موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 515689 / تحميل: 6237
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، بألسنتهم ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ، فكانوا يتحيّنون الفرصة لإظهار بغضهم الدفين ، فلمّا اتيحت لهم الفرصة بوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انقلبوا على أعقابهم ، وفعلوا ما فعلوا ظلما وعنادا.

وبعضهم للحسد والكبرياء ، لأنّهم كانوا أسنّ من الإمام عليّعليه‌السلام ، وهو يوم ذاك لم يبلغ الأربعين من العمر ، فثقل عليهم أن يخضعوا له ويطيعوا أمره!

لهذه الأسباب ونحوها تركوا خليفة نبيّهم وخذلوه وكادوا يقتلونه ، كما كاد بنو إسرائيل أن يقتلوا هارون!!

لذلك روى ابن قتيبة وهو من كبار علمائكم ، في كتابه الإمامة والسياسة ، صفحه ١٣ ـ ١٤ / ط مطبعة الامة بمصر تحت عنوان : «كيف كانت بيعة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه».

قال : وإنّ أبا بكر (رض) تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها!

فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة!

فقال : وإن!!

فخرجوا وبايعوا إلاّ عليّا فأخرجوا عليّا ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع.

فقال : إن أنا لم أفعل فمه؟!

٢٨١

قالوا : إذا والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك!!

قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله.

قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا!

وأبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك؟!!

فقال : لا اكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق عليّ بقبر رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يصيح ويبكي وينادي :( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

ونقل أكثر المؤرّخين الموثّقين عندكم أنّ الإمام عليّاعليه‌السلام تلا هذه الآية عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الحالة العصيبة ، وهي حكاية قول هارون عند أخيه موسى بن عمران حينما رجع من ميقات ربّه ، فشكى إليه قومه بني إسرائيل ، وكيف استضعفوه وصاروا ضدّه.

وإنّي أعتقد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم بأنّه سيجري من قومه على وصيه وخليفته من بعده ، ما جرى على هارون من أمّة موسى في غيبته ، ولذلك شبّه عليّاعليه‌السلام بهارون.

والإمام عليّعليه‌السلام لإثبات هذا المعنى خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند قبره فقال له ما قاله هارون لأخيه موسى ، قوله تعالى :( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢) .

فلمّا وصل حديثنا إلى هذه النقطة ، سكت الحافظ وبهت

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٥٠.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ١٥٠.

٢٨٢

الحاضرون ، وبدأ ينظر بعضهم إلى بعض ، في حالة من التفكّر والتعجّب.

فرفع النوّاب رأسه وقال : إذا كانت الخلافة حقّ الإمام عليّعليه‌السلام بعد النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مباشرة من غير تأخّر وذلك بأمر الله تعالى كما تقولون ، فلما ذا لم يصرّح به رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أمام أصحابه والذين آمنوا به؟!

فلو كان النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول بالصراحة : يا قوم! إنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي فيكم وهو بعدي أميركم والحاكم عليكم ؛ فلم يكن حينئذ عذر للأمّة في تركه ومبايعة غيره ومتابعة الآخرين!

قلت :

أوّلا : المشهور بين أهل اللغة والأدب بأنّ : «الكناية أبلغ من التصريح» فتوجد في الكناية نكات دقيقة ولطائف رقيقة لا توجد في التصريح أبدا.

مثلا المعاني الجمّة التي تستخرج من كلمة «المنزلة» فيما نحن فيه من البحث حول حديث المنزلة ، تكون أعمّ وأشمل من كلمة «الخليفة» لأنّ الخلافة تكون جزءا وفرعا لمنزلة هارون من موسى.

ثانيا : توجد تصريحات من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام .

النوّاب : هل يمكن أن تبيّنوا لنا تلك التصريحات وأعتذر أنا من هذا السؤال ، لأنّ علماءنا يقولون لنا : لا يوجد حديث صريح من

٢٨٣

رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في خلافة عليّ كرّم الله وجهه ، وإنّما الشيعة يؤوّلون بعض الأحاديث النبوية الشريفة في خلافة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه!

قلت : إنّ الّذين قالوا لكم هذا الكلام ، إمّا هم جهّال في زيّ أهل العلم ، أو علماء يتجاهلون! لأنّ الأحاديث الصريحة في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام وتعيينه دون غيره كثيرة ، وقد ذكرها علماؤكم الأعلام في الكتب المعتبرة ، وأنا الآن ابيّن لكم بعض ما يحضرني ، حسب ما يسمح به الوقت.

يوم الإنذار

أوّل مناسبة صرّح فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلافة الإمام عليّعليه‌السلام في أوان رسالته والإسلام بعد لم ينتشر ، بل كان لا يزال في مهده ولم يخرج من مكّة المكرّمة ، لمّا نزلت الآية الكريمة :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) .

روى الإمام أحمد ، في مسنده ١ / ١١١ و ١٥٩ و ٣٣٣.

والثعلبي في تفسيره ، عند آية الإنذار.

والعلاّمة الكنجي الشافعي ، في «كفاية الطالب» أفرد لها الباب الحادي والخمسين.

والخطيب موفّق بن أحمد الخوارزمي ، في المناقب.

ومحمد بن جرير الطبري ، في تفسيره عند آية الإنذار ، وفي

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية : ٢١٤.

٢٨٤

تاريخه ٢ / ٢١٧ بطرق كثيرة.

وابن أبي الحديد ، في «شرح نهج البلاغة».

وابن الأثير ، في تاريخه ، الكامل ٢ / ٢٢.

والحافظ أبو نعيم ، في «حلية الأولياء».

والحميدي ، في «الجمع بين الصحيحين».

والبيهقي ، في «السنن والدلائل».

وأبو الفداء ، في تاريخه ١ / ١١٦.

والحلبي ، في السيرة ١ / ٣٨١.

والإمام النسائي ، في الخصائص ، حديث رقم ٦٥.

والحاكم ، في المستدرك ٣ / ١٣٢.

والشيخ سليمان الحنفي ، في الينابيع ، أفرد لها الباب الحادي والثلاثين.

وغيرهم من كبار علمائكم ومحدّثيكم ومفسّريكم ، رووا ـ مع اختلاف يسير في العبارات ـ :

إنّه لمّا نزلت الآية الشريفة :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني عبد المطّلب ، وكانوا أربعين رجلا ، منهم من يأكل الجذعة(١) ويشرب العسّ(٢) ، فصنع لهم مدّا من طعام ، فأكلوا حتّى شبعوا ، وبقي كما هو!

ثمّ دعا بعسّ ، فشربوا حتّى رووا ، وبقي كأنّه لم يشرب!

__________________

(١) الجذعة : الشاة الصغيرة السّن ومن الإبل ما كان سنها أربع سنين الى خمس.

وقيل : سميت بذلك لأنها تجذع مقدّم أسنانها أي : تسقطه.

(٢) العسّ : القدح الضخم يروي الثلاثة والأربعة.

٢٨٥

ثمّ خاطبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلا :

يا بني عبد المطّلب! إنّ الله بعثني للخلق كافّة وإليكم خاصة ، وقد رأيتم ما رأيتم ، وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان وثقيلتين في الميزان ، تملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد لكم الامم ، وتدخلون بهما الجنّة ، وتنجون بهما من النار ، وهما : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله.

«فمن منكم يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به ويكن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي؟».

وفي بعض الأخبار : يكون أخي وصاحبي في الجنّة. وفي بعض الأخبار : يكون خليفتي في أهلي.

فلم يجبه أحد إلاّ عليّ بن أبي طالب ، وهو أصغر القوم.

فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس ، وكرّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقالته ثلاث مرّات ولم يجبه أحد ، إلاّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وفي المرّة الثالثة ، أخذ بيده وقال للقوم : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا.

هذا الخبر الهامّ الذي اتّفق على صحّته علماء الفريقين من الشيعة والسنّة.

تصريحات اخرى في خلافة عليّعليه‌السلام

وهناك تصريحات اخرى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن خلافة

٢٨٦

الإمام عليّعليه‌السلام ، ذكرها علماؤكم ومحدّثوكم الموثوقون لديكم في كتبهم المعتبرة ، منهم :

١ ـ الإمام أحمد في «المسند» والمير السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه «مودة القربى» في آخر المودّة الرابعة ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، قال «يا عليّ! أنت تبرئ ذمّتي ، وأنت خليفتي على أمّتي».

٢ ـ الإمام أحمد في «المسند» بطرق شتّى ، وابن المغازلي الشافعي في المناقب ، والثعلبي في تفسيره ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أنّه قال لعليّعليه‌السلام «أنت أخي ، ووصيّي ، وخليفتي ، وقاضي ديني».

٣ ـ العلاّمة الراغب الأصبهاني ، في كتابه محاضرات الأدباء ٢ / ٢١٣ ط. المطبعة الشرفية سنة ١٣٢٦ هجرية ، عن أنس بن مالك ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أنّه قال «إنّ خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، عليّ ابن أبي طالب».

٤ ـ المير السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه «مودّة القربى» في أوائل المودّة السادسة ، روى عن عمر بن الخطّاب ، قال : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لمّا آخى بين أصحابه قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) «هذا عليّ أخي في الدنيا والآخرة ، وخليفتي في أهلي ، ووصيّي في أمّتي ، ووارث علمي ، وقاضي ديني ، ماله منّي مالي منه ، نفعه نفعي ، وضرّه ضرّي ، من أحبّه فقد أحبّني ، ومن أبغضه فقد أبغضني».

٢٨٧

وفي رواية اخرى ـ في المودّة السادسة ـ قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مشيرا لعليّعليه‌السلام «وهو خليفتي ووزيري».

٥ ـ العلاّمة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، في كتابه «كفاية الطالب» في الباب الرابع والأربعين ، روى بسنده عن ابن عبّاس ، قال :

ستكون فتنة ، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وهو يقول «هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو بابي الذي اوتى منه ، وهو خليفتي من بعدي».

