موسوعة كربلاء الجزء ٢

موسوعة كربلاء7%

موسوعة كربلاء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 800

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 800 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 492604 / تحميل: 5820
الحجم الحجم الحجم
موسوعة كربلاء

موسوعة كربلاء الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

٦٠ ـ إخبار أبي ثمامة الصائدي [عمرو بن كعب] بزوال الشمس للصلاة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧)

ورأى أبو ثمامة الصائدي(١) زوال الشمس ، فقال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله نفسي لك الفدا ، أرى هؤلاء قد اقتربوا ، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك ، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه إلى السماء وقال له : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين ، نعم هذا أول وقتها ، سلوهم أن يكفّوا عنا حتى نصلي. فقال له الحصين بن نمير : إنها لا تقبل منك!.فقال له حبيب بن مظاهر : لا تقبل الصلاة زعمت من آل رسول الله وتقبل منك يا ختّار

وفي (مقتل أبي مخنف) ص ٦٥ : فعند ذلك تقدم أبو ثمامة الصيداوي إلى الحسينعليه‌السلام وقال : يا مولاي إننا مقتولون لا محالة ، وقد حضرت الصلاة فصلّ بنا ، فإني أظنها آخر صلاة نصليها ، لعلنا نلقى الله تعالى على أداء فريضة من فرائضه في هذا الموضع العظيم. فقال له : أذّن يرحمك الله. فلما فرغ من الأذان نادى الحسينعليه‌السلام : يا عمر بن سعد أنسيت شرائع الإسلام ، ألا تكفّ عنا الحرب حتى نصلي؟!. فلم يجبه عمر. فناداه الحصين بن نمير : يا حسين صلّ فإن صلاتك لا تقبل!. فقال له حبيب بن مظاهر : ويلك لا تقبل صلاة الحسين وتقبل صلاتك يابن الخمّارة؟!(وفي رواية المقرم ، ص ٣٠١ : وتقبل منك يا حمار). فحمل عليه الحصين ، فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشبّت به ووقع عنها الحصين ، فاحتوشه أصحابه فاستنقذوه.

مصرع حبيب بن مظاهر الأسدي

__________________

(١) روى بعضهم (الصيداوي) والأصح (الصائدي) نسبة إلى صائد بطن من همدان. وقد اختلف في اسم أبي ثمامة ، فبعضهم قال (عمرو بن كعب) وبعضهم (عمرو بن عريب) وبعضهم (عمرو بن عبد الله) الصائدي ، والأول أصح.

٨١

٦١ ـ مصرع حبيب بن مظاهر الأسدي على يد الحصين بن نمير ورجل من تميم ، وقيل بديل بن صريم :

(مقتل المقرّم ، ص ٣٠١)

ثم خرج حبيب بن مظاهر وعمره ينوف على الخامسة والسبعين ، وقاتل قتالا شديدا ، فقتل على كبره اثنين وستين رجلا ، وهو يقول :

أنا حبيب وأبي مظهّر

وفارس الهيجاء ليث قسور

وفي يميني صارم مذكّر

وأنتم ذو عدد وأكثر

ونحن منكم في الحروب أصبر

أيضا وفي كل الأمور أقدر

والله أعلى حجة وأظهر

وفيكم نار الجحيم تسعر

وفي رواية أخرى أنه قال :

أنا حبيب وأبي مظهّر

فارس هيجاء ونار تسعر

أنتم أعدّ عدّة وأكثر

ونحن أعلى حجّة وأظهر

وأنتم عند الهياج أغدر

ونحن أوفى منكم وأصبر

حقا وأتقى منكم وأعذر

وحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه ، وطعنه آخر من تميم برمحه ، فسقط إلى الأرض ، فذهب ليقوم وإذا الحصين بن نمير يضربه بالسيف على رأسه ، فسقط لوجهه ، ونزل إليه التميمي واحتزّ رأسه. فهدّ مقتله الحسينعليه‌السلام فقال : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي(١) واسترجع كثيرا.

وفي (مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف) ص ٦٦ : ثم قال الحسينعليه‌السلام :لله درّك يا حبيب ، لقد كنت فاضلا تختم القرآن في ليلة واحدة.

وقيل : قتله بديل بن صريم(٢) .

٦٢ ـ القاسم بن حبيب يأخذ بثأر أبيه من قاتله :

(لواعج الأشجان ، ص ١٤١ ط نجف)

وقال الحصين التميمي (لبديل) : أنا شريكك في قتله [أي قتل حبيب]. قال : لا

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٩ ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥١.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٨ ، وذكر أن حبيب استشهد بعد برير وقبل زهير.

٨٢

والله. قال : أعطني الرأس أعلقه في عنق فرسي ليرى الناس أني شاركتك في قتله ، ثم خذه فلا حاجة لي فيما يعطيك ابن زياد!. فأعطاه الرأس ، فجال به في الناس ثم ردّه إليه. فلما رجع إلى الكوفة علّقه في عنق فرسه.

وكان لحبيب ابن يسمى (القاسم) قد راهق ، فجعل يتبع الفارس الّذي معه رأس أبيه ، فارتاب به. فقال : مالك تتبعني؟. قال : إن هذا الرأس الّذي معك رأس أبي ، فأعطني إياه حتى أدفنه. فقال : إن الأمير لا يرضى أن يدفن ، وأرجو أن يثيبني.فقال : لكن الله لا يثيبك إلا أسوأ الثواب ، وبكى الغلام.

ثم لم يزل يتبع أثر قاتل أبيه بعدما أدرك ، حتى قتله وأخذ بثأر أبيه ، وذلك أنه كان في عسكر ، فهجم عليه وهو في خيمة له نصف النهار ، فقتله وأخذ رأسه.

ترجمة الصحابي حبيب بن مظاهر الأسدي

هو حبيب بن مظاهر بن رئاب بن الأشتر الأسدي الكندي. إماميّ ثقة ، وأدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسينعليه‌السلام . وكان حافظا للقرآن من أوله إلى آخره. وسمع الحديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو صحابي.

قال أرباب التاريخ : إن حبيبا نزل الكوفة وصحب علياعليه‌السلام في حروبه كلها. وكان من خاصته وحملة علومه ، علّمه الإمام عليعليه‌السلام علم المنايا والبلايا. وكان من جملة الذين كاتبوا الحسينعليه‌السلام ووفّى له. وعند ورود مسلم بن عقيل الكوفة صار حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسينعليه‌السلام ، حتى إذا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وتخاذل أهل الكوفة عن سفير الحسين اختفيا ، إلى أن ورد الحسين كربلاء ، خرجا متخفيين ولحقا به وصارا من أصحابه.

ثم كان حبيب على ميسرة الحسينعليه‌السلام يوم كربلاء ، وعمره خمس وسبعون سنة. وهو واحد من سبعين بطلا استبسلوا في ذلك اليوم. وعرض عليهم الأمان فأبوا ، وقالوا : لا عذر لنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن قتل الحسينعليه‌السلام وفينا عين تطرف ، حتى قتلوا حوله.

٨٣

٦٣ ـ رثاء الحسينعليه‌السلام لحبيب بن مظاهر ، وبروز زهير بن القين :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦٦)

روى أبو مخنف قال : لما قتل العباس وحبيب بن مظاهر(١) بان الانكسار في وجه الحسينعليه‌السلام ، ثم قال : لله درّك يا حبيب ، لقد كنت فاضلا تختم القرآن في ليلة واحدة. قال : فقام إليه زهير بن القين وقال : بأبي أنت وأمي يابن رسول الله ما هذا الانكسار الّذي أراه في وجهك ، ألست تعلم أنا عليا لحق؟. قال : بلى وإله الخلق ، إني لأعلم علما يقينا أني وإياكم على الحق والهدى. فقال زهير : إذا لا نبالي ونحن نصير إلى الجنة ونعيمها. ثم تقدم أمام الحسين فقال : يا مولاي أتأذن لي بالبراز؟.فقال : ابرز. قال : ثم حمل على القوم ، ولم يزل يقاتل حتى قتل خمسين فارسا ، وخشي أن تفوته الصلاة مع الحسينعليه‌السلام فرجع وقال : يا مولاي إني خشيت أن تفوتني الصلاة فصلّ بنا.

الصلاة في المعركة

٦٤ ـ صلاة الظهر ، وقد صلاها الحسينعليه‌السلام في نصف من أصحابه ، وهي صلاة الخوف :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧ ؛ واللواعج ، ص ١٣٧ ؛ ومقتل المقرم ، ص ٢٠٣)

فقال الحسينعليه‌السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي : تقدّما أمامي حتى أصلي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه ، حتى صلّى بهم صلاة الخوف(٢) . ويقال : إنه صلى وأصحابه فرادى بالإيماء(٣) .

شهادة سعيد بن عبد الله الحنفيرحمه‌الله

__________________

(١) تفرّد أبو مخنف في مقتله باعتبار شهادة العباسعليه‌السلام قبل الأصحاب ، واعتبر استشهاد حبيب في أول المبارزين ، ثم تبعه زهير رضوان الله عليهم.

