موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء5%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 502379 / تحميل: 6059
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

القرآن في أعلى درجة من الادميين ما خلا النبيين من المرسلين ، و لا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم فان لهم من اللّه العزيز الجبار لمكانا عليا .

« و لا تسألوا به خلقه انّه ما توجّه العباد إلى اللّه بمثله » في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان أحق الناس بالتخشع في السرّ و العلانية لحامل القرآن و ان أحقّ الناس في السر و العلانية بالصلاة و الصوم لحامل القرآن ثم نادى بأعلى صوته : يا حامل القرآن ، تواضع به يرفعك اللّه ، و لا تعزز به فيذلّك اللّه ، يا حامل القرآن تزيّن به للّه يزينك اللّه به ، و لا تزين به للناس فيشينك اللّه به إلى أن قال : و من أوتي القرآن فظن أن أحداً من الناس أوتي أفضل ممّا أوتي فقد عظم ما حقّر اللّه و حقّر ما عظّم اللّه .

« و اعلموا انّه شافع و مشفع و قائل و مصدق » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( شافع مشفع و قائل مصدق ) بدون و او في الموضعين كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

قال ابن أبي الحديد قال ابن ميثم استعارعليه‌السلام لفظي ( الشافع ) و ( المشفع ) و وجه الاستعارة كون تدبره و العمل بما فيه ماحيا لمّا يعرض للنفس من الهيئات الردية من المعاصي و ذلك مستلزم لمحو غضبه كما يمحو الشفيع المشفع أثر الذنب عن قلب المشفوع إليه ، و كذلك لفظ ( القائل المصدق ) و وجه الاستعارة كونه ذا ألفاظ إذا نطق بها لا يمكن تكذيبها .

ثم قال الخوئي لا يجوز حمل الكلام على المجاز ما دام إمكان الحمل على الحقيقة و يدلّ على كونه على الحقيقة ما في ( الكافي ) عن سعد الخفاف عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : تعلّموا القرآن فان القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق و الناس عشرون و مائة ألف صف ، ثمانون ألف من أمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله و أربعون ألف من ساير الأمم ، فيأتي على صف المسلمين في

٤١

صورة رجل مسلم فينظرون إليه ثم يقولون لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم ، ان هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته و صفته غير انّه كان أشدّ اجتهادا منّا في القرآن الخبر .

و عن يونس بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام قال ان الدواوين يوم القيامة ثلاثة : ديوان فيه النعم ، و ديوان فيه الحسنات ، و ديوان فيه السيئات ، فيقابل بين ديوان النعم و ديوان الحسنات فيستغرق النعم عامة الحسنات ، و يبقى ديوان السيئات فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب فيتقدّم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول : يا ربّ أنا القرآن و هذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي و يطيل ليله بترتيلي و تفيض عيناه إذا تهجد ، فارضه كما أرضاني فيقول تعالى : ابسط يمينك فيملأها من رضوان اللّه و يملأ شماله من رحمة اللّه ،

ثم يقال : هذه الجنّة مباحة لك فاقرأ و اصعد درجة .

و عن إسحاق بن غالب عنهعليه‌السلام قال إذا جمع اللّه تعالى الأولين و الآخرين هم بشخص لم يرقط أحسن صورة منه ، فإذا نظر إليه المؤمنون و هو القرآن قالوا : هذا منّا هذا أحسن شي‏ء رأيناه ، حتى إذا انتهى إليهم جازهم ثم ينظر إليه الشهداء حتى إذا انتهى إلى آخرهم جازهم فيجوزهم كلّهم حتى إذا انتهى إلى المرسلين فيقولون : هذا القرآن فيجوزهم حتى ينتهي إلى الملائكة فيقولون هذا القرآن فيجوزهم ثم ينتهي حتى يقف عن يمين العرش فيقول الجبار و عزتي و جلالي ، و ارتفاع مكاني لأكرمنّ اليوم من أكرمك و لأهينن من أهانك .

و عن الفضيل بن يسار عنهعليه‌السلام قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : تعلموا القرآن فانّه يأتي صاحبه يوم القيامة في صورة شاب جميل شاحب اللون ، فيقول له : أنا القرآن الذي كنت أسهرت ليلك ، و أظمأت هو اجرك ، و أجففت ريقك ، و أسلت

٤٢

دمعتك الخبر قلت حمل الأخبار الأربعة على الاستعارة أيضا جائزة و ان كان خلاف الظاهر ، و يشهد له ما في آخر الأول قال سعد : قلت يا أبا جعفر ، و هل يتكلّم القرآن ؟ فتبسّمعليه‌السلام ثم قال : رحم اللّه الضعفاء من شيعتنا انّهم أهل تسليم ، ثم قال نعم و الصلاة تتكلّم ، و لها صورة و خلق تأمر و تنهى .

قال سعد : فتغيّر لذلك لوني ، و قلت هذا شي‏ء لا أستطيع التكلّم به في الناس فقالعليه‌السلام : و هل الناس إلاّ شيعتنا فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقّنا ثم قال : يا سعد اسمعك كلام القرآن ؟ فقلت بلى فقال : .ان الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر اللّه أكبر . . ١ فالنهي كلام و الفحشاء رجال و نحن ذكر اللّه و نحن أكبر .

و كذلك ما مر في آخر الثاني ( يقول تعالى : ابسط يمينك فيملأها من رضوان اللّه ) فانّه معلوم كون هذا استعارة و الحمل على لسان الحال كما في قوله تعالى :. . فقال لها و للأرض إئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ٢ غير بعيد .

« فانّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه و من محل به القرآن » من ( محل به إلى السلطان ) إذا سعى به إليه .

« يوم القيامة صدق عليه » و شفاعة القرآن شفاعة صاحبه و محله محله .

و قال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ٣ .

و في ( تاريخ بغداد ) ، كتب منصور السلمي إلى بشر المريسي الكلام في

____________________

( ١ ) العنكبوت : ٤٥ .

( ٢ ) فصلت : ١١ .

( ٣ ) الفرقان : ٣٠ .

٤٣

القرآن خالق أو مخلوق بدعة اشترك فيها السائل و المجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له و تكلّف المجيب ما ليس عليه و ما أعلم خالقا إلاّ اللّه ، و ما دونه مخلوق و لو كان القرآن خالقا لم يكن للذين دعوه إلى اللّه شافعا و لا بالذين ضيّعوه ما حلا فانته في القرآن إلى أسمائه التي سمّاه اللّه بها و لا تسّم القرآن باسم من عندك .

« فانه ينادي مناد يوم القيامة الا ان كلّ حارث مبتلى في حرثه و عاقبة عمله غير حرثة القرآن فكونوا من حرثته و اتباعه » اما ابتلاء غير حرثة القرآن فواضح حتى بالنسبة إلى نكاح النساء للأولاد فقال تعالىنساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنّى شئتم . . ١ و قال :. ان من أزواجكم و أولادكم عدوّاً لكم . . ٢ و قال :انما أموالكم و أولادكم فتنة . . ٣ و اما حرثة القرآن فهم حرثة الآخرة و في سورة الشورى الآية من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ماله في الآخرة من نصيب ٤ .

و من حرث الدنيا الحرث و باقي مستمتعاتها ، قال تعالى :زيّن للناس حبّ الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسوّمة و الأنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا و اللّه عنده حسن المآب ٥ و من حرث القرآن ، ما قال تعالى بعده :قل ءأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و أزواج

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٢٣ .

( ٢ ) التغابن : ١٤ .

( ٣ ) التغابن : ١٥ .

( ٤ ) الشورى : ٢٠ .

( ٥ ) آل عمران : ١٤ .

٤٤

مطهّرة و رضوان من اللّه و اللّه بصير بالعباد ١ .

هذا و في ( الأغاني ) ، قال ابن عياش كان الشعبي زوج اخت أعشى همدان و كان أعشى زوج اخت الشعبي فأتاه أعشى يوما و كان أحد القرّاء للقرآن فقال له : اني رأيت كأني أدخلت بيتا فيه حنطة و شعير ، و قيل لي : خذ أيّهما شئت فأخذت الشعير ، فقال : ان صدقت رؤياك تركت القرآن و قراءته ، و قلت الشعر فكان كما قال .

« و استدلوه » أي : اجعلوه دليلا .

« على ربكم و استنصحوه » أي : اجعلوه ناصحا .

« على أنفسكم و اتهموا عليه اراءكم » في قباله .

روى العياشي عن أبي جعفرعليه‌السلام : ليس شي‏ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الآية ينزل أوّلها في شي‏ء و آخرها في شي‏ء و زاد في خبر آخر و هو كلام متصل ينصرف على وجوه .

« و استغشوا فيه أهواءكم » أي : احكموا على أهوائكم المخالفة لها بالغش .

روى الصدوق عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لعن اللّه المجاهدين في دين اللّه على لسان سبعين نبيا و من جادل في آيات اللّه فقد كفر ، قال عز و جل :ما يجادل في آيات اللّه إلاّ الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ٢ و من فسر القرآن برأيه فقد افترى على اللّه الكذب إلى أن قال الراوي عبد الرحمان بن سمرة فقلت : يا رسول اللّه ارشدني إلى النجاة فقال : يا ابن سمرة إذا اختلفت الأهواء و تفرّقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب٣ الخبر .

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٥ .

( ٢ ) المؤمن : ٤ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٢٧ رواية ٣ .

٤٥

٦ الخطبة ( ١٧١ ) قال في تلك الخطبة :

وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ فَإِنَّهُ حَبْلُ اَللَّهِ اَلْمَتِينُ وَ سَبَبُهُ اَلْأَمِينُ وَ فِيهِ رَبِيعُ اَلْقَلْبِ وَ يَنَابِيعُ اَلْعِلْمِ وَ مَا لِلْقَلْبِ جِلاَءٌ غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ اَلْمُتَذَكِّرُونَ وَ بَقِيَ اَلنَّاسُونَ أَوِ اَلْمُتَنَاسُونَ « و ان اللّه سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن »لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية اللّه . . ١ .

