تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام10%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42756 / تحميل: 4661
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وذلك لأهمية الملائكة من خلال تنفيذهم للأوامر الإلهية ؛ كإيصال الوحي إلى الأنبياء ، وكتابة أعمال البشر ، وقبض الأرواح ونحو ذلك من الأوامر. فهم جند الله الذين لا يعصونه ما أمرهم ، يوجههم بوحيه وأمره.

٣ ـ الجن :

خلق الله من نار السموم ، وهم خلق غير مرئي. وذهب بعض الباحثين إلى القول بـ : «أنّ الجن له قاسم مشترك مع الملائكة والإنس ، فالجن هم بين بين.

أولاً ـ إشتراك بالخفاء مثل الملائكة تماماً ؛ أي أنّهم كائنات غير مرئية.

ثانياً ـ إشتراك بحرية الإرادة والإختيار مثلهم بذلك كالانس تماماً ...» (٧).

وقد جاء لفظ الجن في القرآن الكريم في (٢٢ مورداً). والملاحظ لهذه الآيات يخرج بهذه النتيجة التالية :

١ ـ الجن خلق قبل الإنس كما أشار القرآن الكريم في قوله تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ) [الحجر / ٢٦ ـ ٢٧].

٢ ـ أنّهم يشاركون الإنس في التكليف والعبادة.

٣ ـ أنّهم يشاركون الإنس في الحياة على هذه الأرض ، ولهم إرتباط بهم ، قال تعالى :( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) [الجن / ٦١].

٤ ـ أنهم يشاركون الإنس في أنبيائهم ، وخير شاهد على ذلك ما ذكره القرآن عن قصة سليمان عليه السلام مع الجن ، كما في سورة النحل / ١٧ ، ٣٩ ، وسبأ / ١٢ ، ١٤. وقصة إستماع الجن للقرآن كما في سورة الأحقاف / ٢٩ ،

__________________

(٧) ـ العبد الله ، رياض : الجن والشياطين بين العلم والدين / ٣١.

٢١

والجن / ١. وأيضاً نلاحظ هذا واضحاً في السيرة الحسينية ، نذكر منها ما يلي :

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (لما سار أبو عبد الله عليه السلام من المدينة أتته أفواج من مسلمي الجنّ ـ إلى أن قال ـ قال عليه السلام : وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد إختارها الله تعالى لي يوم دحو الأرض ، وجعلها معقلاً لشيعتنا ، ويكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة)(٨) . وفي خطبة السجاد عليه السلام في مجلس يزيد : (أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء)(٩) .

٤ ـ الشيطان :

إبليس لعنه الله كان من الجن كما قال تعالى :( إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) [الكهف / ٥٠].

وبذلك شَطَن عن الحق ، ونال اللعنة الأبدية ، فأصبح شَيطاناً مَرِيداً يقوم باغواء الإنسان ، وهو العدو المبين له ، إبتداء من آدم عليه السلام حيث وردت قصته معه في سبع سور من القرآن الكرمي : في الأعراف / ١١ ، ٢٧ ، والحجر / ٢٦ ، ٤٣ ، والإسراء / ٦١ ، ٦٥ ، والكهف / ٥٠ ، وطه / ١١٦ ، ١٢٣ ، وص / ٧١ ، ٨٥ ، والبقرة / ٣٠ ، ٣٩.

والمفهوم من سياق القصة أنّها قد إستهدفت العظة والتنبيه ، كما أنّها تنوعت في اسلوبها ، وهكذا يوضح لنا القرآن عداوة الشيطان وقد أكد على

__________________

(٨) ـ النوري ، ميرزا حسين : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٢١٧ ـ (باب ١٧ من أبواب المزار ـ حديث ٤).

(٩) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ١٧٤.

٢٢

ذلك في ستة وتسعين مرة ، وفي كل مرة يذكرنا بأنّه عدو مبين ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : كيف يوسوس لنا الشيطان فيغوينا؟

إنّ وسوسة الشيطان لا ندري كيف تتم ، ومتى يقترب منا ، لأننا لا ندري عن كنه وحقيقة الشيطان ، حتى ندرك كيفيات أفعاله ، إلا أننا نعلم أنّ الشيطان يغوينا بطريقة ما. وبهذه الظاهرة الشيطانية والإعتقاد بوجودها ليست مقتصرة على المسلمين فقط ، بل لها وجود حتى عند غيرهم من الديانات كالمسيحية ، فقد عَبّر البابا (بولس الثاني) عن معارضته للأقوال المغايرة لعدم وجود الشيطان ، وقد صَرّح بحزم وقوة بأنّ الشيطان موجود فعلاً ، وذلك في خطبة ألقاها وسط حشد كبير في الفاتيكان عام ١٩٧٢ م.

قال فيها : «وإنّ من يرفض الإقرار بوجود الشيطان ، فهذه الحقيقة المرعبة المخيفة ، يخرج عن تعاليم العهد القديم والعهد الجديد. وبهذا فقد استقبل المؤمنون تلك الكلمات لبابا روما بحماس كبير مما جعلهم يستعيدون إيمانهم بحقيقة وجود الشيطان وبحقيقة مكافحته بأي وسيلة ، وخاصة الصلاة للرب بإيمان مخلص ، فلا يمكن للشيطان الإقتراب منهم إذا كانوا حذرين منه»(١٠) .

«وأما القضية الهامة التي شغلت الصحف الإنكليزية في منتصف عام ١٩٣٤ م ، فقد كانت تتلخص في أنّ الدكتور : (الكسندر كانون) وهو طبيب وباحث ومتخصص في معالجة الأمراض العقلية ، قد وضع كتاباً بعنوان (الشيطان وتأثيره الخفي) وأورد ضمن صفحاته كافة صنوف السحر وآثاره وتعلقه بالشيطان ، ولم يسردها على شكل رواية ، بل على شكل بحث علمي

__________________

(١٠) ـ العبد الله ، رياض : الجن والشياطين بين العلم والدين / ١٦٩.

٢٣

علق عليه بحوادث مشاهدة من قبله بالذات ، وجميع نظرياته تؤكد وجود الشيطان والمسيطر على عدد كبير من سكان العالم»(١١) .

إنّ قضية الشيطان قد أخذت أشواطاً وأبعاداً في هذا العصر ، وما زالت قصص الشيطان تحدث في العالم بأسره ، والشيطان ما زال منذ الخليقة سيد موقفه يمارس كافة وساوسه. وبعد هذا نقول : إنّ القصص القرآنية والنبوية تحفل بالتحذير من هذه الشخصية ، وكذلك السيرة الحسينية حافلة بذلك كما في خطبة يوم كربلاء : (لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنسانكم ذكر الله العظيم فتباً لكم ولما تريدون)(١٢) . وعَبّر عن أعدائه : (ونفثة الشيطان ومطفئي السنن)(١٣) .

٥ ـ الحيوانات والطيور والحشرات :

ومن الشخصيات التي لها دور بارز في القصة سواء كانت قرآنية أو نبوية أو غير ذلك من أنواع القصة الحيوانات والطيور ، وهذا الدور يمكن تقسيمه إلى قسمين :

الأول ـ أنّ يكون لهذه الشخصية دور بارز ، وتعامل كأنّها شخصيات بشرية ، ومن أمثلة هذا النوع ما ذكره القرآن الكريم في قصة الهدهد مع النبي سليمان عليه السلام في قوله تعالى :( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ *لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) [النمل / ٢٠ ـ ٢١]. وأيضاً في قصة النملة معه عليه السلام ، كما في قوله تعالى :( حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [النمل / ١٨].

__________________

(١١) ـ المصدر السابق / ١٦٢.

(١٢) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(١٣) ـ نفس المصدر / ٢٣٤.