(٢) مقتل العوالم ص ٨٨ ، ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ١٧ ، والذي نراه أن الصلاة كانت قصرا لعدم الإقامة ، وليست صلاة الخوف.

(٣) مثير الأحزان لابن نما ، ص ٤٤.

٨٤

٦٥ ـ مصرع سعيد بن عبد الله الحنفي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧ ؛ واللواعج ، ص ١٣٨)

فوصل إلى الحسينعليه‌السلام سهم ، فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من النبال بنفسه ، وما زال يرمى بالنبل ولا تخطئ ، فما أخذ النبل الحسينعليه‌السلام يمينا وشمالا إلا قام بين يديه ، فما زال يرمى حتى سقط إلى الأرض ، وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود وأبلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك(١) . والتفت إلى الحسينعليه‌السلام قائلا : أوفّيت يابن رسول الله؟ قال : نعم أنت أمامي في الجنة(٢) .

(وفي رواية) أنه قال : اللهم لا يعجزك شيء تريده ، فأبلغ محمدا (ص) نصرتي ودفعي عن الحسينعليه‌السلام ، وارزقني مرافقته في دار الخلود.

ثم قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوجد في جسمه ثلاثة عشر سهما ، سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح(٣) .

ترجمة سعيد بن عبد الله الحنفي

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ١١٦)

كان سعيد ممن استشهد مع الحسينعليه‌السلام يوم الطف. وكان من وجوه الشيعة بالكوفة ، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم ، وكان ممن حمل الكتب إلى الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة إلى مكة والحسينعليه‌السلام فيها.

ولما أراد الحسينعليه‌السلام أن يصلي الظهر يوم العاشر من المحرم ، انتدبه ليقف أمامه ريثما يتمّ الصلاة ، فوقف بين يديه يقيه السهام ، طورا بوجهه وطورا بصدره وطورا بيديه وطورا بجبينه ، حتى صار جسمه كالقنفذ ، فسقط إلى الأرض صريعا ، وقد وفّى ما عليه في نصرة سيد شباب أهل الجنة ، وسبقه إلى الجنة.

__________________

(١) مقتل العوالم ، ص ٨٨.

(٢) ذخيرة الدارين ، ص ١٧٨.

(٣) اللهوف لابن طاووس ، ص ٦٢.

٨٥

٦٦ ـ بشارة الحسينعليه‌السلام لأصحابه بالجنة ودعوتهم للثبات والدفاع :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦٧)

فلما فرغعليه‌السلام من صلاة الظهر قال لأصحابه : يا كرام هذه الجنة قد فتّحت أبوابها واتصلت أنهارها وأينعت ثمارها وزيّنت قصورها وتؤلّفت ولدانها وحورها.وهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهداء الذين قتلوا معه ، وأبي وأمي ، يتوقعون قدومكم عليهم ، ويتباشرون بكم وهم مشتاقون إليكم ، فحاموا عن دينكم وذبّوا عن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن إمامكم وابن بنت نبيكم ، فقد امتحنكم الله تعالى بنا ، فأنتم في جوار جدنا والكرام علينا وأهل مودتنا ، فدافعوا بارك الله فيكم عنا فلما سمعوا ضجوا بالبكاء والنحيب وقالوا : نفوسنا دون أنفسكم ودماؤنا دون دمائكم وأرواحنا لكم الفداء. والله لا يصل إليكم أحد بمكروه وفينا الحياة(١) وقد وهبنا للسيوف نفوسنا ، وللطير أبداننا ، فلعلنا نقيكم زحف الصفوف ، ونشرب دونكم الحتوف ، فقد فاز من كسب اليوم خيرا ، وكان لكم من المنون مجيرا.

خيل الحسينعليه‌السلام تعقر

٦٧ ـ عمر بن سعد يعقر خيل الحسينعليه‌السلام ومصرع أبي ثمامة الصائدي :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٥)

ثم إن عمر بن سعد وجّه عمرو بن سعيد في جماعة من الرماة فرموا أصحاب الحسينعليه‌السلام حتى عقروا خيولهم(٢) ولم يبق مع الحسين فارس إلا الضحاك بن عبد الله المشرقي. يقول : لما رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بفرسي وأدخلتها فسطاطا لأصحابنا. واقتتلوا أشد القتال(٣) . وكان كل من أراد الخروج ، ودّع الحسينعليه‌السلام بقوله : السلام عليك يابن رسول الله ، فيجيبه الحسينعليه‌السلام :وعليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب : ٢٣](٤) .

__________________

(١) أورد المقرم في مقتله شبيه هذا الكلام ، ص ٣٠٤ نقلا عن (أسرار الشهادة) ص ١٧٥.

(٢) مثير ابن نما ، ص ٣٤٥. وعقر الخيل : أي جرحها ونحرها.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٥.

(٤) مقتل العوالم ، ص ٨٥ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥.

٨٦

شهادة أبي ثمامة الصائديرحمه‌الله

وخرج أبو ثمامة الصائدي فقاتل حتى أثخن بالجراح. وكان مع عمر بن سعد ابن عم له يقال له (قيس بن عبد الله) بينهما عداوة ، فشدّ عليه وقتله ، رضوان الله عليه.

٦٨ ـ مصرع زهير بن القين البجلي على يد كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي :(مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٢٠)

ثم خرج زهير بن القين البجلي وهو يقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

وفي يميني مرهف الحدّين

أذودكم بالسيف عن حسين

ابن علي الطاهر الجدّين

إن حسينا أحد السبطين

من عترة البرّ التقي الزّين

ذاك رسول الله غير المين(١)

أضربكم ولا أرى من شين

يا ليت نفسي قسّمت قسمين

شهادة زهير بن القين البجلي

وروي أن زهيرا لما أراد الحملة ، وقف على الحسينعليه‌السلام وضرب على كتفه وقال :

اقدم حسين هاديا مهديّا

اليوم تلقى جدّك النبيا

وحسنا والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الفتيالكميّا

وأسد الله الشهيد الحيّا

وأضاف أبو مخنف في مقتله ، ص ٦٨ البيتين التاليين :

وفاطما والطاهر الزكيا

ومن مضى من قبلنا تقيا

فالله قد صيّرني وليّا

في حبكم أقاتل الدّعيّا

__________________

(١) المين : الكذب. والشّين : العيب والقبح.

٨٧

فقال الحسينعليه‌السلام : وأنا ألقاهما على أثرك(١) .

ثم قاتل قتالا شديدا ، فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي ، فقتلاه. فقال الحسينعليه‌السلام حين صرع زهير : لا يبعدنّك الله يا زهير ، ولعن الله قاتلك ، لعن الذين مسخهم قردة وخنازير.

ترجمة زهير بن القين البجلي

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ١١٧)

هو زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي. كان رجلا شريفا في قومه ، نازلا فيهم بالكوفة ، شجاعا له في المغازي مواقف مشهورة ، ومواطن مشهودة. وكان في البداية عثمانيا ثم اهتدى إلى ولاية أهل البيتعليهم‌السلام ، ولازم الحسينعليه‌السلام من الطريق ، وحامى عنه كأعزّ أنصاره ، حتى استشهد رضوان الله عليه.

وبلغ من أهمية زهير في وقعة الطف أن وضعه الحسينعليه‌السلام على ميمنة جيشه ، وجعل الصحابي حبيبا على الميسرة ، ووقف هو في القلب. فكان زهير وحبيب بالنسبة للحسينعليه‌السلام مثل الجناحين بالنسبة للطائر ، لا يستطيع المضي إلا بهما.

ولما صمم زهير على الشهادة ، خرج برفقة الحر ، وكلاهما من التائبين ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم ، شدّ الآخر فخلّصه ، حتى قتل الحر ، ولم يلبث أن قتل زهير. وما ذلك إلا ليبيّنا للملأ أنهما اهتديا معا ، وقاتلا في سبيل الحق معا ، واستشهدا مع سيد شباب أهل الجنة معا ، فزفّا إلى الجنة معا ، رضوان الله عليهما.

شهادة عمرو بن قرظة الأنصاريرحمه‌الله

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٦ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٣.

٨٨

٦٩ ـ مصرع عمرو بن قرظة الأنصاري من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، ومصرع أخيه من أصحاب عمر بن سعد :

(مقتل المقرّم ، ص ٣٠٦)

وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري ، فاستأذن الحسينعليه‌السلام فأذن له. فبرز وهو يرتجز ويقول(١) :

قد علمت كتيبة الأنصار

أني سأحمي حوزة الذّمار

ضرب غلام ليس بالفرّار

دون حسين مهجتي وداري

فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء ، وبالغ في خدمة سلطان السماء ، حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد(٢) .

