تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

تربة الحسين عليه السلام25%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 232

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61609 / تحميل: 3916
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عليكما ولكن الله «لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ » يا آدم إن السبعين ألف ملك الذين أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك ويطوفوا حول أركان البيت المعمور والخيمة سألوا الله أن يبني لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور فيطوفون حوله ـ كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور فأوحى الله عز وجل إلي أن أنحيك وأرفع الخيمة فقال آدم قد رضينا بتقدير الله ونافذ أمره فينا فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر من جبل السلام وهو ظهر الكوفة وأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل أن ابنه وأتمه فاقتلع جبرئيل الأحجار الأربعة بأمر الله عز وجل من مواضعهن بجناحه فوضعها حيث أمر الله عز وجل في أركان البيت على قواعده التي قدرها الجبار ونصب أعلامها ثم أوحى الله عز وجل إلى جبرئيلعليه‌السلام أن ابنه وأتمه بحجارة من أبي قبيس واجعل له بابين ـ بابا شرقيا وبابا غربيا قال فأتمه جبرئيلعليه‌السلام فلما أن فرغ طافت حوله الملائكة فلما نظر آدم وحواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا سبعة أشواط ثم خرجا يطلبان ما يأكلان

معرب وهو بالفارسية أرغوان وكل لون يشبهه فهو أرجوان انتهى ، وهو بضم الهمزة والجيم وسكون الراء.

قوله عليه‌السلام : « بحجارة من أبي قبيس » يمكن أن يكون المراد به الحجر الأسود لأنه كان مودعا فيه.

قوله عليه‌السلام : « يطلبان ما يأكلان » يظهر منه أنه كان يحصل لهما مأكولهما قبل ذلك بغير كسب وسعى.

٢١

(باب )

(ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبة)

١ ـ محمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن أبي يسر ، عن داود بن عبد الله ، عن محمد بن عمرو بن محمد ، عن عيسى بن يونس قال كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد فقيل له تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة فقال إن صاحبي كان مخلطا كان يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر وو ما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه وقدم مكة متمردا وإنكارا على من يحج وكان يكره العلماء مجالسته ومساءلته لخبث لسانه وفساد ضميره فأتى أبا عبد اللهعليه‌السلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه فقال يا أبا عبد الله إن المجالس أمانات ولا بد لكل من به سعال أن يسعل أفتأذن في الكلام فقال تكلم فقال إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المعمور بالطوب والمدر وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر إن من فكر

باب ابتلاء الخلق واختيارهم بالكعبة

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « إن المجالس أمانات » قال في النهاية : وفيه « المجالس بالأمانة » هذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل فكان ذلك أمانة عند من سمعه أو رآه انتهى(١) .

و « الدوس » الوطء بالرجل.

و « البيدر » الموضع الذي يداس فيه الطعام.

و « الطوب » بالضم الأجر.

« والمدر » محركة قطع الطين اليابس.

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ١ ص ٧١.

٢٢

في هذا وقدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسه وتمامه فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق ولم يستعذبه وصار الشيطان وليه وربه وقرينه يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين إليه فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع فيما أمر وانتهي عما نهى عنه وزجر الله المنشئ للأرواح والصور

٢ ـ وروي أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال في خطبة له ولو أراد الله جل ثناؤه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ومعادن العقيان ومغارس الجنان

قوله عليه‌السلام : « استوخم الحق » أي وجده وخيما ثقيلا ولم يسهل عليه إساغته

قوله عليه‌السلام : « لم يستعذبه » أي لم يجده عذبا وهما كنايتان عن ثقل قبول الحق عليه و« المنهل » الشرب.

وفي القاموس :« الصدر » الرجوع ، وقد صدر غيره وأصدره وصدره فصدر وقال استوى اعتدل.

قال الوالد العلامة : رفع الله مقامه ، نصبه على استواء الكمال : هو جعل كل فعل من أفعاله سببا لرفع رذيلة من الرذائل النفسانية وموجبا لحصول فضيلة من الفضائل القلبية ، أو المراد به الكمالات المعنوية للكعبة التي يفهمها أرباب القلوب ويؤيدهقوله « ومجتمع العظمة والجلال » فإن عظمته وجلالته معنويتان ، أو التعظيم الذي في قوله تعالى«بَيْتِيَ » بإضافة الاختصاص وتعظيم أنبيائه له حتى صار معظما في قلوب المؤمنين ويقاسون الشدائد العظيمة في الوصول إليه.

قوله عليه‌السلام : « فأحق » هو مبتدأ والجلالة خبره.

الحديث الثاني : مرسل. وهي من جملة الخطبة التي تسمى القاصعة.

قوله عليه‌السلام : « كنوز الذهبان » هو بالضم جمع ذهب وفي النهج ومعادن العقيان.

٢٣

وأن يحشر طير السماء ووحش الأرض معهم لفعل ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء واضمحلت الأنباء ولما وجب للقائلين أجور المبتلين ولا لحق المؤمنين ثواب المحسنين ولا لزمت الأسماء أهاليها على معنى مبين ولذلك لو أنزل الله «مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ » ولو فعل لسقط البلوى عن الناس أجمعين ولكن الله جل ثناؤه جعل رسله أولي قوة في عزائم نياتهم وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم من قناعة تملأ القلوب والعيون غناؤه وخصاصة تملأ الأسماع والأبصار أذاؤه ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام وملك يمد نحوه أعناق الرجال ويشد إليه عقد

قوله عليه‌السلام : « واضمحلت الإنباء » في النهج و « اضمحل الإنباء » أي تلاشت وفنيت وبطلت الإنباء بالوعد والوعيد وقوله « ولما وجب للقائين » أي للحق.

قوله عليه‌السلام : « ولا لزمت الأسماء » كالمؤمن والمتقي والزاهد والعابد وفي النهج ولا لزمت الأسماء معانيها وليس فيه على معنى مبين.

قوله عليه‌السلام : « ولذلك » إشارة إلى قوله تعالى «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ »(١) ويمكن توجيهه بوجهين.

الأول : أن يكون المعنى لأجل ما ذكرنا من بطلان الجزاء وسقوط البلاء قال الله تعالى : على وجه الإنكار « إن نشأ نزل » فأقامعليه‌السلام كلمة لو مكان أن للإشعار بأن المراد بالآية : الإنكار ، وعدم كون المصلحة في ذلك فلذا لم يفعل.

والثاني : أن يكون الظرف متعلقا بقوله ظلت أي ولما ذكرنا من سقوط البلاء ونظائره ظلت أعناقهم خاضعين على تقديم نزول البلاء ولا يخفى بعده ، وقوله من قناعة في النهج : مع قناعة وفيه غنى مكان غناؤه والخصاصة الفقر.

قوله عليه‌السلام : « أذاه » (٢) في بعض النسخ أداؤه بالمهملة وفي بعضها بالمعجمة وفي النهج أذى ويظهر من القاموس الأذاء يجيء ممدودا وبالمهملة يحتاج إلى تكلف والتذكير للمصدرية ويقال ضامه حقه واستضامه انتقصه ، والضيم الظلم.

قوله عليه‌السلام : « تمد نحوه » أي يؤمله المؤملون فكل من أمل شيئا طمح

__________________

(١) سورة الشعراء : الآية ٤.

(٢) هكذا في الأصل : ولكن في الكافي « أذاؤه ».

٢٤

الرحال لكان أهون على الخلق في الاختبار وأبعد لهم في الاستكبار ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة ولكن الله أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لأمره والاستسلام لطاعته أمورا له خاصة لا تشوبها من غيرها شائبة وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ألا ترون أن الله جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر

إليه بصره ومد إليه عنقه وسافر رغبة إليه.

قولهعليه‌السلام : « فكانت النيات مشتركة » أي يكون المكلف قد فعل الإيمان لكلا الأمرين فلم يكن نياتهم في أيمانهم ولا حسناتهم خالصة لله بل مشتركة ومقتسمة بعضها له وبعضها للرغبة وبعضها للرهبة كذا ذكره ابن أبي الحديد ، وابن ميثم.

وقيل يحتمل أن يقال : لو كانت الأنبياء أهل قوة وعزة وملك لا من بهم وسلم لأمرهم جميع أهل الأرض عن رغبة ورهبة فكانت النيات والحسنات مشتركة مقتسمة بين الناس ولم يتميز المطيع عن العاصي والمؤمن عن الكافر ولم يتميز من عمل لله خالصة عن من فعل الحسنات لأغراض أخر فلم يكن الاستلام والخشوع لله خاصة لكن لا ـ يخفى أن الأول أظهر وربما بعده أنسب فتأمل.

وقال ابن ميثم : ويروي فكانت السيئات مشتركة أي كانت السيئات الصادرة منهم مشتركة بينهم وبين من فعلوها رهبة منه.

قولهعليه‌السلام : « والجزاء أجزل » أي أعظم ، وفي النهج إلى الأخيرين معرفا باللام وفيه لا تضر

قولهعليه‌السلام : « جعله للناس قياما » إشارة إلى قوله تعالى«جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ »(١) قال الطبرسي(٢) (ره) القيام مصدر كالصيام ، أي : جعل الله حج الكعبة ، أو نصب الكعبة«قِياماً لِلنَّاسِ » أي لمعايش الناس ومكاسبهم

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٩٧.

(٢) مجمع البيان : ج ١ ـ ٢ ـ ص ٢٤٧.