٢٤

الثاني ـ أن تكون الأدوار عادية ؛ بحيث تعرض القصة أمثال هذه الشخصيات في صورة عادية ، كأنّ لها دور تكميلي للحدث أو لها صلة به ، كما في قصة النبي ابراهيم عليه السلام والطيور وقد ذكرها القرآن في قوله تعالى :( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [البقرة / ٢٦٠]. وأيضاً قصة حمار عزير ، كما في قوله تعالى :( ...وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [البقرة / ٢٥٩]. هذه بعض النماذج القرآنية لهذا النوع من الشخصية ، وأما بالنسبة للسيرة الحسينية ، فقد ذكرت مثل ذلك. فمن النماذج التي لها دور بارز فرس الحسين عليه السلام حينما خاطبه بقوله : «أنت عطشان وأنا عطشان ، فلا أشرب حتى تشرب! فرفع الفرس رأسه كأنّه فهم الكلام»(١٤) .

وأيضاً للفرس موقف آخر حينما وقع الحسين عليه السلام : «وأقبل الفرس يدور حوله ويلطخ ناصيته بدمه ، فصاح ابن سعد دونكم الفرس ، فإنّه من جياد خيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فأحاطت به الخيل فجعل يرمح برجله حتى قتل أربعين رجلاً وعشرة أفراس ، فقال ابن سعد : دعوه لننظر ما يصنع؟ فلما أمن الطلب أقبل نحو الحسين يمرغ ناصيته بدمه ويشمه ويصهل صهيلاً عالياً. قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : كان يقول : الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها. وتوجه نحو

__________________

(١٤) ـ المصدر السابق / ٢٧٥.

٢٥

المخيم بذلك الصهيل. فلما نظرت النساء إلى الجواد مخزياً ، والسرج عليه ملوياً ، خرجن من الخدور ، ناشرات الشعور! على الخدود لاطمات ، وللوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العزّ مذللات ، وإلى مصرع الحسين مبادرات»(١٥) .

ومن النماذج التي لها إرتباط تكميلي بالحدث ، أو أدنى صلة بذلك العقرب الأسود ، وذلك حينما دعا الحسين عليه السلام على محمد بن الأشعث «فقال الحسين : اللهم إنّ محمد بن الأشعث يقول : ليس بيني وبين محمد قرابة. اللهم أرني فيه هذا اليوم ذلاً عاجلاً. فاستجاب الله دعاءه ، فخرج محمد بن الأشعث من العسكر ، ونزل عن فرسه لحاجته ، وإذا بعقرب أسود ، يضربه ضربة تركته مُتَلَوِثاً في ثيابه ومات بادي العورة»(١٦) .

وأيضاً ما ورد عن الحسن عليه السلام مخاطباً أخاه الحسين عليه السلام عن بكاء الوحوش والحيتان قال : «ويكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، وقد ازدلف إليك ثلاثون ألفاً يَدّعُون أنّهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وإنتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك فعندها تحل ببني أمية اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار)(١٧) .

__________________

(١٥) ـ المصدر السابق / ٢٨٣.

(١٦) ـ نفس المصدر / ٢٣١.

(١٧) ـ نفس المصدر / ٢١١.

٢٦

ثالثاً ـ الحدث :

يعتبر الحدث في أي قصة رُوحُها الذي يمنحها الحياة والحيوية ، وهو محط الإعتبار فيها ؛ بحيث تجده هو المسيطر ، فالشخصيات حين ترد في القصة لا يُهتم بها لذاتها بل لما سيحدث لها ، وتكون العناية بمواقفها. وقد أثار الدكتور محمد خلف الله في دراسة للفن القصصي في القرآن الكريم ملاحظة جدير بالاهتمام والعناية ؛ لما تلقيه من ضوء على ظاهرة العناية بالحدث في القصة النبوية ، فقد لاحظ أنّ القرآن الكريم وخاصة في عهده الأول لم يكن يعنى بتصوير الشخصيات ، وعزا ذلك ـ وهذا ما يهمنا هنا ـ إلى أنّه هو المذهب السائد في إعتبار قصاص العربية ؛ لأنّ العرب كانوا يهتمون بالحادثة أكثر من إهتمامهم بالبطل ، ويهتمون بالفكرة والرأي أكثر من إهتمامهم بالأشخاص ، وهذا هو الواضح تماماً فيما يروى عن العرب من قصص ، فنجد في (العقد الفريد) بعض هذه النوادر التي وإن تكن إسلامية ، إلا أنّها قد حافظت ـ إلى حد ما ـ على الشكل والصورة في لون من ألوان القصص والنوادر»(١٨) .

ويضيف محمد الزير : «ومما يؤكد هذه الملاحظة التي تحمل قدراً كبيراً من المعقولية ، أنّ البيئة التي عاش فيها العربي ، بيئة أحداث تتردد أصداؤها كل يوم في مسامعه ، فهو منذ أن يتفتح وعيه على الحياة ، إلى أن يغمض عينيه في نومة الموت ، وهو يعيش أعنف صور الأحداث ، متمثلة في تلك الحروب التي لا تبقي ولا تذر. مما أعطى هذا العربي وعياً خاصاً (بالحدث) وجعل له مكانة معينة في حسه ونفسه بحيث يزن به الأمور والأشياء ، ويقيمها من خلال تصوره

__________________

(١٨) ـ الزير ، محمد بن حسن : القصص في الحديث النبوي / ٢٤٢ (بتصرف).

٢٧

للحدث وقد كان أمراً منطقياً أن تعتني القصة النبوية (بالحدث) وأن تسخره كنقطة قوة فيها ، من أجل تأثير أكثر عمقاً في نفوس مستمعيها وقارئيها»(١٩) .

وبعد هذا يمكن دراسة الحدث من جهتين :

الأولى ـ دراسة الحدث من حيث التأثير بالحادثة ، وذلك عن طريق الوسائل التالية :

١ ـ تصور الحادثة بما يثير عوامل الرغبة أو الرهبة في النفوس ، ومن هذا القبيل ما نجده في تصوير القرآن لحياة الشهداء ، كما في قوله تعالى :( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [آل عمران / ١٦٩]. ومن الشواهد على ذلك في السيرة الحسينية ما يلي : ما بَشّر به الحسين عليه السلام أصحابه لما فرغ من الصلاة قال لأصحابه : «يا كرام هذه الجنة قد فتحت أبوابها ، وإتصلت أنهارها ، وأينعت ثمارها ، وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ، يتوقعون قدومكم ، ويتباشرون بكم فحاموا عن دين الله ودين نبيه ، وذبوا عن حرم رسول ، فقالوا : نفوسنا لنفسك الفداء ، ودماؤنا لدمك الوقاء ، فوالله لا يصل إليك والى حرمك سوء وفينا عرق يضرب»(٢٠) . نعم إنّ الحسين عليه السلام قدوة الأحرار في أقواله وأفعاله ، وخير شاهد على ذلك بعض مواقف أصحابه ليلة العاشر من المحرم منها : «هازل برير عبد الرحمن الأنصاري ، فقال له عبد الرحمن : ما هذه ساعة باطل؟ فقال برير : لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ولكني مستبشر بما

__________________

(١٩) ـ المصدر السابق / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

(٢٠) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٤٦.

٢٨

نحن لاقون ، والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولو وددت أنّهم مالوا علينا الساعة».(٢١) ومنها «وخرج حبيب بن مظاهر يضحك ، فقال له يزيد بن الحصين الهمداني : ما هذه ساعة ضحك! قال حبيب : وأي موضع أحق بالسرور من هذا؟ ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور»(٢٢) .

٢ ـ عرض الحوادث المثيرة في ذاتها ؛ ومن هذه الأحداث المثيرة ما نجده في قصة (صوت في سحابة) حين فوجئ الرجل الذي كان يسير في أرض فلاة بصوت في سحابة يقول : «إسق حديقة فلان»(٢٣) . فالصوت الذي كان ينادي بصوت إنسان باسم فلان مثير في ذاته باعث على العجب ، وتزداد إثارته حين يستجيب ذلك السحاب للنداء فينتحى ويفرغ ماءه وإذا الماء يتجه إلى حديقة الرجل صاحب الاسم.

