موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493917 / تحميل: 5854
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

« من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي » .

رواه الدارقطني عن أبي عبيد، والقاضي أبي عبدالله، وابن مخلّد، قالوا: ثنا محمد بن الوليد البسري، ثنا وكيع، ثنا خالد بن أبي خالد وأبو عون، عن الشعبي والأسود بن ميمون، عن هارون بن قزعة، عن رجل من آل حاطب، عن حاطب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بُعثَ من الآمنين يوم القيامة » (1) .

وهكذا رواه البيهقي في ( السنن ) و ( شعب الإيمان ) والشوكاني في ( نيل الأوطار ) (2) .

وقد جاء الحديث بهذا الإسناد المضاعف في كثير من مراتبه، معرّفاً بالرجل من آل حاطب، أخرجه ابن عساكر بالإسناد نفسه: ثنا وكيع بن الجراح، عن خالد وابن عون، عن هارون بن قزعة مولىٰ حاطب، عن حاطب (3) .

وعن هذا الحديث قال الذهبي: إنّه أجود أحاديث الزيارة إسناداً. وأقرّه السخاوي في « المقاصد الحسنة » والسيوطي في « الدرر المُنتثرة » (4) .

والثاني: حديث الإمام علي عليه‌السلام أيضاً: أخرجه أبو الحسين يحيىٰ بن الحسن ابن جعفر الحسيني في كتاب « أخبار المدينة » قال: ثنا محمد بن إسماعيل، حدَّثني أبو أحمد الهمداني، ثنا النعمان بن شبل، ثنا محمد بن الفضل سنة ست وسبعين، عن جابر، عن محمد بن علي، عن علي عليه‌السلام ، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من زار

_________________________________

(1) سنن الدارقطني 2: 287 / 193.

(2) السنن الكبرىٰ 5: 245، شعب الإيمان 3: 488، نيل الأوطار 5: 108.

(3) مختصر تاريخ دمشق / ابن منظور 2: 406.

(4) المقاصد الحسنة: 413، الدرر المُنتثرة: 173، شفاء السقام الطبعة الرابعة المحقّقة: 103 هامش 3.

٤١

قبري بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي، ومن لم يزرني فكأنّما جفاني » (1) .

فالحديث شاهد قوي للأول، وإنّما جاءه ضعف الإسناد من النعمان ابن شبل.

الثالث: حديث أبي هريرة: عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حي، ومن زارني كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة » (2) .

وفي الباب ما أخرجه أبو داود بإسناده عن سوار بن ميمون، عن رجل من آل عمر، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: « من زار قبري » أو قال: « من زارني كنت له شفيعاً » أو قال: « شهيداً » الحديث (3) .

وأخرجه الدارقطني والبيهقي أيضاً (4) .

وسوار بن ميمون روىٰ عنه شعبة، ورواية شعبة عنه دليل علىٰ وثاقته عنده، كما هو الأصل عند شعبة.

بقي الكلام في جهالة « رجل من آل عمر » والأمر فيه - كما يقول السبكي - قريب، لا سيما في هذه الطبقة التي هي طبقة التابعين (5) .

ومن طريق آخر: ثنا هارون بن قزعة، عن رجل من آل الخطاب، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة » .

أخرجه البيهقي في « شعب الإيمان » والعقيلي في « الضعفاء الكبير ».

_________________________________

(1) عن شفاء السقام: 39 الحديث الرابع عشر، وأخرجه عبدالملك النيسابوري الخركوشي في شرف المصطفىٰ: 421 و 466.

(2) شفاء السقام: 35 - 36 الحديث العاشر.

(3) سنن أبي داود 1: 12.

(4) سنن الدارقطني 2: 278 / 193، السنن الكبرىٰ / البيهقي 5: 245.

(5) شفاء السقام: 30.

٤٢

وهارون بن قزعة ذكره ابن حبان في الثقات (1) . وحين ذكره العقيلي في الضعفاء لم يزد عن أن نقل فيه قول البخاري: لا يتابع عليه (2) .

وقد قيل إنّ في هذا الإسناد تصحيفاً، فهو « رجل من آل حاطب » (3) . كالذي أوردناه أولاً عن الدارقطني من رواية هارون بن قزعة نفسه عن رجل من آل حاطب، عن حاطب.

الحديث الثالث:

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً » .

من حديث أنس بن مالك، أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي وابن الجوزي والشوكاني وغيرهم.

قال ابن أبي الدنيا: حدّثني سعيد بن عثمان الجرجاني، ثنا محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك، أخبرني أبو المثنىٰ سليمان بن يزيد الكعبي، عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة » وفي رواية: « كنت له شهيداً » أو قال: « شفيعاً » .

نقل ابن الجوزي حديث ابن أبي الدنيا هذا في كتابه « مثير العزم الساكن إلىٰ أشرف الأماكن » ومن خطه نقله السبكي (4) .

_________________________________

(1) الثقات / ابن حبان 7: 580.

(2) الضعفاء الكبير 4: 361 رقم 1973.

(3) انظر: شفاء السقام: 32.

(4) شفاء السقام: 36 - 37 - الحديث الحادي عشر.

٤٣

وأخرجه البيهقي بإسناده ويلتقي مع الأول في إسماعيل بن أبي فديك، عن سليمان بن يزيد الكعبي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من مات في أحد الحرمين بُعثَ من الآمنين يوم القيامة، ومن زارني محتسباً إلىٰ المدينة كان في جواري يوم القيامة » (1) .

وللحديث إسناد آخر، فيه: أبو عوانة موسىٰ بن يوسف القطّان، ثنا عباد بن موسىٰ الختلي، ثنا ابن أبي فديك، عن سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك، مطابقاً للنصّ الأول.

فدارت الطرق الثلاثة علىٰ ابن أبي فديك، وسليمان بن يزيد الكعبي، فأمّا سليمان الكعبي، وهو التابعي الراوي عن أنس، فقد طعن عليه أبو حاتم الرازي، فقال: منكر الحديث، ليس بقويّ، غير أن ابن حبان ذكره في الثقات (2) .

وأمّا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك فهو مجمع علىٰ وثاقته (3) .

ومن هنا فإنّ هذا الحديث لا يهبط عن درجة الحسن الغريب.

وله بعد ذلك شواهد، منها:

1 - حديث الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام بإسناده، قال: قال رسول الله عليه‌السلام : « من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة » (4) .

2 - حديث ابن عبّاس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « من زارني في مماتي كان كمن زارني

_________________________________

(1) شعب الإيمان 3: 490 / 4158. ونيل الأوطار / الشوكاني 5: 109، والتاج الجامع للاَصول 2: 190.

(2) الثقات / ابن حبّان 6 / 395.

(3) روىٰ عنه الشافعي وأحمد والحميدي وغيرهم من هذه الطبقة، وأخرج حديثه الستة. ( تهذيب التهذيب 9: 52 / 62 ).

(4) الكافي / الكليني 4: 548 / 3 كتاب الحج، أبواب الزيارات، باب زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤٤

في حياتي، ومن زارني حتىٰ ينتهي إلىٰ قبري كنت له يوم القيامة شهيداً - أو قال - شفيعاً » ، أخرجه العقيلي (1) .

3 - حديث ابن عمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « من زارني إلىٰ المدينة كنت له شهيداً - أو - شفيعاً » . أخرجه الدارقطني في السنن (2) .

الحديث الرابع:

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من حجّ فزار قبري بعد وفاتي، فكأنّما زارني في حياتي » . أخرجه الدارقطني في « السنن » من حديث مجاهد عن ابن عمر (3) ، وبالإسناد نفسه أخرجه: البيهقي والطبراني، وأبو يعلىٰ، وابن عساكر، والشوكاني (4) ، كلُّهم بالإسناد عن: أبي الربيع الزهراني، عن حفص بن أبي داود، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وليس في أحد من رجال إسناد هذا الحديث من كلام، فأمّا حفص بن أبي داود، وهو حفص بن سليمان القارىء صاحب القراءة المعتمدة عند سائر المسلمين، والمعروفة بـ « قراءة حفص عن عاصم » فهو أخص الناس بعاصم بن أبي النجود شيخ أصحاب القراءات.

وقد مال بعض أهل الجرح والتعديل إلىٰ تضعيف عاصم في الرواية، وهو أمر

_________________________________

(1) الضعفاء الكبير / العقيلي 3: 457.

(2) سنن الدارقطني 2: 278 / 194.

(3) سنن الدارقطني 2: 278 / 192.

(4) السنن الكبرىٰ / البيهقي 5: 246، المعجم الكبير 12: 310 / 13497، مختصر تاريخ دمشق 2: 406، نيل الأوطار 5: 108.

٤٥

مستغرب، إذ كيف اعتمدوا بكل اطمئنان وبالإجماع، راويته لقراءة القرآن كلّه عن عاصم، ثمَّ يعدّونه في الضعفاء في رواية الحديث؟!

فقد ذكره ابن عدي في الضعفاء، قال البيهقي بعد أن أخرج الحديث: تفرّد به عاصم، وهو ضعيف.

وضعّفه ابن حبّان أيضاً (1) .

وهنا مسألتان:

الأولىٰ: إنّ الضعف المنسوب إلىٰ حفص بن سليمان لا يتجاوز حدود الضبط، أو الرواية عن الضعفاء، لكنه قد أسند هذا الحديث إلىٰ ثقات مجمع علىٰ وثاقتهم عند أهل الجرح والتعديل: ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر. وبه تزول الشبهة الثانية، أمّا الأولىٰ فإنّها مهما بلغت فلا تصل إلىٰ درجة الكذب والوضع، كيف وقد أجمعوا علىٰ قبول روايته قراءة عاصم وأطبقت عليه الأمّة؟

والمسألة الثانية: إنّ ابن حبّان ذكر رجلين باسم حفص بن سليمان، أحدهما المقرىء وهو هذا، والآخر حفص بن سليمان، وهو ابن أبي داود المذكور في الأسناد، وهو ثقة ثبت.

قال السبكي: فإن صحّ مقتضىٰ كلام ابن حبّان زال الضعف المذكور (2) .

