تربة الحسين عليه السلام الجزء ٢

مؤلف: الشيخ أمين حبيب آل درويش
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 335
مؤلف: الشيخ أمين حبيب آل درويش
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 335
أ ـ إشتقاق الإسم :
ذكر الفقيه المحقق السيد السبزواري (قده) : «إسم : أصله من السمو ـ مخففة ـ بمعنى الرفعة ، ومنه السماء ، ويصح أن يكون إشتقاقه من السِمَة بمعنى العلامة ، والهاء عوض الواو فيكون أصله الوسم ، فالوسم والوسام بمعنى العلامة.
والهمزة : همزة وصل على التقديرين ، ويصح الإشتقاق من كل منهما ؛ لأنّ التبديل والتغيير في حروف الكلمة جائز ما لم يضر المدلول ، إلا أن يكون اللفظ بخصوص شخصه سماعياً. ومن وقوع التغيير والتبديل في هذا اللفظ في الإشتقاقات الصحيحة ، وسهولة لغة العرب نستفيد صحة ما تقدم.
ويصح رجوع أحد المعنيين إلى الآخر في جامع قريب ـ وهو البروز والظهور ـ ؛ لأنّ الرفعة نحو علامة ، والعلامة نحو رفعة لذيها ، وهما يستلزمان البروز والظهور. ودأب اللغويون والأدباء ـ وتبعهم المفسرون على جعل المصاديق المتعددة مع وجود جامع قريب مختلف المعنى ، مكثرين بذلك المعاني ، غافلين عن الأصل الذي يرجع الكل إليه ، فكان الأجدر بهم بذل الجهد في بيان الجامع القريب ، والأصل الذي يتفرع منه ، حتى يصير بذلك علم اللغة أنفع مما هو عليه»(٣) .
ب ـ معنى الإسم :
عُرِّف الإسم بعدة معانٍ أهمها ما يلي :
١ ـ ما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : (فالاسم ما أنبأ عن المسمى)(٤) .
__________________
(٣) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى الموسوي : مواهب الرحمن ، ج ١ / ١٢.
(٤) ـ الصدر ، السيد حسن : تأسيس الكرام لعلوم الإسلام / ١٤٩.
٢ ـ ما ذكره أهل اللغة : «هو رسم وسِمَة توضع على الشيء تعرف به»(٥) .
٣ ـ عند النحاة : «ما دَلّ على معنى في نفسه مجرداً من الزمن ، أو ما صلح لأن يكون مسنداً إليه ومسند»(٦) .
أو بعبارة أخرى : ما يقابل الفعل والحرف. ويتميز الإسلام بعلامات مُعيّنة حددها النحاة ، من خلال الإستعمال اللغوي ، وهي خمس : الجر ، والتنوين ، والنداء ، والإسناد إليه ، ودخول (ال) التعريف عليه.
ج ـ أقسام الإسم :
قَسّم النحاة الإسم إلى عدة تقسيمات ولكن أهمها ما يلي :
الإسم قسمان : موصوف وصفة.
أ ـ الموصوف : ما دل على شيء يمكن أن يوصف ، مثل رجل ، وباب ، ويقسم إلى قسمين :
١ ـ إسم ذات : ويسمى اسم عين أيضاً ، وهو ما دل على ذات محسوسة ، مثل : (أرض).
٢ ـ إسم معنى : وهو ما دل على معنى قائم في الذهن ، مثل (شجاعة ، رجوع). ويدخل في قسم الموصوف ، المصدر وأسماء الزمان والمكان والآلة.
ب ـ الصفة : ما دل على صفة قائمة بالذات أو بالمعنى ، مثل : (طويل ، عريض) ، ويدخل في هذا القسم إسم الفاعل : (جاء الرجل العالم) ، وإسم المفعول : (جاء الرجل المعروف) ، والصفة المشبهة : (جاء الرجل الكريم) ، وإسم التفضيل : (جاء الرجل الأكرم) ، والمصدر الموصوف به :
__________________
(٥) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١٤ / ٤٠١.
(٦) ـ شريف ، الدكتور محمد أبو الفتوح : التركيب النحوي وشواهده القرآنية ، ج ١ / ٢٣.
(جاء رجلٌ عدلٌ) ، والإسم الجامد المتضمن معنى الصفة المشتقة : (جاء الرجل الأسد) ؛ أي الشجاع ، والإسم المنسوب (جاء الرجل الدمشقي)(٧) وركزنا على هذا التقسيم باعتباره محل حاجتنا في هذا البحث.
وقَسّمه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : (واعلم يا أبا الأسود ، أنّ الأسماء ثلاثة : ظاهر ، ومضمر ، واسم لا ظاهر ولا مضمر ، وإنما يتفاضل الناس فيما ليس بظاهر ولا مضمر ، وأراد بذلك الإسم العلم المبهم)(٨) .
«قال الزجاج : قوله عليه السلام : ظاهر ، ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر ، فالظاهر : رجل ، وزير وعمرو ، وفرس وما شابه. والمضمر : أنا ، أنت ، وألتاء في فعلتُ ، والياء في غلامي ، والكاف في ثوبك ، وما شابه. وأما الشيء الذي ليس بظاهر ولا مضمر ؛ فهو المبهم ، هذا ، هذه ، هاتا وتا ، ومن ، وما ، والذي وأيّ ، وكم ، ومتى ، وأين وما شابه»(٩) .
__________________
(٧) ـ الأنطاكي ، محمد : المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها ، ج ١ / ١٨٩ ـ ١٩٠.
(٨) ـ الصدر ، السيد حسن : تأسيس الكرام لعلوم الإسلام / ١٤٩.
(٩) ـ الشفائي ، حسين علي : قضاء الإمام أمير المؤمنين (ع) / ١٠٨.
الجانب الديني للإسم
أولاً ـ أسماء الله الحسنى
ثانياً ـ أسماء الأنبياء والأوصياء
ثالثاً ـ أسماء الأشياء
إنّ هذا الجانب من البحث غني بالفوائد ؛ إلا أنّ أهم ما يمكن بحثه ـ هنا ـ هو التالي :
أولاً ـ أسماء الله الحسنى :
إنما سميت حسنى لحسن معانيها ، والمعنى في كون أسمائه أحسن الأسماء أنها تنبئ عن صفات حسنة كالقادر والعالم ، وعن أفعال حسنة كالخالق والرازق ، وعن معاني حسنة كالصمد فإنه يرجع إلى أفعال عباده ، وهو أنّه يصمدونه في الحوائج ؛ أي يقصدونه. ويؤكد هذا المعنى ما جاء في الرواية التالية :
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : (سألته : هل كان الله عَزّ وجَلّ عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟
قال عليه السلام : نعم. قلت : يراها ويسمعها؟ قال : ما كان محتاجاً إلى ذلك ؛ لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها ، هو نفسه ونفسه هو ، قدرته نافذة ، فليس يحتاج أن يُسمِّي نفسه ، ولكنّه إختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها ؛ لأنّه إذا لم يدع باسمه لم يعرف ، فأوّل ما اختار لنفسه «العلي العظيم» ؛ لأنّه أعلى الأشياء كلها ، فمعناه الله ، وإسمه العلي العظيم ، وهو أوّل أسمائه ؛ لأنّه عليٌّ علا كلّ شيء)(١٠) .
والذي يهمنا ـ هنا ـ على نحو السرعة ، هو الإجابة على السؤالين الآتيين :
١ ـ كم عدد أسماء الله الحسنى؟
يتضح لنا الجواب على هذا السؤال بعد بيان ما يلي :
__________________
(١٠) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي بن الحسين : معاني الأخبار / ٢.
قال العلامة الطباطبائي (قده) : «لا دليل في الآيات الكريمة على تعين عدد للأسماء الحسنى تتعين به ، ـ إلى أن قال ـ أن كل اسم في الوجود هو أحسن الأسماء في معناها ، فهو له تعالى فلا تتحدد أسماءه الحسنى ، والذي ورد منها في لفظ الكتاب الإلهي مائه وبضعة (١٢٧) وعشرون إسماً»(١١) .
وأما ما ورد في الروايات التي رواها العامة والخاصة في حصرها في (٩٩) ، فنذكر منها ما يلي :
١ ـ روى الصدوق بإسناده عن الرضا عليه السلام ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لله عَزّ وجَلّ تسعة وتسعون إسماً ، من دعا الله بها إستجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنّة)(١٢) .
