موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 493483 / تحميل: 5834
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

يمهلوه من إتمامها، وكان إعتقاله في شهر شوال لعشر بقين منه عام ١٧٩ هـ وخاف الرشيد من وقوع الفتنة وحدوث الاضطراب، فأمر بتهيأة قبتين فأوعز بحمل إحديهما إلى الكوفة والأخرى إلى البصرة ليوهم على الناس أمر الامامعليه‌السلام ويخفي عليهم خبر إعتقاله، وأمر بحمل الامامعليه‌السلام إلى البصرة في غلس الليل البهيم.

سجنه في البصرة

وسارت القافلة بقيادة «حسان السروي» الذي وكِّل بحراسة الامام والمحافظة عليه، حتى سلّمه إلى عيسى بن جعفر في البصرة قبل التروية بيوم، فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس، وأقفل عليه أبواب السجن، فكان لا يفتحها إلّا في حالتين، إحداهم في حالة خروجه إلى الطهور، والأخرى لإدخال الطعام له.

ما قام به الامامعليه‌السلام في سجن البصرة

أ ـ تفرغه للعبادة: وأقبل الامامعليه‌السلام على عبادة الله فحيّر الألباب وأبهر العقول بعبادته وانقطاعه إلى الله فكان يصوم في النهار ويقوم في الليل، وكان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم انك تعلمُ أنّي كنتُ أسألكَ أن تفرغني لعبادتك، اللهمَّ وقد فعلت فلك الحمد».

ب ـ اتصال العلماء به: أقبل علماء البصرة ورواة الحديث إلى الامامعليه‌السلام فاتصلوا به من طريقٍ خفيٍ وكان منهم ياسين الزياتي وروى عنه. (حياة الام موسى بن جعفر للقرشي)

أوعز هارون لعيسى بقتل الامامعليه‌السلام

ولما وصلت رسالة هارون الرشيد لعيسى بقتل الامامعليه‌السلام ثقل عليه الأمر وجمع خواصه وثقاته فعرض عليهم الأمر فاشاروا إليه بالتحذير من ارتكاب الجريمة فكتب إلى الرشيد: «يا أمير المؤمنين كتبتَ إليَّ في هذا الرجل وقد اختبرته طول مقامه بمن حسبته عيناً عليه لينظروا جبلته وأمره وطويّته ممّن له المعرفة والدراية

٨١

فلم يكن منه سوء قط ولم يذكر أمير المؤمنين إلّا بخير ولم يكن له تطلّع إلى ولاية ولا خروج ولا شيء من أمر الدنيا ولا دعا قط على أمير المؤمنين، فان رأى اميرالمؤمنين من أن يعفيني من أمره أو ينفذ من يتسلّمه منّي وإلا أطلقت سراحه». وقد بقي في سجن عيسى سنة كاملة.

نقل الامامعليه‌السلام إلى بغداد

فحُمِلَ الامامعليه‌السلام مُقيّداً إلى بغداد تحفُّ به الشرطة والحراس، فأمر الرشيد باعتقاله عند الفضل ابن الربيع فحبسه في بيته، ولم يعتقله في السجون العامة «كالمطبق» وغيره نظراً لخطورة الامامعليه‌السلام وسمو مكانته وعظم شخصيته.

إنشغاله بالعبادة في سجن الفضل بن الربيع

كان هارون يُراقب بنفسه ما يقوم به الامامعليه‌السلام ويتطلّع على شؤونه خوفاً من أن يتصل به أحد من الناس، أو يكون الفضل قد رفّهَ عليه، فأطلَّ من أعلى القصر على السجن فرأى ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغير عن موضعه، فقال للفضل:

ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟! فقال الفضل: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوبٍ، وإنما هو موسى بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال، فقال هارون: أما إنَّ هذا من رهبان بني هاشم؟!

فقال الفضل: يا أمير المؤمنين مالكَ قد ضيقت عليه في الحبس؟!

فقال هارون: هيهات لا بدَّ من ذلك.

دعاء الامام في السجن

لقد حُجب الامامعليه‌السلام عن عياله وأطفاله وشيعته، ينقل من حبس إلى حبس، فالتجأ إلى الله سبحانه يخلّصهُ من سجن هارون، فجدّد طهوره وصلّى لربّه أربع ركعات ثم دعا في غلس الليل البهيم: «يا سيّدي: نجني من حبس هارون وخلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين رملٍ وطين، ويا مخلص النار من بين الحديد

٨٢

والحجر، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء خلصني من يد هارون»(١).

استجاب الله دعاءه وأطلق سراحه في غلس الليل بسبب رؤيا رآها هارون فخاف وأطلق سراح الامامعليه‌السلام وأعطاه ثلاثين ألف درهم.

وكان الامام الكاظمعليه‌السلام قد رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له يا موسى لقد سُجنت مظلوماً، قل هذه الكلمات فانّك لا تبقى في الحبس هذه الليلة، فقلت له بأبي أنت وأمي ما أقول فقال قل: «يا سامع كل صوت ويا سابق الفوت، ويا كاسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الاعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطّلع عليه أحدٌ من المخلوقين، يا حليماً ذا أناة لا يقوى على أناته ياذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً، ولا يحصى عدداً، فرّج عنّي».

وفرّج الله عنه، فخلى هارون سبيله، وقد مكث في سجن الفضل مدة طويلة من الزمن لم يعينها التأريخ.

وبقيَ الامامعليه‌السلام بعد اطلاق سراحه في بغداد لم ينزح عنها إلى يثرب وكان يدخل على هارون الرشيد في كل اسبوع مرّة في يوم الخميس(٢).

وأكبر الظن ان الرشيد فرض عليه الاقامة الجبرية. وقد ذهب لذلك السيد مير علي الهندي فقال: «وقد حدث مرتين ان سمح الرشيد لهذا الامام الوديع بالرجوع إلى الحجاز ولكن شكوكه تستولي عليه فيبقيه في الحبس»(٣).

وكان الامامعليه‌السلام بذل جهوده وهو في بغداد لإرشاد الناس وهدايتهم إلى طريق الحق، فقد اهتدى بشر الحافي وتاب على يده حتى صار من عيون الصالحين والمتقين.

_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٤٧٢ ـ ٤٧٣.

(٢) نفس المصدر السابق: ٤٧٥.

(٣) نفس المصدر السابق: ٤٧٦ نقلاً عن مختصر تاريخ العرب: ٢٠٩.

٨٣

سجن الفضل بن يحيى البرمكي

ولما ذاع صيت الامام وانتشر فضله وعلمه وحب الناس له، خاف هارون على ملكه فأوعز إلى اعتقال الامامعليه‌السلام عند الفضل بن يحيى البرمكي، وذات يوم أرسل هارون على الفضل وهو غضبان يطلب منه أن يأتي بالامامعليه‌السلام وكان هارون يريد قتله، فدعا الامامعليه‌السلام بدعاء جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام : «اللهمَّ بك أساور وبك أحاول وبك أجاور وبك أصول وبك انتصر وبك أموت وبك أحيى أسلمتُ نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم إنّك خلقتني ورزقتني وسترتني عن العباد بلطف ما خولتني اغنيتني، فاذا هويت رددتني وإذا عثرت قومتني وإذا مرضت شفيتني وإذا دعوت أجبتني يا سيدي: ارض عني فقد أرضيتني»(١).

قال هارون للفضل فرأيتُ أقواماً قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون إن آذى ابن رسول الله خسفنا به وبداره الأرض وإن أحسن اليه انصرفنا عنه وتركناه. لذلك خاف هارون وأمر أن يأتي بغالية، فأتيَ بها، فطيَّب الامام بيده وأمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان ودنانير فقال الامامعليه‌السلام لولا أني أرى أزوّج بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبداً. ومرّةً ثانية اصدر هارون أوامره باعتقال الامامعليه‌السلام عند الفضل بن يحيى وأوعز إليه أن يقتل الامامعليه‌السلام فامتنع الفضل وخاف من الله ولانه كان ممن يذهب إلى الامامة ويدين بها، وهذا هو السبب في اتهام البرامكة بالتشيع(٢). ثم إنَّ هارون نكل بالفضل وأمر أن يضرب مائة سوط.

في سجن السندي بن شاهك

وأخيراً لم يجد هارون من ينفّذ رغباته في موسى بن جعفرعليه‌السلام سوى هذا
الشرير الوغد اللئيم فنقله إلى سجنه وأمره بالتضييق عليه، فاستجاب الأثيم لذلك،
_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٤٧٩.

(٢) نفس المصدر السابق: ٤٨٠.

٨٤

فقابل الامام بكل جفوة وقسوة، والامام صابر محتسب في محبس بدار المسيب الواقع قرب باب الكوفة وفيه كانت وفاته، وقال بعض المؤرخين إنّه حبس في بيت السندي وإنه كان مع أهله وعياله ولم نعلم أن دار السندي هل هي دار المسيب أم غيرها؟(١)

وقد ضيَّق عليه السندي وقيّده بثلاثين رطلاً من الحديد وكان يقفل الباب في وجهه ولا يدعه يخرج إلا للوضوء، وكان السندي من أشد الناس بغضاً لأبي طالبعليه‌السلام .

سم الامامعليه‌السلام

ثم ان الرشيد عمد إلى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وأمر السندي أن يقدمه إلى الامام ويحتم عليه أن يتناول منه، وقيل ان الرشيد أوعز إلى السندي في ذلك فأخذ رطباً ووضع فيه السم وقدَّمه للامام فأكل منه عشر رطبات، فقال له السندي زد على ذلك، فرمقه الامام بطرفه وقال له حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه. فسرى السم في جسد إمامنا رحم الله المنادي وا إماماه واسيّداه.

قضى نحبه وافجعتاه لوحده

غريباً بقعر السجن وهو مصفّدُ

* * *

الكاظم عگب ابوه امعذّبينه

مدّه بالسجون امغيبينَه

شنهو اللي عمل ويّاه هارون

خلّه الكاظم ابچم سجن مسجون

ابطوامير الذي متشوفه العيون

او عليه تسئل الشيعة راح وينه

تالي صار عدهم خَبَر عَنّه

ابسجن هارون ريّسها المچنّه

گالوا عسى الباري ايعوده النه

او من يرجع اله ننصب الزينه

ضلّوا يرتجون ايعود ليهم

او لنه الطارش ايحشّم عليهم

ابجسر بغداد كاظمهم يجيهم

افرحوا گالوا عسى سالم يجينه

اطلعوا طلعه طبگ نسوه او رجاجيل

اولن هذه الجنازه اعلى الحماميل

ثلاث ارطال في رجله الزناجيل

الحديد اويه الجنازه شايلينه

_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٤٨٧.

