العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته6%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 603

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
  • البداية
  • السابق
  • 603 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41163 / تحميل: 4518
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

لأخيه سبط رسول الله صلى الله عليه وآله والوحيدِ من أولادِ بضعته الزهراء ، وبقيّة الماضين منهم.

فبَدَلاً من أنْ يعرفوا قدرَهُ ، ويغْتَنِمُوا مقامَهُ بينَهم ، ويَتَزَوَّدُوا منه ما يزيدهم معرفةً وبصيرةً بالدين ؛ احتَوَشُوهُ هكذا مُجتمعين لِيَسْتأْصِلُوا وُجُوده ، ويقتُلُوهُ!

إنّه صعبٌ على مثل العَبّاس العارفِ البصيرِ أنْ يرى الإمامَ يواجهُ هكذا ظُلامة ، وأنْ يرى من الأُمّة هكذا ضلالة.

وماذا يملكُ العَبّاسُ حينئذٍ سوى التسليم والصبر ، وسوى نفسه وقوّته ليقدّمها إلى أخيه وقاءً ويبذل روحه لإمامه فداءً : ولذا قدّم إخوتَه ، وهم أشقّاؤه وأعزّته ، قدّمهم أمام الحسين حِسبةً احْتَسَبَهم عندَ الله ، فقال لهم : «يا بني أُمّي ، تقدّمُوا حتّى أراكُم قد نَصَحْتُم للهِ ولِرَسوله »(١) .

ولو فرضتْ هذه الكلمات خفيفةً على اللسان ، فإنّها بلا ريبٍ ثقيلةٌ على القلب : أن تُقالَ لإخوةٍ أشقّاء.

لكنّ العَبّاسَ يُريدُ لإخوته الفوزَ بِالشهادة الّتي هي عينُ السعادة ، ويتقرّبُ بما قدّم فداءً للحُسين عليه السلام الّذي لو سلم وبقي ؛ فهم أحياءٌ معه ، كما هُم وهُو بعدَ الشهادة :( أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) سورة آل عمران (٣) الآية (١٦٩).

__________________

(١) الإرشاد للمفيد (٢ / ١٠٩).

٢٠١

وخامساً : الطاعة حتّى الشهادة :

ومن أخلد ما اختصّ به العَبّاس في كربلاء هو انقيادُهُ المُطلقُ لِولي أمره المعصوم الإمام الحُسين عليه السلام وتخصيص الإمام لهُ مهمّة جلب الماء وطلبه ، من حين مَنَعَ العدوُّ وُرُودَهم ، وحتّى الساعة الأخيرة من عزمهما معاً على طلب الماء ، وقد سجّل التاريخُ مواقفَ عظيمةً للعبّاس عليه السلام في هذا السبيل ، كما سبق.

٢٠٢

البابُ السادس :

قتالُ العّبّاس عليه السلام وأرجازُهُ

ومقتلهُ ومرقدهُ ورِثاؤهُ

وقاتلهُ وسالبهُ

١ ـ قتالُ العَبّاس عليه السلام وأرجازُه ومقتلُهُ

٢ ـ مرقدُ العَبّاس عليه السلام ومزاره

٣ ـ رثاؤهُ عليه السلام ونُدبتُه

٤ ـ قاتلهُ وسالبهُ

٢٠٣
٢٠٤

قتالُ العبّاس سلامُ الله عليه وأرْجازُهُ ومقتلهُ

في صباحُ عاشُوراء :

قال الشيخ المُفيدُ : لمّا أصبحَ الحُسينُ بن عليّ عليهما السلام صباحَ عاشُوراء : عَبَّأَ أصحابَهُ بعدَ صلاة الغداة ، وكان معهُ اثنان وثلاثُون فارِساً ، وأربعون راجِلاً.

فجعلَ زُهَيْرَ بنَ القَيْن في ميمَنة أصحابه.

وحَبِيبَ بنَ مُظاهِرٍ في ميسَرة أصحابه.

وأَعطى رايَتَهُ العَبّاسَ أخاهُ.

في خِضَمّ القِتال :

وقاتَلَ أصحابُ الحُسين بن عليّ عليه السلام القومَ أَشَدَّ قِتالٍ ، حتّى انتصفَ النَهارُ.

وكانَ القتلُ يَبِينُ في أصحاب الحُسين عليه السلام لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ. ولم يَزَلْ يَتَقَدَّمُ رَجُلٌ رَجُلٌ من أصحابه ، فيُقْتَلُ ؛ حتّى لم يَبْقَ معَ الحُسين عليه السلام إلاّ أهلُ بيتِه خاصّةً(١) .

__________________

(١) الإرشاد للمفيد (٢ / ١١٠).

٢٠٥

العَبّاسُ عليه السلام وإخوتُهُ :

فلمّا رأى العَبّاسُ بن عليّ رحمةُ الله عليه كَثْرةَ القَتلى في أهلِهِ ، قالَ لأخْوَتِهِ مِن أُمّه ، وهَم «عَبْد الله ، وجعفرٌ ، وعثمانُ» :

«يابَنِي أُمّي! تَقَدَّمُوا حتّى أراكُم قد نَصَحْتُمْ للهِ ولِرسوله»(١) .

وقال لهم : «تَقَدَّمُوا ـ بِنَفسي أَنْتُم ـ فَحامُوا عن سيّدِكُم حتّى تَمُوتُوا دُوْنَهُ».

فَتَقَدَّمُوا جَميعاً ، فَسارُوا أمامُ الحُسين عليه السلام يَقُوْنَهُ بِوُجُوهِهِم ونُحُورِهِم حتّى قُتِلُوا(٢) .

العَبّاس عليه السلام بينَ يَدَي أَخِيه الحُسين عليه السلام :

ولمّا قُتِلَ إخوةُ العَبّاس ؛ تَقَدَّمَ إلى أخيه الحسين عليه السلام وقال :

لقد ضاقَ صَدْري ، وأُريدُ أنْ آخُذَ ثأرِي من هؤلاءِ المُنافقين(٣) .

قال الشيخُ المُفيدُ :

وحَمَلت الجماعةُ على الحُسين عليه السلام فغَلَبُوه على عسكرِهِ.

واشتَدَّ به العَطَشُ ، فركبَ المُسنّاةَ يُريد الفُراتَ ، وبينَ يَدَيهِ العَبّاسُ أخُوهُ.

