تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام0%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

تربة الحسين عليه السلام

مؤلف: الشيخ أمين حبيب آل درويش
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف:

الصفحات: 554
المشاهدات: 38590
تحميل: 3627


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38590 / تحميل: 3627
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) :

أما موقف أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فيمكن تلخيصه فيما يلي :

أ ـ توبيخهم أمام الناس وإظهار حقيقتهم ومثال ذلك : ما رواه الحارث ، عن علي : أنّه دخل المسجد ، فإذا بصوت قاصّ ، فلما رآه سكت ، قال علي : ما هذا؟!

قال القاصّ ، أنا. فقال علي : أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : سيكون بعدي قصّاص لا ينظر الله إليهم(١٨١) .

ب ـ طردهم من المساجد ، ومثال ذلك : ما رواه أبو البختري ، قال : دخل علي بن أبي طالب المسجد فإذا رجل يوّف ، فقال ما هذا؟

فقالوا : رجل يُذكِّر الناس. فقال ليس برجل يُذكِّر الناس ، لكنّه يقول : أنا فلان بن فلان فاعرفوني. فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟! فقال : لا. قال : فاخرج من مسجدنا ، ولا تُذكِّر فيه(١٨٢) . وحين قدم البصرة طرد القَصّاصِين من المسجد ، حيث أنّه لا ينبغي القصص في المسجد(١٨٣) .

ج ـ إقامة الحدود عليهم بالضرب ، ومثال ذلك : عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنّه قال : (إنّ أمير المؤمنين عليه السلام ، رأى قاصّاً في المسجد فضربه بالدرّة وطرده)(١٨٤) .

__________________

(١٨١) ـ الهندي ، علي المتقي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ١٠ / ١٧٢.

(١٨٢) ـ القرطبي ، محمد بن احمد الأنصاري : الجامع لأحكام القرآن ، ج ٢ / ٦٢.

(١٨٣) ـ الطرطوشي ، محمد بن الوليد : الحوادث والبدع / ١٠٠.

(١٨٤) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الكافي ، ج ٧ / ٢٦٣.

١٤١

وأيضاً ما روي ، من أنّه حينما بلغه عليه السلام ما يقوله القصاصون في قصة أوريا قال : من حَدّث بحديث داود على ما يرويه القصاص ؛ جلدته مائة وستين جلدة ، وذلك حد الفرية على الأنبياء»(١٨٥) .

موقف بقية الأئمة (عليهم السلام) :

وأما بقية الأئمة عليهم السلام : فاستخدموا الأسلوب التالي :

١ ـ ذكر اليعقوبي : «ومَرّ الحسن يوماً وقاصّ يقصّ على باب مسجد رسول الله : فقال الحسن : ما أنت؟! فقال : أنا قاصّ يا ابن رسول الله. قال كذبت ، محمد القاصّ ، قال الله عَزّ وجَلّ :( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ ) (١٨٦) . قال : فأنا مذّكر. قال : كذبت ، محمد المذكر ، قال له عَزّ وجَلّ :( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ) (١٨٧) . قال : فما أنا؟ قال : المتكلف من الرجال»(١٨٨) .

٢ ـ «إنّ الإمام السجاد عليه السلام قد نهى الحسن البصري عن مزاولة عمل القصص ، فاستجاب للنهي»(١٨٩) .

٣ ـ وعن الإمام الباقر عليه السلام ، في تفسير قوله تعالى :( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ) (١٩٠) قال منه القصاص(١٩١) .

__________________

(١٨٥) ـ العاملي ، السيد جعفر مرتضى : الصحيح من سيرة الرسول الأعظم ، ج ١ / ١٩٠.

(١٨٦) ـ الأعراف / ١٧٦.

(١٨٧) ـ الغاشية / ٢١.

(١٨٨) ـ اليعقوبي ، أحمد بن ابي يعقوب : تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(١٨٩) ـ ابن خلكان ، أحمد بن محمد : وفيات الأعيان ، ج ٦ / ٧٠.

(١٩٠) ـ الأنعام / ٦٨.

(١٩١) ـ العياشي ، الشيخ محمد بن مسعود : تفسير العياشي ، ج ٢ / ٣٦٢.