٨٥

* * *

ارتجت شيعته من علم الاگشر

او گالوا هذا ريسنه بن جعفر

اسليمان انتهض بيها او عليه طر

ابن عمّه يگول الحاملينه

* * *

هذا الطيّب المن صلبه طيبين

الجدّه المصطفى المختار ياسين

او بن حيدر علي والد السبطين

اومه فاطمه الزهره الحزينه

* * *

الشيعة انتهضت ابذمّة اسليمان

او شيّعت بالمعزّة عالي الشأن

بس جدّه البگه اعلى الترب عريان

امجرّد بالحوافر ساحگينه

* * *

٨٦

المجلس الثاني عشر

الموضوع : مراسيم الغسل والتكفين والتشييع

القصيدة:

مُصابٌ له طاشت عقولُ ذوي الحجا

إذا ما تعفّى كلُّ رزءٍ تجددا

فَعَنْ رشدِهِ تاهَ الرشيدُ غوايةً

وفارقَ نهجَ الحقِّ بغياً وأبعدا

سعى بابن خيرِ الرّوس يا خابَ سعيُهُ

فغادرَهُ رهنَ الحبوس مقيّدا

ودسَّ لهُ سمّاً فأورى فؤاده

وكُلَّ فؤادٍ منهُ حزناً توقّدا

وهاكَ استمعْ ما يُعقبُ القلبَ لوعةً

ويُنضحهُ دماً على الخدِّ خدّدا

غداةَ المنادي اعلنَ الشتمَ شامتاً

على النعشِ ياللناس ما أفضَعَ النِّدا

أيحملُ موسى والحديدُ برجله

كَما حُمِلَ السّجادُ عانٍ مقيّداً

* * *

بالحبس گضه العمر لمّن گضه

طاح ركن الدين واسودّ الفضا

يوم نادوا هذا امام الرافضه

العجب كل العجب منع العذاب

يا گلب ذوب او تفطّر وانفطر

واجذب الحسره لعد يوم الحشر

اعله الذي بالحبس مات او عالجـ

سر اجنازته ظلّت على وجه التراب

عالج اولاج اوگضه نحبه غريب

اولا حضر موته گرابه او لا صحيب

ويل گلبي يوم جس نبضه الطبيب

گال مسموم انحرم ماي الشراب

* * *

بأبي ثاوياً ببغداد قاسى

كرباتٍ حتى قضى محبوسا

٨٧

لقد مات أبرّ الناس بالناس، وأعطفهم على الضعفاء والفقراء الذي أثلج قلوبهم بصراره وهباته وعطاياه، وكشف عنهم مرارة العيش لقد مات أحلم الناس، وأكظمهم للغيظ والمكروه... ففي ذمة الله أيُّها الامام العظيم، لقد مضيت إلى الله شهيداً سعيداً، فسلامٌ عليك يابن رسول الله يوم ولدت ويوم مت واستشهدت، ويوم تبعث حيا.

تحقيق الشرطة في موت الامامعليه‌السلام

قامت الشرطة بدورها في التحقيق في هذا الحادث الذي تعرض له الامام لتبرأ ساحة هارون من المسؤولية، أما التحقيق فقد قام به السندي أولاً والرشيد ثانياً، أما ما قام به السندي فكان في مواضع ثلاثة:

الأول: ما حدث به عمرو بن واقد، قال أرسل إلى السندي ابن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد سيحضرني، فخشيت أن يكون لسوءٍ يريدهُ بي، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ثم ركبت إليه، فلما رآني مقبلاً قال لي:

يا أبا حفص، لعلنا أرعبناك وأزعجناك؟ فقال: نعم.

فقال: ليس هنا إلّا الخير.

فرسول تبعثه إلى منزلي ليخبرهم خيري

فقال: نعم.

ولما هدأ روعه وذهب عنه الخوف، قال له السندي: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟

فقال: لا.

فقال: أتعرف موسى بن جعفرعليه‌السلام ؟

فقال: اي والله إني أعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر.

فقال: هل ببغداد ممن يقبل قوله تعرفه أنه يعرفه؟

٨٨

فقال: نعم، ثم أنه سمى له أشخاصاً ممن يعرفون الامام، فبعث خلفهم، فقال لهم هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر؟ فسموا له قوماً فأحضرهم وقد استوعب الليل بفعله حتى انبلج نور الصبح، ولما كمل عنده الشهود نيف وخمسون رجلا أمر باحضار كاتبه ـ ويعرف اليوم بكاتب الضبط ـ فأخذ بتسجيل أسماءهم ومنازلهم وأعمالهم وصفاتهم وبعد انتهائه من الضبط دخل على السندي فعرفه بذلك، فخرج من محله والتفت إلى عمر: «قم يا أبا حفص: فاكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر».

قال عمرو: فكشفت الثوب عن وجه الامام وإذا به قد مات والتفت السندي إلى الجماعة فقال لهم: انظروا إليه، فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثم قال لهم: «تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر؟».

ـ نعم.

ثم أمر غلامه بتجريد الامام من ملابسه، ففعل الغلام ذلك ثم التفتَ إلى القوم فقال لهم: «أترونَ به أثراً تنكرونه؟».

فقالوا: لا، ثم سجل شهادتهم وانصرفوا(١).

الموضع الثاني: انه استدعى الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا إلى الامام وهو ميت لا أثر به وشهدوا على ذلك(٢).

الموضع الثالث: انه لما وضع الجثمان المقدَّس على حافة القبر جاء رسول من قبل السندي فأمر بكشف وجه الامام للناس ليروه أنه صحيح لم يحدث به حدث(٣).

_________________________

(١) بحار الأنوار.

(٢) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٥١٩ ـ ٥٢٠.

(٣) نفس المصدر السابق.

٨٩

هذه الاجراءات المهمة التي اتخذها السندي بن شاهك انما جاءت لتبرير ساحة الحكومة من المسؤلية، وتنزيهها عن ارتكاب الجريمة، ولكنَّ الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام قد أفسد عليه صنعه وكشف للناس ان هارون هو الذي اغتاله بالسم.

الأمور التي قام بها هارون لرفع الشبهة

أولاً: إنّه جمع شيوخ الطالبيين والعباسيين، وسائر أهل مملكته، والحكام فقال لهم: «هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه، وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه ـ يعني في قتله ـ فانظروا إليه».

فدخل على الامام سبعون رجلاً من شيعته، فنظروا إليه وليس به أثر جراحة ولا خنق(١).

ولم يُجدِ ذلك هارون فانَّ الحق لابدَّ أن يظهر، وقد عرف الخاص والعام ان هارون هو الذي اغتال الامام وهو المسؤول عن دمه.

وضعه على الجسر

بالله يا يا للمسلمين، مثل الامام موسىعليه‌السلام ، إمام المسلمين وسيد المتقين والعابدين وعملاق الفكر الاسلامي يلقى على جسر الرصافة وهو ميت ينظر اليه القريب والبعيد وتتفرج عليه المارة، قد أحاطت بجثمانه المقدس الشرطة، وكشفت وجهه للناس قاصدين بذلك انتهاك حرمته.

لقد حاول الرشيد يفعله هذا إذلال الشيعة واهانتهم، وقد أثر ذلك في نفوسهم ـ فظلوا يذكرونه في جميع مراحل تأريخهم مقروناً باللوعة والحزن ـ يقول المرحوم الشيخ محمد ملة:

من مبلغ الاسلام أن زعيمه

قد مات في سجن الرشيد سميما

ملقى على جسر الرصافة نعشه

فيه الملائك أحدقوا تعظيما

_________________________

(١) بحار الأنوار.

٩٠

ويقول الخطيب الفذ المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي:

مثل موسى يرمى على الجسر ميتاً

لم يشيعه للقبور موحد

حملوه وللحديد برجليه هز

يج له الأهاضب تنهد

النداء الفظيع

يالروعة الخطب، يالهول المصاب، فقد أمر السندي جلاوزته أن ينادوا على جثمان الإمام بذل النداء المؤلم الذي تذهب النفوس لهوله أسىً وحسرات، فبدل أن يأمرهم بالحضور لجنازة الطيب ابن الطيب أمرهم أن ينادوا وابعكس ذلك(١).

وضعوا على جسر الرصافة نعشه

وعليه نادى بالهوان مُنادِ

* * *

والاعظم والأشد من مات شالوه أربع حماميل

وعلى الجسر مرو بيه او نعشه امن الحديد ايميل

امام الرافضة اينادون والوادم دمعها ايسيل

ويروط الجسر منها او كل الناس ملتمه

حكيم الروم من شافه تغيّر ونخطف لونه

فرك چفه وعرف سمّه أو سالت دمعة اعيونه

عشر انچان اله ايگلهم هلمّيت يحضرونه

أو تشهر للسمر والبيض كلها او تطلب أبدمه أو تشهر

     

* * *

_________________________

(١) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٥٢٢.

٩١

ماجت كل أرض بغداد من گوّض شديد الباس

وبچتله استقر هارون وستافت بني العباس

ما يدري اشجره اسليمان بس يسمع ضجيج الناس

گالوله او شهر سيفه او صال او طشر اللّمه

     

* * *

او خله اعليه المنادي ينادي والدمع ساجم

هذا الطيّب الماصوف وبن الطيب الكاظم

خلّه الوادم اتشيله او شالت نعشه الوادم

والشيعه اطلعت تبچي او كلها ابنحره اتشمّه

     

* * *

گام أو غسّله اسليمان بيده او يسچب العبرة

او خلف اجنازته اتحفه او شگ زيچه او حفر گبره

او من هال التراب اعليه حن گلبه وجذب حسره

او سوه الماتم ابداره او هل دمعه اعلى بن عمه

     

* * *

عاده او جرت عند الناس حين اللي يموت إنسان

كل إخوته ايشيلونه او لا يبگه على التربان

هم ميت ثلث تيام شفتوا يضل بلايه اچفان

بس ابلا چفن مطروح بالطف ضل ابو اليمّه

     