وجاء عمرو بن قرظة الأنصاري ووقف أمام الحسينعليه‌السلام يقيه العدو ويتلقى السهام بصدره وجبهته ، فلم يصل إلى الحسينعليه‌السلام سوء. ولما كثر فيه الجراح التفت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام وقال : أوفيت يابن رسول الله؟. قال : نعم أنت أمامي في الجنة ، فأقرئ رسول الله مني السلام وأعلمه أني في الأثر ، وخرّ ميّتا(٣) رضوان الله عليه.

فنادى أخوه علي بن قرظة وكان مع عمر بن سعد : يا حسين يا كذاب ، غررت أخي حتى قتلته؟!. فقالعليه‌السلام : إني لم أغرّ أخاك ، ولكن الله هداه وأضلّك.فقال : قتلني الله إن لم أقتلك. ثم حمل على الحسينعليه‌السلام ليطعنه فاعترضه نافع بن هلال الجملي ، فطعنه حتى صرعه(٤) .

شهادة نافع بن هلال الجملي

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٢.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٥٠.

(٣) مقتل العوالم ص ٨٨. وذكر ابن حزم في (جمهرة أنساب العرب) أنه كان لقرظة بن عمرو ابنان : عمرو بن قرظة وقتل مع الحسينعليه‌السلام ، وآخر مع عمر بن سعد ولم يسمّه.

(٤) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٧.

٨٩

٧٠ ـ شجاعة أسير : قتال نافع بن هلال الجملي ، ومصرعه أسيرا :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٧)

ثم خرج نافع بن هلال الجملي [وقيل : هلال بن نافع(١) ] وجعل يرميهم بالسهام فلا تخطئ ، وكان خاضبا يده ، وكان يرمي ويقول :

أرمي بها معلّمة أفواقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

مسمومة تجري بها أخفاقها

ليملأنّ أرضها رشّاقها

فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه. ثم ضرب إلى قائم سيفه فاستلّه ، وحمل وهو يقول(٢) :

أنا الغلام اليمنيّ الجملي

ديني على دين حسين وعلي

إن أقتل اليوم فهذا أملي

وذاك رأيي وألاقي عملي

(وفي مقتل الحسين للمقرّم) قال : ورمى نافع بن هلال الجملي بنبال مسمومة كتب اسمه عليها(٣) وهو يقول(٤) : (البيتين السابقين).

فقتل اثني عشر رجلا سوى من جرح. ولما فنيت نباله جرّد سيفه يضرب فيهم ، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه وأخذوه أسيرا(٥) ، فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه. فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك؟. قال : إن الله يعلم ما أردت. فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك؟!. فقال : والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ، وما ألوم نفسي عليا لجهد ، ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني(٦) . وجرّد الشمر سيفه ، فقال له نافع : والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٢ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٩ ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٤.

(٤) مقتل العوالم ، ص ٩٠.

(٥) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١.

(٦) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٣.

٩٠

الله بدمائنا ، فالحمد لله الّذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه. ثم قدّمه الشمر وضرب عنقه(١) .

ترجمة نافع بن هلال المذحجي الجملي

كان نافع سيدا شريفا سريّا شجاعا. وكان قارئا كاتبا ومن حملة الحديث.وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام شهد حروبه الثلاث : الجمل وصفين والنهروان. وعندما بلغه امتناع الحسينعليه‌السلام من البيعة خرج إليه فاستقبله في الطريق. وكان قد أوصى أن يتبع بفرسه المسمى (بالكامل) ، فأتبع مع جماعة من أصحابه. وقد قتل أسيرا رضوان الله عليه.

شهادة جون مولى أبي ذررحمه‌الله

٧١ ـ مصرع جون مولى أبي ذرّ الغفاري :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٢)

ثم خرج جون مولى أبي ذر الغفاري ، وهو شيخ كبير السن من الموالي ، وكان عبدا أسود ، فجعل يحمل عليهم ويقول(٢) :

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود

بالمشرفيّ القاطع المهنّد

أحمي الخيار من بني محمّد

أذبّ عنهم باللسان واليد

أرجو بذاك الفوز يوم المورد

من الإله الواحد الموحدّ

ووقف جون(٣) مولى أبي ذرّ الغفاري أمام الحسينعليه‌السلام يستأذنه ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٣ ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٤.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٩.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٩. وذكر ابن شهر اشوب في مناقبه ، ج ٢ ص ٢١٨ ط إيران ، أن اسمه (جوين) وهو اشتباه ، ولم يذكر الخوارزمي هذا الكلام في مقتله واكتفى بالشعر.

٩١

فقالعليه‌السلام : يا جون ، إنما تبعتنا طلبا للعافية ، فأنت في إذن مني (وفي اللهوف :فلا تبتل بطريقتنا) فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول : أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدة أخذلكم!. والله إن ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس(١) عليّ بالجنة ، ليطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي. لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الحسين(٢) . فقتل ٢٥ شخصا حتى قتل رضوان الله عليه.

(وفي رواية أبي مخنف في مقتله ، ص ٧١) قال : «فلم يزل يقاتل حتى قتل سبعين رجلا ، فوقعت في محاجر عينه ضربة ، وكبا به جواده إلى الأرض ، فوقع على أمّ رأسه ، فأحاطوا به من كل جانب ومكان ، فقتلوه». فوقفعليه‌السلام وقال : اللهم بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرّف بينه وبين آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : أن الناس كانوا يحضرون المعركة فيدفنون القتلى ، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسك(٣) .

ترجمة جون مولى أبي ذرّ الغفاري

(مجلة البيان النجفية ، السنة ٢ العدد ٣٥ ـ ٣٩)

هو جون بن حوي بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن حوي النوبي. اشتراه الإمام عليعليه‌السلام من الفضل بن العباس ابن عبد المطلب بمائة وخمسين دينارا ، ووهبه لأبي ذرّ ليخدمه. فانتقل من بيئة تزخر بالثراء والجاه إلى أخرى قد خيّم عليها جلال الزهد والتقوى ، وغمرها سلطان الإيثار والقناعة والتقشف. رافق جون أباذر في حياته وعاش معه مآسيه ، وكان رفيقه المخلص في (الربذة) حتى قضى رضوان الله عليه ، فبكاه بدموع سخيّة.

__________________

(١) تنفّس عليّ بالجنة (بصيغة الأمر) : أي تفضّل عليّ بما يدخلني الجنة.

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٦١.

(٣) مثير الأحزان للجواهري ، ص ٧٥.

٩٢

وحين بلغه نبأ مسير الحسينعليه‌السلام لمناهضة الباطل وتجديد الدين ، تجددت في نفسه مآسيه السابقة وذكرياته السالفة ، فأسرع لنصرة الحسينعليه‌السلام وخدمة أهل البيت (ع) ، حتى استشهد رضوان الله عليه ، بعد بلاء مرير ، وبعد أن أظهر لجيوش الأعداء ، كيف يكون الإباء والشمم والإيمان بالمبدأ ، وأنه ليس هناك إلا النفس الكريمة تسيل على حدّ السيوف في مثل لمح البصر ، فتروي نبتة الحق والحقيقة ، وتفوز بالخلود في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

٧٢ ـ تنافس بقية الأصحاب على الموت :

(مقتل أبي مخنف المقتبس من الطبري ، ص ١٣٨)

قال أبو مخنف : فلما رأى أصحاب الحسينعليه‌السلام [أنهم قد غلبوا] وأن الأعداء قد كثروا ، وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسيناعليه‌السلام ولا أنفسهم ، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه.

شهادة حنظلة بن أسعد الشباميرحمه‌الله

٧٣ ـ مصرع حنظلة بن أسعد الشبامي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٤)

ثم جاء إليه حنظلة بن أسعد العجلي الشبامي(١) فوقف بين يدي الحسينعليه‌السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، وأخذ ينادي :( يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠)مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١)وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢)يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (٣٣) [غافر : ٣٠ ـ ٣٣]. ويا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم

__________________

(١) ذكر الطبري أن اسمه (حنظلة بن سعد) ، وفي اللهوف أنه (الشامي) وأنه استشهد قبل صلاة الخوف.

٩٣

الله بعذاب( وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) [طه : ٦١]. فقال له الحسينعليه‌السلام : يابن أسعد رحمك الله ، إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين!. فقال : صدقت جعلت فداك ، أفلا نروح إلى ربنا فنلحق بإخواننا(١) !. فقال له الحسينعليه‌السلام : رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى. فقال : السلام عليك يابن رسول الله ، وعلى أهل بيتك ، وجمع الله بيننا وبينك في الجنة. فقال الحسينعليه‌السلام : آمين آمين. ثم تقدم فقاتل قتالا شديدا ، فحملوا عليه فقتلوه.

شهادة شوذب مولى بني شاكررحمه‌الله

٧٤ ـ مصرع شوذب مولى بني شاكر :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ١٦٠)

وأقبل عابس بن شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى بني شاكر. وكان شوذب من الرجال المخلصين ، وداره مألف للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيتعليهم‌السلام .فقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟. قال : أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أقتل. قال : ذلك الظن بك ، فتقدم بين يدي أبي عبد اللهعليه‌السلام حتى يحتسبك كما احتسب غيرك ، وحتى أحتسبك أنا ، فإن هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه ، فإنه لا عمل بعد اليوم ، وإنما هو الحساب. فتقدم شوذب فقال :السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله. ثم قاتل حتى قتل.