فاعتَرَضَهُ خيلُ ابن سَعْدٍ ، وفيهم رجلٌ من بني دارِم ؛ فقال لهم :

__________________

(١) الإرشاد للمفيد (٢ / ١١٠).

(٢) الأخبار الطوال (٢٥٧).

(٣) بحار الأنوار (٤٥ / ٤١).

٢٠٦

وَيْلَكُم ، حُولُوا بينَهُ وبينَ الفُراتِ ، ولا تُمكِّنُوهُ من الماء!.

فقال الحُسينُ عليه السلام : «الّلهمّ! أَظْمِئْهُ ».

فغضبَ الدارِميّ ، ورماهُ بسهمٍ فأثبتَهُ في حَنَكِهِ.

فانتزعَ الحُسينُ عليه السلام السهمَ ، وبَسَطَ يَدَهُ تحتَ حَنَكِهِ ، فامْتلأتْ راحتاهُ بِالدَمِ ، فرَمى بِهِ ، ثمّ قال :

«الّلهمّ ، إنّي أَشْكُو إليكَ ما يُفْعَلُ بِابنِ بنتِ نَبِيّكَ ».

ثمّ رَجَعَ إلى مكانِهِ ، وقد اشتَدَّ بهِ العَطَشُ.

قال الدينوري :

وبقيَ العَبّاسُ بن عليّ قائماً أمامَ الحُسين يُقاتِلُ دُونَهُ ، ويميلُ معهُ حيثُ مالَ حتّى قُتِلَ رحمه الله(١) .

قال الشيخ المفيد :

وأحاطَ القومُ بِالعَبّاس ، فاقْتَطَعُوهُ مِنهُ ـ أي من الحسين ـ فَجَعَلَ يُقاتِلُهم وَحْدَهُ ، حتّى قُتِلَ(٢) .

وقال الخوارزمي ـ بعد ذكر إخوة العَبّاس ومقتلهم ـ :

ثمّ خرجَ العَبّاسُ بن عليّ ـ وهو السقّاء ـ وهو يقول :

أَقْسَمْتُ بِالله الأَعَزِّ الأعْظَمِ

وبِالحَجُونِ صادِقاً وزَمْزَمِ

وبِالحَطِيْمِ والفَنا المُحَرَّمِ

لَيُخْضَبَنَّ اليَومَ جِسْمِي بِدَمِي

__________________

(١) الأخبار الطوال (٢٥٧).

(٢) الإرشاد للمفيد (٢ / ١١٠).

٢٠٧

دُوْنَ الحُسينِ ذِي الفَخارِ الأَقْدَمِ

إمامِ أَهْلِ الفَضْلِ والتَكَرُّمِ

ولم يَزَلْ يُقاتِلُ حتّى قَتَلَ جَماعَةً ، ثمّ قُتِلَ(١) .

قطعُ اليَدَيْن :

قال ابن شهر آشوب :

مضى العَبّاسُ عليه السلام يطلبُ الماءَ ، فحَمَلُوا عليه ، وحَمَلَ هُو عليهم ؛ فَفَرَّقَهم ، وجعلَ يقولُ :

لا أَرْهَبُ المَوْتُ إذا المَوتُ زَقا(٢)

حتّى أُوارَى في المَصالِيتِ لُقى

نَفْسي لِنَفْسِ المُصْطَفى الطُهْرِ وِقى

إنّي أَنَا العَبّاسُ أَغْدُوْ بِالسِقا

ولا أَخافُ الشَرَّ يَوْمَ المُلْتَقى

فَفَرَّقَهم.

__________________

(١) مقتل الخوارزمي (٢ / ٣٨٠) والفتوح لابن أعثم (٥ / ٢٠٧).

(٢) كتبتُ عن هذه الأبيات ما نصه :

كذا أورد السماوي هذا الرجز في «إبصار العين» : (ص ٣٣) فقال في شرح الكلمات :

(زقا) : صاحَ ، تزعم العربُ أن للموت طائراً يصيح ويسمونه (الهامة) ويقولون إذا قتل الإنسان ولم يؤخذ بثاره زقت هامته حتى يثأر ، قال الشاعر :

فإنْ تكُ هامةٌ بِهراةَ تَزْقُو

فقدْ أزقيتُ بِالمروين هاما

(المصاليت) جمع (مصلات) وهو الرجل السريع المتشتمر ، قال عامر بن الطفيل :

وإنا المصاليتُ يومَ الوغى

إذا ما المغاويرُ لم تُقْدِمِ

يقول الجلالي : ومعنى الرجز : إنّي لا أخافُ حينَ يعلن الموتُ عن وجوده ، حتى أكون عند اللقاء مقتولاً ملقىً بين الشجعان.

وقد روي الرجز بعبارات أخرى في (بطل العلقمي) للشيخ المظفر (٣ / ص ٢٣١ ـ ٢٣٤) طبعة الحيدرية قم ١٤٢٥ هـ.

٢٠٨

فكَمَنَ له زِيادُ بن وَرْقاء الجَنْبِي من وراء نخلةٍ ، وعاوَنَهُ حُكيمُ بن الطُفَيْل السنبسي ، فضَرَبَهُ على يَمِينِهِ ، فأَخَذَ السيفَ بِشِمالِهِ ، وحَمَلَ عليهم وهُوَ يرتَجِزُ :

واللهِ إنْ قَطَعْتُمُوا يَمِيْنِي

إنّي أُحامِي أَبَداً عَنْ دِيْنِي

وعَن إمامٍ صادِقِ اليَقِيْنِ

نَجْلِ النَبِيِّ الطاهِرِ الأَمِيْنِ

فقاتَلَ حتّى ضَعُفَ.

فكَمَنَ لهُ حُكَيْمُ بن الطُفَيْل الطائِيّ من وراء نخلةٍ ، فضَرَبَهُ على شِمالِهِ فقالَ :

يا نَفْسُ ، لا تَخْشَيْ منَ الكُفّارِ

وأَبْشِرِيْ بِرَحْمَةِ الجَبّارِ

معَ النَّبِيّ المُصْطَفَى المُخْتارِ

قدْ قَطَعُوا بِبَغْيِهِمْ يَسارِيْ

فَأَصْلِهِمْ يا رَبِّ حَرَّ النارِ(١)

وممّا زاد الظالمون في ظُلامة العَبّاس عليه السلام وهو قطعهم يديه الشريفتين ، وهذا أمرٌ تأسّوا فيه بِسَلَفِهم الطالِحِ ، وتأسّى فيه العَبّاسُ عليه السلام بعمّه جعفر بن أبي طالب عليه السلام شهيد مؤتة.