١٤٢

٤ ـ ذكر القصاصون عند الصادق عليه السلام فقال : لعنهم الله إنهم يشيعون علينا. وسئل الصادق عليه السلام عن القصاص ، أيحل الإستماع لهم؟ فقال : لا وقال عليه السلام : من أصغى إلى ناطق ؛ فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله ؛ فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن إبليس ؛ فقد عبد إبليس.

وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله تعالى :( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) (١٩٢) ، قال : هم القصاص(١٩٣) .

وعن عباد بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : (إني مررت بقاصّ يقص وهو يقول : هذا المجلس لا يشقى به جليس. قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : هيهات هيهات ، أخطأت أستاهم الحفرة ، إنّ لله ملائكة سيّاحين ، سوى الكرام الكاتبين ، فإذا مرّوا بقوم يذكرون محمداً وآل محمد قالوا : قفوا فقد أصبتم حاجتكم ، فيجلسون ، فيفقهون معهم ، فإذا قاموا عادوا مرضاهم وشهدوا جنائزهم ، فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس)(١٩٤) .

بيان وإيضاح :

الإستاه : بفتح الهمزة والهاء ؛ جمع الإست باكسر ، وهي حلقة الدبر. والمراد بالحفرة : الكنيف الذي يتغوط فيه ، وكأنّ هذا كان مثلاً سائراً ، يضرب لمن إستعمل كلاماً في غير موضعه ، أو أخطأ خطأ فاحشاً. وقد يقال : شبهت أفواههم بالأستاه تفضيحاً لهم ، وتكرير هيهات ـ أي بعد هذا القول عن الصواب ـ للمبالغة في البعد عن الحق.

__________________

(١٩٢) ـ الشعراء / ٢٢٤.

(١٩٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٦٩ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(١٩٤) ـ الكليني ، الشيخ محمد يعقوب : الكافي ، ج ٢ / ١٨٦.

١٤٣

والمراد بـ(فيتفقهون معهم) ؛ أي يطلبون العلم ويخوضون فيه. وفي بعض النسخ (فيفقهون معهم) أي يصدقونهم ، أو يذكرون بينهم مثل ذلك(١٩٥) . هذه بعض المواقف التي عالج بها الأئمة عليهم السلام ظاهرة القصّاص.

الثانية ـ السماح لهم تحت شروط معيّنة :

المستفاد من سيرة الأئمة عليهم السلام السماح للقصاصين بمزاولة القَصّ ، لكن بشروط معينة ، ولعلّ أهم شرط هو ما يلي :

أن يكون القاص عارفاً بأمور دينه ؛ كي يقوم بتفسير القرآن وإيضاح السنة والأحكام ، وإيضاح ما هو مدسوس في القصص من الإسرائيليات ؛ ولذا ينبغي لخطباء المنبر الحسيني سَلّمَهم الله ، أو يوضحوا للناس ما في القصص من الفوائد الدينية ، وينبهونهم على السلبيات الموجودة فيها ، بالأدلة العلمية المقنعة حتى لا يكون الخطيب قَاصّاً ، ويترتب عليه ما ورد عن الأئمة عليهم السلام في شأن القصّاص.

ومن النماذج على ذلك ما يلي :

١ ـ عن ابي عبد الرحمن السلمي قال : «مَرّ علي بن أبي طالب عليه السلام برجل يقَصّ ، فقال : أعَرِفت الناسخ من المنسوخ؟! قال : لا. قال : هلكت وأهلكت»(١٩٦) .

٢ ـ «قال علي عليه السلام للقاص : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : نعم. قال : قال : قُصّ»(١٩٧) .

__________________

(١٩٥) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٧١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ «بتصرف».

(١٩٦) ـ السيوطي ، عبد الرحمن بن ابي بكر : الدر المنثور ، ج ١ / ١٠٦.

(١٩٧) ـ ابن الجوزي ، عبد الرحمن بن علي : القصاص والمذكرين / ١٠٥.

١٤٤

٣ ـ فقد رووا : أنّه عليه السلام إنتهى إلى قَاصّ يقص فقال : تقص؟ ونحن حديثوا عهد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! أما أني أسألك عن مسألتين ، فإن أصبت وإلا أوجعتك ضرباً.

قال : سل يا أمير المؤمنين. قال : ما ثبات الإيمان وزواله؟ قال : ثبات الإيمان الورع ، وزواله الطمع(١٩٨) .

٤ ـ وروي عن سعد الإسكاف : قال لأبي جعفر عليه السلام : إني أجلس فأقصّ ، وأذكر حقكم وفضلكم! قال : وددت أنّ على كل ثلاثين ذراعاً قاصاً مثلك(١٩٩) .