شهادة عابس بن شبيب الشاكريرحمه‌الله

__________________

(١) اللهوف لابن طاووس ، ص ٦١ و ٦٢ ؛ ومقتل المقرم ، ص ٣١١ عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٤.

٩٤

٧٥ ـ مصرع عابس بن شبيب الشاكري على يد جماعة من القوم :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٣)

وجاء عابس بن شبيب الشاكري ، فتقدم وسلّم على الحسينعليه‌السلام وقال له : يا أبا عبد الله ، أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ منك. ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلت!. السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أني على هداك وهدى أبيك. ثم مشى بالسيف نحوهم. قال ربيع بن تميم : فلما رأيته مقبلا عرفته ـ وقد كنت شاهدته في المغازي فكان أشجع الناس ـ فقلت للقوم : أيها الناس ، هذا أسد الأسود ، هذا ابن شبيب ، لا يخرجنّ إليه أحد منكم. فأخذ ينادي : ألا رجل؟. ألا رجل لرجل!.فتحاماه الناس لشجاعته. فقال لهم عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة(١) فرموه بالحجارة من كل جانب. فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ، وشدّ على الناس فهزمهم بين يديه.

(قال الراوي) : فو الله لقد رأيته يطرد أكثر من مئتين من الناس ، ثم أحاطوا به من كل جانب فقتلوه ، فرأيت رأسه في أيدي الرجال ، كلّ يقول : أنا قتلته(٢) .

ترجمة عابس بن شبيب الشاكري الهمداني

بنو شاكر بطن من همدان. ذكر أرباب السير أن عابسا كان رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا مجتهدا. وكان من رجال الشيعة ، وكذلك بنو شاكر كانوا من المخلصين بولاء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وفيهم قال عليعليه‌السلام يوم صفين :«لو تمّت عدّتهم ألفا لعبد الله حقّ عبادته». وكانوا من شجعان العرب وحماتهم ، وكانوا يلقبون (فتيان الصباح). وكان عابس رسول مسلم بن عقيل إلى الحسينعليه‌السلام وقد أرسله بكتابه إليه ، وقد صحبه (شوذب) مولاه ، واستشهد معه.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٢ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٤.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٥٨.

٩٥

مصرع سعد ابن حنظلة التميميرحمه‌الله

٧٦ ـ مصرع سعد بن حنظلة التميمي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٤)

ثم خرج من بعده سعد بن حنظلة التميمي ، وهو يقول :

صبرا على الأسياف والأسنّه

صبرا عليها لدخول الجنّه

وحور عين ناعمات هنّه

لمن يريد الفوز لا بالظّنّه

يا نفس للراحة فاطرحنّه

وفي طلاب الخير فارغبنّه

ثم حمل وقاتل قتالا شديدا ، حتى قتل رضوان الله عليه.

مصرع عمير ابن عبد الله المذحجيرحمه‌الله

٧٧ ـ مصرع عمير بن عبد الله المذحجي :

(المصدر السابق)

ثم خرج من بعده عمير بن عبد الله المذحجي ، وهو يقول :

قد علمت سعد وحيّ مذحج

أني لدى الهيجاء ليث محرج

أعلو بسيفي هامة المدجج

وأترك القرن لدى التعرّج

فريسة الضبع الأزلّ الأعرج

فمن تراه واقفا بمنهجي؟!

ولم يزل يقاتل قتالا شديدا ، حتى قتله مسلم الضبابي وعبد الله البجلي ، اشتركا في قتله.

٩٦

٧٨ ـ شهادة عبد الرحمن اليزني :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧ ؛ واللواعج ، ص ١٤٣)

ثم خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني ، وهو يقول :

أنا ابن عبد الله من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

أضربكم ضرب فتى من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن

ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٧٩ ـ شهادة يحيى بن سليم المازني :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧)

ثم خرج من بعده يحيى بن سليم المازني ، وهو يقول :

لأضربنّ القوم ضربا فيصلا

ضربا شديدا في العداة معجلا

لا عاجزا عنهم ولا مهلهلا

ولا أخاف اليوم موتا مقبلا

ما أنا إلا الليث يحمي أشبلا

ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٨٠ ـ شهادة قرّة بن أبي قرة الغفاري :

(المصدر السابق ، ص ١٨)

ثم خرج من بعده قرّة بن أبي قرة الغفاري ، وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأنني الليث الهزبر الضاري

لأضربن معشر الفجّار

بكل عضب ذكر بتّار

يشع لي في ظلمة الغبار

دون الهداة السادة الأبرار

رهط النبي أحمد المختار

ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٨١ ـ شهادة رجل من بني أسد :

(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدّى [أي ينزل في البدو ، أي يقيم في الصحراء] فينزل قريبا من الموضع الّذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام ، فكنا لا

٩٧

نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!.قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام ، قال أبي : انطلقوا بنا ننظر هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام ؟. فأتينا المعركة وطوّفنا ، فإذا الأسدي مقتول.

(أقول) : لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحارث الكاهلي أو الأسدي ، لأن الكاهلي أسدي. وهو نفسه أنس بن كاهل الأسدي الّذي ذكر في زيارة الناحية المقدسة. وذكر في بعض المصادر : مالك بن أنس الكاهلي ، وهو تصحيف.

وقد مرّت هذه الفقرة في الجزء الأول من الموسوعة برقم ٢١٤ بعنوان : ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء ، فراجع.

مصرع أنس بن الحارث الكاهليرحمه‌الله

٨٢ ـ مصرع أنس بن الحارث الكاهلي ، وكان صحابيا :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٣)

وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخا كبيرا صحابيا ، رأى النبي (ص) وسمع حديثه ، وشهد معه بدرا وحنينا. فاستأذن الحسينعليه‌السلام وبرز شادّا وسطه بالعمامة ، رافعا حاجبيه بالعصابة. ولما نظر إليه الحسينعليه‌السلام بهذه الهيئة بكى ، وقال : شكر الله سعيك يا شيخ.

ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل على كبره ثمانية عشر رجلا ، وقتل أمام الحسينعليه‌السلام (١) .

وفي (وسيلة الدارين) ص ١٠٢ : روى أهل السير أنه لما جاءت نوبة أنس ، استأذن الحسينعليه‌السلام في القتال ، فأذن له ، فبرز وهو يقول :

__________________

(١) ذكر أبو مخنف في مقتله ، ص ٧٣ ما يشبه هذا الكلام عن (جابر بن عروة الغفاري) وكان شيخا كبيرا صحابيا.

٩٨

قد علمت كاهل ثم ذودان

والخندفيّون وقيس عيلان

بأن قومي آفة الأقران

لدى الوغى وسادة الفرسان

نباشر الموت بطعن آن

لسنا نرى العجز عن الطعان

آل علي شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان

ثم حمل فقاتل حتى قتل أربعة عشر رجلا [على رواية ابن شهر اشوب] ، وثمانية عشر رجلا [على رواية الصدوق في أماليه] ، ثم قتل رضوان الله عليه.

ترجمة الصحابي أنس بن الحارث الكاهلي

(وسيلة الدارين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ١٠١)

هو أنس بن الحارث بن نبيه بن كاهل الأسدي. كان صحابيا كبيرا ممن رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع حديثه. وكان فيما سمع منه وحدّث به ، ما رواه جمّ غفير من العامة والخاصة عنه ، أنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول والحسين في حجره : «إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق. ألا فمن شهده فلينصره». فلما رآه أنس في العراق وشهده ، نصره وقتل معه.

(ذكر ذلك الجزري في أسد الغابة ، وابن حجر في الإصابة وغيرهما).