٢ ـ عن أبي هريرة قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد ، من أحصاها دخل الجنة)(١٣) . وبعد ذكر هاتين الروايتين ؛ نخرج بالنتيجة التالية :
أولاً ـ قال الشيخ الكفعمي (قده) : «إنّ تخصيص هذه الأسماء بالذكر لا يدل على نفس ما عداها ؛ لأنّ في أدعيتهم عليهم السلام أسماء كثيرة لم تذكر في هذه الأسماء ، حتى إنّه ذكر أنّ الله تعالى ألفاً من الأسماء المقدسة المطهرة ، وروي أربعة آلاف ، ولعل تخصيص هذه الأسماء بالذكر لإختصاصها بمزية الشرف على باقي الأسماء ، أو لأنّها أشهر الأسماء وأبينها معاني وأظهر»(١٤) .
__________________
(١١) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ٨ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.
(١٢) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي : التوحيد / ١٩٥ (باب أسماء الله تعالى ـ الحديث ٩).
(١٣) ـ الترمذي ، محمد بن عيسى : صحيح الترمذي ، ج ٥ / ٥٣٠ (باب الدعوات ـ الحديث ٥٠٧).
(١٤) ـ الكفعمي ، الشيخ إبراهيم بن علي العاملي : البلد الأمين والدرع الحصين / ٦٩٦.
ويمكن القول : بأنّ (٩٩) لعلها أهم الأسماء وأنّها موجودة في القرآن الكريم ولو بمعناها ، وأما ما ذكره بعض المفسرين من كونها أكثر من ذلك ؛ فلاحظ أنها مكررة وترجع إلى معنى واحد ، فمثلاً (خير) قد تكرر في أكثر من مورد في القرآن الكريم : (خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ، خَيْرُ الرَّازِقِينَ ، خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ، خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ، خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ، خَيْرُ الْغَافِرِينَ ، خَيْرُ الْوَارِثينَ ، خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ، خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ، خَيْرُ النَّاصِرِينَ) ، وكذلك (شَدِيدَ) ورد في أكثر من مورد : (شَدِيدُ الْعَذَابِ ، شَدِيدُ الْعِقَابِ ، شَدِيدُ الْمِحَالِ).
ثانياً ـ ما ورد في رواية الصدوق المتقدمة أنّ الأسماء (١٠٠) وليست بـ(٩٩) فالظاهر أنّ لفظ الجلالة (الله) ذكر بعنوان المسمى الجاري عليه الأسماء ، وبذلك يستقيم العدد (٩٩) ، وبيان لك كالتالي :
ذكروا أنّ للفظ الجلالة أموراً يتميز بها عن بقية الأسماء الحسنى نذكره منها ما يلي :
١ ـ أنّه أشهر أسمائه تعالى ؛ إذ هو دال على الذات المقدسة الموصوفة بجميع الكمالات ، وباقي أسمائه تعالى لا تدل آحادها إلا على أحاد المعاني ، كالقادر على القدرة ، والعالم على العلم وهكذا البواقي.
٢ ـ إنّ جميع أسمائه الحسنى يتسمى بهذا الاسم ولا يتسمى هو بشيء منها ، فلا يقال : الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور ، ولكن يقال : الصبور اسم من أسماء الله تعالى. هذه بعض الوجوه التي إمتاز بها لفظ الجلالة على غيره من الأسماء الحسنى. ولخصها الشهيد الأول (قده) بقوله : «اسم للذات لجريان النعوت عليه ، وقيل : اسم للذات مع جملة الصفات
الإلهية ، فإذا قلنا : الله فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ؛ وهي صفات الكمال ونعوت الجلالة»(١٥) .
ثالثاً ـ قال الشيخ الصدوق (قده) : «معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ الله تبارك وتعالى تسعة وتسعين إسماً ، من أحصاها دخل الجنة) ، إحصاؤها : هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عَدّها ، وبالله التوفيق»(١٦) . وقال العلامة الطباطبائي (قده) : «والمراد بقوله : (من أحصاها دخل الجنة) الإيمان باتصافه تعالى بجميع ما تدل عليه تلك الأسماء ، بحيث لا يشد عنها شاذ»(١٧) .
الأسماء وظهورها في الخلق :
لعلّ المتتبع للآيات القرآنية ، يلاحظ أنها تهتم بالإسم المبارك ، نذكر منها : قوله تعالى :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) [العلق / ١] ، وقوله تعالى :( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) [الواقعة / ٧٤]. وقوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) [الأعراف / ١٨٠]. فلماذا هذا الإهتمام بالإسم المبارك؟
الجواب على هذا السؤال يتضح فيما يلي :
أولاً ـ إنّ الحكمة العليا لخلق جميع المخلوقات ؛ هي أن يتجلى الرب سبحانه وتعالى لها بما هو متصف به من صفات الكمال ، ليعرف ويعبد ، ويشكر ويحمد ، ويحكم ويجزي فيعدل ، ويغفر ويعفو ويرحم الخ.
__________________
(١٥) ـ الشهيد الأول ، الشيخ محمد بن مكي العاملي : القواعد والفوائد ، ج ٢ / ١٦٦.
(١٦) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي : التوحيد / ١٩٥.
(١٧) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ٨ / ٣٥٩.
فهي مظهر أسمائه وصفاته ، ومجلى سننه وآياته ، وترجمان حمده وشكره ، لذلك كانت في غاية الإحكام والنظام ، الدالين على العلم والحكمة والمشيئة والإختيار ، ووحدانية الذات والصفات والأفعال.
وكان من مقتضى تحقق معاني أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ، أن يخلق ما علمنا وما لم نعلم من أنواع المخلوقات ، وما يترتب على ذلك من حكم ومصالح.
ثانياً ـ قال الفيض الكاشاني (قده) : «وبالجملة أسباب وجود الخلائق ، وأرباب أنواعها التي بها خُلقت وبها قامت ، وبها رزقت فإنها أسماء الله تعالى ؛ لأنها تدل على الله بظهورها في المظاهر ، دلالة الإسم على المسمى ، فإنّ الدلالة كما تكون بالألفاظ كذلك تكون بالذوات ، من غير فرق بينهما فيما يؤول إلى المعنى ، وأسماء الله لا تشبه أسماء خلقه ، وإنما أضيفت في الحديث تارة إلى المخلوقات كلها ؛ لأنّ كلها مظاهرها التي فيها ظهرت صفاتها متفرقة ، وأخرى إلى الأولياء والأعداء ؛ لأنّهما مظاهرها التي فيها ظهرت صفاتها مجتمعة ؛ أي ظهرت صفات اللطف كلها في الأولياء ، وصفات القهر كلها في الأعداء ، وإلى هذا أشير في الحديث القدسي ـ الذي يأتي ذكره في تفسير آية سجود الملائكة لآدم عليه السلام ـ من قوله سبحانه (يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي ، هذا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنا الحميد المحمود في فعالي ، شققت له إسماً من إسمي ، وهذا علي وأنا العلي العظيم ، شققت له إسماً من إسمي) ، إلى آخر ما ذكر من هذا القبيل ، فإنّ معنى الإشتقاق في مثل هذا ، يرجع إلى ظهور الصفات وإنباء المظهر عن الظاهر فيه ، أوهما سببان للإشتقاق أو
مسببان عنه ، وإنما يقول بالسببية مَن لم يفهم العينية ، والمراد بتعليم آدم الأسماء كلها خلقه من أجزاء مختلفة ، وقوى متباينة حتى إستعد لإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات والموهومات ، وإلهامه معرفة ذوات الأشياء وخواصها ، وأصول العلم وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها ، والتمييز بين أولياء الله وأعدائه ، فتأتي له بمعرفة ذلك كله مظهريته لأسماء الله الحسنى كلها ، وبلوغه مرتبة أحدّية الجمع التي فاق بها سائر أنواع الموجودات ، وروجعه إلى مقامه الأصلي الذي جاء منه ، وصار منتخباً لكتاب الله الكبير الذي هو العالم الأكبر ، كما قال أمير المؤنين عليه السلام : (وفيك انطوى العالم الاكبر)»(١) .
ثالثاً ـ ورد في بعض الآيات القرآنية :( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [الرحمن / ٧٨]. وفي دعاء الجوشن : (يا من تبارك اسمه) : قال الملا هادي السبزواري : «قيل معناه عظمت البركة في اسمه ، كما في :( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ) ، فاطلبوا البركة في كل شيء يذكر اسمه والحق في الاسم الشريف والآية أنه من باب التعظيم ؛ لأنّه إذا تعاظم وتبارك إسم الشيء ووجهه ، فنفسه بطريق أولى»(١٨) ومن هذا القبيل ما جاء في قوله تعالى :( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) [الأنعام / ١١٨]. فإنّ البركة في ذكر اسم الله تعالى في الأكل والشرب والذبح ونحو ذلك.