٢٥

ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا وأقل نتائق الدنيا مدرا وأضيق بطون الأودية معاشا وأغلظ محال المسلمين

لما يحصل لهم في زيادتها من التجارة وأنواع البركة وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

وقيل : معناه أنهم لو تركوه عاما واحدا لم يحجوه(١) لما نوظروا إن أهلكهم(٢) الله رواه عل بن إبراهيم عنهمعليهم‌السلام (٣) .

أقول : ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما روي أن الكعبة والقرآن أمانان لله في الأرض فإذا رفعا إلى السماء نزل عليهم العذاب وقامت الساعة.

قولهعليه‌السلام : « ثم جعله » في النهج :ثم وضعه وقال في النهاية :« جبل وعر » أي غليظ حزن ، يصعب الصعود إليه(٤) ، وقال في النهاية : في حديث عليعليه‌السلام « أقل نتائق الدنيا مدرا » النتائق جمع نتيقة وهي فعيلة. بمعنى مفعوله ، من النتق وهو أن يقلع الشيء فترفعه من مكانه لترمي به هذا هو الأصل وأراد بها هاهنا البلاد لرفع بنائها وشهرتها في موضعها(٥) .

وقال ابن أبي الحديد : أصل هذه اللفظة من قولهم امرأة منتاق أي كثيرة الحبل والولادة.

ويقال : ضيعة منتاق : أي كثيرة الربع فجعلعليه‌السلام الضياع ذوات المدر التي يثأر للحرث نتائق وقال : إن مكة أقلها صلاحا للزرع لأن أرضها حجرية.

وقال الفيروزآبادي : المدر : محركة قطع الطين النبق بالكسر وهو أرفع موضع في الجبل.

قوله عليه‌السلام : « معاشا » في النهج مكانه قطرا وهو بالضم الجانب.

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في المجمع : لم يحجّونه.

(٢) هكذا في الأصل : ولكن في المجمع : أن يهلكوا.

(٣) الظاهر ممّا يستفاد من المجمع : أنّ هذا القول مرويّ عن عطاء ورواية عليّ بن إبراهيم رواية مستقلة تأتي بعد ذلك ولم يذكرها المؤلّفقدس‌سره .

(٤) نهاية ابن الأثير ج ٥ ص ٢٠٦.

(٥) نهاية ابن الأثير ج ٥ ص ١٣.

٢٦

مياها بين جبال خشنة ورمال دمثة وعيون وشلة وقرى منقطعة وأثر من مواضع قطر السماء داثر ليس يزكو به خف ولا ظلف ولا حافر ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه فصار مثابة لمنتجع أسفارهم وغاية لملقى رحالهم تهوي إليه ثمار الأفئدة

قوله عليه‌السلام : « دمثة » قال في النهاية « الدمث » الأرض السهلة الرخوة والرمل الذي ليس بمتلبد(١) .

وقال ابن أبي الحديد : أي سهلة وكل ما كان الرمل أسهل كان أبعد من أن ينبت.

وقال ابن ميثم : إنما ذكر الرمال اللينة في معرض الدم لأنها أيضا مما لا يزكوا بها الدواب لأن حافر الدواب يسوخ فيها ويتعب في المشي بها ولو شل بالتحريك الماء القليل.

قوله عليه‌السلام : « وأثر » ليست هذه الفقرة في النهج بل فيه هكذا وقرى منقطعة لا يزكو بها خف ولا حافر ولا ظلف ، وقال الفيروزآبادي : « وثر يثره ووثره توثيرا » وطئه وقد وثر ككرم انتهى ، أي بين آثار منطمسة من سيلان الأمطار قد خربت تلك القرى وذهبت الأمطار بآثارها ، وفي بعض النسخ داثر مكان واثرة وعلى التقديرين لا يخلو من تكلف ولعله لهذا أسقطه السيد (ره) والمراد« بالخف والظلف والحافر » الجمل والخيل والبقر والغنم من قبيل إطلاق الجزء على الكل أو بحذف المضاف.

قوله عليه‌السلام : « أعطافهم » عطفا الرجل جانباه : أي يقصدوه ويحجوه و« يثنوا » أي يميلوا جوانبهم متوجهين إليه معرضين عن غيره وليس من قبيل قوله تعالى«ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ »(٢) فإنه بمعنى أماله الجانب للإعراض أو التجبر على ما ذكره المفسرون.

قوله عليه‌السلام « مثابة » قال الطبرسي : (ره) في قوله تعالى «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ٢ ص ١٣٢.

(٢) سورة الحجّ : ٩.

٢٧

من مفاوز قفار متصلة وجزائر بحار منقطعة ومهاوي فجاج عميقة حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهللون لله حوله ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له قد نبذوا القنع والسرابيل

لِلنَّاسِ »(١) المثابة هاهنا الموضع الذي يثاب إليه من ثاب يثوب مثابة ومثابا أي رجع.

وقيل : إن الثاء فيه للمبالغة كما(٢) قالوا : نسابة.

وقيل : إن معناهما واحد كما قالوا مقام ومقامة ، وقوله تعالى«مَثابَةً لِلنَّاسِ »(٣) ذكر فيه وجوه.

فقيل : إن الناس يثوبون إليه كل عام أي : ليس هو مرة في الزمان فقط على الناس.

وقيل : معناه أنه لا ينصرف عنه أحد وهو يرى أنه قد مضى منه وطرا فهم يعودون إليه.

وقيل : معناه ويحجون إليه فيثابون عليه.

وقيل : مثابة أي معاذا وملجأ.

وقيل : مجمعا والمعنى في الكل يؤول إلى أنهم يرجعون إليه مرة بعد مرة(٤) .

وقال ابن أبي الحديد :« النجعة » طلب الكلام في الأصل ثم تسمى كل من قصد أمرا يروم النفع فيه منتجعا.

قوله عليه‌السلام : « ثمار الأفئدة » قال ابن أبي الحديد : ثمرة الفؤاد هي سويداء القلب ، ومنه قولهم للولد هو ثمرة الفؤاد.

وأقول : الظاهر أنه إشارة إلى ما ورد في بعض الأخبار في قوله تعالى«وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ »(٥) أن المراد بها ثمرات القلوب.

__________________

(١ و ٣) سورة البقرة : ١٣٥.

(٢) هكذا في الأصل : وفي المجمع كما قيل.

(٤) مجمع البيان : ج ١ ـ ٢ ص ٢٠٢.

(٥) سورة إبراهيم : ٣٧.

٢٨

وراء ظهورهم وحسروا بالشعور حلقا عن رءوسهم ابتلاء عظيما واختبارا كبيرا وامتحانا

و « المفاوز » جمع مفاوزة وهي الفلاة سميت مفازة : إما لأنها مهلكة من قولهم فوز الرجل أي هلك ، وإما تفاؤلا بالسلامة والفوز.

وقال ابن أبي الحديد : والرواية المشهورة من مفاوز قفار بالإضافة.

وقد روى قوم : من مفاوز بفتح الزاي لأنه لا ينصرف ولم يضيفوا وجعلوا قفار صفة.

وفي النهج : مكان متصلة سحيقة أي بعيدة.

و « المهاوى » المساقط و« الفج » الطريق بين الجانبين.

وقوله « حتى يهزوا » قال الجوهري : هزت الشيء هزا فاهتز ، أي حركته فتحرك.

وقال ابن أبي الحديد : أي يحركهم الشوق نحوه إلى أن يسافروا إليه فكني عن السفر : بهز المناكب.

« وذللا » حال إما منهم ، أو من المناكب.

وفي النهج بعد ذلك يهلون لله حوله ويرملون على أقدامهم.

وقال ابن أبي الحديد : « يهلون » أي يرفعون أصواتهم بالتلبية ، ويروى يهللون انتهى.

ويقال : « رمل » أي أسرع في المشي وعلى ما في الكتاب يرملوا معطوف على يهزوا و « الشعث » انتشار الأمر والمراد هنا انتشار الشعر ودخول بعضها في بعض بترك الترجيل.

والحاصل : إنهم لا يتعهدون شعورهم ولا ثيابهم ولا أبدانهم ، والقنع بالضم جمع القناع وهو المقنعة والسلاح وليس هذه اللفظة في النهج بل فيه قد نبذوا السرابيل و « السربال » القميص.

قوله عليه‌السلام : « وحسروا » يقال : حسرت كمي عن ذراعي [ ذراعيه ] كشفت ، وفي

٢٩

شديدا وتمحيصا بليغا وقنوتا مبينا جعله الله سببا لرحمته ووصلة ووسيلة إلى جنته وعلة لمغفرته وابتلاء للخلق برحمته ولو كان الله تبارك وتعالى وضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار وسهل وقرار جم الأشجار داني الثمار ملتف النبات متصل القرى من برة سمراء وروضة خضراء وأرياف محدقة وعراص مغدقة وزروع ناضرة وطرق عامرة وحدائق كثيرة لكان قد صغر الجزاء على حسب ضعف البلاء ثم لو كانت الأساس المحمول عليها والأحجار المرفوع بها بين زمردة خضراء

النهج مكان هذه الفقرة وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم.

وقال : في النهاية« المحص » التلخيص ومنه تمحيص الذنوب أي إزالتها ومنه حديث عليعليه‌السلام وذكر فتنة فقال : « يمحص الناس فيها كما يمحص الذهب المعدن » أي يخلصون بعضهم من بعض ، كما يخلص ذهب المعدن من التراب(١) .

وقيل : يختبرون كما يختبر الذهب ليعرف جودته من رداءته.

وفي النهج هكذا ابتلاء عظيما وامتحانا شديدا واختبارا مبينا وتمحيصا بليغا جعله الله سببا لرحمته ووصلة إلى جنته.

قوله عليه‌السلام : « ومشاعره » هو جمع مشعر أي محل العبادة وموضعها.