قال العلاّمة الكنجي : هكذا أخرجه محدّث الشام في فضائل عليّعليه‌السلام ، في الجزء التاسع والأربعين بعد الثلاثمائة من كتابه بطرق شتّى.

٦ ـ أخرج البيهقي والخطيب الخوارزمي وابن المغازلي الشافعي في «المناقب» :

عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أنّه قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لعليّعليه‌السلام «إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي ، وأنت أولى بالمؤمنين بعدي».

٧ ـ الإمام النسائي ، وهو أحد أئمّة الحديث وصاحب أحد

٢٨٨

الصحاح الستّة عندكم ، أخرج في كتابه (الخصائص) في ضمن الحديث ٢٣ :

عن ابن عبّاس ، أنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال لعليّعليه‌السلام «انت خليفتي في كلّ مؤمن من بعدي».

فالنبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يؤكّد في هذا الحديث أن عليّاعليه‌السلام خليفته من بعده ، أي : مباشرة وبلا فصل ، فلا اعتبار لادّعاء أيّ مدع خلافة النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من الّذين نازعوا عليّاعليه‌السلام وغصبوا منصبه ومقامه(١) لوجود حرف : «من» في الحديث ، فهي إمّا أن تكون بيانية أو ابتدائية ، وعلى التقديرين يتعيّن عليّعليه‌السلام بعد النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بأنّه خليفته بلا فصل.

٨ ـ المير السيّد علي الهمداني : أخرج في كتابه «مودّة القربى» في الحديث الثاني من المودّة السادسة ، بسنده عن أنس ، رفعه عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال «إنّ الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني واختار لي وصيّا ، واخترت ابن عمّي وصيّي ، يشدّ عضدي كما يشدّ عضد موسى بأخيه هارون ، وهو خليفتي ، ووزيري ، ولو كان بعدي نبيّا لكان عليّ نبيّا ، ولكن لا نبوّة بعدي».

__________________

(١) يفيدنا هذا الحديث الشريف : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الرضا بخلافة الإمام عليّعليه‌السلام من بعده ، من علائم الإيمان ، والفرق بين الإسلام والإيمان واضح لقوله تعالى: ( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) سورة الحجرات ، الآية ١٤.

٢٨٩

٩ ـ أخرج الطبري في كتابه «الولاية» خطبة الغدير ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول فيها «قد أمرني جبرئيل عن ربّي أن أقوم في هذا المشهد ، وأعلم كلّ أبيض وأسود : أنّ عليّ بن أبي طالب أخي ، ووصيّي ، وخليفتي ، والإمام بعدي».

ثمّ قال : معاشر الناس! فإنّ الله قد نصبه لكم وليّا وإماما ، وفرض طاعته على كلّ أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدّقه.

١٠ ـ أخرج أبو المؤيّد بن أحمد الخوارزمي في كتابه «فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام » الفضل ١٩ ، بإسناده عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أنّه قال [«لمّا وصلت في المعراج إلى سدرة المنتهى ، خاطبني الجليل قائلا : يا محمد! أيّ خلقي وجدته أطوع لك؟

فقلت : يا ربّ ، عليّ أطوع خلقك إليّ.

قال عزّ وجلّ : صدقت يا محمّد.

ثمّ قال : فهل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ، ويعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون.

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : قلت : يا ربّ اختر لي ، فإنّ خيرتك خيرتي.

قال : اخترت لك عليّاعليه‌السلام ، فاتّخذه لنفسك خليفة ووصيّا ، ونحلته علمي وحلمي ، وهو أمير المؤمنين حقّا ، لم ينلها أحد قبله ، وليست لأحد بعده(١) »].

__________________

(١) أقول : وقد وردت أخبار كثيرة في كتب العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشير فيها إلى فضائل ـ

٢٩٠

__________________

الإمام عليّعليه‌السلام ، ويصرّحصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه : الإمام ، والوصيّ ، والوليّ ، وأمير المؤمنين ؛ وهذه الألقاب والصفات ما جاءت إلاّ بمعنى الخلافة ، فغير صحيح أن يؤخّر الإمام ويقدّم المأموم ، أو يخلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير وصيّه

وإليك بعض تلك الأخبار :

١ ـ أخرج الشيخ سليمان الحنفي في كتابه : ينابيع المودّة ١ / ١٥٦ في الباب الرابع والأربعين ، قال :

وفي المناقب : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) «يا عليّ! أنت صاحب حوضي ، وصاحب لوائي ، وحبيب قلبي ، ووصيّي ، ووارث علمي ، وأنت مستودع مواريث الأنبياء من قبلي ، وأنت أمين الله في أرضه ، وحجّة الله على بريّته ، وأنت ركن الإيمان وعمود الإسلام ، وأنت مصباح الدجى ، ومنار الهدى ، والعلم المرفوع لأهل الدنيا».

يا علي! من اتّبعك نجا ، ومن تخلّف عنك هلك ، وأنت الطريق الواضح ، والصراط المستقيم ، وأنت قائد الغرّ المحجّلين ، ويعسوب المؤمنين ، وأنت مولى من أنا مولاه ، وأنا مولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، لا يحبّك إلاّ طاهر الولادة ، ولا يبغضك إلاّ خبيث الولادة ، وما عرجني ربّي عزّ وجلّ إلى السماء وكلّمني ربّي إلاّ قال : يا محمّد اقرأ عليّا منّي السلام ، وعرّفه أنّه إمام أوليائي ، ونور أهل طاعتي ؛ وهنيئا لك هذه الكرامة.

٢ ـ وأخرج ابن المغازلي الشافعي في كتابه (المناقب) والديلمي في كتابه (الفردوس) كما نقل عنهما الشيخ سليمان الحنفي في كتابه ينابيع المودّة ١ / ١١ ، الباب الأوّل ، عن سلمان ، قال : سمعت حبيبي محمّدا (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول : «كنت أنا وعليّ نورا بين يدي الله عزّ وجلّ ، يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق آدم أودع ذلك النور في صلبه ، فلم

٢٩١

__________________

يزل أنا وعليّ شيء واحد حتّى افترقنا في صلب عبد المطّلب. ففيّ النبوة وفي عليّ الإمامة».

٣ ـ وأخرجه المير السيّد علي الهمداني ، في المودّة الثامنة من كتابه «مودّة القربى» قال : عثمان (رض) رفعه عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال «خلقت أنا وعليّ من نور واحد ـ إلى أن قال : ـ ففيّ النبوّة ، وفي عليّ الوصيّة».

٤ ـ وأخرج أيضا عن عليّ عليه‌السلام عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : «يا علي! خلقني الله وخلقك من نوره ـ إلى أن قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : ـ ففيّ النبوّة والرسالة ، وفيك الوصيّة والإمامة».

٥ ـ وأخرج العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه : «كفاية الطالب» في الباب السادس والخمسين ، في تخصيص عليّ عليه‌السلام بكونه إمام الأولياء ، روى بسنده المتّصل عن أنس بن مالك ، قال : بعثني النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إلى أبي برزة الأسلمي ، فقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) له ـ وأنا أسمع ـ «يا أبا برزة! إنّ ربّ العالمين عهد إليّ عهدا في عليّ بن أبي طالب.

فقال : إنّه راية الهدى ، ومنار الإيمان ، وإمام أوليائي ، ونور جميع من أطاعني.

يا أبا برزة! عليّ بن أبي طالب أميني غدا في القيامة ، وصاحب رايتي في القيامة ، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربّي عزّ وجلّ».

قال العلاّمة الكنجي : هذا حديث حسن ، أخرجه صاحب «حلية الأولياء» كما أخرجناه.

٦ ـ وأخرج العلاّمة الكنجي ، في الباب الرابع والخمسين ، بسنده المتّصل عن أنس ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) «يا أنس! اسكب لي وضوء يغنيني.

فتوضّأ ثمّ قام وصلّى ركعتين ، ثمّ قال : يا أنس! أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وسيّد المرسلين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وخاتم الوصيّين.

٢٩٢

اعلموا أنّ الأخبار في هذا المضمار ، كثيرة في كتبكم المعتبرة ، وقد نقلت لكم بعض ما أحفظ منها ، كي يعلم الحافظ بأنّنا لا نرو إلاّ ما رواه علماؤكم الأعلام ، ولا نقول إلاّ الحقّ ، ولا نعتقد إلاّ بالحقيقة والواقع.

والجدير بالذكر أنّ بعض علمائكم المنصفين اعترفوا بخلافة عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام كما نعتقد نحن ، منهم : إبراهيم بن سيّار بن هانئ البصري ، المعروف بالنظّام(١) ، فإنّه يقول : نصّ النبيّ (صلّى الله عليه

__________________

قال أنس : قلت : اللهمّ اجعله رجلا من الأنصار ، وكتمته.

إذ جاء عليّ. فقال : من هذا يا أنس؟ قلت : عليّ بن أبي طالب.

فقام النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مستبشرا فاعتنقه ، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق عليّ عليه‌السلام بوجهه.

قال عليّ عليه‌السلام : يا رسول الله! لقد رأيتك صنعت بي شيئا ما صنعت بي قبل!

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟!».

قال العلاّمة الكنجي الشافعي : هذا حديث حسن عال ، أخرجه الحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» قال : وأنشدت في المعنى :

عليّ أمير المؤمنين الذي به

هدى الله أهل الأرض من حيرة الكفر

أخو المصطفى الهادي الذي شدّ أزره

فكان له عونا على العسر واليسر

ومن نصر الإسلام حتّى توطّأت

قواعده عزّا فتوّج بالنصر

عليّ عليّ القدر عند مليكه

على رغم من عاداه قاصمة الظهر

نكتفي بهذا المقدار ، فإنّ فيه الهدى والاستبصار ، لمن أراد أن يعرف الحقّ من الأحاديث والأخبار. «المترجم».

(١) ترجم له الصفدى فى كتاب «الوافى بالوفيات» فى حرف الألف.

٢٩٣

[وآله] وسلّم) على أنّ الإمام هو عليّ وعيّنه ، وعرفت الصحابة ذلك ، ولكن كتمه عمر لأجل أبي بكر رضي الله عنهما.