وفي السيرة الحسينية كثير من الأدلة والشواهد منها التالي :

أ ـ «لما رجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة ودخل قصر الإمارة ، ووضع أمامه الرأس المقدس ، سالت الحيطان دماً ، وخرجت نار من بعض نواحي القصر وقصدت سرير ابن زياد ، فولى هارباً منها ودل بعض بيوت القصر فتكلم الرأس الأزهر بصوت جهوري سمعه ابن زياد وبعض من حضر : «إلى أين تهرب؟! فإن لم تنلك في الدنيا فهي في الآخرة مثواك. ولم يسكت حتى ذهبت النار! وادهش من في القصر لهذا الحادث الذي لم يشاهد مثله»(٢٤) .

__________________

(٢١) ـ المصدر السابق / ٢١٦.

(٢٢) ـ نفس المصدر.

(٢٣) ـ النيسابوري ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ٤ / ٢٢٨٨.

(٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣٢٣.

٢٩

ب ـ «ولما نصب الرأس الأقدس في موضع الصيارفة وهناك لغط المارة وضوضاء المتعاملين ، فأراد سيد الشهداء توجيه النفوس نحوه ليسمعوا بليغ عظاته ، فتنحنح الرأس تنحنحاً عالياً فاتجهت إليه الناس ، واعترتهم الدهشة حيث لم يسمعوا رأساً مقطوعاً يتنحنح قبل يوم الحسين عليه السلام ، فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى :( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) [الكهف / ١٣]. وصلب على شجرة فاجتمع الناس حولها ينظرون إلى النور الساطع ، فأخذ يقرأ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) »(٢٥) [الشعراء / ٢٢٧].

٣ ـ محاولة التنقل السريع في تسلسل الأحداث والإعتماد على تتابع الأحداث سريعاً لخلق جوٍ مليء بالحركة ، وكأنّما نحن أمام مسرح حافل بالنشاط في مشاهدة حيوية متتابعة ، كما في قصة الإسراء والمعراج ، حيث تتابع الأحداث فيها إبتداء من ركوب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على البراق ، ثم إتيانه بيت المقدس وصلاته فيها ، ثم العروج إلى السماء ، حيث أخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جبرائيل في التنقل من سماء إلى سماء صعوداً إلى أعلى ، وفي كل سماء يقابل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نبياً من الأنبياء إلى سدرة المنتهى ، إلى أن أنهى رحلته المقدسة إلى مكة المكرمة في ليلة واحدة ، ولهذا عَبّر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى :( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الإسراء / ١].

وأيضاً ما نجده في السيرة الحسينية ، إبتداءاً من خروج الحسين عليه السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ثم إلى كربلاء ، وما جرى على أرض كربلاء من

__________________

(٢٥) ـ المصدر السابق.

٣٠

المجازر الرهيبة في يوم العاشر من المحرم ، وما ترتب على ذلك من سبي حرمه وأطفاله من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام ، إلى أن رجعوا إلى المدينة ، حيث تتابع الأحداث بصورة متلاحقة وسريعة.

الثانية ـ دراسة أنواع الحدث ، وهي كالتالي :

١ ـ أن يكون من قبيل القضاء والقدر ، بحيث تحدث القصة بصورة تجعلنا ننسبها مباشرة إلى تدخل قدرة الله في إجرائها ، كما نجد ذلك في قصة مبيت أمير المؤمنين علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الهجرة ، وهنا تبدأ قصة من أروع ما عرفه التاريخ البشري ، فقد ذكر اليعقوبي في تاريخه : «... وإنّ الله عَزّ وجَلّ ، أوحى في تلك الليلة إلى جبرائيل وميكائيل أني قضيت على أحدكما بالموت ، فأيكما يواسي صاحبه؟ فاختار الحياة كلاهما ، فأوحى الله إليهما ، هَلّا كنتما كعلي بن أبي طالب؟! ، آخيت بينه وبين محمد ، وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر ، فاختار علي الموت وآثر محمداً بالبقاء وقام في مضجعه ، إهبطا فاحفظاه من عدوّه ، فهبط جبرائيل وميكائيل ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه يحرسانه من عَدوِّه ، ويصرفان عنه الحجارة ، وجبريل يقول : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، من مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سموات! وخَلّف علياً على فراشه لرد الودائع التي كانت عنده وصار إلى الغار ، فكمن فيه وأتت قريش فراشه ، فوجدوا علياً فقالوا : أين ابن عمّك؟ قال : قلتم له اخرج عنّا ، فخرج عنكم. فطلبوا الأثر فلم يقعدوا عليه ، وأعمى عليهم المواضع ، فوقفوا على باب الغار وقد عشعشت عليه حمامة ، فقالوا : ما في هذا الغار أحد. وانصرفوا ، وخرج رسول الله متوجهاً إلى المدينة»(٢٦) . من تتبع أحداث

__________________

(٢٦) ـ اليعقوبي ، احمد بن ابي يعقوب : تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ / ٣٩.

٣١

هذه القصة ؛ توصل إلى تدخل يد القدرة فيها. كما نجد هذا النوع من الحدث له نماذج في السيرة الحسينية ، ومن تلك النماذج : «وأراد رجل منهم أخذ تكة سرواله وكان لها قيمة ، وذلك بعد ما سلبه الناس. يقول : أردت أن أنزع التكة فوضع يده اليمنى عليها ، فلم أقدر على رفعها فقطعت يمينه! فوضع يده اليسرى عليها فلم أقدر على رفعها فقطعتها ، وهممت بنزع السروال ، فسمعت زلزلة فخفت وتركته وغشي عليّ ، وفي هذه الحال رأيت النبي وعلياً وفاطمة والحسن ، وفاطمة تقول : يا بني قتلوك قتلهم الله. فقال لها : يا أم قطع يدي هذا النائم. فدعت عليّ فقالت : قطع الله يديك ورجليك ، وأعمى بصرك ، وأدخلك النار. فذهب بصري ، وسقطت يداي ورجلاي ، فلم يبق من دعائها إلا النار»(٢٧) .

من تأمل أحداث هذه القصة ؛ تَبيّن له جلياً أنّ الحوادث تنبأ عن إرتباطها بالسماء مباشرة كي تظهر للبشر مدى عظمة هؤلاء ومنزلتهم الجليلة عند الله عَزّ وجَلّ.

٢ ـ خوارق ومعجزات ، يجربها الله تبارك وتعالى لنصرة أوليائه من الأنبياء والأوصياء ونحوهم. ولعل الهدف من ذلك ، هو طمأنت المؤمنين على التمسك بالحق الذي هم عليه ، وأن يثبتوا مهما كَلّفهم ذلك من عناء ومن تلك المعجزات : «أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام يصلي عند الكعبة ، وقد حلف أبو جهل لئن رآه يصلي ليدمغنّه ، فجاءه ومعه حجر ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي ، فجعل كلما

__________________

(٢٧) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٨٥.

٣٢

رفع الحجر ليرميه أثبت الله يده إلى عنقه ، ولا يدور الحجر بيده ، فلما رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده»(٢٨) .

ومن الخوارق والمعجزات الحسينية في كربلاء : «وأقبل القوم يزحفون نحوه ، وكان فيهم عبد الله بن حوزة التميمي فصاح : أفيكم حسين؟ وفي الثالثة قال أصحاب الحسين : هذا الحسين فما تريد منه؟

قال يا حسين ، أبشر بالنار. قال الحسين : كذبت بل أقدم على رب غفور كريم مطاع شفيع فمن أنت؟!

قال : أنا ابن حوزة. فرفع الحسين يديه حتى بان بياض إبطيه وقال : اللهم حزه إلى النار. فغضب ابن حوزة وأقحم الفرس إليه وكان بينهما نهر ، فسقط عنها وعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس ، وانقطعت قدمه وساقة وفخذه وبقي بجانبه الآخر مُعلّقاً بالركاب ، وأخذت الفرس تضرب به كل حجر وشجر ، وألقته في النار المشتعلة في الخندق ، فاحترق بها ومات ، فخر الحسين ساجداً شاكراً حامداً على إجابة دعائه ، ثم انّه رفع صوته يقول : اللهم إنّا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا ، إنّك سميع قريب»(٢٩) .