« فانّه حبل اللّه المتين » روى أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي ، و انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض »٢ .

و روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى :و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً . . ٣ عن أبي سعيد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أيها الناس قد تركت فيكم الثقلين خليفتين ان أخذتم بهما لن تضلوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض٤ الخبر .

« و سببه » أي : واسطته .

« الأمين و فيه ربيع القلب »اللّه نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم

____________________

( ١ ) الحشر : ٢١ .

( ٢ ) مسند الامام أحمد بن حنبل ٣ : ١٤ ، دار صادر بيروت .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٤ ) تكرر الكلام في الصفحة ( ٢١ ) .

٤٦

إلى ذكر اللّه . . ١ .

« و ينابيع العلم » .ما فرطنا في الكتاب من شي‏ء . . ٢ .تبياناً لِكلِّ شي‏ء قل لئن اجتمعت الانس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا . . ٣ .

« و ما للقلب جلاء غيره » و ما ورد عنهمعليهم‌السلام من أن أحاديثنا جلاء لقلوبكم لا ينافي كلامهعليه‌السلام إذ جميع أحاديثهم مأخوذة من القرآن قال الباقرعليه‌السلام لأبي الجارود : إذا حدثتكم بشي‏ء فاسألوني أين هو من كتاب اللّه ثم قال في بعض حديثه : ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن القيل و القال ، و فساد المال و كثرة السؤال فقيل له أين هذا من كتاب اللّه ؟ قال : قال عز و جل :لا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس . . ٤ و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللّه لكم قياما . . ٥ . . لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . . ٦ .

« مع انّه قد ذهب المتذكرون »و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر ٧ .

« و بقى الناسون أو المتناسون »و لا تكونوا كالذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم . . ٨ .

____________________

( ١ ) الزمر : ٢٣ .

( ٢ ) الانعام : ٣٨ .

( ٣ ) الاسراء : ٨٨ .

( ٤ ) النساء : ١١٤ .

( ٥ ) النساء : ٥ .

( ٦ ) المائدة : ١٠١ .

( ٧ ) القمر : ١٧ .

( ٨ ) الحشر : ١٩ .

٤٧

٧ في الخطبة ( ١٧٨ ) منها في ذكر القرآن :

فَالْقُرْآنُ ؟ آمِرٌ زَاجِرٌ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ حُجَّةُ اَللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُ وَ اِرْتَهَنَ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ أَتَمَّ نُورَهُ وَ أَكْمَلَ بِهِ دِينَهُ وَ قَبَضَ نَبِيَّهُ ص وَ قَدْ فَرَغَ إِلَى اَلْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ اَلْهُدَى بِهِ « فالقرآن آمر » بالمعروف .

« زاجر » عن المنكر .

كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً و نذيراً . . ١ الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجاً قيّماً لينذر بأساً شديداً من لدنه و يبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً و ينذر الذين قالوا اتخذ اللّه ولدا . . ٢ .

« صامت ناطق »ان هذا القرآن يقصّ على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ٣ .

قال ابن أبي الحديد جعلهعليه‌السلام صامتا ناطقا لأنّه من حيث هو حروف و أصوات صامت إذ كان الغرض يستحيل أن يكون ناطقا لأن النطق حركة الأداة بالكلام ، و الكلام يستحيل أن يكون ذا أداة ينطق بالكلام و هو من حيث انه يتضمن الأخبار و الأمر و النهي و النداء و غير ذلك من أقسام الكلام كالناطق لأن الفهم يقع عنده ، و هذا من باب المجاز كما تقول هذه الربوع

____________________

( ١ ) فصلت : ٣ ٤ .

( ٢ ) الكهف : ١ ٤ .

( ٣ ) النمل : ٧٦ .

٤٨

الناطقة و اخبرتني الديار بعد رحيلهم بكذا و تبعه الخوئي .

قلت ما ذكره خبط ، فانما مرادهعليه‌السلام بالقرآن المصحف و المصحف خط و الخط صامت و من قرأه ينطق عنه فكانه هو الناطق و يشهد له قولهعليه‌السلام في الاحتجاج على الخوارج .

في ١٢١ ١ « انّا لم نحكم الرجال و انما حكّمنا القرآن ، و هذا القرآن انما هو خط مسطور بين الدفتين ، لا ينطق بلسان و لا بد له من ترجمان و انما ينطق عنه الرجال » .

كما ان تمثيله بقولهم ( الربوع الناطقة ) و مثله أيضا بلا ربط ، لأن ذلك لسان الحال و القرآن لسان القائل .

« حجّة اللّه على خلقه »و هذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه و اتقوا لعلّكم ترحمون ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا و ان كنّا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو انا أنزل علينا لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنة من ربكم و هدىً و رحمة . . ١ « أخذ عليهم ميثاقه ». . فخلف من بعدهم خلف و رثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا و ان يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يأخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلاّ الحق و درسوا ما فيه . . ٢ .

و إذ أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننّه للناس و لا تكتمونه فنبذوه و راء ظهورهم و اشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون ٣ .

« و ارتهن عليه أنفسهم » حيث ألزمهم العمل به .

____________________

( ١ ) الانعام : ١٥٥ ١٥٦ .

( ٢ ) الاعراف : ١٦٩ .

( ٣ ) آل عمران : ١٨٧ .

٤٩

« أتمّ نوره » هكذا في النسخ ، و عليه فالمعنى ( أتمّ اللّه نور القرآن ) و لكن الظاهر ان الأصل ( أتمّ به نوره ) أي أتمّ اللّه به نور نفسه بقرينة ما بعده قال تعالى :يريدون أن يطفؤا نور اللّه بأفواههم و يأبى اللّه الا أن يتمّ نوره و لو كره الكافرون ١ .

« و أكمل » هكذا في ( المصرية ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ( و أكرم ) .

« به دينه » .فانه نزّله على قلبك باذن اللّه مصدقاً لما بين يديه و هدىً و بشرى للمؤمنين ٢ .

« و قبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد فرغ إلى الخلق من أحكام » بالكسر .

« الهدى به » أي : جعل الهدى محكماً بالقرآن .

روى ابن سعد في ( طبقاته ) عن عايشة قالت : كنت جالسة عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرّ إليها شيئا فبكت ، ثم أسرّ إليها فضحكت ، قالت قلت ما رأيت ضحكا أقرب من بكاء استخصك النبي بحديثه ثم تبكين ، قلت : أي شي‏ء أسر إليك ؟ فقالت ما كنت لأفشي سرّه فلمّا قبضصلى‌الله‌عليه‌وآله سألتها ، فقالت قال : ان جبرئيل كان يأتيني كلّ عام فيعارضني بالقرآن مرّة و انّه أتاني اليوم فعارضني مرتين ، و لا أظنّ إلاّ أجلي قد حضر و نعم السلف أنا لك .

قال ابن أبي الحديد ذكرعليه‌السلام ان اللّه قبض رسوله و قد فرغ إلى الخلق

____________________

( ١ ) التوبة : ٣٢ .

( ٢ ) البقرة : ٩٧ .

٥٠

بالقرآن من الاكمال و الاتمام لقوله تعالى : .اليوم أكملت لكم دينكم . . ١ قلت انما يتمّ هذا الكلام على مذهب الامامية القائلين بكون الامام قيم القرآن ،

و إلاّ فكيف فرغ بالقرآن مع الاكمال مع هذه الاختلافات و تفسير كلّ فرقة للقرآن على مشربها .

٨ في الخطبة ( ١٥١ ) وَ عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اَللَّهِ

فَإِنَّهُ اَلْحَبْلُ اَلْمَتِينُ وَ اَلنُّورُ اَلْمُبِينُ وَ اَلشِّفَاءُ اَلنَّافِعُ وَ اَلرِّيُّ اَلنَّاقِعُ وَ اَلْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ وَ اَلنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَامَ وَ لاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ وَ لاَ يُخْلِقُهُ كَثْرَةُ اَلرَّدِّ وَ وُلُوجُ اَلسَّمْعِ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ « و عليكم بكتاب اللّه فانّه الحبل المتين » روى الثعلبي في تفسير :

و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و لا تفرّقوا . . ٢ بأسانيد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

أيها الناس قد تركت فيكم الثقلين خليفتين ، ان أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء إلى الأرض ،

و عترتي أهل بيتي ألا و انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ٣ .

« و النور المبين » .كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ٤ .

و روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن زيد بن أرقم ، قال قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا بماء يدعى خمأ بين مكة و المدينة ثم قال : أيها الناس

____________________

( ١ ) المائدة : ٣ .

( ٢ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٣ ) مرّ الكلام في الصفحة ( ٢١ ) .

( ٤ ) ابراهيم : ١ .

٥١

انما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب و اني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به فحث على كتاب اللّه و رغب ثم قال : و أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي١ .

« و الشفاء النافع » لمريض عالج به ، فقال تعالى : .قل هو للذين آمنوا هدىً و شفاء . . ٢ « و الري » و هو ضد العطش .

« الناقع » من ( نقع الماء العطش ) إذا سكنه .

« و العصمة » عن الضلال .

« للمتمسك » به فقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه و في عترته ( ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا ) .

« و النجاة » من المهالك .

« للمتعلق » به قال تعالى : .و كذلك ننجي المؤمنين ٣ .

« لا يعوج » ككثير من الخلق .

« فيقام » أي : يجعل مستقيما قال تعالى :الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجاً قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه و يبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً و ينذر الذين قالوا اتخذ اللّه ولدا ٤ .