قوله عليه‌السلام : « وسهل » أي في مكان سهل يستقر فيه الناس ولا ينالهم من المقام به مشقة والجم الكثير ، وفي النهج ملتف النبي أي مشيتك العمارة ، والبرة الواحدة « البر » وهي الحنطة.

و « الأرياف » جمع ريف وهو كل أرض فيها زرع ونخل.

وقيل : هو ما قارب الماء من الأرض.

وقال الفيروزآبادي :« حدقوا به » أطافوا كأحدقوا ، « والحديقة » الروضة ذات الشجر أو البستان من النخل والشجر ، وكلما أحاط به البناء أو القطعة من النخل و « أحدقت الروضة » صارت حديقة وقال :الغدق الماء الكثير ، وأغدق المطر كثر

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ٤ ص ٣٠٢.

٣٠

وياقوتة حمراء ونور وضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ولنفى معتلج الريب من الناس ولكن الله عز وجل يختبر عبيده ـ بأنواع الشدائد ويتعبدهم بألوان المجاهد ويبتليهم بضروب المكاره إخراجا للتكبر من قلوبهم وإسكانا للتذلل في أنفسهم وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله وأسبابا ذللا لعفوه وفتنته كما قال «الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ

قطرة « والنضارة » الحسن ، وفي النهج قدر الجزاء ولو كانت.

قوله عليه‌السلام : « من مصارعة الشك » في بعض النسخ بالصاد المهملة أي منازعته ومجادلته ، وفي بعضها بالمعجمة أي مقاربة الشك ودنوة من النفس من مضارعة الشمس إذا دنت للمغيب ويقال : ضرع السبع من الشيء إذا دنا أو مشابهة الشك أي الأمر المشكوك فيه باليقين.

قوله عليه‌السلام : « مجاهدة إبليس » بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول.

قوله عليه‌السلام : « معتلج الريب » قال في النهاية : هو من اعتلجت الأمواج إذا التطمت أو من اعتلجت الأرض إذا طال نباتها انتهى(١) .

والأول أظهر وهو مصدر ميمي أي ولنفي اضطراب الشك.

قوله عليه‌السلام : « بألوان المجاهدة » في النهج بألوان المجاهد » جمع مجهدة وهي المشقة.

قوله عليه‌السلام : « في أنفسهم » في النهج في نفوسهم« وليجعل ذلك أبوابا فتحا » بضمتين أي مفتوحة.

قوله عليه‌السلام : « ذللا » أي سهلة ».

قوله تعالى : «أَحَسِبَ النَّاسُ » أي أحسب ما تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا؟

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ٢٨٦.

٣١

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ ».

(باب)

(حج إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ومن ولي البيت بعدهما)

(عليهما‌السلام )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه والحسين بن محمد ، عن عبدويه بن عامر وغيره ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لما ولد إسماعيل حمله إبراهيم وأمه على حمار وأقبل معه جبرئيل حتى وضعه في موضع الحجر ومعه شيء من زاد وسقاء فيه شيء من ماء والبيت يومئذ ربوة حمراء من مدر فقال إبراهيم لجبرئيلعليه‌السلام هاهنا أمرت قال نعم قال ومكة يومئذ سلم وسمر وحول مكة يومئذ ناس من العماليق.

قوله عليه‌السلام : «فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ » قال البيضاوي : أي ليتعلقن عمله بالامتحان تعلقا خاليا يتميز به «الَّذِينَ صَدَقُوا » في الإيمان والذين كذبوا فيه وينوط به ثوابهم وعقابهم ولذلك قيل المعنى : وليميزن أو ليجازين وقرئ وليعلمن عن الإعلام.

باب حج إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ومن ولي البيت بعدهماعليهما‌السلام

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « ربوة » هي مثلثة ما ارتفع من الأرض و« السلم » بالتحريك و« السمر » بضم الميم نوعان من الشجر.

وقال الجوهري :العماليق والعمالقة ، قوم من ولد عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح وهم أمم تفرقوا في البلاد.

٣٢

وفي حديث آخر عنه أيضا قال فلما ولى إبراهيم قالت هاجر يا إبراهيم إلى من تدعنا قال أدعكما إلى رب هذه البنية قال فلما نفد الماء وعطش الغلام خرجت حتى صعدت على الصفا فنادت هل بالبوادي من أنيس ثم انحدرت حتى أتت المروة فنادت مثل ذلك ثم أقبلت راجعة إلى ابنها فإذا عقبه يفحص في ماء فجمعته فساخ ولو تركته لساح

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن إبراهيمعليه‌السلام لما خلف إسماعيل بمكة عطش الصبي فكان فيما بين الصفا والمروة شجر فخرجت أمه حتى قامت على الصفا فقالت هل بالبوادي من أنيس فلم تجبها أحد فمضت حتى انتهت إلى المروة فقالت هل بالبوادي من أنيس فلم تجب ثم رجعت إلى الصفا وقالت ذلك حتى صنعت ذلك سبعا فأجرى الله ذلك سنة وأتاها جبرئيل فقال لها من أنت فقالت أنا أم ولد إبراهيم قال لها إلى من ترككم فقالت أما لئن قلت ذاك لقد قلت له حيث أراد الذهاب يا إبراهيم إلى من تركتنا فقال إلى الله عز وجل فقال جبرئيلعليه‌السلام لقد وكلكم إلى كاف قال وكان الناس يجتنبون الممر إلى مكة لمكان الماء ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم قال فرجعت من المروة إلى الصبي وقد نبع الماء فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة أن يسيح الماء ولو تركته لكان سيحا قال فلما رأت الطير الماء حلقت عليه فمر ركب من اليمن يريد السفر فلما رأوا الطير قالوا ما حلقت الطير إلا على ماء

قوله عليه‌السلام : « يفحص » الفحص : البحث والكشف ، ويقال :ساخ يسيخ سيخا وسيخانا إذا رسخ وثبت ، وساح الماء يسيح سيحا وسيحانا إذا جرى على وجه الأرض.

الحديث الثاني : حسن.

قوله عليه‌السلام : « فخرجت » يمكن أن يقرأ بالحاء المهملة ثم الراء ثم الجيم أي ضاق صدرها.

قوله عليه‌السلام : « ما حلقت » تحليق الطائر ارتفاعه في طيرانه.

٣٣

فأتوهم فسقوهم من الماء فأطعموهم الركب من الطعام وأجرى الله عز وجل لهم بذلك رزقا وكان الناس يمرون بمكة فيطعمونهم من الطعام ويسقونهم من الماء.

٣ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن عيسى بن محمد بن أبي أيوب ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن منصور ، عن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أمر الله عز وجل إبراهيمعليه‌السلام أن يحج ويحج إسماعيل معه ويسكنه الحرم فحجا على جمل أحمر وما معهما إلا جبرئيلعليه‌السلام فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم فنزلا فاغتسلا وأراهما كيف يتهيئان للإحرام ففعلا ثم أمرهما فأهلا بالحج وأمرهما بالتلبيات الأربع التي لبى بها المرسلون ثم صار بهما إلى الصفا فنزلا وقام جبرئيل بينهما واستقبل البيت فكبر الله وكبرا وهلل الله وهللا وحمد الله وحمدا ومجد الله ومجدا وأثنى عليه وفعلا مثل ذلك وتقدم جبرئيل وتقدما يثنيان على الله عز وجل ويمجدانه حتى انتهى بهما إلى موضع الحجر فاستلم جبرئيل الحجر وأمرهما أن يستلما وطاف بهما أسبوعا ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيمعليه‌السلام فصلى ركعتين وصليا ثم أراهما المناسك وما يعملان به فلما قضيا مناسكهما أمر الله إبراهيمعليه‌السلام بالانصراف وأقام إسماعيل وحده ما معه أحد غير أمه فلما كان من قابل أذن الله لإبراهيمعليه‌السلام في الحج وبناء الكعبة وكانت العرب تحج إليه وإنما كان ردما إلا أن قواعده معروفة فلما صدر الناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة فلما أذن الله له في البناء قدم إبراهيم

قوله عليه‌السلام : « فأطعموهم » من قبيل أكلوني البراغيث ، وفي بعض النسخ : [ فأطعمهم ].

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « ويحج إسماعيل معه » الظاهر إن هذا كان بعد أن كبر إسماعيل وترك أمه هناك وذهب إلى أبيه بالشام.

قوله عليه‌السلام : « ردما » الردم ما يسقط من الجدار المنهدم.

٣٤

عليه‌السلام فقال يا بني قد أمرنا الله ببناء الكعبة وكشفا عنها فإذا هو حجر واحد أحمر فأوحى الله عز وجل إليه ضع بناءها عليه وأنزل الله عز وجل أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة فكان إبراهيم وإسماعيلعليهما‌السلام يضعان الحجارة والملائكة تناولهما حتى تمت اثنا عشر ذراعا وهيئا له بابين بابا يدخل منه وبابا يخرج منه ووضعا عليه عتبا وشرجا من حديد على أبوابه وكانت الكعبة عريانة فصدر إبراهيم وقد سوى البيت وأقام إسماعيل فلما ورد عليه الناس نظر إلى امرأة من حمير أعجبه جمالها فسأل الله عز وجل أن يزوجها إياه وكان لها بعل فقضى الله على بعلها بالموت وأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ذلك عنها وزوجها إسماعيل وقدم إبراهيم الحج وكانت امرأة موفقة وخرج إسماعيل إلى الطائف يمتار لأهله طعاما فنظرت إلى شيخ شعث فسألها عن حالهم ـ فأخبرته بحسن حال فسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن الدين وسألها ممن أنت؟

قوله عليه‌السلام : « عتبا » العتب بالتحريك جمع العتبة ، وشرج العيبة بالتحريك عراها.