٣ ـ أحداث غير ماألوفة ، لا تحدث إلا نادراً ، بحيث تبدو في نظر السامع أو القارئ أحداثاً غريبة ، كالأحداث التي كان يقدم عليها الخضر في قصته مع موسى (عليهما السلام) : من خرقه للسفينة ، وقتله للغلام ، وإقامته للجدار الذي يريد أن ينقض ، وكانت هذه الأحداث مثار عجب موسى وإستغرابه ،

__________________

(٢٨) ـ القمي ، الشيخ عباس : منتهى الآمال ، ج ١ / ٥٦.

(٢٩) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٠.

٣٣

ولذلك كان يستنكر على الخضر في كل مرة ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه القصة في سورة الكهف من آية (٦٦ إلى ٨٨). ومن هذا النوع ما ذكر في السيرة الحسينية ، كما في حوار محمد بن الحنفية للحسين عليه السلام في الخروج الى العراق : «وأتاه محمد بن الحنفية في الليلة التي سار الحسين في صبيحتها إلى العراق وقال : عرفت غدر أهل الكوفة بأبيك وأخيك ، وأني أخاف أن يكون حالك حال من مضى ، فأقم هنا فإنّك أعزّ من في الحرم وأمنعه. فقال الحسين : أخاف أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم ، فأكون الذي تستباح به حرمة هذا ال بيت ، فأشار عليه ابن الحنفية بالذهاب إلى اليمن أو بعض نواحي البر ، فوعده عبد الله في النظر في هذا الرأي ، وفي سحر تلك الليلة ، إرتحل الحسين عليه السلام فأتاه ابن الحنفية وأخذ بزمام ناقته وقد ركبها ، وقال : ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال : بلى ، ولكن بعدما فارقتك أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : يا حسين ، اخرج فإنّ الله تعالى شاء أن يراك قتيلاً ، فاسترجع محمد ، وحينما لم يعرف الوجه في حمل العيال معه ، وهو على مثل هذا الحال ، قال الحسين عليه السلام : قد شاء الله تعالى أن يراهن سبايا»(٣٠) .

رابعاً ـ الحوار :

ينظر إلى الحوار كاسلوب هام من الأساليب العملية القصصية ، وبناء الشخصية في القصة ، بحيث نستطيع أن نشهد هذه الشخصية وهي تتحدث في حوار مع الآخرين ، مُعَبِّرة عما تحمله من أفكار ، وسوف يأتي البحث مُفَصّلاً في (القصة الحوارية).

__________________

(٣٠) ـ المصدر السابق / ١٦٧.

٣٤

خامساً ـ الزمان والمكان :

يمكن دراسة عنصري الزمان والمكان في القصة من خلال ما يلي :

أولاً ـ علاقة الحدث بالقصة :

إنّ الحدث في القصة عبر إنتظام في الإطار الزمني ، هذا الإطار الذي يعتبر وسيلة من وسائل الحركة والتطور في القصة ؛ أي أنّ الأحداث تبرز العرض السردي في صورة زمنية منطقية تترتب فيها النتائج على المقدمات ، وتنتقل الشخصيات من حال إلى حال ، عبر تسلسل زمني له أثره في السير بالأحداث إلى النهاية.

ثانياً ـ النظر إلى الزمن كوعاء للحدث :

أو بلفظ آخر تحديد الفترة الزمنية التي وقع فيها الحدث ، وقد نجد إشارات متناثرة تبرز في القصة حين يكون لهذا الزمن أهمية خاصة في تقدير الحدث نفسه ، وطبعه بطابع الأهمية والخطورة ، وهذا ما نجده واضحاً في القرآن ، كيوم القيامة أو اليوم الآخر ، فهذا اليوم تتكرر فيه الإشارة إليه في كل قصة تكون أحداثها فيه. وكذلك ما ذكره القرآن في غزوة بدر التي عبّر عنها في قوله تعالى :( ...وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [الأنفال / ٤١]. وأيضاً ما ذكر في قوله تعالى :( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) [التوبة / ٢٥].

٣٥

وأمّا ما ورد في السيرة الحسينية ؛ فكثير نذكر منه ما يلي :

١ ـ «أنّ الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، دخل يوماً إلى الحسن عليه السلام فلما نظر إليه بكى فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام : إنّ الذي يُؤتي إليّ سَمّ يُدس إليَّ فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يَدّعُون أنّهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ...»(٣١) .

٢ ـ قال الرضا عليه السلام : «إنّ المحرم شهر كان أهل الجاهلية يُحرِّمُون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، واُضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهبت ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا ، إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذَلّ عزيزنا بأرض كرب وبلا الخ»(٣٢) .

ثالثاً ـ كون المكان وعاء للأحداث :

فهو مسرحها الذي تقع عليه ، والقصة أحياناً تحاول أن تشعرنا بالمكان ، والواقع أنّ هناك وظيفة غير مباشرة لعنصري الزمان والمكان من الناحية الفنية ، فهما يعمقان لدى القارئ أو السامع ، الإحساس بالحدث والشخصيات ، بحيث يأتي العرض القصصي أكثر تأثيراً وفاعلية ، فالشخصية التي تمارس الحدث في مكان ، كالجنة أو النار كمكانين لهما دلالات معينة ، تختلف في تأثيرها عن الشخصية التي تتحرك وتعمل من غير ارتباط بمكان ما ، وقد أشار القرآن

__________________

(٣١) ـ البحراني : الشيخ عبد الله بن نور الله : عوالم العلوم ، ج ١٧ / ١٥٤.

(٣٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

٣٦

الكريم في قوله تعالى :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) [طه / ١٢] ، إلى دور الشخصية ـ وهو موسى عليه السلام ـ التي تمارس الحدث ـ وهو خلع النعلين ـ في المكان وهو : وادي طوى. وأما ما ورد في السيرة الحسينية ؛ فكثير نذكر منه التالي :

١ ـ جاء الحسين عليه السلام إلى قبر جده وصلى ركعات ، ولما كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فغفا ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ، فَضَمّ الحسين إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيه وقال : (حبيبي يا حسين ، كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحاً بأرض كربلا بين عصابة من أمتي ، وأنت مع ذلك عطشان ، وظمآن لا تروى ، وهم بعد ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة)(٣٣) .

٢ ـ وقال في خطبة في مكة : (... وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطِّعُها عُسْلَان الفَلاة بين النواويس وكربلاء ...)(٣٤) .

وبعد هذا العرض المتقدم ؛ قد تَمّ ما يمكن دراسته في عناصر القصة الفنية.

__________________

(٣٣) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٣٣.

(٣٤) ـ نفس المصدر / ١٦٦.

٣٧
٣٨

أقسام القصة

١ ـ القصة الواقعية.

أ ـ القضايا الشخصية

ب ـ القضايا التاريخية

ج ـ قصص متعلقة بتربة الحسين (عليه السلام)

٣٩
٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

من بجيلة يقال له عاصم بن عمر فقال لأبي جعفرعليه‌السلام إن كعب الأحبار كان يقول إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة فقال أبو جعفرعليه‌السلام فما تقول فيما قال كعب فقال صدق القول ما قال كعب فقال أبو جعفرعليه‌السلام كذبت وكذب كعب الأحبار معك وغضب قال زرارة ما رأيته استقبل أحدا بقول كذبت غيره ثم قال ما خلق الله عز وجل بقعة في الأرض أحب إليه منها ثم أومأ بيده نحو الكعبة ولا أكرم على الله عز وجل منها لها حرم الله الأشهر الحرم في كتابه «يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » ثلاثة متوالية للحج ـ شوال وذو القعدة وذو الحجة وشهر مفرد للعمرة وهو رجب.

٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله تبارك وتعالى حول الكعبة عشرين ومائة رحمة منها ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين.