٨٣ ـ شهادة عمرو بن مطاع الجعفي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٨)

ثم خرج من بعده عمرو بن مطاع الجعفي ، وهو يقول :

أنا ابن جعف وأبي مطاع

وفي يميني مرهف قطّاع

وأسمر سنانه لمّاع

يرى له من ضوئه شعاع

اليوم قد طاب لنا القراع

دون حسين وله الدفاع

(وفي مقتل أبي مخنف ، ص ٧١) عبّر عنه بلفظ (عمير) وذكر رجزه :

أنا عمير وأبي المطاع

وفي يميني صارم قطّاع

كأنه من لمعه شعاع

إذا فقد طاب لنا القراع

دون الحسين الضرب والصراع

صلى عليه الملك المطاع

٩٩

ولم يزل يقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

٨٤ ـ شهادة أنيس بن معقل الأصبحي :

(المصدر السابق ، ص ١٩)

ثم خرج من بعده أنيس بن معقل الأصبحي ، فجعل يقول :

أنا أنيس وأنا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف فيصل

أعلو به الهامات بين القسطل

حتى أزيل خطبه فينجلي

عن الحسين الفاضل المفضّل

ابن رسول الله خير مرسل

ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل [على رواية ابن شهر اشوب] نيّفا وعشرين رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

٨٥ ـ شهادة الحجاج بن مسروق الجعفي :

(المصدر السابق ، ص ٢٠)

ثم برز من بعده الحجاج بن مسروق الجعفي ، وهو مؤذّن الحسينعليه‌السلام ، وكان قد خرج من الكوفة إلى مكة فالتحق بالحسينعليه‌السلام ، وصحبه منها إلى العراق ، فجعل يقول :

اقدم حسينا هاديا مهديّا

اليوم تلقى جدّك النبيّا

ثم أباك ذا الندى عليا

ذاك الّذي نعرفه وصيّا

والحسن الخير الرضا الوليا

وأسد الله الشهيد الحيّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وفاطما والطاهر الزكيّا

ومن مضى من قبله تقيا

فالله قد صيّرني وليّا

في حبكم أقاتل الدعيّا

وأشهد الشهيد الحيّا

لتبشروا يا عترة النبيا

بجنّة شرابها رويّا

والحوض حوض المرتضى عليا

وقد مرّ شبيه هذه الأبيات في شهادة زهير بن القين (رض).

ثم حمل على القوم وقاتل قتال المشتاقين ، حتيقتل منهم ثمانية عشر رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

٨٦ ـ مبارزة الاثنين :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٩٤)

ولما نظر من بقي من أصحاب الحسينعليه‌السلام إلى كثرة من قتل منهم ، أخذ

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وسجّل النصر للمسلمين(١) .

ونقل ابن الصبّاغ في «الفصول المهمّة» عن صحيح مسلم ، وكذلك روى الإمام النسائي في خصائص الإمام عليّ : ٧ ط مطبعة التقدّم بالقاهرة ، قال عمر بن الخطّاب : ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ إلى آخره.

وأخرج السيوطي في «تاريخ الخلفاء» وابن حجر في «الصواعق» والديلمي في «فردوس الأخبار» بإسنادهم عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : لقد اعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من أن أعطى حمر النّعم ؛ فسئل : ما هي؟

قال : تزويجه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسكناه المسجد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحلّ له فيه ما يحلّ له ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر(٢) .

__________________

(١) لمّا رأى اليهود قتل مرحب وهو قائدهم وصاحب رايتهم ، انهزموا ودخلوا الحصن وأغلقوا الباب ، وبدءوا يرمون المسلمين بالنبال من سطح الحصن ، فهجم عليّعليه‌السلام على باب الحصن وقلعه من مكانه وجعله ترسا يصدّ به سهام القوم ونبالهم. وكان الباب عظيما منحوتا من الصخر ؛ يقول ابن أبي الحديد في قصائده العلوية مشيرا إلى ذلك الموقف المشرّف :

يا قالع الباب الذي عن هزّه

عجزت أكفّ أربعون وأربع

أأقول فيك سميدع كلاّ ولا

حاشا لمثلك أن يقال سميدع

إلى آخر أبياته «المترجم»

(٢) لقد اشتهر هذا الخبر عن عمر وذكره كثير من أعلام السنّة ، وإضافة إلى من ذكرهم المؤلّف فإنّي أذكر بعض من أعرف من العلماء الّذين رووا الخبر عن عمر ، منهم عبيد الله الحنفي في «أرجح المطالب» والحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٥ ، وابن حجر الهيثمي في الصواعق : ٧٨ ، والإمام أحمد في «المسند» عن ابن عمر ، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٤١ ، والمتّقي الحنفي في كنز العمّال ٦ / ٣٣٩

٤٢١

فالخبر ثابت لا ينكره إلا المعاندون الجاهلون الّذين ليس لهم اطّلاع على تاريخ الاسلام وغزوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والآن فقد ثبت للحاضرين ، وخاصة العلماء والمشايخ ، بأنّي لا أتكلّم من غير دليل ، ولم أقصد إهانة الصحابة ، بل مقصدي بيان الواقع وكشف الحقائق ، التي منها الاستدلال بالتاريخ والحديث والعقل والنقل ، بأنّ جملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) في الآية الكريمة تنطبق على الإمام عليّعليه‌السلام قبل أن تنطبق على غيره كائنا من كان.

وهذا لم يكن قولي أنا فحسب ، بل كثير من أعلامكم صرّحوا به ، منهم العلاّمة الكنجي في «كفاية الطالب» في الباب الثالث والعشرين ، فإنّه يروي حديثا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشبّه فيه عليّاعليه‌السلام بالأنبياء ، وفي تشبيهه بنوحعليه‌السلام يقول العلاّمة الكنجي : وشبّه بنوح لأنّ علياعليه‌السلام كان شديدا على الكافرين ، رءوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله :( ... وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) (١) وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوح على الكافرين بقوله :( ... رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) (٢) انتهى.

فعليّعليه‌السلام هو المصداق الأجلى والأظهر لجملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) (٣) .

__________________

ح ٦٠١٣ ـ ٦٠١٥ ، والموفّق بن أحمد الخطيب الخوارزمي في المناقب : ٢٣٢. «المترجم».

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٩.

(٢) سورة نوح ، الآية ٢٦.

(٣) الّذي يعرف من الأخبار والتواريخ أنّ عمر بن الخطّاب كان شديدا على المسلمين ،

٤٢٢

__________________

ولكي تعرف الحقيقة والواقع أنقل لك بعضها :

قال ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة : ١٩ ط مطبعة الامّة بمصر سنة ١٣٢٨ ه‍ : فدخل عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنّه استخلف عمر ، فقالوا : نراك استخلفت علينا عمر ، وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا ، وأنت بين أظهرنا ، فكيف إذا ولّيت عنّا؟!

بوائقه ، غوائل وشروره. النهاية.

وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء ٨٢ :

عن أسماء بنت عميس ، أنّها قالت : دخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال : استخلفت على الناس عمر! وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف إذا خلا بهم وأنت لاق ربّك؟!

ونقل الديار بكري في تاريخ الخميس ٢ / ٢٤١ :

قال طلحة لأبي بكر : أتولّي علينا فظّا غليظا؟! ما تقول لربّك إذا لقيته؟!

وروى الديار بكري في نفس الصفحة ، عن جامع بن شدّاد ، عن أبيه ، أنّه قال :

كان أوّل كلام تكلّم به عمر حين صعد المنبر أن قال : اللهمّ إنّي شديد فليّنّي ، وإنّي ضعيف فقوّني ، وإنّي بخيل فسخّني.

ونقل ابن الأثير في تاريخه الكامل ٣ / ٥٥ ، والطبري في تاريخه ٥ / ١٧ ، أنّ عمر خطب أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت : يغلق بابه ، ويمنع خيره ، ويدخل عابسا ، ويخرج عابسا!!

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ١٨٣ ط دار إحياء التراث العربي.

وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهيّة ظاهرة.

وقال في ج ١٠ / ١٨١ ط دار إحياء التراث العربي :

وإنّما الرجل [عمر] كان مطبوعا على الشدّة والشراسة والخشونة!

أقول : أظهر شراسته وخشونته وشدّته على آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي هجومه على بيت فاطمة البتول وقرّة عين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من أيّ مكان آخر!!

٤٢٣

__________________

قال ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد الفريد ٢ / ٢٠٥ ط المطبعة الأزهرية :

الّذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر : عليّ والعبّاس والزبير وسعد بن عبادة. فأما عليّ والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم.

فأقبل بقبس من نار ، على أن يضرم عليهم الدار!

فلقيته فاطمة ، فقالت : يا ابن الخطاب! أجئت لتحرق دارنا؟!

قال : نعم!

ونقل الشهرستاني في الملل والنحل ١ / ٥٧ عن النظّام ، قال :

إنّ عمر ضرب بطن فاطمةعليها‌السلام يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها! وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين.

وقال الصفدي في الوافي بالوفيات ٦ / ١٧ :

إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسّن من بطنها!

وأخرج البلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٨٦ ، عن سليمان التيمي وعن ابن عون : إنّ أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ؛ فتلقّته فاطمة على الباب فقالت : يا ابن الخطّاب! أتراك محرّقا عليّ بابي؟!

قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك!!

أقول : وهل بعد الجملة الأخيرة يقال : إنّ عمر كان مؤمنا؟!!

وقال الأستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود في كتابه السقيفة والخلافة : ١٤ :

أتى عمر بن الخطّاب منزل عليّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجن إلى البيعة.

قال : ثمّ تطالعنا صحائف ما أورد المؤرّخون بالكثير من أشباه هذه الأخبار المضطربة التي لانعدم أن نجد من بينها من عنف عمر ما يصل به إلى الشروع في قتل

٤٢٤

وأمّا قولكم بأنّ جملة( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) تنطبق على عثمان بن عفّان ، وهي إشارة إلى مقام الخلافة في المرتبة الثالثة ، وأنّ عثمان كان رقيق القلب ، بالمؤمنين رءوفا رحيما

فنحن لا نرى ذلك من صفات عثمان ، بل التاريخ يحدّثنا على عكس ذلك ، وأرجو أن لا تسألوني توضيح الموضوع أكثر من هذا ؛ لأنّي أخاف أن تحملوا حديثي على الإساءة والإهانة بمقام الخليفة الثالث. ولا احبّ أن أزعجكم.

