام

أم ولد

رجل من بني أبان بن دارم

١٥٠

اسم الشهيد

اسم والدته

اسم قاتله

عون بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

زينب العقيلةعليها‌السلام

عبد الله بن قطبة الطائي

محمّد بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

الخوصاء بنت حفصة

عامر بن نهشل التميمي

عبد الله بن مسلم بن عقيل

رقية بنت عليعليها‌السلام

يزيد بن الرقاد الجهني وقيل عمرو بن صبيح الصدائي

محمّد بن مسلم بن عقيل

أم ولد

أبو جرهم الأزدي ولقيط الجهني

جعفر بن عقيل

أم الثغر بنت عامر

عبد الله بن عروة الخثعمي وقيل بشر بن سوط الهمداني

عبد الرحمن بن عقيل

أم ولد

عثمان بن خالد وبشر بن سوط

عبد الله الأكبر بن عقيل

أم ولد

عثمان بن خالد وبشر بن سوط

محمّد بن أبي سعيد بن عقيل

أم ولد

لقيط بن ناشر الجهني وقيل هانئ بن ثبيت

١٥١
١٥٢

الفصل الرابع والعشرون

شهادة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام

ويتضمن هذا الفصل :

ـ مقدمة الفصل

١ ـ الأشعار التي قالها الحسينعليه‌السلام وهو عازم على الشهادة

٢ ـ عطش الحسينعليه‌السلام

٣ ـ استسقاء الماء [أصابهعليه‌السلام سهم في فمه]

٤ ـ معركة في طريق الفرات [أصابه سهم في حنكه]

٥ ـ لما حال القوم بين الحسينعليه‌السلام وبين رحله

٦ ـ وصول الحسينعليه‌السلام إلى المشرعة ـ حيلة الاعتداء على نسائه

٧ ـ رجوع الحسينعليه‌السلام : الوداع الأخير

٨ ـ لما أصابه سهم في جبهته الشريفة

٩ ـ توزّع الأعداء على الحسينعليه‌السلام ثلاث فرق.

مصرع الحسينعليه‌السلام :

١ ـ شجاعة الحسينعليه‌السلام وإقدامه

٢ ـ قول ابن يغوث : ما رأيت مكثورا قط

٣ ـ إصابة الحسينعليه‌السلام بحجر في جبهته ، وبسهم ذي ثلاث شعب وقع في قلبه

١٥٣

٤ ـ سقوط الحسينعليه‌السلام عن فرسه بعد أن صار جسمه كالقنفذ ، وخولي يضربه بسهم في لبّنه

٥ ـ الحسينعليه‌السلام يقاتل راجلا

٦ ـ شهادة الطفلين : محمّد بن أبي سعيد بن عقيل وعبد الله الأصغر ابن الحسنعليه‌السلام

٧ ـ خطاب زينبعليها‌السلام لعمر بن سعد

٨ ـ قول شمر : ما تنتظرون بالرجل

٩ ـ سنان يضرب الحسينعليه‌السلام برمح في صدره فيخرّ على الأرض

١٠ ـ وصف هلال بن نافع للحسينعليه‌السلام وهو يجود بنفسه

١١ ـ الحسينعليه‌السلام يطلب في تلك الحال ماء

١٢ ـ دعاء الحسينعليه‌السلام قبيل استشهاده

١٣ ـ ذهول القوم عن حزّ رأس الحسينعليه‌السلام وارتعادهم منه

١٤ ـ أشقى الأشقياء شمر بن ذي الجوشن يذبح الحسينعليه‌السلام

١٥ ـ ما صنع فرس الحسين

١٦ ـ مناد من السماء يتوعّد الأمة الضالة ، وينعى الحسينعليه‌السلام

١٧ ـ تحقيق حول من الّذي باشر قتل الحسينعليه‌السلام

١٨ ـ تحقيق حول اليوم الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام .

١٥٤

قال الحاج هاشم الكعبي :

آل الرسول ونعم أكفاء العلى آل الرسول

خير الفروع فروعهم

وأصولهم خير الاصول

سيّد الشهداء أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ولدعليه‌السلام في ٣ شعبان سنة ٤ ه‍ واستشهد في ١٠ محرم سنة ٦١ ه‍ وعمره الشريف ٥٧ سنة

يا ابن الذين توارثوا

العليا قبيلا عن قبيل

والسابقين بمجدهم

في كل جيل كل جيل

إن تمس منكسر اللوى

ملقى على وجه الرمول

فلقد قتلت مهذبا

من كل عيب في القتيل

١٥٥
١٥٦

الفصل الرابع والعشرون :

شهادة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنّة

مدخل الفصل :

بعد أن استشهد العباسعليه‌السلام انهدّ ركن الحسينعليه‌السلام وانكسر ظهره لمصرعه ، وأصبح وحيدا فريدا بين الوحوش من الأعداء (كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواوويس وكربلاء). وقد عميت أبصارهم إلا عن جوائز يزيد وأحقاد نهروانية ضدّ عليعليه‌السلام .

فركب الحسينعليه‌السلام جواده يقصد مشرعة الفرات ، بعد أن أخذ العطش منه مأخذه ومن الهاشميات والأطفال ، وهو يرتجز أشعاره الخالدة ، فأصابه سهم في حنكه الشريف. ثم حالوا بينه وبين رحله ، فرجع ليحمي نساءه ، وطلب من الشمر عدم التعرض لهن ، فأجابه إلى ذلك. ثم ما زالعليه‌السلام يكشفهم عن المشرعة حتى وصل إلى الفرات. وحين همّ بأن يشرب ، ترامى له نبأ بتعرض القوم لرحله ، فرجع إلى المخيم ، فوجد أنها خدعة. عندها اغتنم الفرصة وودّع عياله الوداع الأخير ، وهو عازم على الموت ، وانطلق يغوص في الأعداء.

وخاف شمر من بسالة الحسينعليه‌السلام فطلب من عمر بن سعد أن يتفرق جيشه إلى ثلاث فرق للإحاطة بالحسينعليه‌السلام ، ففعل. وظل الحسينعليه‌السلام يحارب على فرسه حتى صار جسمه معقودا بالسهام كالقنفذ. فضربه رجل منهم بحجر فأصاب جبهته الشريفة ، ثم جاءه سهم ذو ثلاث شعب فوقع في قلبه. فخرّ عن جواده إلى الأرض ، ثم استوى جالسا. فخرجت أخته زينبعليها‌السلام تخاطب عمر بن سعد مندّدة بأعماله البربرية.

ثم صاح الشمر صيحته الثانية قائلا : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ، اقتلوه.فاجتمعوا عليه يضربونه من كل جانب ، وهو ينوء ويكبو ، حتى سقط صريعا. وما زال يطلب الماء في تلك الحال وقد أعياه نزف الدم ، وهم يمنعونه منه ، وكأنه لم يبق في قلوبهم ذرة من الرحمة والشفقة.