وقد جاء في الخبر المشهور عن الإمام زين العابدين السجّاد عليه السلام حيث قال :

«رحمَ اللهُ العَبّاسَ فقد آثَرَ وأَبْلى ، وفَدى أخاهُ بِنفسه حتّى قُطِعَت يداهُ ؛ فأبْدَلَهُ اللهُ عزّ وجلّ بِهما جناحينِ يطيرُ بِهما معَ الملائكة في الجنّة

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب (٤ / ١١٧) وبطل العلقمي (٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢).

٢٠٩

كما جعلَ لِجَعفر بن أبي طالب »(١) .

وجاء في الزيارة الصادرة من الناحية المقدّسة ، قوله : «المَقْطُوعَة يَداهُ».

كما جاء خبر قطع اليدين في المقاتل ، وورد في الأرجاز المرويّة منها عن لسانه عليه السلام كما مرّ.

قطعُ الرِجْلَينِ :

قال النعمان المصريّ : وكان الّذي وَلِيَ قتلَ العبّاس بن عليّ يومئذٍ يزيدُ بنُ زياد الحنفيّ ، وأخذ سلبه حكيم بن طفيل الطّائيّ ، وقيل : إنّه شرك في قتله يزيد.

وكان بعد أن قتل إخوته عَبْد الله وعثمان وجعفر معه قاصدين الماء ، ويرجع وحده بالقِربة ، فيحملة على أصحاب عُبَيْد الله بن زياد الحائلين دون الماء ، فيقتل منهم ويضرب فيهم حتّى ينفرجوا عن الماء ؛ فيأتي الفُراتَ فيملأ القِربةَ ويحملها ، ويأتي بها الحسين عليه السلام وأصحابه ، فيسقيهم.

حتّى تكاثروا عليه ، وأوهنته الجراح من النبل ، فقتلوه كذلك بين الفُرات والسرادق ، وهو يحمل الماء ، وثَمَّ قبرُهُ.

وقطعوا يديه ، ورجليه ، حَنَفاً عليه ، ولِما أبلى فيهم وقَتَلَ منهم ، فلذلك سُمِّيَ السقّاء(٢) .

__________________

(١) أمالي الصدوق (ص ٧ ـ ٥٤٨) حديث ٧٣١ وقد مر.

(٢) شرح الأخبار (٣ / ١٩١ ـ ١٩٣).

٢١٠

عمدُ الحديد ومصرعه عليه السلام :

قال ابن شهر آشوب : فقاتَلَ حتّى ضَعُفَ ، فكَمَنَ لهُ حُكَيْمُ بن الطُفَيْل الطائِيّ من وراء نخلةٍ ، فضَرَبَهُ على شِمالِهِ ، فقالَ :

يا نَفْسُ ، لا تَخْشَيْ منَ الكُفّارِ

وأَبْشِرِيْ بِرَحْمَةِ الجَبّارِ

معَ النَّبِيّ المُصْطَفَى المُخْتارِ

قدْ قَطَعُوا بِبَغْيِهِمْ يَسارِيْ

فَأَصْلِهِمْ يا رَبِّ حَرَّ النارِ(١)

فقتله الملعُون بعمود الحديد(٢) .

وقال السماويّ : فحمل عليه رجلٌ تميميٌّ من أبان بن دارم ، فضربه بعمودٍ على رأسه ، فخرّ صريعاً على الأرض. ونادى بأعلى صوته : «أدركني ، يا أخي»(٣) .

تكالُب القومِ على العبّاس عليه السلام وسلبه :

قال البلاذريّ : قيل : قتل حرملةُ بنُ كاهل ـ الأسديّ ثُمّ الوالبيّ ـ العبّاسَ بنَ عليّ بن أبي طالب ، مع جماعةٍ ، وتعاورُوه(٤) .

وفي نصٍّ آخر : حرملةُ بن الكاهل بن الجزار بن سلمة بن الموقد الّذي قَتَلَ عبّاسَ بن عليّ مع الحسين ، وهو الّذي جاء برأسه(٥) .

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب (٤ / ١١٧) وبطل العلقمي (٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢).

(٢) المناقب لشهر آشوب.

(٣) إبصار العين.

(٤) البلاذري ، أنساب الأشراف : (٣ / ٤٠٦).

(٥) جمل من أنساب الأشراف : (١٣ / ٢٥٦) وانظر : (١١ / ١٧٥).

٢١١

أقول : الظاهرُ أنّ المقتول على يد حرملة هو العبّاسُ الأصغرُ ، لِما مضى من أنّه كان يحملُ رأسه ؛ وقد علّقهُ على فرسِهِ ؛ في ما نقلهُ أبو الفرج ، وسِبطُ ابن الجوزِيّ(١) .

وأمّا العبّاس أبو الفضل ؛ فقد اشترك في قتله زيادٌ وحُكيم ، كما سنذكره.

قاتله وسالبه :

قال الشيخ المفيد : وأحاط القوم بالعَبّاس ، فاقتطعوه من الحسين ، فجعل يقاتلهم وحده ، حتّى قتل رحمة الله عليه ، وكان المتولّي لقتله يزيد ابن ورقاء الحنفيّ وحكيم بن الطفيل السنبسيّ ، بعد أن أُثْخِنَ بِالجراح ، فلم يستطعْ حراكاً(٢) . وكذا في المصابيح لأبي العَبّاس الحسني(٣) .

وقال القاضي النعمان : وكان الّذي وَلِيَ قتلَ العبّاس بن عليّ يومئذٍ يزيدُ بنُ زياد الحنفيّ ، وأخذ سلبه حكيم بن طفيل الطّائيّ ، وقيل : إنّه شرك في قتله يزيد.