ثمَّ إنّ هذا التضعيف الوارد في حفص المقرىء مردود مرّةً أخرىٰ، بغير الإجماع علىٰ أخذ قراءته، فقد دفع عنه الضعف أحمد بن حنبل في روايتين عنه:

- قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن حفص بن سليمان المنقري - وهو

_________________________________

(1) الكامل في الضعفاء 3: 789 - 790، السنن الكبرىٰ 5: 246، المجروحين / ابن حبّان 2: 250.

(2) شفاء السقام: 24 - 25.

٤٦

المقرىء - فقال: هو صالح.

- وقال حنبل بن إسحاق: قال أبو عبدالله ( أحمد بن حنبل ): ما كان بحفص بن سليمان المنقري بأس (1) .

وللحديث متابعات:

لم يتفرّد حفص بهذا الحديث كما وهمه البيهقي، فقد ورد الحديث عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد عن ابن عمر من طريق آخر عن سبط ليث بن أبي سليم وزوجته: قال سبطه الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم: حدّثتني جدّتي عائشة بنت يونس امرأة الليث، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي » (2) .

وبهذه الرواية يزول كل ضعف ينسب إلىٰ الحديث، والاختلاف الوارد في اللفظ بين: « من حجّ فزار قبري » كما في رواية حفص، وبين « من زار قبري » لا تمس في دلالة الحديث علىٰ استحباب زيارة قبره الشريف وفضيلتها، والنص بعدها متطابق تماماً.

وللحديث شواهد، منها:

1 - حديث النعمان بن شبل، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني » ، ذكره ابن عدي وقال: لا

_________________________________

(1) شفاء السقام: 25.

(2) أخرجه: الطبراني في المعجم الكبير 12: 406 / 13496، وفي حاشية أخرجه المحقق عن المعجم الأوسط أيضاً: 1: 201 / 157.

٤٧

أعلم رواه عن مالك غير النعمان بن شبل، ولم أرَ في أحاديثه ( يعني عن مالك ) حديثاً غريباً قد جاوز الحد فأذكره (1) .

وأخرجه الدارقطني في ( أحاديث مالك بن أنس الغرائب التي ليست في الموطّأ ) وهو كتاب ضخم (2) .

وهكذا تتعاضد الأحاديث، وفيها صحاح وحسان بملاحظة المتابعات والشواهد، في الدلالة علىٰ استحباب زيارة قبر سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلىٰ ما فيها من فضل كبير.

2 - حديث الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : رواه الكليني، عن علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبي حجر الأسلمي، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أتىٰ مكة حاجّاً ولم يزرني إلىٰ المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة، ومن مات في أحد الحرمين، مكة والمدينة (3) ، لم يعرض ولم يحاسَب، ومن مات مهاجراً إلىٰ الله عزّوجل حُشر يوم القيامة مع أصحاب بدر » (4) .

وعنه روىٰ الشيخ الطوسي في ( التهذيب ) شطر الحديث، بالإسناد نفسه عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أتىٰ مكة حاجّاً ولم يزرني في المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت

_________________________________

(1) الكامل لابن عدي: 7 رقم 2480 ترجمة النعمان بن شبل.

(2) شفاء السقام: 27 - 28 الحديث الخامس.

(3) أي وهو يؤدّي مناسك الحجّ قربة إلىٰ الله تعالىٰ.

(4) الكافي / الكليني 4: 348 / 5.

٤٨

له شفاعتي وجبت له الجنّة » (1) .

وروىٰ الطوسي متابعاً له: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبان، عن السندي، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال: قال رسول الله عليه‌السلام : « من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة » (2) .

في حديث أهل البيت عليهم‌السلام

بعد أن قرأنا جملةً من الحديث النبوي الشريف في زيارة القبر الشريف، نقرأ في حديث أهل البيت عليهم‌السلام بعض ما جاء في زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ بعض ما جاء في زيارتهم عليهم‌السلام .

أوّلاً: في زيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة:

1 - حديث الإمام عليٍّ عليه‌السلام :

قال الإمام علي عليه‌السلام : « من زار قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في جواره » (3) .

- وفي حديث مرفوع إلىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يشهد لهذا الحديث ويوافقه:

رواه الشيخ الطوسي، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيىٰ، عن سلمة، عن علي بن سيف بن عميرة، عن طفيل بن مالك النخعي، عن إبراهيم بن أبي يحيىٰ، عن صفوان بن سليمان، عن أبيه، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « من زارني في حياتي

_________________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 4 / 5.

(2) تهذيب الأحكام 6: 4 / 4.

(3) نيل الأوطار / الشوكاني 5: 109، مختصر تاريخ دمشق / ابن منظور 2: 406.

٤٩

وبعد موتي، كان في جواري يوم القيامة » (1) .

2 - حديث الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام :

رواه الشيخ الطوسي بالإسناد عن الحسن بن الجهم، عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام قال: « جاء الإمام الصادق عليه‌السلام يوم عيد الفطر إلىٰ قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسلم عليه، ثمَّ قال: قد فَضَلْنا الناس اليوم بسلامنا علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (2) .

3 - وحديثه عليه‌السلام : « مرّوا بالمدينة فسلِّموا علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قريب، وإن كانت الصلاة تبلغه من بعيد » (3) .

4 - وحديثه عليه‌السلام : « صلّوا إلىٰ جانب قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كانت صلاة المؤمنين تبلغه أينما كانوا » (4) .

وقوله عليه‌السلام في أول الحديث: « صلّوا » يريد الصلاة علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بقرينة ما بعدها.

5 - حديث الإمام الكاظم عليه‌السلام :

رواه الشيخ الطوسي مسنداً، قال: أتىٰ هارون المدينة المنورة ومعه عيسى بن

_________________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 3 / 2.

(2) تهذيب الأحكام 6: 17 - 18 / 19.

(3) الكافي 4: 553 / 7، تهذيب الأحكام 6: 7 / 4.

(4) الكافي 4: 552 / 5.

٥٠

جعفر، فاستدعىٰ الإمام موسىٰ الكاظم لصحبته، فقصدوا قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقدم هارون فسلّم عليه وقال: « السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا ابن عمّ » فتقدم الإمام الكاظم فقال: « السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبه، أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى ٰ بك أن يصلّي عليك » فقال هارون لعيسىٰ: سمعتَ ما قال! قال: نعم، قال هارون: أشهد أنّه أبوه حقّاً (1) .

6 - حديث الإمام الجواد عليه‌السلام :

قال الشيخ الطوسي: محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيىٰ العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عمن زار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاصداً، قال: « له الجنّة » (2) .

وسيأتي في « آداب الزيارة » عنهم عليهم‌السلام ما يستدل به أيضاً علىٰ استحباب زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحثهم عليها وتذكيرهم بفضيلتها.

ثانياً: في زيارة مراقدهم عليهم‌السلام :

في حديث أهل البيت عليهم‌السلام من الحث علىٰ زيارة مراقدهم والترغيب فيها والتذكير بحكمتها وعوائدها ما يغني المحتاج، وهذه طائفة منتخبة منها:

1 - من حديث الإمام علي عليه‌السلام : رواه الشيخ الطوسي عن محمد بن أحمد بن داود،

_________________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 6 / 3، تاريخ بغداد 13: 31، وفيات الأعيان 5: 309، سير أعلام النبلاء 6: 273.

(2) تهذيب الأحكام 6: 14 / 9.

٥١

عن محمد بن علي بن الفضل، قال: أخبرني الحسين بن محمد الفرزدق، قال: حدَّثنا علي بن موسىٰ بن الأحول، قال: حدَّثنا محمد بن أبي السري إملاءً، قال: حدَّثني عبدالله بن محمد البلوي، قال: حدَّثني عمارة بن زيد، عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز، قال: أتيت أبا عبدالله جعفر بن محمد عليه‌السلام فقلت له: يا ابن رسول الله ما لمن زار قبر أمير المؤمنين وعمَّر تربته؟

قال: « يا أبا عامر، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي عليه‌السلام : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له: والله لتقتلنّ بأرض العراق وتدفن بها، فقلت: يا رسول الله، ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن، إنّ الله جعل قبرك وقبر وُلدِك بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وانّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ إليكم، وتحتمل المذلّة والأذى ٰ فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلىٰ الله، [ و ] مودّةً منهم لرسوله، أولئك - يا علي - المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنّة... » الحديث (1) .

ولعل في هذا الإسناد ضعف من جهة البلوي وعمارة بن زيد، ولكن في الأحاديث التالية ما يعضده ويقويه..

2 - من حديث الإمام الحسن السبط عليه‌السلام : عن سعد بن عبدالله الأشعري، عن أحمد ابن محمد بن عيسىٰ، عن محمد بن خالد البرقي، عن القاسم بن يحيىٰ، عن جدّه الحسن بن راشد، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام ، قال: « بينا الحسن بن علي عليه‌السلام في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ رفع رأسه فقال: يا

_________________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 22 / 7.

٥٢

أبه، ما لمن زارك بعد موتك؟ فقال: يا بني، من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومن أتىٰ أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتىٰ أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة » (1) .

وفي إسناد هذا الحديث ثلاثة هم من كبار أئمة الحديث وحفاظه ونقاده: الأول طرف الإسناد الأقصى، عبدالله بن سنان، والثاني والثالث، هما طرفه الأدنى، سعد ابن عبدالله الأشعري، وأحمد بن محمد بن عيسىٰ.

وأمّا ما جاء في تضعيف محمد بن خالد البرقي، فليس بقادح فيه بعد العلم بما أقرّوا به من منزلة البرقي في العلم والأدب والمعرفة بالأخبار وعلوم العرب (2) ، هذا أولاً، وثانياً بعد معرفة أنّ أحمد بن محمد بن عيسىٰ لا يروي عن رجل متهم، ولا يتساهل في الرواية عن الضعفاء والمتهمين، فكان لا يروي إلّا عمّن يعتقد وثاقته. وهو يعدّ شيخ القميين ووجههم وفقيههم، غير مدافع (3) .

ومن أجل هذا أيضاً يشفع الضعف المروي في الحسن بن راشد (4) .

وبعد هذا فالحديث مشفوع بالحديث الآتي أيضاً، وهو مطابق له متناً.