وكان أبان بن تغلب «قاصّ الشيعة»(٢٠٠) . وكان عدي بن ثابت الكوفي ـ المتوفى سنة ١١٦ هـ ، إمام مسجد الشيعة وقاصهم(٢٠١) .

رابعاً ـ موقف العلماء والباحثين :

لاحظ العلماء والباحثون من العامة والخاصة ، أنّ نصيب القصاص في وضع الحديث كان كبيراً ، حيث أدخل على الحديث وتاريخ المسلمين الكثير من أساطير الأمم التي سبقت الإسلام ، لتكون مَعْوَل هدمً وتخريب فسارع عدد منهم إلى بحث ودراسة هذا الموضوع على نحو الخصوص ، لتنبيه المسلمين من هذه الأساطير الدخيلة على الإسلام. وممن بحث هذا الموضوع من العلماء والباحثين ما يلي :

__________________

(١٩٨) ـ المصدر السابق / ٢٣.

(١٩٩) ـ الأردبيلي ، الشيخ محمد بن علي : جامع الرواة ، ج ١ / ٣٥٣.

(٢٠٠) ـ الحاكم النيسابوري ، محمد بن عبد الله ، معرفة علوم الحديث / ١٣٦.

(٢٠١) ـ الذهبي ، محمد بن احمد : تاريخ الإسلام / ٤١٨ و ٤١٩ (حوادث سنة ١٠٠ ـ ١٢٠ هـ).

١٤٥

١ ـ عبد الرحمن بن علي ، المعروف بابن الجوزي ، المتوفي سنة (٥٩٧ هـ) ، في كتابه (القصاص والمذكرين).

٢ ـ الحافظ العراقي : المتوفي سنة (٨٠٦ هـ) ، في كتابه (الباعث على الخلاص من حوادث القصاص).

٣ ـ الحافظ السيوطي ، المتوفي سنة (٩١١ هـ) ، في كتابه (تحذير الخواص من أكاذيب القصاص).

٤ ـ ملا علي القاري ، المتوفي سنة (١٠١٤ هـ) ، في كتابه (الأسرار المرفوعة).

كما أنّ هناك من تعرض لهذا الموضوع في بعض الأبحاث منهم ما يلي :

ـ السيد هاشم معروف الحسيني ، المتوفي سنة (١٤٠٤ هـ) ؛ في كتابه (الموضوعات والآثار ـ ص ١٥٣ ـ ١٧٦).

ـ محمود ابو رية ، المتوفى سنة (١٩٧٠ م) ، في كتابه (أضواء على السنة المحمدية ـ ص ٩٧ ـ ٩٩).

ـ السيد جعفر مرتضى العاملي (المعاصر) ، في كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم ، ج ١ / ١٢١ ـ ١٩٣).

هذه بعض الكتب والأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع ، وبهذا تنتهي البحوث التمهيدية ، وسوف نشرع في أبحاث هذا الجزء إن شاء الله تعالى.

١٤٦

المبحث الأول

قصص الحوار

١٤٧
١٤٨

مدخل البحث

١ ـ معنى الحوار

٢ ـ تاريخ ونشأة الحوار

١٤٩
١٥٠

١ ـ معنى الحوار :

تناولت المعاجم اللغوية والعلمية هذه اللفظة كالتالي :

قال الشيخ الطريحي (قده) : «التحاور : التجاوب. والمحاورة : المجاوبة ؛ يقال : تحاور الرجلان إذا رَدّ كل منهما على صاحبه ، ومنه ناظرته وحاورته»(٢٠٢) .

وقال ابن منظور : «والمحاورة : المجاوبة ، والتحاور : التجاوب ، والمحاورة : مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة»(٢٠٣) .

وقال البعلبكي : «الحوار ؛ المحاورة : يقصد بالحوار في القصة والمسرحية ؛ ما يدور من حديث بين شخصين أو أكثر. أما المحاورة ؛ فنوع أدبي قائم بذاته يهدف إلى طرح مواقف فلسفية أو فكرية متعارضة ، ومناقشتها من طريق حوار يجري بين شخصين أو أكثر في موضوع ما»(٢٠٤) .