رابعاً ـ ورد في بعض الأدعية ـ كما في دعاء السحر ـ : «اَلّهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ مِنْ اَسمائِكَ بِاَكْبَرِها وَكُلُّ اَسْمائِكَ كَبيرَةٌ» ، وكما في غيره : «وبِأَسْمائِكَ
__________________
(١٨) ـ السبزواري ، الملا هادي بن مهدي : شرح دعاء الجوشن / ٦٦٧.
الَّتي مَلَاتْ اَرْكانَ كُلَّ شَيء» ، وأيضاً : «وبأسمائك التي تجليت بها للكليم على الجبل» ، فما المراد بها؟
أجاب الفقيه كاشف الغطاء (قده) : «المراد من أسماء في تلك الأدعية الشريفة ، المظاهر الإلهية التي يتجلى بها جلّ شأنه لخاصة أصفيائه في أزمنة خاصة ، وأمكنة مقدسة ، فالأسماء التي تجلى بها للكليم هي الظهورات التي ظهر بها الجليل على جبل طور سيناء ، أي الأنوار أو النار التي ظهرت للكليم( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) [القصص / ٣٠] ، وتوجد الإشارة إلى كثير من هذه الظهورات في دعاء السمات ، الذي يقرأ عصر الجمعة وهو من الأدعية الجليلة ، وهذه هي الأسماء التي ملأت كل شيء ، فإنّ له تعالى في كل ظهور.
وفي كل شيء له آية |
تدل على أنه واحد»(١٩) |
وبعد هذا البيان إتضح لنا الجواب ، وظهرت أهمية الأسماء المباركة في مخلوقاته.
ثانياً ـ أسماء الأنبياء والأوصياء :
المشهور بين العلماء أنّ عدد الأنبياء عليهم السلام (١٢٤ ألف نبي) ، وأنّ سادتهم خمسة ـ وهم أصحاب الشرائع ـ نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو أفضل الأنبياء. والقرآن الكريم ذكر بعضاً من أسمائهم وهم : آدم ، وادريس ، ونوح ، وهود ، وثمود ، وصالح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، ولوط ، ويعقوب ، ويوسف ، وأيوب ، وشعيب ، وموسى ، وهارون ،
__________________
(١٩) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد بن الحسين : جنة المأوى / ٢٤٩.
والياس ، واليسع ، وذو الكفل ، وداود ، وسليمان ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، ويونس ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم. وبقية الأسماء لم تذكر ، وإلى هذا تشير رواية أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : (كان ما بين آدم وما بين نوح من الأنبياء مستخفين ، ولذلك خفي ذكرهم في القرآن ، فلم يُسموا كما سمي من إستعلن من الأنبياء وهو قوله :( وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ) (٢٠) »(٢١) . ولعلّ ذكر هذه الأنبياء دون غيرهم ، يدل على وجود أهمية لهم دون غيرهم ، وهذا ما نجده في القرآن الكريم من الجوانب والخصوصيات لهؤلاء الأنبياء ، وخصوصاً نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث تعددت أسماؤه كما أشار إلى ذلك الشيخ المجلس (قده) ، في بحث أسمائه وألقابه صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : «سَمّاه في القرآن بأربعمأة إسم»(٢٢) . وبعد معرفة ذلك ؛ نخرج بالنتيجة التالية :
١ ـ إعتني الباري عَزّ وجَلّ بأسماء أنبيائه ، ، وسماهم بهذه الأسماء إهتماماً بشأنهم ومكانتهم عنده ، وإلى هذا تشير الآية المباركة :( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ) [مريم / ٧].
وإذا أمعنا النظر في هذه الآية ، يتضح لنا أنّ تعيين أسماء الأنبياء والأولياء يكون عن طريقه عَزّ وجَلّ ، ولم يكلها إلى الأبوين ، بل هم الأسماء الحسنى كما في الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه السلام : (نحن ـ والله ـ الأسماء
__________________
(٢٠) ـ النساء / ١٦٤.
(٢١) ـ شبّر ، السيد عبد الله حق اليقين ج ١ / ١٨١.
(٢٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ١٦ / ١٠١.
الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا)(٢٣) ، ويستفاد من هذا الحديث ما يلي :
أ ـ إنّ أسمائهم مشتقة من أسماء الله عَزّ وجَلّ ، كما في حديث الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ليلة اُسري بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى ، فقال لي جبرئيل : تقدم يا محمد ، فدنوت دنوّه ـ الدنوّة : مد البصر ـ فرأيت نوراً ساطعاً ، فخررت لله ساجداً ، فقال لي : يا محمد من خَلّفت في الأرض؟ فلت يا ربّ أعدلها وأصدقها وأبرها عليّ بن أبي طالب ، وصيي ووارثي وخليفتي في أهلي. فقال لي : أقرئه مني السلام وقل له : إنّ غضبه عزّ ، ورضاه حكم ، يا محمد أني الله لا إله إلا العلي الأعلى ، وهبت لأخيك إسماً من أسمائي فسميته علياً ، وأنا العلي الأعلى. يا محمد إني أنا الله لا إله إلا أنا فاطر السماوات والأرض ، وهبت لأبنتك إسماً من أسمائي فسميتها فاطمة ، وأنا فاطر كل شيء ، يا محمد ، إني أنا الله لا إله إلا أنا الحسن البلاء ، وهبت لسبطيك أسمين من أسمائي فسميتها الحسن والحسين ، وأنا الحسن البلاء ...)(٢٤) . وبعد ذكر هذا الحديث الشريف نطرح السؤال التالي :
س / ما وجه إشتقاق فاطمة من فَطَرَ؟
ج / إنّ الإشتقاق على ثلاثة أقسام كالتالي :
١ ـ الإشتقاق الصغير : وهو ما إذا كان الشمتقُّ والفرع مشتملين على حروف الأصل على الترتيب والنسق ، ومثال ذلك : (ضَرَبَ) فإنه مشتق من الضًّرْب).
__________________
(٢٣) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الكافي ، ج ١ / ١٤٤.
(٢٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٢٤ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤.
٢ ـ الإشتقاق الكبير : وهو ما إذا لم يلحظ فيه الترتيب ، ومثال ذلك : (جَذَبَ وجَبَذً) فهما بمعنى واحد ؛ إذ معناها : المَدّ ، أو التنازع ، وقيل الجَبْذ ، لغة تميم ، ومادة اشتقاقها (ج ، ذ ، ب).
٣ ـ الإشتقاق الأكبر : وهو ما إذا لم يكن المشتق مشتملاً على جميع حروف الأصل ، ولكن فيه أكثر حروفه ، ومثال ذلك (فَطَم وفَطَر). وبعد هذا البيان إتضح لنا الجواب.
ب ـ إنّ أهل البيت عليهم السلام مظهر لجميع الأسماء الإلهية ، ويمكن الإستشهاد لذلك بما يلي :
١ ـ قال السيد الطباطبائي : «ورواه العياشي عنه عليه السلام : (وفيه أخذ الإسم بمعنى ما دَلّ على الشيء ، سواء كان لفظاً أو غيره ، وعليه فالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ، أسماء دالة عليه تعالى ، وسائط بينه وبين خلقه ؛ ولأنّهم في العبودية بحيث ليس لهم إذا الله سبحانه ، فهم المظهرون لأسمائه وصفاته تعالى»(٢٥) .
٢ ـ ما جاء في حديث الراهب اليماني مع الإمام الكاظم عليه السلام : (فقال له أبو إبراهيم عليه السلام : فكم لله من إسم لا يُردّ؟ فقال الراهب : الأسماء كثيرة ، فأما المحتوم منها الذي لا يُردّ سائله فسبعة. فقال له أبو الحسن عليه السلام فأخبرني عَمّا تحفظ منها؟ فقال الراهب : لا والله الذي أنزل التوراة على موسى ، وجعل عيسى وعبرة للعالمين وفتنة لشكر أولي الألباب ، وجعل محمداً بركة ورحمة ، وجعل علياً عليه السلام عبرة وبصيرة ، وجعل الأوصياء من نسله ونسل محمد
__________________
(٢٥) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين : الميزان في تفسير القرآن ، ج ٨ / ٣٦٧.
(صلى الله عليه وآله) ما أدري ولو دريت ما إحتجت فيه إلى كلامك ، ولا جئتك ولا سألتك)(٢٦) .
قال الشيخ عباس القمي (قده) : «إنّ المراد بالأسماء السبعة المعصومون عليهم السلام جميعهم ، ذلك أنّ أسمائهم المباركة هي سبعة لا تعدوها ، وهي : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجعفر وموسى عليهم السلام ، وعلى هذا جرى تأويل السبع المثاني ، في قوله تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) »(٢٧) .