١٥٧

ثم غشي عليهعليه‌السلام وظل ثلاث ساعات من النهار ملقى على الأرض يخور بدمه ، وكلما مرّ به رجل تحامى عن قتله. ثم حاول شبث بن ربعي أن يذبحه ، ثم حاول سنان ، ثم خولي ، فارتعدت أيديهم وذهلوا حين نظروا إلى وجهه الشريف ، إلى أن جاء اللعين شمر وسفّههم قائلا لسنان : فتّ الله في عضدك وأبان يدك!.

ثم نزل الشمر إلى الحسينعليه‌السلام وجلس على صدره الشريف يريد أن يذبحه ، فلما نظر في وجهه ورآه يبتسم أرعد من منظره ، فقلبه ليذبحه من قفاه ، وشرع يضرب بسيفه مذبح الحسين ، والحسينعليه‌السلام يذكر الله ويكبّر ، حتى احتز رأسه الشريف.

الحسينعليه‌السلام يرتجز من أشعاره

١٣٨ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام من الشعر لما عزم على الشهادة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢)

ثم قامعليه‌السلام وركب فرسه ، ووقف قبالة القوم مصلتا سيفه بيده ، آيسا من نفسه عازما على الموت ، وهو يقول :

أنا ابن عليّ الخير من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مضى

ونحن سراج الله في الخلق يزهر

وفاطمة أمي ابنة الطهر أحمد

وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر

وفينا كتاب الله أنزل صادقا

وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان الله في الخلق كلهم

نسرّ بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا

بكأس وذاك الحوض للسقي كوثر

فيسعد فينا في القيام محبّنا

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

١٣٩ ـ قصيدة (خيرة الله من الخلق أبي):

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ٨٦)

ثم وثبعليه‌السلام قائما ، وهو يقول :

كفر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله ربّ الثقلين

قتلوا قدما عليا وابنه

حسن الخير وجاؤوا للحسين

١٥٨

(حسدا منهم وقالوا إننا

نقبل الآن جميعا للحسين

يا لقومي من أناس قد بغوا

جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلهم

باجتياحي لرضاء الملحدين

لم يخافوا الله في سفك دمي

لعبيد الله نسل الفاجرين

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان مني سابقا

غير فخري بضياء الفرقدين

بعليّ الخير من بعد النبي

والنبيّ القرشيّ الوالدين)

* * *

خيرة الله من الخلق أبي

بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين

والدي شمس وأمّي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

فضّة قد صفّيت من ذهب

فأنا الفضة وابن الذهبين

ذهب في ذهب في ذهب

ولجين من لجين في لجين

من له جدّ كجدي المصطفى؟

أحمد المختار صبح الظلمتين

من له عمّ كعمّي جعفر؟

ذي الجناحين كريم النسبتين

من له أمّ كأمي في الورى؟

بضعة المختار قرّة كل عين

أمّي الزهراء حقا وأبي

وارث العلم ومولى الثّقلين

جدي المرسل مصباح الدجى

وأبي الموفي له بالبيعتين

خصّه الله بفضل وتقى

فأنا الزاهر وابن الزاهرين

ذاك والله علي المرتضى

ساد بالفضل جميع الحرمين

عبد الله غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللات والعزّى معا

وعليّ قام نحو القبلتين

مع رسول الله سبعا كاملا

ما على الأرض مصلّ غير ذين

أظهر الإسلام رغما للعدى

بحسام قاطع ذي شفرتين

قاتل الأبطال لما برزوا

يوم بدر ثم أحد وحنين

(وله في يوم أحد وقعة

شفت الغلّ بفضّ العسكرين

ثم بالأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل القبلتين

في سبيل الله ما ذا صنعت

أمة السوء معا بالعترتين

١٥٩

عترة البرّ النبي المصطفى(١)

وعليّ الورد بين الجحفلين)

* * *

نحن أصحاب العبا خمستنا

قد ملكنا شرقها والمغربين

ثم جبريل لنا سادسنا

ولنا البيت غدا والمشعرين

وكذا المجد بنا مفتخر

شامخا نعلو به في الحسبين

عروة الدين علي المرتضى

صاحب الحوض معزّ المؤمنين

يفرق الصفّان من هيبته

وكذا أفعاله في الخافقين

شيعة المختار طيبوا أنفسا

فغدا تسقون من حوض اللجين

فعليه الله صلّى ربّنا

وحباه تحفة بالحسنين

وفي (ينابيع المودة) لسليمان القندوزي الحنفي ، ج ٢ ص ١٧٢ ينهي القصيدة بقوله :

شيعة المختار قرّوا أعينا

فغدا تسقون من كفّ الحسين

ثم حملعليه‌السلام على الميمنة ، وهو يقول :

الموت أولى من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري(٢)

وحمل على الميسرة ، وهو يقول :

أنا الحسين بن علي

آليت ألا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي(٣)

عطش الحسينعليه‌السلام

١٤٠ ـ الحصين بن نمير يصيب الحسينعليه‌السلام بسهم في فمه الشريف ، فلم يستطع شرب الماء :

يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٧ :

__________________

(١) الأبيات التي بين قوسين هي من (كتاب الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ١١٦ طبع دار الأضواء بيروت. وقد وردت في (كشف الغمة) ج ٢ ص ٢٣٧ باختلاف يسير.

(٢) البيان والتبيين للجاحظ ، ج ٣ ص ١٧١ ط ٢ يضيف الشطرة الأخيرة.

(٣) مقتل المقرّم ، ص ٣٤٥ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٥٩ ط إيران.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

(الشكل ٢٩) : المرقد المقدس والمقام الشريف

للإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام في كربلاء بالعراق

٦٠١

عن زين العابدينعليه‌السلام حيث قال فيه : " قد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة ، لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ؛ هم معروفون في أهل السموات ، إنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة ، وهذه الجسوم المضرّجة ، فيوارونها وينصبون بهذا الطفّ علما لقبر سيد الشهداء ؛ لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه ، على كرور الليالي والأيام".

أما تعمير القبّة عليه ، فقد تكرر مرارا.

(العمارة الأولى)

٧٢٨ ـ العمارة الأولى للقبة الشريفة :(المصدر السابق)

العمارة الأولى للقبة الشريفة فوق الضريح ، كانت في زمن بني أمية ، لكن لا يعلم من بناها. إذ تدل جملة من الآثار والأخبار أنه كان على الضريح الشريف سقيفة لها باب ومسجد في زمن بني أمية. واستمرّ ذلك إلى زمن الرشيد من بني العباس.

٧٢٩ ـ تهديم هارون الرشيد قبر الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ٣٠٤)

وبقيت هذه القبة إلى زمن الرشيد فهدمها ، وكرب موضع القبر ، وكان عنده سدرة فقطعها. وكان القصد من قطعها تغيير مصرع الحسينعليه‌السلام حتى لا يقف الناس على قبره. ففعل العباسيون بأهل البيتعليه‌السلام ما لم يفعله الأمويون.