وكان بعد أن قتل إخوته عَبْدل الله وعثمان وجعفر معه قاصدين الماء ، ويرجع وحده بالقِربة ، فيحمل على أصحاب عُبَيْد الله بن زياد الحائلين

__________________

(١) عقاب الأعمال (ص ٢١٨) ح ٨ باب عقاب من قاتل الحسين عليه السلام. وتذكرة الخواصّ (٢ / ٢ ـ ٢٥٣) ومقاتل الطالبيّين (ص ١١٧ ـ ١١٨) والأمالي الخميسيّة (١ / ٢ ـ ١٨٣) والحدائق الورديّة (١ / ٧ ـ ١٢٨).

(٢) الإرشاد للمفيد (٢ / ١١٠).

(٣) المصابيح (ص ٢٧٥).

٢١٢

دون الماء ، فيقتل منهم ويضرب فيهم حتّى ينفرجوا عن الماء ؛ فيأتي الفُراتَ فيملأ القِربةَ ويحملها ، ويأتي بها الحسين عليه السلام وأصحابه ، فيسقيهم.

حتّى تكاثروا عليه ، وأوهنته الجراح من النبل ، فقتلوه كذلك بين الفُرات والسرداق ، وهو يحمل الماء ، وثَمَّ قبرُهُ.

وقطعوا يديه ، ورجليه ، حَنَقاً عليه ، ولِما أبلى فيهم وقَتَلَ منهم ، فلذلك سُمِّي السقّاء(١) .

وقال أبو الفرج الأصفهانيّ : حدّثني أحمد بن عيسى قال : حدّثني حسين بن نصر ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام : أنّ زيد بن رقّاد الجنبيّ ، وحُكيم بن الطُفيل الطّائي ؛ قتلا العبّاس بن عليّ عليه السلام(٢) .

وسَلَبَ ثيابَهُ حُكيمُ بن طُفيل الطّائيّ(٣) .

فقد اشترك في قتله كلّ من : زياد بن رقّاد الجنبيّ ، وحُكيم بن الطُفيل الطّائيّ السنبسيّ ، وكلاهما ابتلي في بدنه(٤) .

وورد في زيارة الناحية : «... لعن الله قاتله يزيد بن الرقّاد الجهني ،

__________________

(١) شرح الأخبار ، ٣ / ١٩١ ـ ١٩٣.

(٢) مقاتل الطالبيّين : (ص ٩٠).

(٣) البلاذري أنساب الأشراف : (٣ / ٦ ـ ٤٠٧) والطبري في التاريخ (٦ / ٦) ومقتل الخوارزمي (٢ / ٢٢٠).

(٤) الرسّان ، تسمية من قتل : (ص ١٤٩) وانظر : ابن سعد في ترجمة الحسين عليه السلام من طبقاته (ص ٧) رقم (٥٧). وراجع أنساب الأشراف للبلاذري (٣ / ٢٠١) وتاريخ الطبري (٥ / ٤٦٨).

٢١٣

وحكيم بن الطُفيل الطائي»(١) .

العبّاس آخرُ قتيلٍ :

ولئن كان أوّل قتيلٍ من أهل البيت هو ابن الإمام الحسين عليه السلام عليٌّ المعروف بالأكبر ، وكان مقتله صعباً على قلب أبيه ، لأنّه كان فلذة كبده ، وكان المذكّر بجدّه لشبهه به ، حتّى قال الحسين عليه السلام فيما عندما توجّه إلى ساحة المعركة :

«الّلهمّ اشهدْ على هؤلاء القوم فقدْ بَرَزَ إليهم غُلامٌ أَشْبَهُ الناس خَلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً بِرَسُولكَ مُحمّدٍ ، كُنّا إذا اشْتَقْنا إلى وَجْهِ رَسُولك نَظَرْنا إلى وَجْهِهِ.

اللهمّ فامْنَعْهم بَرَكاتِ الأرض ، وإنْ مَنَعْتهم فَفَرِّقْهم تفريقاً ومَزِّقْهم تَمْزيقاً ، واجْعَلْهم طرائِقَ قِدَداً ، ولا تُرْضِ الوُلاةَ عنهم أبَداً ؛ فإنّهم دَعَوْنا لِيَنْصُرُونا ثمّ عَدَوْا علينا يُقاتِلُونا»(٢) .

وقال عند مصرعه : قتل الله قوماً قتلوك ، يا بُني! ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله ، على الدنيا بعدك العفا (٣) .

ولكنّه رغم المُصاب الصعب ، فإنّه مع فقده كانت له سلوةٌ بسائر أهل بيته ، وقوّةُ قلب وقوامُ ظهر ؛ فلذا اقتصر على نعي الدُنيا.

__________________

(١) بحار الأنوار (٤٥ / ٦٦).

(٢) مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (٢ / ٣٤).

(٣) مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (٢ / ٣٦).

٢١٤

وأمّا عند مصرع أخيه العَبّاس ، فقد كان المُصاب عندهُ أصعبَ ، لكونه آخر نصيرٍ ممّن كان معه من أهلٍ وأصحابٍ ، فبقي الحسين بعد العَبّاس وحدَه بلا عضدٍ ولا نصيرٍ.

وإذا اعتبر الحسين عليه السلام قتل ولده عليّ الأكبر ، انتهاكاً لحرمة رسول الله ، فإنّ الوارد في زيارة العبّاس عليه السلام المأثورة ، وغير المقيّدة بزمن معيّن ما نصّه :

«فَلَعَنَ اللهُ أُمّةً قَـتَلَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً ظَلَمَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً اسْتَحَلَّتْ منكَ المَحارِمَ وانْتَهَكَتْ حُرْمَةَ الإسلامِ »(١) .

حضور الحسين عليه السلام عند العبّاس ورثاءه وندبته له عليه السلام :

ولمّا قُتِلَ العَبّاس عليه السلام قال الحسين عليه السلام : «الآنَ انكَسَرَ ظَهْري ، وقَلَّتْ حِيْلَتي»(٢) وبهذا كان قد نعى نفسَهُ ووُجُودَهُ الشريف بِقَتلِ أخيه العَبّاس. ولسان حاله يقول :

هوّنتَ بانَ أبي مصارعَ فِتيَتي

والجُرحُ يُسكِنُهُ الّذي هُوَ آلَمُ(٣)

__________________

(١) لاحظ الزيارة في الملحق الثاني (ص ٢٤٩).

(٢) مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (٢ / ٣٠) والبحار (٤٥ / ٤٢).