وبعد هذا البيان ؛ إتضح لنا أن أسماء الأئمة الأطهار عليهم السلام حظيت بهذا الإهتمام الإلهي. وبعد هذا نطرح السؤال التالي :
س / لماذا لم يُنصّ على أسمائهم في القرآن الكريم ، حسماً للنزاع الفكري بين المسلمين في تحديد الأئمة بأسمائهم؟
ج / يتضح الجواب بعد بيان الوجهين التاليين :
الأول ـ ما أجاب به الإمام الصادق عليه السلام أبا بصير حينما سأله عن ذلك ، قال : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عَزّ وجَلّ :( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (٢٨) ؟ فقال : نزل في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام. فقلت له : إن الناس يقولون : فماله لم يُسمِّ علياً وأهل بيته عليهم السلام في كتاب الله عَزّ وجَلّ؟ قال : فقال : قولوا لهم إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة ، ولمُ يُسمِّ لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو
__________________
(٢٦) ـ الكليني ، الشيخ محمد يعقوب : أصول الكافي ، ج ١ / ٤٨١ ـ ٤٨٢.
(٢٧) ـ القمي ، الشيخ عباس : منتهى الآمال ، ج ٢ / ٢٥٥.
الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمِّ من كل أربعين درهماً درهم ، حتى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ...)(٢٩) .
الثاني ـ خلاصة ما أجاب به السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) : «إنّ العرب عامة وقريشاً خاصة كانوا ينقمون من علي شدة وطأته ونكال وقعته ؛ إذ كان شديد الوطأة على أعداء الله ، عظيم الوقيعة فيمن يهتك حرمات الله ، كما قالت سيدة نساء العالمين في خطبتها عليها السلام : (وما الذي نقموا من أبي الحسن؟! نقموا والله نكير سيفه وشدة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله). وإذا عرفت هذا كله تعلم أنّ أمر الإمامة كان حرجا؟ً إلى الغاية ؛ إذ أنها من أصول الدين فلا بد من تبليغها ، ولا مناص عن العهد بها إلى كفئها على كل حال ، ولهذا ولغيره اقتضت الحكمة تعيينه بآيات لم تكن على وجه الذي يحرج أولئك المعارضين ، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعهد بالإمامة إلى علي عليه السلام على وجه يراعي فيه الحكمة ، ويتحرى به المطابقة لمقتضى تلك الأحوال»(٣٠) .
ثالثاً ـ أسماء الأشياء :
تعتبر التسمية بصورة عامة من سنن الله تعالى في خلقه ، وقد سمى الله تعالى آدم وحَوّاء يوم خلقهما ، وعَلّم آدم الأسماء كلها كما في قوله تعالى :( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [البقرة / ٣١].
فاقتضت الحكمة والعناية الإلهية الإهتمام بأول خليقته ، حيث مَيّزه على سائر خلقه بهذا المقام الخطير ، بأن عَلّمه ما لم يعلم ، وجعل في نسله هذه القوة
__________________
(٢٩) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يقوب : أصول الكافي ، ج ١ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.
(٣٠) ـ شرف الدين ، السيد عبد الحسين : فلسفة الميثاق والولاية / ١٢ ـ ١٣ (بتصرف).
العلمية ، فكان في ذريته الأنبياء والأولياء ، وتفرّع على ذلك العلماء والعقلاء الذين سخروا العالم بعلمهم ، ودبروا البلاد بعقلهم ، وهذه الآية المباركة ذات جوانب كثيرة ، ولكن الذي يهمنا بحثه هو ما يلي :
١ ـ الجانب التفسيري :
المستفاد من روايات أهل البيت عليهم السلام ما يلي :
أ ـ عَلّمه الباري عَزّ وجَلّ أسماء الأشياء ، ويؤيد ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سُئل عن هذه الآية فقال : «الأرضين والجبال والشعاب والأودية ، ثم نظر إلى بساط تحته فقال : وهذا البساط مما عَلّمه)(٣١) .
ب ـ عَلّمه أسماء أهل بيت العصمة والطهارة ، ويؤيد ذلك ما روي عن إمامنا الصادق عليه السلام : (إنّ الله تبارك وتعالى عَلّم آدم عليه السلام أسماء حجج الله كلها ، ثم عرضهم ـ وهم أرواح ـ على الملائكة)(٣٢) . وأيضا يستفاد من قوله تعالى :( أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ ) ، فإن ذكر (هَؤلاء) بعنوان الإشارة إلى الحاضرين ؛ أي أرواحهم لبيان رفعة مقامهم ـ صلوات الله عليهم ـ بالتعبير عن أسمائهم بالخصوص.
٢ ـ الجانب العلمي :
يستفيد علماء الأصول من هذه الآية الشريفة في بحث الوضع ، ويعنونون المسألة هكذا : هل الواضع هو الله ، أو البشر؟ والذي يهمنا بحثه ـ هنا ـ هو ما يستفاد من الآية في نشأة اللغة عند الإنسان ، بعد معلومية إنتهائها إلى الله عَزّ وجَل.
__________________
(٣١) ـ الحويزي ، الشيخ عبد علي بن جمعه : نور الثقلين ، ج ١ / ٧٤.
(٣٢) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي : إكمال الدين وإتمام النعمة / ١٤.
ولعلّ أهم الوجوه ما يلي :
١ ـ إنّ الله جعل في النفوس البشرية قوة الإلهام أن يطلقوا الألفاظ على طبق معانيها بمقدار حاجاتهم ، لا أنّ هناك واضعاً تنتظره البشرية حين نُطْقِها ، وتكون مُطَبَّقة لما وضعها من الألفاظ للمعاني(٣٣) .
٢ ـ إنها حصلت بتعليم الله عَزَ وجَلّ لآدم ، فانتشرت في ذريته بحسب مقتضيات الأزمنة والأمكنة ، إذ المستفاد من الآية الشريفة : أنّ المراد من الجمع ـ أي الأسماء ، والتأكيد الإضافي ـ ؛ أي كلهم ، ما كان في عصر آدم وما كان في مورد إحتياجه في مدة حياته ، ثم بعد ذلك إستحدثت لغات ولهجات ، وهذا الذي يمكن إستفادته من مجموع الروايات بعد رد بعضها إلى بعض ، وهو قريب من الأذهان ، وبه يمكن الجمع بين بعض الوجوه المتقدمة(٣٤) . هذا ما أردنا بحثه ـ هنا ـ رعاية للإختصار.
__________________
(٣٣) ـ الخاقاني ، الشيخ محمد بن الشيخ محمد : المحاكمات ، ج ١ / ١٣٣.
(٣٤) ـ السبزواري ، السيد عبد الأعلى الموسوي : مواهب الرحمن ، ج ١ / ١٨٣.
ويحرم بيع الترياق ؛ لاشتماله على الخمر ولحوم الأفاعي. ولا يجوز شربه للتداوي إلّا مع خوف التلف ، والسمّ من الحشائش.
والنبات يجوز بيعه إن كان ممّا ينتفع به ، كالسقمونيا ، وإلّا فلا.
والأقرب : المنع من بيع لبن الآدميّات.
ولو باعه داراً لا طريق لها مع علم المشتري ، جاز ، ومع جهله يتخيّر.
الرابع : ما نصّ الشارع على تحريمه عيناً ، كعمل الصُّور المجسّمة ، والغناء وتعليمه واستماعه ، وأجر المغنّية.
قال الصادقعليهالسلام وقد سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات ، فقال : « شراؤهنّ حرام ، وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق »(١) .
وقال الصادقعليهالسلام : « المغنّية ملعونة ، ملعون مَنْ أكل كسبها »(٢) .
وأوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوارٍ له مغنّيات أن يُبعن ويُحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسنعليهالسلام ، قال إبراهيم بن أبي البلاد : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم ، وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولىً لك يقال له : إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات وحَمْل الثمن إليك ، وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : « لا حاجة لي فيه ، إنّ هذا سحت ، وتعليمهنّ كفر ، والاستماع منهنّ نفاق ، وثمنهنّ سحت »(٣) .
أمّا المغنّية في الأعراس فقد ورد رخصة بجواز كسبها إذا لم تتكلّم بالباطل ولم تلعب بالملاهي ولم يدخل الرجال عليها.
____________________
(١) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٥٦ / ١٠١٨ ، الاستبصار ٣ : ٦١ / ٢٠١.
(٢) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٦١ / ٢٠٣.
(٣) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠٢١ ، الاستبصار ٣ : ٦١ / ٢٠٤.