* * *

تهابه الوحش أن تدنو لمصرعه

وقد أقامَ ثلاثاً غير مقبور

* * *

٩٢

المجلس الثالث عشر

الموضوع : أبناء الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام

القصيدة: للسيد محسن الأمين

المجالس السنة مجلد ٢ ص ٥٥٢

خلها تطوي الفلاطياً يداها

لا تعفها فلقد طاب سراها

قصدها الزوراء تنحو تربة

طاب من مثوى الجوادين شذاها

بأريج المسك يزري نشرها

وعلى شهب السما يسمو حصاها

فاذا لاحت لعينيك فقف

واخلع النعلين في وادي طواها

تر أنواراً لموسى لمعت

نار موسى قبسات من سناها

واذا كف الجواد انبجست

لك كان الغيث في فيض نداها

تفخر الزوراء في موسى على

طور سيناء وتسمو في علاها

قف بها وقفة عبد وأطل

وقفة العيس بها والثم ثراها

واذر دمع العين في ساحاتها

فلمن تدخر العين بكاها

وابك فيها كاظم الغيظ الذي

مات مسموماً بأيدي أشقياها

* * *

على الكاظم ينوح ويبجي الدين

وگع بالحبس وحده وماله امعين

* * *

بس ما طاح سدّوا بابه اعليه

ظل وحده ولا واحد گرب ليه

تگبّل مدد أيده وعدل رجليه

گضت روحه يويلي او فرگ البين

٩٣

* * *

نهض نهضة فرح من تالي الليل

بعد باب الحوائج عازم ايشيل

شال اجنازته اعله اربع حماميل

فوگ الجسر تتفرّج الصوبين

* * *

في السمّ يقضي حيثُ لا مِن راحمٍ

أو مُشفقٍ او مَنْ به يتلطّفُ

فبكى له الرّوحُ الأمينُ كما غدى

محرابه يَبكي ويبكي المُصحَفُ

أنجب الامام موسىعليه‌السلام الذرية الطاهرة والنسل الطيّب فكانوا من خيرة أبناء المسلمين ـ في ذلك العصر ـ تقوى وصلاحاً وهدياً وورعاً وابتعاداً من مآثم الحياة وأباطيلها، وقد نشأ الكثيرون منهم نشأة دينية كاملة لأن الإمامعليه‌السلام قد وجههم الوجهة الصالحة، فسكبَ في نفوسهم المثل العليا والايمان بالله والتفاني في سبيل العقيدة قال ابن الصباغ في حقّهم: «ان لكل واحد من أولاد أبي الحسن موسىعليه‌السلام فضلاً مشهوداً»(١).

وقال الشيخ الطبرسي: «إن لكل واحد من أولاد أبي الحسن موسىعليه‌السلام فضلاً ومنقبةً مشهودة»(٢).

لقد ورثوا الفضل والشرف والمجد عن آبائهم فكانوا في سلوكهم وهديهم أمثلة رائعة للفضيلة والكمال(٣).

ورواة الأثر قد اختلفوا في عددهم اختلافاً كثيراً وفيما يلي ذلك:

الأول: انهم ثلاثة وثلاثون الذكور منهم ١٦ والاناث ١٧.

الثاني: سبعة وثلاثون الذكور ١٨ والاناث ١٩.

الثالث: ثمانية وثلاثون الذكور ٢٠ والاناث ١٨.

_________________________

(١) الفصول المهمة: ص ٢٥٦ ط.ايران.

(٢) أعلام الورى.

(٣) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٣٧٧.

٩٤

الرابع: أربعون الذكور منهم ١٨ والاناث ٢٢.

الخامس: ستون الذكور ٢٣ والاناث ٣٧.

وسوف نذكر عرضاً موجزاً لقسمٍ منهم.

١ ـ الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام

هو الإمام الثامن من أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ولدعليه‌السلام في يثرب سنة ١٤٨ هـ واستشهد على يد المأمون العباسي في طوس عام ٢٠٣ هـ وقد تحدّث ابراهيم بن عباس عن سمو أخلاق الامامعليه‌السلام : «ما رأيتُ ولا سمعتُ بأحد أفضل من علي بن موسى الرضا، وشهدتُ منه مالم أشاهد من أحدٍ، ما رأيته جفا أحداً بكلامٍ قط ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغُ منه، وما ردَّ أحداً عن حاجةٍ قدر عليها، ولا مدَّ رجليه بين يدي جليس قط، ولا اتكأ بين يدي جليس قط، ولا رأيته يشتم أحداً من مواليه ومماليكه، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه، بل كان ضحكه التبسم، وكان إذا خلا ونصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس، وكان قليل النوم بالليل كثير الصوم ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول ان ذلك يعدل صيام الدهر وكان كثير المعروف والصدقة في السر، وأكثر ذلك منه لا يكون إلا في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه...»(١).

وقال عبدالسلام بن صالح الهروي: «ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع له المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلّا أقرَّ له بالفضل، وأقر على نفسه بالقصور ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في (الروضة) والعلماء بالمدينة متوافرون فاذا الواحد منهم عن مسألة أشاروا لي بأجمعهم، وبعثوا إليَّ المسائل فأجيب عنها...»(٢).

_________________________

(١) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٣٨٠ نقلاً عن كشف الغمة: ٣ / ١٠٦.

(٢) كشف الغمة: ٣ / ١٠٧.

٩٥

وقد أشاد الامام موسىعليه‌السلام بمواهب ولده الرضا وعلمه لبنيه: «هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فأسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم فإني سمعت جعفر بن محمد يقول لي (إن عالم آل محمد لفي صلبك وليتني أدركته فانه سمي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)»(١).

ـ وكانعليه‌السلام يرعى الفقراء كثيراً.

ـ كثيراً ما يبادر إلى التصدّق ولا سيّما في الليالي الحالكة وفي الخفاء.

ـ يجلس إلى المائدة مع مواليه ويأكل معهم.

ـ لا يميز بين المماليك والأشراف، ولا بين الأقرباء والغرباء إلّا بالتقوى.

ـ يُقسّم أفضل طعامه للجائعين قبل التناول.

ـ يجالس الفقراء.

ـ يشترك في تشييع الجنائز.

ـ لا يضحك عالياً ولا يقهقه في ضحكه أبداً بل كان ضحكه التبسم.

ـ يقدّم قضاء الحوائج (حوائج المؤمنين) على سائر الأعمال.

ـ كانعليه‌السلام متواضعاً ويجلس على الحصير.

ـ لا يكسر قلب أحد بكلامه.

ـ لا يقطع كلام أحدٍ أبداً.

ـ لا يردّ طالب حاجة وهو يقدر عليها.

ـ لا يمدّ رجله بين يدي جلسائه.

ـ لسانه لا يفتر عن ذكر الله عز وجل.

_________________________

(١) نفس المصدر السابق.

٩٦

ـ يحترز من الإسراف.

ـ يعود المرضى.

ـ حليم في غاية الحلم.

ـ كانعليه‌السلام يتلو القرآن كثيراً.

ـ ينام في الليل قليلاً ويقضي أكثره بالعبادة.

من المدينة إلى «مَرْو»

وبعد أن اعتلى المأمون كرسيّ الحكم بعث كتاباً إلى الامام الرضاعليه‌السلام استدعاه إلى خراسان، فامتنع الامام من الذهاب، إلّا أنّ المأمون أصرَّ على ذلك، وأرسل إليه الكتب تَترى لكي يُعلِمه أنه لا يكفّ عنه وبعث المأمون إثر الكتب المتواترة رسولين إلى المدينة. هما رجاء بن أبي الضحّاك وياسر الخادم. فدخلا على الإمام فور وصولهما إلى المدينة وبيّنا له فحوى مهمتهما بالقول: إنَّ المأمون أمرنا بإشخاصك إلى خراسان.

ولمّا وصل إلى خراسان عرض عليه المأمون الخلافة فأبى الإمام أن يقبلها، وبعد ذلك عرض عليه ولاية العهد فأبى الامام ان يقبلها طائعاً ولمّا هدده بالقتل على قبولها قبلها الامام كارهاً بشروط وكان ذلك في عام ٢٠١هـ، وفي عام ٢٠٣هـ قضى امامنا الرضاعليه‌السلام شهيداً مسموماً من قبل المأمون العباسي، وقد روي عن الامام الرضاعليه‌السلام قال: «والله ما منّا إلا مقتول شهيد».

فقيل له: ومَن يقتلك يابن رسول الله؟

قال: «شرُّ خلقِ الله في زماني، يقتلني بالسمّ»(١).

ودفن في طوس، فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

_________________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢٥٦.

٩٧

٢ ـ فاطمة المعصومة: وهي شقيقة الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام وكانت تحب أخاها الرضاعليه‌السلام حباً شديداً، وكما حمله المأمون إلى مرو ليعهد له بولاية العهد خرجت فاطمة في اثره وذلك في سنة ٢٠١ هـ فلما وصلت إلى «ساوه» مرضت فسألت عن المسافة التي بينها وبين قم فقالوا لها عشر فراسخ فأمرت بحملها إلى قم فحملت اليها ونزلت في بيت موسى بن خزرج الأشعري، وقيل أن أهالي قم استقبلوها فلما وصلت أخذ موسى بن خزرج بزمام ناقتها واقدمها إلى داره وكانت عنده سبعة عشر يوماً ثم توفيت، فأمر بتغسيلها وتكفينها وذكر المحدّث القميرحمه‌الله والعلامة المجلسيرحمه‌الله : (أقبلا شخصين ملثمين مسرعين أخذا الجنازة ودفناها وغابا عن الأبصار) وبنى موسى على قبرها سقيفة من البواري إلى أن بنت عليها زينب بنت محمد بن علي الجواد عليها قبة. وحدث الحسن بن محمد القمي عن فضل زيارتها قال: كنت عند الامام الصادقعليه‌السلام فقال: «ان لله حرماً وهو مكة ولرسوله حرماً وهو المدينة ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ولنا حرماً وهو قم، وستدفن فيه امرأة من ولدي تسمى فاطمة من زارها وجبت له الجنة»(١).

قال ذلكعليه‌السلام قبل ولادة الامام موسى(٢).

وكذلك ورد عن الامام الرضاعليه‌السلام أنه قال: «من زارها عارفاً بحقّها وجبت له الجنة».

وذكر صاحب ناسخ التواريخ عن الامام الرضاعليه‌السلام : «من زار قبر المعصومة بقم كان كمن زارني» وروي عن الامام الجوادعليه‌السلام أنه قال: «من زار قبر عمتي بقم وجبت له الجنة»(٣).

٣ ـ القاسم: وحيد عصره في تقواه وصلاحه، وكان الامام الكاظمعليه‌السلام يكن في نفسه أعظم الحب والود لولده القاسم لما يراه منه من الهدي والصلاح(٤).

_________________________

(١) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٤٣٩.

(٢) تحفة العالم: ٣٦.

(٣) راجع كامل الزيارات لابن قولويه القمي.

(٤) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٤٢٩.