(٣) من شعر السيّد جعفر الحلّي رحمة الله راجع ديوان «سحر بابل» (ص ٤٣٢).

٢١٥

المرقد المقدّس

دفنه عليه السلام :

في حديث الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام : شَقَّ لهُ ضريحاً وأنزلهُ وَحْدَهُ ، كما فعلَ بأبيهِ الوَصِيّ(١) .

وقال المفيد : وبعدَما قَفَلَ جندُ الكوفة من كربلاء ، خَرَجَ أهلُ الغاضريّة من بني أَسَدٍ ، فدَفَنُوا الحُسين وأصحابه. دَفَنُوا الحُسين حيثُ قبرُهُ الآن. ودَفَنُوا عليّ بن الحُسين عند رِجْليهِ. وحَفَرُوا للشُهداء من أهل بيته وأصحابه الّذين صرعوا معه حولَهُ ، ممّا يلي رِجْلَي الحُسين عليه السلام وجمعُوهم فدَفَنُوهُم جميعاً. إلاّ العَبّاس بن عليّ عليهما السلام فإنّهم دَفَنُوهُ في موضِعِهِ الّذي قُتِلَ فيه على طريق الغاضِريّة ، حيثُ قبرُهُ الآن(٢) .

وقال أبو نصر البُخاريّ : ليس يُعرَفُ في الطَفّ قبرُ أحدٍ ممّن قُتِلَ مع الحُسين بن عليّ عليهما السلام إلاّ قبر العَبّاس بن عليّ عليهما السلام(٣) .

وقال البيهقيّ : قبرُهُ مُفردٌ بكربلاء ، وصلّى عليه جابر بن عَبْد الله الأنصاري(٤) .

__________________

(١) كامل الزيارات (ص ٣٢٥) مقتل الحسين عليه السلام المقرّم (٤١٢ ـ ٤١٨).

(٢) الإرشاد (٢ / ١١٤).

(٣) سرّ السلسلة (ص ٨٩) معالم أنساب الطالبيين (ص ٢٥٥).

(٤) لباب الأنساب (١ / ٣٩٧).

٢١٦

وقال ابن عِنَبة : وقبرُهُ قريبٌ من الشريعة(١) حيثُ استشهد(٢) .

وقال الشيخ المفيدُ : فهؤلاء سبعةَ عشرَ نَفْساً من بني هاشم رضوان الله عليهم أجمعين إخوةُ الحُسين عليه وعليهم السلام وبنُو ابيه وبنُو عمّهِ جعفرٍ وعقيلٍ ، وهم كلّهم مدفُونُون ممّا يلي رِجلَي الحُسين عليه السلام في مشهدِهِ ، حُفِرَ لَهم حفيرةٌ وأُلقوا فيها جميعاً ، وسُوّيَ عليهم التُرابُ.

إلاّ العَبّاس بن عليّ عليهما السلام فإنّه دُفِنَ في موضع مَقْتَلِهِ ، على المُسنّاة ، بطريق الغاضريّة ، وقبرُهُ ظاهرٌ.

وليسَ لقبور إخوته وأهله الّذين سمّيناهم أَثَرٌ ، وإنّما يزورُهُم الزائِرُ من عند قبر الحُسين عليه السلام ويؤمِي إلى الأرض الّتي نحو رِجْلَيه بِالسلام عليهم وعليّ بن الحسين من جملتهم ، ويقال : إنّه أقربُهم دَفْناً إلى الحُسين عليه السلام.

فأمّا أصحاب الحُسين رحمة الله عليهم الّذين قُتِلُوا معه ، فإنّهم دُفِنُوا إلاّ أنّنا لا نشكّ أنّ الحائر محيطٌ بهم رضي الله عنهم وأرضاهم وأسكنهم جنان النعيم(٣) .

__________________

(١) الشريعة من أسماء النهر.

(٢) عمدة الطالب (ص ٣٥٨).

(٣) الإرشاد للشيخ المفيد (٢ / ١٣٠).

٢١٧

مرقد العبّاس عليه السلام والحائر المقدّس :

روى ابن قولويه قال : محمّد بن أحمد بن الحسين العسكريّ ، عن الحسن بن عليّ بن مهزيار ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُميْر ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي حمزة الثُماليّ ، قال : قال الصادق عليه السلام : إذا أردتَ زيارةَ قبرِ العبّاس بن عليّ وهو على شطّ الفُراتِ بِحِذاءِ الحائر ، فقف على باب السقيفة ، وقل(١) .

ويدلّ هذا الحديث على أمورٍ تخصّ مرقده الشريف :

١ ـ أنّ مرقد العبّاس عليه السلام كان في عصر الإمام الصادق عليه السلام في بيتٍ مسقوفٍ ، وله بابٌ.

٢ ـ أنّ المرقد خارجٌ عن الحائر المعروف النسبة إلى الامام الحسين عليه السلام والّذي له حكمٌ خاصٌّ مذكورٌ في باب صلاة المسافر من كتاب الصلاة.

٣ ـ أنّه كان واقعاً على شطّ الفُراتِ.

الرأس الشريف ومدفنه :

إنّ من أبشع الجرائم الّتي ارتكبها أنصار آل أبي سفيان في كربلاء ، هو : قطع رؤوس الشهداء من آل أبي طالب ، والتجوال بها في الفيافي والصحارى ، وعرضها للناس ونصبها في ميادين المُدُن.

قال الخوارزمي ـ بعد ذكر الشهداء من أهل البيت عليهم السلام ـ وأخذوا

__________________

(١) ابن قولويه في كامل الزيارات (ص ٢٥٦ ـ ٢٥٨) ونقله المجلسي في البحار (٩٨ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨).

٢١٨

رؤوسَ هؤلاء ، فحملتْ إلى الشام ، ودُفِنَتْ جُثَثُهُم بِالطَفّ(١) .

وقال ابن حبيب : ونصب يزيد بن معاوية رأس الحسين رضي الله عنه ، وقُتِلَ معه العَبّاس ، وجعفرٌ ، وعَبْد الله ، ومحمّدٌ أبو بكر ؛ بَنُو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم.

ثمّ ذكر أسماء بقيّة الهاشميّين الشُهداء معهم ، وقال : وحُمِلَتْ رؤوسُهم إلى يزيد بن معاوية ، ونَصَبَها بِالشام ، وبَعَثَ بِرأس الحسين عليه السلام فنُصِبَ بِالمدينة(٢) .