ما دل على الكراهة على ما كان في المسجد الحرام الذي كان في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا الخبر على ما إذا كان في غيره.

قوله عليه‌السلام : « ما خلق الله عز وجل بقعة » اعلم : أنه اختلف في أشرف البقاع.

فقيل : هي موضع الكعبة.

وقيل : موضع قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده مواضع قبور الأئمةصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقال الشهيد (ره) في الدروس : مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا موضع قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وروي في كربلاء على ساكنها السلام مرجحات. والأقرب أن مواضع قبور الأئمةعليهم‌السلام كذلك إلا البلدان التي هم بها فمكة أفضل منها حتى من المدينة.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « وأربعون للمصلين » لا ينافي هذا ما روي : أن الطواف في السنة الأولى أفضل من الصلاة ، وفي الثانية مساو لها ، وفي الثالثة الصلاة أفضل إذ الواردون غير المجاورين أكثر من المجاورين والمقيمين بكثير وكذا طوافهم أكثر فتأمل.

١٠١

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي عبد الله الخزاز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن للكعبة للحظة في كل يوم يغفر لمن طاف بها أو حن قلبه إليها أو حبسه عنها عذر.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن علي ، عن ابن رباط ، عن سيف التمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من نظر إلى الكعبة لم يزل تكتب له حسنة وتمحى عنه سيئة حتى ينصرف ببصره عنها.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال النظر إلى الكعبة عبادة والنظر إلى الوالدين عبادة والنظر إلى الإمام عبادة وقال من نظر إلى الكعبة كتبت له حسنة ومحيت عنه عشر سيئات.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من نظر إلى الكعبة بمعرفة فعرف من حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها غفر الله له ذنوبه وكفاه هم الدنيا والآخرة.

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « للحظة » يحتمل أن يكون اللام في قولهعليه‌السلام للحظة للسببية أي أن لله بسبب الكعبة للحظة أي نظر رحمة إلى العباد ، أو للاختصاص أي للكعبة نظر رحمة من الله بها يغفر لمن طاف بها ، أو الكعبة ينظر إلى الناس مجازا وكلمة « أو » فيقوله أو حبسه إما بمعنى الواو ، أو ألف زيد من النساخ ، أوقوله « حسن قلبه » أريد به من اشتاق لكن تركه بغير عذر ، وفيه بعد.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الخامس : حسن.

الحديث السادس : مجهول.

١٠٢

(باب )

(فيمن رأى غريمه في الحرم)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن شاذان بن الخليل أبي الفضل ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل لي عليه مال فغاب عني زمانا فرأيته يطوف حول الكعبة أفأتقاضاه مالي قال لا لا تسلم عليه ولا تروعه حتى يخرج من الحرم.

(باب )

(ما يهدى إلى الكعبة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز قال أخبرني ياسين قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن قوما أقبلوا من مصر فمات منهم رجل فأوصى بألف درهم للكعبة فلما قدم الوصي مكة سأل فدلوه على بني شيبة فأتاهم فأخبرهم الخبر فقالوا قد برئت ذمتك ادفعها إلينا فقام الرجل فسأل الناس فدلوه على أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام قال أبو جعفرعليه‌السلام فأتاني فسألني فقلت له إن الكعبة غنية عن هذا

باب في من رأى غريمه في الحرم

الحديث الأول : مجهول. وقال الشهيد (ره) في الدروس : لو التجأ الغريم إلى الحرم حرمت المطالبة والرواية تدل على تحريم المطالبة لو ظفر به في الحرم من غير قصد للالتجاء.

وقال علي بن بابويه : لو ظفر به في الحرم لم تجز مطالبته إلا أن تكون قد أدانه في الحرم ، وألحق القاضي ، والحلبي مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمشاهد به ، وفي المختلف تكره المطالبة لمن أدانه في غير الحرم وإن أدانه فيه لم تكره وهو نادر.

باب ما يهدى إلى الكعبة

الحديث الأول : مجهول.

١٠٣

انظر إلى من أم هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سميت لك فأتى الرجل بني شيبة فأخبرهم بقول أبي جعفرعليه‌السلام فقالوا هذا ضال مبتدع ليس يؤخذ عنه ولا علم له ونحن نسألك بحق هذا وبحق كذا وكذا لما أبلغته عنا هذا الكلام قال فأتيت أبا جعفرعليه‌السلام فقلت له لقيت بني شيبة فأخبرتهم فزعموا أنك كذا وكذا وأنك لا علم لك ثم سألوني بالعظيم إلا بلغتك ما قالوا قال وأنا أسألك بما سألوك لما أتيتهم فقلت لهم إن من علمي أن لو وليت شيئا من أمر المسلمين لقطعت أيديهم ثم علقتها في أستار الكعبة ثم أقمتهم على المصطبة ثم أمرت مناديا ينادي ألا إن هؤلاء سراق الله فاعرفوهم.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن بنان بن محمد ، عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام قال سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة كيف يصنع قال إن أبي أتاه رجل قد جعل جاريته هديا للكعبة فقال له قوم الجارية أو بعها ثم

قوله عليه‌السلام : « فادفعها » ظاهر الخبر أن من أوصى شيئا للكعبة يصرف إلى معونة الحاج وظاهر الأصحاب أن من نذر شيئا أو أوصى للبيت أو لأحد المشاهد المشرفة ، يصرف في مصالح ذلك المشهد ولو استغنى المشهد عنهم في الحال والمال يصرف في معونة الزوار أو إلى المساكين والمجاورين فيه ، ويمكن حمل هذا الخبر على ما إذا علم أنه لا يصرف في مصالح المشهد كما يدل عليه آخر الخبر ، أو على ما إذا لم يحتج البيت إليه كما يشعر به أول الخبر فلا ينافي المشهور.

« والمصطبة » بكسر الميم وشد الباء كالدكان للجلوس عليه ذكره الفيروزآبادي.

الحديث الثاني : مجهول. ومضمونه مشهور بين الأصحاب إذ الهدي يصرف إلى النعم ولا يتعلق بالجارية والدابة ، وذكر الأكثر الجارية وألحق جماعة بها الدابة.

وقال بعض المحققين : لا يبعد مساواة غيرهما لهما في هذا الحكم من إهداء الدراهم والدنانير والأقمشة وغير ذلك ، ويؤيده الخبر المتقدم.

١٠٤

مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ألا من قصرت به نفقته أو قطع به طريقه أو نفد به طعامه فليأت فلان بن فلان ومره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفد ثمن الجارية.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن أبان ، عن أبي الحر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء رجل إلى أبي جعفرعليه‌السلام فقال إني أهديت جارية إلى الكعبة فأعطيت بها خمسمائة دينار فما ترى قال بعها ثم خذ ثمنها ثم قم على حائط الحجر ثم ناد وأعط كل منقطع به وكل محتاج من الحاج.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن الميثمي ، عن أخويه محمد وأحمد ، عن علي بن يعقوب الهاشمي ، عن مروان بن مسلم ، عن سعيد بن عمرو الجعفي ، عن رجل من أهل مصر قال أوصى إلي أخي بجارية كانت له مغنية فارهة وجعلها هديا لبيت الله الحرام فقدمت مكة فسألت فقيل ادفعها إلى بني شيبة وقيل لي غير ذلك من القول فاختلف علي فيه فقال لي رجل من أهل المسجد ألا أرشدك إلى من يرشدك في هذا إلى الحق قلت بلى قال فأشار إلى شيخ جالس في المسجد فقال هذا جعفر بن محمدعليهما‌السلام فسله قال فأتيتهعليه‌السلام فسألته وقصصت عليه القصة فقال إن الكعبة لا

وقال في الدروس : لو نذر أن يهدي عبدا أو أمة أو دابة إلى بيت الله أو مشهد معين بيع وصرف في مصالحه ومعونة الحاج والزائرين لظاهر صحيحة علي بن جعفر(١) .

الحديث الثالث : مجهول.