قوله عليه‌السلام : « فسأل الله » لعلهعليه‌السلام لم يكن يعلم أن لها بعدا وقت السؤال.

قوله عليه‌السلام : « فأسلى الله » سلاني من همي وأسلاني أي كشفه عني.

قوله عليه‌السلام : « وقدم » إما بالتخفيف أي أتى للحج ، أو بالتشديد أي أتى قبل موسم الحج.

قوله عليه‌السلام : « موفقة » في بعض النسخ بتقديم القاف على بناء الأفعال المجهول من أوقفه على الأمر أطلعه عليه أي كانت ملهمة للخير ، وفي بعضها بتقديم الفاء وهو أظهر و« الامتيار » جلب الميرة.

وقال في المغرب« الشعث » انتشار الشعر وتغيره لقلة تعهده ، ورجل أشعث والشعث مثل الأشعث.

وقال : في القاموس الشعث محركة انتشار الأمر ، ومصدر الأشعث للمغبر الرأس.

٣٥

فقالت امرأة من حمير فسار إبراهيم ولم يلق إسماعيل وقد كتب إبراهيم كتابا فقال ادفعي هذا إلى بعلك إذا أتى إن شاء الله فقدم عليها إسماعيل فدفعت إليه الكتاب فقرأه فقال أتدرين من هذا الشيخ فقالت لقد رأيته جميلا فيه مشابهة منك قال ذاك إبراهيم فقالت وا سوأتاه منه فقال ولم نظر إلى شيء من محاسنك فقالت لا ولكن خفت أن أكون قد قصرت وقالت له المرأة وكانت عاقلة فهلا تعلق على هذين البابين سترين سترا من هاهنا وسترا من هاهنا فقال لها نعم فعملا لهما سترين طولهما اثنا عشر ذراعا فعلقاهما على البابين فأعجبهما ذلك فقالت فهلا أحوك للكعبة ثيابا فتسترها كلها فإن هذه الحجارة سمجة فقال لها إسماعيل بلى فأسرعت في ذلك وبعثت إلى قومها بصوف كثير تستغزلهم.

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام وإنما وقع استغزال النساء من ذلك بعضهن لبعض لذلك قال فأسرعت واستعانت في ذلك فكلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم وقد بقي وجه من وجوه الكعبة فقالت لإسماعيل كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم تدركه الكسوة فكسوه خصفا فجاء الموسم وجاءته العرب على حال ما كانت تأتيه فنظروا إلى أمر أعجبهم فقالوا ينبغي لعامل هذا البيت أن يهدى إليه فمن ثم وقع الهدي فأتى كل فخذ من العرب بشيء يحمله من ورق ومن أشياء غير ذلك حتى اجتمع شيء كثير فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين وكانت الكعبة

قوله عليه‌السلام : « مشابهة » أي فيه ما يشبهك ، وفي بعض النسخ مشابهة وهو أصوب.

ويقال :« حاك الثوب يحوك حوكا » نسجه« والسماجة » القباحة و« الخصف » بالتحريك الجلة التي تعمل من الخوص للتمر.

وقال الجوهري :الفخذ من العشائر أقل من البطن ، أولها الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ.

قوله عليه‌السلام : « وعلقوا عليها بابين » أي علقوا على الكسوة سترين للبابين فلا ينافي ما مر من أنه هيأ له بابين ، على أنه يحتمل أن يكون التهيئة سابقا

٣٦

ليست بمسقفة فوضع إسماعيل فيها أعمدة مثل هذه الأعمدة التي ترون من خشب وسقفها إسماعيل بالجرائد وسواها بالطين فجاءت العرب من الحول فدخلوا الكعبة ورأوا عمارتها فقالوا ينبغي لعامل هذا البيت أن يزاد فلما كان من قابل جاءه الهدي ـ فلم يدر إسماعيل كيف يصنع فأوحى الله عز وجل إليه أن انحره وأطعمه الحاج قال وشكا إسماعيل إلى إبراهيم قلة الماء فأوحى الله عز وجل إلى إبراهيم أن احتفر بئرا يكون منها شراب الحاج فنزل جبرئيلعليه‌السلام فاحتفر قليبهم يعني زمزم حتى ظهر ماؤها ثم قال جبرئيلعليه‌السلام انزل يا إبراهيم فنزل بعد جبرئيل فقال يا إبراهيم اضرب في أربع زوايا البئر وقل بسم الله قال فضرب إبراهيمعليه‌السلام في الزاوية التي تلي البيت وقال بسم الله فانفجرت عين ثم ضرب في الزاوية الثانية وقال بسم الله فانفجرت عين ثم ضرب في الثالثة وقال بسم الله فانفجرت عين ثم ضرب في الرابعة وقال بسم الله فانفجرت عين وقال له جبرئيل اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة وخرج إبراهيمعليه‌السلام وجبرئيل جميعا من البئر فقال له أفض عليك يا إبراهيم وطف حول البيت فهذه سقيا سقاها الله ولد إسماعيل فسار إبراهيم وشيعه إسماعيل حتى خرج من الحرم فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلى الحرم.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه والحسين بن محمد ، عن عبدويه بن عامر ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن عقبة بن بشير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إن الله عز وجل أمر إبراهيم ببناء الكعبة

والتعليق في هذا الوقت ، أو يكون المراد بالسابق تهيئة مكان البابين.

قوله عليه‌السلام : « فاحتفر قليبهم » قال الجوهري : « القليب » البئر قبل أن تطوى يذكر ويؤنث. وقال أبو عبيد وهي البئر العالية القديمة انتهى.

والمراد هنا زمزم ولعل ماء زمزم كان أول ظهوره بتحريك إسماعيلعليه‌السلام رجله على وجه الأمر : [ الأرض ] ثم يبس فحفر إبراهيمعليه‌السلام في ذلك المكان حتى ظهر الماء ، ويحتمل أن يكون الحفر لازدياد الماء فيكون المراد بقولهعليه‌السلام « حتى ظهر ماؤها » أي ظهر ظهورا بينا بمعنى كثر ، ومنهم من قرأ ظهر : على بناء التفعيل من قبيل مؤنث الإبل.

الحديث الرابع : مجهول.

٣٧

وأن يرفع قواعدها ويري الناس مناسكهم فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت كل يوم سافا حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود قال أبو جعفرعليه‌السلام فنادى أبو قبيس إبراهيمعليه‌السلام إن لك عندي وديعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه ثم إن إبراهيمعليه‌السلام أذن في الناس بالحج فقال أيها الناس إني إبراهيم خليل الله إن الله يأمركم أن تحجوا هذا البيت فحجوه فأجابه من يحج إلى يوم القيامة وكان أول من أجابه من أهل اليمن قال وحج إبراهيمعليه‌السلام هو وأهله وولده فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق ـ فمن هاهنا كان ذبحه.

قوله عليه‌السلام : « سافا » الساف كل عرق من الحائط وقال في كنز اللغة : « عرق » بفتح الراء چكيده ديوار را گويند.

قوله عليه‌السلام : « فمن هاهنا كان ذبحه » غرضه رفع استبعاد لكون إسحاق ذبيحا بأن إسحاق كان بالشام والذي كان بمكة إسماعيل فكون إسحاق ذبيحا مستبعد فأشار المؤلف (ره) هاهنا إلى أن هذا الخبر يدل على إن إبراهيمعليه‌السلام قد حج مع أهله وولده فيمكن أن يكون الأمر بذبح إسحاق في هذا الوقت.

واعلم : إن المسلمين اختلفوا في أن الذبيح إسماعيل أو إسحاق مع اتفاق أهل الكتاب على أنه إسحاق وكذا اختلف أخبار الخاصة والعامة في ذلك لكن القول بكونه إسحاق أشهر بين المخالفين كما أن القول بكونه إسماعيل أشهر بين الإمامية ، فحمل الأخبار الدالة على كونه إسحاقعليه‌السلام على التقية أظهر ، ويظهر من الكليني (ره) أنه في ذلك من المتوقفين ولا يبعد حمل الأخبار الدالة على كونه إسحاقعليه‌السلام على التقية.

وقال الصدوق (ره) في الخصال والعيون وغيرهما : قد اختلفت الروايات في الذبيح.

فمنها : ما ورد بأنه إسماعيل.

ومنها : ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صحت طرقها وكان

٣٨

وذكر ، عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد اللهعليه‌السلام يزعمان أنه إسحاق فأما زرارة فزعم أنه إسماعيل.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال قال قال أبو الحسنعليه‌السلام يعني الرضا للحسن بن الجهم أي شيء السكينة عندكم فقال لا أدري جعلت فداك وأي شيء هي قال ريح تخرج من الجنة طيبة لها صورة كصورة وجه الإنسان فتكون مع الأنبياء وهي التي نزلت على إبراهيمعليه‌السلام حيث بنى الكعبة فجعلت تأخذ كذا وكذا فبنى الأساس عليها.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام ـ عن السكينة فذكر مثله.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال عن عبد الله بن سنان ،

الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجة في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك.

وحدثنا بذلك محمد بن علي بن بشار ، عن المظفر بن أحمد ، عن محمد بن جعفر الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن عبد الله بن داهر ، عن أبي قتادة ، عن وكيع ، عن سليمان بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام انتهى.

أقول : لا ينفع هذا في أكثر الأخبار المصرحة بكون الذبيح حقيقة هو إسحاق ، ويمكن القول بصدورهما معا إن لم يتحقق إجماع على كون الذبيح أحدهما فقط.