مقام مدفن الرأس الشريف في الشام :

ذكر السيّد الأمين ما نصّه : رأيتُ بعد سنة ١٣٢١ هـ في المقبرة المعروفة بمقبرة (باب الصغير) بدمشق مشهداً وضع فوق بابه صخرة كتب عليها ما صورته :

هذا مدفَنُ رأسِ العَبّاس بن عليّ ، ورأس عليّ بن الحسين الأكبر ، ورأس حبيب بن مظاهِر.

ثمّ إنّه هُدِمَ بعد ذلك بسنتين ، وأُعيدَ بناؤُهُ ، وأُزيلَتْ هذه الصخرة ، وبني ضريحٌ داخل المشهد ، ونُقِشَ عليه أسماءٌ كثيرةٌ لِشُهداء كربلاء ، ولكنّه منسوبٌ إلى الرؤوس الشريفة الثلاثة المقدّم ذكرُها حَسَبَ ما كان موضوعاً على بابه ، كما مرّ.

__________________

(١) مقتل الحسين عليه السلام (٢ / ٤٠٠).

(٢) المحبّر لابن حبيب (٤٩٠ ـ ٤٩١).

٢١٩

قال السيّد الأمين : والظنّ القويّ بصحّة نسبته(١) .

وذكر الشيخ فرج آل عمران القطيفي في (الأزهار الأرجية) ما خلاصته : أنّ السيّد عَبْد الحُسين شرف الدين صاحب (المراجعات) قال له : إنّي زرتُ مشهدَ الرؤوس في السنة (السابعة بعد الثلاثماءة والألف من الهجرة) وأنا حينئذٍ ابن(١٧) سنة ، وهي إذ ذاك قبّةٌ صغيرةٌ ، وبعد عدّة سنوات قيّض الله لتعميره الشهم الغيور السيّد سليم مرتضى أحد الأشراف ، وكان هو القيّمُ على المشهد ، وخلفه ذُرّيته ، وقد كتب على المشهد :

وقبّةٌ من بني عدنان ما نَظَرَتْ

عَنْنُ الغَزالة أَعْلى مِنهُمُ نُصُبَا

من كلِّ جسمٍ بوجهِ الأرضِ مُطَّرَحٍ

وكُلّ رأسٍ بِرأسِ لارُمْحِ قد نُصِبَا

هذا مقامُ رُؤوس الشُهداء الستّة عشر من أهل بيت النبيّ الّذين استشهدوا يوم طَفّ كربلاء مع الإمام الحُسين عليه السلام ابن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهما السلام.

شيّد هذا المقامُ بِمساعي السيّد أفندي السيّد حُسين مُرتضى ، قائم مقام مراقد أهل البيت عليهم السلام في شوال سنة ١٣٣٠ هـ.

ويقع بقرب محلّ رُؤوس الشهداء مسجد الإمام زين العابدين عليه السلام وهو المسجد الّذي بقي في أُسارى أهل البيت ؛ حين وَرَدُوا دمشق ، وهو أَقْدَمُ مسجدٍ في دمشق ، وكانتْ آثارُ التعمير فيه باديةَ ، فأوّلُ ما أُنزلوا في هذا البيت ، وهي تُسمّى اليومَ بـ «الخَراب» وبِها باتُوا بُرهةً من الزمن ، ثمّ

__________________

(١) أعيان الشيعة (ج ٤ قسم ١ ص ٢٩٠) بتصرّف واختصار.

٢٢٠

نُقِلُوا إلى «الشاغور» ومنها إلى «باب الساعات» ومنها نَقَلوا الإمام السجّاد عليه السلام إلى المسجد الجامع ، وأعادُوهم إلى هذا المسجد(١) .

أقولُ : هذا ما وقفنا عليه حول رأس سيّدنا أبي الفَضْلِ العَبّاس الأكبر عليه السلام ممّا ورد في المصادر المعتمدة.

ثمّ إنّ من الوارد احتمال أن تكون الرؤوس المقدّسة ـ وفيها رأس سيّدنا أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام ـ قد نُقِلَتْ إلى كربلاء ، ودفِنَتْ مع الأجساد الطاهرة ، لأنّ رأس الإمام الحسين عليه السلام قد نُقِلَ إلى مرقده المقدّس ، وضمّ إلى جسده الشريف ، على أقوى الأقوال وأوفقها للأدلّة(٢) .

كما أنّ من البعيد أنْ يَتْرُكَ الإمامُ السجّاد عليه السلام تلك الرؤوس الشريفة في بلاد الأعداء ؛ بعدَ أنْ أُطْلِقَ له الرجوعُ إلى العراق ، كما هو الثابت في التاريخ! لكنْ لمْ نقفْ على ما يدلّ بوضوحٍ على نقل سائر الرؤوس.

رأس العَبّاس الأصغر :

ثمّ إنّ حديثاً أثبتَتْهُ المصادر القديمة ، وهو ما رَوَوْهُ عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة المُجاشعيّ ، وفيه : أُتي بالرؤوس ، إذا بفارسٍ قد علّق في لَبَب فَرسه رأسَ غلامٍ أَمْرَدَ كأنّهُ القَمَرُ في ليلة تَمِّهِ.

فقلتُ له : رأسُ مَن هذا؟ فقال : رأسُ العَبّاس بن عليّ.

__________________

(١) الأزهار الأرجيّة للشيخ فرج آل عمران وانظر : مزارات أهل البيت عليهم السلام للجلالي (ص ٢٢٦ ـ ٢٢٨).

(٢) وقد أثبتنا ذلك في بحث مستقل.

٢٢١

قلتُ ومَن أنتَ؟ قال : حرملةُ بن كاهل الأسديّ(١) .

وقد ذكرنا في موردٍ سابقٍ عند ذكر أولاد الإمام أَميْرُ المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام : أنّ المُناسب لهذا الوصف أن يكون صاحب هذا الرأس هو العبّاس الأصغر ابن أَميْرُ المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام الشهيد في الطفّ أيضاً.