الحافظ : نحن لا نضجر إذا لم يكن حديثك فحشا ، وكان مدعما بالدليل ومطابقا للواقع مع ذكر الأسناد والمصادر.

قلت : أوّلا : إنّي ما كنت ولم أكن فحّاشا ، بل سمعت الفحش وأجبت بالمنطق والبرهان!

__________________

عليّ أو إحراق بيته على من فيه! فلقد ذكر أنّ أبا بكر أرسل عمر بن الخطّاب ومعه جماعة بالنار والحطب إلى دار عليّ وفاطمة والحسن والحسين ليحرقوه بسبب الامتناع عن بيعته ، فلمّا راجع عمر بعض الناس قائلين : إنّ في البيت فاطمة! قال : وإن!!

وقال عمر رضا كحّالة : فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها. فقيل له : يا أبا حفص! إنّ فيها فاطمة! قال : وإن.

أقول : لقد نظم هذه الواقعة شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة تحت عنوان : عمر وعليّ ، مطبوعة في ديوانه ١ / ٧٥ ط دار الكتب المصرية :

وقولة لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقت دارك لا ابقي بها أحدا

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

«المترجم»

٤٢٥

ثانيا : هناك أدلّة كثيرة على خلاف ما ذهبتم في شأن عثمان ، فإنّ جملة( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) لا تنطبق عليه أبدا ، ولإثبات قولي اشير إلى بعض الدلائل ، وأترك التحكيم والقضاء للحاضرين الأعزّاء.

سيرة عثمان

لقد أجمع المؤرّخون والأعلام ، مثل : ابن خلدون ، وابن خلّكان ، وابن أعثم الكوفي ، وأصحاب الصحاح كلّهم ، والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤٣٥ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والطبري في تاريخه ، وغيرهم من علمائكم ، قالوا : إنّ عثمان بن عفّان حينما ولي الخلافة سار على خلاف سنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين ، ونقض العهد الذي عاهده عليه عبد الرحمن بن عوف في مجلس الشورى حين بايعه على كتاب الله وسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين ، وأن لا يسلّط بني أميّة على رقاب المسلمين.

ولكن حينما استتبّ له الأمر خالف العهد ، وتعلمون بأنّ نقض العهد من كبائر الذنوب ، والقرآن الحكيم يصرّح بذلك.

قال تعالى :( ... وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً ) (١) .

وقال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) (٢) .

الحافظ : نحن لا نعلم لذي النورين خلافا ، وإنّما هذا قولكم ومن مزاعم الشيعة ، ولا دليل عليه!

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٣٤.

(٢) سورة الصفّ ، الآية ٢ و ٣.

٤٢٦

قلت : راجعوا شرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٩٨ ط دار إحياء التراث العربي ، فإنّه قال : وثالث القوم هو عثمان بن عفّان بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الأمر له ، وصحّت فيه فراسة عمر ، فإنّه أوطأ بني اميّة رقاب الناس ، وولاّهم الولايات ، وأقطعهم القطائع ، وافتتحت إفريقية في أيّامه فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان.

وأعطى عبد الله بن خالد أربعمائة ألف درهم.

وأعاد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ، بعد أن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سيّره ـ أي : نفاه من المدينة ـ ثمّ لم يردّه أبو بكر ولا عمر! وأعطاه مائة ألف درهم.

وتصدّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بموضع سوق بالمدينة ـ يعرف بمهزوز ـ على المسلمين ، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان.

وأقطع مروان فدك ، وقد كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلبتها بعد وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تارة بالميراث ، وتارة بالنحلة ، فدفعت عنها.

وحمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلّهم إلاّ عن بني اميّة.

وأعطى عبد الله بن أبي السّرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة ، من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين.

وأعطى أبا سفيان بن حرب(١) مائتي ألف من بيت المال ، في اليوم

__________________

(١) ربّما يتساءل القارئ : من كان أبو سفيان؟ ولما ذا يمنحه عثمان هذا المبلغ من بيت مال المسلمين؟ أكان هذا العطاء من أجل خدمة قدّمها للدين؟!

٤٢٧

الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوّجه ابنته أمّ أبان. فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ، فوضعها بين يدي عثمان وبكى وقال : والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا!

فقال : ألق المفاتيح يا ابن أرقم ، فإنّا سنجد غيرك!

وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة ، فقسّمها كلّها في بني اميّة.

وأنكح الحارث بن الحكم ـ أخا مروان ـ ابنته عائشة ، فأعطاه مائة ألف من بيت المال ، بعد طرده زيد بن أرقم عن خزانته.

وانضمّ إلى هذه الأمور ، امور اخرى نقمها عليه المسلمون ، كتسيير أبي ذرّرحمه‌الله تعالى إلى الرّبذة ، وضرب عبد الله بن مسعود حتّى كسر أضلاعه ، وما أظهر من الحجّاب. والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود وردّ المظالم وكفّ الأيدي العادية والانتصاب لسياسة الرعية!

__________________

فأنا أنقل قضيّة تاريخية حتّى يعرف القارئ الكريم جواب ما تساءل عنه :

روى ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ / ٥٣ ط دار إحياء التراث العربي ، عن الشعبي ، أنّه قال :

فلمّا دخل عثمان رحله ـ بعد ما بويع له بالخلافة ـ دخل إليه بنو اميّة حتى امتلأت بهم الدار ، ثم أغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب : أعندكم أحد من غيركم؟

قالوا : لا.

قال : يا بني اميّة! تلقّفوها تلقّف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ، ما من عذاب ولا حساب ، ولا جنّة ولا نار ، ولا بعث ولا قيامة!! «المترجم»

٤٢٨

وختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين إلى آخره.

هذا كلام ابن أبي الحديد في عثمان بن عفّان.

وذكر المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٣٤١ ـ ٣٤٣ :

فقد بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعا وخططا في البصرة والكوفة ومصر والإسكندرية ، وكانت غلّة طلحة بن عبيد الله(١) من العراق كلّ يوم ألف دينار ، وقيل أكثر.

وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف مائة فرس ، وله ألف بعير ، وعشرة آلاف شاة ، وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا.

وحين مات زيد بن ثابت خلّف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفئوس غير ما خلّف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار.

ومات يعلى بن منية وخلّف خمسمائة ألف دينار وديونا وعقارات وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار.

أمّا عثمان نفسه فكان له يوم قتل عند خازنه مائة وخمسون

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١٦١ ط دار إحياء التراث العربي :

قال أبو جعفر ـ الطبري ، صاحب التاريخ ـ : وكان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا ، فقال طلحة له يوما : قد تهيّأ مالك فاقبضه ، فقال : هو لك معونة على مروءتك.

وقال ابن أبي الحديد في ج ٩ / ٣٥ : روي أن عثمان قال : ويلي على ابن الحضرمية ـ يعني : طلحة ـ أعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا. وهو يروم دمي يحرّض على نفسي.

قال : والبهار : الحمل ؛ قيل : هو ثلاثمائة رطل بالقبطية.

«المترجم»

٤٢٩

ألف دينار وألف ألف [أي : مليون] درهم ، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار ، وخلّف خيلا كثيرا وإبلا.

ثمّ قال المسعودي بعد ذلك : وهذا باب يتّسع ذكره ، ويكثر وصفه فيمن تملّك الأموال في أيّامه.

انتهى كلام المسعودي.

هكذا كان عثمان وحاشيته يتسابقون في كنز الذهب والفضة ، وجمع الخيل والإبل والمواشي ، وامتلاك الاراضي والعقار ، في حين كان كثير من المسلمين المؤمنين لا يملكون ما يسدّون به جوعهم ويكسون به أجسامهم.

أكان هذا السلوك يليق بمن يدّعي خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهل كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك؟!

كلاّ وحاشا ، ولا شكّ أنّ عثمان خالف طريقة أبي بكر وناقض سيرة عمر أيضا ، وكان هو قد عاهد على أن يسلك سبيلهما.

ذكر المسعودي في مروج الذهب ، ج ١ ، في ذكره سيرة عثمان وأخباره ، فقال بالمناسبة : إنّ الخليفة عمر مع ولده عبد الله ذهبا إلى حجّ بيت الله الحرام ، فلما رجع إلى المدينة كان ما صرفه في سفره ستّة عشر دينارا ، فقال لابنه : ولدي لقد أسرفنا في سفرنا هذا.

فاستدلّوا على تبذير عثمان لأموال المسلمين بكلام عمر بن الخطّاب ، وشاهدوا كم الفرق بينهما؟!