« و لا يزيغ » أي : يميل إلى الباطل .

____________________

( ١ ) ذكره المجلسي في « بحار الأنوار » ٢٢ : ١١٧ رواية ٣٤ باب ٧ نقلا عن « الطرائف » لابن طاووس : ١٢٢ حديث ١٨٦ مطبعة الخيام قم .

( ٢ ) فصلت : ٤٤ .

( ٣ ) الانبياء : ٨٨ .

( ٤ ) الكهف : ١ ٤ .

٥٢

« فيستعتب » أي : يطلب منه الرجوع إلى الحق .

« و لا يخلقه » افعال من ( خلق الثوب ) بالضم إذا بلي .

« كثرة الرد »لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ١ .

و لقد ردوا عليه من يوم نزل إلاّ انّه لا أثر لردودهم لوضوح بطلانها ،

و لصدورها من أهل الزيع و الأهواء ، و لأنّ كلّ رد أورده أحد من أهل الباطل أجاب عنه أهل الحق بأجوبة متعددة و أوّل من أجاب عن شبهات أهل الشبهة في القرآن هوعليه‌السلام من أراد الوقوف عليها راجع ( توحيد ) ابن بابويه .

« و ولوج » بالجر .

« السمع » أي : لا يخلقه كثرة دخوله السمع بتلاوة الانسان له ليلا و نهارا و استماعه من غيره بخلاف غيره من الكتب فتخلق بسماعها مرتين .

« من قال به صدق » لأنه الحق .

« و من عمل به سبق » غير العامل به إلى الدرجات .

هذا ، و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الاترجة ريحها طيب ، و طعمها طيب ، و مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب و لا ريح لها ، مثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب و طعمها مر ، و مثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر و لا ريح لها٢ .

____________________

( ١ ) فصلت : ٤٢ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٤ : ٢٥٩ حديث ٤٨٢٩ طبع مصر .

٥٣

٩ في الخطبة ( ١٩٣ )

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلْكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ وَ سِرَاجاً لاَ يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَ بَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَ مِنْهَاجاً لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ وَ شُعَاعاً لاَ يُظْلِمُ ضَوْءُهُ وَ فُرْقَاناً لاَ يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَ تِبْيَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَ شِفَاءً لاَ تُخْشَى أَسْقَامُهُ وَ عِزّاً لاَ تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَ حَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ فَهُوَ مَعْدِنُ اَلْإِيمَانِ وَ بُحْبُوحَتُهُ وَ يَنَابِيعُ اَلْعِلْمِ وَ بُحُورُهُ وَ رِيَاضُ اَلْعَدْلِ وَ غُدْرَانُهُ وَ أَثَافِيُّ اَلْإِسْلاَمِ وَ بُنْيَانُهُ وَ أَوْدِيَةُ اَلْحَقِّ وَ غِيطَانُهُ وَ بَحْرٌ لاَ يَنْزِفُهُ اَلْمُتَنَزِّفُونَ وَ عُيُونٌ لاَ يُنْضِبُهَا اَلْمَاتِحُونَ وَ مَنَاهِلُ لاَ يَغِيضُهَا اَلْوَارِدُونَ وَ مَنَازِلُ لاَ يَضِلُّ نَهْجَهَا اَلْمُسَافِرُونَ وَ أَعْلاَمٌ لاَ يَعْمَى عَنْهَا اَلسَّائِرُونَ وَ آكَامٌ لاَ يَجُوزُ عَنْهَا اَلْقَاصِدُونَ جَعَلَهُ اَللَّهُ رِيّاً لِعَطَشِ اَلْعُلَمَاءِ وَ رَبِيعاً لِقُلُوبِ اَلْفُقَهَاءِ وَ مَحَاجَّ لِطُرُقِ اَلصُّلَحَاءِ وَ دَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَ نُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَ حَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ وَ مَعْقِلاً مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ وَ عِزّاً لِمَنْ تَوَلاَّهُ وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَ هُدًى لِمَنِ اِئْتَمَّ بِهِ وَ عُذْراً لِمَنِ اِنْتَحَلَهُ وَ بُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ وَ فَلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ وَ حَامِلاً لِمَنْ حَمَلَهُ وَ مَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ وَ آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَ جُنَّةً لِمَنِ اِسْتَلْأَمَ وَ عِلْماً لِمَنْ وَعَى وَ حَدِيثاً لِمَنْ رَوَى وَ حُكْماً لِمَنْ قَضَى « ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفا مصابيحه »يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم و يأبى اللّه إلاّ أن يتم نوره و لو كره الكافرون ١ .

« و سراجا لا يخبو » أي : لا يطفا .

____________________

( ١ ) التوبة : ٣٢ .

٥٤

« توقده و بحرا لا يدرك قعره » .و ما يعلم تأويله إلاّ اللّه . . ١ قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا ٢ .

« و منهاجا » أي : طريقا واضحا .

« لا يضلّ نهجه »و أنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين )٣ و ما تنزّلت به الشياطين ٤ .

« و شعاعا لا يظلم ضوؤه »و لقد أنزلنا إليكم آيات مبينات . . ٥ و كذلك أنزلناه آيات بينات . . ٦ .

« و فرقانا » قال الجوهري : كلّ ما فرق به بين الحق و الباطل فهو فرقان .

« لا يخمد » من ( خمدت النار ) إذا سكن لهبها و لم يطفأ جمرها .

« برهانه » في الأساس ( البرهان بيان الحجّة و ايضاحها مشتق من البرهرهه و هي البيضاء من الجواري كما اشتق السلطان من السليط ) و هو كما ترى .

« و تبيانا » هكذا في ( المصرية ) ، و لا معنى له و الصواب : ( و بنيانا ) كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية .

« لا تهدم أركانه »انا نحن نزّلنا الذكر و انّا له لحافظون ٧ .

____________________

( ١ ) آل عمران : ٧ .

( ٢ ) الكهف : ١٠٩ .

( ٣ ) الشعراء : ١٩٢ ١٩٤ .

( ٤ ) الشعراء : ٢١٠ .

( ٥ ) النور : ٣٤ .

( ٦ ) الحج : ١٦ .

( ٧ ) الحجر : ٩ .

٥٥

« و شفاء لا تخشى أسقامه » .و يشف صدور قوم مؤمنين ١ .و شفاء لمّا في الصدور . . ٢ .

« و عزّا لا تهزم أنصاره » .أئتوني بكتاب من قبل هذا أو اثارة من علم ان كنتم صادقين ٣ .

« و حقّا لا تخذل أعوانه »و إذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا انصتوا فلمّا قضى و لّوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انّا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقاً لمّا بين يديه يهدي إلى الحق و إلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي اللّه و آمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم و يجركم من عذاب أليم ٤ .

« فهو معدن الايمان و بحبوحته » أي : وسطه ، لأن الايمان يحصل بعد شهود المعجز ، و القرآن أكبر معجز و ذكر الكراجكي في اعجازه طرقا منها عجز بلغاء العرب عن الاتيان بمثله في فصاحته و نظمه ، مع علمهم بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جعله علما على صدقه و سماعهم للتحدّي فيه على ان يأتوا بسورة من مثله هذا مع اجتهادهم في دفع ما أتى به .

و توفر دواعيهم على إبطال أمره ، و استفراغ مقدورهم في أذيته ،

و تعذيب أصحابه ، و طرد المؤمنين به ، ثم ما فعلوه بعد ذلك من بذل النفوس و الأموال في حربه و الحرص على اهلاكه مع علمهم بأن ذلك لا يشهد بكذبه ،

و لا فيه إبطال الحجّة و لا يقوم مقام معارضة في ما جعله دلالة على صدقه ،

و تحداهم على الاتيان بمثله ، و قد كانوا قوما فصحاء حكماء عقلاء لا يصبرون

____________________

( ١ ) التوبة : ١٤ .

( ٢ ) يونس : ٥٧ .

( ٣ ) الاحقاف : ٤ .

( ٤ ) الاحقاف : ٢٩ ٣١ .

٥٦

على التقريع ، و لا يتغاضون عن التعجيز ، و عاداتهم معروفة إلى الافتخار ،

و تحدّى بعضهم لبعض بالخطب و الأشعار ، و في انصرافهم عن المعارضة دلالة على انّها كانت متعذرة عليهم ، و في التجائهم إلى الحروب الشاقة دونها بيان انّها الأيسر عندهم و أي عاقل يطلب أمرا بما فيه هلاك ماله و التغرير بنفسه ، و هو يقدر على كلام يغنيه بذلك ، و ينال به أمله و مراده فلا يفعله ، هذا ما لا يتصور في العقل و لا يتثبت في الوهم ، و في عجزهم الذي ذكرناه حجّة في معجز القرآن في صحّة نبّوة نبينا .

« و ينابيع العلم و بحوره » .ما فرطنا في الكتاب من شي‏ء .١ .و لا رطبٍ و لا يابس إلاّ في كتاب مبين ٢ .

قال الكراجكى : و من اعجاز القرآن ، ما تضمنه من أخبار الدهور الماضية ، و أحوال القرون الخالية ، و أنباء الأُمم الغابرة ، و وصف الديار الداثرة ، و قصص الأنبياء المتقدمين ، و شرح أحكام أهل الكتابين ممّا لا يقدر عليه إلاّ من اختص بهم ، و انقطع إلى الاطّلاع في كتبهم ، و سافر في لقاء علمائهم و صحب رؤساءهم ، و لمّا كان نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله معلوم المولد و الدار و المنشأ و القرار لا تخفى أحواله ، و لا تستتر أفعاله ، لم يلف قط قبل بعثته مدارسا لكتاب ، و لا رؤى مخالطا لأهل الكتاب ، و لم يزل معروفا بالانفراد عنهم ، غير مختص بأحد منهم ، و لا سافر لاتباع عالم سرّا و لا جهرا ، و لا احتمال في نيل ذلك أوّلا و لا آخرا ، علم انّه لم يأخذ ذلك إلاّ عن ربّ العالمين ، و ثبت اعجاز القرآن الوارد على يده و كان قوله تعالى :و ما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر

____________________

( ١ ) الانعام : ٣٨ .