مقام مدفن الكفّين الشريفتين :

لا ريب ـ كما عرفنا ـ في حدوث قطع الكفّين الشريفتين في كربلاء ، ولكن كون المعلمين ـ الموجودين فعلاً في كربلاء ـ هما موضع دفنهما فيهما ، أمرٌ لم يتحقّق عند أهل المعرفة بتاريخ البلد.

ومن المحتمل أن يكون الكفّان ملحقتين بالجسد الشريف ، كما هو الحكم الشرعيّ في إلحاق أجزاء الموتى بأجسادهم.

لكن وجود هذين النَصَبين في الموضعين هما من معالم الملحمة العبّاسيّة ، ومُذكّران بهذه الظُلامة الفريدة الّتي أعلنها الأئمّة عليهم السلام باعتبارها ميزةً من خصائص العَبّاس عليه السلام فلابُدّ من إشادتها ولورتها لتبقى في ذاكرة هذا البلد المقدّس ، كما هي خالدةْ في ذاكرة التاريخ.

قال المظفّر : وهذا شيءٌ توارثه الخلفُ عن السلف ، وتراثُ مجدٍ خلّفه الماضي للباقي ، بحيث أقاموا مَعلمَين مُعْلِمَيْنِ بموضع الكفّين الشريفتين يعرف كلّ منهما بكفّ العَبّاس اليُمنى ، ثمّ كفّ العَبّاس اليُسرى ، يقعان في شرقيّ الصحن العبّاسيّ الشريف.

__________________

(١) رواه الصدوق في عقاب الأعمال (ص ٢١٨) وقد نقلناه سابقاً عنه وعن غيره.

٢٢٢

كما أنّ الشهرة على التسالُم بين أهل البلد ، منذُ قديم الأمَد ، كما يقول الشيخ المظفّر أنّ هذه الآثار ليستْ من الحديثة ، ولا من الأشياء الّتي لم تبتنِ على أُسٍّ قديمٍ ، بل هي سائرةٌ مع بقيّة آثارهم وتعاهدتها يدُ العمران إن طرقها طول الزمان بالتضعضع أو أشرف بها على الانهيار ، فإذنْ هي صحيحةُ الإسناد العمليّ لا القوليّ ، إذْ كل جيلٍ يتبعُ الجيلَ السابقَ في احترامها وتعاهدها بالعمارة ؛ حتّى تتّصل بأوّل الأجيال الّتي أُشيدتْ بها مشاهدهم وقبابهم ، وهذا ما يُسمّيه الناسُ بِالسيرة العمليّة ، ويحتجّ بها الفقهاءُ على إثبات الأحكام الشرعيّة.

وانتهى الشيخ المظفّر إلى التصريح بالقول : فأنا من هذه الناحية على ثقة ويقين(١) .

فلا يُعبأ بما يُثيره أهل الريب من نفي ذلك.

وموضع اليُمنى : في مطلع (باب الرضا عليه السلام) المعروف بباب العلقميّ وهو يقع في الجهة الشرقيّة نحو شمالها ، في بداية الشارع المسمّى بالعلقمي ، في زقاقٍ على الأيسر ، وعلى يسار الداخل إليه(٢) .

وموضع اليُسرى : مواجهٌ لمطلع باب (أمير المؤمنين عليه السلام) في بداية مدخل سوق باب الخان(٣) .

__________________

(١) بطل العلقمي.

(٢) اقرأ عنه وصفاً كاملاً في : المراقد والمقامات في كربلاء ، للحاج عَبْد الأمير القريشي ص ١٧٠ ـ وانظر بطل العلقمي (٣).

(٣) اقرأ عنه تفصيلاً في : المراقد والمقامات للقريشي (ص ٢ ـ ٧٤) وانظر بطل العلقمي ج ٣.

٢٢٣

أمّا مدفن الرِجْلينِ الشريفتين :

فلمْ يعرفْ عنه شيءٌ ، ولم يُذكرْ في موردٍ ولا مصدرٍ!.

وتلكَ مظلمةٌ أخْرى ممّا اختصّ بها العبّاسُ عليه السلام بين شهداء كربلاء.

ونَقَلَ الرواةُ عن السيّد الفقيه المهديّ بحر العلوم : أنّه زارَ المَرقَدَ الشريفَ للعبّاس ؛ فلاحظَ قِصَرَ محلّ الدفن ، فتعجّبَ هُو والحاضرون! لأنّ ذلك لا يُناسِبُ المعروفَ من كون العبّاس عليه السلام «رجُلاً طوالاً ، يركَبُ الفَرَسَ المُطَهَّمَ(١) ورِجْلاهُ تَخُطّانِ الأرْضَ»(٢) .

فذكر السيّد بحرُ العلوم مظلمةَ قَطعِ رِجْلَيهِ(٣) .

وهذه الرواية ، كما تؤكّد المظلمةَ ، قد تُشيرُ إلى عدمِ دفنِ الرِجلينِ معَ الجسدِ الشريف.

__________________

(١) المطهّم : السمين الفاحش الشمن ، وـ المنتفخ الوجه ، وـ التامّ من كلّ شيء ، المعجم الوسيط (طهم) ص ٥٦٩ ، والمراد هنا : الفرس الضخم المرتفع.

(٢) كما قال أبو الفرج الأصفهانيّ في مقاتل الطالبيين (ص ٩٠).

(٣) شرح الأخبار ، (٣ / ١٩١ ـ ١٩٣).

٢٢٤

العبّاس ورثاءه وندبته عليه السلام

أوّلُ مَنْ رثاهُ هُو الحسينُ عليه السلام :

ولمّا قُتِلَ العَبّاس عليه السلام قال الحسين عليه السلام : «الآن انكَسَرَ ظَهْري ، وقَلَّتْ حِيْلَتي »(١) .

ورثاء الأئمّة عليهم السلام :

ففي حديث مواراة الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام للأجساد الشريفة : مشى الإمام السجّاد عليه السلام إلى عمّه العَبّاس عليه السلام فوقع عليه يلثم نحره المقدّس ، قائلاً :

على الدنيا بعدك العَفا ، يا قمر بني هاشم ، وعليك منّي السلام من شهيد محتسب ، ورحمة الله وبركاته(٢) .