توليته بني اميّة

إنّ عثمان مكّن فسّاق بني اميّة وفجّارهم من بلاد المسلمين ،

٤٣٠

وسلّطهم على رقاب المؤمنين وأموالهم(١) ، فاتّخذوا أموال الله دولا ، وعباده خولا ، وسعوا في الأرض فسادا ، منهم : عمّه الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ، وهما ـ كما نجد في التاريخ ـ طريدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد لعنهما ونفاهما من المدينة إلى الطائف.

الحافظ : ما هو دليلكم على لعن هذين بالخصوص؟

قلت : دليلنا على لعنهما من جهتين ، جهة عامة ، وجهة خاصّة.

أمّا الجهة العامّة : فهما غصنان من الشجرة الملعونة في القرآن ، بقوله تعالى :( ... وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) .

وقد فسّرها أعلام المفسّرين وكبار المحدّثين ، ببني اميّة ، منهم : الطبري والقرطبي والنيسابوري والسيوطي والشوكاني والآلوسي ، وابن أبي حاتم والخطيب البغدادي وابن مردويه والحاكم المقريزي والبيهقي وغيرهم ، فقد رووا في تفسير الآية الكريمة عن ابن عبّاس أنّه

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ / ٢٤ ط دار إحياء التراث العربي :

وروى شيخنا أبو عثمان الجاحظ ، عن زيد بن أرقم ، قال :

سمعت عثمان وهو يقول لعليّعليه‌السلام : أنكرت عليّ استعمال معاوية ، وأنت تعلم أن عمر استعمله!

قال عليّعليه‌السلام : نشدتك الله! ألا تعلم أنّ معاوية كان أطوع لعمر من يرفأ غلامه! إنّ عمر كان إذا استعمل عاملا وطئ على صماخه ، وإنّ القوم ركبوك وغلبوك واستبدّوا بالأمر دونك.

فسكت عثمان! «المترجم»

(٢) سورة الإسراء ، الآية ٦٠.

٤٣١

قال : الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أميّة ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى فيما يراه النائم أنّ عددا من القردة تنزو على منبره وتدخل محرابه ، فلمّا استيقظ من نومه نزل عليه جبرئيل وأخبره : أنّ القردة التي رأيتها في رؤياك إنّما هي بنو اميّة ، وهم يغصبون الخلافة والمحراب والمنبر طيلة ألف شهر(١) .

وأمّا الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عبّاس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمّي من بني اميّة الحكم بن أبي العاص ويخصّه باللعن.

وأمّا الجهة الخاصّة في لعنهما ، فالروايات من الفريقين كثيرة :

أمّا روايات الشيعة فلا أذكرها ، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدّثيكم ، منهم : الحاكم النيسابوري في المستدرك ٤ / ٤٨٧ ، وابن حجر الهيتمي المكّي في «الصواعق» قال : وصحّحه الحاكم ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي من أمّتي قتلا وتشريدا ، وإنّ أشدّ

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد فى شرح النهج ٩ / ٢٢٠ ط دار إحياء التراث العربي ، قال في تفسير قوله تعالى :( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ) فإنّ المفسّرين قالوا : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرؤيا بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة ـ هذا لفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي فسّر لهم الآية ـ فساءه ذلك ، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الشجرة الملعونة ، بنو اميّة وبنو المغيرة».

ونحوه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتّخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا».

وورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذمّهم الكثير المشهور ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أبغض الأسماء إلى الله : الحكم وهشام والوليد».

وفي خبر آخر : «اسمان يبغضهما الله : مروان والمغيرة ...»

هذا ما أردنا نقله من ابن أبي الحديد.

«المترجم»

٤٣٢

قومنا لنا بغضا بنو اميّة وبنو المغيرة وبنو مخزوم.

قال : ومروان بن الحكم كان طفلا ، قال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وهو الوزغ بن الوزغ ، والملعون بن الملعون.

وروى ابن حجر أيضا ، والحلبي في السيرة الحلبيّة ١ / ٣٣٧ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ١٢٦ ، والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» والحاكم في المستدرك ٤ / ٤٨١ ، والدميري في حياة الحيوان ٢ / ٢٩٩ ، وابن عساكر في تاريخه ، ومحبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبى» وغير هؤلاء ، كلهم رووا عن عمر بن مرّة الجهني : أنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته. فقال : «ائذنوا له ، عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه ، إلاّ المؤمن منهم وقليل ما هم».

ونقل الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير ، في ذيل الآية :( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) أنّ عائشة كانت تقول لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه. فأنت بعض من لعنه الله!

والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤٣٥ يقول : مروان بن الحكم طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أخرجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفاه من المدينة.

إنّ أبا بكر وعمر لم يأذنا له بالرجوع إلى المدينة ، ولكنّ عثمان خالف النبيّ والشيخين ، فأجاز مروان بالإقامة في المدينة ، وزوّجه ابنته أمّ أبان ، ومنحه الأموال ، وفسح له المجال حتّى أصبح صاحب الكلمة النافذة في الدولة(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ١٢ نقلا عن قاضي القضاة عبد الجبّار : حتّى

٤٣٣

وقال ابن أبي الحديد ـ نقلا عن بعض أعلام عصره ـ : إنّ عثمان سلّم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء ، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم.

النوّاب : من كان الحكم بن أبي العاص؟ ولما ذا لعنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفاه من المدينة؟

قلت : هو عمّ الخليفة عثمان ؛ وقد ذكر الطبري وابن الأثير في التاريخ والبلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ١٧ : أنّ الحكم بن أبي العاص كان في الجاهلية جارا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان كثيرا ما يؤذي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة ، ثمّ جاء إلى المدينة بعد عام الفتح ، وأسلم في الظاهر ، ولكنّه كان يسعى لأن يحقّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحاول أن يحطّ من شأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الناس. وكان يمشي خلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويبدي من نفسه

__________________

كان من أمر مروان وتسلّطه عليه [عثمان] وعلى أموره ما قتل بسببه ، وذلك ظاهر لا يمكن دفعه.

وقال في ج ١٠ / ٢٢٢ نقلا عن أبي جعفر النقيب أنه كان يقول في عثمان : إنّ الدولة في أيّامه كانت على إقبالها وعلوّ جدّها ، بل كانت الفتوح في أيّامه أكثر ، والغنائم أعظم ، لو لا أنّه لم يراع ناموس الشيخين ، ولم يستطع أن يسلك مسلكهما ، وكان مضعّفا في أصل القاعدة ، مغلوبا عليه ، وكثير الحبّ لأهله ، وأتيح له من مروان وزير سوء أفسد القلوب عليه ، وحمل الناس على خلعه وقتله.

وقال ابن أبي الحديد أيضا في شرح النهج ٩ / ٢٥ و ٢٦ ط دار إحياء التراث العربي ، نقلا عن جعفر بن مكّي الحاجب ، عن محمّد بن سليمان حاجب الحجّاب : وكان عثمان مستضعفا في نفسه ، رخوا ، قليل الحزم ، واهي العقيدة ، وسلّم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء ، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم

«المترجم»

٤٣٤

حركات وإشارات يتسهزئ بها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجرّئ على السخرية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

فدعا عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبقى على الحالة التي كان عليها ، فبقي على حالة غريبة تشبه الجنون ، وصار الناس يستهزءون به ويسخرون منه.

فذهب يوما إلى بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أعلم ما صدر منه ، إلاّ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وقال «لا يشفّع أحد للحكم!».

ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفيه مع أولاده وعياله ، فأخرجه المسلمون من المدينة ، فأقام في الطائف.

ولمّا ولي أبو بكر الخلافة شفع له عثمان عند الخليفة ليأذن له بالرجوع إلى المدينة ، ولكنّه رفض ، وبعده شفع له عثمان عند عمر ، فرفض ، وقالا : هو طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا نعيده ولا نأذن له أن يقيم في المدينة.

فلمّا آل الأمر إليه وأصبح هو الخليفة بعد عمر ، أعاد الحكم مع أولاده الى المدينة وأحسن إليهم كثيرا ولم يعبأ بمخالفة الصحابة واعتراض المؤمنين ، بل منحهم أموال بيت المال ، ونصب مروان بن الحكم وزيرا واتخذه مشيرا ، فجمع حوله أشرار بني أميّة وأسند إليهم الأمور والولايات.

فجور وإليه في الكوفة

فولّى على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو أخو عثمان لأمّه ، واسمها أروى ، وقد صرّح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه من أهل النار! كما في

٤٣٥

رواية المسعودي في مروج الذهب ، ج ١ ، في أخبار عثمان ، وكان فاسقا متجاهرا بالشرور ، ومتظاهرا بالفجور.

وذكر أبو الفداء في تاريخه ، والمسعودي في مروج الذهب وأبو الفرج في الأغاني ٤ / ١٧٨ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ١٠٤ ، والإمام أحمد في المسند ١ / ١٤٤ ، والطبري في تاريخه ٥ / ٦٠ ، والبيهقي في سننه ٨ / ٣١٨ ، وابن الأثير في اسد الغابة ٥ / ٩١ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ١٨ ط دار إحياء التراث العربي.