3 - من حديث الإمام الحسين السبط عليه‌السلام : محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن الحسن الكوفي، قال: حدَّثنا محمد بن علي بن معمر، قال: حدّثنا محمد بن مسعدة، قال: حدّثني عبدالرحمن بن أبي نجران، عن علي بن شعيب، عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام ، قال: « بينا الحسين عليه‌السلام قاعدٌ في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

_________________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 20 / 1، و 40 / 1.

(2) انظر: رجال النجاشي: 335 / رقم 898.

(3) انظر: رجال النجاشي: 81 - 82 رقم 198.

(4) رجال النجاشي: 38 رقم 76.

٥٣

ذات يوم، إذ رفع رأسه إليه فقال: يا أبه، قال: لبيك يا بني، قال: ما لمن أتاك بعد وفاتك زائراً لا يريد إلّا زيارتك؟ قال: يا بني، من أتاني بعد وفاتي زائراً لا يريد إلّا زيارتي فله الجنّة، ومن أتىٰ أباك بعد وفاته زائراً لا يريد إلّا زيارته فله الجنّة، ومن أتىٰ أخاك بعد وفاته زائراً لا يريد إلّا زيارته فله الجنّة، ومن أتاك بعد وفاتك زائراً لا يريد إلّا زيارتك فله الجنّة » (1) .

4 - من حديث الإمام الباقر عليه‌السلام : محمد بن أحمد بن داود، عن الحسن بن محمد بن أحمد بن الوليد، قال: حدّثنا الحسن بن متيل الدقاق وغيره من الشيوخ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدّثني الحسن بن علي بن فضّال، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال: « مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق، ويمد في العمر، ويدفع مدافع السوء. وإتيانه مفترض علىٰ كل مؤمن يقرّ له بالإمامة من الله » (2) .

5 - من حديث الإمام الصادق عليه‌السلام : محمد بن أحمد بن داود، عن الحسن بن محمد ابن علان، عن حميد بن زياد، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يزيد، عن علي ابن الحسن، عن عبدالرحمن بن كثير، قال: قال أبو عبدالله عليه‌السلام : « لو أن أحدكم حجّ دهره ثمَّ لم يزر الحسين بن علي عليهما‌السلام لكان تاركاً حقّاً من حقوق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ حق الحسين عليه‌السلام فريضة من الله تعالىٰ واجبة علىٰ

_________________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 21 / 5، و 40 / 2.

(2) تهذيب الأحكام 6: 42 / 1.

٥٤

كل مسلم » (1) .

ولا ريب في أن تكون لزيارة الإمام الحسين عليه‌السلام مثل هذه المزية، ذلك أنّ للحسين عليه‌السلام خصوصية فريدة، في دوره الفريد في تاريخ الإسلام، فلقد كان في حركته العظمىٰ من أجل إحياء الدين وكشف أسطورة السلاطين العابثين، تجسيداً حياً للفاروق الأعظم الذي لم يدع برزخاً بين الولاء الحق لرسالة السماء الصافية، وبين التحايل علىٰ الدين لدىٰ طائفة الحكام وحواشيهم، والذل والخنوع والرضا بالدون لدى سائر الناس.. لذا فإنّ زيارته التي تستحضر هذا البعد الأساس، هي مصداق الولاء لله ولرسوله ولأوليائه ولدينه الحنيف، من ناحية، ومصداق البراءة من سلاطين الجور وشياطين الأنس من ناحية أخرىٰ.

ومن هنا أكثر أئمة أهل البيت عليهم‌السلام من الحث علىٰ زيارته، وافرادها بفضائل خاصة قد لا نجد نظيرها في ما ورد في زيارة غيره من الأئمة عليهم‌السلام (2) .

ونجد البعد الأساس في الزيارة المتمثل في الاعتراف بالحق وتجديد العهد وأداء الأمانة، صريحاً في حديث الإمام الرضا عليه‌السلام الآتي:

6 - من حديث الإمام علي بن موسىٰ الرضا عليه‌السلام : محمد بن أحمد بن داود، عن أبيه، قال: حدّثنا محمد بن السندي، عن أحمد بن إدريس، عن علي بن الحسين النيسابوري، عن عبدالله بن موسىٰ، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول: « إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائهم وشيعتهم، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء، زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة

_________________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 42 / 2.

(2) انظر: تهذيب الأحكام 6: 42 - 52 باب 16.

٥٥

في زيارتهم وتصديقاً لما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة » (1) .

هذه هي فلسفة الزيارة في أوجز عبارة.

_________________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 78 - 79.

٥٦

الفصل الثالث

الزيارة في تراث السلف

إذا كانت مفردة « السلف » تتسع لأجيال عديدة، بل هي لغوياً تمتد منذ جيل الآباء صعوداً حتىٰ عهد الرسالة، فإنّنا نقتصر منها هنا علىٰ الطبقات العليا، وتحديداً حتىٰ منتصف القرن الثالث، لتشمل عهد الرسالة وعهود الصحابة وأئمة أهل البيت عليهم‌السلام والتابعين وأئمة الحديث والفقه انتهاءً بأئمة المذاهب الأربعة. هذه الطبقات التي عاصرت السنن رواية وتدويناً وأسست للفقه وسائر علوم الدين، وإليها ينتهي احتجاج المسلمين بطوائفهم كافة، لنرىٰ كيف كانت زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور الأولياء والصالحين تمثل جزءاً من ثقافة الأمّة الأصيلة علىٰ امتداد تلك الطبقات. وليس غرضنا فيه الاستقصاء، بل الاكتفاء بما فيه إثبات المطلوب.

وقبر حمزة كان مزاراً للصالحين من الصحابة والتابعين.. وقبر الكاظم موسىٰ مقصداً لمن أدرك وفاته وعاش بعده.. وقبر الرضا علي بن موسىٰ كان ملاذاً لأهل العلم والصالحين مذ كان القبر.. كل ذلك سنقرأه لاحقاً.. ونقرأ أنّ قبر أبي حنيفة كان ملاذاً للشافعي، يأتيه كل يوم، داعياً ومستشفعاً ومتوسّلاً.. وأنّ

٥٧

قبر معروف الكرخي ( المتوفى 200 هـ ) كان عندهم ( الترياق المجرّب ) يقصده المحتاج والمكروب من كل مكان.

ونقرأ عند الغزالي والنووي والفاخوري وآخرين: أنّ الزائر حين يودّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويفرغ من زيارته، يستحب له أن يخرج كل يوم إلىٰ البقيع، ويخصّ يوم الجمعة، يأتي المشاهد والمزارات، فيزور العباس، ومعه الحسن بن علي، وزين العابدين، وابنه محمد الباقر، وابنه جعفر الصادق، ويزور أمير المؤمنين عثمان، وقبر إبراهيم ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجماعة من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعمته صفية، وكثيراً من الصحابة والتابعين..

ويقول: سلام عليكم بما صبرتم، فنعمىٰ عقبىٰ الدار، سلام عليكم، دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون.

ويقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص.

أو يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون.. اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنَّا بعدهم، واغفر لنا ولهم (1) .

والآن إلىٰ نماذج من فعل السلف في طبقاتهم الأولىٰ:

أولاً - في عهد الصحابة:

1 - الزهراء البتول عليها‌السلام تزور قبر أبيها المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

من حديث الإمام علي عليه‌السلام : « لمّا رُمِس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جاءت فاطمة،

_________________________________

(1) الغدير / الأميني 5: 233 - 234 - تحقيق مركز الغدير - عن ( وفاء الوفاء ) للسمهودي 4: 1410.

٥٨

فوقفت علىٰ قبره، وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعته علىٰ عينيها، وبكت، وأنشأت تقول:

ماذا علىٰ مَن شمَّ تربةَ أحمـدٍ

أن لا يشُمَّ مـدىٰ الزمان غواليا

صُبَّت عليَّ مصائـب لو أنّها

صُبَّت علىٰ الأيـام عُدنَ لياليا (1)

2 - أعرابي يزور قبر المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

من حديث علي عليه‌السلام : قدم علينا أعرابي بعد ما دفنّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة أيام، فرمىٰ بنفسه علىٰ قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحثا من ترابه علىٰ رأسه، وقال: يا رسول الله، قلتَ فسمعنا قولك، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك، وكان في ما أُنزل عليك: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) وقد ظلمت نفسي، وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر « قد غُفر لك » (2) .

3 - عمر يزور قبر غريمه

أخرج المحب الطبري حديثاً طويلاً في ما اتفق بالأبواء بين عمر وقد خرج حاجاً في نفر من أصحابه، وبين شيخ استغاث به هناك، فلما انصرف عمر من حجّه ونزل ذلك المنزل، استخبر عن الشيخ، فقيل له إنّه قد مات. فوثب عمر

_________________________________

(1) السيرة النبوية / ابن سيد الناس 2: 432، السيرة النبوية / زيني دحلان 2: 310، إرشاد الساري / القسطلاني 3: 352، أعلام النساء / عمر رضا كحّالة 4: 113.

(2) وفاء الوفا / السمهودي 4: 1399، المواهب اللدنية / القسطلاني 4: 583.

٥٩

مسرعاً، مباعداً بين خطاه، حتىٰ وقف علىٰ قبره، فصلّىٰ عليه، ثمَّ اعتنقه وبكىٰ (1) .

فقد هبَّ عمر مسرعاً لزيارة قبر شخص بعينه، ثمَّ اعتنقه وبكىٰ، أما الصلاة المذكورة فالمراد بها الدعاء، وهو الظاهر، وقد يُراد بها الصلاة علىٰ الميت.

4 - بلال يزور قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أيام عمر

سأل بلالُ عمرَ أن يقرّه بالشام، قال: وأخي أبو رويحة الذي آخىٰ بيني وبينه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففعل ذلك عمر. ثمَّ إنّ بلالاً وهو بالشام رأىٰ في منامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول له: « ما هذه الجفوة يا بلال! أما آن لك أن تزورني يا بلال؟ » فانتبه حزيناً وجلاً، فركب راحلته وقصد المدينة، فأتىٰ قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه. فأقبل الحسن والحسين عليهما‌السلام فجعل يضمّهما ويقبّلهما. فقالا له: نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان بلال قد ترك الأذان بعد وفاة رسول الله، فاستجاب لهما، فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه. فلما أن قال: « الله أكبر، الله أكبر » ارتجت المدينة.. فلما قال: « أشهد أن لا إله إلّا الله »، ازدادت رجّتها بأهلها، فلما أن قال: « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » خرجت حتىٰ العواتق من خدورهن، وقالوا: أبُعِثَ رسول الله؟! فما رئي يوم أكثر باكياً وباكيةً بالمدينة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك اليوم (2) .