وكما قال الشاعر :

تالله ما فعلت أميّة فيهم

معشار ما فعلت بنو العباس

(العمارة الثانية : عمارة المأمون)

٧٣٠ ـ العمارة الثانية :(المصدر السابق)

وفي زمن المأمون أعيد بناء القبة الشريفة ، حتى جاء المتوكل فهدمها.

٧٣١ ـ هدم المتوكل لقبر الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ٢٨٦)

قال الطبري في تاريخه : في سنة ٣٣٦ ه‍ أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن عليعليه‌السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه. فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية :من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق. فهرب الناس وامتنعوا من المصير إليه.

٦٠٢

حدّث القاسم بن أحمد بن يعمر الأسدي الكوفي قال : في سنة ٢٤٧ ه‍ بلغ المتوكل أيضا مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، وأنه قد كثر جمعهم لذلك ، وصار لهم سوق كبير. فأنفذ قائدا في جمع كثير من الجند ، وأمر مناديا ينادي ببراءة الذمّة ممن زار قبره. ونبش القبر وحرث أرضه ، وانقطع الناس عن الزيارة. وعمد على تتبّع آل أبي طالبعليه‌السلام والشيعة ، فقتل ولم يتمّ له ما قدّره (قتله ابنه وهو في مجلس شرابه).

وتدل بعض الروايات على أن البقر (التي استخدمت لحرث قبر الحسينعليه‌السلام ) لم تقدم على محل القبر الشريف (بل كانت تحيد يمينا أو شمالا) ، وكانت تضرب الضرب الشديد ، فلا تمرّ عليه (ولا تطأ القبر بوجه).

٧٣٢ ـ ملوك بني العباس يهدمون قبر الحسينعليه‌السلام عدة مرات :

(تاريخ كربلاء للدكتور عبد الجواد الكليدار ، ص ٢٢)

أمر الرشيد سنة ١٩٣ ه‍ بهدم الحائر والقبة المطهرة والدور المجاورة ، واقتلاع السدرة ، وحرث الأرض ليمحي بذلك كل أثر للقبر الشريف ، فكانت تلك السنة آخر سنة من حياته. وقد جاء في حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله قاطع السّدرة» (ثلاثا) ، فلم يعلم معنى ذلك ، حتى قطع الرشيد السدرة ، فأهلكه الله.

وقد اقتفى أثره حفيده (المتوكل) نيرون العرب ، فهدم قبر الحسينعليه‌السلام وكربلاء أربع مرات في خلال خمس عشرة سنة من حكمه ، ولكن( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (٣٢) [التوبة : ٣٢].

وذكر الشهيد : أن في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل بإطلاقه على قبر الحسينعليه‌السلام ليعفّي أثره ، فكان الماء يدور حول القبر ولا يصله.

٧٣٣ ـ أعمال المتوكل الانتقامية من أهل البيتعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ٤٠٣ ط ٣)

روي أن المتوكل من خلفاء بني العباس كان كثير العداوة شديد البغض لأهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الّذي أمر الحارثين بحرث قبر الحسينعليه‌السلام ، وأن يخرّبوا بنيانه ويخفوا آثاره ، وأن يجروا عليه الماء من نهر العلقمي ، بحيث لا يبقى له أثر ، ولا أحد يقف له على خبر.

وتوعّد الناس بالقتل لمن زار قبره ، وجعل رصدا من أجناده ، وأوصاهم :

٦٠٣

«كل من وجدتموه يريد زيارة الحسين فاقتلوه». يريد بذلك إطفاء نور الله ، وإخفاء آثار ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويظهر من ذلك أن ما فعله بنو العباس فاق ما فعله بنو أمية ، وكما قال الشاعر :

تالله إن كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيّها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا

في قتله ، فتتبّعوه رميما

٧٣٤ ـ رائحة القبر الشريف دلّت على القبر :

(الحسين بن عليعليه‌السلام لتوفيق أبو علم ، ص ١٧٢)

ذكر هشام بن الكلبي : أن الماء لما أجري على قبر الحسينعليه‌السلام ليمحي أثره ، نضب الماء بعد أربعين يوما. فجاء أعرابي من بني أسد ، فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمّها ، حتى وقع على قبر الحسين فبكى وقال : بأبي أنت وأمي ، ما كان أطيبك وأطيب تربتك. ثم أنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه

فطيب تراب القبر دلّ على القبر

٧٣٥ ـ قصة زيد المجنون ولقائه ببهلول الكوفي :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٣٨ ط ٢)

عندما أمر المتوكل بحرث قبر الحسينعليه‌السلام وأن يجروا عليه الماء من نهر العلقمي ، وتوعّد بالقتل كل من يزور القبر الشريف ، وصل الخبر إلى رجل من أهل الخير في مصر ، يقال له : زيد المجنون ، ولكنه كان ذا عقل شديد ورأي رشيد.وإنما لقّب بالمجنون لأنه أفحم كل لبيب ، وقطع حجة كل أريب.

فسار زيد حتى أتى الكوفة ، فلقي هناك البهلول ، فسلّم عليه ، فردّعليه‌السلام .فقال زيد للبهلول : من أين لك معرفتي ولم ترني قط؟!. فقال زيد : يا هذا اعلم أن قلوب المؤمنين جنود مجنّدة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف. فقال له البهلول : يا زيد ، ما الّذي أخرجك من بلادك بغير دابة ولا مركب؟. فقال : والله ما خرجت إلا من شدة وجدي وحزني ، وقد بلغني أن هذا اللعين [أي المتوكل] أمر بحرث قبر الحسينعليه‌السلام وخراب بنيانه وقتل زواره ، فهذا الّذي أخرجني من

٦٠٤

موطني ونغّص عيشي ، وأجرى دموعي وأقلّ هجوعي. فقال البهلول : وأنا والله كذلك. فقال له : قم بنا نمضي إلى كربلاء لنشاهد قبور أولاد علي المرتضىعليه‌السلام .

قال : فأخذ كل واحد بيد صاحبه حتى وصلا إلى قبر الحسينعليه‌السلام ، وإذا هو على حاله لم يتغير ، وقد هدموا بنيانه ، وكلما أجروا عليه الماء غار وحار ، واستدار بقدرة العزيز الجبار ، ولم يصل قطرة واحدة إلى قبر الحسينعليه‌السلام . وكان القبر الشريف إذا جاءه الماء يرتفع أرضه بإذن الله تعالى. فتعجب زيد المجنون مما شاهده ، وقال : انظر يا بهلول( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (٣٢) [التوبة : ٣٢].