٩٨

فكانعليه‌السلام يثني عليه ويشيد به ويقومه على سائر أبناءه ما عدا ولده الامام الرضاعليه‌السلام فقد روى يزيد بن سليط قال: طلبت من الامام موسىعليه‌السلام أن يعيّن لي الامام من بعده فقالعليه‌السلام : «أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت فأوصيت إلى ابني علي، ولو كان الأمر لي لجعلته في القاسم ابني لحبي ورأفتي عليه، ولكن ذلك إلى الله تعالى...»(١).

ومن مظاهر تكريمه له انه كان ينتبه للقيام ببعض مهامه، فقد روى سليمان الجعفري، قال رأيت أبا الحسن يقول لابنه القاسم: قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك سورة «الصافات» حتى تتمها، فلما أخذ القاسم في قرائتها فلما بلغ قوله تعالى: «أَهُمْ
أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا
» لفظ الفتى نفسه الأخير وأخذ القوم في تجهيزه فانبرى يعقوب بن جعفر إلى الامام فقال له: كنا نعهد الشخص إذا نزل به الموت يقرأ عنده سورة «يس» فصرت تأمرنا بقراءة سورة «الصافات» فقالعليه‌السلام : «لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته»(٢).

ولما أمعن هارون في تتبع العلويين وقتلهم وارهاقهم نزح القاسم من يثرب متخفياً كاتماً لاسمه حتى لا يُعرف، فانتهى إلى «سورى» فأقام فيها غريباً مشرّداً عن أهله ووطنه، وقد نَخَرَ الحزن قلبه وأضناه السقام حتى دنا اليه الموت وهو في فجر الصبا وفي ذلك الوقت عرَّف نفسه، ومضى غريباً ومرقده الشريف يق في «سورى» وتعرف البقعة الطيبة في هذا الوقت بـ (ناحية القاسم) وهي احدى نواحي قضاء الهاشمية التابع إلى محافظة بابل «الحلة» ونسب إلى الامام الرضاعليه‌السلام أنه قال: «من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم»(٣).

ونص السيد الجليل علي بن طاووس على استحباب زيارة المرقد الطاهر وذكر له زيارة خاصة(٤). وله كرامات كثيرة يعرفها كثير من العراقيين.

_________________________

(١) اصول الكافي.

(٢) اصول الكافي.

(٣) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٤٣٣.

(٤) مصباح الزائرين لابن طاووس.

٩٩

٤ ـ أحمد: أمه أم ولد وكانت من السيدات المحترمات تدعى «أم أحمد» وكان الامام الكاظمعليه‌السلام شديد التلطف بها، ولما توجه من المدينة إلى بغداد أودع عندها مواريث الامامة وقال لها: كل من جاءك وطلب منك هذه الأمانة في أي وقت من الأوقات فاعلمي بأني قد استشهدت وانه هو الخليفة من بعدي والامام المفترض الطاعة عليك وعلى سائر الناس وأمر ابنه الرضاعليه‌السلام بحفظ الدار، ولما سمه الرشيد في بغداد، جاء اليها الامام الرضاعليه‌السلام فطالبها بالأمانة، فقالت له أم أحمد: لقد استشهد والد فقال بلى والآن فرغت من دفنه فاعطيني الأمانة التي سلَّمها إليك أبي حين خروجه إلى بغداد وأنا خليفته والإمام الحق على جميع الأنس والجن فشقّت أم أحمد جيبها وردت عليه الأمانة وبايعته بالأمامة(١).

وكان أحمد من عيون المتقين والصالحين، وقد أعتق ألف مملوك متقرباً بها إلى الله تعالى.

ومما يدلُّ على صلاحه وورعه أنه لما شاع خبر وفاة الامام موسى في المدينة اجتمع أهلها على باب «أم أحمد» وخرج الناس ومعهم أحمد وقد ظنوا أنه الامام من بعد أبيه وذلك لما عليه من الجلاة ووفور العبادة وإظهار تعاليم الإسلام فظنوا أنه هو الخليفة والإمام بعد أبيه فبايعوه بالإمامة فأخذ منهم البيعة. وصعد المنبر وخطب الناس خطبة بليغة وكان منها: «أيها الناس، كما أنكم جميعاً في بيعتي فاني في بيعة أخي علي بن موسى الرضاعليه‌السلام وأعلموا أنه الامام والخليفة من بعد أبي وهو ولي الله، والفرض عليَّ وعليكم من الله والرسول طاعته بكل ما يأمرنا، فكل من كان حاضراً فخضع لكلامه، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد وحضروا عند الامام الرضاعليه‌السلام فأقروا بامامته(٢).

والمشهور انه توفي في شيراز أيام المأمون بعد وفاة أخيه علي الرضا(٣).

_________________________

(١) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٤١٠ نقلاً عن تحفة العالم: ٢ / ٨٧.

(٢) نفس المصدر السابق: ٢ / ٤١١.

(٣) الكنى والألقاب: ٢ / ٣١٧.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

وقدم الحصين بن نمير مكة ، فناوش ابن الزبير الحرب في الحرم ، ورماه بالنيران حتى أحرق الكعبة.

وكان عبد الله بن عمير الليثي قاضي ابن الزبير ، إذا تواقف الفريقان ، قام على الكعبة ، فنادى بأعلى صوته :

يا أهل الشام!. هذا حرم الله الّذي كان مأمنا في الجاهلية ، يأمن فيه الطير والصيد. فاتقوا الله يا أهل الشام.

فيصيح الشاميون : الطاعة الطاعة [أي ليزيد]!. الكرّة الكرة!. الرواح قبل المساء!.

فلم يزل على ذلك حتى أحرقت الكعبة. وكان حريقها سنة ٦٤ ه‍.

(أقول) : هذا هو الضرب الأول للكعبة بالمنجنيق وحرقها. أما الضرب الثاني فقد تمّ على يد الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان ، حين كان عبد الله بن الزبير معتصما بالكعبة. فانتصر عليه الحجاج وقتله. وكان هو الكبش الّذي تستحلّ به حرمة الكعبة ، كما حدّث الإمام الحسينعليه‌السلام نقلا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٥٠ ـ ضلال ليس بعده ضلال :(الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ص ١٢٣)

قال مسرف بن عقبة بعد أن عيّن الحصين بن النمير ، وقد أدرك الموت : الله م إني لم أعمل قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، عملا أحب إليّ من قتلي أهل المدينة ، ولا أرجى عندي في الآخرة ، ثم هلك.

٨٥١ ـ ضرب الكعبة وحرقها :(مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٨١)

ونصب الحصين بن نمير فيمن معه من أهل الشام ، المجانيق والعرّادات [العرّادة : هي المنجنيق الصغير] على مكة والمسجد (الحرام) من الجبال والفجاج ، وابن الزبير في المسجد ، ومعه المختار بن أبي عبيدة الثقفي داخلا في جملته ...فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت ، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات. واحترقت البنيّة. ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحد عشر رجلا [أقول : ما هذه المعجزة الإلهية لمن أراد التعدي على حرمة الكعبة! وما أشبهها بأصحاب الفيل الذين أرسل الله عليهم طيرا أبابيل]. وذلك قبل وفاة يزيد بأحد عشر يوما [أقول : وهذه معجزة ثانية لمن يعتدي على حرمات الله فيبتر الله عمره بترا].

٧٠١

٨٥٢ ـ نزول صاعقة على الذين أرادوا ضرب الكعبة بالمنجنيق :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢١٢)

أخرج ابن عساكر عن محمّد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال : إني لفوق (جبل) أبي قبيس ، حين وضع المنجنيق على ابن الزبير ، فنزلت صاعقة كأني أنظر إليها تدور كأنها جمار أحمر ، فأحرقت من أصحاب المنجنيق نحوا من خمسين رجلا.

٨٥٣ ـ وصف حريق الكعبة :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣١٣)

وكان ابن الزبير قد ضرب فسطاطا في ناحية ، فكلما جرح رجل من أصحابه أدخله ذلك الفسطاط. فجاء رجل من أهل الشام بنار في طرف سنانه فأشعلها في الفسطاط ، وكان يوما شديد الحر ، فتمزق الفسطاط ، فوقعت النار على الكعبة ، فاحترق الخشب والسقف وانصدع الركن ، واحترقت الأستار وتساقطت إلى الأرض.

واحترقت الكعبة المشرفة يوم السبت لست خلون من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ، ومات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة خلت من ربيع الأول ، وجاء خبر موته بعد حريق الكعبة بإحدى عشرة ليلة.

٨٥٤ ـ ضرب الكعبة وهدمها :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٠)

قال القرماني : سار الحصين بن نمير [بعد موت مسرف] حتى وافى مكة ، فتحصّن منه ابن الزبير في المسجد الحرام بجميع من كان معه. فنصب الحصين المنجنيق على جبل أبي قبيس ، ورمى به الكعبة المعظمة ، وذلك في صفر سنة ٦٤ ه‍ ، واحترقت من شرارة نيرانها أستار الكعبة وسقفها ، وقرنا الكبش الّذي فدي به اسماعيل وكان في السقف. فبينما هم كذلك إذ ورد على الحصين بموت يزيد بن معاوية. فأرسل إلى ابن الزبير يسأله الموادعة ، فأجابه إلى ذلك ، وفتح الأبواب واختلط العسكران يطوفان بالبيت. ثم انصرف [الحصين] بمن معه إلى الشام.

قال أبو مخنف : مكث أهل الشام يقاتلون ابن الزبير ، حتى إذا مضى من شهر ربيع الأول أربعة عشر يوما مات يزيد ، فمكثوا أربعين يوما لا يعلمون بموته. وبلغ ابن الزبير موته قبل أن يبلغ الحصين ، فقال : يا أهل الشام لماذا تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟

٧٠٢

هلاك الطاغية يزيد

٨٥٥ ـ هلاك يزيد بن معاوية :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٢)

قال اليعقوبي : ومات يزيد بن معاوية في صفر سنة ٦٤ ه‍ ، بموضع يقال له حوّارين [لعلها القريتين شرق حمص]. وحمل إلى دمشق ، فدفن بها. وصلى عليه ابنه معاوية [الثاني] ابن يزيد.

وكان له من الولد الذكور أربعة : معاوية الثاني وخالد وأبو سفيان وعبد الله.

وكان سعيد بن المسيّب [أحد فقهاء المدينة السبعة ، توفي سنة ٩٤ ه‍] يسمّي سني يزيد بن معاوية (الأربعة) بالشؤم :

في السنة الأولى : مات معاوية وتولى يزيد الحكم

[١٥ رجب سنة ٦٠ ه‍]

وفي الثانية : قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

[١٠ محرم سنة ٦١ ه‍]

وفي الثالثة : استباح حرم رسول الله ، وانتهك حرمة المدينة وأهلها.

[ذو الحجة سنة ٦٣ ه‍]

وفي الرابعة : سفك الدماء في حرم الله ، وأحرق الكعبة.

[٦ ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍]

ومات يزيد في ظروف غامضة.

[١٤ ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍]

(أقول) : لقد قصم الله عمر يزيد ، وهو في ريعان الشباب [٣٨ عاما] رحمة بالأمة ، بعد أن لم يترك موبقة إلا ارتكبها ، ولا حرمة إلا انتهكها ، ولما يمض على وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من خمسين عاما.

ومن العجب أنه مع كل ما فعل ، فهو في نظر بعض المسلمين ، الذين لا يفرّقون بين الكفر والدين ؛ أمير المؤمنين.

٧٠٣

٨٥٦ ـ بعض صفات يزيد :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٥٤)

وقد روي أن يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد ، واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب ، والنطاح بين الكباش والدباب والقرود. وما من يوم إلا يصبح فيه مخمورا.

وكان يشدّ القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ، ويلبس القرد قلانس الذهب ، وكذلك الغلمان. وكان يسابق بين الخيل. وكان إذا مات القرد حزن عليه.

ـ قرود يزيد :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٢٩٨)

في (جواهر المطالب) لأبي البركات شمس الدين محمّد الباغندي ، كما في نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية المباركة ما لفظه :

حكى ابن الفوطي في تاريخه قال : كان ليزيد قرد يجعله بين يديه ، فيكنّيه

(أبي قبيس) ، ويسقيه فضل كأسه ، ويقول (متهكّما) : هذا شيخ من بني إسرائيل أصابته خطيئة فمسخ. وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت له ، ويرسلها مع الخيل في حلبة السباق.

وفي (الفخري) لابن طباطبا :

كان يزيد بن معاوية أشد الناس كلفا بالصيد ، لا يزال لاهيا به ، وكان يلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب ، والجلال المنسوجة منه ، ويهب لكل كلب عبدا يخدمه.

٨٥٧ ـ قصة عن كلب يزيد :

(الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية لمحمد بن علي بن طباطبا ، المعروف بابن الطقطقي ، عني بنشره محمود توفيق ، المطبعة الرحمانية بمصر ، ص ٣٩)

قيل : إن عبيد الله بن زياد ، أخذ من بعض أهل الكوفة أربعمائة ألف دينار جناية ، وجعلها في خزن بيت المال. فرحل ذلك الرجل من الكوفة ، وقصد دمشق ، ليشكو حاله إلى يزيد. وكانت دمشق في تلك الأيام فيها سرير الملك. فلما وصل الرجل إلى ظاهر دمشق سأل عن يزيد ، فعرّفوه أنه في الصيد ، فكره أن يدخل دمشق وليس يزيد حاضرا فيها ، فضرب مخيمه ظاهر المدينة ، وأقام به ينتظر عود يزيد من الصيد. فبينا هو في بعض الأيام جالس في خيمته ، لم يشعر إلا بكلبة قد دخلت عليه

٧٠٤

الخيمة ، وفي قوائمها الأساور الذهب ، وعليها جلّ (أي جلال) يساوي مبلغا كبيرا ، وقد بلغ منها العطش والتعب ، وقد كادت تموت تعبا وعطشا ، فعلم أنها ليزيد ، وأنها قد شذّت منه. فقام إليها ، وقدّم لها ماء وتعهدها بنفسه ، فما شعر إلا بشاب حسن الصورة على فرس جميل ، وعليه زي الملوك ، وقد علته غبرة ، فقام إليه وسلّم عليه ، فقال له : أرأيت كلبة عابرة بهذا الموضع؟. فقال : نعم يا مولانا ، ها هي في الخيمة ، قد شربت ماء واستراحت ، وقد كانت لما جاءت إلى ههنا جاءت على غاية من العطش والتعب. فلما سمع يزيد كلامه نزل ودخل الخيمة ، ونظر إلى الكلبة وقد استراحت ، فجذب بحبلها ليخرج. فشكا الرجل إليه حاله ، وعرّفه ما أخذ منه عبيد الله بن زياد ، فطلب دواة وكتب له بردّ ماله وخلعة سنيّة ، وأخذ الكلبة وخرج. فردّ الرجل من ساعته إلى الكوفة ، ولم يدخل دمشق.

٨٥٨ ـ سبب هلاك يزيد :(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٥٤)

وقيل : إن سبب موت يزيد ، أنه حمل قردة ، وجعل ينقّزها(١) فعضّته. وذكروا عنه غير ذلك.

مات يزيد بحوّارين من قرى دمشق ، في الرابع عشر من ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ (وعمره ٣٨ عاما).

ثم حمل بعد موته إلى دمشق ، وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد ، ودفن بمقابر باب الصغير.

وفي (أنساب الأشراف) : قيل لأبي مسلم الخولاني يوم مات يزيد : ألا تصلي على يزيد؟. فقال : يصلي عليه ظباء حوّارين!.

وفي (معالم المدرستين) ج ٣ ص ٢٢ عن (أنساب الأشراف) ج ٤ قسم ١ ص٢:وروى البلاذري عن شيخ من أهل الشام ، أن سبب وفاة يزيد ، أنه حمل قردة على الأتان وهو سكران ، ثم ركض خلفها ، فسقط فاندقت عنقه أو انقطع في جوفه شيء.

وروي عن ابن عياش أنه قال : خرج يزيد يتصيّد بحوّارين ، وهو سكران ، فركب وبين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردا ، وجعل يركّض الأتان ويقول :

أبا خلف احتل لنفسك حيلة

فليس عليها إن هلكت ضمان

فسقط واندقت عنقه.

__________________

(١) نقّز : توثّب صعدا ، ونقّز القرد : جعل يلاعبه ويرقصه.

٧٠٥

ويبدو أن هذا القرد الّذي كنّاه (أبا خلف) هو غير القرد الّذي كنّاه (أبا قبيس).

٨٥٩ ـ حوّارين :(معجم البلدان لياقوت الحموي)

حوّارين : حصن من ناحية حمص.

قال أحمد بن جابر : مرّ خالد بن الوليد في مسيره من العراق إلى الشام بتدمر والقريتين ، ثم أتى حوّارين من سنير [هو جبل القلمون] ، فأغار على مواشي أهلها ، فقاتلوه ، وقد جاءهم مدد من أهل بعلبك. ثم أتى مرج راهط.

وفي (كتاب الفتوح) لأبي حذيفة اسحق بن بشير : وسار خالد بن الوليد من تدمر حتى مرّ بالقريتين ، وهي التي تدعى حوّارين ، وهي من تدمر على مرحلتين ، وبها مات يزيد بن معاوية في سنة ٦٤ ه‍.

٨٦٠ ـ هلاك يزيد الملعون :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٦٩)

قال أبو مخنف : وتواترت الأخبار بهلاك الطاغي الكافر يزيد ، وذلك أنه ركب يوما للصيد بجيشه ، فلاحت ظبية فتبعها ، وقال لمن معه من الجيش : لا يتبعني منكم أحد. وسار خلف الظبية ، وكان تحته سابق من الخيل ، فتاه به ذاك الجواد بجريه ، فلم يلحقها إلا بين جبلين في شعب ، فدخلت الظبية في الشعب ، ولم يقف لها على خبر ، فهمّ ليرجع فلم يطاوعه الجواد ؛ فأرسل الله تعالى عليه ملك الموت فقبض روحه الخبيثة ، ووضعها في الحامية ، وسلّمها إلى زبانية الهاوية.

(وفي رواية ثانية) أنه لما رجع تاه به فرسه ، وبقي حائرا في البرية ، فهمّز جواده فلم يندفع من تحته ، وكان حائرا. فأرسل الله عليه أعرابيا ، وهو في البيداء يتلظى عطشا. فقال له الأعرابي : يا ذا الرجل إن كنت ضالا هديناك ، وإن كنت عطشانا سقيناك ، وإن كنت جائعا أطعمناك. فقال له يزيد : لو عرفتني لزدت في إكرامي.فقال له : من أنت؟. فقال : أنا يزيد بن معاوية. فقال له الأعرابي : لا مرحبا بك ولا أهلا ، ما أقبح طلعتك ، وما أشنع سمعتك ، والله لأقتلنك كما قتلت الحسينعليه‌السلام . وجذب سيفه وهمّ أن يعلوه ، فذعرت فرس يزيد من بريق السيف ، فطرحته تحتها وقطّعت أمعاءه.

(وفي رواية ثالثة) قال له : أذلّك الله من ملعون شقيّ غوي ، فإن الله قد أضلك في الدنيا والآخرة. وإن الله قد أرسلني إليك لأنتقم منك كما فعلت بابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويلك قتلت الحسينعليه‌السلام وهتكت حريمه!. فإن كنت على الحق فردّ

٧٠٦

عن نفسك قبل أن أبيدك. فمدّ يزيد يده إلى قائم سيفه فلم تطاوعه يده ثم مدّ الشخص يده إلى قائم سيفه ليضربه ، فقال له يزيد : لا تفعل فإني أضمن لك من المال ما شئت. فقال له الشخص : يا ويلك

يا ملعون ، حاش لله أبيع الآخرة بالمال ، وأختار الضلالة على الهدى ، كما فعلت أنت يا ملعون ، قبّحك الله. إن اللهعزوجل أرسلني إليك لأنتقم منك. ثم جرّد الشخص سيفه فسطع ولمع ، فنفر فرس يزيد من بريق السيف ، وألقته (الفرس) على الحجارة في الأرض ، وجعلت تدوس أمعاءه ، حتى مات.

(وفي رواية رابعة) أنه لما رجع يزيد إلى قومه رأى طيرا ، فتبع ذلك الطير حتى أتى إلى منهل بارد ، وكان يزيد عطشانا فنزل عن جواده ليشرب ، وإذا بالطير حائلا بينه وبين الماء. فقال الطير : تريد أن تشرب الماء وأنت قتلت ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عطشانا ظاميا. ثم انقضّ عليه لوقته ، وأخذ ربعه وطار. وفعل بثلاثة الأرباع كذلك. ولم يزل به كل يوم هذا الفعل إلى يوم القيامة.