روي عن الصادقعليهالسلام أنّه قال : « أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال »(١) .
إذا ثبت هذا ، فإن أدخلت الرجال أو غنّت بالكذب ، كان حراماً ؛ لما تقدّم.
ولما رواه أبو بصير عن الباقرعليهالسلام ، قال : سألته عن كسب المغنّيات ، فقال : « التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول الله عزّ وجلّ :( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) (٢) »(٣) .
مسالة ٦٤٦ : القمار حرام وتعلّمه واستعماله وأخذ الكسب به حتى لعب الصبيان بالجوز والخاتم.
قال الله تعالى :( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ) (٤) وقال تعالى :( وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ ) (٥) .
قال الباقرعليهالسلام : « لمـّا أنزل الله تعالى على رسوله( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) (٦) قيل : يا رسول الله ما الميسر؟ قال : كلّ ما يقمروا به حتى الكعاب والجوز ، فقيل : وما الأنصاب؟ قال : ما ذبحوا لآلهتهم ، قيل : والأزلام؟ قال : قداحهم
____________________
(١) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٩٨ / ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠٢٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٢ / ٢٠٥.
(٢) سورة لقمان : ٦.
(٣) الكافي ٥ : ١١٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ / ١٠٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٢ / ٢٠٧.
(٤) المائدة : ٣.
(٥ و ٦ ) المائدة : ٩٠.
التي كانوا يستقسمون بها »(١) .
وسأل إسحاق بن عمّار الصادقَعليهالسلام : الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ، فقال : « لا تأكل منه فإنّه حرام »(٢) .
وكان الصادقعليهالسلام ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل ، وقال : « هو سحت »(٣) .
مسالة ٦٤٧ : الغشّ والتدليس محرَّمان ، كشوب اللبن بالماء ، وتدليس الماشطة ، وتزيين الرجل بالحرام.
قال الصادقعليهالسلام : « ليس منّا مَنْ غشّنا »(٤) .
وقال رسول اللهصلىاللهعليهوآله لرجل يبيع التمر : « يا فلان أما علمت أنّه ليس من المسلمين مَنْ غشّهم »(٥) .
ونهى رسول اللهصلىاللهعليهوآله أن يشاب اللبن بالماء للبيع(٦) .
ولا بأس بكسب الماشطة إذا لم تفعل التدليس.
قال [ عليّ ](٧) : سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة غير ذلك وقد دخلها تضيّق ، قال : « لا بأس ، ولكن لا تصل الشعر بالشعر »(٨) .
____________________
(١) الكافي ٥ : ١٢٢ - ١٢٣ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٧ / ٣٧٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧١ / ١٠٧٥ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
(٢) الكافي ٥ : ١٢٤ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٦٩.
(٣) الكافي ٥ : ١٢٣ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٧٠.
(٤) الكافي ٥ : ١٦٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٢ / ٤٨.
(٥) الكافي ٥ : ١٦٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٢ / ٤٩.
(٦) الكافي ٥ : ١٦٠ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ / ٧٧١ ، التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٣.
(٧) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « سماعة ». ولقد ورد في المصدر لفظ « سماعة » في الحديث السابق بسطرٍ واحد. وما أثبتناه من المصدر.
(٨) التهذيب ٦ : ٣٥٩ / ١٠٣٠ ، وفيه : « وقد دخلها ضيق ».
وإذا لم يحصل تدليس بالوصل ، لم يكن به بأس.
سُئل [ الباقر ](١) عليهالسلام عن القرامل التي يضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهنّ ، فقال : « لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها » فقيل له : بلغنا أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله لعن الواصلة والموصولة ، فقال : « ليس هناك ، إنّما لعن رسول اللهصلىاللهعليهوآله [ الواصلة ](٢) التي تزني في شبابها ، فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال ، فتلك الواصلة والموصولة »(٣) .
مسالة ٦٤٨ : وتحرم معونة الظالمين على الظلم.
قال ابن أبي يعفور : كنت عند الصادقعليهالسلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا ، فقال له : أصلحك الله إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو(٤) الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه ، أو النهر يكريه ، أو المسنّاة يصلحها ، فما تقول في ذلك؟ فقال الصادقعليهالسلام : « ما أحبّ أنّي(٥) عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء وإنّ لي ما بين لابتيها لا ولا مدّة بقلم ، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد »(٦) .
مسالة ٦٤٩ : يحرم حفظُ كتب الضلال ونسخُها لغير النقض أو الحجّة وتعلُّمُها ، ونسخُ التوراة والإنجيل ؛ لأنّهما منسوخان محرَّفان ، وتعليمهما وتعلّمهما حرام ، وأخذُ الاُجرة على ذلك.
____________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الصادق ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر ، وفيه : « أبو جعفر ».
(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٣) الكافي ٥ : ١١٩ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٦٠ / ١٠٣٢.
(٤ و ٥ ) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والشدّة إن عقدت ». وما أثبتناه كما في المصدر.
(٦) الكافي ٥ : ١٠٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٣١ / ٩١٩.
وكذا يحرم هجاء المؤمنين والغيبة.
قال الله تعالى :( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ) (١) .
ويحرم سبّ المؤمنين والكذب عليهم والنميمة(٢) ومدح مَنْ يستحقّ الذمّ وبالعكس ، والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة ، بلا خلافٍ في ذلك كلّه.
مسالة ٦٥٠ : تعلّم السحر وتعليمه حرام.
وهو كلام يتكلّم به أو يكتبه أو(٣) رقية أو يعمل شيئاً [ يؤثّر ](٤) في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة.
وهل له حقيقة؟ قال الشيخ : لا ، وإنّما هو تخييل(٥) .
وعلى كلّ تقدير لو استحلّه قُتل.
ويجوز حلّ السحر بشيء من القرآن أو الذكر والأقسام ، لا بشيء منه.
روى إبراهيم بن هاشم قال : حدّثني شيخ من أصحابنا الكوفيّين ، قال : دخل عيسى بن سيفي(٦) على الصادقعليهالسلام - وكان ساحراً يأتيه الناس
____________________
(١) الحجرات : ١٢.
(٢) في الطبعة الحجريّة : « التهمة » بدل « النميمة ».
(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.
(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(٥) الخلاف ٥ : ٣٢٧ - ٣٢٨ ، المسألة ١٤ من كتاب كفّارة القتل ، المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٦٠.
(٦) في الكافي : « شفقي » بدل « سيفي ». وفي التهذيب - تحقيق السيّد حسن الخرسان - وكذا الفقيه : « شقفي». وفي التهذيب - تحقيق علي أكبر الغفاري - كما في المتن.
ويأخذ على ذلك الأجر - فقال له : جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السحر وكنت آخذ عليه الاُجرة وكان معاشي ، وقد حججت ومَنَّ الله عليَّ بلقائك وقد تبت إلى الله تعالى ، فهل لي في شيء منه مخرج؟ قال : فقال :الصادقعليهالسلام : « حُلّ ولا تعقد »(١) .
وكذا يحرم تعلّم الكهانة وتعليمها ، والكاهن هو الذي له رئيٌّ(٢) من الجنّ يأتيه بالأخبار. ويقتل ما لم يتب.
والتنجيم حرام ، وكذا تعلّم النجوم مع اعتقاد تأثيرها في عالم العنصريّات على ما يقوله الفلاسفة.
والشعبذة حرام. وهي الحركات السريعة جدّاً بحيث يخفى على الحسّ الفرقُ بين الشيء وشبهه لسرعة(٣) انتقاله من الشيء إلى شبهه.
والقيافة حرام عندنا.
مسالة ٦٥١ : يحرم بيع المصحف ، لما فيه من الابتذال له وانتفاء التعظيم ، بل ينبغي أن يبيع الجلد والورق.
قال سماعة : سألته عن بيع المصاحف وشرائها ، فقال : « لا تشتر كتاب الله ، ولكن اشتر الحديد والجلود(٤) والدفَّتين(٥) ، وقُلْ : أشتري هذا منك بكذا وكذا »(٦) .
____________________
(١) الكافي ٥ : ١١٥ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ / ١٠٤٣ ، وانظر : الفقيه ٣ : ١١٠ / ٤٦٣.
(٢) يقال للتابع من الجنّ : رئيٌّ ، بوزن كمِيّ ، سُمّي به لأنّه يتراءى لمتبوعه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ١٧٨ « رأي».
(٣) في الطبعة الحجريّة : « بسرعة ».
(٤) في المصدر : « والورق » بدل « والجلود ».
(٥) في الطبعة الحجريّة : « والدفين ». وفي « س ، ي » : « والدفتر ». وما أثبتناه من المصدر.