٧٣٦ ـ كان المتوكل من ألدّ أعداء أهل البيتعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤٨)

فلما كان أيام المتوكل ـ وكان سيئ الاعتقاد في آل أبي طالبعليه‌السلام شديد الوطأة عليهم ، قبيح المعاملة معهم ، ووافقه على جميع ذلك وزيره عبيد الله بن يحيى ـ بلغ بسوء معاملتهم ما لم يبلغه أحد من الخلفاء من بني العباس. فأمر بتخريب قبر الحسينعليه‌السلام وقبور أصحابه ، وكرب مواضعها وإجراء الماء عليها ، ومنع الزوار من زيارتها ، وأقام الرصد وشدد في ذلك. حتى كان يقتل من يوجد زائرا ، وولى ذلك كله يهوديا. وسلّط اليهودي قوما من اليهود فتولوا ذلك. إلى أن قتل المتوكل ، وقام بالأمر ابنه (المنتصر) فعطف على آل أبي طالبعليه‌السلام وأحسن إليهم وفرّق فيهم الأموال. فأعيدت القبور في أيامه. إلى أن خرج الداعيان : الحسن ومحمد ابنا زيد ، فأمر محمّد بعمارة المشهدين الشريفين : مشهد أمير المؤمنين ومشهد الحسينعليه‌السلام . وأمر بالبناء عليهما ، وزيد في ذلك من بعده. وبلغ (عضد الدولة) البويهي الغاية في تعظيمهما وعمارتهما والأوقاف عليهما ، وكان يزورهما في كل سنة.

٧٣٧ ـ كيف قتل المتوكل على يد ابنه المنتصر؟ :

كان المنتصر بن المتوكل مواليا لأهل البيتعليه‌السلام بعكس أبيه ، وهذا الّذي دفعه إلى قتل أبيه. وسبب ذلك أن المتوكل أقام مرة حفلة ، وجعل شخصا بهيئة الإمام عليعليه‌السلام ، وحشا بطنه لتكبر ، وجعل الشخص يرقص متمثلا بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام . عندها هيّأ المنتصر الخطة لقتل أبيه. فدخل على مجلسه وأبوه يشرب

٦٠٥

الخمر مع وزيره الفتح بن خاقان فقتلهما ، ونجا الشاعر البحتري الّذي كان معهما إذ تخبأ وراء الباب.

لكن الإمام علي الهاديعليه‌السلام قال للمنتصر : إن ملكك لن يطول ، فقتل بعد ستة أشهر.

العمارة الثالثة : عمارة المنتصر

٧٣٨ ـ العمارة الثالثة :(أعيان الشيعة ، ج ٤ ص ٣٠٥)

قال محمّد بن أبي طالب : إلى أن قتل المتوكل ، وقام بالأمر بعده ابنه المنتصر ، فعطف على آل أبي طالبعليه‌السلام وأحسن إليهم ، وفرّق فيهم الأموال ، وأعاد القبور في أيامه.

وذكر غير واحد من المؤرخين أن المنتصر أمر الناس بزيارة قبر الحسينعليه‌السلام .

[فانظر إلى حال هذا الزمان ، وكيف أن الله يخرج الحي من الميت].

وقال المجلسي في (البحار) : إن المنتصر لما قتل أباه وتخلّف بعده ، أمر ببناء الحائر ، وبنى ميلا على المرقد الشريف ، وأحسن إلى العلويين ، وآمنهم بعد خوفهم.

(٢) ـ مشهد أبي الفضل العباسعليه‌السلام

٧٣٩ ـ مرقد أبي الفضل العباسعليه‌السلام في كربلاء :

وفي كربلاء مشهد كبير ثان هو للعباس بن عليعليه‌السلام ، وهو يشبه في نسق بنائه وحجمه وتعدد الأروقة والغرف فيه مشهد الحسينعليه‌السلام . والفرق الوحيد بينهما هو أن للثاني ثلاث مآذن وللأول مئذنتين ، كما أن قبته غير مغطاة بصفائح الذهب (انظر صورة مشهد العباسعليه‌السلام ، الشكل ٣٠).

وفرش داخل المشهدين بالسجاجيد العجمية النفيسة ، وزيّن أبدع زينة ، تثير الإعجاب والروعة.

٧٤٠ ـ وصف مشهد العباسعليه‌السلام :

(أضواء على معالم محافظة كربلاء لمحمد النويني ، ص ٤٤ و ٤٦)

يقع مشهد العباسعليه‌السلام في مدينة كربلاء ، من الجهة الشمالية الشرقية لمشهد الحسينرلاعليه‌السلام .

٦٠٦

تبلغ مساحة الروضة العباسية مع الصحن المحيط بها ٤٣٧٠ م ٢. وللصحن ثمانية أبواب هي : باب الإمام الحسنعليه‌السلام ـ باب الإمام الحسينعليه‌السلام ـ باب الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام ـ باب الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وتقع هذه الأبواب في الجهة الغربية ؛ باب الإمام عليعليه‌السلام ـ باب الإمام علي الرضاعليه‌السلام ، ويقعان في الجهة الشرقية ؛ باب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسمى حاليا بباب القبلة ، ويقع في الجهة الجنوبية ؛ ثم باب الإمام محمّد الجواد ، ويقع في الجهة الشمالية.

تتوسط الصحن الروضة العباسية الشريفة ، ويعلو القبر الشريف قبّة ذهبية ضخمة ، نقشت في أسفلها الآيات القرآنية المطعّمة بالمينا والذهب. وفي طرفي القبة مئذنتان ضخمتان ، كما توجد هناك ساعة أثرية كبيرة دقّاقة ، واقعة على مئذنة باب القبلة.

وقد تمّ بناء هذه القبة بأمر من السلطان القاجاري فتح علي شاه ، كما قام بتذهيبها سنة ١٨١٧ م ، بعد أن صنع ضريحا من الفضة الخالصة لمرقد العباسعليه‌السلام سنة ١٨١٢ م.

زيّنت جوانب الصحن بالفسيفساء والكاشاني من الصنع القديم ، وتقع في جوانبه عدة غرف وأواوين ، دفن فيها جماعة من العلماء والسلاطين والأمراء والوزراء وكبار الشخصيات الإسلامية. وهو يعتبر من النفائس الأثرية.

وفي العهد الحديث احتفلت مدينة كربلاء بوصول الضريح الجديد لمرقد سيدنا العباسعليه‌السلام عام ١٩٦٥ م ، وهو ضريح مصنوع من الذهب الخالص والفضة ، ومطعّم بالأحجار الكريمة ، ويعتبر من أبدع وأعظم الأضرحة الموجودة في العالم الإسلامي ، وقد استغرق شغله حوالي ثلاث سنين(١) وقدّم هدية من بعض المحسنين الإيرانيين.

__________________

(١) تاريخ الروضة الحسينية للسيد عبد الحميد الخياط.

٦٠٧

(الشكل ٣٠) : المرقد المقدس والمقام الشريف

لأبي الفضل العباسعليه‌السلام في كربلاء بالعراق

٦٠٨

(٣) ـ المشاهد المشرّفة لأهل البيتعليهم‌السلام

في مدينة دمشق

مدخل :

يستغرب المرء أن تكون مشاهد أهل البيتعليه‌السلام عديدة في دمشق ، تلك المدينة التي كانت عاصمة لملوك الدولة الأموية. كما يستغرب أن تكون تلك المشاهد عامرة بالزوار والوافدين ، في حين لا يعرف لأحد من ملوك بني أمية قبر ولا أثر.ولكن( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (٣٢) [التوبة : ٣٢].