ولهذا الخبر إسناد جيد، نذكره لتشكيك منكري شد الرحال للزيارة فيه، اتّباعاً

_________________________________

(1) الرياض النضرة 2: 330.

(2) اُسد الغابة 1: 307 - 308، ترجمة بلال بن رباح، وأخرجه ابن عساكر في ترجمة بلال أيضاً، وفي ترجمة إبراهيم بن محمد الأنصاري، انظر: مختصر تاريخ دمشق 4: 118 و 5: 265، وتهذيب الكمال 4: 289 / 782.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

منه لما فعل بها. وقد أكد الشيخ المفيد أن القصة عارية عن الصحة ، بل هي من نسج الخيال ، وقد حبكت لغرض سياسي بحت ، وهو نفي الخصومة التي كانت بين الإمام علي وزوجته الزهراءعليه‌السلام وبين الشيخين بشأن الخلافة والشورى وغصب فدك وحرق بيت فاطمةعليه‌السلام .

يقول السيد جواد شبّر في (أدب الطف) ص ٧٦ :

وأما الرواية التي تقول إن أم كلثوم قد تزوجها عمر بن الخطاب ، فهي عارية عن الصحة ، كما أكّد الشيخ المفيد. وبيان ذلك أن المؤرخين قد اتفقوا على أن أم كلثوم قد تزوجها عون بن جعفر ، أو أخوه محمّد بن جعفر أولا ثم عون بن جعفر ثانيا.والإتفاق في ذلك عن أئمة الحديث المعتمدين ، كابن حجر في (الإصابة) ، وابن عبد البر في (الاستيعاب) وغيرهما ممن كتب في الصحابة. ويذكرون أن عون بن جعفر تزوج بها بعد عمر بن الخطاب ، مع أن عون قتل يوم (تستر) ١٧ ه‍ في خلافة عمر ، وعمر مات بعد هذه الوقعة بسبع سنين سنة ٢٣ ه‍ ، فكيف تزوج بها عون بعد عمر؟. الصحيح أن عون كان زوجها من البداية إلى النهاية ، وأنه لم يتزوجها غير ابن عمها

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن أم كلثوم كانت أصغر من أختها زينب العقيلةعليه‌السلام ، وقد ولدت العقيلة بعد أخيها الحسينعليه‌السلام بثلاث سنين أي سنة ٨ ه‍ ، وتوفيت أمها الزهراءعليه‌السلام أول سنة ١١ ه‍ ، فتكون ولادة أم كلثوم المتوقعة في سنة ٩ أو ١٠ ه‍. وقد ذكر ابن الأثير في (الكامل) ج ٢ ص ٥٢٧ : أن عمر تزوج بها سنة ١٧ ه‍ ، فيكون عمرها وقتئذ ٨ أو ٧ سنوات ، ويستحيل أن تكون البنت في هذه السن مؤهلة للزواج.

قال ابن الأثير : وفيها [أي سنة ١٧ ه‍] تزوج عمر أم كلثوم بنت علي ابن أبي طالبعليه‌السلام وهي ابنة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودخل بها في ذي القعدة [وعمره ٥٥ سنة].

وظاهر من كلامه أنه دخل بها قبل أن تبلغ ، فكيف يكون ذلك؟.

لهذا قال ابن شهر اشوب في (مناقبه) ج ٣ ص ٨٩ : وذكر أبو محمد النوبختي في كتاب (الإمامة) : أن أم كلثوم كانت صغيرة ، ومات عمر قبل أن يدخل بها.

٦٤١

وقال المفيد : إن الخبر الوارد بالتزويج لم يثبت ، لا سيما وأن الّذي رواه هو الزبير بن بكار ، المتهم بتعصبه ضد أهل البيتعليه‌السلام .

وقد ذكر السيد الأمين في (الأعيان) ج ٣ ص ٤٨٥ طبعة كبيرة : أن وفاة أم كلثوم الكبرى كانت في سلطنة معاوية قبل سنة ٥٤ ه‍ ، ودفنت في المدينة المنورة. فيكون عمرها الشريف حوالي ٤٥ سنة.

٦ ـ مقام فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام

٧٧٣ ـ وصف مسجد مزار السيدة فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام في الستات :

(ثمار المقاصد ليوسف بن عبد الهادي ، ص ٢٥٢)

يقول : في مقبرة الباب الصغير مسجد مزار السيدة فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، تقول العامة إنها فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، والصواب أنها فاطمة بنت أحمد بن الحسين ، كما هو محفور على الضريح.

ومسجدها لطيف ذو قبة مجددة سنة ١٣٣٠ ه‍. وإلى جانب باب المسجد سلّم حجري ينزل منه إلى الضريح الحجري ، المكتوب عليه بالكوفي آية الكرسي ، ثم ما نصه :

(هذا قبر فاطمة بنت أحمد بن الحسين [ابن السبطي] الشهيد ، توفيت رضي الله عنها في مبدأ سنة ٤٣٧ ه‍).

توضيح :

إن ظاهرة النزول إلى قبور أهل البيتعليه‌السلام في الستات بدرج إلى تحت الأرض ، كما هو الأمر في القبرين المنسوبين إلى سكينة وأم كلثومعليه‌السلام وفي هذا القبر ، يمكن تعليلها بأن دمشق القديمة كانت أخفض من وضعها الحاضر ، وقد علا سطحها مع الزمن نتيجة الردم الحادث عن الحروب والزلازل. وقد أثبتت التحريات العمرانية في دمشق القديمة ذلك ، فقد كان القوس الأثري الروماني الّذي اكتشف في حي الأمين ـ طالع الفضة ، منخفضا عن سطح الأرض أكثر من أربعة أمتار ، ثم عمدت مديرية الآثار إلى رفعه إلى سوية الأرض ، للتخلص من المياه التي كانت تتجمع عند قاعدته.

٦٤٢

ترجمة فاطمة الصغرى بنت الحسينعليه‌السلام

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٣٠)

قال الشيخ المفيد في (الإرشاد) ، وابن قتيبة في (المعارف) :

فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، أمها أم اسحق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي. كانت أم إسحق تحت الحسن بن عليعليه‌السلام فولدت له الحسين بن الحسن الملقب بالأثرم ، وأخاه طلحة.

فلما حضرت الوفاة إمامنا الحسنعليه‌السلام ، دعا بأخيه الحسينعليه‌السلام فقال : يا أخي إني أرضى هذه المرأة لك ، فلا تخرجنّها من بيوتكم ، فإذا انقضت عدّتها فتزوجها من نفسك. فلما توفي الحسنعليه‌السلام تزوجها الحسينعليه‌السلام ، فولدت له فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام .

وكانت فاطمة من عقائل قريش ، وهي في الزهد والورع والعبادة في مرتبة عظيمة ، وفي الكرم والسخاء والعطاء في درجة عليّة.

وكانت تشبّه بالحور العين لجمالها ، وكانت شبيهة بجدتها فاطمة الزهراءعليها‌السلام . ولما تزوجها الحسن بن الحسن المثنّى كما ذكرنا سابقا ، ولدت له أربعة : عبد الله وإبراهيم والحسين وزينب.

فلما توفي زوجها ومضت سنة كاملة ، رغب في نكاحها عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وخطبها ، فامتنعت امتناعا شديدا ، حتى ألحّت عليها أم اسحق وحلّفتها في القبول ، فرضيت. وولدت من عبد الله : محمّد الديباج.ثم توفي زوجها.

فلما انقضت عدتها خطبها عبد الرحمن بن ضحاك بن قيس الفهري والي المدينة ، وكان ذلك في خلافة يزيد بن عبد الملك ، فامتنعت فاطمة من ذلك ، وبعثت إليه أن دع التكلم في ذلك فإنه محال. فغضب الوالي وضيّق عليها غاية التضييق ، وأصرّ على ذلك.

قال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ٢٩٠ : فبعثت إلى يزيد ابن عبد الملك تشكوه ، فشقّ على يزيد ذلك ، وغضب وقال : بلغ من أمر

٦٤٣

عبد الرحمن أن يتعرض لبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !. من يسمعني موته وأنا على فراشي هذا؟. ثم بعث إليه من طاف به المدينة في جبة صوف ، ثم عزله وأغرمه أمواله كلها ، ومات فقيرا.

وكانت وفاة فاطمةعليه‌السلام وأختها سكينةعليه‌السلام في سنة واحدة ، وهي سنة ١١٧ ه‍. وفي (تهذيب التهذيب) لابن حجر : أن فاطمةعليه‌السلام قاربت التسعين ، فتكون ولادتها حوالي سنة ٣٠ ه‍ ، وعمرها يوم الطف ما يقرب من ذلك.

وفيه أيضا : أن فاطمةعليه‌السلام روت الحديث عن أبيها وأخيها زين العابدينعليه‌السلام وعمتها زينبعليه‌السلام وابن عباس وأسماء بنت عميس ، وروى عنها أولادها الأربعة من الحسن المثنّى.

٧ ـ مرقد السيدة زينب الكبرىعليه‌السلام

«عقيلة بني هاشم»

كان من نتيجة تعدد اسم زينب في بنات الإمام عليعليه‌السلام أن تشابه الأمر على الرواة والمؤرخين. فبعضهم زعم أن التي بمصر هي زينب العقيلةعليه‌السلام ، وأن التي في جنوب دمشق هي أم كلثوم المكناة بزينب الصغرىعليه‌السلام . ومنهم من قال عكس ذلك.

والصحيح أن من بنات الإمام عليعليه‌السلام الأربع ، اثنتين فقط حضرتا كربلاء هما : زينب الكبرى العقيلةعليه‌السلام ، وأم كلثوم الصغرى التي أمها أم سعيد الثقفية.أما أم كلثوم الكبرى المكناة بزينب الصغرى والتي نسب إلى عمر أنه تزوجها ، فقد توفيت بعد عمر سنة ٥٤ ه‍ وعمرها ٤٥ سنة في سلطنة معاوية ، كما حقق السيد محسن الأمين في (الأعيان). وأما زينب الصغرى التي أمها أم ولد ، فقد توفيت في حياة أبيهاعليه‌السلام .