وبعد عرض ما ذكر في تعريف الحوار ، ينبغي طرح السؤال التالي :

س / لماذا تَمّ إختيار لفظة (الحوار) ، مع العلم أنّ هناك لفظة (الجَدَل والمنَاظَرَة) ، وهي تؤدي نفس الهدف؟

ج / يتضح الجواب بعد بيان معنى الجدل والمناظرة ، كالتالي :

الجدل لغة : «جَدِل الرجل جدلاً ، فهو جدل من باب تعب إذا إشتدت خصومته ، وجادل مجادلة وجِدَالاً : إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب. هذا أصله ثم اُستعمل على لسان حملة الشرع في مقابلة

__________________

(٢٠٢) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٣ / ٢٧٩.

(٢٠٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٤ / ٢١٨.

(٢٠٤) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٥٣.

١٥١

الأدلة لظهور أرجحها ، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق ، وإلا فمذموم»(٢٠٥) .

وفي إصطلاح المناطقة عَبّر عنه الشيخ محمد رضا المظفر بقوله : «صناعة علمية يُقتدر معها ـ حسب الإمكان ـ على إقامة الحجة من المقدمات المسلمة على أي مطلوب يراد ، وعلى محافظة أي وضع يتفق(٢٠٦) ، على وجه لا تتوجه عليه مناقضة. وإنما قُيّد التعريف بعبارة (حسب الإمكان) ، فلأجل التنبيه على أنّ عجز المجادل عن تحصيل بعض المطالب لا يقدح في كونه صاحب صناعة ، كعجز الطبيب مثلاً عن مداواة بعض الأمراض ، فإنّه لا ينفي كونه طبيباً»(٢٠٧) .

والمناظرة : «هي المحاورة بين فريقين حول موضوع لكل منهما وجهة نظر فيه تخالف وجهة نظر الفريق الآخر ، فهو يحاول إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه ، مع رغبته الصادقة بظهور الحق والإعتراف به لدى ظهوره»(٢٠٨) .

وبعد عرض هذه المعاني الثلاثة للحوار والجدل والمناظرة ، نخرج بالنتيجة التالية :

١ ـ إنّ لفظ (الحوار) ينسجم مع بحثنا أكثر من لفظ (الجدل والمناظرة) ؛ إذ أنّ الجدل وإن كان أكثر إستعمالاً في القرآن الكريم ـ حيث ورد في سبعة وعشرين موضعاً ، والحوار في ثلاثة مواضضع ـ ، إلا أنّ الغالب في إستعمال لفظ (الجدل) في النزاع والخصومة الفكرية ، وما يترتب على ذلك من نتيجة

__________________

(٢٠٥) ـ الفيومي ، احمد بن محمد : المصباح المنير ، ج ١ / ٩٣.

(٢٠٦) ـ الوضع : هو الدعوى التي يراد إثباتها أو إبطالها.

(٢٠٧) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : المنطق / ٣٧٥.

(٢٠٨) ـ الميداني ، عبد الرحمن حسن : ضوابط المعرفة / ٣٨١.

١٥٢

عقيمة ، وقد تَحوّلت إلى صناعة يُقْصَد بها التدريب على الأخذ والرد لتعطيل قوة الخصم ، لا للوصول للقناعة والحقيقة ، بخلاف الحوار فإنّ الهدف منه هو الوصول للحقيقة.

٢ ـ إنّ لفظ (الحوار) أوسع مدلولاً من لفظ (الجدل والمناظرة) ، حيث يشمل الخصومة وغيرها ، ولذا جاء لفظ (الحوار والجدل) بمعنى واحد ، كما في قوله تعالى :( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) [المجادلة / ١].

قال الشيخ الطوسي (قده) في تفسير الآية : «وقد يقال : للمراجعة والمقابلة للمعنى بما يخالفه مجادلة ومن قابل المعنى بخلافه طلباً للفائدة فليس بمجادلة ، وقال أيضاً : والتحاور التراجع ؛ وهو المحاورة ، تقول : تحاور تحاوراً ؛ أي راجعه في الكلام»(٢٠٩) . إذن ، المحاورة تشمل الجدل والمناظرة.