فمن مشهد رأس الحسينعليه‌السلام ، ومشهد زين العابدينعليه‌السلام ، ومشهد الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، في شرق المسجد الأموي ؛ إلى مرقد السيدة رقيّة بنت الحسينعليه‌السلام في الشمال الشرقي من المسجد الأموي ، عند باب الفراديس (العمارة) ؛ إلى مسجد السّقط ، حيث سقط رأس الحسينعليه‌السلام عند باب جيرون الداخلي ؛ إلى مشاهد أهل البيتعليه‌السلام في مقبرة باب الصغير ، ومنهم سكينة بنت الحسينعليه‌السلام ، وأم كلثوم زينب الصغرى بنت الإمام عليعليه‌السلام ، وعبد الله ابن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ إلى مشهد رؤوس الشهداءعليه‌السلام في المنطقة المذكورة ؛ إلى مرقد العقيلة زينب بنت الإمام عليعليه‌السلام في قرية (راوية) على بعد ١٠ كم جنوب دمشق ، في المكان المعروف اليوم بقبر الست.

١ ـ مشهد رأس الحسينعليه‌السلام

٧٤١ ـ مدفن الرأس الشريف بدمشق :

(الحسين بن عليعليه‌السلام لتوفيق أبو علم ، ص ١٧٤)

يقول ياسين بن مصطفى الفرضي :

المزارات المشهورة للصحابة بدمشق ونواحيها : والمشهور منها بتربة باب الفراديس ، المسماة بمرج أبي الدحداح الآن ، مسجد سمّي مسجد الرأس ، داخل باب الفراديس ، في أصل جدار المحراب لهذا المسجد رأس الشهيد الملك الكامل ، وغربي المحراب المذكور في الجدار طاقة على الطريق ، يقال إن رأس

٦٠٩

الحسينعليه‌السلام دفن بها ، ولذا يقال له مشهد الحسين [يقصد به المكان الّذي فيه الآن مرقد السيدة رقيةعليها‌السلام ].

وقال ابن الطولوني : وله بدمشق مشهد معروف ، داخل باب الفراديس ، وفي خارجه مكان الرأس على ما ذكروا.

وذكر ابن أبي الدنيا : أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي ، فأخذ من خزانته ، فكفّن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق.

يقول ابن كثير : ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم ، داخل باب الفراديس الثاني.

٧٤٢ ـ مسجد الرأس :

(مجلة الحوليات الأثرية العربية السورية ـ المجلد ٣٥ لعام ١٩٨٥)

جاء في المجلة المذكورة تحت عنوان (العظماء الذين دفنوا في دمشق أو ماتوا فيها) :

يوجد للحسين بن عليعليه‌السلام مزارات كثيرة ، يطلق عليها اسم مشهد ، تشير إلى قبره ، ولعل الأصح أن تعدّ نصبا تذكارية ، لأنه لا يعقل أن يدفن رأس الحسينعليه‌السلام أو جثته في عدة بلدان. وله مشهد مثير شهير في كربلاء حيث قتل ، يرجّح أن يكون القبر الّذي وارى جثته ، كما أن له مشهدا آخر في القاهرة.

وتؤكد المصادر التاريخية أن رأس الحسينعليه‌السلام نقل إلى دمشق ليراه يزيد بن معاوية.

ويذكر المؤرخون مسجدا داخل باب الفراديس باسم (مسجد الرأس) ، وذلك نسبة لرأس الحسين بن عليعليه‌السلام الّذي دفن فيه ، وهو مشهد السيدة رقية حاليا.

كما أن للحسينعليه‌السلام مشهدا في جامع بني أمية بدمشق ، في مكان يطلق عليه (مشهد رأس الحسين) ، وقد أطلق عليه في القديم مشهد علي ، وكذلك مشهد زين العابدينعليه‌السلام . انتهى كلامه

توضيح :

تدل المعطيات السابقة إلى أن هناك موضعين باسم (مسجد الرأس) حيث دفن رأس الحسينعليه‌السلام .

٦١٠

الأول : عند ضريح السيدة رقية بنت الحسينعليه‌السلام داخل باب الفراديس لدمشق ، وفي هذا المشهد دفن الملك الكامل بن الغازي ابن الملك العادل ،

في أصل جدار محرابه.

والثاني : في قصر يزيد ، المتصل بالرواق الشرقي للجامع الأموي ، في المكان المسمى اليوم مشهد رأس الحسينعليه‌السلام .

وإذا صحّ أن الرأس الشريف قد دفن في دمشق قبل نقله إلى كربلاء ، فلا بدّ أنه دفن في أحد هذين الموضعين. ويمكن إزالة التعارض بين الروايات ، بأن الرأس الشريف وضع مدة في قصر يزيد وبات فيه ، حيث صلى الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، فصار هذا الموضع مشهدا لزين العابدينعليه‌السلام ومشهدا للرأس الشريف وليس مكان دفنه ، وهو المشهد الموجود في شرق الجامع الأموي.

وإذا صحّ أن سليمان بن عبد الملك أو غيره وجد الرأس الشريف في خزائن بني أمية ، فأكرمه ودفنه ، فلعله دفنه عند ضريح ابنته السيدة رقيةعليه‌السلام داخل سور دمشق ، على يمين الخارج من باب الفراديس. وذلك قبل أن يتمّ نقله وإرجاعه إلى الجسد المطهر في كربلاء. ويؤكد ذلك اللوحتان الحجريتان اللتان كانتا في حائط مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام إلى جانب المحراب ، كما سترى.

ونشرع الآن بالحديث عن مشهد رأس الحسينعليه‌السلام الواقع في شرق المسجد الجامع.

٧٤٣ ـ المشاهد الأربعة في الجامع الأموي :(العمارة العربية الإسلامية ، ص ٥٦)

المتفحص لمخطط المسجد الجامع المشهور بالأموي ، يلاحظ أربع قاعات كبيرة مستطيلة متساوية الأبعاد تقريبا ، موزّعة على جانبي البابين الشرقي والغربي ، عرفت قديما بالمشاهد ، ونسب كل واحد منها إلى أحد الخلفاء الراشدين الأربعة.يدعى المشهد الجنوبي الغربي مشهد أبي بكر ، والجنوبي الشرقي مشهد عمر ، والشمالي الغربي مشهد عثمان ، والشمالي الشرقي مشهد عليعليه‌السلام ، ثم دعي الأخير مشهد الحسينعليه‌السلام .

وقال ابن جبير في رحلته ، ص ٢٤١ :

وفي الجانب الشرقي من الصحن باب يفضي إلى مسجد من أحسن المساجد وأبدعها وصفا وأجملها بناء ، يذكر الشيعة أنه مشهد لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٦١١

وفي (الإشارات إلى معرفة الزيارات) ص ١٥ :

وبالجامع من شرقيّة مشهد علي بن أبي طالب ، ومشهد الحسين ، وزين العابدينعليه‌السلام .