( ٢ ) الانعام : ٥٩ .

٥٧

و ما كنت من الشاهدين ١ و ما كنت بجانب الطور إذ نادينا و لكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما اتاهم من نذير من قبلك لعلّهم يتذكرون ٢ يعضد ما ذكرناه .

قال : و من ذلك أيضا ما ثبت في القرآن من الاخبار بالكائنات قبل كونها و اعلام ما في القلوب و ضمائرها كقوله تعالى في يهود خيبر :لن يضروكم إلاّ أذىً و ان يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ٣ و كان الأمر في هزيمتهم و خذلانهم كما قال سبحانه و قال في قصة بدر تشجيعا للمسلمين و اخبارا لهم عن عاقبة أمرهم و أمر المشركين :سيهزم الجمع و يولون الدبر ٤ فكان ذلك يقيناً كما قال سبحانه و قال فيهم : .الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل اللّه فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون . . ٥ فكان الظفر قريبا كما قال سبحانه و قال تعالى :و أورثكم أرضهم و ديارهم و أموالهم و أرضاً لم تطأوها . . ٦ يعني العراق و فارس ،

و كان الأمر كما قال سبحانه و قال تعالى :ألم غلبت الروم في أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين للّه الأمر من قبل و من بعد و يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه ينصر من يشاء و هو العزيز الرحيم ٧ فأخبر تعالى عن ظفرهم بعد غلبهم ، و حدّد زمانه و حصره فكان

____________________

( ١ ) القصص : ٤٤ .

( ٢ ) القصص : ٤٦ .

( ٣ ) آل عمران : ١١١ .

( ٤ ) القمر : ٤٥ .

( ٥ ) الانفال : ٣٦ .

( ٦ ) الاحزاب : ٢٧ .

( ٧ ) الروم : ١ ٥ .

٥٨

الأمر فيه حسب ما قال و قال عز و جل :يا أيها الذين هادوا ان زعمتم انّكم أولياء اللّه من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين و لا يتمنونه أبداً بما قدّمت أيديهم و اللّه عليم بالظالمين ١ فقطع على بغيهم و اعلم انّهم لا يتمنون الموت ، فلم يقدر أحد منهم على دفعه و كان الأمر في ذلك موافقا لمّا قال سبحانه و قال تعالى :. و يقولون في أنفسهم لو لا يعذبنا اللّه بما نقول . . ٢ فأخبر عن ضمائرهم بما في سرائرهم و كان الأمر كما قال سبحانه و قال تعالى في أبي لهب و هو حي متوقع منه الايمان و البصيرة و الاسلامتبت يدا أبي لهب و تب ٣ فمات على كفره و لم يصر إلى الاسلام و قال لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّا كفيناك المستهزئين ٤ و كلّهم يومئذ حي عزيز في قومه ، فأهلكهم اللّه أجمعين و كفاه أمرهم على ما أخبر به سبحانه و أمثال ذلك كثيرة يطول بها الكتاب و قد ذكرها أهل العلم ، و هذا طرف منها يدل على معجزة القرآن و صدق من أتى به .

« و رياض » جمع الروضة .

« العدل و غدرانه » جمع الغدير ، القطعة من الماء غادرها السيل انّه لقول رسول كريم و ما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون و لا بقول كاهن قليلاً ما تذكرونتنزيل من ربّ العالمين ٥ .

« و اثافي الاسلام » استعارة من اثافي القدر الأحجار التي يوضع عليها .

« و بنيانه » و الأصل فيه بنيان البيت .

____________________

( ١ ) الجمعة : ٦ ٧ .

( ٢ ) المجادلة : ٨ .

( ٣ ) تبت : ١ .

( ٤ ) الحجز : ٩٥ .

( ٥ ) الحاقة : ٤٠ ٤٢ .

٥٩

قال هشام بن الحكم : اجتمع ابن أبي العوجاء و أبو شاكر الديصاني و عبد الملك البصري ، و ابن المقفع عند بيت اللّه الحرام يستهزؤون بالحاج ،

و يطعنون على القرآن فقال ابن أبي العوجاء لهم : تعالوا ينقض كلّ واحد منّا ربع القرآن ، و ميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع فيه ، و قد نقضنا القرآن كلّه ، و ان في نقض القرآن إبطال نبوّة محمّد ، و في إبطال نبوّته إبطال الاسلام و اثبات ما نحن فيه ، فاتفقوا على ذلك و افترقوا على ذلك ، فلمّا كان من قابل اجتمعوا ثمة ، فقال لهم ابن أبي العوجاء : أما أنا فمتفكر منذ افترقنا في هذه الآية :فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيا . . ١ فما أقدر أن أضم إليها في فصاحتها ، و جمع معانيها ، فشغلتني هذه الآية عن التفكّر في ما سواها فقال عبد الملك : أنا متفكّر في هذه الآيةيا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذباباً و لو اجتمعوا له و ان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ٢ فلم أقدر على الاتيان بمثلها .

فقال أبو شاكر و أنا منذ فارقتكم متفكّر في هذه الآية :لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا . . ٣ فلم أقدر على الاتيان بمثلها فقال ابن المقفع : يا قوم ان هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر و أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية :

و قيل يا أرض ابلغي ماءك و يا سماء اقلعي . . ٤ فلم أبلغ غاية معرفتها و لم أقدر على الاتيان بمثلها فبيناهم في ذلك إذ مر بهم جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام فقال :قل لئن اجتمعت الانس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا

____________________

( ١ ) يوسف : ٨٠ .

( ٢ ) الحج : ٧٣ .

( ٣ ) الانبياء : ٢٢ .

( ٤ ) هود : ٤٤ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

يسمع ضرب الحديد على الحديد كأصوات القصار. وكان إبراهيم في طليعة جيشه ، فكان لا يضرب رجلا إلا صرعه ، وجعل إبراهيم يطرح الرجال بين يديه كالمعزى.وحمل أصحابه حملة رجل واحد ، واشتدّ القتال حتى صلّوا صلاة الظهر بالتكبير والإيماء. وقتل من الفريقين قتلى كثيرة ، وانهزم أصحاب ابن زياد.

وحمل إبراهيم بن الأشتر على عبيد الله بن زياد وهو لا يعرفه ، فضربه إبراهيم ضربة قطعه نصفين ، وذهبت رجلاه في المشرق ويداه في المغرب ، وعجّل الله بروحه إلى النار.

فلما انهزم أصحاب ابن زياد ، قال إبراهيم لأصحابه : إني قتلت رجلا تحت راية منفردة على شاطئ نهر الخازر ، فالتمسوه فإني شممت منه رائحة المسك ، شرّقت يداه ، وغرّبت رجلاه. فطلبوه فإذا هو عبيد الله بن زياد قتيلا. فاحتزوا رأسه وأخذوه ، وأحرقوا جثته. فلما رآه إبراهيم قال : الحمد لله الّذي أجرى قتله على يدي.

٨٢٩ ـ قتل الحصين بن نمير :

وحمل شريك التغلبي على الحصين بن نمير ، وهو يظنه عبيد الله بن زياد ، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه ، فنادى التغلبي : اقتلوني وابن الزانية ، فقتلوا الحصين.وهذا الشرّير هو الّذي تولى الهجوم على الكعبة المشرفة وهدمها في عهد يزيد ، بعد أن هلك صاحبه مسلم بن عقبة الّذي سبى المدينة المنورة ثلاثة أيام.

وأنفذ إبراهيم الأشتر برأس عبيد الله بن زياد ، ورؤوس قواده ومنها رأس الحصين بن نمير إلى المختار ، وفي آذانهم رقاع فيها أسماؤهم. فقدموا عليه وهو يتغدى ، فحمد الله على الظفر. فلما فرغ من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ، ثم رمى بها إلى غلامه وقال : اغسلها ، فإني وضعتها على وجه نجس كافر.

وألقيت الرؤوس في القصر بين يديه ، فألقاها في المكان الّذي وضع فيه رأس الحسينعليه‌السلام ورؤوس أصحابه. ونصب المختار رأس ابن زياد في المكان الّذي نصب فيه رأس الحسينعليه‌السلام . ثم ألقاه في اليوم الثاني في الرحبة مع الرؤوس.

٨٣٠ ـ دخول الحية في منخر عبيد الله بن زياد :

(لواعج الأشجان والأخذ بالثار ، ص ٣٠٢)

ولما وضع رأس ابن زياد أمام المختار ، جاءت حيّة دقيقة فتخللت الرؤوس ،

٦٨١

حتى دخلت في فم عبيد الله بن زياد ، ثم خرجت من منخره ، ودخلت من منخره وخرجت من فيه ، فعلت ذلك مرارا. فقال المختار : دعوها دعوها.

وفي (أعيان الشيعة) ج ٤ ص ٢٩٧ :

قال ابن حجر في صواعقه : وقد صحّ عند الترمذي ، أنه لما جيء برأس ابن زياد ، ونصب في المسجد (في الكوفة) مع رؤوس أصحابه ، جاءت حيّة فتخللت الرؤوس حتى دخلت في منخره ، فمكثت هنيهة ثم خرجت ، ثم جاءت ففعلت كذلك مرتين أو ثلاثا. وكان نصبها في محل نصبه لرأس الحسينعليه‌السلام .