(٦) الكافي ٥ : ١٢١ ( باب بيع المصاحف ) الحديث ٢.
وسأل جرّاح المدائني الصادقَعليهالسلام : عن بيع المصاحف ، فقال(١) : « لا تبع الكتاب ولا تشتره ، وبع الورق والأديم والحديد »(٢) .
ولا بأس بأخذ الأجرة على كِتْبة القرآن.
قال الصادقعليهالسلام وقد سأله روح بن عبد الرحيم(٣) ، فقال له : ما ترى أن أُعطي على كتابته أجراً؟ قال : « لا بأس »(٤) .
مسالة ٦٥٢ : يحرم تعشير المصاحف بالذهب وزخرفتها.
قال سماعة : سألته عن رجل يعشّر المصاحف بالذهب ، فقال : « لا يصلح » فقال : إنّها معيشتي ، فقال : « إنّك إن تركته لله جعل الله لك مخرجاً »(٥) .
والأولى عندي الكراهة دون التحريم ؛ عملاً بالأصل ، واستضعافاً للرواية ؛ لأنّها غير مستندة إلى إمام ، والرواة ضعفاء.
ويكره كِتْبة القرآن بالذهب.
قال محمّد الورّاق(٦) : عرضت على الصادقعليهالسلام كتاباً فيه قرآن مختّم معشّر بالذهب ، وكتب في آخره سورة بالذهب ، فأريته إيّاه ، فلم يَعِبْ منه شيئاً إلّا كتابة القرآن بالذهب ، فإنّه قال : « لا يعجبني أن يكتب القرآن إلّا بالسواد كما كتب أوّل مرّة »(٧) .
____________________
(١) في « س ، ي » : « قال ».
(٢) التهذيب ٦ : ٣٦٦ / ١٠٥١.
(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عبد الرحمن ». وما أثبتناه من المصدر.
(٤) الكافي ٥ : ١٢١ - ١٢٢ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٦٦ / ١٠٥٣.
(٥) التهذيب ٦ : ٣٦٦ ، ١٠٥٥.
(٦) في الكافي : « محمّد بن الورّاق ».
(٧) الكافي ٢ : ٤٦٠ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٦.
مسالة ٦٥٣ : السرقة والخيانة حرام بالنصّ والإجماع ، وكذا بيعهما.
ولو وجد عنده سرقة ، ضمنها ، إلّا أن يقيم البيّنة بشرائها ، فيرجع على بائعها مع جهله.
روى جرّاح عن الصادقعليهالسلام قال : « لا يصلح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت »(١) .
وقال الصادقعليهالسلام : « من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها »(٢) .
وقال الصادقعليهالسلام في الرجل يوجد عنده سرقة ، فقال : « هو غارم إذا لم يأت على بائعها بشهود(٣) »(٤) .
ولو اشترى بمال السرقة جاريةً أو ضيعةً ، فإن كان بالعين ، بطل البيع ، وإلّا حلّ له وطؤ الجارية ، وعليه وزر المال.
روى السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائهعليهمالسلام : « لو أنّ رجلاً سرق ألف درهم فاشترى بها جاريةً أو أصدقها امرأة فإنّ الزوجة(٥) له حلال ، وعليه تبعة المال »(٦) .
ولو حجّ به مع وجوب الحجّ بدونه ، برئت ذمّته إلّا في الهدي.
ولو طاف أو سعى في الثوب المغصوب أو على الدابّة المغصوبة ،
____________________
(١) الكافي ٥ : ٢٢٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٨٩.
(٢) الكافي ٥ : ٢٢٩ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٩٠.
(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شهود ». وفي التهذيب : « شهوداً ». وما أثبتناه من الكافي.
(٤) الكافي ٥ : ٢٢٩ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٩١.
(٥) في المصدر : « الفرج » بدل « الزوجة ».
(٦) التهذيب ٦ : ٣٨٦ / ١١٤٧ ، و ٨ : ٢١٥ / ٧٦٧.
بطل.
مسالة ٦٥٤ : التطفيف في الكيل والوزن حرام بالنصّ والإجماع.
قال الله تعالى :( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) (١) .
ويحرم الرشا في الحكم وإن حكم على باذله بحقّ أو باطل.
الخامس : ما يجب على الإنسان فعله يحرم أخذ الأجر عليه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم.
نعم ، لو أخذ الأجر على المستحبّ منها(٢) ، فالأقرب : الجواز.
وتحرم الاُجرة على الأذان ، وقد سبق(٣) ، وعلى القضاء ؛ لأنّه واجب.
ويجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال.
ويجوز أخذ الاُجرة على عقد النكاح والخطبة في الإملاك(٤) .
ويحرم الأجر على الإمامة والشهادة وقيامها.
مسالة ٦٥٥ : لو دفع إنسان إلى غيره مالا ليصرفه في المحاويج أو في قبيل وكان هو منهم ، فإن عيّن ، اقتصر على ما عيّنه ، ولا يجوز له إعطاء غيرهم ، فإن فَعَل ، ضمن.
وإن أطلق ، فالأقرب : تحريم أخذه منه ؛ لأنّ الظاهر أنّ الشخص هنا لا يتولّى طرفي القبض والإقباض.
ولما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادقعليهالسلام في رجل أعطاه
____________________
(١) المطفّفين : ١ - ٣.
(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منهما » بدل « منها ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) في ج ٣ ص ٨١ ، المسألة ١٨٤.
(٤) الإملاك : التزويج. الصحاح ٤ : ١٦١٠ « ملك ».
رجل مالاً ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون ، أيعطيهم منه من غير أن يستأذن(١) صاحبه؟ قال : « نعم »(٢) .
وقال بعض علمائنا : يجوز له أن يأخذ مثل ما يعطي غيره ، ولا يفضّل نفسه عليهم(٣) .
وهو عندي جيّد إن علم بقرينة الحال تسويغ ذلك.
إذا عرفت هذا ، فإن كان الأمر بالدفع إلى قوم معيّنين ، لم تُشترط عدالة المأمور ، وإلّا اشترطت.
مسالة ٦٥٦ : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة إمّا لفظاً أو بشاهد الحال. ويكره انتهابه.
فإن لم يعلم قصد الإباحة ، حرم ؛ لأنّ الأصل عصمة مال المسلم.
قال إسحاق بن عمّار : قلت للصادقعليهالسلام : الإملاك يكون والعرس فينثر على القوم ، فقال: « حرام ، ولكن كل ما أعطوك منه »(٤) .
وقال أمير المؤمنينعليهالسلام : « لا بأس بنثر الجوز والسُّكّر »(٥) .
وعن الكاظمعليهالسلام ، قال : سألته عن النثار من السّكّر واللوز وأشباهه أيحلّ أكله؟ قال : « يكره أكل ما انتهب »(٦) .
مسالة ٦٥٧ : الولاية من قبل العادل مستحبّة. وقد تجب إذا ألزمه بها ، أو كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتمّ إلّا بولايته.
____________________
(١) في المصدر : « يستأمر » بدل « يستأذن ».
(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٢ - ٣٥٣ / ١٠٠١.
(٣) المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٢.
(٤) التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٧١ ، الاستبصار ٣ : ٦٦ / ٢٢٠.
(٥) التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٧٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٦ - ٦٧ / ٢٢٢.
(٦) الكافي ٥ : ١٢٣ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٧٢.
وتحرم من الجائر ، إلّا مع التمكّن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل أو بعض المؤمنين ، فيجوز حينئذٍ اعتماد ما يأمره إلّا القتل الظلم ، فإنّه لا يجوز له فعله وإن قُتل.
ولو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية ، استحبّ له تحمّله ، وكرهت له الولاية.
روى عمّار قال : سئل الصادقعليهالسلام : عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل ، قال : « لا ، إلّا أن لا يقدر على شيء [ ولا ](١) يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخُمْسه إلى أهل البيت »(٢) .
وعن الوليد بن صبيح قال : دخلت على الصادقعليهالسلام فاستقبلني زرارة خارجاً من عنده ، فقال لي الصادقعليهالسلام : « يا وليد أما تعجب من زرارة سألني عن أعمال هؤلاء أيّ شيء كان يريد؟ [ أيريد ](٣) أن أقول له : لا ، فيروي ذلك عليّ؟ » ثمّ قال : « يا وليد متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم؟ إنّما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم ، ويشرب من شرابهم ، ويستظلّ بظلّهم ، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا؟ »(٤) .
وروى حمّاد عن حميد قال : قلت للصادقعليهالسلام : إنّي(٥) ولّيت عملا
____________________
(١) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٢) التهذيب ٦ : ٣٣٠ / ٩١٥.