وفي كتاب (الجامع الأموي) للشيخ علي الطنطاوي ، ص ٥٩ يقول :

وفي سنة ٦٦٨ ه‍ جدد الملك الظاهر مشهد زين العابدين (مشهد الحسين) بعدما استولى عليه الخراب ، وطرد من كانوا يتخذونه ملجأ ، إلا واحدا منهم رأى فيه الصلاح والعبادة. وأغلق مدة في أيام العثمانيين وأهمل ، فجدده الوالي العثماني سليمان باشا وفتحه.

وفي الكتاب المذكور ، ص ٢٣ يقول : وفي الشرق نجد مشهد زين العابدينعليه‌السلام المعروف اليوم بمشهد الحسينعليه‌السلام ، وفيه الآن القبر المشهور أن فيه رأس الحسينعليه‌السلام .

٧٤٤ ـ مشهد رأس الحسينعليه‌السلام في شرقي مسجد دمشق :

يعتقد بعض مؤرخي السنة أن في هذا المشهد دفن رأس الحسينعليه‌السلام . وفي الواقع إن هذا المشهد الواقع في أحد أجنحة المسجد الأموي ، على يمين الداخل من باب جيرون (النوفرة) كان إحدى غرف قصر يزيد التي كان ينام فيها ، ثم أصبح جزءا من المسجد الجامع. وفي هذه الغرفة وضع يزيد الرأس الشريف بعد أن عرض عليه. ثم لما ظهرت من الرأس المقدس الكرامات المشهورة ، ورأتها هند زوجة يزيد ، وكذلك يزيد نفسه ، نقله يزيد إلى مكان آخر خارج القصر. ولعل هذه الغرفة هي نفسها التي وضع فيها رأس الحسينعليه‌السلام بجانب القبة التي كان يشرب فيها يزيد المسكرات مع حاشيته ، والتي بات فيها سبعون رجلا يحرسون الرأس الشريف ، فرأى أحدهم الرؤيا العجيبة التي ذكرناها سابقا في الفقرة رقم ٦٠٧.

٧٤٥ ـ زيارة ميدانية :

وقد قمت بزيارة ميدانية لمشهد رأس الحسينعليه‌السلام في شرقي المسجد الأموي ، ورأيت فيه : مشهد الإمام عليعليه‌السلام ، ثم مشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام الّذي صلى فيه ، وبجانبه كوة في الحائط تفضي إلى المكان الّذي وضع فيه رأس الحسينعليه‌السلام ، وفي الداخل غرفة شبه مربعة أصغر من التي قبلها ، وضعت على جدرانها رخامات كتب عليها أسماء الأئمة الاثني عشرعليه‌السلام ، وفي

٦١٢

زاويتها الملاصقة للكوة قفص فيه عمامة خضراء ترمز لرأس الحسينعليه‌السلام ، وصندوق يزعم البعض أن فيه شعرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٤٦ ـ مزار شعرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مجلة الثقافة الاسلامية ـ العدد ١٥ ربيع ١٤٠٨ ه‍ ، ص ١٥٨ ؛

موضوع الأشراف ونقابتهم في التاريخ الاسلامي ، بقلم محمّد مطيع الحافظ)

ذكر السيد سعيد حمزة نقيب الأشراف بدمشق : أن في دمشق ثلاث شعرات للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إحداها لدى آل حمزة ، والثانية لدى آل سعد الدين ، والثالثة لدى آل أبي الشامات.

والشعرة الأولى موجودة لدى السادة الأشراف آل حمزة ، ومحفوظة في مشهد الحسينعليه‌السلام .

ويشير أحمد تيمور في كتابه (الآثار النبوية) إلى أن هذا المشهد كان متهدما ، فزاره والي دمشق فؤاد باشا سنة ١٢٧٨ ه‍ وسعى لدى السلطان

عبد العزيز في تعميره ، وجعل الدار المجاورة له تكية باسم المقام ، يطعم فيها الطعام كل يوم بعد العصر. واختير السيد سليمان الحمزاوي مشرفا على المقام لصلة نسبه بصاحب المقام مولانا الحسينعليه‌السلام . ثم إن السلطان عبد العزيز أرسل بشعرة من الآثار النبوية لتحفظ بهذا المقام ، فحفظت فيه ، وما زالت إلى اليوم ، يحتفل بإخراجها في العام مرة واحدة ، في ليلة ٢٧ رمضان ، ويزورها الناس بعد صلاة التراويح ، فيقرأ القراء ثم يشرعون في الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويخرجها المشرف ، ويكون نقيب الأشراف أو واحدا من أهله ، فيتبرك الحاضرون بتقبيلها وهي بيده ، وذكر الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستمر إلى أن تنتهي الزيارة ، فتعاد إلى لفائفها وصندوقها ، وترفع إلى مكانها.

٧٤٧ ـ وصف مشهد رأس الحسينعليه‌السلام شرقي المسجد الأموي :

وهذا وصف حي لمشهد رأس الحسينعليه‌السلام وأجزائه الثلاثة كما هو مبين في (الشكل ٣١) المرفق.

إذا أتينا إلى المسجد الجامع من الشرق ، نمرّ بطريق النوفرة (سويقة جيرون) حتى نصل إلى الباب الشرقي للجامع (باب جيرون) ، نصعد على الدرج (درج النوفرة) الّذي أقيمت عليه السبايا ، فإذا وصلنا إلى آخر الدرج ونظرنا يمينا نلاحظ في جدار

٦١٣

قصر يزيد أثر باب حجري كبير قد أغلق وسدّ ، إنه باب قصر يزيد الّذي أدخل منه السبايا والرؤوس ، وهو يقابل في الداخل محراب المشهد الّذي وضع فيه رأس الحسينعليه‌السلام .

ندخل من باب جيرون للمسجد حتى ننتهي إلى صحن الجامع ، ثم ننعطف إلى اليمين حتى نصل إلى مشهد رأس الحسينعليه‌السلام .

ويظن العامة أن هنا دفن رأس الحسينعليه‌السلام ، والصحيح أن هذا المكان كما ذكرنا كان جزءا من قصر يزيد ، وهو الغرفة التي بات فيها الرأس الشريف وظهرت فيها بعض كراماته. فحين استيقظت هند زوجة يزيد رأت النور ينبعث من تلك الغرفة ، فلما اقتربت منها رأت الرأس الشريف والأنوار تتصاعد منه إلى عنان السماء. فأيقظت يزيد وأمرته بإخراجه من القصر ، وهددته بالفراق ، فلم يلبث أن أخرج الرأس من القصر ، ونصبه على باب جيرون.

يتألف هذا المقام من ثلاثة مشاهد ، يدخل الزائر إلى الغرفة الأولى وهي الكبرى ، وتدعى مشهد الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وفي صدرها محراب لطيف ، وتمتاز هذه الغرفة بسقفها العالي ، وفيها قفص حديدي معلق بالسقف على شكل ثريا.

ثم ندخل إلى الغرفة الثانية ، وهي أصغر من الأولى ، وهي مشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ولها محراب خاص. ويجد الزائر في الجدار الشرقي لهذه الغرفة المكان الّذي كان يصلي فيه زين العابدينعليه‌السلام في الفترة الأخيرة من إقامته في دمشق ، حين قرّبه يزيد ونقله مع السبايا من الخربة إلى قصره ، خوفا من نقمة الناس عليه ، ليوهم الجمهور أنه يحب أهل البيتعليه‌السلام وأنه بريء من قتل الحسينعليه‌السلام . وفي هذا المكان قفص زجاجي فيه محراب صغير ، وعلى جدرانه لوحات قرآنية. وبجوار هذا القفص في الحائط كوة عميقة عطّرت بالمسك والعنبر وكسيت بالقاشاني ، تؤدي إلى الموضع الّذي تشرف بوضع الرأس المطهر فيه ، وذلك بناء على الحقيقة المنقولة بأن رأس الحسينعليه‌السلام كان يتضوع عطرا في كل مكان وضع فيه. ويتسابق الزوار لإدخال رؤوسهم في هذه الكوة ، ليقبلوها ويتنسموا منها عبق الجنة.

٦١٤

(الشكل ٣١) : مخطط مشهد رأس الحسينعليه‌السلام

٦١٥

ثم ندخل إلى الغرفة الثالثة شبه المربعة ، حيث يقع إلى يسار الداخل إليها القفص الخاص برأس الحسينعليه‌السلام ، وتدعى مشهد رأس الحسينعليه‌السلام . وقد وضع في القفص ، إلى اليسار كرة مجللة بثوب أخضر ، للدلالة على مكان وضع الرأس الشريف ، وإلى اليمين صندوق مجلل يقال إن فيه شعرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ذكرنا سابقا.

وقد كسيت جدران هذه الغرفة بالرخام الأبيض ، ونقشت عليها أسماء الأئمة الاثني عشرعليه‌السلام . ولهذه الغرفة محراب يحاذي الباب المسدود من الخارج.وبجانب المحراب لوحة لزيارة أهل البيت ورأس الحسينعليه‌السلام .

ويعجب المرء من قدرة الله تعالى ، كيف أن هذا القصر الّذي كان قصرا ليزيد ، يزول ذكر صاحبه منه إلا باللعنة على كل لسان ، بينما يصير مقرا ومشهدا لتعظيم الحسينعليه‌السلام ، تذكره الأجيال وتزوره في كل عصر وزمان.

وفي تصوري أن الفاطميين قد اعتنوا بهذا المشهد اعتناء خاصا ، وذلك حين حكموا دمشق في القرن الرابع الهجري.

هذا وقد أهدى إخواننا الشيعة البهرة الذين يتواجدون في الهند (بومباي) قفصا فضيا مذهبا لهذا المقام الجليل ، فزاد المكان رونقا وبهاء ، وروعة وسناء.

٧٤٨ ـ وصف معماري للمشاهد الثلاث السابقة :

(الآثار الإسلامية في دمشق لكارل ولتسنغر ، ص ٣٣٥)

وهذا وصف معماري للغرف الثلاث للمستشرق ولتسنغر :

الغرفة رقم (١):

قاعة طويلة (تدعى مشهد علي). ثمة كتابة حديثة تعلو مدخلها. يضم الجدار محرابا وبابا وثلاث نوافذ. يخترق الجدار الشرقي باب صغير وثلاثة أبواب كبيرة ، وهي تؤدي إلى الغرفة رقم (٢). الجدار الجنوبي مزوّد بمحراب ، وتبرز إلى يساره فاصلة مونة بين حجرين ، وهي هامة بالنسبة للبقايا المعمارية السابقة للإسلام.ويبدو أن الجدار السابق للإسلام لم يشغل العرض بأكمله.

الغرفة رقم (٢):

غرفة مستطيلة موازية للقاعة السابقة ، لكنها أقصر حجما (٦٤ ، ٢* ٩٠ ، ١٤ م)

٦١٦

وتعرف باسم (مشهد علي بن الحسين زين العابدين). تظهر في الجدار الغربي ثلاث دعائم جدارية سابقة للإسلام. كما يوجد بئر في الزاوية الشمالية الشرقية. ويقوم محراب علي بن الحسين في قاعدة الجدار الشرقي. ويوجد إلى جانب المحراب صندوق يضم بعضا من شعر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أما الجدار الجنوبي فإنه مزوّد بمحراب بالإضافة إلى مكان مخصص لأحد الأئمة التسعة في الجامع.

الغرفة رقم (٣):

(مسجد رأس الحسين) تعلوه قبّة. يقوم إلى اليمين محراب وإلى اليسار يوجد محراب. هناك صندوق جداري محاط بشباك من الفضة. كان هذا المكان يضم رأس الحسينعليه‌السلام . وكتابة هذا نصها : مرقد رأس سيدنا الإمام أبي عبد الله الحسين رضي الله تعالى عنه.

٢ ـ مرقد السيدة رقيةعليها‌السلام

٧٤٩ ـ مرقد السيدة رقيّة بنت الحسينعليه‌السلام :

(مجلة الحوليات الأثرية العربية السورية ـ المجلد ٣٥ لعام ١٩٨٥)

في باب الفراديس مسجد صغير فيه قبّة ، يرجع عهد بنائها إلى العصر الأيوبي ، تضم ضريحا عليه قفص معدني جميل ، يعتقد الناس بأن هذا القبر للسيدة رقية. وقد ذكر بعض المؤرخين أنها دفنت في مسجد الرأس الّذي يطلق عليه اسم مشهد السيدة رقيةعليه‌السلام .

وقد كتبت رخامة على باب مرقد رقيةعليه‌السلام من شعر العلامة السيد محسن الأمين وتأريخه ، وهي :

تمسّك بالولاء لآل طه

بحبهم غدا في الحشر تسعد

وهذا باب حطّة فادخلوه

وأنتم ركّع لله سجّد

لأسنى بقعة طهرت وطابت

بأزكى حضرة وبخير مرقد

فزرها واستجر واسأل ففيها

يماط الذنب والحسنات تصعد

وقد أرّختها : تزهو سناء

بقبر رقية من آل أحمد

(أقول) : لقد حصل خلط في اسم (رقية) نزيلة هذا المرقد الشريف ، فقد كانت فوق باب مشهدها رخامة رأيتها مكتوب عليها : مرقد السيدة رقية بنت الإمام علي بن

٦١٧

أبي طالبعليه‌السلام . وهذا خطأ ، لأن رقية المدفونة في هذا المشهد هي طفلة صغيرة ، وهي بنت الإمام الحسينعليه‌السلام التي توفيت في الخربة حين إقامتها مع السبايا ، فدفنت في مكان وفاتها.

وأما رقية الكبرى بنت الإمام عليعليه‌السلام فكانت زوجة لمسلم بن عقيلعليه‌السلام وقد حضرت كربلاء مع أولادها منه وهم : عبد الله وعلي ومحمد. وكانت مع السبايا ، ثم رجعت إلى المدينة المنورة ، ولم يذكر أحد أنها رجعت إلى دمشق أو توفيت فيها.

٧٥٠ ـ ما كتب على جدار مسجد السيدة رقيةعليها‌السلام :

(ثمار المقاصد في ذكر المساجد ليوسف بن عبد الهادي ، ص ٢٢٩)

قال يوسف بن عبد الهادي : كانت في مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام لوحة حجرية إلى جانب المحراب كتب عليها : قد صار التوفيق لجناب الميرزا بابا المستوفي الكيلاني في عمارة البقعة المشهورة بمقام ستّنا رقية بنت سيدنا علي ، وموضع رأس الحسينعليه‌السلام .

وعلى لوحة أخرى مكتوب :

هذا المكان المبارك فيه مدفون كامل السلطان الشهيد الغازي المجاهد المرابط في سبيل الله ، الملك الكامل ناصر الدين محمّد بن جمال الدين صاحب ساقان قنبر دفن في هذا المشهد الحسيني بباب الفراديس في ٢٧ رمضان سنة ٨٠٨ ه‍.

وفي المصدر السابق ص ٨٧ قال : مسجد عند باب المسجد الجامع يعرف بمسجد الرأس ، فيه قناة [أي ماء] ، يقال : إن فيه رأس الحسينعليه‌السلام ، وضع فيه حين أتي به إلى دمشق.

وفي حاشية ص ٩٩ قال : عن مسجد الرأس قال ابن كثير في (البداية) ج ١٣ ص ٦٥٧ :

في سنة ٦٥٧ ه‍ قتل هولاكو الملك الكامل بن الغازي بن العادل (صاحب ميّافارقين) ، وطيف برأسه في البلاد ، ودخلوا به دمشق ، فنصب على باب الفراديس البراني ، ثم دفن بمسجد الرأس داخل باب الفراديس الجواني ، في المحراب في أصل الجدار. فنظم أبو شامة في ذلك قصيدة يذكر فيها فضله وجهاده ، وشبّهه بالحسينعليه‌السلام ، في قتله مظلوما ، ودفن رأسه عند رأسه.

٦١٨

٧٥١ ـ الكامل صاحب ميّافارقين :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ج ٥ ص ٢٩٥)

مرّ آنفا ذكر الكامل ، وهو الملك الكامل ناصر الدين محمّد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل ، صاحب ميّافارقين ، التي كانت أشهر مدينة (بقصبة) ديار بكر ، عند منابع دجلة ، شرق (آمد) وشمال ماردين. ملك سنة ٦٤٥ ه‍ ، وكان عالما فاضلا شجاعا محسنا إلى الرعية ، ذا عبادة وورع ، ولم يكن في بيته من يضاهيه.

حاصرته التتار عشرين شهرا ، حتى فني أهل البلد بالوباء والقحط. ثم دخلوا وأسروه ، فضرب هولاكو عنقه بعد أخذه حلب ، وطيف برأسه ، ثم علق [بدمشق] على باب الفراديس ، ثم دفنه المسلمون بمسجد الرأس داخل الباب.

وقد ذكر أبو شامة قصة هذا البطل الصامد [الكامل] في كتابه (ذيل الروضتين).وأبو شامة عالم مؤرخ عاصر الكامل ، وكانت نهايته أن دخل عليه جماعة بداره بطواحين الأشنان [ركن الدين] فضربوه حتى قتلوه ، ودفن بمقابر باب الفراديس [الدحداح] واسمه: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي الشافعي [٥٩٩ ـ ٦٦٥ ه‍ ـ ١٢٠٢ ـ ١٢٦٧ م].

ـ وفاة الملك الكامل بن غازي :

(تراجم رجال القرنين السادس والسابع ، المعروف بذيل الروضتين للحافظ شهاب الدين أبي شامة الدمشقي ، ص ٢٠٥)

يقول أبو شامة : وفي يوم الاثنين ٢٧ جمادى الأولى سنة ٦٥٨ ه‍ [١٢٦٠ م] طيف بدمشق برأس مقطوع ، مرفوع على رمح قصير معلق بشعره فوق قطعة شبكة ، زعموا أنه رأس الكامل محمّد بن شهاب الدين غازي بن العادل ، صاحب ميافارقين ، الّذي دام التتار على حصاره أكثر من سنة ونصف ، ولم يزل ظاهرا عليهم إلى أن فني أهل البلد لفناء زادهم.

وبلغني أنه دخل عليه البلد ، فوجد مع من بقي من أصحابه موتى أو مرضى ، فقطع رأسه وحمل إلى البلاد ، فطيف به بدمشق ، ثم علّق على باب الفراديس الخارج.يقول أبو شامة يصف ذلك :

ابن غازي غزا وجاهد في الل

ه جيوشا قد أثخنوا المشرقين

٦١٩

ظاهرا غالبا ومات شهيدا

بعد صبر عليهم عامين

لم يشنه أن طيف بالرأس منه

فله أسوة برأس الحسين

وافق السبط في الشهادة والحم

ل ، لقد حاز أجره مرّتين

جمع الله حسن دين الشهيدي

ن على قبح ذينك الفعلين

ثم واروا في مشهد الرأس ذاك ال

رأس فاستعجبوا من الحالتين

وارتجوا أنه سيحيى لدى البع

ث رفيق الحسين في الحسنيين

ثم وقع من الاتفاق العجيب أن دفن في مسجد الرأس داخل باب الفراديس ، شرقي المحراب في أصل الجدار. وغربي المحراب طاقة يقال إن رأس الحسينعليه‌السلام دفن بها.

عود إلى رقيةعليها‌السلام

٧٥٢ ـ قصة إصلاح قبر السيدة رقيّةعليها‌السلام :

هذه القصة ثابتة واقعيا ، وإن اختلفت قليلا في التفاصيل ، وسوف أعرض أربع روايات لها ، أبدؤها برواية الشبلنجي في (نور الأبصار) ص ١٧٦ ، وهي :

الرواية الأولى :

كانت للإمام عليعليه‌السلام بنتان باسم رقية ، إحداهما من فاطمةعليه‌السلام والأخرى من الصهباء التغلبية [أقول : الصحيح أن الأولى رقية الكبرى أمها الصهباء ، والثانية رقية الصغرى أمها أم ولد. وليست لفاطمة الزهراءعليه‌السلام بنت باسم رقية ، والتي حضرت كربلاء هي الأولى].

وبعد أن ذكر الشبلنجي أن رقية بنت الإمام عليعليه‌السلام مدفونة في القاهرة ، قال :وقد أخبرني بعض الشوام ، أن للسيدة رقية بنت الإمام عليعليه‌السلام ضريحا بدمشق الشام ، وأن جدران قبرها كانت قد تعيّبت ، فأرادوا إخراجها منه لتجديده ، فلم يتجاسر أحد أن ينزله من الهيبة. فحضر شخص من أهل البيت يدعى السيد ابن مرتضى [ولم يذكر اسمه] فنزل في قبرها ، ووضع عليها ثوبا لفّها فيه وأخرجها ، فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ.

وزاد المازندراني في (معالي السبطين) ج ٢ ص ١٠١ قوله : وكان متنها مجروحا من كثرة الضرب. وهذه القصة تدور كثيرا على ألسنة الناس في دمشق.

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800