٨٣١ ـ رأس ابن زياد بين يدي زين العابدينعليه‌السلام :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٩)

قال اليعقوبي : وجّه المختار بن أبي عبيد الثقفي (بعد أن قتل عبيد الله بن زياد) برأسه إلى علي بن الحسينعليه‌السلام في المدينة ، مع رجل من قومه ، وقال له : قف بباب علي بن الحسينعليه‌السلام ، فإذا رأيت أبوابه قد فتحت ودخل الناس ، فذلك الّذي فيه طعامه ، فادخل إليه.

فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسينعليه‌السلام ، فلما فتحت أبوابه ودخل الناس للطعام ، دخل ونادى بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومهبط الملائكة ، ومنزل الوحي ، أنا رسول المختار بن أبي عبيد الثقفي ، معي رأس عبيد الله ابن زياد.

فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلا صرخت. ودخل الرسول فأخرج الرأس. فلما رآه علي بن الحسينعليه‌السلام قال : أبعده الله إلى النار.

وروى بعضهم أن علي بن الحسينعليه‌السلام لم ير ضاحكا قط منذ قتل أبوه ، إلا في ذلك اليوم. وإنه كان لزين العابدينعليه‌السلام إبل تحمل الفاكهة من الشام ، فلما أتي برأس عبيد الله بن زياد ، أمر بتلك الفاكهة ففرّقت بين أهل المدينة. وامتشطت نساء آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واختضبن ، وما امتشطت امرأة ولا احتضبت منذ قتل الحسين ابن عليعليه‌السلام .

٦٨٢

ترجمة المختار بن أبي عبيد الثقفي

ولد المختار في عام الهجرة ، وحضر مع أبيه وقعة قيس الناطف ، وهو ابن ١٣ سنة ، وكان ينفلت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمّه ، فنشأ مقداما شجاعا لا يتقي شيئا ، وتعاطى معالي الأمور. وكان ذا عقل وافر ، وجواب حاضر. وخلال مأثورة ، ونفس بالسخاء موفورة. وفطرة تدرك الأشياء بفراستها ، وهمّة تعلو على الفراسة بنفاستها. وحدس مصيب ، وكفّ في الحروب مجيب. ومارس التجارب فحنّكته ، ولا بس الخطوب فهذّبته.

حبسه ابن زياد بالكوفة ، وذلك قبل أن يصل الحسينعليه‌السلام إلى العراق.وبقي في السجن حتى قتل الحسينعليه‌السلام ، فشفّع فيه عبد الله ابن عمر بن الخطاب زوج أخته صفية ، لدى يزيد بن معاوية ، فأطلق من السجن بأمر من يزيد.

وكان ظهوره لأخذ ثأر الحسينعليه‌السلام في الكوفة سنة ٦٦ ه‍ ، فبايعه الناس على كتاب الله وسنّة رسوله ، للطلب بدم الحسينعليه‌السلام وأصحابه والدفع عن الضعفاء. فاستتبّ له الأمر ، وذلك لما استولى على الكوفة وضواحيها ، ثم امتلك الموصل. وعظم شأنه وراح يطلب بثأر الحسينعليه‌السلام . وقتل جلّ من حضر الطف ، وهدم دورهم. وجدّ مصعب بن الزبير وهو في البصرة في كسر شوكته ، فقاتله. ونشبت الحرب بينهما ، وأسفرت عن مقتل المختار سنة ٦٧ ه‍رحمه‌الله .

٨٣٢ ـ رأي أهل البيتعليه‌السلام في المختار :

روى المجلسي في (البحار) ج ١٠ ص ٢٨٣ ط ١ ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال :رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو يمسح رأسه ويقول : يا كيّس يا كيّس ، فسمّي كيسان.

وقال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : لا تسبّوا المختار ، فإنه قتل قتلتنا ، وطلب ثأرنا ، وزوّج أراملنا ، وقسم فينا المال على العسرة.

ولقد كثرت الأقاويل على المختاررحمه‌الله . وبعد مقتله دخل ابنه الحكم على

٦٨٣

الإمام الباقرعليه‌السلام قال : سيدي لقد كثر كلام الناس بأبي ، إنهم يطعنون به!. فقال الإمامعليه‌السلام : الناس يطعنون بأبيك؟!. قال : نعم. فقال الإمام الباقرعليه‌السلام :أولم يقتل قتلتنا؟. أولم يبن دورنا؟. أولم ينتقم لدمائنا؟. فرحم الله أباك. وقد ترحّم عليه أيضا الإمام الصادقعليه‌السلام ، ودعا له الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

ولقد تتبّع المختار قتلة الحسينعليه‌السلام ، حتى قتل منهم ثمانية عشر ألفا ، كما في إحدى الروايات.

٨٣٣ ـ مقتل المختاررحمه‌الله :

ولما علم عبد الله بن الزبير بقيام المختار في الكوفة ، بعث بجيش إليها بقيادة أخيه مصعب بن الزبير. ودارت المعركة بينهما عند القصر ، وقتل المختار في اليوم الثامن من شهر رمضان سنة ٦٧ ه‍ ، قتله طارف وطريف ابنا عبد الله بن زجاجة.

وكان للمختار عندما استشهد أربع زوجات ، فقبض مصعب عليهن ، فأمرهن بالبراءة من زوجهن ، فتبرأت اثنتان ، وأبت اثنتان وهما : بنت سمرة بن جندب ، وبنت النعمان بن بشير الأنصاري. فعرض عليهما البراءة أو السيف ، فتبرأت بنت سمرة ، وأبت بنت النعمان ، وقالت : اللهم اشهد أني متّبعة نبيّك وابن بنت نبيك ، والله لا أتبرأ منه. فأخرجها مصعب وقتلها بين الكوفة والحيرة رحمها الله.

ثم مثّل مصعب بالمختار بعد قتله ، فقطع يده وضربها بمسمار وعلّقها بجدار من جدران الكوفة.

قال الطبري : بقيت اليد معلّقة إلى زمن الحجاج ، فأخذ اليد ودفنها ، وذلك لأن المختار كان ثقفيا والحجاج ثقفيا ، وكان المختار عديلا للحجاج.

٨٣٤ ـ عجائب في قصر الإمارة بالكوفة :

قال عبد الملك بن عمير : (الكنى والألقاب للشيخ عباس القمّي ، ج ٢ ص ٣٦٢)

كنت عند عبد الملك بن مروان بقصر الكوفة ، حين جيء برأس مصعب بن الزبير فوضع بين يديه ، فرآني قد ارتعدت!. فقال لي : مالك؟.

قلت : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين ؛ كنت بهذا الموضع مع عبيد الله بن زياد ، فرأيت رأس الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام بين يديه في هذا المكان. ثم كنت فيه مع المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فرأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يديه. ثم كنت

٦٨٤

فيه مع مصعب بن الزبير هذا ، فرأيت رأس المختار بين يديه. ثم هذا رأس مصعب ابن الزبير بين يديك!.

قال : فقام عبد الملك بن مروان من موضعه ، وأمر بهدم ذلك القصر الّذي كنا فيه.

من تداعيات ثورة كربلاء :

كانت نهضة الحسينعليه‌السلام سنة ٦١ ه‍ سببا لنشوء ثورات عديدة ضد الأمويين والعباسيين ، منها :

١ ـ انتفاضة المدينة سنة ٦٣ ه‍.

٢ ـ ثورة التوابين في ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ، بعد هلاك يزيد.

٣ ـ ثورة المختار الثقفي سنة ٦٦ ه‍.

٤ ـ ثورة زيد بن علي سنة ١٢٢ ه‍ ، في زمن هشام بن عبد الملك.

٥ ـ انتفاضة يحيى بن زيد سنة ١٢٥ ه‍.

٦ ـ ثورة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر سنة ١٢٧ ه‍.

٧ ـ ثورة الحسين بن الحسن في (فخ) قرب مكة سنة ١٦٩ ه‍.

٦٨٥
٦٨٦

الباب التاسع

جرائم يزيد ونهايته

ويتضمن :

الفصل ٣٣ ـ أعمال يزيد بعد كربلاء :

مقدمة الفصل

ـ مراسلات ومناورات

ـ وقعة الحرّة : استباحة المدينة ثلاثة أيام

ـ حصار الكعبة المشرّفة وضربها بالمنجنيق

ـ هلاك الطاغية يزيد

ـ خلافة معاوية الثاني

الفصل ٣٤ ـ يزيد وأبوه في الميزان :

ـ ترجمة يزيد بن معاوية

ـ نسب يزيد

ـ الملامح الهاشمية ، والأحقاد الأموية

ـ لا مقارنة بين الحسينعليه‌السلام ويزيد

ـ كفر يزيد وارتداده

ـ لعن يزيد وسبّه

ـ قبر يزيد ومعاوية

ـ قصيدة الشاعر محمّد المجذوب

ـ مظاهر العدل الإلهي

ـ العاقبة للمتقين ، والعبرة في المصير.

٦٨٧
٦٨٨

الفصل الثالث والثلاثون

أعمال يزيد بعد كربلاء

مقدمة الفصل :

لم تنته أعمال يزيد في محو الدين ، وقتل أعلام المسلمين ، عند كربلاء ؛ بل تابع يزيد مخططه الإجرامي ، بقتل أهل الحرمين : المدينة المنوّرة ومكة المكرّمة.فاستحق بذلك عقوبة السماء ، بأن يبتر عمره ، فيموت في ظروف غامضة ، بعد ثلاث سنوات فقط من حكمه الدموي ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«بشّر القاتل بالقتل ، ولو بعد حين».

وكان يزيد قد بعث إلى أهل المدينة يطلب منهم البيعة له ، فأرسلوا وفدا إلى دمشق ، فلما رأوا بأمّ أعينهم واقع يزيد من الفسق والكفر والتهتك ، رجعوا إلى أهلهم وأخبروهم بحاله ، فامتنع أهل المدينة عن البيعة ليزيد ، وأعلنوا العصيان المدني ، وطردوا والي المدينة ومعه كل بني أمية ، وعلى رأسهم مروان ابن الحكم العدو الماكر للإسلام والمسلمين.