(٣) ما بين المعقوفين من الكافي.
(٤) الكافي ٥ : ١٠٥ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٣٠ - ٣٣١ ، ٩١٧.
(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « إنّي ». وما أثبتناه كما في المصدر.
فهل لي من ذلك مخرج؟ فقال : « ما أكثر مَنْ طلب [ من ](١) ذلك المخرج فعسر عليه » قلت : فما ترى؟ قال : « أرى أن تتّقي الله عزّ وجلّ ولا تعود »(٢) .
وكان النجاشي - وهو رجل من الدهاقين - عاملاً على الأهواز وفارس ، فقال بعض أهل عمله للصادقعليهالسلام : إنّ في ديوان النجاشي عليَّ خراجاً وهو ممّن يدين بطاعتك ، فإن رأيت أن تكتب إليه كتاباً ، قال : فكتب إليه كتاباً : بسم الله الرحمن الرحيم ، سرّ أخاك يسرّك الله » فلمـّا ورد عليه الكتاب وهو في مجلسه وخلا ناوله الكتاب وقال : هذا كتاب الصادقعليهالسلام ، فقبّله ووضعه على عينيه وقال : ما حاجتك؟ فقال : عليّ خراج في ديوانك ، قال له : كم هو؟ قال : عشرة آلاف درهم ، قال : فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه ، ثمّ أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل ، ثمّ قال : هل سررتك؟ قال : نعم ، قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى ، فقال : هل سررتك؟ فقال : نعم ، جعلت فداك ، قال : فأمر له بمركب ثمّ أمر له بجارية وغلام وتخت ثياب في كلّ ذلك يقول : هل سررتك؟ فكلّما قال : نعم ، زاده حتى فرغ قال له : احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إليّ كتاب مولاي فيه ، وارفع إليّ جميع حوائجك ، قال : ففعل ، وخرج الرجل فصار إلى الصادقعليهالسلام بعد ذلك ، فحدّثه بالحديث على جهته ، فجعل يستبشر بما فعله ، قال له الرجل : يا بن رسول الله فإنّه قد سرّك ما فعل بي؟ قال : « إي والله لقد سرّ الله ورسوله »(٣) .
____________________
(١) ما بين المعقوفين من التهذيب. وفي الكافي : « مَنْ طلب المخرج من ذلك ».
(٢) الكافي ٥ : ١٠٩ / ١٥ ، التهذيب ٦ : ٣٣٢ / ٩٢٢.
(٣) الكافي ٢ : ١٥٢ ( باب إدخال السرور على المؤمنين ) الحديث ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ٩٢٥.
مسالة ٦٥٨ : جوائز الجائر إن علمت حراماً لغصبٍ وظلم وشبهه حرم أخذها ، فإن أخذها، وجب عليه ردّها على المالك إن عرفه. وإن لم يعرفه ، تصدّق بها عنه ويضمن ، أو احتفظها أمانةً في يده ، أو دفعها إلى الحاكم. ولا يجوز له إعادتها إلى الظالم ، فإن أعادها ، ضمن، إلّا أن يقهره الظالم على أخذها ، فيزول التحريم.
أمّا الضمان فإن كان قد قبضها اختياراً ، لم يزل عنه بأخذ الظالم لها كرهاً. وإن كان قد قبضها مكرهاً ، زال الضمان أيضاً.
وإن لم يعلم تحريمها ، كانت حلالاً بناءً على الأصل.
قال محمّد بن مسلم وزرارة : سمعناه يقول : « جوائز العمّال ليس بها بأس »(١) .
وقال الباقرعليهالسلام : « إنّ الحسن والحسين ٨ كانا يقبلان جوائز معاوية »(٢) .
ولو علم أنّ العامل يظلم ولم يعلم أنّ المبيع بعينه ظلم ، جاز شراؤه.
قال معاوية بن وهب : قلت للصادقعليهالسلام : أشتري من العامل الشيء وأنا أعلم أنّه يظلم ، فقال : « اشتر منه »(٣) .
قال أبو المغراء : سأل رجلٌ الصادقَعليهالسلام وأنا عنده ، فقال : أصلحك الله أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال : « نعم » قلت : وأحجّ بها؟ قال : « نعم »(٤) .
____________________
(١) التهذيب ٦ : ٣٣٦ / ٩٣١.
(٢) التهذيب ٦ : ٣٣٧ / ٩٣٥.
(٣) التهذيب ٦ : ٣٣٨ / ٩٣٨.
(٤) الفقيه ٣ : ١٠٨ / ٤٥٠ ، التهذيب ٦ : ٣٣٨ / ٩٤٢.
مسالة ٦٥٩ : ما يأخذ الجائر من الغلّات باسم المقاسمة ، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز شراؤه واتّهابه ، ولا تجب إعادته على أصحابه وإن عُرفوا ؛ لأنّ هذا مال لا يملكه الزارع وصاحب الأنعام والأرض ، فإنّه حقّ لله أخذه غير مستحقّه ، فبرئت ذمّته ، وجاز شراؤه.
ولأنّ أبا عبيدة سأل الباقرَعليهالسلام : عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم ، فقال : « ما الإبل والغنم إلّا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه » قيل له : فما ترى في مصدّقٍ يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا(١) ، نقول : بعناها ، فيبيعناها ، فما ترى في شرائها منه؟ قال : « إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس » قيل له : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا ويأخذ حظّه فيعزله بكيل ، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال : « إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل »(٢) .
روى عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - عن أبي الحسنعليهالسلام ، قال : قال لي : « ما لك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام؟ إنّي أظنّك ضيّقاً » قال : قلت : نعم ، فإن شئت وسّعت عليَّ ، قال : « اشتره »(٣) .
مسالة ٦٦٠ : إذا كان له مال حلال وحرام ، وجب عليه تمييزه منه ، ودفع الحرام إلى أربابه ، فإن امتزجا ، أخرج بقدر الحرام ، فإن جهل أربابه ،
____________________
(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أغنيائنا » بدل « أغنامنا ». وما أثبتناه من المصدر.
(٢) الكافي ٥ : ٢٢٨ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٥ / ١٠٩٤.
(٣) التهذيب ٦ : ٣٣٦ / ٩٣٢.
تصدّق به عنهم ، فإن جهل المقدار ، صالح أربابه عليه ، فإن جهل أربابه ومقداره ، أخرج خُمْسه، وحلّ له الباقي.
قال الصادقعليهالسلام : « أتى رجل أمير المؤمنينعليهالسلام فقال : إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليَّ ، فقال أمير المؤمنينعليهالسلام : تصدّق بخُمْس مالك ، فإنّ الله عزّ وجلّ رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك »(١) .
مسالة ٦٦١ : تكره معاملة مَنْ لا يتحفّظ من الحرام ، فإن دفع إليه من الحرام ، لم يجز له أخذه ولا شراؤه ، فإن أخذه ، ردّه على صاحبه. وإن بايعه بمال يعلم أنّه حلال ، جاز. وإن اشتبه، كان مكروهاً.
قال النبيّصلىاللهعليهوآله : « الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وبين ذلك اُمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمَن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، ألا إنّ لكلّ ملك حمىً ، وحمى الله محارمه »(٢) .
وروى الحسن بن عليّعليهماالسلام عن النبيّصلىاللهعليهوآله أنّه كان يقول : « دَعْ ما يُريبك إلى ما لا يُريبك»(٣) .
مسالة ٦٦٢ : الأجير إمّا عامّ أو خاصّ ، فالعامّ هو الذي يستأجر للعمل
____________________
(١) الكافي ٥ : ١٢٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٦٨ - ٣٦٩ / ١٠٦٥.
(٢) صحيح البخاري ١ : ٢٠ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١٩ / ١٥٩٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٥١١ / ١٢٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٤ باختلاف في بعض الألفاظ.
(٣) سنن الترمذي ٤ : ٦٦٨ / ٢٥١٨ ، سنن النسائي ٨ : ٣٢٧ - ٣٢٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٥ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٩ / ١٧٢٤ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٣ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ٧٥ / ٢٧٠٨ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ١٣ / ٢٠٣٢.
المطلق ، فيجوز له فعله مباشرةً وتسبيباً. والخاصّ هو الذي يشترط عليه العمل مباشرة مدّة معيّنة ، فلا يجوز أن يعمل لغير من استأجره إلّا بإذنه.
و(١) لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيعينه في صنعته(٢) فيعطيه رجل آخر دراهم فيقول : اشتر لي كذا وكذا ، فما ربحت فبيني وبينك ، قال : « إذا أذن له الذي استأجره فليس به بأس »(٣) .
ويجوز للمطلق.