(وفي رواية خامسة) أن يزيد ركب في بعض الأيام في خاصته عشرة آلاف فارس يريد الصيد والقنص ، فسار حتى بعد عن دمشق مسير يومين ، فلاحت له ظبية. فقال لأصحابه : لا يتبعني أحد منكم. ثم إنه أطلق جواده في طلبها ، وجعل يطردها من واد إلى واد ، حتى انتهت إلى واد مهول مخوف ، فأسرع في طلبها ، فلما توسّط الوادي لم ير لها خبرا ، ولم يعرف لها أثرا. وكظّه العطش فلم يجد هناك شيئا من الماء. وإذا هو برجل ومعه كوز ماء ، فقال له : يا هذا اسقني قليلا من الماء. فلما سقاه ، قال : لو عرفت من أنا لازددت في كرامتي. فقال له : ومن تكون؟. قال :أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فقال الرجل : أنت والله قاتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام يا عدو الله.ثم نهض [يزيد] ليلزمه ، فنفر الفرس من تحته ، فرمى به عن متنه ، فعلقت رجله بالركاب ، فجعل الفرس كلما رآه خلفه نفر. فلم يزل كذلك إلى أن مزّقه ، وعجّل بروحه إلى النار.

وكان له عشرة ندماء لا يفارقونه ولا يفارقهم ، ويأمنهم على حريمه وأولاده وماله ، فاقتحموا الطريق الّذي سلك فيه ليعرفوا خبره ، فوجدوا الفرس ، وفخذه معلّق في الركاب. فوقعت الصيحة في العسكر. فرجعوا إلى دمشق ، وارتجّت دمشق لموته.

(انتهى كلام أبي مخنف في مقتله الصغير والكبير).

٧٠٧

خلافة معاوية الثاني

رحمه‌الله

٨٦١ ـ خلافة معاوية بن يزيد :

ثم ولي أمر الناس معاوية بن يزيد ، ويلقّب معاوية الثاني ، أو معاوية الصغير ، وهو ابن إحدى وعشرين سنة.

قال الذهبي : وكان خيرا من أبيه ، فيه عقل ودين. اه

ولما علم أن الأمر ليس له ، عزم على اعتزال الخلافة ، فخلع نفسه ، وأوصى أن يصلي بالناس الضحاك بن قيس الفهري ، ريثما يجتمع الناس على خليفة.

وفي (منتخبات التواريخ) ج ١ ص ٨٩ :

وعندما خاف بنو أمية أن يفلت الأمر من أيديهم ، طعنوا الضحاك وهو يؤمّ الصلاة ، فخرّ ميّتا ، لأنه كان يعمل لصالح عبد الله بن الزبير ، الّذي أعلن حكمه على الحجاز.

وبعد أربعين يوما توفي معاوية الثاني. قيل : إن زوجته قتلته!.

وجاء في (خطط الشام) لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٤٦ عن معاوية الثاني :

ولما حضرته الوفاة لم يرض أن يعهد بالأمر من بعده ، فقالوا : ولّ أخاك خالدا.فقال: أتفوز بنو أمية بحلاوتها ، وأبوء بوزرها ، وأمنعها أهلها!. كلا إني

لبريء منها.

قال المسعودي : أراد أن يجعلها إلى نفر من أهل الشورى ينصبون من يرونه أهلا لها.

وقال معاوية الثاني : فاختاروا مني إحدى خصلتين : إما أن أخرج منها وأستخلف عليكم من أراه لكم رضى ومقنعا ، ولكم الله عليّ لا آلوكم نصحا في الدين والدنيا ، وإما أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها.

فأنف الناس من قوله ، وأبوا من ذلك. وخافت بنو أمية أن تزول الخلافة منهم ، وماج أمرهم واختلفوا.

وقيل : إن معاوية بن يزيد كان قدريا ، لأن عمر المقصوص كان علّمه ذلك ، فدان به وتحققه. فلما بايعه الناس ، قال للمقصوص : ما ترى؟. قال : إما أن تعتدل

٧٠٨

أو تعتزل!. فخطب الناس يستعفي من بيعتهم ، فوثب بنو أمية على عمر المقصوص ، وقالوا : أنت أفسدته وعلّمته ، فطمروه ودفنوه حيا.

ثم إنه اعتزل الخلافة ، ودخل منزله ولم يخرج إلى الناس ، وتغيّب حتى مات.وعمره إحدى وعشرون سنة. وصلى عليه أخوه خالد بن يزيد ، ودفن بدمشق في ناحية من البزورية.

وقيل : إنه دسّ إليه السمّ ، فشربه فمات. وقال بعضهم : طعن.

٨٦٢ ـ خبر عمر القوصي :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٢)

قال القرماني : ثم إن بني أمية قالوا لمعلمه عمر القوصي : أنت علّمته هذا وصددته عن الخلافة ، وحملته على ما وسمنا به من الظلم ، وحسّنت له البدع ، حتى نطق بما نطق ، وقال ما قال؟. فقال : والله ما فعلته ، ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فلم يقبلوا منه ذلك ، وأخذوه ودفنوه حيا ، حتى مات.

٨٦٣ ـ أيام معاوية الثاني ابن يزيد :(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٥٤)

قال اليعقوبي : ثم ملك معاوية بن يزيد بن معاوية ، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة. وكانت مدة خلافته أربعين يوما ، وقيل : بل أربعة أشهر. وكان له مذهب جميل [يقصد أنه يقرّ بالفضل لأهل البيتعليه‌السلام ، وذلك لأن مؤدبه عمر المقصوص كان مواليا].

فخطب الناس فقال : أما بعد حمد الله والثناء عليه.

أيها الناس ، فإنا بلينا بكم وبليتم بنا ، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا.

ألا وإن جدي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به منه في القرابة برسول الله ، وأحق في الإسلام ، سابق المسلمين ، وأول المؤمنين ، وابن عم رسول رب العالمين ، وأبا بقية خاتم المرسلين. فركب منكم ما تعلمون ، وركبتم منه ما لا تنكرون ، حتى أتته منيّته ، وصار رهنا بعمله.

ثم قلّد أبي ، وكان غير خليق للخير ؛ فركب هواه ، واستحسن خطأه ، وعظم رجاؤه ؛ فأخلفه الأمل ، وقصّر عنه الأجل ؛ فقلّت منعته ، وانقطعت مدته ، وصار في حفرته ، رهينا بذنبه ، وأسيرا بجرمه.

٧٠٩

ثم بكى ، وقال : إن أعظم الأمور علينا ، علمنا بسوء مصرعه ، وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الحرمة ، وحرّق الكعبة. وما أنا المتقلّد أموركم ، ولا المتحمّل تبعاتكم ، فشأنكم أمركم. فو الله لئن كانت الدنيا مغنما ، لقد نلنا منها حظا ، وإن تكن شرا فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها.

فقال له مروان بن الحكم : سنّها فينا عمريّة [أي اجعلها استخلافا مثلما فعل عمر ابن الخطاب!]. قال : ما كنت أتقلدكم حيا وميتا ، ومتى صار يزيد ابن معاوية مثل عمر ، ومن لي برجل مثل رجال عمر!.

وتوفي معاوية الثاني وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وصلى عليه أخوه خالد بن يزيد ، ودفن بدمشق في ناحية من البزورية.

٨٦٤ ـ ما قالته أم معاوية الصغير :(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٣٢)

... ودخلت عليه أمه ، فوجدته يبكي!. فقالت له : ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك. فقال : وددت والله ذلك. ثم قال : ويلي إن لم يرحمني ربي.

ترجمة معاوية الثاني

(التنبيه والإشراف للمسعودي)

هو معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، يكنى أبا عبد الرحمن. وإنما كنّي أبا ليلى تقريعا له ، لعجزه عن القيام بالأمر. أمه أم خالد بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة. وتوفي بدمشق في شهر ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ ودفن بها ، وكانت أيامه أربعين يوما.

كان ربعة من الرجال ، نحيفا يعتريه صفار. وكان مواليا لأهل البيتعليه‌السلام معترفا بحقهم ، وذلك من جهة أن مؤدّبه عمر المقصوص كان شيعيا. لذلك اعتزل معاوية الثاني الملك ، بعد أن اعترف أمام جمهور بني أمية بفساد فعل أبيه وجده ، فمات حرارحمه‌الله .

٧١٠

الفصل الرابع والثلاثون

يزيد وأبوه في الميزان

ترجمة يزيد بن معاوية

بعد موت معاوية بن أبي سفيان ـ أول من ابتدع الملكية في الإسلام ـ خلفه على الملك ابنه يزيد ، سنة ٦٠ ه‍. وقد كان معاوية أكره المسلمين على بيعة يزيد ، وهو يعلم أن ابنه رجل فاجر معلن بالفسق ، يبيح الخمر والزنا وقتل النفس المحترمة ، ويجالس الغانيات على موائد الشراب

فلما مات معاوية أنكر المسلمون بيعة يزيد وقاموا عليه في العراق والحجاز.

وقد أتى يزيد في مدة خلافته الوجيزة وهي أربع سنوات ، بثلاث موبقات عظام ، لو أتى أحد من المسلمين واحدة منها لخرج عن ربقة الإسلام ، واستوجب غضب الجبار والخلود في النار.

وهذه الموبقات هي : قتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبي نسائه وذريته. ثم استباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام ، وأخذ أهلها من المهاجرين والأنصار عبيدا ليزيد ، وذلك في وقعة الحرة ، التي كانت بقيادة مسلم بن عقبة. ثم محاصرة مكة المكرمة ورمي الكعبة بالمنجنيق وحرقها بالنار ، على يد الحصين بن نمير.

ومن لطف الله بالمسلمين أن حكم يزيد لم يدم طويلا ، إذ مات في مستهل شبابه بعد أربع سنوات من حكمه وعمره ٣٨ عاما. وقيل : إنه مات أثناء تلهّيه بالصيد في (حوّارين) شرق حمص. ولم يعثر من جثته إلا على فخذه ، فنقلت إلى دمشق ودفنت قرب مقبرة باب الصغير اليوم ، في غرفة مهجورة ليس لها سقف ، يرميها المارة بالحجارة ، تبرّؤا من يزيد ومن أفعاله المنكرة.

٧١١

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣١ :

مات يزيد في شهر ربيع الأول سنة ٦٤ ه‍ بذات الجنب بحوران [لعلها تصحيف : حوارين] وحمل إلى دمشق. وصلى عليه أخوه خالد ، وقيل ابنه معاوية الثاني. ودفن بمقبرة باب الصغير ، وقبره الآن مزبلة. وقد بلغ سبعا وثلاثين سنة.

نسب يزيد

٨٦٥ ـ مفارقات ومناقضات :(الحسين إمام الشاهدين ، ص ٩٢)

يقول الدكتور علي شلق : في عهد يزيد بن معاوية فتح عقبة بن نافع المغرب ، وفتح مسلم بن زياد بخارى وخوارزم. ويقال : إن يزيد أول من خدم الكعبة ، وكساها الديباج الخسروي.