الحديث الخامس : موثق كالصحيح. وسنده الثاني حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام : « لها صورة » لا استبعاد في أن ينبعث الريح على وجه يتشكل منها في الهواء هذه الصورة بقدرة الله تعالى.

الحديث السادس : موثق كالصحيح. وفي بعض النسخ عن ابن مسكان فيكون

٣٩

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لما أمر إبراهيم وإسماعيلعليهما‌السلام ببناء البيت وتم بناؤه قعد إبراهيم على ركن ثم نادى هلم الحج هلم الحج فلو نادى هلموا إلى الحج لم يحج إلا من كان يومئذ إنسيا مخلوقا ولكنه نادى هلم الحج فلبى الناس في أصلاب الرجال لبيك داعي الله لبيك داعي الله عز وجل فمن لبى عشرا يحج عشرا ومن لبى خمسا ـ يحج خمسا ومن لبى أكثر من ذلك فبعدد ذلك ومن لبى واحدا حج واحدا ومن لم

الخبر صحيحا.

قوله عليه‌السلام : « هلم الحج » في الفقيه « هلم إلى الحج » في الموضعين وفي علل الشرائع كما هنا بدون كلمة إلى فعلى ما في الفقيه الفرق بين العبارتين باعتبار أن الأصل في الخطاب أن يكون متوجها إلى الموجودين ، وأما شمول الحكم للمعدومين فيستفاد من دلائل أخر لا من نفس الخطاب إلا أن يكون المراد بالخطاب : الخطاب العام المتوجهة إلى كل من يصلح للخطاب فإنه شامل للواحد والكثير والموجود والمعدوم ، والشائع في مثل هذا الخطاب أن يكون بلفظ المفرد ، بل صرح بعضهم بأنه لا يتأتى إلا بالمفرد.

قال الحلبي في حاشية شرح تلخيص المفتاح عند قول المصنف وقد يترك الخطاب إلى غير المعين ليعم الخطاب : كل مخاطب على سبيل البدل ، أما إذا كان ضمير المخاطب واحدا أو مثنى فكون العموم على سبيل البدل ظاهر ، وأما إذا كان جمعا فالظاهر إذا قصد غير معين أن يعم جمع المخاطبين على سبيل الشمول ، لكن قيل : لم يوجد في القرآن ولا في كلام العرب العرباء خطاب عام بصيغة الجمع انتهى.

وعلى ما في الكتاب يحتمل هذا الوجه بأن يكون الحج منصوبا بنزع الخافض.

ويحتمل وجها آخر بأن يكون الحج مرفوعا بأن يكون المخاطب الحج لبيان أنه مطلوب في نفسه من غير خصوصية ، مباشر فيكون أبلغ في إفادة

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

بعد إنهاء هذا البحث ، يأتي دور الإجابة على التساؤلات التي ذكرت في مقدمة البحث وهي :

التساؤل الأول :

لماذا يعبد الشيعة الإمامية تربة الحسين ؟

يمكن الإجابة على هذا التساؤل بما يأتي :

أولاً ـ كيف سمح السائل لنفسه أنْ يسأل هذا السؤال ؟

إذ يلزم عليه ، أنه كيف يسجد الشيعي الإمامي على معبوده كما يدعي ؟!

ثانياً ـ إنّ السائل لم يفرق بين السجود على التربة الحسينية والسجود لها ؛ إذ الشيعة الإمامية تعتقد بأنّ السجود لا يكون إلا لله ، وسجودهم على التربة خضوعاً وخشوعاً لله ، وقد أوضحناه في ما سبق من الأبحاث فراجع

التساؤل الثاني :

لماذا يخالف الشيعة الإمامية جمهور المسلمين بسجودهم على الأحجار ، يحملونها في جيوبهم ، ويُقَدِّسُونَها تقدسياً ؟

يتكون جواب هذا السؤال من ثلاث نقاط كالتالي :

الأولى ـ أنّ الشيعة الإمامية تُجوِّز السجود على كل أرض ، سواء في ذلك المتحجر أو التراب ، فالحصى من الأرض ويجوز السجود عليه بإتفاق المسلمين

وذكر ابن تيمية : « في سنن أبي داود : عن عبد الله بن الحارث قال :( سألت ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن الحصى الذي كان في المسجد ؟ فقال : مُطِرْنَا ذات ليلة ؛ فأصبحت الأرض مبتلة ، فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته ، فلما قضى رسول الله ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ

١٨١

الصلاة ، قال : ما أحسن هذا ) وهذا بَيّنٌ أنهم كانوا يسجدون على التراب والحصى »(٣٢٥)

الثانية ـ قال تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) [ المؤمنون / ٩ ] ومقتضى المحافظة على الصلاة ، المحافظة على أهم أركانها : وهو السجود الذي هو أقرب ما يكون الإنسان إلى ربه ، كما قال تعالى :( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) [ العلق / ١٩ ] وأيضاً ورد في الحديث المشهور :« أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد » (٣٢٦) ومقتضى الإحتياط ، أنه ينبغي للمسلم السجود على التراب والحصى الطاهر ؛ ولذا يأخذ الشيعة الإمامية معهم من التراب المتحجر الطاهر ، حذراً من السجود على التراب المجهول الطهارة ، فهل المسلم إذا فعل ذلك يُعَدُّ مخالفاً للمسلمين ، مع العلم أنّ الجميع متفق على ذلك ؟!

الثالثة ـ إن التقديس الحاصل لهذه التربة الزكية يرجع إلى إهتمام السماء بها ، حيث قبض جبرئيل قبضة منها وأعطاها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك إهتمام أهل بيتهعليهم‌السلام كما ذكرت ذلك في فصل التربة ، فراجع

التساؤل الثالث :

ما هذه الكلمات المكتوبة على التربة الحسينية التي يسجد عليها الشيعة الإمامية ؟

يتضح جواب هذا التساؤل بعد بيان الآتي :

______________________

(٣٢٥) ـ ابن تيمية ، أحمد بن عبد الحليم : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ، م ٢٢ / ١٦٤ ـ ١٦٥

(٣٢٦) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : البحار ، ج ٨٢ / ١٦٤

ـ القرطبي ، محمد بن أحمد الأنصاري : الجامع لأحكام القرآن ، ج ١٠ / ٦٣

ـ الشوكاني ، محمد بن علي بن محمد : نيل الأوطار ، ج ٣ / ٩٠

١٨٢

أولاً ـ ليس جميع الترب الحسينية مكتوباً عليها ولا حرف واحد

ثانياً ـ مكتوب على بعضها( سبحان ربي الأعلى وبحمده ) رمزاً لذكر السجود ، ونحوها من الكتابات ، فهل هذه الكتابات تستلزم الشرك ؟! أو تخرج التربة عن كونها تراباً جاهزاً للسجود عليه ؟

ثالثاً ـ إنّ هذا العمل تَصرُّف من عوام الناس لا من العلماء ، بل العلماء ينصحون بأن تكون خالية عن النقوش والكتابات ، وإليك بعض آرائهم كالتالي :

قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) : « ويلزم أن تكون التربة التي يسجد عليها المؤمن طاهرة نقية ، ساذجة لا نقش عليها ولا كتابة ولا مُصوّرة ، وما يصنعه بعض العوام من النقش والكتابة ؛ فهو غير مشروع ولا صحيح ، والأمل من إخواننا المؤمنين الإجابة لهذه النصيحة الغالية والله ولي التوفيق »(٣٢٧)

وقال سيدنا السيستاني ( دام ظله ) : « بسمه تعالى ، لا يضر ذلك بصحة السجود عليها ، ولكن ينبغي أن تكون التربة التي يسجد عليها خالية عن كل نقش وكتابة وصورة ، فان ذلك أبعد عن الشبهة »(٣٢٨)

وقال سيدنا الروحاني ( دام ظله ) : «نعم جايز ، لكن السجدة عليه مشكلة في بعض الصور والله العالم »(٣٢٩)

______________________

(٣٢٧) ـ القرشي ، الشيخ باقر شريف : السجود على التربة الحسينية عند الشيعة / ٥٨

(٣٢٨) ـ إستفتاء خطي بتاريخ ١٧ / ١٢ / ١٤١٦ هـ

(٣٢٩) ـ إستفتاء خطي رقم ٨٠٥ ، بتاريخ ١٧ / ٢ / ١٤١٧ هـ

١٨٣

وقال السيد محمد سعيد الحكيم ( دام ظله ) : « تجوز الكتابة المذكورة ويجوز السجود على التربة الحاوية لتلك الكتابة نعم يتأكد اللزوم إحترام التربة من أجل حرمة الأسماء المذكورة »(٣٣٠)

التساؤل الرابع :

هل السجود على تربة الحسين يجعل الصلاة مقبولة عند الله سبحانه وتعالى ولو كانت باطلة ؟

الشيعة الإمامية لا تقول بذلك ، بل تقول : إن الصلاة لا تخلو من لحاظين هما :

الأول : شرائط الصحة

الثاني : شرائط القبول

فإن كانت الصلاة فاقدة لشرط من شرائط الصحة ؛ فهي باطلة وغير مقبولة ، وإن كانت جامعة لشرائط الصحة ؛ فقد تكون مقبولة وقد لا تكون لكن إذا سجد المصلي على تربة الحسينعليه‌السلام في صلاته ، فقد تكون من أسباب قبول الصلاة ، فقد ورد عن إمامنا الصادقعليه‌السلام :( السجود على طين قبر الحسين عليه‌السلام يُنَوِّر إلى الأرضين السبع ) (٣٣١) ، وهذا إشارة إلى قبول العمل ، فالصلاة شيء وقبول العمل شيء آخر

التساؤل الخامس :

لماذا يضع الشيعة الإمامية تربة الحسين عليه‌السلام مع الميت في قبره ؟

______________________

(٣٣٠) ـ الفتاوى ، ج ١ / ٦٨

(٣٣١) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٣ / ٦٠٧ ـ ٦٠٨ ( باب ١٦ ، من ابواب ما يسجد عليه حديث ١)

١٨٤

إسمح لي ـ أيها السائل ـ أنْ أهمس في إذنك ولا تكن في غرابة حينما أقول لك : إنّ الشيعة الإمامية لم تصنع هذا الفعل إعتباطاً وخرافة كما يتصوره البعض ، بل إعتمدت على الأمور التالية :

أولاً ـ سيرة المصطفى في أمته :

ويمكن إستفادة هذه السيرة حسب الآتي :

أ ـ وضع الجريدة وما شابهها على القبر لتخفيف العذاب :

قال القرطبي : « ويُستدل لهذا القول من السنة بما ثبت عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَرّ على قبرين فقال : إنهما ليُعذَّبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما ؛ فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر ، فكان لا يستبرئ بالبول قال : فدعا بِعَسِيب رَطْبٍ فَشَقّه إثنين ، ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ، ثم قال : لعلّه يخفف عنهما ما لم ييبسا(٣٣٢) وفي مسند أبي داود الطّيالسي : فوضع على أحدهما نصفاً وعلى الآخر نصفاً وقال : يُهَوِّن عليهما العذاب ما دام فيهما من بَلْوَاهما شيء

قال علماؤنا : ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور ، وإذا خفف عنهم بالأشجار ؛ فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن ، وقد بَيّنا هذا المعنى في كتاب ( التذكرة ) بياناً شافياً ، وأنّه يصل إلى الميت ثواب ما يُهدَى إليه »(٣٣٣)

______________________

(٣٣٢) ـ راجع البخاري ، الحافظ محمد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، ج ٢ / ١١٩ ـ ١٢٠

(٣٣٣) ـ القرطبي ، محمد بن أحمد الأنصاري : الجامع لأحكام القرآن ، ج ١٠ / ٢٦٧

١٨٥

والذي يبدو للباحث الفقهي ، أنّ هذا من المُسَلّمَات عند المسلمين ، فقد ورد شبيه هذا العمل عند الشيعة الإمامية ، كما أشار إلى ذلك المحقق السيد بحر العلوم في منظومته :

وسُنَّ للميت جريدتان

من سعف النخل جديدتانِ

فالسدر فالخلاف فالرمانِ

وبعدها رطب من القضبان

نحو الذراع طول كلٍ والمحلْ

تُرْقُوة الميت وانزل ما نزلْ(٣٣٤)

ب ـ لباس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمان من عذاب القبر :

فقد وردت الروايات في ذلك في كتب الطوائف الإسلامية كالتالي :

١ ـ ( لما ماتت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ألبسها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قميصه وإضجع في قبرها فقالوا : ما رأينا صنعت ما صنعت بهذه ؟ فقال : إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبَرّ لي منها ، إنما ألبستها قميصي لتكتسي من حلل الجنة ، وإضطجعت ليهون عليها ) هذا مضمون ما روته الكتب الإسلامية فراجع(٣٣٥)

٢ ـ وأيضاً صنع شبيه ذلك بصحابته أمثال عبد الله بن ابَيّ ، كما في رواية جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ قال :( أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبدالله بن أبيّ بعدما أدخل قبره ، فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه ) (٣٣٦)

______________________

(٣٣٤) ـ بحر العلوم ، السيد محمد مهدي : الدرة النجفية / ٧٦

(٣٣٥) ـ ابن الجوزي ، جمال الدين أبي الفرج : صفوة الصفوة ، ج ٢ / ٥٤

ـ السمهودي ، السيد نور الدين علي : وفاء الوفاء ، ج ٣ / ٨٩٧ ـ ٨٩٨

ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار / ج ٦ / ٢٣٢

(٣٣٦) ـ البخاري ، الحافظ محمد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، ج ٢ / ١١٦ ، وج ٧ / ١٨٥

ـ البيهقي ، أحمد بن الحسين بن علي : السنن الكبرى ، ج ٣ / ٤٠٢

١٨٦

ثانياً ـ سيرة أهل البيت (عليهم‌السلام ) :

فقد وردت الروايات عن أئمة الهدى عليهم‌السلام التي منها التالي :

١ ـ عن أبي الحسنعليه‌السلام يقول :( ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من طين الحسين عليه‌السلام ، ولا يضعها تحت رأسه ) (٣٣٧)

٢ ـ الحميري قال : كنت إلى الفقيه(٣٣٨) أسأله عن طين القبر بوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا ؟

( فأجاب توضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه )(٣٣٩) والى هذا أشار المحقق السيد بحر العلوم بقوله :

بطين مولانا الحسين إن وجد

وغيره غير السواد إن فقد

وأخلط به حنوطه فقد ورد

عن صاحب الزمان في عال السند(٣٤٠)

وبعد هذا البيان المتقدم ، هل تكون الشيعة الإمامية مُلَامَة حينما تضع التربة الحسينية مع موتاها في القبور أماناً من عذاب القبر ، تبركاً بهذه التربة الزكية ، وقد صنع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شبيه ذلك بأهل بيته وأصحابه ، وهو المُشَرِّع العارف بالأحكام ؟!

وهل العَسِيب الرّطَب الذي وضعه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القبرين أفضل من تربة الحسينعليه‌السلام التي سَلّمَها جبرئيل للمصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

______________________

(٣٣٧) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٢ / ٧٤٢ ( باب ١٢ ، من أبواب التكفين ، حديث ٣ )

(٣٣٨) ـ المراد به صاحب العصر والزمان ( عج ) المؤلف

(٣٣٩) ـ نفس المصدر ( الحديث (١) )

(٣٤٠) ـ بحر العلوم ، السيد محمد مهدي : الدر النجفية / ٧٧

١٨٧

التساؤل السادس :

المعروف عن الشيعة الإمامية أنها تقوم بتحنيك أولادها بتربة الحسين عليه‌السلام ، فما هذا التحنيك ؟ وما أسبابه ؟ وما فائدته ؟

يبتني هذا التساؤل على الأمور التالية :

أولاً : ما هو التحنيك ؟

« التحنيك مأخوذ من الحنك وهو : ما تحت الذقن من الإنسان وغيره أو الأعلى داخل الفم والأسفل في طرف مُقَدّم اللحيين من أسفلهما والجمع أحناك »(٣٤١)

« والتحنيك : أنْ يمضغ المحَنِّك التمر أو نحوه حتى يصير مائعاً بحيث يُبتلع ، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها في جَوّفِه

قال النووي : إتفق العلماء على إستحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر ، فإنْ تعذر فما في معناه أو قريب منه من الحلو قال : ويستحب أنْ يكون من الصالحين وممن يُتَبَرّك به رجلاً كان أو إمرأة ، فإنْ لم يكن حاضراً عند المولود حُمِلَ إليه »(٣٤٢)

وقال المحقق الطريحي : « واتفقوا على تحنيك المولود عند الولادة بتمر فإنْ تعذر فبما في معناه من الحلو ؛ فيمضغ حتى يصير مائعاً فيوضع في فيه ليصل شيء إلى جوفه ويستحب كون المحنك من الصالحين ، وأنْ يدعو للمولود بالبركة ويستحب تحنيكه بالتربة الحسينية والماء ، كأن يدخل ذلك إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم »(٣٤٣)

______________________

(٣٤١) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٢٦٣

(٣٤٢) ـ الشوكاني ، محمد بن علي محمد : نيل الأوطار ، ج ٥ / ١٦٣

(٣٤٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ١٦٣

١٨٨

ويستفاد من كلمات بعض الفقهاء : « وتحنيكه بتربة الحسينعليه‌السلام وبماء الفرات وهو النهر المعروف للنصوص ( ومع عدمه ) أي ماء الفرات ، وما ذكروه من مطلق الماء الفرات بعد تعذر ماء الفرات لم نقف على نص ، ولا بأس بمتابعتهم حيث يتعذر ماء السماء فيحنك به مسامحة في أدلة السنن ، ( وإنْ لم يوجد ) الماء الفرات ولا غيره ـ ( إلا ماء مالح خلط بالعسل أو التمر ) لورود التحنيك بكل منهما »(٣٤٤)

ثانياً ـ ما هي أسبابه ؟

لعلّ أهم أسبابه ودواعيه ، ترجع إلى الأمور التالية :

الأول ـ ما صنعه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهل بيته وأبناء المسلمين :

وردت كثير من المرويات في الكتب الإسلامية التي تذكر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام بتحنيك أطفال أهل بيته والمسلمين ، نذكر منها الآتي :

١ ـ في حديث ولادة الحسن بن علي« وألباه بريقه » أي صبّ في فيه ، كما يُصبّ اللَّبأ في فم الصبي ، وهو أول ما يحلب عند الولادة(٣٤٥)

وفي لفظ ابن كثير :« فَحَنّكَه رسول الله بريقه وسماه » (٣٤٦)

٢ ـ لما ولد إبراهيم بن أبي موسى الأشعري ، أتى به أبوه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فَسَمّاه إبراهيم ، وحنكه بتمرة ، وكان أكبر ولده(٣٤٧)

٣ ـ وعن أنس ، أنّ أم سليم ولدت غلاماً ، قال : فقال لي أبو طلحة : إحفظه حتى يأتي به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاه به وأرسلت معه بتمرات ، فأخذها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