ونحن لمّا لم ندرك عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم نحظ بصحبته ، يجب أن نراجع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة عند الفريقين في تعريف الأفضل والأعلم والأرجح عند الله ورسوله والأحبّ إليهما ، فهو أولى من غيره في خلافة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولا يخفى على أيّ عالم منصف غير معاند : أنّ الأخبار الصريحة في خلافة عليّعليه‌السلام وإمامته ، وفي وصايته وولايته ، وكذلك في أفضليّته وأعلميّته وأرجحيّته من سائر الصحابة ، والمسلمين ، كثيرة جدّا.

وهي مرويّة عن طرقكم وبأسانيدكم المعتبرة ، ومنقولة في كتبكم وتصانيف علمائكم الأعلام ، وهي كثيرة وكثيرة بحيث لم يرد معشارها في حقّ أيّ واحد من الصحابة الكرام.

وإنّ أكثر تلك الفضائل العلوية والمناقب الحيدرية تعدّ من خصائص الإمام عليّعليه‌السلام ، ولم يشاركه فيها أحد ، ولم يشابهه فيها أحد من الصحابة الأوفياء ، ولكنّه شاركهم في جميع فضائلهم ومناقبهم.

وقد ذكرنا لكم بعض الأخبار المرويّة عن طرقكم والمسجّلة في مسانيدكم ومصادركم في حقّ الإمام عليّعليه‌السلام ، ضمن حديثنا وحوارنا في الليالي السالفة والمجالس السابقة.

وإليكم نموذجا من حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقله علماؤكم الأعلام ، يصرّح نبيّ الإسلام فيها أنّ فضائل ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام كثيرة جدّا

٢٩٤

بحيث لا تعدّ ولا تحصى.

أخرج الموفّق ابن أحمد الخوارزمي في المناقب : ١٨ ، والعلاّمة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثاني والستّين ، في تخصيص عليّعليه‌السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة ، جاء في الباب ، ص ١٢٣ ، بسنده عن ابن عبّاس ، قال :

قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : لو أنّ الغياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حسّاب ، والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب.

وأخرج السيّد علي الهمداني بسنده عن عمر بن الخطّاب ، رفعه ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : لو أنّ البحر مداد ، والرياض أقلام ، والإنس كتّاب ، والجنّ حسّاب ، ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن.

وأخرجه ابن الصبّاغ المالكي في «الفصول المهمة» بسنده عن ابن عبّاس ، وأخرجه سبط ابن الجوزي في «التذكرة»(١) .

__________________

(١) لقد ورد خبر آخر في عظم فضل الإمام عليّعليه‌السلام نذكره إتماما للفائدة :جاء في الرياض النضرة ٢ / ٢١٤ ، وفي ذخائر العقبى ـ للمحبّ الطبري ـ : ص ٦١ :عن عمر بن الخطّاب (رض) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) :ما اكتسب مكتسب مثل فضل عليّ ، يهدي صاحبه إلى الهدى ، ويردّه عن الردى.

أخرجه الطبراني.

أقول : جاء في كتاب «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ١ / ٦٥ ، قال أحمد بن حنبل : ما روي وما ورد لأحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من الفضائل ، ما روي وما ورد لعليّ رضي‌الله‌عنه !

وأخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٧ ، بسنده عن محمد بن منصور

٢٩٥

لذلك نحن نعتقد أنّ عليّاعليه‌السلام أحقّ من غيره بالخلافة.

الشيخ عبد السلام : نحن لا ننكر فضائل ومناقب مولانا عليّ كرم الله وجهه ، ولكن انحصار الفضائل فيه غير معقول ، لأنّ الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ أكرم أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وهم في الرتبة والفضل متساوون.

ولكنّكم تنحازون إلى جانب سيّدنا عليّرضي‌الله‌عنه ، وتنقلون كلّ الفضائل باسمه دون غيره ، ولا تذكرون فضائل الصحابة الآخرين!

وهذا العمل يحرف أفكار الحاضرين عن الواقع فيلتبس الأمر عليهم ، وهذا هو التعصّب!

فلكي ينكشف الحقّ للحاضرين ، ولا يلتبس الأمر عليهم ، اريد أن أذكر شيئا من فضائل ومناقب الخلفاء الراشدين.

قلت : نحن نتّبع العقل والعلم ، ونقبل الدليل والبرهان ، نحن

__________________

الطوسي ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرج ابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢ / ٤٧٩ ط. حيدرآباد ١٣١٩ ه‍ ، قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي : لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل عليّ بن أبي طالب [ عليه‌السلام ].

وأخرجه الثعلبي في تفسير آية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) .

وأخرجه الخطيب الموفّق بن أحمد الخوارزمي الحنفي في المناقب ، ص ٢٠.

والذهبي في «تلخيص المستدرك» المطبوع بهامش المستدرك ٣ / ١٠٧.

«المترجم»

٢٩٦

لانحصر الفضائل في الإمام عليّعليه‌السلام ، وإنّما نمحّضه في الفضائل ، ونجلّه عن الرذائل ، وذلك لنزول آية التطهير في شأنه.

وأمّا الانحياز إلى جانبه فليس منّا فحسب ، بل الله ورسوله انحازا إليه ، كما نجد الآيات القرآنية في حقّه والأحاديث النبويّة الصريحة في فضله.

وأمّا نسبة التعصّب إلينا فهو بهتان وافتراء ، فإنّ التعصّب معناه الالتزام بشيء مع الإصرار من غير دليل.

وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي ما التزمت بشيء من امور ديني ، وما تمسّكت بولاية الإمام عليّعليه‌السلام والائمة الهادين من ولده ، إلاّ بدليل القرآن والسنّة والعقل السليم.

لذا أرجو من الحاضرين أن ينبّهوني إذا تكلّمت بشيء بغير دليل ، أو تحدّثت على خلاف المنطق والعقل ، فأكون لهم شاكرا.

وأمّا حديثكم في مناقب الراشدين فيكون مقبولا بشرط أن تروون الأخبار الصحيحة عند الفريقين ، فنتبرّك بها ، لأنّنا لا ننكر مناقب وفضائل الصحابة الطيّبين ، ولا شكّ أنّ لكلّ واحد من الأصحاب المؤمنين له فضائل ومناقب ، ولكن الغرض من هذا المجلس والحوار ، البحث عن أفضلهم وأحسنهم وأكثرهم منقبة عند الفريقين : الشيعة والسنّة.

فإنّ كلامنا يدور حول الأفضل لا الفاضل ، لأنّ الفضلاء كثيرون ، والأفضل واحد منهم بحكم العقل والنقل ، وهو أحقّ أن يتّبع ويطاع.

الشيخ عبد السّلام : إنّكم تغالطون في الموضوع ، لأنّ كتبكم لا تحتوي على أي خبر أو حديث في فضل الخلفاء الراشدين غير سيّدنا

٢٩٧

عليّ كرّم الله وجهه ، فكيف أنقل لهذا الجمع أخبارا مقبولة لديكم؟!

قلت : هذا الإشكال يرد عليكم ، لأنّه في أوّل ليلة حينما أردنا أن نبدأ بالبحث ، قال الحافظ محمد رشيد سلّمه الله : إنّ الاحتجاج والاستدلال يجب أن يكون بالآيات القرآنية والأخبار المرويّة المقبولة عند الفريقين ؛ وأنا قبلت الشرط ، لأنّه مقتضى العقل ، وعملت به في أثناء الحوار والحديث في المجالس السابقة.

والحاضرون يشهدون ، وأنتم تعلمون بأنّي كلّ ما احتججت به عليكم واستدللت به على صحّة كلامي ، إنّما كان من القرآن الحكيم وأحاديث النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعتبرة والمقبولة عندكم.

وأنا إلى آخر حواري معكم ، وحتّى الوصول إلى النتيجة القطعية لا أنقض الشرط ، بل أعمل على وفقه إن شاء الله تعالى.

ومع ذلك كلّه فإنّي أتساهل معكم ، وأتنازل لكم ، وأقبل منكم الروايات المنقولة في كتبكم دون كتبنا ، شريطة أن لا تكون موضوعة ومجعولة ، وأن لا يأباها العقل السليم ، فنستمع إليها مع الحاضرين ، ثمّ نقضي فيها بالعدل والإنصاف ، لنرى هل الأخبار التي تقرأها وترويها لنا ، هل تفضّل وترجّح أحدا على سيّدنا ومولانا عليّ بن أبي طالب في العلم والجهاد والرتبة والمنزلة عند الله سبحانه وعند رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

الشيخ عبد السلام : إنّكم نقلتم أحاديث وأخبارا صحيحة وصريحة في خلافة سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه ، ولكنّكم غافلون أنّ عندنا أخبارا كثيرة في خلافة سيّدنا أبي بكر (رض).

قلت : مع أنّ كبار علمائكم أمثال : الذهبي والسيوطي وابن أبي

٢٩٨

الحديد وغيرهم أعلنوا بأنّ الامويّين والبكريّين وضعوا أحاديث كثيرة مجعولة في فضائل أبي بكر ، مع ذلك نحن نستمع إليك رجاء أن لا تكون رواياتك وأخبارك من تلك الموضوعات والمجعولات.

نقل حديث في فضل أبي بكر ، وردّه

الشيخ عبد السلام : لقد ورد في حديث معتبر عن عمر بن إبراهيم ابن خالد ، عن عيسى بن علي بن عبد الله بن عبّاس ، عن أبيه ، عن جدّه العبّاس ، أنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : يا عمّ! إنّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ، فاسمعوا له وأطيعوا تفلحوا.

قلت : هذا حديث مردود ، ليس قابلا للبحث والنقاش.

الشيخ عبد السّلام : كيف يكون مردودا وهو مرويّ عن العبّاس عمّ النبيّ؟!

قلت : إنّه حديث مردود عند علمائكم أيضا ، فإنّ كبار علمائكم نسبوا بعض رواة هذا الحديث مثل : عمر بن إبراهيم إلى الكذب وجعل الأحاديث ، فلذا فإنّ رواياته ساقطة عن الاعتبار.

قال الذهبي في كتابه «ميزان الاعتدال» في ترجمة إبراهيم بن خالد ، وقال الخطيب البغدادي في «تاريخه» في ترجمة عمر بن إبراهيم : إنّه كذّاب ، ساقط عن الاعتبار.

الشيخ عبد السّلام : ما تقول في هذا الحديث الذي رواه الصحابي الثقة أبو هريرة (رض) : إنّ جبرئيل نزل على النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وقال : إنّ الله تعالى يبلغك السلام ويقول : إنّي راض

٢٩٩

عن أبي بكر ، فاسأله هل هو راض عنّي؟!!

قلت : يجب أن ندقّق في نقل الأخبار والأحاديث ، حتّى لا نواجه مخالفة العقلاء. وليكن الحديث الذي نقله ابن حجر في «الإصابة» وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» نصب أعينكم ، وهو :

عن أبي هريرة ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، قال : كثرت عليّ الكذّابة ، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار ، وكلّما حدثتم بحديث منّي فاعرضوه على كتاب الله.

وليكن نصب أعينكم الحديث الذي رواه الفخر الرازي في تفسيره ج ٣ ، آخر الصفحة ٣٧١ ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، قال : إذا روي لكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى ، فإن وافقه فاقبلوه ، وإلاّ فردّوه.

فإذا كان في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اناس يكذبون عليه ويجعلون الأحاديث عن لسانه الشريف ، فكيف بعد موته؟!

ومن جملة المزوّرين الجاعلين للحديث عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو هريرة ، الذي رويت عنه خلافة أبي بكر!

الشيخ عبد السلام : لا نتوقّع منك أن تردّ صحابيّا جليلا مثل أبي هريرة وتطعن فيه! وأنت عالم فاهم.

قلت : لا ترعبني بكلمة «الصحابي» لأنّ الصحابي أيّا كان إذا راعى حقّ صحبته للنبيّ بأن كان سامعا لقوله ، مطيعا لأمره ، فهو محترم مكرّم ، وصحبته تكون له شرفا وفخرا.

ولكن إذا كان يخالف أوامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويعمل حسب رأيه وهواه ، ويكذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو ملعون ملعون ، وليست حصيلة

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

وقدم الحصين بن نمير مكة ، فناوش ابن الزبير الحرب في الحرم ، ورماه بالنيران حتى أحرق الكعبة.

وكان عبد الله بن عمير الليثي قاضي ابن الزبير ، إذا تواقف الفريقان ، قام على الكعبة ، فنادى بأعلى صوته :

يا أهل الشام!. هذا حرم الله الّذي كان مأمنا في الجاهلية ، يأمن فيه الطير والصيد. فاتقوا الله يا أهل الشام.

فيصيح الشاميون : الطاعة الطاعة [أي ليزيد]!. الكرّة الكرة!. الرواح قبل المساء!.

فلم يزل على ذلك حتى أحرقت الكعبة. وكان حريقها سنة ٦٤ ه‍.

(أقول) : هذا هو الضرب الأول للكعبة بالمنجنيق وحرقها. أما الضرب الثاني فقد تمّ على يد الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان ، حين كان عبد الله بن الزبير معتصما بالكعبة. فانتصر عليه الحجاج وقتله. وكان هو الكبش الّذي تستحلّ به حرمة الكعبة ، كما حدّث الإمام الحسينعليه‌السلام نقلا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٥٠ ـ ضلال ليس بعده ضلال :(الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ١٢٣)

قال مسرف بن عقبة بعد أن عيّن الحصين بن النمير ، وقد أدرك الموت : الله م إني لم أعمل قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، عملا أحب إليّ من قتلي أهل المدينة ، ولا أرجى عندي في الآخرة ، ثم هلك.

٨٥١ ـ ضرب الكعبة وحرقها :(مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٨١)

ونصب الحصين بن نمير فيمن معه من أهل الشام ، المجانيق والعرّادات [العرّادة : هي المنجنيق الصغير] على مكة والمسجد (الحرام) من الجبال والفجاج ، وابن الزبير في المسجد ، ومعه المختار بن أبي عبيدة الثقفي داخلا في جملته ...فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت ، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات. واحترقت البنيّة. ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحد عشر رجلا [أقول : ما هذه المعجزة الإلهية لمن أراد التعدي على حرمة الكعبة! وما أشبهها بأصحاب الفيل الذين أرسل الله عليهم طيرا أبابيل]. وذلك قبل وفاة يزيد بأحد عشر يوما [أقول : وهذه معجزة ثانية لمن يعتدي على حرمات الله فيبتر الله عمره بترا].

٧٠١

٨٥٢ ـ نزول صاعقة على الذين أرادوا ضرب الكعبة بالمنجنيق :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢١٢)

أخرج ابن عساكر عن محمّد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال : إني لفوق (جبل) أبي قبيس ، حين وضع المنجنيق على ابن الزبير ، فنزلت صاعقة كأني أنظر إليها تدور كأنها جمار أحمر ، فأحرقت من أصحاب المنجنيق نحوا من خمسين رجلا.

٨٥٣ ـ وصف حريق الكعبة :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣١٣)

وكان ابن الزبير قد ضرب فسطاطا في ناحية ، فكلما جرح رجل من أصحابه أدخله ذلك الفسطاط. فجاء رجل من أهل الشام بنار في طرف سنانه فأشعلها في الفسطاط ، وكان يوما شديد الحر ، فتمزق الفسطاط ، فوقعت النار على الكعبة ، فاحترق الخشب والسقف وانصدع الركن ، واحترقت الأستار وتساقطت إلى الأرض.

واحترقت الكعبة المشرفة يوم السبت لست خلون من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ، ومات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة خلت من ربيع الأول ، وجاء خبر موته بعد حريق الكعبة بإحدى عشرة ليلة.

٨٥٤ ـ ضرب الكعبة وهدمها :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٠)

قال القرماني : سار الحصين بن نمير [بعد موت مسرف] حتى وافى مكة ، فتحصّن منه ابن الزبير في المسجد الحرام بجميع من كان معه. فنصب الحصين المنجنيق على جبل أبي قبيس ، ورمى به الكعبة المعظمة ، وذلك في صفر سنة ٦٤ ه‍ ، واحترقت من شرارة نيرانها أستار الكعبة وسقفها ، وقرنا الكبش الّذي فدي به اسماعيل وكان في السقف. فبينما هم كذلك إذ ورد على الحصين بموت يزيد بن معاوية. فأرسل إلى ابن الزبير يسأله الموادعة ، فأجابه إلى ذلك ، وفتح الأبواب واختلط العسكران يطوفان بالبيت. ثم انصرف [الحصين] بمن معه إلى الشام.

قال أبو مخنف : مكث أهل الشام يقاتلون ابن الزبير ، حتى إذا مضى من شهر ربيع الأول أربعة عشر يوما مات يزيد ، فمكثوا أربعين يوما لا يعلمون بموته. وبلغ ابن الزبير موته قبل أن يبلغ الحصين ، فقال : يا أهل الشام لماذا تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟

٧٠٢

هلاك الطاغية يزيد

٨٥٥ ـ هلاك يزيد بن معاوية :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٢)

قال اليعقوبي : ومات يزيد بن معاوية في صفر سنة ٦٤ ه‍ ، بموضع يقال له حوّارين [لعلها القريتين شرق حمص]. وحمل إلى دمشق ، فدفن بها. وصلى عليه ابنه معاوية [الثاني] ابن يزيد.

وكان له من الولد الذكور أربعة : معاوية الثاني وخالد وأبو سفيان وعبد الله.

وكان سعيد بن المسيّب [أحد فقهاء المدينة السبعة ، توفي سنة ٩٤ ه‍] يسمّي سني يزيد بن معاوية (الأربعة) بالشؤم :

في السنة الأولى : مات معاوية وتولى يزيد الحكم

[١٥ رجب سنة ٦٠ ه‍]

وفي الثانية : قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

[١٠ محرم سنة ٦١ ه‍]

وفي الثالثة : استباح حرم رسول الله ، وانتهك حرمة المدينة وأهلها.

[ذو الحجة سنة ٦٣ ه‍]

وفي الرابعة : سفك الدماء في حرم الله ، وأحرق الكعبة.

[٦ ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍]

ومات يزيد في ظروف غامضة.

[١٤ ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍]

(أقول) : لقد قصم الله عمر يزيد ، وهو في ريعان الشباب [٣٨ عاما] رحمة بالأمة ، بعد أن لم يترك موبقة إلا ارتكبها ، ولا حرمة إلا انتهكها ، ولما يمض على وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من خمسين عاما.

ومن العجب أنه مع كل ما فعل ، فهو في نظر بعض المسلمين ، الذين لا يفرّقون بين الكفر والدين ؛ أمير المؤمنين.

٧٠٣

٨٥٦ ـ بعض صفات يزيد :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٥٤)

وقد روي أن يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد ، واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب ، والنطاح بين الكباش والدباب والقرود. وما من يوم إلا يصبح فيه مخمورا.

وكان يشدّ القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ، ويلبس القرد قلانس الذهب ، وكذلك الغلمان. وكان يسابق بين الخيل. وكان إذا مات القرد حزن عليه.

ـ قرود يزيد :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٢٩٨)

في (جواهر المطالب) لأبي البركات شمس الدين محمّد الباغندي ، كما في نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية المباركة ما لفظه :

حكى ابن الفوطي في تاريخه قال : كان ليزيد قرد يجعله بين يديه ، فيكنّيه

(أبي قبيس) ، ويسقيه فضل كأسه ، ويقول (متهكّما) : هذا شيخ من بني إسرائيل أصابته خطيئة فمسخ. وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت له ، ويرسلها مع الخيل في حلبة السباق.

وفي (الفخري) لابن طباطبا :

كان يزيد بن معاوية أشد الناس كلفا بالصيد ، لا يزال لاهيا به ، وكان يلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب ، والجلال المنسوجة منه ، ويهب لكل كلب عبدا يخدمه.