٢ ـ تاريخ ونشأة الحوار :

الحوار مظهر بارز في القصة ، سواء القرآنية أو النبوية أو غير ذلك ، بل يعتبر جانباً مهماً في القصة ، حيث كان منتشراً فيها بشكل ملحوظ ، وعلى ذلك نرى أنّ موضوع الحوار يرتبط بشخصية الإنسان ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى :( ...وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ) [الكهف / ٥٤]. فيمكن الإستفادة من هذه الآية الكريمة ، أنّ صفة الجدل والحوار من الصفات اللازمة للإنسان في طبعه كبقية الصفات التي تميزه عن سائر المخلوقات ، فقد طبع الإنسان على مواجهة الحياة ، بكل ما تحويه من أوضاع وأحداث وملابسات

__________________

(٢٠٩) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : التبيان في تفسير القرآن ، ج ٩ / ٥٤١ ـ ٥٤٢.

١٥٣

فكرية ، ذات آراء مختلفة وأفكار متنوعة ، لتجسد له المعنى الذي تنطلق فيه آراؤه وأفكاره في مجال العرض وميادين الصراع ، والذي يهمنا بحثه هو الوصول إلى أنّ الحوار يتجسد في الإنسان المحاور الذي يعرف كيف يصل إلى عقل الإنسان الآخر بأقرب طريق وأفضل اسلوب ، وكان الحوار أسلوب الأنبياء ورسالتهم الإلهية إلى الإنسان ، وينطلق الحوار ليحرك الفكر والعاطفة والوجدان ، ومنهجاً للسير بالحياة إلى أهدافها الكبيرة ، وبعد كل ذلك تطرح السؤال التالي :

س / متى بدأ الإهتمام بلغة الحوار والجدل من الناحية العلمية؟

يمكن الإجابة على هذا السؤال فيما يلي :

يعتبر الفلاسفة أوّل من تبنى هذه الفكرة ، وتبعهم فيها المتكلمون ، وهكذا تطورت الفكرة بعد مرورها بأطوار إنسانية مختلفة ، يمكن حصرها فيما يلي :

أ ـ الفلاسفة :

مرت لفظة (الحوار والجدل) عند الفلاسفة بالأدوار التالية :

١ ـ «إستخدمت كلمة الجدل لأوّل مرة في الفلسفة من قبل زينون تلميذ برمنديس ينكر وجود الكثرة والتغيير في عالم الوجود أساساً ، بما أنّ هذا الإعتقاد يتنافى مع البديهيات الحِسيّة ، فقد أصبح موضع سخرية وإستهزاء من قبل الناس ، وإنطلاقاً من رغبة زينون في الدفاع عن أستاذه ، فقد إتخذ الجدل كأسلوب لنفض آراء الناس القائلة بوجود الكثرة والتغيير ، وهكذا فقط كان الجدل يمثل عند زينون وسيلة لنقش آراء الطرف المقابل ، وإثبات آرائه عن طريق برهان الخلف.

٢ ـ إستخدم السوفسطائيون الجدل في التغلب في المحاكم القضائية ، وإستحصال الأموال من الموكلين.

١٥٤

٣ ـ إستخدم الجدل في القرون الوسطى بمعناى المنطق ، والأساليب المنطقية لإثبات القضايا الفلسفية»(٢١٠) .

ب ـ الديانات :

إنّ الجدل والحوار كان شائعاً بين أتباع الديانات والملل السابقة على الإسلام كالتالي :

١ ـ الحوار والجدل بين الحنفاء الموحدين والمشركين.

٢ ـ الحوار والجدل بين اليهود والنصارى.

٣ ـ الحوار والجدل بين الفرق والمذاهب المسيحية ، في قضية التثليث وعلاقة عيسى عليه السلام بالله.

٤ ـ الحوار والجدل بين المذاهب اليهودية ، كالرّبانيّين والقُرّاء.

هذه بعض نماذج الحوار ، التي مرت بها الملل والديانات ، وما زالت مستمرة إلى هذه العصور ، ولكن باسلوب وطور مختلف.

ج ـ الإسلام :

عرف الإسلام بين الديانات بظهوره وبروزه في الحوار ، ولعلّ من أهم الشواهد على ذلك ، ما استعرضه القرآن الكريم من نماذج الحوار بين الديانات ، وكذلك ما ذكره المؤرخون من حوارات للنبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام عليهم السلام ، مع المشركين واليهود والنصارى والزنادقة ، التي تشكل قواعد وأسس يبتني عليها الحوار في كل زمان ومكان ، بل تعتبر تاريخاً مشرقاً وحضارة إسلامية من أجل توعية ال أمم البشرية عبر العصور ، إلى نشر الفضيلة

__________________

(٢١٠) ـ الرّي شهري ، محمد : الحوار بين الحضارات / ١٤ ـ ١٥.