الحديث الرابع : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فارهة » قال البيضاوي عند تفسير قوله تعالى : «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ »(٢) بطرين أو حاذقين من الفراهة وهي النشاط فإن الحاذق يعمل بنشاط.

__________________

(١) علل الشرائع ص ٤٠٩ ح ٢ طبع النجف.

(٢) سورة الشعراء : ١٤٩.

١٠٥

تأكل ولا تشرب وما أهدي لها فهو لزوارها بع الجارية وقم على الحجر فناد هل من منقطع به وهل من محتاج من زوارها فإذا أتوك فسل عنهم وأعطهم واقسم فيهم ثمنها قال فقلت له إن بعض من سألته أمرني بدفعها إلى بني شيبة فقال أما إن قائمنا لو قد قام لقد أخذهم وقطع أيديهم وطاف بهم وقال هؤلاء سراق الله.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن بعض أصحابنا قال دفعت إلي امرأة غزلا فقالت ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة وأنا أعرفهم فلما صرت بالمدينة دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام فقلت له جعلت فداك إن امرأة أعطتني غزلا وأمرتني أن أدفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة فقال اشتر به عسلا وزعفرانا وخذ طين قبر أبي عبد اللهعليه‌السلام واعجنه بماء السماء واجعل فيه شيئا من العسل والزعفران وفرقه على الشيعة ليداووا به مرضاهم.

قوله عليه‌السلام : « فسل عنهم » ظاهره عدم جواز الاكتفاء بقولهم ولزوم التفحص عن حالهم وإن أمكن أن يكون المراد سؤال أنفسهم عن حالهم لكنه بعيد.

الحديث الخامس : مرسل. ويدل على جواز مخالفة الدافع إذا عين المصرف على جهالة ويمكن اختصاصه بالإمامعليه‌السلام ، ويحتمل أن يكونعليه‌السلام علم أن غرضها الصرف إلى أحسن الوجوه وظنت أنها عينته أحسن فصرفهعليه‌السلام إلى ما هو أحسن واقعا.

١٠٦

(باب )

(في قوله عز وجل «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ »)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن معاوية أول من علق على بابه مصراعين بمكة فمنع حاج بيت الله ما قال الله عز وجل : «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ » وكان الناس

باب في قوله عز وجل «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ »(١)

الحديث الأول : حسن. واختلف الأصحاب في أنه هل يحرم منع الناس من سكنى دور مكة أو يكره ، وذهب الشيخ وجماعة : إلى التحريم.

والمشهور بين المتأخرين الكراهة ، فظاهر هذه الأخبار الحرمة. وإن لم تكن صريحة فيها ، وأما الآية ففي الاستدلال بها لغير المعصوم العالم بمراد الله تعالى إشكال. لأن الموصول وقع في الآية صفة للمسجد الحرام حيث قال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ »(٢) أي يصدون عن المسجد الحرام الذي جعل الله للناس مستويا فيه «الْعاكِفُ » أي المقيم فيه «وَالْبادِ » أي الذي يأتيه من غير أهله.

فقوله « سواء » منصوب على أنه مفعول ثان لجعلنا.

وقوله « للناس » تعليل للجعل أي لعبادتهم ، أو لانتفاعهم ، أو حال من الهاء ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف هو المفعول الثاني أي جعلناه مرجعا أو معبدا للناس « فسواء » بمعنى مستويا يكون حالا « والعاكف والباد » فاعلاه كما في الأول.

وأما معنى « الاستواء » ، فروى الطبرسي عن ابن عباس ، وقتادة ، وابن جبير أن المراد به أن العاكف والباد مستويان في سكناه والنزول به فليس أحدهما

__________________

(١) سورة الحجّ : ٢٥.

(٢) سورة الحجّ : ٢٥.

١٠٧

إذا قدموا مكة نزل البادي على الحاضر حتى يقضي حجه وكان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله تعالى «فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ » وكان فرعون هذه الأمة.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله ، عن أبيهعليهما‌السلام قال لم يكن لدور مكة أبواب

أحق بالمنزل يكون فيه من الآخر غير أنه لا يخرج أحد من بيته ، وقالوا إن كراء دور مكة وبيعها حرام ، والمراد بالمسجد الحرام على هذا : الحرم كله كقوله : «أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ».

وقيل المراد بالمسجد الحرام عين المسجد الذي يصلي فيه ، وعلى هذا يكون المعنى في قوله «جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ » أي قبلة لصلاتهم ومنسكا لحجهم فالعاكف والباد سواء في حكم النسك(١) انتهى.

وظاهر هذه الأخبار : هو الأول ويؤيده ما رواه في كتاب نهج البلاغة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة ، وأمر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا فإن الله سبحانه يقول «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ » ، والعاكف المقيم به والبادي الذي يحج إليه من غير أهله.

وقال ابن البراج : ليس لأحد أن يمنع الحاج موضعا من دور مكة ومنازلها بقوله تعالى«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ».

وقال ابن الجنيد : الإجارة لبيوت مكة حرام ولذلك استحب للحاج أن يدفع ما يدفعه لأجرة حفظ رحله ، لا أجرة ما ينزله.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٧ ـ ٨ ص ٨٠.

١٠٨

وكان أهل البلدان يأتون بقطرانهم فيدخلون فيضربون بها وكان أول من بوبها معاوية.

(باب)

(حج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفرعليه‌السلام قال لم يحج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد قدومه المدينة إلا واحدة وقد حج بمكة مع قومه حجات.

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن عيسى الفراء ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشر حجات مستسرا في كلها

قوله عليه‌السلام : « بقطراتهم » كأنه جمع القطار على غير القياس ، أو هو تصحيف قطرات.

قال في مصباح اللغة : القطار من الإبل عدد على نسق واحد ، والجمع قطر مثل كتاب وكتب ، والقطرات جمع الجمع.

قوله عليه‌السلام « فيضربون بها » أي خيمهم.

باب حج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

الحديث الأول : موثق.

الحديث الثاني : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « عشر حجات مستسرا » يمكن الجمع بين الأخبار : بحمل العشر على ما فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله مستسرا لله ، والعشرين على الأعم بأن يكون قد حج علانية مع قومه عشرا كما يدل عليهقوله عليه‌السلام : « قد حج بمكة مع قومه » وإن أمكن أن يكون المراد كائنا مع قومه بمكة لا أنه حج معهم ، ويمكن حمل العشرين على الحج والعمرة تغليبا ، وأما حجةصلى‌الله‌عليه‌وآله مستسرا مع أن قومه كانوا غير منكرين للحج وكانوا يأتون به

١٠٩

يمر بالمأزمين ـ فينزل ويبول.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن يونس بن يعقوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين حجة.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج ثم أنزل الله عز وجل عليه : «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ

إما للنسيء فإنهم كانوا غالبا يأتون به في غير ذي الحجة ، أو للاختلاف في الأعمال كوقوف عرفة ، وأما ما رواه الصدوقرحمه‌الله في كتاب علل الشرائع بإسناده عن سليمان ابن مهران قال : قلت لجعفر بن محمدعليهما‌السلام كم حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عشرين حجة مستترا في كل حجة يمر بالمأزمين فيبول فقلت يا ابن رسول الله ولم كان ينزل هناك ويبول؟ قال : لأنه أول موضع عبد فيه الأصنام ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل الذي رمى به عليعليه‌السلام من ظهر الكعبة لما علا على ظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر بدفنه عند باب بني شيبة فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك انتهى(١) .

فيمكن حمل الحج فيه على ما يشمل العمرة ، أو على أن المراد كون بعضها مستترا ، أو بعض أعمالها كما عرفت.

وقال الجوهري :« المأزم » كل طريق ضيق بين جبلين ، ومنه سمي الموضع الذي بين المشعر وبين عرفة مأزمين.

الحديث الثالث : موثق.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

قوله تعالى : «وَأَذِّنْ »(٢) قيل : الخطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع.

__________________

(١) علل الشرايع : ص ٤٥٠ طبع النجف الأشرف.

(٢) سورة الحجّ : ٢٧.