٨٥٧ ـ قصة عن كلب يزيد :

(الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية لمحمد بن علي بن طباطبا ، المعروف بابن الطقطقي ، عني بنشره محمود توفيق ، المطبعة الرحمانية بمصر ، ص ٣٩)

قيل : إن عبيد الله بن زياد ، أخذ من بعض أهل الكوفة أربعمائة ألف دينار جناية ، وجعلها في خزن بيت المال. فرحل ذلك الرجل من الكوفة ، وقصد دمشق ، ليشكو حاله إلى يزيد. وكانت دمشق في تلك الأيام فيها سرير الملك. فلما وصل الرجل إلى ظاهر دمشق سأل عن يزيد ، فعرّفوه أنه في الصيد ، فكره أن يدخل دمشق وليس يزيد حاضرا فيها ، فضرب مخيمه ظاهر المدينة ، وأقام به ينتظر عود يزيد من الصيد. فبينا هو في بعض الأيام جالس في خيمته ، لم يشعر إلا بكلبة قد دخلت عليه

٧٠٤

الخيمة ، وفي قوائمها الأساور الذهب ، وعليها جلّ (أي جلال) يساوي مبلغا كبيرا ، وقد بلغ منها العطش والتعب ، وقد كادت تموت تعبا وعطشا ، فعلم أنها ليزيد ، وأنها قد شذّت منه. فقام إليها ، وقدّم لها ماء وتعهدها بنفسه ، فما شعر إلا بشاب حسن الصورة على فرس جميل ، وعليه زي الملوك ، وقد علته غبرة ، فقام إليه وسلّم عليه ، فقال له : أرأيت كلبة عابرة بهذا الموضع؟. فقال : نعم يا مولانا ، ها هي في الخيمة ، قد شربت ماء واستراحت ، وقد كانت لما جاءت إلى ههنا جاءت على غاية من العطش والتعب. فلما سمع يزيد كلامه نزل ودخل الخيمة ، ونظر إلى الكلبة وقد استراحت ، فجذب بحبلها ليخرج. فشكا الرجل إليه حاله ، وعرّفه ما أخذ منه عبيد الله بن زياد ، فطلب دواة وكتب له بردّ ماله وخلعة سنيّة ، وأخذ الكلبة وخرج. فردّ الرجل من ساعته إلى الكوفة ، ولم يدخل دمشق.

٨٥٨ ـ سبب هلاك يزيد :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٥٤)

وقيل : إن سبب موت يزيد ، أنه حمل قردة ، وجعل ينقّزها(١) فعضّته. وذكروا عنه غير ذلك.

مات يزيد بحوّارين من قرى دمشق ، في الرابع عشر من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ (وعمره ٣٨ عاما).

ثم حمل بعد موته إلى دمشق ، وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد ، ودفن بمقابر باب الصغير.

وفي (أنساب الأشراف) : قيل لأبي مسلم الخولاني يوم مات يزيد : ألا تصلي على يزيد؟. فقال : يصلي عليه ظباء حوّارين!.

وفي (معالم المدرستين) ج ٣ ص ٢٢ عن (أنساب الأشراف) ج ٤ قسم ١ ص٢:وروى البلاذري عن شيخ من أهل الشام ، أن سبب وفاة يزيد ، أنه حمل قردة على الأتان وهو سكران ، ثم ركض خلفها ، فسقط فاندقت عنقه أو انقطع في جوفه شيء.

وروي عن ابن عياش أنه قال : خرج يزيد يتصيّد بحوّارين ، وهو سكران ، فركب وبين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردا ، وجعل يركّض الأتان ويقول :

أبا خلف احتل لنفسك حيلة

فليس عليها إن هلكت ضمان

فسقط واندقت عنقه.

__________________

(١) نقّز : توثّب صعدا ، ونقّز القرد : جعل يلاعبه ويرقصه.

٧٠٥

ويبدو أن هذا القرد الّذي كنّاه (أبا خلف) هو غير القرد الّذي كنّاه (أبا قبيس).

٨٥٩ ـ حوّارين :(معجم البلدان لياقوت الحموي)

حوّارين : حصن من ناحية حمص.

قال أحمد بن جابر : مرّ خالد بن الوليد في مسيره من العراق إلى الشام بتدمر والقريتين ، ثم أتى حوّارين من سنير [هو جبل القلمون] ، فأغار على مواشي أهلها ، فقاتلوه ، وقد جاءهم مدد من أهل بعلبك. ثم أتى مرج راهط.

وفي (كتاب الفتوح) لأبي حذيفة اسحق بن بشير : وسار خالد بن الوليد من تدمر حتى مرّ بالقريتين ، وهي التي تدعى حوّارين ، وهي من تدمر على مرحلتين ، وبها مات يزيد بن معاوية في سنة ٦٤ ه‍.

٨٦٠ ـ هلاك يزيد الملعون :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٦٩)

قال أبو مخنف : وتواترت الأخبار بهلاك الطاغي الكافر يزيد ، وذلك أنه ركب يوما للصيد بجيشه ، فلاحت ظبية فتبعها ، وقال لمن معه من الجيش : لا يتبعني منكم أحد. وسار خلف الظبية ، وكان تحته سابق من الخيل ، فتاه به ذاك الجواد بجريه ، فلم يلحقها إلا بين جبلين في شعب ، فدخلت الظبية في الشعب ، ولم يقف لها على خبر ، فهمّ ليرجع فلم يطاوعه الجواد ؛ فأرسل الله تعالى عليه ملك الموت فقبض روحه الخبيثة ، ووضعها في الحامية ، وسلّمها إلى زبانية الهاوية.

(وفي رواية ثانية) أنه لما رجع تاه به فرسه ، وبقي حائرا في البرية ، فهمّز جواده فلم يندفع من تحته ، وكان حائرا. فأرسل الله عليه أعرابيا ، وهو في البيداء يتلظى عطشا. فقال له الأعرابي : يا ذا الرجل إن كنت ضالا هديناك ، وإن كنت عطشانا سقيناك ، وإن كنت جائعا أطعمناك. فقال له يزيد : لو عرفتني لزدت في إكرامي.فقال له : من أنت؟. فقال : أنا يزيد بن معاوية. فقال له الأعرابي : لا مرحبا بك ولا أهلا ، ما أقبح طلعتك ، وما أشنع سمعتك ، والله لأقتلنك كما قتلت الحسينعليه‌السلام . وجذب سيفه وهمّ أن يعلوه ، فذعرت فرس يزيد من بريق السيف ، فطرحته تحتها وقطّعت أمعاءه.

(وفي رواية ثالثة) قال له : أذلّك الله من ملعون شقيّ غوي ، فإن الله قد أضلك في الدنيا والآخرة. وإن الله قد أرسلني إليك لأنتقم منك كما فعلت بابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويلك قتلت الحسينعليه‌السلام وهتكت حريمه!. فإن كنت على الحق فردّ

٧٠٦

عن نفسك قبل أن أبيدك. فمدّ يزيد يده إلى قائم سيفه فلم تطاوعه يده ثم مدّ الشخص يده إلى قائم سيفه ليضربه ، فقال له يزيد : لا تفعل فإني أضمن لك من المال ما شئت. فقال له الشخص : يا ويلك

يا ملعون ، حاش لله أبيع الآخرة بالمال ، وأختار الضلالة على الهدى ، كما فعلت أنت يا ملعون ، قبّحك الله. إن اللهعزوجل أرسلني إليك لأنتقم منك. ثم جرّد الشخص سيفه فسطع ولمع ، فنفر فرس يزيد من بريق السيف ، وألقته (الفرس) على الحجارة في الأرض ، وجعلت تدوس أمعاءه ، حتى مات.

(وفي رواية رابعة) أنه لما رجع يزيد إلى قومه رأى طيرا ، فتبع ذلك الطير حتى أتى إلى منهل بارد ، وكان يزيد عطشانا فنزل عن جواده ليشرب ، وإذا بالطير حائلا بينه وبين الماء. فقال الطير : تريد أن تشرب الماء وأنت قتلت ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عطشانا ظاميا. ثم انقضّ عليه لوقته ، وأخذ ربعه وطار. وفعل بثلاثة الأرباع كذلك. ولم يزل به كل يوم هذا الفعل إلى يوم القيامة.

(وفي رواية خامسة) أن يزيد ركب في بعض الأيام في خاصته عشرة آلاف فارس يريد الصيد والقنص ، فسار حتى بعد عن دمشق مسير يومين ، فلاحت له ظبية. فقال لأصحابه : لا يتبعني أحد منكم. ثم إنه أطلق جواده في طلبها ، وجعل يطردها من واد إلى واد ، حتى انتهت إلى واد مهول مخوف ، فأسرع في طلبها ، فلما توسّط الوادي لم ير لها خبرا ، ولم يعرف لها أثرا. وكظّه العطش فلم يجد هناك شيئا من الماء. وإذا هو برجل ومعه كوز ماء ، فقال له : يا هذا اسقني قليلا من الماء. فلما سقاه ، قال : لو عرفت من أنا لازددت في كرامتي. فقال له : ومن تكون؟. قال :أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فقال الرجل : أنت والله قاتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام يا عدو الله.ثم نهض [يزيد] ليلزمه ، فنفر الفرس من تحته ، فرمى به عن متنه ، فعلقت رجله بالركاب ، فجعل الفرس كلما رآه خلفه نفر. فلم يزل كذلك إلى أن مزّقه ، وعجّل بروحه إلى النار.

وكان له عشرة ندماء لا يفارقونه ولا يفارقهم ، ويأمنهم على حريمه وأولاده وماله ، فاقتحموا الطريق الّذي سلك فيه ليعرفوا خبره ، فوجدوا الفرس ، وفخذه معلّق في الركاب. فوقعت الصيحة في العسكر. فرجعوا إلى دمشق ، وارتجّت دمشق لموته.

(انتهى كلام أبي مخنف في مقتله الصغير والكبير).

٧٠٧

خلافة معاوية الثاني

رحمه‌الله

٨٦١ ـ خلافة معاوية بن يزيد :

ثم ولي أمر الناس معاوية بن يزيد ، ويلقّب معاوية الثاني ، أو معاوية الصغير ، وهو ابن إحدى وعشرين سنة.