١٥٥

والوصول بها إلى منتهى الكمال البشري المراد في الدنيا ، وسوف تتضح من خلال الأبحاث المدرجة في هذا البحث.

١٥٦

الفصل الأول

الحوار في القصّة

أ ـ طبيعة الحوار

ب ـ وظائف الحوار

١٥٧
١٥٨

أ ـ طبيعة الحوار :

تظهر أهمية الحوار في أنّه عملية سردية تتبع فيها الأحداث والمواقف بطريقة سردية رتيبة ، ولكي لا تبدو هذه الرتابة بصورة مُملّة ، فإنّ القصة تلجأ إلى إستعمال الحوار ، لإعطاء هذا السرد نوعاً من الحيوية والإثارة ، حتى تستطيع القصة أن تَشدّ المستمع إليها وتحمله على المتابعة المستمرة ، لأنّ المستمع سيجد في الحوار تشويقاً ومتعة لا حدّ لهما ، كما أنّ الحوار سيلبي لديه حاجته النفسية في حبه لإستطلاع معنى الحوار وأبعاده ، وما يترتب عليه من مواقف وما يُخلّفه من أحداث. فالملاحظ في الحوار أنّه يأتي في سياق القصة في صورة طبيعية ؛ أي أنّه يبرز إلى الوجود في ساحة القصة ، من خلال الموقف وبدافع منه ، فهو لا يقحم على السياق ولا يفرض عليه فرضاً ، والحوار قصير لا يستمر وقتاً طويلاً يمضيه المتحاوران في حديثيهما ، فلا يلبث بعد عدة فقرات أن يتوقف عند نقطة معينة ، والحوار في القصة لا يعرض علينا في مظهر مسرحي. بحيث يتم التحاور بين الأشخاص بالصورة المباشرة التي لا تشعر معها بوجود الراوي ، ولكنّه يعرض بصورة يكون فيها الحوار مضمناً في السرد ، فهو ذو علاقة وثيقة بالسرد بحيث نَحسّ بحضور الراوي يحكي لنا في أثناء سرده للقصة مقولات المتحاورين ، وينقلها لنا مسبوقة بلفظ «قال أو قالوا أو ما شابه ذلك» من ألفاظ ، وهذه هي الطريقة التي يصورها الحوار في قصص القرآن والسيرة النبوية.

ب ـ وظائف الحوار :

تظهر أهمية عنصر الحوار في القصة ، الدور البارز في بناء القصة والذي يتضح جلياً من خلال الوظائف المتعددة التي يؤديها في البناء الروائي لها كالتالي :

١٥٩

١ ـ المساعدة في رسم الشخصية ، فهو سيجعل الشخصية أكثر حضوراً وتجسيماً من خلال حضورها في الحوار ، وسيجعلها كاملة الوضوح أمام القارئ أو السامع الذي سيحس بها من خلال حديثها وكلامها والدور الحقيقي هنا للحوار ، وهو ما يحمله من ترجمة لمشاعر الشخصية وعواطفها وأحاسيسها المختلفة ، التي ستبوح بها من خلال الكلمات الواردة على لسانها.

٢ ـ تطوير الحدث ، والسعي به نحو حلقات جديدة ، ودفعه لبعث مواقف جديدة في خط سير القصة إلى أن تصل إلى النهاية المقصودة.

٣ ـ عميق الحدث في نفس السامع أو القارئ وتجسيده من خلال فقرات الحوار الدائرة حوله والمنبعثة منه.

٤ ـ المساعدة على تصوير مواقف معينة في القصة.

٥ ـ الكشف مغزى القصة ، وإبانة غرضها الذي ترمي إليه.

٦ ـ إنّ الحوار يضفي على القصة نوعاً من الواقعية الحيّة في نظر السامع أو القارئ ؛ إذ يحس أنّه أمام أحياء يمارسون وجودهم فعلاً ، من خلال ما يقرؤه أو يسمعه من أحاديثهم ومحاورتهم التي تردد على مسامعه في ثنايا القصة ، ومن خلال مواقفها المتعددة»(٢١١) .

__________________

(٢١١) ـ الزير ، محمد بن حسن : القصص في الحديث النبوي / ٢٥٠ ـ ٢٥٩ «بتصرف».

١٦٠