______________________

(٣٤٤) ـ الطباطبائي ، السيد علي : رياض المسائل ، ج ٧ / ٢٢٩

(٣٤٥) ـ ابن الأثير ، مجدالدين : المبارك بن محمد : النهاية في غريب الحديث ، ج ٤ / ٢٢

(٣٤٦) ـ ابن كثير ، عماد الدين ، إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية ، ج ٨ / ٣٣

(٣٤٧) ـ البخاري ، الحافظ محمد بن إسماعيل : صحيح البخاري ، ج ٧ / ١٠٨ ، وج ٨ / ٥٤

١٨٩

فمضغها ، ثم أخذها من فيه فجعلها في فم الصبي وحنكه به وسمّاهُ عبدالله(٣٤٨)

هذه بعض الأمور التي ذكرها لنا التاريخ من سيرة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أهل بيته وصحابته ، نعم أقام عليها سنة التحنيك وبارك عليهم ، وهكذا تعمل الإمامية بهذه السيرة عن طريق تربة ريحانته سيد الشهداءعليه‌السلام

الثاني ـ إتباع أهل البيت (عليه‌السلام ) :

قد وردت عنهم الروايات الحَاثّة على تحنيك أولاد الشيعة بتربة الحسين منها الآتي :

عن الحسين ابن العلاء قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( حنكوا أولادكم بتربة الحسين عليه‌السلام فإنها أمان ) (٣٤٩)

ثالثاً ـ فوائده :

وقد أشارت أبحاث عديدة ـ نشرت في المجلات والكتب الطبية ـ إلى فوائد التحنيك بالنسبة للأطفال ، وهذه بعض مقالات كبار الأطباء في العالم العربي وغيره :

يقول الدكتور حَسّان شَمْسِي باشا : « يقول ـ أخي وصديقي ـ الدكتور « فاروق مساهل » في كتابه « تكريم الإسلام للإنسان » : والتحنيك هو معجزة طبية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تظهر الحكمة من ورائها إلا حديثاً فالطفل ـ بعد ولادته ـ يجد نفسه وقد إنفصل عن أمه ، وإنقطع سبل الغذاء الجاهز إليه ، فيلجأ للإعتماد على ما إستطاع جسمه تخزينه من الطعام ـ وهذا ليس بالكثير ـ أثنا

______________________

(٣٤٨) ـ الشوكاني : محمد بن علي محمد بن علي محمد : نيل الأوطار ، ج ٥ / ١٦١

(٣٤٩) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤١٠ ( باب (٧٠) من أبواب المزار وما يناسبة ، حديث ٨ )

١٩٠

حمله في رحم أمه ، لحين إفراز اللبن من ثدي والدته ويستغرق إفراز اللبن وقتاً متفاوتاً من الزمن ( من يوم إلى يومين )

وبما أنّ نشاط أجهزة جسم المولود تكون في قمتها في محاولة لملاءمة الوضع الجديد وهو الخروج إلى هذا العالم ، فإنّ المخزون في جسمه يستهلك بسرعة ، وقد تنخفض تبعاً لذلك نسبة السكر في الدم وحيث أنّ الفترة الحرجة في إطعام الطفل تقع بين إنتهاء ولادته وبدء رضاعته ، فإننا نجد تكريم المولود على يد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحنيكه بالتمر ( المملوء بالسكر ) والذي يمتص بسرعة في عروقه ، فيحافظ على مستوى السكر في دمه ، أو يرفعه إلى مستواه الطبيعي ويحتوي لبن الأم على كمية من السكر أكبر بكثير من تلك التي توجد في لبن الرضاعة لأي من مخلوقات الله الأخرى فنسبته في لبن الأم تبلغ ٧.٢ % ، بينما تبلغ نسبته ٤.٩ % عند البقر مثلاً ومن هنا تتضح أهمية السكر للمولود ، والأهمية العظمى للتحنيك في تغطية هذه الفجوة في تغذية المولود بين ولادته وبدء رضاعته من لبن أمه ومن التحنيك نشأت عند الناس عادة إعطاء المولود الماء المُحلّى بالسكر حتى يجهز اللبن في ثدي الأم »(٣٥٠)

ويقول الدكتور « عبدالمجيد قطمة » رئيس الجمعية الطبية الإسلامية في بريطانيا : « إنّ هذا الإكتشاف يؤكد أنّ الإسلام هو دين الرحمة والشفاء للبشرية جمعاء ، وأنّ طبيب البشرية محمداً ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ كان أوّل من وضع المادة السكرية في فم الوليد ، وذلك بتحنيكه بالتمر الممضوغ في فمه الطاهر ، وجعل هذا الفعل شائعاً بين المسلمين هذا وقد قامت مجموعة من العلماء والأطباء والباحثين الإنجليز في المستشفى الجامعي في مدينة ( ليدز )

______________________

(٣٥٠) ـ باشا ، د / حَسّان شَمسِي : الأسودان التمر والماء بين القرآن والسنة والطب والحديث / ٧٥ ـ ٧٦

١٩١

بشمال إنجلترا بإجراء تجارب على الأطفال حديثي الولادة لمعرفة تأثير إعطاء جرعات مختلفة من محلول السكر ( السكروز ) على بكاء الطفل وإحساسه بالألم بسبب غرز حقنه لسحب الدم ، وتوصلوا إلى أنه كلما زادت نسبة السكر في المحلول السكري في فم الطفل خَفّ البكاء والإحساس بالألم ، وخفَّت سرعة نبضات القلب كما أنّ وضع مادة سكرية في فم الطفل بعد ولادته تحمل بطريقة مدهشة على تخفيف أو منع الألم ، حيث توصل العلماء البريطانيون إلى أنّ إثنين ملليجرام من محلول سكري يخففان كثيراً من بكاء الطفل ، ويقلِّلان من إحساسه بالألم عند وَخْزِه بالحقنة لسحب عَيِّنة من الدم أو عند القيام بعملية الختان »(٣٥١)

وبعد هذا البيان المتقدم ، لا ملامة على الشيعة الإمامية فيما تقول به من تحنيك أولادها بهذه التربة الزكية ، ولا يعتبر عملها بدعة أو خرافة بعد أنْ ورد عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سُنَة التحنيك بالتمر ونحوه ، وبعد أنْ حَثّ أهل البيتعليهم‌السلام شيعتهم على تحنيك أولادهم بتربة الحسينعليه‌السلام ! والله على ما تقول شهيد ، والحمد لله على نعمة التوفيق بإنهاء هذا البحث ، ومسك ختامه الصلاة والسلام على أفضل الخلق محمد وآله الهداة

______________________

(٣٥١) ـ عبدالصمد ، محمد كامل : ثبت علمياً ، ج ٤ / ١٦

١٩٢

١٩٣
١٩٤

١ ـ تربة أرض المدينة المنورة تحمي من أورام الثدي والجلد

والبحث العلمي في مستهل الألفية الثالثة يؤكد مصداقية الطب النبوي دور الطاقة الحيوية الخاصة بـ ( ثاني أكسيد السليكون ) من أرض المدينة المنورة في علاج الوقاية من أورام الثدي والجلد

د سيد عباس إقبال

في تجربة مشتركة بين فريق من الأطباء السعوديين ـ والباكستانيين وكان الهدف منها تقديم بديل طبي ـ إيمان وروحاني ـ مجاني وعلاجي في حقل الأورام ، وذلك بإثبات الدور العلاجي والوقائي للطاقة الحيوية الخاصة بثاني أكسيد السليكون ـ وذلك من عينة تراب مأخوذة من أرض المدينة المنورة ـ ، وذلك في الجينp٥٣ في فئران التجارب ! مصداقاً لحديثه الشريف صلى الله عليه ( وآله ) وسلم عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض : ( باسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا ) رواه البخاري

وكانت خطة العمل : إجراء دراسة تجريبية معملية على ( ثدي وجلد ) فئران التجارب البيضاء ( الفئران ذوات اللون الأمهق : لبني البشرة ، أبيض الشعر ، قرنفلي العينين ) وذلك بإحداق السرطان ـ فيها ـ كيميائياً بواسطة عناصر كيميائية مسرطنة

مكان ومدة الدراسة :

ثم تنفيذها في المعهد الطبي للدراسات العليا وكلية الطب جامعةKing Edward في لاهور ( باكستان ) ، وقد أجريت الدراسة لمدة ٢٠ أسبوعاً للوقاية ـ و١٠ أسابيع إضافية للمجموعات التي تلقت الجرعات العلاجية

١٩٥

المواد والطرائق المستخدمة : تم اختيار ٢٥ فأراً أمهق من الذكور والإناث ، وقسمت لـ ٥ مجموعات ( ٥ فئران لكل مجموعة ) ، وتم إستخدام العناصر الكيميائية الآتية لإحداث السرطان :

(DMBA: Dimethylobenz [a] Anthacene) , (TBA: Tetradecanoyl- phorol-١٣-Acetic acid)

كذا تم إعداد شكل من الطاقة الحيوية من ثاني أكسيد السليكون ، المأخوذ من تربة أرض المدينة المنورة لاستخدامه ( علاجياً ) ، وقد أعطي للمجموعة العلاجية قبل تعريض فئران التجارب للمسبّبات المسرطنة الكيميائية ، وقد تم إقتفاء الجين المسمىP٥٣ في كل فئران التجارب

خط سير التجربة :