١١٠

يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحج في عامه هذا فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب واجتمعوا لحج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أربع بقين من ذي القعدة فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر وعزم بالحج مفردا وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول فصف له سماطان فلبى بالحج مفردا وساق الهدي ستا وستين أو أربعا وستين حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة فطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام ثم عاد إلى الحجر فاستلمه وقد كان

وقيل لإبراهيمعليه‌السلام : بعد بناء البيت أي ناد فيهم وأعلمهم بالحج بأن يحجوا وبوجوب الحج «يَأْتُوكَ رِجالاً » رجالا جمع راجل أي مشاة«وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ » أي وركبانا على كل بعير مهزول أتعبه بعد السفر فهزله «يَأْتِينَ » صفة لكل ضامر محمولة على معناه.

وقيل أوله ولرجالا وفيه نظر.

«مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » أي طريق بعيد.

وقال الجوهري : الفج الطريق الواسع بين الجبلين.

وقال في النهاية : تكرر ذكر« العالية والعوالي » وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة.(١)

قوله عليه‌السلام : « مفردا » أي مفردا عن العمرة أي لم يتمتع لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قارنا.

قوله عليه‌السلام : « أو أربعا » الترديد من الراوي.

قوله عليه‌السلام : « في سلخ أربع » أي مضى أربع ، في القاموس : سلخ الشهر أي مضى كانسلخ.

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ٢٩٥.

١١١

استلمه في أول طوافه ثم قال إن الصفا والمروة من شعائر الله فأبدأ بما بدأ الله تعالى به وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله عز وجل : «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما » ثم أتى الصفا فصعد عليه واستقبل الركن اليماني فحمد الله وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلا ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا ثم انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه فلما فرغ من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن هذا جبرئيل وأومأ بيده إلى خلفه يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل «حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ » قال :

قوله تعالى : «مِنْ شَعائِرِ اللهِ » هي جمع شعيرة بمعنى العلامة أي من إعلام مناسكه ومعبداته و« الترسل » التأني.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو استقبلت » قال في النهاية أي لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخرا وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي معي وقلدته ، وأشعرته فإنه إذا فعل ذلك لا يحل حتى ينحر ، ولا ينحر إلا يوم النحر ، فلا يصح له فسخ الحج بعمرة ، ومن لم يكن معه هدى فلا يلتزم هذا ويجوز له فسخ الحج وإنما أراد بهذا القول تطييب قلوب أصحابه لأنه كان يشق عليهم أن يحلوا وهو محرم ، فقال : لهم ذلك لئلا يجدوا في أنفسهم ، وليعلموا أن الأفضل لهم قبول ما دعاهم إليه وأنه لو لا الهدى لفعله(١) .

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ج ٤ ص ١٠.

١١٢

فقال له رجل من القوم لنخرجن حجاجا ورءوسنا وشعورنا تقطر فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما إنك لن تؤمن بهذا أبدا فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني يا رسول الله علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بل هو للأبد إلى يوم القيامة ثم شبك أصابعه وقال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال وقدم عليعليه‌السلام من اليمن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بمكة فدخل على فاطمة سلام الله عليها وهي قد أحلت فوجد ريحا طيبة ووجد عليها ثيابا مصبوغة فقال ما هذا يا فاطمة فقالت أمرنا بهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج عليعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مستفتيا فقال يا رسول الله إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا أمرت الناس بذلك فأنت يا علي بما أهللت قال يا رسول الله إهلالا كإهلال النبي فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قر على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي قال ونزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزل الدور فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلوا بالحج وهو قول الله عز وجل الذي أنزل على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فاتبعوا

قوله عليه‌السلام : « رجل » هو عمر عليه اللعنة باتفاق الخاصة والعامةوقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنك لن تؤمن بهذا أبدا من معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه قد أنكر ذلك بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا سيما في أيام خلافته أشد الإنكار كما هو المتواتر بين الفريقين ، ويكفي هذا الكفرة وشقاوته لكل ذي عقل ولب.

قوله عليه‌السلام : « رؤوسنا وشعورنا تقطر » أي من ماء غسل الجنابة ، وفي بعض الروايات وذكرنا تقطر أي من ماء المني.

قال : لعنه الله ذلك تقبيحا وتشنيعا على ما أمر الله ورسوله به.

قوله عليه‌السلام : « كانا خلقنا » إذ بالعلم حياة الأرواح والقلوب.

قوله عليه‌السلام : « وهو قول الله » لعله إشارة إلى ترك الشرك الذي ابتدعه المشركون في التلبية.

١١٣

ملة أبيكم إبراهيم فخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه مهلين بالحج حتى أتى منى فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ثم غدا والناس معه وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون الناس أن يفيضوا منها فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقريش ترجوا أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون فأنزل الله تعالى عليه : «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ » يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم فلما رأت قريش أن قبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد مضت كأنه دخل في أنفسهم شيء للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم حتى انتهى إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك فضربت قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ثم صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ثم مضى إلى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها فنحاها ففعلوا مثل ذلك فقال أيها الناس ليس موضع أخفاف ناقتي ـ بالموقف ولكن هذا كله وأومأ بيده إلى الموقف فتفرق الناس وفعل مثل ذلك بالمزدلفة فوقف الناس حتى وقع القرص قرص الشمس ثم أفاض وأمر الناس بالدعة حتى انتهى إلى المزدلفة وهو المشعر الحرام فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ثم أقام حتى صلى فيها

قوله عليه‌السلام : « يعني إبراهيم » تفسير للناس أي المراد بالناس : هؤلاء الأنبياء فأمر الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتبعهم في الإفاضة من عرفات.

وقال البيضاوي : فيقوله تعالى «مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ » أي من عرفة لا من المزدلفة ، والخطاب مع قريش كانوا يقفون بالجمع وسائر الناس بعرفة ويرون ذلك ترفعا عليهم فأمروا بأن يساووهم ، وقيل : من مزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفة إليها ، والخطاب عام وقرئ الناس بالكسر أي الناسي يريد آدم من قوله فنسي ، والمعنى إن الإفاضة من عرفة شرع قديم فلا تغيروه.

١١٤

الفجر وعجل ضعفاء بني هاشم بليل وأمرهم أن لا يرموا الجمرة ـ جمرة العقبة حتى تطلع الشمس فلما أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى فرمى جمرة العقبة وكان الهدي الذي جاء به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة وستين أو ستة وستين وجاء عليعليه‌السلام بأربعة وثلاثين أو ستة وثلاثين فنحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة وستين ونحر عليعليه‌السلام أربعا وثلاثين بدنة وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم ثم تطرح في برمة ثم تطبخ فأكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وحسوا من مرقها ولم يعطيا الجزارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدها وتصدق به وحلق وزار البيت ورجع إلى منى وأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق ثم رمى الجمار ونفر حتى انتهى إلى الأبطح فقالت له عائشة يا رسول الله ترجع نساؤك بحجة وعمرة معا وأرجع بحجة فأقام بالأبطح وبعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فأهلت بعمرة ثم جاءت وطافت بالبيت وصلت ركعتين عند مقام إبراهيمعليه‌السلام وسعت بين الصفا والمروة ثم أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فارتحل من يومه ولم يدخل المسجد الحرام ولم يطف بالبيت ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين وخرج من أسفل مكة من ذي طوى.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن إسماعيل بن همام ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين غدا من منى في طريق ضب ورجع ما بين المأزمين وكان إذا سلك طريقا لم يرجع فيه.

قوله عليه‌السلام : « جذوة » هي مثلثة القطعة« والبرمة » بالضم قدر من الحجارة« وحسو المرق » شر به شيئا بعد شيء.

قوله عليه‌السلام : « فقالت له عائشة » إنما قالت ذلك لأنها كانت قد حاضت ولم تعدل من الحج إلى العمرة.

الحديث الخامس : صحيح.