فوا عجبا كيف يفتح يزيد البلاد لنشر الإسلام ، ثم هو يغزو مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقتل أجلاء الصحابة ، ويستبيح أعراض الصحابيات!. لا بل أعجب من ذلك وأغرب أن يخلع على الكعبة كسوتها ، ثم يعجّل عليها فيحرقها!.

إن هذا يدل على أن كل أعماله لم تكن للدين والإسلام ، وإنما كانت لتوطيد الملك والسلطان ، والحكم والصولجان.

٨٦٦ ـ نسب يزيد :(وسيلة الدارين ، ص ٨٤)

روى صاحب كتاب (إلزام الناصب) ، وأبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي في كتابه (المثالب) ، والحافظ أبو سعيد إسماعيل بن علي الحنفي في (مثالب بني أمية) ، والشيخ أبو الفتح جعفر بن محمّد الميداني في (بهجة المستفيد) : أن يزيد ابن معاوية ، أمه كانت بنت بجدل الكلبية ، أمكنت عبد أبيها من نفسها ، فحملت بيزيد فلينظر العاقل إلى أصول هؤلاء القوم ، كيف كانوا يقدّمونهم على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا!.

وذكر ابن شهر آشوب في تفسير قوله تعالى عن إبليس :( وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ) [الإسراء : ٦٤] ، أن الإمام الحسنعليه‌السلام جلس مع يزيد يأكلان

٧١٢

الرطب ، فقال يزيد : يا حسن إني منذ كنت أبغضك!. فقال الإمام الحسنعليه‌السلام :اعلم يا يزيد ، أن إبليس شارك أباك في جماعه ، فاختلط الماءان ، فأورثك ذلك عداوتي وعداوة أخي ، لأن الله يقول :( وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ) [الإسراء : ٦٤].

وشارك الشيطان (حربا) عند جماعه فولد (صخرا) ، فلذلك كان يبغض جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٦٧ ـ ولادة يزيد من سفاح :

(يزيد بن معاوية فرع الشجرة الملعونة في القرآن لأبي جعفر أحمد المكي ، ص ٧١)

تزوج معاوية امرأة من بني كلب اسمها ميسون ، وكان أبوها يسمى (بجدل) شيخ كلب. وكان للأب عبد اسمه (سفاح).

وكان هذا العبد قد زنى بميسون وأذهب بكارتها ، وحملت منه. ثم حملت إلى معاوية ، فوجدها ثيّبا.

وطلبت من معاوية الطلاق ، والعودة إلى بلادها. فطلقها وأرسلها إلى أهلها في (حوّارين) ، فوضعت هناك يزيد. فهو يزيد بن سفاح ، وليس يزيد بن معاوية.

ونشأ يزيد في حوّارين ، في أحضان النصارى من أخواله ، بعيدا عن أجواء المسلمين. وحين هلك معاوية لم يكن يزيد عنده ، بل استدعي من حوارين [شرق حمص] لاستلام مقاليد الحكم. فماذا نتوقع من يزيد أن يفعله حين يحكم؟!. لا غرابة يقتل أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويستبيح مدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويضرب الكعبة ويحرقها!.

ـ رواية أخرى :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص بعد ٩٠)

وقيل : إن معاوية [كان] ذات يوم يبول ، فلدغته عقرب في ذكره ، فزوّجوه عجوزا ليجامعها ويشفى من دائه. فجامعها مرة وطلقها ، فوقعت النطفة مختلطة بسم العقرب في رحم العجوز ، فحصل منها يزيد. وكأن فيه نزلت الآية :( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) [الأعراف : ٥٨].

ولذلك إن اللعين يزيد لم يكن فيه صفة من صفات الملوك ، ولا فيه خصلة من خصالهم.

٧١٣

٨٦٨ ـ أنساب بني أمية ، وأنهم ليسوا من قريش :

(وسيلة الدارين للسيد إبراهيم الموسوي الزنجاني ، ص ٨٥)

قال السيد القاضي نور الله التستري في كتابه (إحقاق الحق) في بيان نسب بني أمية: إن نسبهم بطريق علماء أهل البيت وغيرهم ، أن بني أمية ليسوا من قريش ؛ فقد كان (لعبد شمس) عبد رومي يقال له (أميّة) فنسب إلى قريش ، وأصلهم من الروم.وذلك أن العرب من سيرتهم أن يلحق الرجل بنسبه عبده ، وكان ذلك جائزا عندهم.وقد عدّ ذلك من وجوه كريمة في العرب. ولما افتخر معاوية في كتاباته إلى عليعليه‌السلام بالصحبة والقرشية ، كتبعليه‌السلام في جوابه : «ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق».[نهج البلاغة ، كتاب رقم ١٧]

يقصد بذلكعليه‌السلام أن معاوية كان من الطلقاء ، وأنه لصيق أي ملحق بالنسب إلحاقا.

الملامح الهاشمية والأحقاد الأموية

٨٦٩ ـ التفاضل بين بني هاشم وبني أمية :

(الحسين بن علي إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ١٢١)

قال الدكتور علي شلق :

الناس في الأرض كالشجر ، تأتلف أشكالهم وقدورهم ، ولكن الاختلاف في عقولهم وأمزجتهم ، يرتسم في أهوائهم وسلوكهم.

وكما أن في الأرض قطعا متجاورات ، وجنات من نخيل وأعناب ؛ منها نخيل صنوان وغير صنوان ، وكلها تسقى بماء واحد ، ونفضّل بعضها على بعض في الأكل ؛ كذلك كان في قريش أنواع من الدوح والشجر ، تختلف في الطعم والثمر.وقد برز فيهم بطنان متميزان ، هما : بنو هاشم وبنو أمية.

ولما جاء الإسلام والفريقان يتنافسان ، فانخفض جناح بني حرب الأمويين ، وعلا نجم بني عبد المطّلب الهاشميين.

بنو هاشم : قانعون معتزّون ، أصحاب رسالة وشهامة وأخلاق.

٧١٤

وبنو أمية : يخفضون الجناح وينتظرون ، وهم أكثر عددا ومالا ، وأصحاب دنيا وشهوات.

وكان بنو أمية ومن في فلكهم بزعامة أبي سفيان بن حرب ، كابدوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتربّصوا به الدوائر ، حتى هاجر من مكة إلى القحطانيين في المدينة. عند ذلك خلا الجو لبني أمية في مكة.

ولكن لم يطل العهد ، حتى كان جيش المهاجرين والأنصار بقيادة النبي الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدقّ أبواب مكة ليفتحها ، فيسقط في يد أبي سفيان زعيم مكة والأحزاب ، ويتحقق الموت أو الأسر.

لنستمع إلى محاورة أبي سفيان مع العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ـ يقول أبو سفيان للعباس وكانا صديقين : لقد أصبح أمر ابن أخيك عظيما!.

ـ فيجيبه العباس ناصحا : عليك أن تطلب منه الأمان قبل فوات الأوان.

ـ أبو سفيان : كيف وقد بيّتت له القتل ، وما فعل ببدر وأحد والأحزاب وحنين؟.

ـ العباس : إنه محمّد يا صديقي!. نبي لا يحقد ، ورسول من عند الله!.

ـ أبو سفيان : هل أنت ضامن لي؟.

ـ العباس : ويلك يا أبا سفيان ، كأنك لم تجرّب مكارم الشمائل والأخلاق!.ثم يدخل أبو سفيان وأولاده ـ وفيهم معاوية ـ في الإسلام. والإسلام يجبّ ما قبله. ويعلو صوت الرسول العظيم في أهل مكة ، وكأنه يقصد أبا سفيان بالذات :

اذهبوا فأنتم الطّلقاء!.

٨٧٠ ـ ما فعلت هند أم معاوية بالحمزةعليه‌السلام وكبده في أحد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٢١ ط ٢)

قال فخر الدين الطريحي : فجاءت هند بنت عتبة ، ووقفت على جسد حمزةعليه‌السلام وجدعت [أي قطعت] أذنيه وأنفه ، وشقّت بطنه ، وقطعت أصابعه ونظمتها بخيط ، وجعلتها قلادة في عنقها. ثم أخرجت كبد حمزة وأخذت منه قطعة بأسنانها ومضغتها حنقا منها عليه ، وأرادت بلعها فلم تقدر على بلعها ، فقذفتها ؛ لأن الله تعالى صان كبد حمزة أن يحلّ في معدة تحرق بالنار. فهل رأيتم أو سمعتم امرأة أكلت كبد إنسان ، غير هند الهوان ، والله يقول :( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) [الأعراف : ٥٨].

٧١٥

٨٧١ ـ الملامح الهاشمية :(الحسين إمام الشاهدين ، ص ١٤)

الملامح الهاشمية : جمال المظهر ، نقاء المخبر ، قوة جسدية ، شجاعة ، قامات مشيقة ، فصاحة بارعة ، حضور مهيب وحبيب ، إلى مثالية ذات أبعاد.

بدا هذا جميعه في أبي طالب ، وحمزة ، والعباس ، وعبد الله : أبناء عبد المطلب ، شيخ مشايخ قريش ؛ وتجلّى في الحسينعليه‌السلام وأولاده تجلّي المجرات في السموات.

٨٧٢ ـ الملامح الأموية :(المصدر السابق ، ص ١٤ ـ ١٦)

الملامح الأموية : بين البدانة والنحافة ، السّمرة والبياض ، ذكاء بارع الحيل وحسن التصرف ، حب المال والمنفعة ، سير عليدروب الواقعية ، هوس بالمناصب والتسلط.

ظهر هذا جليا في أبي سفيان ، ومروان بن الحكم ، ومعاوية ويزيد. ومن تسلسل من هذه (البؤرة) مرورا بعبد الملك بن مروان ، وانتهاء بمروان الحمار.

من هنا يرتسم في البال مزاجان مختلفان ، ونمطان متباينان وها نحن نرى ذينك النمطين متمثلين في حكم الخلافة ، وبذا يستقر للهاشمية اسم الخلافة الشورية ، وللأموية اسم الملكية الوراثية.

امتدت خصومة أبي سفيان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى فتح مكة ، فكان من الذين أرغموا على قبول الأمر الواقع ، وسمّوا ب (الطّلقاء).

والذي يبدو أن إيمان الجذوع الأموية العتيقة بالإسلام ، بل بدعوة محمّد الهاشميصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يجري على السطوح ، ولا ينفذ إلى الأعماق. ولا عبرة بحرض بعضهم على شعيرات احتفظ بها من شعر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقليمات من أظفاره

[يقصد به معاوية] ، وقميص كان قد أهداه إياه الرسول الكريم ، كي يعلو في نظر المسلمين ؛ فالهداية والصلاح لا يتوقفان على شعر وأظفار وثياب ، فالبركة الحقيقية هي في العمل المنجي ، والصدق المشرّف.