بعد تقسيم الفئران ( ٥ مجموعات ـ ٥ في كل مجموعة ) أعطيت كل مجموعة حرفاً أبجدياً رمزاً لهاA,B,C,D,E وهكذا ولم تعطA أية مواد كيميائية ضارة ( فقد استخدمت المجموعةA كمجموعة حاكمة ضابطة للتجربة ) بينما تم إعطاء باقي المجموعات المواد الكيميائية المسرطنة(DMBA٧.١٢ TPA١٢.٠) وذلك لإحداث السرطان ، ( تتم إعطاء المواد الكيميائية المسرطنة فقط بدون المادة العلاجية لمجموعة B ذكور وC إناث ، بينما المجموعةE ذكور ،F إناث أعطيت عن طريق الفم الطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون قبل تعريضها أيضاً للمسرطنات الكيميائية المذكورة ، أما المجموعةB وE ذكور ؛ فقد تم توظيفها لإحداث سرطانات الجلد فيها ، بينما إناثD فقد استخدمت لإحداث سرطان الثدي ) ، وبعد ٢٠ أسبوعاً تم اختيار ٤ فئران تجارب من المجموعةC , B لمجموعات إضافيةC٢ , C١ , B٢ , B١ لرؤية التأثير التطببي والعلاجي للطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون بينما تم التخلص من الباقي بالذبح ، وأخذت

١٩٦

الأنسجة للفحص من ناحية الأسباب والأعراض المرضية النسجية لبحث حالة الجين البروتينيP٥٣ ، وقد قورنت النتائج مع باقي مجموعة التجارب ، وقد إستمرت المجموعة العلاجية أو التي تم تطبيبها ١٠ أسابيع أخرى تالية ، وقد إستخدم مؤشر أو معيار دليل ( فوق صوتي ـ فوق سماعي ) لمعرفة إدراك كيفية الإستجابة للطاقة الحيوية ، وقد تم تحضير الطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون باختيار تربة ( محددة معينة ) من أرض المدينة المنورة ، واستخدام ناقل ( باستعمال سكر اللبنLactose “Saccharum Lactis” لإيجاد طاقة حيوية تم نقلها بماء مقطر على أساس أو قاعدة إنتاج(Adinosine tri phosphate: ATP) المتعلق بتمثل الطاقة عبر ميتوكوندريا الخلية موقع توليد الطاقة ) وقد تم كل ذلك وفقاً للنظرية الإهتزازيةVibration ، وتم إعداد شكل الطاقة هذه ، إما بجرعات بالفم أو على شكل حقن أيضا !.

النتائج :

في المجموعةA لم تكن هناك ثمة آفات أو تضررات أو أذى ، ولا تغير طفري جيني في الجينP٥٣ ( فئرانها كما ذكرنا استخدمت كمجموعة ضابطة وحاكمة معيارياً )

وفي المجموعةB نشأت قروح لدى كل الفئران ، وواحد منها نشأ عنده ورم حُليمي ، وآخر سرطانة خلوية بين ظاهرية كثيرة الحراشف ، وكذا ثلاثة نشأت لديهم سرطانات توسعية كثيرة الحراشف أما المجموعةC فقد نمت لدى ٤ فئران نتوءات ثديية ، وكذا سرطانات توسّعية في القناة اللبنية ، ولم نشاهد خباثة سرطانية فيD بينما نمت لدى فأر واحد من المجموعةE ورم غدي أنبوبي غير خطير ؛ أي أن معدلات التغيير الطفرية للجينP٥٣ كانت أعلى في

١٩٧

B , C التي لم تأخذ علاجاً مقارنة بباقي المجموعاتE , D , A وبقيت بوجه عام صحة فئران هاتين المجموعتينE, D طيبة وجيدة ، كذلك لم تكتشف أية أعراض جانبية أو آثار سُميّة من جراء إستعمال العلاج ، وكانت الأورام منخفضة المعدلات مقارنة بالمجموعات التي لم تتلق علاجاً ، ولقد كان الدور الوقائي للطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون جيداً ، بينما أظهر المعدل المنخفض أو حتى السلبي للجينp٥٣ وخاصة عند الفئرانC٢ , B٢ التي تلقت جرعات علاجية ، كل هذا اظهر دورp٥٣ التنبؤي والنذيري والتكهني عند الفئران التي نشأ لديها القليل من الآفات ، نعم فقد كانت درجة ـ وتدرج ـ وطبقة الورم منخفضة فيC٢ , B٢ مقارنة بـC١ , B١

وهكذا كشف المعدل المُحرز والمنخفض والعادي منp٥٣ رسوخ وتوازن الكروموسوم الصبغي١٧ والذي يقع فيه الجينp٥٣ وقد تم إحراز ذلك الثبات باستعمال الطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون التي أثبتت دورها الجيد في منع والوقاية من التغيرات الطفرية للجينp٥٣ ، وبالتالي تأثيراتها الواقية ضد العناصر الكيميائية المسرطنة ، وربما أعطانا هذا أملاً في العلاج باستعمال التداوي بهذه الطاقة الحيوية ( مثلاً إذا تم إعطاءها لمرضى ما بعد العمليات الجراحية )

لقد ابتكرنا فكرة أنه إذا استطعنا استثمار طاقة ثاني أكسيد السليكون ولذا الترداد أو التكرار المقاس لهذه الطاقة ، وتم منحها عبر وسيط مناسب مثل الماء أو الزيت أو السكر إلخ ، فإنّ هذه الطاقة الحيوية قد تؤدي دوراً كمضاد أكسدة وكمضاد التهابات ، وربما أيضاً قد تؤدي في علاج السرطان ، وذلك بإمكان الحماية والوقاية من الأورام السرطانية بواسطة التحكم أو السيطرة على دورة الخلية ( بتثبيت التغيرات الخلوية على المستوى الجيني ، ومن أجل هكذا ؛

١٩٨

فقد تم إختيار تربة المدينة المنورة ( عينات منها ) ، والتي جاء ذكرها في حديثه الشريف عليه السلام ، والمذكور في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ، كان يقول للمريض « باسم الله تربة أرضنا ، بريقة بعضنا ، يشفي سقيمنا بإذن ربنا » رواه البخاري

وتم تنفيذ هذه الدراسة لرؤية العناصر التي تؤدي إلى الطفرة الخلوية للجينp٥٣ والوقاية منها ومنعها وكذا توظيفاً لمنحي في الطب البديل هو طب الطاقة الحيويةBioenergy Medicine ، ولقد أثبتت هذه الدراسة التجريبية المعملية أن الغير الطفري للجينp٥٣ مسئول عن إنتاج و إحداث سرطان الجليد سرطان الثدي ، وأن مسببات السرطان الكيميائية مثل المذكورة في التجربة " تسبب الطفرة في دورة خلية الجين الحارس على كروموسوم١٧ وقد تم إثبات أن الطاقة الحيوية لثاني أكسيد السليكون من أرض المدينة المنورة له دور إيجابي مؤكد في الوقاية والحماية من أورام سرطان الثدي والجلد

ما هو الجين البروتينيp٥٣ ؟

يقع هذا الجين في الكروموسوم ١٧ ويمثل الحارس والحامي لـDNA المكون الأساسي في المادة الحية وفي حالة حدوث ضرر لـDNA فإن هذا الجين يؤدي ثلاث وظائف حاسمة

أولاً : يوقف دورة الخلية مثلاً بزيادة قدرة التعديل للجينp٢١

ثانياً : يستهل ويبدأ في إصلاح الـDNA فالحين عامل نسج خلوي أيضاً

ثالثاً : وفي حالة عدم إمكانية إصلاح الـDNA فإنp٥٣ يبدأ ويستهل ما يسمى بـAPOPTOSIS وهو نمط تشكليMorpholic لموت الخلية ، يصيب الخلية الفردية وموسوم بانكماش الخلية بسبب دور الجينP٥٣ هذا في حماية الـDNA

١٩٩

وإيقاف دورة الخلية ، فإنه يحمي من السرطان ، فهو قامع وكابح أورام ، ومن ثم فإن التغير الطفري الجيني لـp٥٣ شائع جداً في الخلايا السرطانية ، فهو يتخذ بالذات هدفاً في التغيير الجيني الخاص بالأورام ، وعندما يغدو متغيراً طفرياًp٥٣ Mutated فإنه يصير غير قادر لأداء مهامه العادية ، وبالتالي يتيح للخلايا السرطانية أن تتوالد وتتكاثر بالانقسام الخلوي ، وكذا قيامها بزيادة الإنبثاث

وماذا عن ثان أكسيد السليكونSiO٢ :

السليكون عنصر رمزهSi ورقمه الذري١٤ ووزنه الذي٢٨.٠٨٦ والسليكون والأكسجين هما أكثر العناصر وفرة في قشرة أو أديم أو غلاف الأرض ، وجسيمات ورقائق السليكون موجودة في الأرض والحشائش وأوراق النباتات والحبوب ، وعندما تكون هذه الجسيمات متحدة بالماء ؛ فإنها تنتج ذرات أكسجين ، وربما كان لها دورها في عملية استخراج نسخ DNA مطابقة أو في إصلاح عملية الانقسام الخلوي غير المباشر إنّ نوعية التفاعل المباشر لجزئيات السليكون البلورية مع الـDNA مهم بسبب قيامها بتثبيتDNA في مكانها وهذا الأمر هام في التحولات السرطانية(٣٥٢)

٢ ـ الله أكبر والعزة للإسلام

في بحث علمي نشر في المجلة العلمية المشهورةJournal of Plant Molecular Biology ، وجد فريق من العلماء الأمريكيين ، إن بعض النباتات الإستوائية تصدر ذبذبات فوق صوتية تم رصدها وتسجيلها بأحدث الأجهزة العلمية المتخصصة

______________________

(٣٤١) ـ إقبال ، سيد عباس : ( تربة أرض المدينة المنورة تحمي من أورام الثدي والجلد ) ، مجلة الطب البديل ، العدد ٢٤ يناير ( كانون الثاني ) ٢٠٠٥ م ، ص / ١٦ ـ ١٨

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232