فتكون زينب المدفونة في (راوية) جنوب دمشق ، هي زينب الكبرى العقيلةعليه‌السلام زوجة عبد الله بن جعفر ، والتي في مصر ـ إن كانت بنت الإمام

٦٤٤

عليعليه‌السلام ـ فهي أم كلثوم الصغرى التي أمها ثقفية. وإذا صحّ أن أم كلثوم الكبرى قد حضرت كربلاء ، فتكون هي التي توفيت في المدينة بعد رجوعها مع السبايا بأشهر. أما التي يزعم أنها مدفونة في مقبرة باب الصغير بدمشق ، فهي ليست أم كلثوم الكبرى المكناة بزينب الصغرى على أي حال من الأحوال.

٧٧٤ ـ زينب مصر :

قال والدي وجيه بيضونرحمه‌الله في مقالة له عن زينب الكبرىعليه‌السلام نشر حديثا في مجلة الموسم ـ العدد ٤ ص ٧٦٨ :

أما زينب العقيلة ، كبرى الزينبات الثلاث ، من بنات الإمام عليعليه‌السلام ، فقد أجمع على أنها دفينة أرض النيل جملة من الرواة ؛ منهم العبيدلي في أخباره ، والحافظ ابن عساكر في تاريخه الكبير ، والمؤرخ ابن طولون الدمشقي في (الرسالة الزينبية).

ومختصر خبرها في خروجها إلى مصر ننقله بإسناده مرفوعا إلى عبد الله بن أبي رافع ، قال : سمعت محمدا أبا القاسم بن علي يقول : لما قدمت زينب بنت عليعليه‌السلام من الشام إلى المدينة مع النساء والصبيان ، وثارت الفتنة بينها وبين عمرو بن سعيد [الأشدق] والي المدينة من قبل يزيد ، كتب إليه يستشيره بنقلها من المدينة ، فجاءه الأمر بذلك ، فجهّزها هي ومن أراد السفر معها من نساء بني هاشم إلى مصر ، فقدمتها لأيام بقين من ذي الحجة. فاستقبلها والي مصر يومئذ مسلمة بن مخلّد الأنصاري في موكب كبير ، وأنزلها في داره بالحمراء. وما لبثت أن أعجلتها منيّتها بعد عام من قدومها ، فدفنت بمحل سكناها.

ويقوم مشهدها لأيامنا جنوبي القاهرة في (قناطر السباع).

مناقشة حول (أخبار الزينبات) للعبيدلي :

(أقول) : أول من ادّعى بأن المشهد الزينبي هو في مصر المؤرخ (العبيدلي).

وقد طبع الأستاذ المصري حسن قاسم كتابا ليحيى بن الحسن العبيدلي [ت ٢٥٧ ه‍] عنوانه (أخبار الزينبيات) ، وهو كتاب صغير جدا يتألف من عدة أوراق نسبت للعبيدلي ، وتشمل عدة روايات ترمي إلى إثبات صحة المقام الزينبي في القاهرة ، وأن زينب العقيلةعليه‌السلام هجّرها والي المدينة إلى مصر ، وبعد سنة توفيت ودفنت هناك في منطقة (قناطر السباع) جنوبي القاهرة.

٦٤٥

ونحن إذا تركنا شكّنا في نسبة هذا الكتاب للعبيدلي ، وتجاوزنا عن عدم وثوقنا بالعبيدلي لتعصبه ، فإننا نرفض ما جاء في كتابه من عدة وجوه :

منها : أنه انفرد في قوله بأن زينب العقيلةعليه‌السلام قد توفيت في القاهرة ، ودفنت هناك في (قناطر السباع) ، مع أن العلماء الذين هم من أهل مصر وأرّخوا لها لم يذكروا ذلك ؛ مثل القضاعي والمقريزي والسيوطي والقاضي العدوي بل إنهم صرّحوا بأنه لم يمت لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ولد لصلبه في مصر. وكذلك الذين زاروا مصر لم يذكروا ذلك ، مثل الرحالة ابن جبير.

ومنها : أن والي المدينة من قبل يزيد وهو عمرو بن سعيد الأشدق ، لم تكن له أية قوة أو سيطرة على المدينة ، لنموّ أثر ابن الزبير فيها ، حتى يخرج زينبعليه‌السلام منها ، والهاشميون يسكتون عن ذلك!.

ومنها : أن زوج العقيلة عبد الله بن جعفر ، كان معها في المدينة ، وكانت له حظوة وكلمة عند الأمويين ، فهل يسمح لهم بتسفير ونفي زوجته إلى مصر لوحدها ، إذ لم يذكر أنه كان معها إلا فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وأختها سكينة ؛ فهذا دونه خرط القتاد.

ومنها : ما ذكر عند وصولها مصر ، أنها نزلت في دار الحمراء لمسلمة بن مخلّد والي مصر ، فأقاكت هناك سنة ، ثمّ توفيت ، وصلى عليها مسلمة. وهذا كان مع معاوية بن حديج ، من أكبر أعداء أهل البيتعليه‌السلام ، فهل يعقل أن تنزل العقيلة في بيته ويستضيفها ، وهي الأبية الهاشمية التي ورثت الأنفة والعزة من أجدادها!.

ومنها : ما يذكرون من أنه في العهد الفاطمي كان الملك كل سنة في المحرم يقوم بزيارة مراقد أهل البيتعليه‌السلام ، فيبدأ بقبر السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور ، ويختتم بزيارة رأس الحسينعليه‌السلام . فلو كانت زينبعليه‌السلام مدفونة هناك ، لكان الأولى أن يبدأ بزيارة قبرها ، ويختتم بزيارة رأس أخيها الحسينعليه‌السلام .

ومنها : أن أهل مصر كانوا كنانة معاوية ومن أكبر أنصاره ، ولذلك لم يفكّر الإمام الحسينعليه‌السلام بنصرتهم والتوجه إليهم ، فكيف تختار زينبعليه‌السلام مصر لتكون مكانا لنفيها وهجرتها؟!.

٧٧٥ ـ زينب الشام :

ثم قال والدي : بقي أن نولي وجهنا شطر الشام ، حيث المقام الزينبي البهي ، في ضاحية دمشق الجنوبية ، يقوم عليه السادة آل مرتضى الكرام ، منذ لا أقل من سبعمائة

٦٤٦

عام ، يوم حلّ جدهم الأكبر ربوع الشام. وهو الشائع الثابت عند الأكثرين ـ وبخاصة الشيعة ـ أنه مثوى العقيلة زينب الكبرىعليه‌السلام بعد نزوحها عن المدينة إثر المجاعة الجائحة التي أصابتها وما حولها ، حيث شحّ الرزق وتأذى الخلق ، فهاجرت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام ، وكانت له فيها ممتلكات اقتطعها له الأمويون. فمرضت هناك وتوفيت ، ودفنت في قرية (راوية) وهي المعروفة لأيامنا بقرية (الست).

ولقد وكّد هذه الرواية بواقعها ، كلّ من ابن طولون والهروي وسبط ابن الجوزي والصيادي وغيرهم ، كما وكّدها أيضا الناصري في (طلعة المشتري) وابن عبد البر في (الإستيعاب) ، والعبيدلي في تاريخه.

وللمجتهدين من أئمة الدين في هذا الشأن فتاوى عدة ، هي في وفرتها وإجماعها شبه إفتاء عام ، بأن في الشام مدفن السيدة العقيلةعليه‌السلام ، قدمتها أول مرة سبيّة ، ثم جاءتها مهاجرة ، لتتم فيها أيامها الأخيرة. انتهى كلامه

٧٧٦ ـ مرقد زينبعليه‌السلام براوية :(رحلة ابن جبير ، ص ٢٥٣)

يقول ابن جبير : ومن مشاهد أهل البيتعليه‌السلام مشهد أم كلثوم بنت علي ابن أبي طالبعليه‌السلام ويقال لها زينب الصغرى ، وأم كلثوم كنية أوقعها عليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشبهها بابنته أم كلثومعليه‌السلام ، والله أعلم بذلك.

ومشهدها الكريم بقرية قبلي البلد تعرف (براوية) على مقدار فرسخ [٦ كم] ، وعليه مسجد كبير ، وحوله مساكن وله أوقاف. ويسميه أهل دمشق قبر الست أم كلثوم.

(أقول) : ظاهر خطأ ابن جبير في تحديد اسم المدفونة في (راوية) إذ أن كل من يزورها يذكرها باسم ستي زينب ، ولا أحد يذكر أنها أم كلثوم. علما بأن أم كلثوم الكبرى التي ذكرها ابن جبير كانت قد توفيت كما ذكرنا في عهد معاوية ولم تشهد الطف ودفنت في المدينة ، فمن أين جاءت إلى دمشق!؟.

ثم قال ابن جبير : وبالجبانة [يقصد مقبرة باب الصغير] التي بغربي البلد ، من قبور أهل البيتعليه‌السلام كثير. منها قبران عليهما مسجدان يقال إنهما من ولد الحسن والحسينعليه‌السلام . ومسجد آخر فيه قبر يقال لسكينة بنت الحسينعليه‌السلام ، أو لعلها سكينة أخرى من أهل البيتعليه‌السلام .

٦٤٧

(أقول) : وهذا تخبّط آخر من ابن جبير. فذكر أولا قبرين من ولد الحسن والحسينعليه‌السلام ، فمن هما؟. ثم قال : لعلها سكينة أخرى ، مما يدل على تشككه في ذلك. والصحيح أن القبرين المنسوبين للسيدة أم كلثوم زينب الصغرىعليه‌السلام ولسكينة بنت الحسينعليه‌السلام ، هما لسيدتين من نسل أهل البيتعليه‌السلام . أما أم كلثوم وسكينة فقد توفيتا في المدينة بعد رجوعهما من كربلاء ، ودفنتا هناك.

وقد ذكر ابن جبير أن هذه المشاهد هي في غرب دمشق ، والصحيح أنها جنوب دمشق خارج السور.