فما كان من يزيد إلا أن بعث إليهم جيشا بقيادة مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي حاصر المدينة المنورة ، ثم دخلها في وقعة (الحرّة) ، وقتل كل أبناء الصحابة والتابعين ، واستباح نساء الأنصار والمهاجرين ، مدة ثلاثة أيام ، حتى قيل إنه ولدت في تلك السنة ألف عذراء ، أولادا لا يعرف لهم آباء. وسمّي هذا السفاك (مسرفا) لكثرة ما أسرف في قتل أهل المدينة ، مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكانت تلك وصمة عار كبيرة في جبين الإسلام بعد كربلاء ، أتبعتها وصمة

لا تقلّ عنها ، حين أمر يزيد جيشه أن يذهب إلى مكة ويغزوها. فلما مات مسلم بن عقبة في الطريق ، تولى قيادة الجيش الحصين بن نمير ، الّذي ذهب إلى مكة وحاصرها ، وطبّق عليها تعاليم ولي أمره بحذافيرها ، فضرب الكعبة بالمنجنيق حتى تهدمت وأخذت النار فيها.

٦٨٩

وبينما كان جيش الشام يضرب الكعبة بالعرّادات والمجانق ، جاء الخبر بهلاك يزيد ، لا ردّه الله.

ورغم أن هذه الحوادث لا علاقة مباشرة لها بصلب كتابنا ، إلا أنني آثرت ذكرها لكشف حقيقة يزيد ، وأنه مارق من الدين ، كما يمرق السهم من الرميّة. وكما قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٩٠ :

فهذه الوقائع وإن لم تكن من غرض كتابنا ، لكن ذكرتها ليزيد لك العلم بمزيد شقاوة يزيد وخذلانه ، وتعلم أنه لم يندم على ما صدر عنه ، بل كان مصرّا على غيّه ، مستمرا في طغيانه ، إلى أن أماته الله المنتقم العظيم ، وأوصله إلى دركات الجحيم.

٨٣٥ ـ عبد الله بن الزبير يدعو ابن عباس إلى بيعته ، فيأبى :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٥ ط ٢ نجف)

ذكر الواقدي وهشام ابن الكلبي وابن اسحق وغيرهم ، قالوا : لما قتل الحسينعليه‌السلام بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن عباس ليبايعه ، وقال : أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر ، ولقد علمت سيرتي وسيرته ، وسوابق أبي الزبير مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوابق معاوية.

فامتنع ابن عباس ، وقال : الفتنة قائمة ، وباب الدماء مفتوح ، ومالي ولهذا ، إنما أنا رجل من المسلمين.

وقال الخوارزمي في مقتله ، ج ٢ ص ٧٧ :

لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثار عبد الله بن الزبير ، فدعا ابن عباس إلى بيعته ، فامتنع ابن عباس. وظن يزيد بن معاوية أن امتناع ابن عباس كان تمسّكا منه ببيعته ، فكتب إليه (يستميله)

٨٣٦ ـ عداوة عبد الله بن الزبير لأهل البيتعليه‌السلام ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحتجم وابن الزبير يشرب دمه :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٤)

أخرج أبو يعلى في مسنده عن عبد الله بن الزبير ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احتجم ، فلما فرغ قال له : يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد. فلما ذهب شربه.فلما رجع قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما صنعت بالدم؟. قال : عمدت إلى أخفى موضع علمت

٦٩٠

فجعلته فيه. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعلك شربته؟!. قال : نعم. قال : ويل للناس منك ، وويل لك من الناس. فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.

مراسلات ومناورات

٨٣٧ ـ كتاب يزيد إلى ابن عباس ، يستميله ضد ابن الزبير :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٧)

وأقام عبد الله بن الزبير بمكة [بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ] خالعا يزيد ، ودعا إلى نفسه ولم يبايعه عبد الله بن عباس ، ولا عبد الله بن عمر.

فبلغ يزيد بن معاوية أن عبد الله بن عباس قد امتنع على ابن الزبير ، فسرّه ذلك ، وكتب إلى ابن عباس كتابا يمتدحه فيه ويستميله إليه ، ويقول :

«أما بعد ، فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير (في حرم الله) دعاك إلى بيعته ، وعرض عليك الدخول في طاعته ، لتكون له على الباطل ظهيرا ، وفي المأثم شريكا ، وأنك امتنعت عليه ، واعتصمت ببيعتنا ، وفاء منك لنا ، وطاعة لله فيما عرّفك من حقنا.فجزاك الله عن ذي رحم بأحسن ما يجزي به الواصلين لأرحامهم (الموفين بعهودهم) ، فإني ما أنسى من الأشياء فلست بناس برّك وحسن جزائك ، وتعجيل صلتك ، بالذي أنت مني أهله ، في الشرف والطاعة والقرابة بالرسول. وانظر رحمك الله فيمن قبلك من قومك (من بحضرتك من أهل البيت) ، ومن يطرؤ (يرد) عليك من الآفاق (البلاد) ، ممن يسحره الملحد (ابن الزبير) بلسانه وزخرف قوله ، فأعلمهم حسن رأيك في طاعتي ، والتمسك ببيعتي ، فإنهم لك أطوع ، ومنك أسمع ، منهم للمحلّ الملحد ، والسلام».

٨٣٨ ـ ردّ ابن عباس على كتاب يزيد :(المصدر السابق ، ص ٢٤٨)

فردّ عليه ابن عباس كتابه وفنّده تفنيدا ، بكلام يشفي مكامن النفس ، ويزيل غياهب اللبس. وسوف أقتطع من هذا الكلام ما يتعلق بالحسين وآله الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام. يقول ابن عباس :

من عبد الله بن عباس إلى يزيد بن معاوية.

أما بعد ، فقد بلغني كتابك ، تذكر دعاء ابن الزبير إياي إلى نفسه ، وإقناعي عليه

٦٩١

في الّذي دعاني إليه من بيعته ، فإن يكن ذلك كما بلغك ، فلست حمدك أردت ولا ودّك ، ولكن الله بالذي أنوي به عليم.

وزعمت أنك لست بناس (برّي وتعجيل صلتي ، فاحبس أيها الإنسان برّك وتعجيل صلتك ، فإني حابس عنك) ودّي ، فلعمري (إنك) ما تؤتينا مما في يديك من حقنا إلا القليل ، وإنك لتحبس عنا منه العريض الطويل.

ـ أنسيت قتل الحسينعليه‌السلام ؟! :

وسألتني أن أحثّ الناس عليك (على طاعتك) ، وأخذّلهم عن ابن الزبير ، فلا (مرحبا ولا كرامة) ، ولا سرورا ولا حبورا ، وأنت قتلت الحسين بن عليعليه‌السلام .بفيك الكثكث(١) ، ولك الأثلب(٢) . إنك إن تمكّنك نفسك ذلك ، لعازب الرأس ، وإنك لأنت المفند(٣) المهوّر.

ولا تحسبني ـ لا أبا لك ـ نسيت قتلك حسينا وفتيان بني عبد المطلب ، مصابيح الدجى (الهدى) ، ونجوم الأعلام. غادرهم جنودك (بأمرك) مصرّعين في صعيد (واحد) ، مرمّلين بالتراب (مضرّجين بالدماء) ، مسلوبين بالعراء (مقتولين بالظماء) ، لا مكفّنين (ولا موسّدين) ، تسفي عليهم الرياح ، وتعاورهم الذئاب ، وتنشي بهم عرج الضباع (البطاح). حتى أتاح الله لهم أقواما لم يشتركوا في دمائهم ، فأجنّوهم (واروهم) في أكفانهم. وبي والله وبهم عززت ، وجلست مجلسك الّذي جلست ، يا يزيد.

وما أنس من الأشياء فلست بناس اطرادك الحسين بن علي (طردك حسينا) من حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حرم الله ، ودسّك إليه الرجال تغتاله. فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة ، فخرج منها خائفا يترقّب ، وقد كان أعزّ أهل البطحاء بالبطحاء قديما ، وأعزّ أهلها بها حديثا ، وأطوع أهل الحرمين لو تبوّأ بها مقاما ، واستحلّ بها قتالا ، ولكن كره أن يكون هو الّذي يستحلّ حرمة البيت وحرمة رسول الله ، فأكبر من ذلك ما لم تكبر ، حيث دسست إليه الرجال فيها ، ليقاتل في الحرم

__________________

(١) الكثكث : فتات الحجارة والتراب ، بكسر الكاف أو فتحها.

(٢) الأثلب : التراب أيضا.

(٣) الفند : ضعف الرأي.

٦٩٢

ثم إنك الكاتب إلى ابن مرجانة ، أن يستقبل حسينا بالرجال ، وأمرته بمعاجلته ، وترك مطاولته ، والإلحاح عليه ، حتى يقتله ومن معه من بني عبد المطلب ، أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ؛ فنحن أولئك ، لسنا كآبائك الأجلاف ، الجفاة الأكباد الحمير.

وفي رواية (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٦ :

فنحن أولئك ، لا آباؤك الجفاة الطغاة ، الكفرة الفجرة ، أكباد الإبل ، والحمير الأجلاف ، أعداء الله وأعداء رسوله. الذين قاتلوا رسول الله في كل موطن ، وجدّك وأبوك هم الذين ظاهروا على الله ورسوله. ولكن إن سبقتني قبل أن آخذ منك ثأري في الدنيا ، فقد قتل النبيّون قبلي ، وكفى بالله ناصرا( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) (٨٨) [ص : ٨٨].