١١٥

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين حج حجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها وأهل بالحج وساق مائة بدنة ـ وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ولا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه ثم صلى ركعتين عند المقام واستلم الحجر ثم قال أبدأ بما بدأ الله عز وجل به فأتى الصفا فبدأ بها ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة وهو شيء أمر الله عز وجل به فأحل الناس وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ولم يكن يستطيع أن يحل من أجل الهدي الذي كان معه إن الله عز وجل يقول : «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ » فقال سراقة بن مالك بن جعشم الكناني يا رسول الله علمنا كأنا خلقنا اليوم أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكل عام فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا بل للأبد الأبد وإن رجلا قام فقال يا رسول الله نخرج حجاجا ورءوسنا تقطر فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنك لن تؤمن بهذا أبدا قال وأقبل عليعليه‌السلام من اليمن حتى وافى الحج فوجد فاطمة سلام الله عليها قد أحلت ووجد ريح الطيب فانطلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مستفتيا فقال رسول

الحديث السادس : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « فأحرم منها » لعل المراد بالإحرام هنا عقد الإحرام بالتلبية ، أو إظهار الإحرام وإعلامه لئلا ينافي الأخبار المستفيضة الدالة على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحرم من مسجد الشجرة.

قوله عليه‌السلام : « وساق مائة بدنة » يمكن الجمع بين الأخبار بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساق مائة لكن ساق بضعا وستين لنفسه والبقية لأمير المؤمنينعليه‌السلام لعلمه بأنهعليه‌السلام يحرم كإحرامه ويهل كإهلاله ، أو يحمل السياق المذكور في الخبر السابق على السياق

١١٦

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي بأي شيء أهللت فقال أهللت بما أهل به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لا تحل أنت فأشركه في الهدي وجعل له سبعا وثلاثين ونحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا وستين فنحرها بيده ثم أخذ من كل بدنة بضعة ـ فجعلها في قدر واحد ثم أمر به فطبخ فأكل منه وحسا من المرق وقال قد أكلنا منها الآن جميعا والمتعة خير من القارن السائق وخير من الحاج المفرد قال وسألته أليلا أحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أم نهارا فقال نهارا قلت أية ساعة قال صلاة الظهر.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحج فكتب إلى من بلغه كتابه ممن دخل في الإسلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد الحج يؤذنهم بذلك ليحج من أطاق الحج فأقبل الناس فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرد في إزار ورداء أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء وذكر أنه حيث لبى قال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكثر من ذي المعارج

من مكة إلى عرفات ومنى.

قوله عليه‌السلام : « سبعا وثلاثين » لعل أحد الخبرين في العدد محمول على التقية ، أو نشأ من سهو الرواة ، والبضعة بالفتح القطعة من اللحم.

الحديث السابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « لبيك » قال في القاموس : « ألب » أقام كلب ومنه « لبيك » أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة ، أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري ، تلب داره أي تواجهها ، أو معناه محبتي لك من امرأة لبه محبته لزوجها ، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص انتهى.

وهو منصوب على المصدر كقولك حمدا وشكرا وكان حقه أن يقال : لبا لك ، وثنى تأكيدا أي إلبابا لك بعد إلباب.

قوله عليه‌السلام : « إن الحمد » قال الطيبي : يروى بكسر الهمزة وفتحها وهما

١١٧

وكان يلبي كلما لقي راكبا أو علا أكمة أو هبط واديا ومن آخر الليل وفي أدبار الصلوات فلما دخل مكة دخل من أعلاها من العقبة وخرج حين خرج من ذي طوى فلما انتهى إلى باب المسجد استقبل الكعبة وذكر ابن سنان أنه باب بني شيبة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على أبيه إبراهيم ثم أتى الحجر فاستلمه فلما طاف بالبيت صلى ركعتين خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام ودخل زمزم فشرب منها ثم قال اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة ثم قال لأصحابه ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر فاستلمه ثم خرج إلى الصفا ثم قال أبدأ بما بدأ الله به ثم صعد على الصفا فقام عليه مقدار ما يقرأ الإنسان سورة البقرة.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول نحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ثلاثا وستين ونحر عليعليه‌السلام ما غبر قلت سبعة وثلاثين قال نعم.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الذي كان على بدن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ناجية بن جندب الخزاعي الأسلمي والذي حلق رأس النبي

مشهور أن عند أهل الحديث.

قال الخطابي : بالفتح رواية العامة.

وقال تغلب : الكسر أجود لأن معناه أن الحمد والنعمة له على كل حال ، ومعنى الفتح : لبيك لهذا السبب انتهى.

ونحوه روى العلامة في المنتهى عن بعض أهل العربية.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « ما غبر » أي ما بقي أو ما مضى ذكره ، والأول أظهر.

الحديث التاسع : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « الذي كان على بدن رسول الله » أي كان موكلا بالبدن التي

١١٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجته معمر بن عبد الله بن حراثة بن نصر بن عوف بن عويج بن عدي بن كعب قال ولما كان في حجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يحلقه قالت قريش أي معمر أذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يدك وفي يدك الموسى فقال معمر والله إني لأعده من الله فضلا عظيما علي قال وكان معمر هو الذي يرحل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله يا معمر ـ إن الرحل الليلة لمسترخى فقال معمر بأبي أنت وأمي لقد شددته كما كنت أشده ولكن بعض من حسدني مكاني منك يا رسول الله أراد أن تستبدل بي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كنت لأفعل.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث عمر مفترقات عمرة في ذي القعدة أهل من عسفان وهي عمرة الحديبية

ساقها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يحميها ويسوقها.

قوله عليه‌السلام : « أذن رسول الله » يحتمل أن يكون بضم الهمزة والذال أي رأسه في يدك ، ويمكن أن يقرأ بكسر الهمزة وفتح الذال أي في هذا الوقت هوصلى‌الله‌عليه‌وآله في يدك ، والموسى كفعلى ما يحلق به ، ذكره الفيروزآبادي وقال : ورحلت البعير أرحله رحلا إذا شددت على ظهره الرحل.

وروى الصدوقرحمه‌الله في الفقيه هذه الرواية بسند صحيح وزاد فيه بعد الأسلمي والذي حلق رأسهعليه‌السلام يوم الحديبية خراش بن أمية الخزاعي ، وكأنه سقط من قلم الكليني ، أو النساخ وفيه وكان معمر بن عبد الله يرجل شعرهعليه‌السلام واكتفى به ولم يذكر التتمة : وهذا التصحيف منه غريب ولعله كان في الأصل يرحل بعيره فصحفه النساخ لمناسبة الحلق.

الحديث العاشر : حسن كالصحيح. وقال الفيروزآبادي :عسفان كعثمان موضع على مرحلتين من مكة لقاصد المدينة.

وقال :الحديبية كدويهية ، وقد تشدد بئر قرب مكة أو شجرة حدباء كانت

١١٩

وعمرة أهل من الجحفة وهي عمرة القضاء وعمرة أهل من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن العلاء بن رزين ، عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أحج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير حجة الوداع قال نعم عشرين حجة.

١٢ ـ سهل ، عن ابن فضال ، عن عيسى الفراء ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين حجة مستسرة كلها يمر بالمأزمين فينزل فيبول.

١٣ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن جعفر بن سماعة ومحمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم جميعا ، عن أبان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمرة الحديبية وقضى الحديبية من قابل ومن الجعرانة حين أقبل من الطائف ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة.

هنالك ، وقال« الجحفة » : ميقات أهل الشام وكانت به قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة : وكانت تسمى مهيعة فنزل بنو عبيد وهم إخوة عاد وكان أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل فاجتحفهم فسميت الجحفة.

وقال :الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء.

وقال الشافعي : التشديد خطأ موضع بين مكة والطائف تسمى بريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « عشرين حجة » أي مع حجة الوداع كما هو ظاهر الخبر المتقدم أو بدونها كما هو ظاهر الخبر الآتي وما روينا سابقا من العلل.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث عشر : موثق كالصحيح.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554