وثمن الكفن حلال ، وكذا ماء تغسيل الميّت واُجرة البدرقة.
مسالة ٦٦٣ : يجوز لمن مرَّ بشيء من الثمرة في النخل أو الفواكه الأكلُ منها إن لم يقصد ، بل وقع المرور اتّفاقاً. ولا يجوز له الإفساد ولا الأخذ والخروج به ، ولا يحلّ له الأكل أيضاً مع القصد. ولو أذن المالك مطلقاً ، جاز.
روى محمّد بن مروان قال : قلت للصادقعليهالسلام : أمرّ بالثمرة فآخذ(٤) منها ، قال : « كُلْ ولا تحمل » قلت : فإنّهم قد اشتروها ، قال : « كُلْ ولا تحمل » قلت : جعلت فداك إنّ التجّار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : « اشتروا ما ليس لهم »(٥) .
وعن يونس عن بعض رجاله عن الصادقعليهالسلام ، قال : سألته عن
____________________
(١) كذا ، والظاهر زيادة الواو حيث إنّها غير مسبوقة بذكر دليل حتى يتمّ العطف عليه.
(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة المعتمدة في التحقيق ، وفي المصدر : « فيبعثه في ضيعته » بدل « فيعينه في صنعته».
(٣) التهذيب ٦ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١١٢٥.
(٤) في المصدر : « فآكل » بدل « فآخذ ».
(٥) التهذيب ٦ : ٣٨٣ / ١١٣٤.
الرجل يمرّ بالبستان وقد حِيط عليه أو لم يحط ، هل يجوز له أن يأكل من ثمره وليس يحمله على الأكل من ثمره إلّا الشهوة وله ما يغنيه عن الأكل من ثمره؟ وهل له أن يأكل منه من جوع؟ قال : « لا بأس أن يأكل ، ولا يحمله ولا يفسده »(١) .
وهل حكم الزرع ذلك؟ إشكال أقربه : المنع ؛ لما رواه مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن الصادقعليهالسلام ، قال : قلت له : الرجل يمرّ على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة ، قال : « لا » قلت : أيّ شيء سنبلة؟ قال : « لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ سنبلة كان لا يبقى منه شيء »(٢) .
وكذا الخضراوات والبقول.
ولو مَنَعه المالك ، فالوجه : أنّه يحرم عليه التناول مطلقاً إلّا مع خوف التلف.
مسالة ٦٦٤ : روي أنّ النبيّصلىاللهعليهوآله نهى عن بيعتين في بيعة(٣) .
وفُسّر بأمرين :
أحدهما : أن يبيع الشيء بثمن نقداً وبآخَر نسيئةً. وقد بيّنّا بطلان هذا البيع.
والثاني : أن يكون المراد به أن يقول : بعتك بكذا على أن تبيعني أنت كذا بكذا.
والثاني عندنا صحيح ، خلافاً للشافعي ؛ لأنّه شرط بيع ماله ، وذلك
____________________
(١) التهذيب ٦ : ٣٨٣ - ٣٨٤ / ١١٣٥.
(٢) التهذيب ٦ : ٣٨٥ / ١١٤٠.
(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٣٣ / ١٢٣١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٣ ، مسند أحمد ٢ : ٣٦٦ / ٦٥٩١ ، و ٣ : ٢٤٦ / ٩٧٩٥ ، و ٢٩٧ / ١٠١٥٧ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٣ / ٧٢.
غير واجب بالشرط(١) .
وهو ممنوع ؛ لقولهعليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٢) وقد تقدّم(٣) .
مسالة ٦٦٥ : النجش حرام ؛ لأنّهعليهالسلام نهى عنه(٤) ، وهو خديعة ، وليس من أخلاق أهل الدين.
ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن سلعة لا يريد شراءها ليقتدي به المشترون بمواطاة البائع.
وروي أنّهعليهالسلام قال : « لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا»(٥) .
إذا ثبت هذا ، فإذا اشترى(٦) المشتري مع النجش ، كان البيع صحيحاً - وبه قال الشافعي(٧) - لأصالة صحّة البيع. وقوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ
____________________
(١) مختصر المزني : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٤ ، الوسيط ٣ : ٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤ ، المجموع ٩ : ٣٣٨.
(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.
(٣) في ج ١٠ ص ٢٢٤ و ٢٥٠ ، المسألتان ١١٢ و ١١٨.
(٤) صحيح البخاري ٣ : ٩١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٤ / ٢١٧٣ ، مسند أحمد ٢ : ١٧١ / ٥٢٨٢ ، و ٢٤٩ / ٥٨٢٨ ، و ٣٣٤ / ٦٤١٥.
(٥) المعجم الصغير - للطبراني - ٢ : ٨٩ ، تاريخ بغداد ٢ : ٢٧٣ ، وبتفاوت في المعجم الأوسط - للطبراني - ٧ : ١٥٧ / ٧٠٢١ ، والمصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٥٧١ / ٢٠٧٤ ، وسنن البيهقي ٦ : ٩٢ ، ومسند أحمد ٢ : ٥٤١ / ٧٦٧٠.
(٦) في « س ، ي » : « اشتراه ».
(٧) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢ ، بداية المجتهد ٢ : ١٦٧ ، المغني ٤ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٨.
الْبَيْعَ ) (١) السالم عن معارضة النهي ؛ لأنّه لمعنى في غير البيع ، وإنّما هو الخديعة.
وقال مالك : يكون مفسوخاً لأجل النهي عنه(٢) .
ويثبت للمشتري الخيار إذا علم بالنجش ، سواء كان ذلك بمواطاة البائع وعلمه أو لا إن اشتمل على الغبن ، وإلّا فلا.
وقال الشافعي : إذا علم أنّه كان نجشاً ، فإن لم يكن بمواطأة البائع وعلمٍ ، فلا خيار. وإن كان ، فقولان.
أظهرهما : عدم الخيار ؛ لأنّه ليس فيه أكثر من الغبن ، وذلك لا يوجب(٣) الخيار ؛ لأنّ التفريط من المشتري حيث اشترى ما لا يعرف قيمته ، فهو بمنزلة من اشترى ما لا يعرف قيمته ، وغبنه بائعه.
ونحن لمـّا أثبتنا الخيار بالغبن سقط هذا الكلام بالكلّيّة.
والثاني : أنّه يثبت الخيار - كما قلناه - لأنّه تدليس من جهة البائع ، فأشبه التصرية(٤) .
ولو قال البائع : أعطيت في هذه السلعة كذا وكذا ، فصدّقه المشتري فاشتراها بذلك ، ثمّ ظهر له كذبه ، فإنّ البيع صحيح ، والخيار على هذين
____________________
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) بداية المجتهد ٢ : ١٦٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، المغني ٤ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٨.
(٣) ظاهر الطبعة الحجريّة : « لا يجيز » بدل « لا يوجب ». وظاهر « س ، ي » : « لا يعيّن ».
وما أثبتناه من نسخة بدل في هامش الطبعة الحجريّة.
(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢ ، المغني ٤ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٨.
الوجهين(١) .
والأقرب عندي : انتفاء الخيار هنا ؛ لأنّ التفريط من المشتري.
مسالة ٦٦٦ : نهى النبيّصلىاللهعليهوآله عن بيع البعض على البعض ، فقال : « لا يبيع(٢) بعضكم على بيع بعض »(٣) .
ومعناه أنّ المتبايعين إذا عقدا البيع وهُما في مجلس الخيار ، فجاء آخَر إلى المشتري فقال له : أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون ثمنها الذي اشتريت به ، أو أنا أبيعك خيراً منها بثمنها ، أو عرض عليه سلعة حسب ما ذكره.
والأقرب : أنّه مكروه.
وقال الشافعي : إنّه محرَّم ؛ عملاً بظاهر النهي ؛ لأنّ الحديث وإن كان ظاهره ظاهر الخبر إلّا أنّ المراد به النهي. ولأنّه إضرار بالمسلم(٤) وإفساد عليه ، فكان حراماً(٥) .
ويُمنع ذلك.
فإن خالَف وفَعَل ذلك وبائع المشتري ، صحّ البيع ؛ لأنّ النهي لمعنى في غير البيع ، فأشبه البيع حالة النداء.
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢.
(٢) كذا ، وفي بعض المصادر : « لا يبع ».
(٣) صحيح البخاري ٣ : ٩٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٤ / ١٤١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٣ / ٢١٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٧ / ١٢٩٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٤ ، مسند أحمد ٢ : ١٧١ / ٥٢٨٢ ، و ٢٤٩ / ٥٨٢٨.
(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بالمسلمين ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، الوسيط ٣ :
٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨١ ، المغني ٤ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨.