شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء0%

شرح زيارة عاشوراء مؤلف:
المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: 290

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف: الشيخ أبي المعالي الكلباسي
المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
تصنيف:

ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: 290
المشاهدات: 27070
تحميل: 4130

توضيحات:

شرح زيارة عاشوراء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27070 / تحميل: 4130
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف:
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
ISBN: 978-964-8438-50-5
العربية

الثار بقتل قاتل الحميم تفسير بالأخصّ ، لكن في «الصحاح» : «يقال : ثأرتك بكذا ، أي أدركت به ثاري منك»(١) ، ومقصوده كون الثار بأخذ الديّة.

بقي أنّه قد ذكر في المجمع : أنّ الثار الذي لا يبقى على شيء حتى يدرك ثاره ، واحتمل كون «يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ » مصحّف «ثائر الله وابن ثائره »(٢) .

وأنت خبيرٌ بأنه لايصحّ المعنى في يا ثائر الله بدون التجشم ، إذ لولا الصحّة بدون التجشم فلا داعي إلى احتمال التصحيف ، اللهمّ إلّا أن يكون غرضه مجرّد استيفاء الاحتمال.

هذا وعن بعض النسخ في بعض زيارات(٣) سيّد الشهداء عليه السلام : «ثائر الله وابن ثائره»(٤) .

قوله : «وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ ».

أقول : أما الوِتْرُ ففي «المصباح» : «الوِتْرُ : الفَرْد والذَّحْل بالكسر فيهما لتميم» ،

__________________

(١) صحاح الجوهري : ٢: ٦٠٣ ، مادّة «ثأر».

(٢) مجمع البحرين : ١: ٢٠٦ ، مادّة «ثأر». ولكن ما نقله المصنّف غير مطابق تماماً لما في الطبعة الحديثة التي نعتمد عليها ، حيث إنّه قال هنا : «والثائر : الذي لا يبقي على شيء حتّى يدرك ثأره ، وفي مخاطبة الإمام حين الزيارة : أشهد أنّك ثار الله وابن ثاره ، ولعلّه مصحّف من يا ثار الله وابن ثائره ، والله أعلم».

(٣) وهي الزيارة التي رواها الشيخ الكليني في فروع الكافي : ٤: ٥٧٥/٢.

(٤) روي في الفقيه عن عبدالله بن لطيف التفليسي ، عن رزين ، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام: لمّا ضرب الحسين بن عليّ عليهما السلام بالسيف وسقط ، ابتدر ليقطع رأسه نادى منادٍ من بطنان العرش: أيّتها الاُمّة المتحيّرة الضالّة بعد نبيّها، لا وفّقكم الله لأضحى ولا فطر ».

وفي خبر آخر : «لصوم ولا فطر ».

قال : ثمّ قال أبو عبدالله عليه السلام : «فلا جرم والله ما وفّقوا ولا يفّقون حتّى يثور ثائر الحسين بن عليّ عليهما السلام ، وهو مولانا القائم عليه السلام ». منه رحمه الله.

٢٢١

وبفتحِ العددُ وكسرِ الذَّحْل لأهل العالية ، وبالعكس وهو فتح الذَّحْل وكسر العدد لأهل الحجاز ، وقُرِئَ في السبعة : «وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ »(١) بالكسر على لغة الحجاز وتميم ، وبالفتح في لغة غيرهم. قال : ويقال : وَتَرْتُ العددَ وَتْراً من باب وَعَدَ أفردتُهُ.

ثم قال : ومن باب وَعَدَ أيضاً نَقَصْتُهُ ، ومنهُ مَنْ فاتتهُ صلاةُ العصرِ ، فكأنّما وُتِرَ أهلَه ومالَه بنصبهما على المفعولية شُبِّه فِقدَانُ الأجرِ لأنهُ يُعَدُّ لِقَطْعِ المصاعِبِ ودفعِ الشدائِدِ بِفِقدانِ الأهلِ لأنهم يُعَدُّونَ لدفعِ ذلكَ ، فأقامَ الأهلَ مقامَ الأجرِ»(٢) .

وفي «نجد الفلاح في اختصار الصحاح»(٣) على ما حكاه الكفعمي في بعض حواشي كتابه : الوِتر بالكسر الفرد وبالفتح الذحل ، والحجازيّون الوَتِر بالفتح الفرد وبالكسر الذحل ، وتميم كسروهما(٤) .

وأمّا الموتور ففي «الصحاح» : «المَوتُورُ منْ قُتِلَ لهُ قَتِيلٌ فلمْ يُدْرِك بِدَمِهِ ، قال :

__________________

(١) الفجر ٨٩: ٣.

(٢) المصباح المنير : ٦٤٧ ، مادّة «وتر».

(٣) نجد الفلاج في مختصر الصحاح ، تأليف البياضي العاملي صاحب كتاب الصراط المستقيم.

(٤) مصباح الكفعمي : ١: ٣٩٦ ، إذا كان ما نقله المصنّف عن الكفعمي من المصباح ، فالظاهر أنّ المصنّف هنا سهى قلمه الشريف حيث نسب الكلام المذكور إلى حواشي الكتاب ، وهي في المتن ، وكذلك نقل عن الكفعمي أنّه حكي ذلك عن نجد الفلاح ولم نعثر على هذه الحكاية في موضع الكلام المذكور ، حيث إنّ الكفعمي في مصباحه ذكر ما نصّه : «الفرد الوتر هما بمعنى المنفرد بالربوبيّة وبالأمر دون خلقه ، والوتر ـ بالكسر ـ والفرد ـ بالفتح ـ الدحل. والحجازيّون عكسوا وتميم كسروا واو الوتر وذال الذحل.

وفي الحديث : «إن الله تعالى وتر يحبّ الوتر، فأوتروا » ، وقوله تعالى :( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ) الفجر ٨٩: ٣ فيه أقوال ، ويمكن أن يكون المصنّف نقل ذلك عن الكفعمي في كتابه (فرج الكرب) أو في كتابه (البلد الأمين).

٢٢٢

[وكذا] وَتَرَهُ حَقَّهُ أي نَقَصه ، وقوله تعالى :( وَلَن يتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) (١) ، أي لم ينتقصكم»(٢) .

وفي «المجمع» : «الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، ومنه الحديث : «أنا الموتور» ، أي صاحب الوتر الطالب بالثار(٣) .(٤)

والذي يقوى في النظر : أنّ الوتر لا معنى له غير الفرد ، وفي آخر صلوات أيام شهر رمضان : «اللّهُمَّ اطْلُبْ بِذَحْلِهِمْ وَوِتْرِهِمْ وَدمِائِهِمْ »(٥) ، والظاهر بل بلا إشكال أنّ الوتر فيه بمعنى الدم لإضافة الطلب إليه ، مضافاً إلى عطف الدماء عليه ، والظاهر أنّ الموتور من باب التأكيد ، نحو برد بارد وحجر محجور.

لكن يحتمل أن يكون المقصود به المقتول الغير المدرك بدمه ، إلاّ أنه من باب المجاز ، بناء على كونه حقيقة فيمن قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، إذ الموتور هو المقتول على الأوّل وصاحب المقتول على الثاني.

وبعد هذا أقول : إنّ في بعض الزيارات : «السَّلَامُ عَلَيْكَ يا وِتْرَ اللهِ وَابْنَ وِتْرِهِ »(٦) ، ولا مجال فيهما لكون المراد بالوتر الفرد ، والظاهر اتحاد المراد فيهما والمراد هنا.

__________________

(١) محمّد صلى الله عليه وآله ٤٧: ٣٥.

(٢) صحاح الجوهري : ١:٨٤٣ ، مادّة «وتر».

(٣) وقد روي في معاني الأخبار في باب معنى الموتور أهله وماله ، بسنده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال :«ما خدعوك عن شيء فلا يخدعوك في العصر، صلّها والشمس بيضاء نقيّة، فإنّ رسول الله (ص) قال: الموتور أهله وماله من ضيّع صلاة العصر. قلت : وما الموتور أهله وماله؟ قال : لا يكون له أهل ولا مال في الجنّة ». منه رحمه الله.

(٤) مجمع البحرين : ٤: ٤٦٣ ، مادّة «وتر».

(٥) مصباح المتّهجد : ٦٢٢.

(٦) كامل الزيارة : ٤٠٦ ، الباب ٧٩ زيارات الحسين عليه السلام ، الحديث ٢٣.

٢٢٣

إلّا أن يقال : إنّ المراد الفرد المتفرّد في الكمال في عصره ممن خلقه الله من نوع البشر.

قوله : «أَنْ يُبَلِّغَني الْمَقامَ الْمَحْمُودَ ».

أقول : قال في «البحار» : «مقام الشفاعة ، أي يؤهّلني لشفاعتكم ، أو ظهور إمام الحق وإعلا الدين وقمع الكافرين»(١) .

قوله : «مُصيبَةً ».

أقول : إنّه منصوب بفعل مقدّر ، نحو أذكر أو أعني ، كما يقال : «مكّة» لمن تأهّب للسفر ، أي تريد ، وأما ما في «كامل الزيارة» أعني : «يا لها مصيبةً» فنظيره : «يا لها نعمةً» في دعاء الخروج عن بيت الخلاء(٢) .

وقد حكى في «المجمع» في مادّة «لها» عن قائلٍ ، والقائل شيخنا البهائي في

__________________

(١) بحار الأنوار : ٩٨: ٣٠٢.

(٢) قوله : «في دعاء الخروج عن بيت خلاء» قد روي الدعاء المشار إليه في التهذيب عن أبي عبدالله عليه السلام ، عن آبائه ، عن عليّ عليه السلام أنّه كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي رزقني لذّته ، وأخرج عنّي أذاه ، يا لها نعمة ـ ثلاثاً ـ.

وقد جرى شيخنا البهائي على كون قوله : «ثلاثاً» قيداً لقوله : «قال» ، فالغرض أنّ عليّاً عليه السلام كان يأتي بالدعاء ثلاثاً ، واحتمل كونه قيداً للجملة الأخيرة ، واحتملها في المجمع ، والظاهر أنّ الغرض من كونه قيداً للجملة الأخيرة هو أن يقال : «يا لها من نعمة» ثلاث مرّات.

كما جرى عليه غير واحد نقلاً عن البهائي على كون الغرض في قوله : «ثلاثاً» أن يقال : يا لها نعمة ثلاث مرّات ، ويحتمل أن يكون الغرض كونه قيداً للنعمة ، لكنّه خلاف الظاهر ، ويحتمل كونه قيداً للجملة الأخيرة ، وعلى هذا لا يمكن أن يكون الغرض أن يقال نعمة ثلاث مرّات ، ولعلّه مقالة غير واحد ، وقد سمعت المقالة ، ويمكن أن يكون الغرض التعجّب من النعمة الثلاث ، وهذا الوجه هو الأظهر في النظر في قوله : «ثلاثاً». منه رحمه الله.

٢٢٤

مشرقه : «أنّ اللام في «يا لها» [نعمة] لام الاختصاص دخلت هنا للتعجّب والضمير يرجع إلى النعمة المذكورة سابقاً أو إلى ما دلّ عليه المقام من النعمة ونصب نعمة على التميّز نحو : «جاءني زيدٌ فيا له رجلاً»(١) .

فعلى ما ذكر يكون اللام للتعجّب نحو : «يا للماء» و «يا للغيث» و «يا لك رجلاً عالماً» ، ويكون الضمير في «لها» راجعاً إلى المصيبة المذكورة سابقاً أو المصيبة المستفادة من المقام ، نحو ولأبويه فيكون المرجع متقدماً حكماً و «من مصيبة» من باب التميّز ، نحو : «رطل من الزّيت» لكن لم يتقدّم النعمة مرجعاً للضمير المجرور في الدعاء المذكور ولم يذكره شيخنا البهائي والإرجاع إلى النعمة المستفادة من المقام مع كون التميّز هي النعمة غير مناسب.

إلّا أن يقال : إنّ النعمة المرجوع إليها هي النعمة الخاصّة والأمر بمنزلة أن يقال لهذا الرجل «رجلاً» ولا بأس به.

وبما ذكر يظهر الحال في المقام.

قوله :وَابْنَ مَرْجانَةَ.

أقول : قال في «المجمع» : «وابن مرجانة عبيد الله بن زياد لعنه الله»(٢) .

وعن الطبرسي في «أماليه» : «أنّ ابن مرجانة هو عبيد الله بن زياد ، وزياد أبوه ومرجانة إحدى جدّات زياد».

وقال الكفعمي في حاشية «المصباح» : «ابن زياد هو ابن مرجانة ، وإنما أعيد ذكره ثانياً تنبيها على عظم كفره وتناهي فجوره ومُظاهرته لعنه الله على سبّ أهل بيت النبوّة وسفك دمائهم ، وهذا يسمّى في علم البديع ذكر الخاص مع العامّ وهو أن

__________________

(١) مجمع البحرين : ٤: ١٤٧ ، مادّة «ل ﻫ ي».

(٢) مجمع البحرين : ٤ : ١٨٨ ، مادّة «مرج».

٢٢٥

يذكر المتكلّّم شيئاً عاماً ثم يخصّ بعض أفراده بالذكر ثانياً إما لزيادة بغيه وفجوره كما قلنا في ابن زياد ، وإما للتنبيه على فضله وشرفه كقوله تعالى :( مَنْ كَانَ عَدُوّاً للِّهِ وَملَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) (١) ، فاعاد سبحانه ذكر جبرئيل وميكائيل بعد ذكر الملائكة تنبيهاً على فضلهما ، وكذا قوله تعالى :( فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) (٢) ، وإنّما عطف النخل والرمّان على الفاكهة وإن كانا منها بياناً لفضلهما كأنّهما لمزيّتهما في الفضل جنسان آخران»(٣) ، انتهى.

ولا يذهب عليك أنّ ما ذكره الكفعمي من كون الأمر من باب ذكر الخاصّ بعد العام مبني على كون ابن مرجانة معطوفاً على ابن زياد بملاحظة تعدّد أبناء زياد وعموم ابن زياد لهم وانحصار ابن مرجانة في عبيد الله ، وإلّا فمفهوم ابن زياد له جهة اختصاص من حيث التقييد بزياد وجهة عموم لكونه أعمّ من ابن مرجانة وغيره ، ويتأتى نظيره في ابن مرجانة فبين المفهومين عموم وخصوص من وجه ، لكن يمكن أن يكون ابن مرجانة معطوفاً على ابن زياد كما هو مقتضى سوق عطف عمر بن سعد على عبيد الله وكذا عطف آل مروان وآل زياد على عبيد الله بناءً على كون كلّ من المعطوف في المعطوف المتعدّد معطوفاً على المعطوف عليه الأوّل ، كما حكاه شيخنا البهائي في بعض كلماته عن محقّقي النحاة لا كون المعطوف الأوّل معطوفاً على ما عطف عليه والمعطوف الثاني معطوفاً على المعطوف الأوّل وهكذا.

وأما فقرات دعاء الوداع فنقول :

قوله : «وَيا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ».

__________________

(١) البقرة ٢: ٩٨.

(٢) الرحمن ٥٥: ٦٨.

(٣) مصباح الكفعمي : ٢: ٥٦٧.

٢٢٦

قال في «الصحاح» : «حبل الوريد عرق في العنق»(١) .

وفي «القاموس» : «الوريدان عرقان في العنق يخالط الإنسان في جميع أعضائه»(٢) ، وحكي القول بكونه «عرق الحلق»(٣) ، والقول بكونه «عرقاً متعلقاً بالقلب يعني أقرب إليه من قلبه»(٤) ، وحكي في معني الآية القول بكون المعنى «نحن أعلم به ممّن كان منه بمنزلة حبل الوريد في القرب» ، والقول بكون المعنى «نحن أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه وقربه منه» ، والقول بكون المعنى «نحن أقرب إليه بالإدراك من حبل الوريد لو كان مدركاً»(٥) .

وقال البيضاوي : «أي ونحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه من حبل الوريد تجوّز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبه ، وحبل الوريد مثلٌ في القرب ، قال : والموت أرخى لي من الوريد والحبل العرق وإضافته للبيان ، والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدّمها متّصلان بالوتين يردان من الرأس إليه ، وقيل سمي وريد ؛ لأن الرّوح يردان من الرأس ، وقيل سمّي وريد لأن الروح يرد إليه»(٦) ، انتهى.

__________________

(١) صحاح الجوهري : ٤: ١٦٦٤ ، مادّة «حبل».

(٢) ما ذكره في القاموس : ١: ٦٤٧ ، مادة «الورد» الوريدان عرقان في العنق ج أوردة ، ويظهر أنّ قلم المصنّف سهى هنا وخلط بين ما ذكره صاحب القاموس وبين ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان : ٦: ٢٣٩ في سورة ق ، حيث إنّ الثاني ذكر في بيان معنى قوله تعالى :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ ) من حبل الوريد وهو عرق يتفرّق في البدن يخالط الإنسان في جميع أعضائه.

(٣) حكاه الطبرسي في مجمع البيان : ٦: ٢٣٩ ، عن ابن عبّاس ومجاهد.

(٤) حكاه الطبرسي في مجمع البيان : ٦: ٢٣٩ ، عن الحسن.

(٥) هذه الأقوال الثلاثة الأخيرة نسبها إلى القيل في مجمع البيان : ٦: ٢٣٩.

(٦) تفسير البيضاوي : ٥: ٢٢٦ ، في تفسير قوله تعالى :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق ٥٠: ١٦

٢٢٧

ولو جعل المعنى الأعلميّة بالحال ممّن كان يقرب قرب حبل الوريد ، كما هو مقتضى أوّل الأقوال التي ذكرها الطبرسي لكان أوجه ، وفي «البحار» : وفي «نسبة الأقربية إليه يعني حبل الوريد إشارة إلى جهة العلية»(١) .

قوله : «وَيا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ».

قد ذكر في معناه وجوه :

أحدها : أنّه سبحانه يقلب القلوب إلى ما لا يريده الإنسان ، كما قال أمير المؤمنين : «عرفت الله بفسخ العزائم».

وفي بعض الأدعية : «يا مُقَلِّبَ الْقُلوبِ » ففيه تنبيه على أن الله سبحانه مُطلع على مكنونات القلب بما عسى أن يغفل عنه صاحبها ، والظاهر أنّ هذا المعنى لا يتمشى إلّا بأن يكون الغرض أنه سبحانه يحول بين أعضاء المرء وجوارحه وقلبه بأن يؤثر القلب في الجوارح على مقتضى ميله ، ولايمكن هذا إلّا بصرف القلب عن ميله ، لكون القلب سلطان البدن والجوارح ، فجوارحه واعضائه غير متمكّنة من مخالفة ميله إلاّ بتحوّل ميله.

ثانيها : أنّه يحول بين المرء وانتفاعه أو انتفاع غيره بقلبه بالموت ، ففيه حث وتحريص علي المبادرة على الطاعة.

ثالثها : أنّه سبحانه أقرب إليه من قلبه ، نظير أنه سبحانه أقرب إليه من حبل الوريد ، فإنّ الحائل بين الشيء وغيره أقرب إلى الشيء من غيره.

رابعها : أنه سبحانه أعلم بما في قلب المرء من نفسه.

وأنت خبير بما فيه من شدّة خلاف الظاهر.

خامسها : أنّه سبحانه يكتم على المرء ما في قلبه وينسبه للمصالح.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٩٨: ٣٠٢.

٢٢٨

وهذا مثل سابقه في شدة مخالفة الظاهر.

سادسها : أنه سبحانه يحول أن يستيقن القلب حقيقة الباطل.

وهذا أيضاً شديد المخالفة للظاهر ، مضافاً إلى تيقن كثير من الناس بحقيقة الباطل.

وقد روى بعضَ الوجوه المذكورة بعضُ الأخبارِ.

ثمّ إنّ في دعاء الوداع فقرات أخرى أمرها سهل إلّا أنها تحتاج إلى شرح قليل فنقول

قوله : «وَيا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأعْلىٰ ، وَبِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ».

يشتمل على كنايتين عن علو قدره وظهور أمره.

قوله : «خائِنَةَ الْأَعْيُنِ ».

مصدر بمعنى الخيانة على زنة الفاعلة كالعاقبة والعافية ، والظاهر أنّ الغرض النظر إلى ما يحلّ النظر إليه على وجه الحرام أي على وجه الالتذاذ ، كالنظر إلى وجه الأمرد على وجه الالتذاذ ، وهذا هو الذي لا يطلع عليه غير الله سبحانه لابتنائه على الاطلاع على الباطن وأما النظر إلى من يحرم النظر إليه فهو وإن كان في بعض الأوان لا يطلع عليه غير الله سبحانه ، لكن يمكن الاطلاع عليه لغير الله سبحانه في كثير من الأوان. والوجه الأوّل لا يطلع عليه غير الله سبحانه أصلاً ، فهو الأولى بتوصيف الله سبحانه في مقام التعظيم ، بل هو الأظهر مع قطع النظر عما ذكر.

فقد بان الإشكال في التفسير بمسارقة النظر إلى من لا يحل النظر إليه ، وربما حكي التفسير بالرمز بالعين ، وكذا التفسير بقول الإنسان رأيت ما رأى وما رأيت وقد رأى.

٢٢٩

في تفسير عدّة من خواص النبيّ صلى الله عليه وآله من حرمة خائنة الأعين

ثم إنه قد عدّ الخاصة والعامة نقلاً من خواص النبيّ صلى الله عليه وآله حرمة خائنة الأعين ، وعن العلّامة في «التحرير» التفسير بالغمز بالعين ، قال : «بل كان عليه أن يصرح بشيء من غير تعريض»(١) .

وعن التفتازاني أنه سمي بذلك لأنه يشبه الخيانة من حيث الخفاء ، وفسّر في «جامع المقاصد» بالإيماء إلى مباح خلاف ما يظهر ويشعر به الحال ، قال : «وإنما قيل له خائنة الأعين لأنه يشبه الخيانة من حيث إنه يخفى ولا يحرم على ذلك غيره إلّا في محظور»(٢) ، وحكي عن «التذكرة» التفسير بأن يظهر خلاف ما يضمر(٣) .

قوله : «وَيا مَنْ لَا تُغَلِّطُهُ الْحاجاتُ ».

يعني أنّ كثرة عرض الحاجات في زمان واحد عليه لا يوجب وقوعه سبحانه في الغلط ، كما هو الحال في المخلوقين.

قوله : «وَيا مَنْ لَا يُبْرِمُهُ إِلْحاحُ الْمُلِحِّينَ ».

يعني أنّ إلحاح الملحّين لا يوجب برمه ، أي ملاله ، كما يرشد إليه أن عدّ في القاموس من معاني البرم ـ بالتحريك ـ : الضجر(٤) .

قوله : «يا مُدْرِكَ كُلِّ فَوْتٍ ».

أي فائت ، والفوت السبق يقال فاته أي سبقه فلم يدركه كذا ذكره في «البحار»(٥) .

__________________

(١) تحرير الأحكام : ٣: ٤١٧.

(٢) جامع المقاصد : ١٢: ٥٦.

(٣) تذكرة الفقها : ٢: ٥٦٦ ، الطبعة القديمة.

(٤) القاموس المحيط : ٤: ١٠٧ ، مادّة «برم».

(٥) بحار الأنوار : ٩٨: ٣٠٣.

٢٣٠

والغرض على هذا أنه سبحانه لا يلغب أحد عليه ، وهو نظير قوله سبحانه :( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) (١) .

وفي «المصباح» : وفاته فلان بذراع سبقه بها(٢) .

قوله : «وَيا جامِعَ كُلِّ شَمْلٍ ».

أي جامع كل متفرق قال في «المصباح» : «وجمع الله شملهم أي ماتفرق من أمرهم وفرق شملهم أي ما اجتمع من أمرهم»(٣) ، وفي «البحار» الشمل : الأمر وما اجتمع من الأمر(٤) .

وأنت خبير بأن مُقضتى ما ذكر من عبارة «المصباح» اشتراك الشمل بين الضدين ، كما أنّ مقتضاه كون الشمل في المقام بمعني ما تفرق من الأمر وهو مقتضى ما ذكر في الترجمة الفارسية ، حيث ترجم قوله المشار إليه أعني «وَيا جامِعَ كُلِّ شَمْلٍ » بـ «أي فراهم اورنده هر براكنده» ، بل لا مجال لكون الشمل هنا بمعنى الجمع أو ما اجتمع من الأمر ، اللهم إلّا أن يكون الغرض أنّ تأسيس كل جمع وما اجتمع من الأمر منه سبحانه.

قوله : «وَحُزُونَةَ مَنْ أَخافُ حُزُونَتَهُ ».

قال في «البحار» : الحزونة : الخشونة(٥) .

لكن لم أظفر بذكر هذه اللفظة في اللغة فضلاً عن تفسيرها بالخشونة.

إلّا أنّ الظاهر كونها بمعنى الهم ، كما هو الحال في الحزن ، فالغرض استدعاء

__________________

(١) الواقعة ٥٦: ٦٠.

(٢) المصباح المنير : ٤٨٢ ، مادّة «فوت».

(٣) المصباح المنير : ٣٢٣ ، مادّة «شمل».

(٤) و (٥) بحار الأنوار : ٩٨: ٣٠٣.

٢٣١

كفاية هم من خفيف همّه ، كما هو مفاد قوله :وَتَكْفِيَني هَمَّ مَنْ أَخافُ هَمَّهُ .

قوله : «أَنْقَلب عَلىٰ ما شاء اللهُ ».

قال في «البحار» : أي كائناً على هذا القول وهذه العقيدة وخبر الموصول محذوف أي ما شاء الله كان(١) .

وليس بالوجه ، إذ الظاهر أنّ المجرور بالجار هو الموصول لا الجملة فليس الموصول مبتدأ محذوف الخبر ، فالغرض الانقلاب على المعنى لا اللفظ.

تذييلٌ : في كلام من السيّد الداماد

قد عقد السيّد الداماد في الرواشح كلاماً لكلمات وقع التصحيف والاشتباه فيها من معاصريه وأظهر الحق فيها وشنع على معاصريه ، وعمل أيضاً رسالة فيما ذكر ، ومورد بعض تشنيعاته هو شيخنا البهائي ، وقد عدّ في الرواشح والرسالة من تلك الكلمات قوله : في الزيارة المبحوث عنها «وبايعت وتايعت على قتله» قال : كلتاهما بالمثناة من تحت بعد الألف وقبلها موحدة في الأولى ومثناة من فوق في الثانية كتخصيص بعد التعميم إذ (المبايعة) بالباء الموحدة مفاعلة من البيعة بمعنى المعاقدة والمعاهدة سواء كانت على الخير أم على الشر و (المتايعة) بالتاء المثناة من فوق معناها المجازات والمساعاة والمهافتة والمعاضدة على الشر ولايكون في الخير وكذلك التتايُع التهافت في الشر والتسارع إليه مفاعلة وتفاعلاً من التيعان ، يقال : تاع الشيء يتيع تيعاً وتيعاناً : خرج ، وتاع الشيء : ذاب وسال على وجه الأرض ، وتاع إلى كذا [يتيع]إذا ذهب إليه وأسرع ، وبالجملة بناء المفاعلة والتفاعل منه لا يكون إلاّ في الشر ،[وجماهير القاصرين من أصحاب العصر يصحفونها ويقولون] والمصحِّف المغلاط صحّفها وفطنها (تابعت) بالتاء المثناة والباء

__________________

(١) بحار الأنوار : ٩٨: ٣٠٣.

٢٣٢

الموحّدة ، وسقم نسخاً قديمة هي مصححة من مصباح المتهجّد بحَكِ إحدى النقطتين وجماهير القاصرين سائرون مسيره في التصحيف»(١) .

والظاهر أنّ المقصود بالمصحِّف المِغلاط هو شيخنا البهائي بشهادة حكاية مسير السائرين مسيره ، إذ لم يكن لغير شيخنا البهائي استعداد أن يسير غيره مسيره ، لكن قد سمعت أنّ بعضاً من النسخ القديمة كان بالتاء المثناة من فوق والباء الموحدة ، وقد سمعت أنّ بعض النسخ في هذه الأعصار بالمنثاة من فوق والمثناة من تحت ، وهو نادرٌ ، هذا.

ومقتضى كلامه كون عبارة «المصباح» جامعة بين الموحّدة والمثناة بعد الألف مع أنّه ليس في «المصباح» إلّا إحداهما ، نعم ما في زاد المعاد كتحفة الزائر جامع بينهما.

وفي «المجمع» : في الدعاء : «ونعوذ بك أن تتايع بنا أهوائنا دون الهدى الذي جاء من عندك» التتايع التهافت والشرّ واللّجاج ، وهو كالتتابع ، لكن الأوّل لا يكون إلاّ في الشر والثاني يكون في الخير والشر ، والمعنى أنّ تتابع في طلب الشر»(٢) .

ومقتضى كلامه صحة (تابعت) بالباء الموحدة بعد الألف ، وكذا صحّت (تايعت) بالمثناة بعد الألف.

__________________

(١) الرواشح السماويّة : ٢١٦.

(٢) مجمع البحرين : ١: ٣٠٣ ، مادّة «ت ي ع».

٢٣٣

[التنبيه] الثالث والعشرون :

في جواز النيابة في زيارة عاشوراء

أنّه هل يجوز النيابة في الزيارة المبحوث عنها أم لا؟

أقول : إنّ الظاهر أخبار زيارة عاشوراء وإن كان هو المباشرة بل هو الحال في جميع العبادات من الواجبات والمندوبات ، وفاقاً للأشاعرة ، بل نقل عليه إجماع الطائفة ، وخلافاً للمعتزلة ، وقد حرّرنا التفصيل في الأصول ، لكن مقتضى الاستقراء في الأخبار الواردة في جواز زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله والامام عليه السلام عن القريب ، وكذا جوازها تبرعاً واستدعاءاً ، وكذا جوازها للحي والميّت ، وكذا جواز النيابة في الصوم والحج جواز النيابة في المقام واهداء الثواب إلى المقصود بالنيابة عنه ، والأخبار المذكورة قد استوفاها في «البحار» في باب الزيارة بالنيابة عن الأئمّة عليهم السلام وغيرهم(١) .

ويرشد إلى ذلك الإستقراء أخبار النيابة في الحج ، كما ورد في وجوب استنابة الموسر إذا منعه مرض أو غيره(٢) ، وكذا ما ورد في وجوب الاستنابة لمن استقر في ذمته الحج ولم يحج وإن لم يوص بالحج عمّن وجب عليه الحج ولم يحج حتى مات(٣) .

ويرشد إليه أيضاً ما دلّ من الأخبار على جواز الاستنابة في مطلق النوافل ، بل بعضها يدل على جواز النيابة في الصّلاة الواجبة ، وقد ذكر في الذكرى تلك الأخبار نقلاً.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٩٩: ٢٥٥.

(٢) فراجع في ذلك وسائل الشيعة : ١١: ٦٣ ، الباب ٢٤ من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه.

(٣) فراجع في ذلك وسائل الشيعة : ١١: ٧١ ، الباب ٢٨ من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه.

٢٣٤

ويرشد إليه أيضاً ما دل على كفاية التبرّع بما فات من الميت ، وكذا ما ورد في وجوب كفاية التبرّع بما فات من الميت من صيام تمكن من قضائه ولم يقضه.

ويرشد إليه أيضاً ما نقل من الإجماع على قبول الزكاة والخمس والكفارات والصدقات المندوبة للنيابة.

ثم أنه لا فرق في المقام بناءً على جواز النيابة بين كون المنوب عنه حيّاً وكونه ميّتاً ولا بين كون النيابة من باب التبرع وكونها من باب استدعاء الوقوع من الحيّ أو الميت حال الحياة ، وأيضاً لا فرق في الجواز بين صورة القدرة على المباشرة وصورة تعذرها ، ولا إشكال في جواز النيابة في المقام في صورة التعذر بناءً على أصالة الاستنابة في تعذّر المباشرة في الواجب كما جرى عليه جماعة من الفقهاء ، إلّا أن القول به بمعزل عن التحقيق ، وقد حرّرنا تفصيل المقال في الأصول.

٢٣٥

[التنبيه] الرابع والعشرون :

فيما روي من سوانح يوم عاشوراء

أنّ المروي في «التهذيب» في كتاب الصوم عند الكلام في صوم يوم عاشوراء بسنده عن كثير النوا ، عن أبي جعفر عليه السلام : «أنّه لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجُودي فأمر نوح عليه السلام ومن معه من الجنّ والإنس أن يصوموا ذلك اليوم ، وتاب الله فيه على آدم وحواء عليهما السلام ، وفلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه وغلب فيه موسى فرعون ، وولد فيه إبراهيم ، وتاب الله فيه على قوم يونس ، وولد فيه عيسى بن مريم ، ويقوم فيه القائم عليه السلام »(١) .

لكن بعد الإغماض عن سند الخبر المذكور روى في التهذيب في أول باب صيام رجب عن كثير بياع النوا عن أبي جعفر عليه السلام ...: «أن نوحاً عليه السلام ركب السفينة في أوّل يوم من رجب فأمر من معه من الجنّ والإنس أن يصوموا ذلك اليوم ...؟ »(٢) .

وقد ذكر في «الوافي» في كتاب الصوم في باب صوم يوم عاشوراء والإثنين «إنّ ما دل عليه الخبر المذكور من أنّ ولادة الخليل عليه السلام كانت في يوم عاشوراء مُعارَضٌ بما دلّ على أنّها كانت في أوّل يوم من ذي الحجة أو في خمس وعشرين من ذي القعدة»(٣) .

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤: ٣٠٠ ، باب وجوه الصيام ، الحديث ١٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤: ٣٠٦ ، باب صيام رجب والأيّام منه ، الحديث ١.

(٣) الوافي : ٧: ٧٦ ، باب صيام يوم عاشوراء والإثنين ، في ذيل الحديث ١٠٤٤٣ ـ ١١ ، وما نقله المصنّف عنه بالمعنى فإنّ عبارته هكذا : «ولأنّ يدلّ على أنّ ولادة الخليل عليه السلام كانت فيه مع أنّه قد مضى أنّها كانت في أوّل يوم من ذي الحجّة أو في خمس وعشرين من ذي القعدة».

٢٣٦

وفي «الوافي» في الموضع المشار إليه عن الصدوق في المجالس بسنده : عن ميثم التمار : «أنّ هذه الاُمّة سيزعمون بحديث يضعونه أنّ يوم عاشوراء هو اليوم الذي تاب الله فيه على آدم عليه السلام وإنّما تاب الله على آدم في ذي الحجة. ويزعمون أنّه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود عليه السلام وإنّما قبل الله توبته في ذي الحجة. ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج الله فيه يُونس من بطن الحوت ، وإنّما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي العقدة. ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي ، وإنّما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجة. ويزعمون أنه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني اسرائيل ، وإنّما كان ذلك في الربيع الأوّل »(١) .

__________________

(١) الوافي ٧: ٧٧ ، باب صيام يوم عاشوراء والإثنين ، في ذيل الحديث المتقدّم.

٢٣٧

[التنبيه] الخامس والعشرون :

في منام يدلّ على فضيلة زيارة عاشوراء

أنّه حكي أنّه كان رجل صالح فاضل يبيت في الليالي في مقبرة ، وكان له جار نشأ معه من صغر سنه عند المعلّم وغيره إلى أن صار عشّاراً(١) في أوّل كسبه ، وكان كذلك إلى أن مات ودفن في تلك المقبرة قريباً من المحلّ الذي كان يبيت فيه الفاضل المشار إليه ، فرآه بعد موته بأقلّ من شهر في المنام على حُسْنِ الحال ، فقال له : إنّي عالم بمبدئك ومنتهاك ولم يكن عملك مقتضياً إلّا للعذاب والنكال ، فكيف نلت هذا المقام؟

قال : الأمر كما قلت ، كنت مقيماً في أشدّ العذاب من يوم وفاتي إلى الأمس وقد توفّيت فيه زوج حداد ـ وذكر اسم الحداد ـ ودفنت في هذا المكان ـ وأشار لأي مكان بينهما قريب من مائة ذراع ـ وفي ليلة دفنها زارها أبو عبد الله عليه السلام ثلاث مرات ، وفي المرّة الأخيرة أمر بدفع العذاب عن هذه المقبرة فصرت في نعمة وسعة ، فلما انتبه ولم يكن له معرفة بالحداد المذكور ، فطلبه فوجده فقال له : ألك زوجة؟

قال : نعم توفيت بالأمس ودفنتها وذكر مكان الدفن في الموضع الذي أشار إليه المشير المشار إليه.

قال : فهل زارت أبا عبد الله عليه السلام؟

قال : لا.

قال : فهل كانت تذكر مصائبه؟

قال : لا.

__________________

(١) العشّار : هو من يأخذ ضريبة العشر للظالم.

٢٣٨

قال : فهل كان لها مجلس يذكر فيه مصائبه؟

قال : لا.

فقال الرجل : وما تريد من السؤال؟

فقصّ عليه الرؤيا وقال : أريد استكشف علاقة بينها وبين الامام عليه السلام.

قال : كانت مواظبة لزيارة عاشوراء.

٢٣٩

[التنبيه] السادس والعشرون :

في قصّة وقضيّة(١)

أنّه حكي عن بعض التواريخ نقلاً أنه أخبر الخليفة أن شيخنا الطوسي وأصحابه يسبّون الصحابة وكتابه «المصباح» يشهد بذلك ، فإنه ذكر أن من دعاء يوم عاشورا :

«اللّهُمَّ خُصَّ أنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاً ، ثُمَّ الْعَنِ الثّاني وَالثّالِثَ وَالرّابِعَ. اللّهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ خامِساً » ،

فدعي الخليفة بالشيخ والكتاب ، فلمّا حضر الشيخ وقفه على القصّة ، فألهمه الله أن ذكر أنّه ليس المراد من هذه الفقرات ما ظنّه المفسّرون ، بل المراد بالأوّل : قابيل قاتل هابيل وهو أول من سنّ القتل والظلم. وبالثاني : عاقر ناقة صالح. وبالثالث : قاتل يحيي بن زكريا. وبالرابع : عبدالرحمن بن ملجم قاتل عليّ بن أبي طالب ، فلمّا سمع الخليفة ما سمع قبل ورفع شأن الشيخ وانتقم ممّن أفسد.

وقد أعجبني أن أذكر بالمناسبة من باب الإعتبار لأولي الأبصار ما حكاه المحدّث الجزائري في «شرح التهذيب» : «من أنه ورد في العام الخامس والتسعين بعد الألف إلى المدينة المشرّفة فحكى له رجل من ساكنيها من أوثق الإخوان أنه قبل هذا العام أمر رؤساء العامة أن تفتش الكتب والمزارات التي في قبّة أئمة البقيع عليهم السلام فوجدوا فيها مزاراً للمفيد وفيه لعن الأوّل والثاني ، فأرادوا خراب القبة ، فمنعهم بعض الناس واجتمع علمائهم من الشافعية واتفق رأيهم أن يمضوا إلى سطان آل عثمان ويخبروه بما جرى حتى يأمر بخراب القبّة وقتل من في المدينة من الشيعة وإخراجهم عنها ،

__________________

(١) نقل هذه القصّة التستري في قاموس الرجال : ٩: ٢٠٨ في ترجمة الشيخ الطوسي ، كما ذكر القصّة القاضي الشهيد نور الله التستري في مجالس المؤمنين : ١: ٤٨١.

٢٤٠