٧٧٧ ـ تحقيق الشيخ المازندراني :(معالي السبطين ، ج ٢ ص ١٣٣)

يذكر المازندراني في تحقيقه أقوال من ذهب إلى أن زينب العقيلةعليه‌السلام دفنت في مصر ، ومن قال إنها دفنت في دمشق ، قال :

في كتاب (لواقح الأنوار) : توفيت زينب بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام بدمشق الشام في سنة ٧٤ أربع وسبعين هجرية ، فعلى هذا يكون عمرها ٦٧ سنة.

وفي الكتاب المذكور قال : إن زينب المدفونة بقناطر السباع [جنوبي القاهرة] أخت الحسين بن عليعليه‌السلام بلا شك [أقول : فتكون أم كلثوم الصغرى إن صحت نسبتها].

وقال الشعراني في (الطبقات) : أول من أنشأ قناطر السباع الملك الظاهر ركن الدين بيبرس ، ونصب عليها سباعا من الحجارة ، فإن رنكه على شكل سبع [الرنك :هو شعار المماليك في مصر] ، ولذلك سمّيت قناطر السباع. ا ه

وقال المرحوم السيد حسن صدر الدين في كتابه (نزهة أهل الحرمين) : زينب الكبرى بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام وكنيتها أم كلثوم ، قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار ، خارج دمشق الشام معروف. جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة ، ليقوم عبد الله بن جعفر فيما كان له من القرى والمزارع خارج الشام ، حتى تنقضي المجاعة. فماتت زينبعليه‌السلام هناك. وغيره غلط لا أصل له فاغتنم ، فقد وهم في ذلك جماعة فخبطوا خبط العشواء.

٦٤٨

وفي كتاب (نهضة الحسين) للسيد هبة الدين الشهرستاني ، قال : لأمير المؤمنينعليه‌السلام بنتان بهذا الاسم (زينب) وبلقب (أم كلثوم) ، والكبرى هي سيدة الطف ، وكان ابن عباس ينوّه عنها «بعقيلة بني هاشم» ، ولدتها الزهراءعليها‌السلام بعد شقيقها الحسينعليه‌السلام بسنتين [٦ ه‍].

وقد أفرد لسان الملك ترجمتها في مجلد خاص بها من كتاب (ناسخ التواريخ).

وقال جماعة : إن هذا لزينب الصغرى ، كما هو مرسوم على صخرة القبر ، وأن الكبرى توفيت بمصر ، ودفنت عند قناطر السباع حيث المزار المشهور بالقاهرة.«انتهى ما ذكره السيد الشهرستاني».

٧٧٨ ـ تحقيق السيد أسد حيدر :(مع الحسين في نهضته ، ص ٣٢١)

قال السيد أسد حيدر :

أقامت زينبعليه‌السلام في المدينة [بعد رجوعها من كربلاء] تواصل جهاد أخيها ، وتؤلب الناس على الطلب بثأر الحسينعليه‌السلام . وخشي عامل المدينة من وجودها أن تفجّر ثورة في المدينة ومكة ، فكتب إلى يزيد بالأمر ، فجاء الأمر من يزيد بلزوم إخراجها ، ولكنها رفضت ذلك وأعلنت أنها لا تخرج حتى يراق دمها ، قالتعليه‌السلام : «قد علم الله ما صار إلينا ؛ قتل يزيد خيارنا ، وحملنا على الأقتاب. فو الله لا خرجنا ، وإن أهرقت دماؤنا».

فنصحتها زينب بنت عقيل بأن ترحل إلى بلد آمن ، واجتمع إليها نساء بني هاشم وتلطّفن معها في الكلام. فهاجرت العقيلةعليه‌السلام هجرتها الثانية.

وهنا نجد قولين متضاربين حول اتجاه ركب العقيلةعليه‌السلام ، وقد ألزمت بالخروج من المدينة.

فهل وقع اختيارها على مصر أو على الشام؟.

١ ـ فمن قائل أنها اختارت مصر ، فذهبت مع بقية أهل البيتعليه‌السلام إلى مصر ، ومعها فاطمة وسكينة بنتا الحسينعليه‌السلام . وفي مصر استقبلت استقبالا مهيبا.

وذكر النسابة العبيدلي [يحيى بن الحسن] أن دخول السيدة زينبعليه‌السلام كان أول

٦٤٩

شعبان سنة ٦١ ه‍ ، وأقامت في مصر وهي شاكية لانحراف صحتها ، وتوفيت ليلة الاثنين لأربعة عشر خلت من رجب سنة ٦٢ ه‍ ، ودفنت بمحل سكناها.

٢ ـ ومن قائل إنها أقامت بدمشق مع زوجها عبد الله بن جعفر ، في محل إقامته في قرية (راوية) لأن له أملاكا هناك ، فوافتها المنيّة ، ودفنت في مشهدها المعروف ومزارها المشهور.

ثم يقول : لقد حصل خلط في التاريخ ، والذي أراه أن زينبعليه‌السلام كان لها أخت أصغر منها اسمها أم كلثوم زينب الصغرى ، وهي التي هاجرت إلى مصر ، بدليل أنها كانت كثيرة البكاء على أبيها حتى سميت (النوّاحة) مما أقضّ جانب والي المدينة ، فبعثها إلى مصر حيث توفيت هناك.

أما زينب العقيلةعليه‌السلام فقد تواترت الأخبار على ألسنة علمائنا أنها هاجرت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى دمشق ، وعاشت في (راوية) ، وتوفيت هناك سنة ٦٤ ه‍ وعمرها ٥٧ سنة كعمر الحسينعليه‌السلام يوم استشهد. وبهذا نكون قد جمعنا بين القولين ونفينا المعارضة بينهما ، والله أعلم.

٧٧٩ ـ خبر المجاعة :(زينب الكبرى لجعفر النقدي ، حاشية ص ٢٩)

جاء في (الخيرات الحسان) وغيره أن مجاعة أصابت المدينة ، فرحل عنها عبد الله بن جعفر بأهله إلى الشام في ضيعة له هناك ، وقد حمّت زوجته زينب من وعثاء السفر ، أو من ذكريات أحزان وأشجان ، من عهد سبي يزيد لآل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثمّ توفيت على إثرها في النصف من رجب سنة ٦٥ ه‍ ، ودفنت هناك حيث المزار المشهور.

٧٨٠ ـ السيدة زينب الموجودة في مصر ليست زينب بنت عليعليه‌السلام :

هذا وقد ثبت لي مؤخرا أن زينب المدفونة في القاهرة ليست هي زينب الكبرى ولا الصغرى ، ولا هي نهائيا من بنات الإمام عليعليه‌السلام . وهذا ما أكدته الكتابات الموجودة على قبرها ، والتي تدل على أنها من حفيدات محمّد بن الحنفية ابن الإمام عليعليه‌السلام . وهذا ما أثبته المقريزي وابن العماد الحنبلي.

قال ابن العماد الحنبلي في (الشذرات) : وبمصر قبر السيدة زينب الواقع في قنطرة السباع ، وهو قبر زينب بنت أحمد بن محمّد بن عبد الله بن جعفر بن محمّد

٦٥٠

المعروف بابن الحنفية ابن الإمام عليعليه‌السلام . ويدعوها بعض المؤرخين زينب بنت علي بحذف الوسائط. أما قبر زينب بنت عليعليه‌السلام فالمشهور أنها دفنت في قرية راوية التي تبعد فرسخا عن دمشق.

وذكر المقريزي في خططه ، ج ٣ ص ٣٥٢ : وبخارج باب النصر في أوائل المقابر ، قبر زينب بنت أحمد بن محمّد بن عبد الله بن جعفر بن الحنفية يزار ، وتسميه العامة مشهد الست زينب.

وفي (سيرة الأئمة الاثني عشر) لهاشم معروف الحسني ، ج ١ ص ٦٢٢ قال : من أولاد زيد ابن الإمام الحسنعليه‌السلام : الحسن الأنور ، والد السيدة نفيسة ، ذات المقام المعروف بالقاهرة. ومن أولاد الحسن الأنور أيضا : يحيى المتوّج ، والد السيدة زينب التي لازمت عمتها نفيسة في القاهرة ودفنت فيها ، وكانت من الزاهدات العابدات. وأهل مصر يأتون لزيارة قبرها من كل فجّ ، وقبرها المعروف بقبر زينب.ويؤكد هذا البرهان قول الزركلي في كتابه (الأعلام) :

لم أر في كتب التاريخ ، أن السيدة زينب بنت عليعليه‌السلام جاءت إلى مصر ، في الحياة أو بعد الممات.

كل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن قبر العقيلة زينب الكبرىعليه‌السلام هو الموجود في قرية (راوية) جنوب دمشق.

ضريح زينب العقيلةعليها‌السلام في راوية

٧٨١ ـ كرامة لزينبعليه‌السلام تهديها قفصا مكرما :

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٢٥١)

نشرت مجلة (الغريّ) النجفية في سنتها ١٥ تحت عنوان (القفص الذهبي) قالت :

أهدى أغنى أغنياء باكستان السيد محمّد علي حبيب قفصا فضيا لقبر السيدة زينب بنت عليعليه‌السلام في ضاحية دمشق. وكان السبب الوحيد لإهداء هذا القفص ، هو أنه كان له ولد مصاب بالشلل ، وعالجه أبوه في مستشفيات أوروبا ولدى أمهر أطبائها ، ولكنه لم يشف ، حتى أيس أبوه من شفائه.

فقصد الشام لزيارة قبر السيدة زينبعليه‌السلام ، وبات ليلة في حضرتها متضرعا إلى الله في شفاء ولده الوحيد. ثم سافر إلى بلده ، وحين وصوله إلى كراتشي وجد ولده

٦٥١

المقعد المشلول وهو يمشي على رجليه ، وقد عوفي من مرضه بقدرة الله تعالى. عند ذلك اعتزم السيد حبيب أن يقدّم للضريح الزينبي هدية ثمينة تليق بصاحبته المكرّمة.

ونشرت مجلة العرفان اللبنانية أن هذا القفص الفضي يزن ١٢ طنا ، وهو محلّى بالجواهر الكريمة النادرة.

٧٨٢ ـ إهداء الصندوق العاجي :(المصدر السابق)

ونشرت مجلة العرفان ـ مجلد ٤٢ ص ٩٢٣ عن الصندوق العاجي المهدى لضريح السيدة زينبعليه‌السلام قالت :

أهدت إيران حكومة وشعبا صندوقا أثريا من العاج والآبنوس المطعّم بالذهب لضريح السيدة زينبعليه‌السلام المدفونة في ظاهر دمشق (قرية راوية) ، وهو من صنع الفنان الإيراني الحاج محمّد صنيع ، وبقي في صنعه ثلاثين شهرا. وقدّر ثمنه بمائتي ألف ليرة سورية. وله غطاء من البلور. وقد أحضرته بعثة إيرانية رسمية ، وأقيمت حفلة كبرى لوضعه فوق الضريح المقدس في ٢٠ نيسان ١٩٥٥.

ترجمة العقيلة زينب الكبرىعليه‌السلام

الزينب : شجر حسن المنظر طيّب الرائحة ، وبه سمّيت المرأة. وقيل هي كلمة مركبة أصلها : زين أب.

وقد أكثر أهل البيتعليه‌السلام من التسمية باسم زينب ، أولها زينب بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم زينب بنت جحش زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابنة عمته. ثم ثلاث بنات للإمام عليعليه‌السلام باسم زينب ، ثم زينب

بنت الحسينعليه‌السلام ، وزينب بنت عقيل الخ.

ولا تخلو عائلة هاشمية من هذا الاسم المبارك. وأعظم هذه الزينبات بلا منازع زينب بنت الإمام عليعليه‌السلام التي ولدتها السيدة فاطمة الزهراءعليه‌السلام بعد الحسن والحسينعليه‌السلام ، وهي زينب الكبرى العقيلة. وإنما يقال لها الكبرى للتفريق بينها وبين من سمّيت باسمها من أخواتها.

ولدت زينب الكبرىعليه‌السلام في ٥ جمادى الأولى سنة ٦ ه‍.

٦٥٢

وفي (منتخب التواريخ) أنها ولدت في أول يوم من شعبان ، بعد ولادة أخيها الحسينعليه‌السلام بسنتين ، وتوفيت في النصف من رجب سنة ٦٢ ه‍ (وقيل ٦٥ ه‍) ، والتاريخ الأخير يوافق عام المجاعة في عهد عبد الملك ؛ فيكون عمرها الشريف أقل من ستين عاما.

وكانت زينب الكبرىعليه‌السلام تلقّب بالصدّيقة الصغرى للفرق بينها وبين أمها فاطمة الزهراء (الصدّيقة الكبرى) ، ومن ألقابها : عقيلة الوحي وعقيلة بني هاشم وعقيلة الطالبيين ، والموثّقة ، والعارفة ، والعالمة ، والفاضلة ، والكاملة ، وعابدة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكانت ذات جلال وشرف وعلم ودين وصون وحجاب ، حتى قيل إن الحسينعليه‌السلام كان إذا زارته زينب يقوم إجلالا لها. وروت الحديث عن جدها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أبيها أمير المؤمنينعليه‌السلام وعن أمها فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال ابن الأثير : إنها ولدت في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت عاقلة لبيبة جزلة. زوّجها أبوها من ابن عمها عبد الله بن جعفر ، فولدت له أربعة أولاد ، منهم عون ومحمد اللذين استشهدا بين يدي الحسينعليه‌السلام ، ومنهم علي وأم كلثوم. وكانت زينب مع أخيها الحسينعليه‌السلام لما قتل ، فحملت إلى دمشق وحضرت عند يزيد. وكلامها ليزيد يدل على عقل وقوة وجنان.

وبعد رجوع زينبعليه‌السلام مع السبايا إلى المدينة ، حصلت مجاعة فيها ، فهاجرت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى دمشق ، وأقامت في قرية (راوية) التي كانت لزوجها فيها أراض وبساتين ، حيث توفيت هناك بعد موقعة الطف بعدة سنين.

واختلف في مرقدها بين مصر والشام ، والأصح في الشام.

وقد ألفت كتب كثيرة في سيرتهاعليه‌السلام ، وآخر ما ظهر منها كتاب (بطلة كربلاء) للفاضلة الحرة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) إذ قالت في خاتمة كتابها : «بطلة استطاعت أن تثأر لأخيها الشهيد العظيم ، وأن تسلّط معاول الهدم على دولة بني أمية ، وأن تغيّر مجرى التاريخ».

٦٥٣

٧٨٣ ـ ألقاب زينب الكبرىعليه‌السلام :

لزينب الكبرىعليه‌السلام ألقاب كثيرة منها :

ـ عقيلة بني هاشم : والعقيلة هي المرأة العاقلة الكريمة الجليلة ، صاحبة المقام الأكبر.

ـ سيدة الطف أو بطلة كربلاء : لأنها ثبتت في موقف الطف ثبات الرجال ولم تجزع ، وهي ترى أولادها وإخوتها وأهلها يذبحون كالقرابين أمام عينيها.

ـ صاحبة الديوان : في مصر ، وهم يحتفلون بذكراها من يوم ولادتها في ٥ شعبان ، إلى يوم وفاتها في النصف من شعبان.

ـ عابدة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقد كانت زاهدة عابدة ، لم تترك أورادها حتى ليلة الحادي عشر من المحرم ، وخصوصا صلاة الليل. وقد أوصاها أخوها الحسينعليه‌السلام قبل استشهاده بأن لا تنسى الدعاء له في وتر الليل.

ـ أم المصائب : فلقد مرّت على أمها فاطمةعليه‌السلام مصائب جلى ، حتى كانت أول من لحق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهله. لكن هذه المصائب هانت أمام مصائب زينبعليه‌السلام في كربلاء ، والتي انتهت بسبي حريم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسييرهم إلى الفاجر عبيد الله بن زياد ، ثم إلى الماكر يزيد بن معاوية ، عبر الأقطار والأمصار.

٧٨٤ ـ مسجد السادات الزينبية بدمشق :

هناك مسجد في دمشق يدعى مسجد السادات الزينبية ، وذلك في حي العمارة قريبا من مرقد السيدة رقيةعليه‌السلام .

إذا زرنا مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام ثم خرجنا شمالا من باب الفراديس ، نصل إلى جادة العمارة التي تسمى شارع الملك فيصل ، حيث كانت تمرّ سكّة الترام. وهذا الطريق يصل منطقة باب توما شرقا بساحة المرجة غربا. فإذا سرنا في هذه الجادة شرقا باتجاه باب توما ، نجد في الطرف الأيمن من الطريق وقبل الوصول إلى باب توما مسجدا كبيرا قديما يدعى مسجد السادات الزينبية ، أو مسجد القصب (مز القصب) أو مسجد الأقصاب. فلماذا سمي هذا المسجد بمسجد السادات؟. وما معنى الزينبية أو الأقصاب؟.

يقول كارل ولتسنغر في كتابه (الآثار الإسلامية في مدينة دمشق) ص ٧٤ : جامع السدة الزينبية : يرجع تاريخ البناء الحالي إلى عام [٧٢١ ه‍ ـ ١٣٢١ م]. ويعلّق

٦٥٤

محقق الكتاب في الحاشية قائلا : والصحيح السادات الزينبية ، ويقصد بالسادات بعض صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث يعتقد بوجود سبعة منهم مدفونين في المسجد.

ويقول جان سوفاجيه في كتابه (الآثار التاريخية) ص ٩٣ :

مسجد الأقصاب : ويعرف بجامع السادات الزينبية ، أعيد بناؤه عام [٨١١ ه‍ / ١٤٠٨ م] على يد الأمير ناصر الدين محمّد بن منجك. وهو مسجد مملوكي كبير من النموذج الدارج ، وله منارة مربعة وبلاط زخرفي.

ويقول الأستاذ أكرم حسن العلبي في كتابه (خطط دمشق) ص ٣٥٢ :

جامع مسجد الأقصاب : جامع قديم ومشهور خارج باب السلام ، يعرف بجامع منجك ، وجامع السادات لوجود سبعة من الصحابة فيه ؛ منهم حجر بن عدي ، كما يقول ابن عساكر(١) ، وهذه القبور على يمين الداخل. علما بأن ابن عساكر نفسه ذكر في ترجمة حجر بن عدي أنه مدفون حيث قتل في عذرا ، وعلى قبره مسجد مشهور.

ويرجع (كارل) تاريخ صحن المسجد والأعمدة والأركان إلى عصور بيزنطية ، والأعمدة جزء من أقواس الرواق الجنوبي الأوسط لكنيسة.

يظهر من ذلك أن هذا المسجد هو منشأة معمارية قديمة ، كانت كنيسة قبل الفتح ، مساحتها أزيد من المسجد الحالي ، وتمتدّ شمالا لتشغل الطريق المجاور. ولو أمكن حفر الطريق لوجدت الأسس المطمورة من الكنيسة. ثم حولها المسلمون إلى مسجد حين قتل حجر وأصحابه في عهد معاوية عام ٥١ ه‍ ، ثم حولها المماليك إلى مسجد مملوكي ، جدده الأمير منجك عام ٨١١ ه‍.

والسؤال الّذي يطرح نفسه هو : ما الذي جاء بأجسام حجر وأصحابه إلى هذا المكان ، حتى سمي جامع السادات ، ولماذا نعتت هذه السادات بالزينبية؟. وما قصة القصب والأقصاب؟.

٧٨٥ ـ كيف استشهد حجر وأصحابه رضي الله عنهم؟ :

نرجع هنا بنظرنا إلى كيفية استشهاد حجر وأصحابه رضي الله عنهم. فبعد أن ساق والي العراق زياد بن أبيه ، الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي وابنه همّام وأصحابه

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ، ج ٢ ص ٨٤ ؛ ومختصره لابن منظور ، ج ٦ ص ٢٢٥.

٦٥٥

إلى دمشق ، وصلوا بهم إلى مرج عذراء [عدرة اليوم]. وهناك جاء الأمر من معاوية بأن يخيّروا بين البراءة من علي بن أبي طالب أو القتل ، فاختاروا القتل ، وكان عددهم سبعة. وبما أنهم كانوا يعلمون مصيرهم نتيجة إخبار الإمام عليعليه‌السلام لحجر بذلك ، حفروا قبورهم بأيديهم ولبسوا أكفانهم ، ثم ضربت أعناقهم ، ودفنوا هناك.

وهنا نجد تناقضا بين النصوص الأولى والرواية الثانية ، فهل هؤلاء الشهداء مدفونون في مسجد السادات أم في عدرة؟. ويمكن إزالة هذا التعارض ، بأن معاوية بعد قتل حجر وأصحابه ، أمر زبانيته بدفن الرؤوس في (عذراء) ، وبجرّ الأجساد إلى دمشق ، وسحلها في شوارع العاصمة. فسحلوها حتى زال اللحم من أرجلهم ، ولم يبق منها إلا القصبات. فدفنت هذه القصبات في العمارة ، وسمي المسجد هناك مسجد القصب أو الأقصاب. وأطلق عليهم اسم السادات ، لأن بعضهم كان من الصحابة الكرام.

أما كلمة (الزينبية) فلعل سبب إطلاقها عليهم ، لبيان أنهم من الموالين لزينبعليه‌السلام ، وذلك عوضا عن نعتهم بالسادات العلوية ، لأن اسم عليعليه‌السلام كان محرما الجهر به أو مجرد لفظه في زمن بني أمية. ومن المحتمل جدا أن السيدة زينب بنت عليعليه‌السلام العقيلة حين جاءت مع السبايا وسكنت في (الخربة) في نفس المكان الّذي صار فيما بعد مسجد السيدة رقيةعليه‌السلام ، أنها كانت تذهب من هناك ، وبطريق قريب جدا ، وتزور هؤلاء السادات في مسجد السادات هذا ، لعلمها بدور حجر ومركزه من القضية العلوية والنهضة الحسينية ، فلقد كان حجر الممهّد الأول لثورة الحسينعليه‌السلام التي استعرت في كربلاء. ولأن زينبعليه‌السلام باركت هذا المكان بدموعها وصلاتها ودعائها ، أطلق عليه اسم مسجد السادات الزينبية ، كما أطلق على المنطقة برمتها اسم (الزينبية).

وهناك احتمال معاكس ، وهو أنهم أطلقوا اسم الزينبية على المنطقة لمبيت زينبعليه‌السلام والسبايا فيها ، ثم أطلقوا اسم (الزينبية) على المسجد لتمييزه يعن المساجد الأخرى التي تحمل نفس الاسم (مسجد السادات) وهي عديدة في دمشق.

٦٥٦

(٤) ـ مدفن الشريفات العلويات في مصر

٧٨٦ ـ مشاهد أهل البيتعليه‌السلام عند جامع ابن طولون بالقاهرة :

(الإشارات إلى معرفة الزيارات للهروي ، ص ٣٥)

ذكر الهروي المشاهد التي عند جامع ابن طولون ، وهي :

ـ مشهد به قبر نفيسة بنت الحسن بن زيد بن زين العابدينعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر فاطمة بنت محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادقعليه‌السلام .

ـ قبر آمنة بنت الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر رقية بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٧٨٧ ـ مشاهد أهل البيتعليه‌السلام في القرّافة :(المصدر السابق ، ص ٣٦)

القرافة هي مقبرة في جبل المقطّم ، وفيها : مشهد قبر علي بن الحسين ابن الإمام زين العابدينعليه‌السلام . وإلى جانبه مشاهد أهل البيتعليه‌السلام ، منهم :

ـ مشهد به قبر علي بن عبد الله بن القاسم بن محمّد بن جعفر الصادقعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر آمنة بنت الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر يحيى بن الحسن بن زيد بن الحسن ابن الإمام عليعليه‌السلام .

ـ وبه قبر أم عبد الله بن القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ وبه قبر يحيى بن القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ وبه قبر عبد الله بن القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ وبه قبر عيسى بن عبد الله بن القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ مشهد به قبر القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ـ وبه مشهد (أم) كلثم بنت القاسم ابن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام .

ولم يذكر شيئا عن باب السباع ، ولا أن رأس الحسينعليه‌السلام مدفون في باب القرافة.

٦٥٧

(٥) ـ سيرة الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام

«زين العابدين»

٧٨٨ ـ عبادة الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢٥٤ ط بيروت)

روى سعيد بن كلثوم قال : كنت عند الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ، فذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام فمدحه بما هو أهله.

ثم قال الصادقعليه‌السلام : والله ما أطاق عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأمة غيره. وإن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار ؛ يرجو ثواب هذه ، ويخاف عقاب هذه. ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار ، مما كدّ بيده ، وشحّ منه جبينه وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به ، من علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

ولقد دخل ابنه الإمام الباقرعليه‌السلام عليه ، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، فرآه قد اصفر لونه من السهر ، ورمدت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته من السجود ، وورمت ساقاه من القيام في الصلاة.

فقال الباقرعليه‌السلام : فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء ، فبكيت رحمة له. وإذا هو يفكر ، فالتفت إليّ بعد هنيهة من دخولي ، فقال : يا بني ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليعليه‌السلام . فأعطيته ، فقرأ منها يسيرا ، ثم تركها من يده تضجّرا ، وقال : من يقوى على عبادة علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وروي أن زين العابدينعليه‌السلام كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة!.

وكانعليه‌السلام إذا توضأ اصفرّ لونه. فقيل له : ما هذا الّذي يغشاك؟. فقال :أتدري لمن أتأهّب للقيام بين يديه؟!.

وفي (أدب الطف) للسيد جواد شبّر ، ص ٢٥٥ :

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : إن أبي ما ذكر لله نعمة إلا سجد ، ولا قرأ آية إلا سجد ، ولا وفّق لإصلاح اثنين إلا سجد ، ولا دفع الله عنه كربة إلا سجد ، ولا فرغ من صلاته إلا سجد. وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده.

٦٥٨

وفي (ينابيع المودة) لسليمان القندوزي ، ج ٣ ص ٢٦ ط ١ :

ووقع حريق في بيت كان فيه زين العابدينعليه‌السلام ساجدا ، فقالوا : يابن رسول الله ، النار النار ، فما رفع رأسه ليطفئ النار.! فقيل له في ذلك ، فقال : ألهتني عنها نار أخرى [يعني نار الآخرة].

وقال الزهري : كان علي بن الحسينعليه‌السلام بارا بأمه ، لم يأكل معها في قصعة قط. فقيل له في ذلك ، فقال : أخاف أن أمدّ يدي إلى ما وقعت عينها عليه ، فأكون عاقا لها.

٧٨٩ ـ والدة الإمام زين العابدينعليه‌السلام :(أعيان الشيعة ، ج ٤ ص ٣٠٩)

قال الشيخ المفيد : اسمها شاهزنان. وقيل اسمها (شهربانو) أو شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن ابرويز بن أنو شروان ، وكان يزدجرد آخر ملوك الفرس.

وقال المبرد : اسمها سلافة ، وقيل خولة ، وقيل غزالة.

والظاهر أن اسمها الأصلي كان كما ذكره الشيخ المفيد ، ثم غيّر كما ذكره المبرّد ، حين أخذت سبيّة ، وتزوجها الإمام الحسينعليه‌السلام .

قيل : ولم يكن أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري ، حتى ولد علي بن الحسينعليه‌السلام فرغبوا فيهن.

روى الزمخشري في (ربيع الأبرار) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : لله من عباده خيرتان : فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس. وكان علي بن الحسينعليه‌السلام يقول : أنا ابن الخيرتين ؛ لأن جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمه بنت يزدجرد ملك الفرس.

وفي (المفيد في ذكرى السبط الشهيد) لعبد الحسين إبراهيم العاملي ، ص ١٧١ قال: إن أم زين العابدين الحسينعليه‌السلام . أخذت في وقعة القادسية بين العرب والفرس.فحين انهزم الملك يزدجرد ، أخذت بناته الثلاث أسرى ؛ فتزوج إحداهن الحسينعليه‌السلام وهي شاه زنان ، فولدت له زين العابدينعليه‌السلام وفاطمة الصغرى.وكان لها عبد الله الرضيع الّذي استسقاه الحسينعليه‌السلام فقتله حرملة بن كاهل.والملك يزدجرد هو حفيد الملك كسرى أنوشروان.

٦٥٩

تعليق : هناك اشتباه في الرواية السابقة ، إذ أن عبد الله الرضيععليه‌السلام أمه الرباب وليس شاهزنان. والصحيح أن شاهزنان ولدت ولدا ثالثا هو علي الأصغر ، ااستشهد أيضا في كربلاء ، وهو غير عبد الله الرضيععليه‌السلام .

وفي (مناقب ابن شهر اشوب) ج ٣ ص ٢٠٨ ط نجف قال :

خيّروا شهربانويه بمن تتزوج؟. فقالت : لست ممن تعدل عن النور الساطع والشهاب اللامع : الحسين بن عليعليه‌السلام .

(أقول) : ويمكن التوفيق بين من قال إن أم زين العابدينعليه‌السلام هي شاهزنان ، ومن قال هي شهربانويه ، بأن الحسينعليه‌السلام تزوج أولا شاهزنان بنت يزدجرد ، فلما توفيت في نفاسها بزين العابدينعليه‌السلام تزوج أختها شهربانويه ، فربّت زين العابدين خالته ، وكان يدعوها أمي. وهي التي أثر أنه لم يؤاكلها في قصعة واحدة ، بل كان يضع لها صحنا وله صحنا.

(راجع مجموعة نفيسة عن تاريخ الأئمة ، ص ٢٤)

ترجمة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

ولد الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام بالمدينة في الخامس من شعبان سنة ٣٨ ه‍ ، قبل وفاة جده عليعليه‌السلام بسنتين. وتوفي سنة ٩٤ ه‍ وعمره الشريف ٥٧ سنة كجده الحسينعليه‌السلام . ودفن عند عمه الحسنعليه‌السلام في مقبرة بقيع الغرقد بالمدينة المنورة.

قال الزبير بن بكار : كان عمره يوم الطف ثلاثا وعشرين سنة ، وتوفي سنة ٩٥ ه‍ ، وفضائله أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف.

وفي (الفصول المهمة) لابن الصباغ المالكي ، ص ٢٠١ قال :

ألقابه كثيرة أشهرها : زين العابدين ، وسيد الساجدين ، والزكي والأمين وذو الثفنات. وصفته : أسمر قصير دقيق.

وفي (سير أعلام النبلاء) للذهبي ، ج ٣ ص ٣٢١ قال :

٦٦٠

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800