قال الذهبي : وكان خيرا من أبيه ، فيه عقل ودين. اه

ولما علم أن الأمر ليس له ، عزم على اعتزال الخلافة ، فخلع نفسه ، وأوصى أن يصلي بالناس الضحاك بن قيس الفهري ، ريثما يجتمع الناس على خليفة.

وفي (منتخبات التواريخ) ج ١ ص ٨٩ :

وعندما خاف بنو أمية أن يفلت الأمر من أيديهم ، طعنوا الضحاك وهو يؤمّ الصلاة ، فخرّ ميّتا ، لأنه كان يعمل لصالح عبد الله بن الزبير ، الّذي أعلن حكمه على الحجاز.

وبعد أربعين يوما توفي معاوية الثاني. قيل : إن زوجته قتلته!.

وجاء في (خطط الشام) لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٤٦ عن معاوية الثاني :

ولما حضرته الوفاة لم يرض أن يعهد بالأمر من بعده ، فقالوا : ولّ أخاك خالدا.فقال: أتفوز بنو أمية بحلاوتها ، وأبوء بوزرها ، وأمنعها أهلها!. كلا إني

لبريء منها.

قال المسعودي : أراد أن يجعلها إلى نفر من أهل الشورى ينصبون من يرونه أهلا لها.

وقال معاوية الثاني : فاختاروا مني إحدى خصلتين : إما أن أخرج منها وأستخلف عليكم من أراه لكم رضى ومقنعا ، ولكم الله عليّ لا آلوكم نصحا في الدين والدنيا ، وإما أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها.

فأنف الناس من قوله ، وأبوا من ذلك. وخافت بنو أمية أن تزول الخلافة منهم ، وماج أمرهم واختلفوا.

وقيل : إن معاوية بن يزيد كان قدريا ، لأن عمر المقصوص كان علّمه ذلك ، فدان به وتحققه. فلما بايعه الناس ، قال للمقصوص : ما ترى؟. قال : إما أن تعتدل

٧٠٨

أو تعتزل!. فخطب الناس يستعفي من بيعتهم ، فوثب بنو أمية على عمر المقصوص ، وقالوا : أنت أفسدته وعلّمته ، فطمروه ودفنوه حيا.

ثم إنه اعتزل الخلافة ، ودخل منزله ولم يخرج إلى الناس ، وتغيّب حتى مات.وعمره إحدى وعشرون سنة. وصلى عليه أخوه خالد بن يزيد ، ودفن بدمشق في ناحية من البزورية.

وقيل : إنه دسّ إليه السمّ ، فشربه فمات. وقال بعضهم : طعن.

٨٦٢ ـ خبر عمر القوصي :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٢)

قال القرماني : ثم إن بني أمية قالوا لمعلمه عمر القوصي : أنت علّمته هذا وصددته عن الخلافة ، وحملته على ما وسمنا به من الظلم ، وحسّنت له البدع ، حتى نطق بما نطق ، وقال ما قال؟. فقال : والله ما فعلته ، ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فلم يقبلوا منه ذلك ، وأخذوه ودفنوه حيا ، حتى مات.

٨٦٣ ـ أيام معاوية الثاني ابن يزيد :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٤)

قال اليعقوبي : ثم ملك معاوية بن يزيد بن معاوية ، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة. وكانت مدة خلافته أربعين يوما ، وقيل : بل أربعة أشهر. وكان له مذهب جميل [يقصد أنه يقرّ بالفضل لأهل البيتعليه‌السلام ، وذلك لأن مؤدبه عمر المقصوص كان مواليا].

فخطب الناس فقال : أما بعد حمد الله والثناء عليه.

أيها الناس ، فإنا بلينا بكم وبليتم بنا ، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا.

ألا وإن جدي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به منه في القرابة برسول الله ، وأحق في الإسلام ، سابق المسلمين ، وأول المؤمنين ، وابن عم رسول رب العالمين ، وأبا بقية خاتم المرسلين. فركب منكم ما تعلمون ، وركبتم منه ما لا تنكرون ، حتى أتته منيّته ، وصار رهنا بعمله.

ثم قلّد أبي ، وكان غير خليق للخير ؛ فركب هواه ، واستحسن خطأه ، وعظم رجاؤه ؛ فأخلفه الأمل ، وقصّر عنه الأجل ؛ فقلّت منعته ، وانقطعت مدته ، وصار في حفرته ، رهينا بذنبه ، وأسيرا بجرمه.

٧٠٩

ثم بكى ، وقال : إن أعظم الأمور علينا ، علمنا بسوء مصرعه ، وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الحرمة ، وحرّق الكعبة. وما أنا المتقلّد أموركم ، ولا المتحمّل تبعاتكم ، فشأنكم أمركم. فو الله لئن كانت الدنيا مغنما ، لقد نلنا منها حظا ، وإن تكن شرا فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها.

فقال له مروان بن الحكم : سنّها فينا عمريّة [أي اجعلها استخلافا مثلما فعل عمر ابن الخطاب!]. قال : ما كنت أتقلدكم حيا وميتا ، ومتى صار يزيد ابن معاوية مثل عمر ، ومن لي برجل مثل رجال عمر!.

وتوفي معاوية الثاني وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وصلى عليه أخوه خالد بن يزيد ، ودفن بدمشق في ناحية من البزورية.

٨٦٤ ـ ما قالته أم معاوية الصغير :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٢)

... ودخلت عليه أمه ، فوجدته يبكي!. فقالت له : ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك. فقال : وددت والله ذلك. ثم قال : ويلي إن لم يرحمني ربي.

ترجمة معاوية الثاني

(التنبيه والإشراف للمسعودي)

هو معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، يكنى أبا عبد الرحمن. وإنما كنّي أبا ليلى تقريعا له ، لعجزه عن القيام بالأمر. أمه أم خالد بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة. وتوفي بدمشق في شهر ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ودفن بها ، وكانت أيامه أربعين يوما.

كان ربعة من الرجال ، نحيفا يعتريه صفار. وكان مواليا لأهل البيتعليه‌السلام معترفا بحقهم ، وذلك من جهة أن مؤدّبه عمر المقصوص كان شيعيا. لذلك اعتزل معاوية الثاني الملك ، بعد أن اعترف أمام جمهور بني أمية بفساد فعل أبيه وجده ، فمات حرارحمه‌الله .

٧١٠

الفصل الرابع والثلاثون

يزيد وأبوه في الميزان

ترجمة يزيد بن معاوية

بعد موت معاوية بن أبي سفيان ـ أول من ابتدع الملكية في الإسلام ـ خلفه على الملك ابنه يزيد ، سنة ٦٠ ه‍. وقد كان معاوية أكره المسلمين على بيعة يزيد ، وهو يعلم أن ابنه رجل فاجر معلن بالفسق ، يبيح الخمر والزنا وقتل النفس المحترمة ، ويجالس الغانيات على موائد الشراب

فلما مات معاوية أنكر المسلمون بيعة يزيد وقاموا عليه في العراق والحجاز.

وقد أتى يزيد في مدة خلافته الوجيزة وهي أربع سنوات ، بثلاث موبقات عظام ، لو أتى أحد من المسلمين واحدة منها لخرج عن ربقة الإسلام ، واستوجب غضب الجبار والخلود في النار.

وهذه الموبقات هي : قتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبي نسائه وذريته. ثم استباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام ، وأخذ أهلها من المهاجرين والأنصار عبيدا ليزيد ، وذلك في وقعة الحرة ، التي كانت بقيادة مسلم بن عقبة. ثم محاصرة مكة المكرمة ورمي الكعبة بالمنجنيق وحرقها بالنار ، على يد الحصين بن نمير.

ومن لطف الله بالمسلمين أن حكم يزيد لم يدم طويلا ، إذ مات في مستهل شبابه بعد أربع سنوات من حكمه وعمره ٣٨ عاما. وقيل : إنه مات أثناء تلهّيه بالصيد في (حوّارين) شرق حمص. ولم يعثر من جثته إلا على فخذه ، فنقلت إلى دمشق ودفنت قرب مقبرة باب الصغير اليوم ، في غرفة مهجورة ليس لها سقف ، يرميها المارة بالحجارة ، تبرّؤا من يزيد ومن أفعاله المنكرة.

٧١١

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣١ :

مات يزيد في شهر ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ بذات الجنب بحوران [لعلها تصحيف : حوارين] وحمل إلى دمشق. وصلى عليه أخوه خالد ، وقيل ابنه معاوية الثاني. ودفن بمقبرة باب الصغير ، وقبره الآن مزبلة. وقد بلغ سبعا وثلاثين سنة.

نسب يزيد

٨٦٥ ـ مفارقات ومناقضات :(الحسين إمام الشاهدين ، ص ٩٢)

يقول الدكتور علي شلق : في عهد يزيد بن معاوية فتح عقبة بن نافع المغرب ، وفتح مسلم بن زياد بخارى وخوارزم. ويقال : إن يزيد أول من خدم الكعبة ، وكساها الديباج الخسروي.

فوا عجبا كيف يفتح يزيد البلاد لنشر الإسلام ، ثم هو يغزو مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقتل أجلاء الصحابة ، ويستبيح أعراض الصحابيات!. لا بل أعجب من ذلك وأغرب أن يخلع على الكعبة كسوتها ، ثم يعجّل عليها فيحرقها!.

إن هذا يدل على أن كل أعماله لم تكن للدين والإسلام ، وإنما كانت لتوطيد الملك والسلطان ، والحكم والصولجان.

٨٦٦ ـ نسب يزيد :(وسيلة الدارين ، ص ٨٤)

روى صاحب كتاب (إلزام الناصب) ، وأبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي في كتابه (المثالب) ، والحافظ أبو سعيد إسماعيل بن علي الحنفي في (مثالب بني أمية) ، والشيخ أبو الفتح جعفر بن محمّد الميداني في (بهجة المستفيد) : أن يزيد ابن معاوية ، أمه كانت بنت بجدل الكلبية ، أمكنت عبد أبيها من نفسها ، فحملت بيزيد فلينظر العاقل إلى أصول هؤلاء القوم ، كيف كانوا يقدّمونهم على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا!.