والحسين الحسينعليه‌السلام ذلك الّذي هزئ بالموت ، فإذا به ذو عرش على قلوب الملايين ، لا يحتاج إلى قميص أو شعيرات أو أظافر يتبرك بها ، وحسبه أنه قال للموت : أريد أن تموت أنت ، وأنا أحيا إلى الأبد الأبيد ، قطرة في محيط التاريخ.

٧١٦

وأتقدم في القرن العشرين ، بعد أربعة عشر قرنا ، من هذا الجيل في العصر بصورة للحسين ، عسى أن يسطع منها ضوء يهدي ، وعطر يرفع ، وصوت يهبّ سامعه إلى نجدة الحق ، ونصرة الشمائل. وكل ذلك في سبيل الإنسانية والحضارة ، وكلتاهما جناحان نحو آفاق الله.

لقد استهوت على معاوية وبني أمية شهوة الحكم وشهوة الفتوحات ، وكلتاهما فرع من حب العيش والدنيا ، وصدى لغريزة التملك والحياة ، ومنها الهوس بالحرص على النسل ، وتوريثه وتعزيزه.

واليوم ذهب الفتح ، وانقضى الحكم ، وانطفأت قناديل الفتوحات ، وأصبح الكل هباء وفناء ، لأنهم لم يعملوا كل ذلك بدافع من سمو الحقيقة العليا ، بل عملوا على تعطيل الشورى وعدالتها ، وتغليب الوراثية والنفعية والاستبدادية.

في حين قام الهاشميون من أبناء عليعليه‌السلام ، ليثبّتوا مبدأ الخلافة والإمامة ، ولم يدعوا إليها بدافع الاستبداد والأثرة وحب التوريث ، بل كانوا أهلا لها ، وكانوا أصحاب حق وأصحاب مواقف. ولذلك استشهدوا في سبيل مبدئهم ، وخلدتهم العقيدة والتاريخ.

ـ ما قيمتنا اليوم؟ :

نحن اليوم بعد علي والحسينعليه‌السلام ، وبعد الراشدية المثلى والرسول العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أكثر عددا من مسلمي عصر صدر الإسلام ، والعصر الأموي والعباسي ، وأغنى مالا وأقوى عددا ، وأوسع رقعة وأغزر طاقة وعلما ؛ ولكننا لا نساوي والله قيمة شهيد واحد مات مع الحسينعليه‌السلام ، ولا نصلح أن ننتسب إلى صحابي واحد جاهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لماذا؟. لأننا فقدنا حب الحق والبطولة ، وفضّلنا المال والثياب والقصور والمزارع والمراكب وبهرج العيش. فمتى يقوم فينا من يحب الموت لتتقدم منه الحياة ، ويطلب الشهادة ليحيا في فردوس البطولة؟.

٨٧٣ ـ ما هو السبب الحقيقي لقتل يزيد للإمام الحسينعليه‌السلام ؟ :

(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص)

يخيّل للمرء لأول وهلة أن سبب قتل يزيد للحسينعليه‌السلام هو لأنه لم يبايع له ، وهو ما كان يشيعه يزيد بين الناس ، فيقول : إنه خارجي خرج عليّ فقتلته. ولكن هل هذا هو السبب الحقيقي لقتلهعليه‌السلام ؟.

٧١٧

فليت شعري إذا كان هذا هو السبب ، فهل قتل جيش يزيد الطفل الصغير ، لأنه لم يبايع خليفتهم؟!.

أم هل سبوا بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وساروا بهن من كربلاء إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى الشام ، من أجل أن يبايعن الخليفة؟.

إذن لماذا فعلوا ذلك وغير ذلك؟.

لماذا حرّق جيش يزيد خيام آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء؟.

ولماذا داس جيش يزيد بحوافر خيولهم صدر ابن بنت رسول الله وظهره؟.

ولماذا تركوا جسده وأجساد آل بيته وأنصاره في العراء ولم يدفنوهم؟.

ولماذا قطعوا رؤوسهم بوحشية نادرة واقتسموها فيما بينهم ، وحملوها على أطراف الرماح؟.

ولماذا حملوا نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأطفاله على أقتاب الإبل بدون غطاء ولا وطاء؟

وساروا بهم من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل؟.

ولماذا ينكث يزيد ـ ومن قبله ابن زياد ـ ثنايا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام بالقضيب ، ثم يصلبه ثلاثا على مئذنة المسجد في دمشق؟.

إن الجواب على كل ذلك قد أفصح عنه يزيد في قوله ، حين وضع الرأس الشريف بين يديه ، وتمثّل بأبيات ابن الزّبعرى المشرك الكافر. فالذي دفعه إلى ذلك حقده على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليعليه‌السلام وسلالتهما ، الذين قتلوا أجداده وأعمامه الكفار يوم بدر. إذن فهي أحقاد بدرية كامنة ، والقوم لم يسلموا ولكن استسلموا ، حتى إذا حانت الفرصة لهم أخذوا بثأرهم من الإسلام ومن نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٧٤ ـ مقارنة بين أعمال بني أمية وبني هاشم :

لم يزل بنو أمية بقيادة أبي سفيان يحاربون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أسلموا مكرهين يوم فتح مكة ، فعاملهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاملة حسنة ، وقال : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن». وعفا عنهم ولم يضرب أعناقهم ، بل قال لهم : «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

لكنهم حين أصبح الملك بأيديهم ، منعوا علياعليه‌السلام وجنده من الماء المباح ، ونكثوا بصلح الحسنعليه‌السلام وسمّوه ، وجزّروا أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء كما تجزّر الأضاحي ، وسبوا نساءه وأطفاله كما تسبى الترك والديلم.

٧١٨

ويمكن اختصار ذلك كله بالقول المشهور (كل إناء ينضح بما فيه). وسوف أسوق القصة التالية كمثال بليغ على ما جرى.

٨٧٥ ـ رؤيا الشيخ نصر الله ، وأبيات الشاعر الحيص بيص :

(الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ، ص ١٩٦ ط ٢)

حكى الشيخ نصر الله بن يحيى مشارف الصاغة ، وكان من الثقات الخيرين ، قال : رأيت علي بن أبي طالبعليه‌السلام في المنام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، تقولون يوم فتح مكة : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، ثم يتمّ [على] ولدك الحسينعليه‌السلام يوم كربلاء منهم ما تمّ؟!. فقال ليعليه‌السلام : أما سمعت أبيات ابن الصيفي التميمي في هذا المعنى؟. فقلت : لا. فقال : اذهب إليه واسمعها!.

فاستيقظت من نومي مفكرا. ثم إني ذهبت إلى دار ابن الصيفي [وهو الحيص بيص الشاعر ، الملقب بشهاب الدين] ، فطرقت عليه الباب ، فخرج علي. فقصصت عليه الرؤيا ، (فشهق) وأجهش بالبكاء ، وحلف بالله إن كان سمعها مني أحد ، وإن أكن نظمتها إلا في ليلتي هذه. ثم أنشد :

ملكنا فكان العفو منا سجيّة

فلما ملكتم سال بالدم أبطح

وحلّلتم قتل الأسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

٨٧٦ ـ لا مقارنة بين الإمام الحسينعليه‌السلام والطاغية يزيد :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٦)

يقول السيد عبد الرزاق المقرّمرحمه‌الله :

فابن ميسون عصارة تلكم المنكرات ، فمتى كان يصلح لشيء من الملك ، فضلا عن الخلافة الإلهية ، وفي الأمة ريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة ؛ أبوه من قام الدين بجهاده ، وأمه سيدة نساء العالمين ، وهو الخامس من أصحاب الكساء ، وهو عديل القرآن في (حديث الثقلين). يتفجّر العلم من جوانبه ، ويزدهي الخلق العظيم معه أينما توجّه ، وعبق النبوة بين أعطافه ، وألق الإمامة في أسارير وجهه ثم أترى أن معاوية كالإمام ، أم أبا سفيان كالنبي ، أم هند آكلة الأكباد كأم المؤمنين خديجة ، أم ميسون كفاطمة سيدة نساء العالمين ، أم أمية كهاشم؟ أم خلاعة الجاهلية

٧١٩

كفضيلة الإسلام ، أم الجهل المطبق بيزيد كالعلم المتدفّق من الحسينعليه‌السلام ، أم الشره المخزي كالطهارة المقدسة؟!. إلى غير ذلك مما لا مجال للمفاضلة فيها بين يزيد والحسين ، مما يكلّ به القلم ، وينقطع به الكلام.

٨٧٧ ـ التقابل بين الحسينعليه‌السلام ويزيد ، تقابل النقيضين :

(مقتل سيد الشهداء لعبد الكريم خان ، ص ٢٥)

يقول الأستاذ عبد الله العلايلي :

نحن لا نريد أن نعطي رأيا في معاوية ، ولكن نريد أن يعرف القارئ أو المستمع ما قاله بعض أعلام إخواننا أهل السنة ، أنه ليس مما يشك فيه (عدوّ ليزيد أو صديق) أن التقابل الكلي بين الحسين ويزيد ، تقابل النقيضين أو الضدين ، فلذا يشبّه بتقابل النور والظلمة ، والسموّ والانحطاط ، والكرامة والخسّة ؛ فهما صنفان أو صفّان :رجال الله ، ورجال الجبت والطاغوت.

ثم يقول في كتابه (سموّ المعنى في سموّ الذات) ص ٦٣ : ثبت لمفكري المسلمين عامة في ذلك الحين أن يزيد بالنظر إلى خلقه الخاص وتربيته الخاصة ، سيكون أداة هدّامة في بناء الحكومة والدين معا ، وإن مفكري المسلمين قد عدّوا ولايته منكرا كبيرا ، لا يصح لمسلم السكوت معه ، ومن واجبه الجهر بالإنكار.

«انتهى كلام العلايلي»

وفي مقابل ذلك فالحسينعليه‌السلام ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي كان مجموعة آيات من آيات الله سبحانه ، تملأ أرجاء العالم شأنا وعظمة. فإنه آية في الخلق ، وآية في الأخلاق ، وآية في كل فضل وفضيلة كيف لا يكون كذلك وهو وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خلقه وخلقه ، في كل حال من أحواله وجميل صفاته. كما يشهد له بذلك الأفذاذ من حملة العلم والمؤتمنين على التاريخ الصادق. ويكفيه رفعة قول جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه :

«حسين مني ، وأنا من حسين»

«أحبّ الله من أحبّ حسينا»

٧٢٠

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800