ثم طلب الحسين بن عليعليه‌السلام إليكم الموادعة ، وسألكم الرجعة ، فاغتنمتم قلة أنصاره ، واستئصال أهل بيته ، فعدوتم عليهم ، فقتلتموهم كأنما قتلتم أهل بيت من الترك والكفر. فلا شيء عندي أعجب من طلبك ودّي ونصري ، وقد قتلت بني أبي ، وسيفك يقطر من دمي ، وأنت أحد ثأري. فإن يشأ الله لا يطلّ لديك دمي ، ولا تسبقني بثأري ، وإن سبقتني به في الدنيا ، فقبلنا ما قتل النبيّون وآل النبيين ، وكان الله الموعد ، وكفى به للمظلومين ناصرا ، ومن الظالمين منتقما. فلا يعجبنّك إن ظفرت بنا اليوم ، فو الله لنظفرنّ بك يوما.

ثم إنك تطلب مودتي وقد علمت لما بايعتك ، ما فعلت ذلك إلا وأنا أعلم أن ولد أبي وعمي أولى بهذا الأمر منك ومن أبيك ، ولكنكم معتدون مدّعون ، أخذتم ما ليس لكم بحق ، وتعدّيتم إلى من له الحق. وإني على يقين من الله أن يعذّبكم كما عذّب قوم عاد وثمود ، وقوم لوط وأصحاب مدين.

ألا ومن أعجب الأعاجيب ـ وما عشت أراك الدهر العجيب ـ حملك بنات عبد المطلب ، وغلمة صغارا من ولده ، إليك بالشام ، كالسبي المجلوب ، تري الناس (قدرتك علينا و) أنك قهرتنا ، وأنك تأمر علينا. ولعمري لئن كنت تصبح وتمسي آمنا لجرح (من جراحة) يدي ، إني لأرجو أن يعظم الله جراحك بلساني ، ونقضي وإبرامي ، فلا يستقرّ بك الجذل ، ولا يمهلك الله بعد قتلك عترة رسول الله إلا قليلا ، حتى يأخذك أخذا أليما ، فيخرجك الله من الدنيا ذميما أثيما. فعش لا أبا

٦٩٣

لك (ما استطعت) ، فقد والله أرداك عند الله ما اقترفت. والسلام على من أطاع الله (على من اتبع الهدى).

وقد ورد هذا الكتاب وردّه في (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٥ ؛ نقلا عن الواقدي وهشام ابن الكلبي وابن اسحق ، مع بعض الاختلافات ، وقد أثبتنا بعض ذلك بين قوسين.

تعليق المؤلف :

(أقول) : لا أدري بأي وجه لا يعرف الخجل والحياء ، يتصدى يزيد لمخاطبة حبر الأمة عبد الله بن عباس ، ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتلميذ ابن عمه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وهو الّذي ليس فحسب قتل الحسين سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما عمل على استئصال ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم ، حتى لم يبق منهم حتى الطفل الرضيع ، ناهيك عن تسيير نساء أهل البيتعليه‌السلام سبايا عرايا على جمال بلا وطاء من الكوفة إلى الشام ، كأنهن سبايا من الترك أو الديلم. وكما قال الشاعر :

بأية عين ينظرون محمدا

وقد قتلوا ظلما بنيه على عمد

وبالحق أقول : إن من لا دين له ، لا حياء له ، بل لا كرامة عنده. وإن ابن عباس ، الهاشمي المرجع ، الأبي المنزع ، لم يقصّر في تسديد سهامه وتسليط سياطه ، على جسد يزيد الخائر ، وقلبه السادر الغادر.

٨٣٩ ـ كتاب يزيد إلى محمّد بن الحنفية ، واستشارة ابن الحنفية لابنيه عبد الله وجعفر :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٩)

وكتب يزيد إلى محمّد بن الحنفية ، وهو يومئذ بالمدينة :

أما بعد ، فإني أسألك الله لي ولك عملا صالحا يرضى به عنا ، فإني ما أعرف اليوم في بني هاشم رجلا هو أرجح منك علما وحلما ، ولا أحضر منك فهما وحكما ، ولا أبعد منك عن كل سفه ودنس وطيش. وليس من يتخلّق بالخير تخلّقا ، ويتنحّل بالفضل تنحّلا ، كمن جبله الله على الخير جبلا. وقد عرفنا ذلك كله منك قديما وحديثا ، شاهدا وغائبا. غير أني قد أحببت زيارتك ، والأخذ بالحظ من رؤيتك ، فإذا نظرت في كتابي هذا ، فأقبل إليّ آمنا مطمئنا. أرشدك الله أمرك ، وغفر لك ذنبك. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

٦٩٤

فلما ورد الكتاب على محمّد بن علي [ابن الحنفية] وقرأه ، أقبل على ابنيه : جعفر وعبد الله أبي هاشم ، فاستشارهما في ذلك.

فقال له ابنه عبد الله : يا أبتي اتّق الله في نفسك ولا تصر إليه ، فإني خائف أن يلحقك بأخيك الحسينعليه‌السلام ولا يبالي. فقال له محمّد : ولكني لا أخاف منه ذلك.

وقال له ابنه جعفر : يا أبتي إنه قد اطمأنّك وألطفك في كتابه إليك ، ولا أظنه يكتب إلى أحد من قريش بأن (أرشدك الله أمرك ، وغفر لك ذنبك) ، وأنا أرجو أن يكفّ الله شرّه عنك.

ثم يذكر الخوارزمي : إن محمّد بن الحنفية عزم على المضي إلى يزيد ، وسار إليه. فاحتفى به يزيد ، وأجلسه على سريره ، واعتذر له عن قتل الحسينعليه‌السلام ، وتنصّل من ذلك ، وألقى تبعته على عبيد الله بن زياد. ثم طلب يزيد منه البيعة فبايعه ، ووصله بمال.

(أقول) : إن هذا الكلام مشكوك في صحته ، لأن محمّد بن الحنفية كان مريضا ولا يستطيع السفر ، ومن المستحيل عليه أن يذهب إلى يزيد ، ويبايع من قتل أخاه الحسينعليه‌السلام .

٨٤٠ ـ مشاحنة بين عبد الله بن عمر ويزيد :(البحار ، ج ٤٥ ص ٣٢٨ ط ٣)

قال العلامة المجلسي : روى البلاذري قال :

لما قتل الحسينعليه‌السلام كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية :

أما بعد ، فقد عظمت الرزية ، وحلّت المصيبة ، وحدث في الإسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم الحسينعليه‌السلام .

فكتب إليه يزيد : أما بعد يا أحمق ، فإننا جئنا إلى بيوت منجّدة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضّدة ، فقاتلنا عنها ، فإن يكن الحق لنا ، فعن حقنا قاتلنا ، وإن كان الحق لغيرنا ، فأبوك [أي عمر] أول من سنّ هذا ، وابتزّ واستأثر بالحق على أهله!.

٨٤١ ـ استنكار عبد الله بن عمر لأعمال يزيد :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٤٦)

في كتب التواريخ : لما قتل الحسينعليه‌السلام وورد نعيه إلى المدينة ، أقيمت المآتم عند أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزل أم سلمة ، وفي دور المهاجرين والأنصار.

٦٩٥

فخرج عبد الله بن عمر صارخا من داره ، لاطما وجهه ، شاقا جيبه ، يقول : يا معشر بني هاشم وقريش والمهاجرين والأنصار ، يستحلّ هذا من رسول الله في أهله وذريته ، وأنتم أحياء ترزقون!.

وخرج من المدينة تحت ليله ، لا يرد مدينة إلا صرخ فيها ، واستنفر أهلها على يزيد. فلم يمرّ بملأ من الناس إلا تبعه ، وقالوا : هذا عبد الله بن عمر ، ابن خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينكر فعل يزيد.

حتى ورد دمشق ، وأتى باب يزيد في خلق من الناس ، واضطرب الشام ؛ فاستأذن عليه. قال يزيد : فورة من فورات أبي محمّد ، وعن قليل يفيق منها. فأذن يزيد لعبد الله وحده ، فدخل صارخا يقول : لا أدخل يا أمير ، وقد فعلت بأهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لو تمكنت الروم والترك ما استحلوا ما استحللت ، ولا فعلوا ما فعلت. قم عن هذا البساط حتى يختار المسلمون من هو أحقّ به منك.

فرحّب به يزيد ، وتطاول له وضمّه إليه. وقال : يا أبا محمّد ، اسكن من فورتك وبغيك ، واسمع بأذنك : ما تقول في أبيك عمر ، أكان هاديا مهديا ، خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وناصره ومصاهره بأختك حفصة؟. فقال : هو كما وصفت. قال يزيد :أفترضى به وبعهده إلى أبي معاوية ، أو ما ترضاه؟. قال : بل أرضى. فضرب بيده على يد عبد الله ، وقال : قم حتى تقرأ. فقام معه ، حتى ورد خزانة من خزائنه فدخلها ، ودعا بصندوق ففتحه ، واستخرج منه تابوتا مقفلا مختوما ، فاستخرج منه طومارا لطيفا ، في خرقة حرير سوداء. فقال : هذا خط أبيك؟. قال : إي والله.قال : اقرأ حتى تعلم أني ما فعلت إلا على حسب هذا الطومار. فقرأه ابن عمر ورضي بذلك ، وحسّن فعله [أي مدح فعل يزيد].

وقعة الحرّة

(واستباحة يزيد المدينة المنوّرة ثلاثة أيام)

٨٤٢ ـ لما ذا خلع أهل المدينة والي يزيد وأنكروا بيعته؟ :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٨ ط ٢ نجف)

وسبب وقعة الحرّة ، ما رواه الواقدي وابن اسحق وهشام بن محمّد الكلبي : أن جماعة من أهل المدينة وفدوا على يزيد سنة ٦٢ ه‍ بعدما قتل الحسينعليه‌السلام فرأوه

٦٩٦

يشرب الخمر ويلعب بالطنابير والكلاب. فلما عادوا إلى المدينة أظهروا سبّه وخلعوه ، وطردوا عامله عثمان بن محمّد بن أبي سفيان. وقالوا : قدمنا من عند رجل لا دين له ، يسكر ويدع الصلاة.