هؤلاء وغيرهم من أعلام السّنة ذكروا : أنّ الوليد بن عقبة ـ والي الكوفة من قبل عثمان ـ شرب الخمر ودخل المحراب سكرانا وصلّى الصبح بالناس أربع ركعات وقال لهم : إن شئتم أزيدكم!!

وبعضهم ذكر بأنّه تقيّأ في المحراب ، فشمّ الناس منه رائحة الخمر ، فأخرجوا من إصبعه خاتمه ولم يشعر بذلك ، فشكوه إلى عثمان ، فهدّد الشهود وأبى أن يجري الحدّ عليه ، فضغط عليه الإمام عليّعليه‌السلام والزبير وعائشة وغيرهم من الصحابة ، حتّى اضطرّ إلى ذلك ، فعزله وأرسل سعيد بن العاص مكانه ، وهو لا يقلّ عن ذاك في الخمر والمجون والفسق والفجور.

وولى على البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر وعمره خمس وعشرون سنة ، وكان معاوية عاملا لعمر علي دمشق والأردن ، فضمّ إليه عثمان ولاية حمص وفلسطين والجزيرة(١) .

__________________

(١) نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤ / ٧٩ ط دار إحياء التراث العربي ، قال :

وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلّم رحمه‌الله تعالى ، عن نصر بن عاصم

٤٣٦

هؤلاء وأمثالهم ما كانوا من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام ، وإنّما كانوا متّهمين في دينهم ، بل كان فيهم مثل الوليد بن عقبة الذي أعلن القرآن فسقه كما يحدّثنا المفسّرون في ذيل الآية

__________________

الليثي ، عن أبيه ، قال : أتيت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله! فقلت : ما هذا؟! قالوا : معاوية قام الساعة ، فأخذ بيد أبي سفيان ، فخرجا من المسجد ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لعن الله التابع والمتبوع : ربّ يوم لامّتي من معاوية ذي الاستاه ـ يعني الكبير العجز ـ».

وقال : روى العلاء بن حريز القشيري ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمعاوية «لتتّخذنّ يا معاوية البدعة سنّة ، والقبح حسنا ، أكلك كثير ، وظلمك عظيم».

وفي صفحتي ٨٠ و ٨١ نقل ابن أبي الحديد عن شيخه ، قال :

قال شيخنا أبو القاسم البلخي : من المعلوم الذي لا ريب فيه ـ لاشتهار الخبر به ، وإطباق الناس عليه ـ أنّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليّا ويشتمه ، وأنّه هو الذي لاحاه في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونابذه ، وقال له : أنا أثبت منك جنانا ، وأحدّ سنانا ، فقال له عليّ عليه‌السلام : اسكت يا فاسق ، فأنزل الله تعالى فيهما : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) السجدة / ١٨.

وسمّي الوليد ـ بحسب ذلك ـ في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفاسق ؛ فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق.

قال : وسمّاه الله تعالى فاسقا في آية اخرى وهو قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) سورة الحجرات : ٦ ، وسبب نزولها مشهور.

قال : وكان الوليد مذموما معيبا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشنؤه ويعرض عنه ، وكان ببغض رسول الله ويشنؤه أيضا ، وأبوه عقبة بن أبي معيط هو العدوّ الأزرق بمكّة ، والذي كان يؤذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه وأهله ، فلمّا ظفر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به يوم بدر ضرب عنقه ، وورث ابنه الوليد الشنآن والبغضة لمحمّد وأهله ؛ فلم يزل عليهما إلى أن مات.

«المترجم»

٤٣٧

الكريمة :( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (١) .

فالمؤمن عليّعليه‌السلام والفاسق الوليد.

وقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (٢) ، وقال المفسّرون في شأن نزولها : إنّ الوليد كذب على بني المصطلق عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وادّعى أنّهم منعوه الصدقة ، ولو قصصنا مخازيه ومساويه لطال بها الشرح.

وكان المسلمون ـ أعيانهم وعامّتهم ـ يراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم ، ولا يسمع فيهم شكاية إلاّ كارها ، وربّما ضرب الشاكين وأخرجهم من المجلس بعنف!

أسباب الثورة على عثمان

إنّ من أهمّ أسباب الثورة على عثمان ، سيرته المخالفة لسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين ، فلو كان يسعى ليغيّر سيرته الخاطئة ويصلح الامور ويعمل بنصيحة الناصحين ، أمثال الإمام عليّعليه‌السلام وابن عبّاس ، لكان الناس يهدءون والمياه ترجع إلى مجاريها الطبيعية(٣) ، ولكنّه اغترّ

__________________

(١) سورة السجدة ، الآية ١٨.

(٢) سورة الحجرات ، الآية ٦.

(٣) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١٥١ و ١٥٢ نقلا عن تاريخ الطبري :و

كان عثمان قد استشار نصحاءه في أمره فأشاروا أن يرسل إلى عليّعليه‌السلام يطلب إليه أن يردّ الناس ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتّى تأتيه الأمداد.

فقال : إنّهم لا يقبلون التعليل ، وقد كان منّي في المرّة الأولى ما كان.

٤٣٨

بكلام حاشيته وحزبه من بني اميّة حتّى قتل ، وقد كان عمر بن الخطّاب تنبّأ بذلك ، لأنّه عاشر عثمان مدّة طويلة ، وعرف أخلاقه وسلوكه كما يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ١٨٦ ط دار إحياء التراث العربي قال :

في قصّة الشورى فقال عمر : أفلا أخبركم عن أنفسكم؟!

ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فقال : لله أنت! لو لا دعابة فيك! أما والله

__________________

فقال مروان : أعطهم ما سألوك ، وطاولهم ما طاولوك ، فإنّهم قوم قد بغوا عليك ، ولا عهد لهم.

فدعا عليّاعليه‌السلام وقال له : قد ترى ما كان من الناس ، ولست آمنهم على دمي ، فارددهم عنّي ، فإنّي أعطيهم ما يريدون من الحق من نفسي ومن غيري.

فقال عليّ عليه‌السلام : إنّ الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك ، وإنّهم لا يرضون إلا بالرضا ، وقد كنت أعطيتهم من قبل عهدا فلم تف به ، فلا تغرّر في هذه المرّة ، فإنّي معطيهم عنك الحقّ.

فقال : أعطهم ، فو الله لأفينّ لهم

فقال : اضرب بيني وبين الناس أجلا ، فإنّي لا أقدر على تبديل ما كرهوا في يوم واحد.

فقال عليّ عليه‌السلام : أمّا ما كان بالمدينة فلا أجل فيه ، وأمّا ما غاب فأجله وصول أمرك.

قال : نعم ، فأجّلني في ما بالمدينة ثلاثة أيّام.

فأجابه إلى ذلك ، وكتب بينه وبين الناس كتابا على ردّ كلّ مظلمة ، وعزل كلّ عامل كرهوه ، فكفّ الناس عنه.

وجعل يتأهّب سرّا للقتال ويستعدّ بالسلاح ، واتّخذ جندا فلمّا مضت الأيّام الثلاثة ولم يغيّر شيئا ثار عليه الناس إلى آخره.

«المترجم»

٤٣٩

لئن وليتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح ، والمحجّة البيضاء.

ثمّ أقبل على عثمان ، فقال : هيها إليك! كأنّي بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك ، فحملت بني اميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا إلى آخره.

وقال في ج ٢ / ١٢٩ : وأصحّ ما ذكر في ذلك ما أورده الطبري في تاريخه ، حوادث سنة ٣٣ ـ ٣٥ ، وخلاصة ذلك : أنّ عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الناس عليه ، من تأمير بني اميّة ، ولا سيّما الفسّاق منهم وأرباب السّفه وقلّة الدين ، وإخراج مال الفيء إليهم ، وما جرى في أمر عمّار بن ياسر وأبي ذرّ وعبد الله بن مسعود ، وغير ذلك من الأمور التي جرت في أواخر خلافته.

وراجعوا التاريخ حول أبي سفيان وبنيه ، وهو من زعماء بني اميّة ، وانظروا إلى ما نقله الطبري في تاريخه ، فقد قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى أبا سفيان مقبلا على حماره ومعاوية يقوده ويزيد بن أبي سفيان يسوق بالحمار ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

وبالرغم من ذلك نجد في التاريخ أنّ عثمان أكرمه وأعطاه أموالا كثيرة ، وكان له عند الخليفة مقاما وجاها عاليا ، وهو الذي أنكر القيامة والمعاد في مجلس عثمان ، فارتدّ عن الإسلام ، وكان على الخليفة أن يأمر بقتله ؛ لأنّ المرتدّ جزاؤه القتل ، لكنّه تغاضى عنه واكتفى بإخراجه!

فأنصفوا وفكّروا! لما ذا كان عثمان يكرم أبا سفيان المرتدّ ، ويؤوي

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800