وذكر ابن شهر آشوب في تفسير قوله تعالى عن إبليس :( وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ) [الإسراء : ٦٤] ، أن الإمام الحسنعليه‌السلام جلس مع يزيد يأكلان

٧١٢

الرطب ، فقال يزيد : يا حسن إني منذ كنت أبغضك!. فقال الإمام الحسنعليه‌السلام :اعلم يا يزيد ، أن إبليس شارك أباك في جماعه ، فاختلط الماءان ، فأورثك ذلك عداوتي وعداوة أخي ، لأن الله يقول :( وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ) [الإسراء : ٦٤].

وشارك الشيطان (حربا) عند جماعه فولد (صخرا) ، فلذلك كان يبغض جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٦٧ ـ ولادة يزيد من سفاح :

(يزيد بن معاوية فرع الشجرة الملعونة في القرآن لأبي جعفر أحمد المكي ، ص ٧١)

تزوج معاوية امرأة من بني كلب اسمها ميسون ، وكان أبوها يسمى (بجدل) شيخ كلب. وكان للأب عبد اسمه (سفاح).

وكان هذا العبد قد زنى بميسون وأذهب بكارتها ، وحملت منه. ثم حملت إلى معاوية ، فوجدها ثيّبا.

وطلبت من معاوية الطلاق ، والعودة إلى بلادها. فطلقها وأرسلها إلى أهلها في (حوّارين) ، فوضعت هناك يزيد. فهو يزيد بن سفاح ، وليس يزيد بن معاوية.

ونشأ يزيد في حوّارين ، في أحضان النصارى من أخواله ، بعيدا عن أجواء المسلمين. وحين هلك معاوية لم يكن يزيد عنده ، بل استدعي من حوارين [شرق حمص] لاستلام مقاليد الحكم. فماذا نتوقع من يزيد أن يفعله حين يحكم؟!. لا غرابة يقتل أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويستبيح مدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويضرب الكعبة ويحرقها!.

ـ رواية أخرى :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص بعد ٩٠)

وقيل : إن معاوية [كان] ذات يوم يبول ، فلدغته عقرب في ذكره ، فزوّجوه عجوزا ليجامعها ويشفى من دائه. فجامعها مرة وطلقها ، فوقعت النطفة مختلطة بسم العقرب في رحم العجوز ، فحصل منها يزيد. وكأن فيه نزلت الآية :( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) [الأعراف : ٥٨].

ولذلك إن اللعين يزيد لم يكن فيه صفة من صفات الملوك ، ولا فيه خصلة من خصالهم.

٧١٣

٨٦٨ ـ أنساب بني أمية ، وأنهم ليسوا من قريش :

(وسيلة الدارين للسيد إبراهيم الموسوي الزنجاني ، ص ٨٥)

قال السيد القاضي نور الله التستري في كتابه (إحقاق الحق) في بيان نسب بني أمية: إن نسبهم بطريق علماء أهل البيت وغيرهم ، أن بني أمية ليسوا من قريش ؛ فقد كان (لعبد شمس) عبد رومي يقال له (أميّة) فنسب إلى قريش ، وأصلهم من الروم.وذلك أن العرب من سيرتهم أن يلحق الرجل بنسبه عبده ، وكان ذلك جائزا عندهم.وقد عدّ ذلك من وجوه كريمة في العرب. ولما افتخر معاوية في كتاباته إلى عليعليه‌السلام بالصحبة والقرشية ، كتبعليه‌السلام في جوابه : «ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق».[نهج البلاغة ، كتاب رقم ١٧]

يقصد بذلكعليه‌السلام أن معاوية كان من الطلقاء ، وأنه لصيق أي ملحق بالنسب إلحاقا.

الملامح الهاشمية والأحقاد الأموية

٨٦٩ ـ التفاضل بين بني هاشم وبني أمية :

(الحسين بن علي إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ١٢١)

قال الدكتور علي شلق :

الناس في الأرض كالشجر ، تأتلف أشكالهم وقدورهم ، ولكن الاختلاف في عقولهم وأمزجتهم ، يرتسم في أهوائهم وسلوكهم.

وكما أن في الأرض قطعا متجاورات ، وجنات من نخيل وأعناب ؛ منها نخيل صنوان وغير صنوان ، وكلها تسقى بماء واحد ، ونفضّل بعضها على بعض في الأكل ؛ كذلك كان في قريش أنواع من الدوح والشجر ، تختلف في الطعم والثمر.وقد برز فيهم بطنان متميزان ، هما : بنو هاشم وبنو أمية.

ولما جاء الإسلام والفريقان يتنافسان ، فانخفض جناح بني حرب الأمويين ، وعلا نجم بني عبد المطّلب الهاشميين.

بنو هاشم : قانعون معتزّون ، أصحاب رسالة وشهامة وأخلاق.

٧١٤

وبنو أمية : يخفضون الجناح وينتظرون ، وهم أكثر عددا ومالا ، وأصحاب دنيا وشهوات.

وكان بنو أمية ومن في فلكهم بزعامة أبي سفيان بن حرب ، كابدوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتربّصوا به الدوائر ، حتى هاجر من مكة إلى القحطانيين في المدينة. عند ذلك خلا الجو لبني أمية في مكة.

ولكن لم يطل العهد ، حتى كان جيش المهاجرين والأنصار بقيادة النبي الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدقّ أبواب مكة ليفتحها ، فيسقط في يد أبي سفيان زعيم مكة والأحزاب ، ويتحقق الموت أو الأسر.

لنستمع إلى محاورة أبي سفيان مع العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ـ يقول أبو سفيان للعباس وكانا صديقين : لقد أصبح أمر ابن أخيك عظيما!.

ـ فيجيبه العباس ناصحا : عليك أن تطلب منه الأمان قبل فوات الأوان.

ـ أبو سفيان : كيف وقد بيّتت له القتل ، وما فعل ببدر وأحد والأحزاب وحنين؟.

ـ العباس : إنه محمّد يا صديقي!. نبي لا يحقد ، ورسول من عند الله!.

ـ أبو سفيان : هل أنت ضامن لي؟.

ـ العباس : ويلك يا أبا سفيان ، كأنك لم تجرّب مكارم الشمائل والأخلاق!.ثم يدخل أبو سفيان وأولاده ـ وفيهم معاوية ـ في الإسلام. والإسلام يجبّ ما قبله. ويعلو صوت الرسول العظيم في أهل مكة ، وكأنه يقصد أبا سفيان بالذات :

اذهبوا فأنتم الطّلقاء!.

٨٧٠ ـ ما فعلت هند أم معاوية بالحمزةعليه‌السلام وكبده في أحد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٢١ ط ٢)

قال فخر الدين الطريحي : فجاءت هند بنت عتبة ، ووقفت على جسد حمزةعليه‌السلام وجدعت [أي قطعت] أذنيه وأنفه ، وشقّت بطنه ، وقطعت أصابعه ونظمتها بخيط ، وجعلتها قلادة في عنقها. ثم أخرجت كبد حمزة وأخذت منه قطعة بأسنانها ومضغتها حنقا منها عليه ، وأرادت بلعها فلم تقدر على بلعها ، فقذفتها ؛ لأن الله تعالى صان كبد حمزة أن يحلّ في معدة تحرق بالنار. فهل رأيتم أو سمعتم امرأة أكلت كبد إنسان ، غير هند الهوان ، والله يقول :( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) [الأعراف : ٥٨].

٧١٥

٨٧١ ـ الملامح الهاشمية :(الحسين إمام الشاهدين ، ص ١٤)

الملامح الهاشمية : جمال المظهر ، نقاء المخبر ، قوة جسدية ، شجاعة ، قامات مشيقة ، فصاحة بارعة ، حضور مهيب وحبيب ، إلى مثالية ذات أبعاد.

بدا هذا جميعه في أبي طالب ، وحمزة ، والعباس ، وعبد الله : أبناء عبد المطلب ، شيخ مشايخ قريش ؛ وتجلّى في الحسينعليه‌السلام وأولاده تجلّي المجرات في السموات.

٨٧٢ ـ الملامح الأموية :(المصدر السابق ، ص ١٤ ـ ١٦)

الملامح الأموية : بين البدانة والنحافة ، السّمرة والبياض ، ذكاء بارع الحيل وحسن التصرف ، حب المال والمنفعة ، سير عليدروب الواقعية ، هوس بالمناصب والتسلط.

ظهر هذا جليا في أبي سفيان ، ومروان بن الحكم ، ومعاوية ويزيد. ومن تسلسل من هذه (البؤرة) مرورا بعبد الملك بن مروان ، وانتهاء بمروان الحمار.

من هنا يرتسم في البال مزاجان مختلفان ، ونمطان متباينان وها نحن نرى ذينك النمطين متمثلين في حكم الخلافة ، وبذا يستقر للهاشمية اسم الخلافة الشورية ، وللأموية اسم الملكية الوراثية.

امتدت خصومة أبي سفيان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى فتح مكة ، فكان من الذين أرغموا على قبول الأمر الواقع ، وسمّوا ب (الطّلقاء).

والذي يبدو أن إيمان الجذوع الأموية العتيقة بالإسلام ، بل بدعوة محمّد الهاشميصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يجري على السطوح ، ولا ينفذ إلى الأعماق. ولا عبرة بحرض بعضهم على شعيرات احتفظ بها من شعر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقليمات من أظفاره

[يقصد به معاوية] ، وقميص كان قد أهداه إياه الرسول الكريم ، كي يعلو في نظر المسلمين ؛ فالهداية والصلاح لا يتوقفان على شعر وأظفار وثياب ، فالبركة الحقيقية هي في العمل المنجي ، والصدق المشرّف.

والحسين الحسينعليه‌السلام ذلك الّذي هزئ بالموت ، فإذا به ذو عرش على قلوب الملايين ، لا يحتاج إلى قميص أو شعيرات أو أظافر يتبرك بها ، وحسبه أنه قال للموت : أريد أن تموت أنت ، وأنا أحيا إلى الأبد الأبيد ، قطرة في محيط التاريخ.