وبايعوا عبد الله بن حنظلة [غسيل الملائكة] ، وكان ابن حنظلة يقول : يا قوم والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء. رجل ينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، ويقتل أولاد النبيين!. والله لو يكون عندي أحد من الناس ، لأبلي الله فيه بلاء حسنا.

فبلغ الخبر إلى يزيد ، فبعث إليهم مسلم بن عقبة المري ، في جيش كثيف من أهل الشام ، فأباحها ثلاثا ، وقتل ابن غسيل الملائكة والأشراف. وأقام ثلاثا ينهب الأموال ويهتك الحريم.

٨٤٣ ـ توصية يزيد لمسلم بن عقبة حين أرسله إلى الحجاز :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٦٥)

وقد ذكر بعض الثقات فيما وقع بالمدينة من يزيد ، فقال : لما ولي يزيد بن معاوية الخلافة ، عصت عليه أهل المدينة لعدم أهليته للخلافة فبعث إليهم يزيد جيشا عظيما ، وأمّر عليهم مسلم بن عقبة ، وقال له : إذا ظفرت بالمدينة ، فخلّها للجيش ثلاثة أيام ، يسفكون الدماء ويأخذون الأموال ويفسقون بالنساء. وإذا فرغت توجّه لمكّة لقتال عبد الله بن الزبير.

٨٤٤ ـ خبر وقعة الحرّة بالمدينة المنورة :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٠)

يقول اليعقوبي : ثم إن يزيد ولّى على المدينة عثمان بن محمّد بن أبي سفيان الثقفي ، فامتنع أهل المدينة عن دفع صوافي الحنطة والتمر إليه ، ثم وثبوا به وبمن كان معه بالمدينة من بني أمية ، وأخرجوهم من المدينة ، واتّبعوهم يرجمونهم بالحجارة.

فلما انتهى الخبر إلى يزيد بن معاوية ، وجّه إلى مسلم بن عقبة ، فأقدمه من فلسطين وهو مريض ، فأدخله منزله ، ثم قصّ عليه القصة. فقال : يا أمير المؤمنين فوجّهني إليهم ، فو الله لأدعنّ أسفلها أعلاها [يقصد مدينة الرسول]. فوجّهه في خمسة آلاف إلى المدينة ، فأوقع بأهلها وقعة الحرّة ، وجيشه مؤلف من ألف رجل من فلسطين ، وألف من الأردن ، وألف من دمشق ، وألف من حمص ، وألف من قنّسرين [حلب].

٦٩٧

فقاتله أهل المدينة قتالا شديدا ، وحفروا خندقا حول المدينة ، فرام [ابن عقبة] ناحية من نواحي الخندق ، فتعذّر ذلك عليه ، فخدع مروان بن الحكم بعضهم ، فدخل من منطقة الحرّة ومعه مائة فارس ، فأتبعه الخيل حتى دخلت المدينة. وعملوا في أهل المدينة بالقتل والتنكيل حتى لم يبق بها من الرجال إلا القليل. واستباح حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ولدت الأبكار ولا يعرف من أولدهن.

ثم أخذ مسلم بن عقبة الناس على أن يبايعوا على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية.فكان الرجل من قريش يؤتى به ، فيقال له : بايع أنك عبد قنّ ليزيد ، فيقول : لا أبايع!. فيضرب عنقه.

وكان ذلك في ذي الحجة [أحد الأشهر الحرم] سنة ٦٣ ه‍. وسمّي مسلم ابن عقبة من شدة إسرافه في القتل (مسرفا).

وجاء في كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة ، ج ١ ص ١٨٥ : وذكروا أنه قتل يوم الحرة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانون رجلا ، ولم يبق بدري بعد ذلك ، ومن قريش والأنصار سبعمائة ، ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف.

٨٤٥ ـ استشارة مسلم بن عقبة لمروان بن الحكم لغزو المدينة :

(الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤١٩)

قال ابن الأثير : طرد أهل المدينة كل من كان فيها من بني أمية ، وفيهم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك. فساروا بأثقالهم حتى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى.فدعا بعمرو بن عثمان بن عفان أول الناس ، فقال له : خبّرني ما وراءك وأشر عليّ.فقال : لا أستطيع ، قد أخذت علينا العهود والمواثيق أن لا ندلّ على عورة ولا نظاهر عدونا. فانتهره وقال : والله لو لا أنك ابن عثمان لضربت عنقك!. وايم الله لا أقيلها قرشيا بعدك.

فخرج عمرو بن عثمان إلى أصحابه فأخبرهم خبره. فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك : ادخل قبلي لعله يجتزئ [أي يكتفي] بك عني. فدخل عبد الملك. فقال مسلم : هات ما عندك. فقال : نعم ، أرى أن تسير بمن معك ، فإذا انتهيت إلى (ذي نخلة) نزلت ، فاستظل الناس في ظله ، فأكلوا من صقره. فإذا أصبحت من الغد مضيت ، وتركت المدينة ذات اليسار ، ثم درت بها حتى تأتيهم من قبل (الحرّة) مشرّقا ، ثم تستقبل القوم. فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم الشمس ، طلعت بين

٦٩٨

أكناف أصحابك فلا تؤذيهم ، ويصيبهم أذاها ، ويرون من ائتلاق بيضكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم ما لا ترونه أنتم ، ما داموا مغرّبين. ثم قاتلهم واستعن الله عليهم.

فقال له مسلم : لله أبوك أيّ امرئ ولد.

ثم إن مروان دخل عليه ، فقال لمسلم : إيه ، أليس قد دخل عليك عبد الملك؟.قال : بلى. قال : إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني.

ثم إن مسلم صار في كل مكان ، يصنع ما أمر به عبد الملك.

٨٤٦ ـ معركة الحرّة نكسة للإسلام :

(مختصر تاريخ العرب تأليف سيد أمير علي ، ص ٧٥)

ودارت بين الفريقين معركة هائلة ، أسفرت عن هزيمة أهل المدينة ، وقتل زهرة شباب الأنصار والمهاجرين ، وانتهاك حرمة مأوى الرسول ومهبط الوحي. وهكذا قدّر للذين عضدوا رسولهم في وقت الشدة أن يتعرّضوا لأبشع تنكيل لا يعرف التاريخ له مثيلا.

ويعلق مؤرخ أوروبي على هذه الحادثة بقوله : إن تأثير هذا الحادث على العالم الإسلامي كان مروّعا ، فكان الأمويون قد أرادوا أن يوفوا ما عليهم من دين ، حينما عاملهم الرسول وجيشه بالرحمة والعطف. فشرّدوا وقتلوا خيرة شباب المدينة ورجالها الميامين ، كما أجبروا من تبقّى منهم على مبايعة يزيد على أنهم خول [أي عبيد] له ، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ، فمن امتنع عن ذلك وصمه بالكيّ على رقبته [أي أحمى له ختما وطبعه على رقبته ، حتى يعرف أنه صار عبدا ليزيد].

وفي تلك الموقعة هدمت معظم المدارس والمنشآت العامة ، ودخلت شبه جزيرة العرب في عهد مظلم شديد الحلكة ، حتى قيّض الله لها جعفر الصادقعليه‌السلام بعد بضع سنوات ، فبعث في المدينة روح الحركة العلمية ، التي كانت قد ازدهرت في عهد الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٨٤٧ ـ حصيلة وقعة الحرّة من القتلى :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٩ ط ٢ نجف)

وذكر المدائني في كتاب (الحرّة) عن الزهري قال : كان القتلى يوم الحرة سبعمائة

٦٩٩

من وجوه الناس ؛ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي. وأما من لم يعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف.

ـ وخاض أهل المدينة بالدماء :

وخاض الناس في الدماء ، حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامتلأت الروضة والمسجد.

قال مجاهد : التجأ الناس إلى حجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنبره ، والسيف يعمل فيهم.وكانت وقعة الحرة سنة ٦٣ ه‍ في ذي الحجة [الشهر الحرام]. فكان بينها وبين موت يزيد ثلاثة أشهر. ما أمهله الله بل أخذه أخذ القرى وهي ظالمة.

٨٤٨ ـ مثال من وحشية جنود يزيد بن معاوية :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج ١ ص ١٨٤)

قال أبو معشر : دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها : هل من مال؟. قالت : لا والله ما تركوا لي شيئا. فقال :والله لتخرجنّ إليّ شيئا أو لأقتلنك وصبيّك هذا. فقالت له : ويحك إنه ولد (ابن أبي كبشة الأنصاري) صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولقد بايعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه يوم بيعة الشجرة فاتق الله. ثم قالت لابنها : يا بني ، والله لو كان عندي شيء ، لافتديتك به.

قال الراوي : فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه ، فجذبه من حجرها ، فضرب به الحائط ، فانتثر دماغه في الأرض.

قال : فلم يخرج من البيت حتى اسودّ نصف وجهه ، وصار مثلا.

محاصرة الكعبة وضربها بالمنجنيق

المنجنيق كلمة فارسية (من جه نيك) تعني : ما أحسنني!. وهو ما أحسنه إذا استخدم في رمي حصون الشرك والكفر ، وليس في رمي البيت الحرام والكعبة المشرّفة ، كما فعل الحصين بن نمير ، والحجاج بن يوسف فيما بعد.

٨٤٩ ـ محاصرة الكعبة المشرفة :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥١)

قال اليعقوبي : وخرج مسرف من المدينة يريد محاربة ابن الزبير بمكة ، فلما كان في الطريق مات ، واستخلف الحصين بن نمير.

٧٠٠

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800