٧١٦

وأتقدم في القرن العشرين ، بعد أربعة عشر قرنا ، من هذا الجيل في العصر بصورة للحسين ، عسى أن يسطع منها ضوء يهدي ، وعطر يرفع ، وصوت يهبّ سامعه إلى نجدة الحق ، ونصرة الشمائل. وكل ذلك في سبيل الإنسانية والحضارة ، وكلتاهما جناحان نحو آفاق الله.

لقد استهوت على معاوية وبني أمية شهوة الحكم وشهوة الفتوحات ، وكلتاهما فرع من حب العيش والدنيا ، وصدى لغريزة التملك والحياة ، ومنها الهوس بالحرص على النسل ، وتوريثه وتعزيزه.

واليوم ذهب الفتح ، وانقضى الحكم ، وانطفأت قناديل الفتوحات ، وأصبح الكل هباء وفناء ، لأنهم لم يعملوا كل ذلك بدافع من سمو الحقيقة العليا ، بل عملوا على تعطيل الشورى وعدالتها ، وتغليب الوراثية والنفعية والاستبدادية.

في حين قام الهاشميون من أبناء عليعليه‌السلام ، ليثبّتوا مبدأ الخلافة والإمامة ، ولم يدعوا إليها بدافع الاستبداد والأثرة وحب التوريث ، بل كانوا أهلا لها ، وكانوا أصحاب حق وأصحاب مواقف. ولذلك استشهدوا في سبيل مبدئهم ، وخلدتهم العقيدة والتاريخ.

ـ ما قيمتنا اليوم؟ :

نحن اليوم بعد علي والحسينعليه‌السلام ، وبعد الراشدية المثلى والرسول العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أكثر عددا من مسلمي عصر صدر الإسلام ، والعصر الأموي والعباسي ، وأغنى مالا وأقوى عددا ، وأوسع رقعة وأغزر طاقة وعلما ؛ ولكننا لا نساوي والله قيمة شهيد واحد مات مع الحسينعليه‌السلام ، ولا نصلح أن ننتسب إلى صحابي واحد جاهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لماذا؟. لأننا فقدنا حب الحق والبطولة ، وفضّلنا المال والثياب والقصور والمزارع والمراكب وبهرج العيش. فمتى يقوم فينا من يحب الموت لتتقدم منه الحياة ، ويطلب الشهادة ليحيا في فردوس البطولة؟.

٨٧٣ ـ ما هو السبب الحقيقي لقتل يزيد للإمام الحسينعليه‌السلام ؟ :

(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص)

يخيّل للمرء لأول وهلة أن سبب قتل يزيد للحسينعليه‌السلام هو لأنه لم يبايع له ، وهو ما كان يشيعه يزيد بين الناس ، فيقول : إنه خارجي خرج عليّ فقتلته. ولكن هل هذا هو السبب الحقيقي لقتلهعليه‌السلام ؟.

٧١٧

فليت شعري إذا كان هذا هو السبب ، فهل قتل جيش يزيد الطفل الصغير ، لأنه لم يبايع خليفتهم؟!.

أم هل سبوا بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وساروا بهن من كربلاء إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى الشام ، من أجل أن يبايعن الخليفة؟.

إذن لماذا فعلوا ذلك وغير ذلك؟.

لماذا حرّق جيش يزيد خيام آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء؟.

ولماذا داس جيش يزيد بحوافر خيولهم صدر ابن بنت رسول الله وظهره؟.

ولماذا تركوا جسده وأجساد آل بيته وأنصاره في العراء ولم يدفنوهم؟.

ولماذا قطعوا رؤوسهم بوحشية نادرة واقتسموها فيما بينهم ، وحملوها على أطراف الرماح؟.

ولماذا حملوا نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأطفاله على أقتاب الإبل بدون غطاء ولا وطاء؟

وساروا بهم من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل؟.

ولماذا ينكث يزيد ـ ومن قبله ابن زياد ـ ثنايا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام بالقضيب ، ثم يصلبه ثلاثا على مئذنة المسجد في دمشق؟.

إن الجواب على كل ذلك قد أفصح عنه يزيد في قوله ، حين وضع الرأس الشريف بين يديه ، وتمثّل بأبيات ابن الزّبعرى المشرك الكافر. فالذي دفعه إلى ذلك حقده على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليعليه‌السلام وسلالتهما ، الذين قتلوا أجداده وأعمامه الكفار يوم بدر. إذن فهي أحقاد بدرية كامنة ، والقوم لم يسلموا ولكن استسلموا ، حتى إذا حانت الفرصة لهم أخذوا بثأرهم من الإسلام ومن نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٧٤ ـ مقارنة بين أعمال بني أمية وبني هاشم :

لم يزل بنو أمية بقيادة أبي سفيان يحاربون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أسلموا مكرهين يوم فتح مكة ، فعاملهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاملة حسنة ، وقال : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن». وعفا عنهم ولم يضرب أعناقهم ، بل قال لهم : «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

لكنهم حين أصبح الملك بأيديهم ، منعوا علياعليه‌السلام وجنده من الماء المباح ، ونكثوا بصلح الحسنعليه‌السلام وسمّوه ، وجزّروا أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء كما تجزّر الأضاحي ، وسبوا نساءه وأطفاله كما تسبى الترك والديلم.

٧١٨

ويمكن اختصار ذلك كله بالقول المشهور (كل إناء ينضح بما فيه). وسوف أسوق القصة التالية كمثال بليغ على ما جرى.

٨٧٥ ـ رؤيا الشيخ نصر الله ، وأبيات الشاعر الحيص بيص :

(الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ، ص ١٩٦ ط ٢)

حكى الشيخ نصر الله بن يحيى مشارف الصاغة ، وكان من الثقات الخيرين ، قال : رأيت علي بن أبي طالبعليه‌السلام في المنام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، تقولون يوم فتح مكة : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، ثم يتمّ [على] ولدك الحسينعليه‌السلام يوم كربلاء منهم ما تمّ؟!. فقال ليعليه‌السلام : أما سمعت أبيات ابن الصيفي التميمي في هذا المعنى؟. فقلت : لا. فقال : اذهب إليه واسمعها!.

فاستيقظت من نومي مفكرا. ثم إني ذهبت إلى دار ابن الصيفي [وهو الحيص بيص الشاعر ، الملقب بشهاب الدين] ، فطرقت عليه الباب ، فخرج علي. فقصصت عليه الرؤيا ، (فشهق) وأجهش بالبكاء ، وحلف بالله إن كان سمعها مني أحد ، وإن أكن نظمتها إلا في ليلتي هذه. ثم أنشد :

ملكنا فكان العفو منا سجيّة

فلما ملكتم سال بالدم أبطح

وحلّلتم قتل الأسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

٨٧٦ ـ لا مقارنة بين الإمام الحسينعليه‌السلام والطاغية يزيد :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٦)

يقول السيد عبد الرزاق المقرّمرحمه‌الله :

فابن ميسون عصارة تلكم المنكرات ، فمتى كان يصلح لشيء من الملك ، فضلا عن الخلافة الإلهية ، وفي الأمة ريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة ؛ أبوه من قام الدين بجهاده ، وأمه سيدة نساء العالمين ، وهو الخامس من أصحاب الكساء ، وهو عديل القرآن في (حديث الثقلين). يتفجّر العلم من جوانبه ، ويزدهي الخلق العظيم معه أينما توجّه ، وعبق النبوة بين أعطافه ، وألق الإمامة في أسارير وجهه ثم أترى أن معاوية كالإمام ، أم أبا سفيان كالنبي ، أم هند آكلة الأكباد كأم المؤمنين خديجة ، أم ميسون كفاطمة سيدة نساء العالمين ، أم أمية كهاشم؟ أم خلاعة الجاهلية

٧١٩

كفضيلة الإسلام ، أم الجهل المطبق بيزيد كالعلم المتدفّق من الحسينعليه‌السلام ، أم الشره المخزي كالطهارة المقدسة؟!. إلى غير ذلك مما لا مجال للمفاضلة فيها بين يزيد والحسين ، مما يكلّ به القلم ، وينقطع به الكلام.

٨٧٧ ـ التقابل بين الحسينعليه‌السلام ويزيد ، تقابل النقيضين :

(مقتل سيد الشهداء لعبد الكريم خان ، ص ٢٥)

يقول الأستاذ عبد الله العلايلي :

نحن لا نريد أن نعطي رأيا في معاوية ، ولكن نريد أن يعرف القارئ أو المستمع ما قاله بعض أعلام إخواننا أهل السنة ، أنه ليس مما يشك فيه (عدوّ ليزيد أو صديق) أن التقابل الكلي بين الحسين ويزيد ، تقابل النقيضين أو الضدين ، فلذا يشبّه بتقابل النور والظلمة ، والسموّ والانحطاط ، والكرامة والخسّة ؛ فهما صنفان أو صفّان :رجال الله ، ورجال الجبت والطاغوت.

ثم يقول في كتابه (سموّ المعنى في سموّ الذات) ص ٦٣ : ثبت لمفكري المسلمين عامة في ذلك الحين أن يزيد بالنظر إلى خلقه الخاص وتربيته الخاصة ، سيكون أداة هدّامة في بناء الحكومة والدين معا ، وإن مفكري المسلمين قد عدّوا ولايته منكرا كبيرا ، لا يصح لمسلم السكوت معه ، ومن واجبه الجهر بالإنكار.

«انتهى كلام العلايلي»

وفي مقابل ذلك فالحسينعليه‌السلام ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي كان مجموعة آيات من آيات الله سبحانه ، تملأ أرجاء العالم شأنا وعظمة. فإنه آية في الخلق ، وآية في الأخلاق ، وآية في كل فضل وفضيلة كيف لا يكون كذلك وهو وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خلقه وخلقه ، في كل حال من أحواله وجميل صفاته. كما يشهد له بذلك الأفذاذ من حملة العلم والمؤتمنين على التاريخ الصادق. ويكفيه رفعة قول جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه :

«حسين مني ، وأنا من حسين»

«أحبّ الله من أحبّ حسينا»

٧٢٠

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800