وفي الزيارة الصادرة من الناحية المقدّسة : «السلامُ على أبي الفَضْلِ العَبّاس ابن أَميْرُ المُؤْمِنِيْنَ ، المواسي أخاه بنفسه ، الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له ، الواقي الساعي إليه بمائه ، المقطوعة يداه ، لعن الله قاتليه ك زيد بن رقاد الجهني ، وحُكيم بن الطفيل الطائي»(٣) .

_________________

(١) مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (٢ / ٣٠) والبحار (٤٥ / ٤٢).

(٢) كامل الزيارات (ص ٣٢٥) مقتل الحسين للمقرّم (٤١٢ ـ ٤١٨).

(٣) الإقبال لابن طاوس (ص ٥٧٣) ومصباح الزائر (ص ٢٧٨).

٢٢٥

رِثاءُ أُمّ البنين عليها السلام للعبّاس وأبنائها الطّاهرين :

في الحديث : «وكانت أُمّ البنين أُمّ هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى ، تخرجُ غلى البقيع ، فتندُبُ بَنِيها أشجى نُدبة وأحرقها ، فيجتمعُ النّاسُ إليها يسمعون مِنها ، فكان مروانُ يجيء في من يجيء لِذلك ، فلا يزالُ يسمعُ نُدبَتها ويَبكي!».

ذكر ذلك عليّ بن محمّد بن حمزة ، عن النَوفَلِيّ ، عن حمّاد بن عيسى الجُهَنيّ ، عن معاوية بن عمّار ، عن جعفر بن محمّد(١) .

وقالوا : كانت أُمُّ جعفر الكلابيّةُ تندُبُ الحُسينَ وتبكيه ، وقد كُفَّ بصرُها ، فكان مروانُ ـ وهو والي المدينة ـ يجيءُ مُتَنَكِّراً بِاللّيل حتّى يقف ، فيسمعُ بُكاءَها وندبها(٢) .

قال السماويّ : وأنا أسترقّ جدّاً من رثاء أُمّه فاطمة ؛ أُمّ البنين ، الّذي أنشده أبو الحسن الأخفش في (شرح الكامل) وقد كانتْ تخرجُ إلى البقيع كلّ يومٍ ترثيه ، وتحملُ وَلَدَهُ عُبَيْد الله ، فيجتمعُ لِسماعِ رِثائِها أهلُ المدينة وفيهم مروانُ بنُ الحَكَم ، فيبكون لِشجيّ النُدبة ، ومنه قولُها (رضي الله عنها) :

يا مَنْ رأى العبّاسَ كَرْ

رَ على جَماهيرِ النَقَدْ

ووراهُ مِنْ أبناءِ حَيـ

ـدَرَ كُلُّ ليثٍ ذِي لَبَدْ

أُنبئتُ أنّ ابْني أُصِيْـ

ـبَ بِرأسهِ مقطوعَ يَدْ

وَيْلِي لى شِبْلِي أما

لَ بِرأسِهِ ضَرْبُ العَمَدْ

__________________

(١) أبو الفرج ، مقاتل الطّالبيّين (ص ٩٠) وعنه : المجلسي ، البحار (٤٥ / ٤٠) والبحراني ، العوالم (١٧ / ٢٨٣) والمظفّر بطل العلقمي ، (٣ / ٤٣١).

(٢) الشّجري ، الأمالي الخميسيّة (١ / ١٧٥).

٢٢٦

لَوْ كانَ سيفُكَ في يَدَيْـ

ـكَ لَمَا دَنَا مِنْهُ أَحَدْ

وقولها :

لا تَدْعُوَنّي وَيْكِ أُمَّ البَنِينْ

تُذَكِّرِينِيْ بِلُيُوثِ العَرِيْنْ

كانَتْ بنونٌ لِيَ أُدعى بِهِمْ

واليومَ أصبحتُ ولا من بنينْ

أربعةٌ مثلُ نُسُورِ الرّبى

قد وَاصَلُوا الموتَ بِقَطعِ الوَتِينْ

تنازع الخرصانُ أشلاءَهُمْ

فكلّهمْ أَمسى صَرِيعاً طَعِيْنْ

يا ليتَ شِعْري أَكَما أَخبرُوا

بِأنّ عبّاساً قطيعُ اليَمِينْ(١)

وقال السيّد الأمينُ عن أمّ البنين : كانتْ شاعرةً فصيحةً ، وكانتْ تخرجُ كلّ يومٍ إلى البقيع ومعها عُبَيْد الله ولد ولدها العبّاس ، فتندُبُ أولادها الأربعة ، خصوصاً العبّاس ، أشجى نُدبة وأحرقها ، فيجتمع النّاس ، يسمعوون بكاءها وندبتها ، فكان مروانُ بن الحكم ، على شدّة عدواته لبني هاشمٍ ، يجيءُ في من يجيء ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي.

فمن قولها في رثاء ولدها العبّاس ما أنشده أو الحسن الأخفشُ في (شرح كامل المبرّد).

وأورد الأبيات الداليّة ، ثمّ قال : وزاد البيت حُسناً أنّ «العبّاس» من أسماء «الأسد».

ثمّ أورد الأبيات النونيّة(٢) .

__________________

(١) السّماوي إبصار العين (ص ٣١ ـ ٣٢) وانظر عنه : المظفّر ، بطل العلقمي (٣ / ٤٣١ ـ ٤٣٢).

(٢) الأمين ، أعيان الشّيعة (٨ / ٣٨٩) و(٤ / ١٣٠).

٢٢٧

مراثٍ أخرى :

ويقول (١) الفضل (٢) بن محمّد بن الفضل بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ عليه السلام في رثاء جدّه العبّاس عليه السلام :

أحقّ الناسِ أنْ يُبكى عليهِ

فتىً(٣) أبكى الحسينَ بِكربلاءِ

أخوهُ وابنُ والدِهِ عليٍّ

أبُو الفضلِ المُضرّجُ بِالدّماءِ

ومَنْ واساهُ لا يَثنيه شيءٌ

وجاءَ لَهُ على عَطَشٍ بِماءِ(٤)

ويقول الكُميتُ بنُ زيد :

وأبُو الفضلِ إنّ ذِكْرَهُمُ الحُلْـ

ـوَ شِفاءُ النُفُوسِ من أسقامِ(٥)

قُتِلَ الأدْعِياءُ إذْ قَتَلُوْهُ

أَكْرَمَ الشارِبِيْنَ صَوْبَ الغَمامِ(٦)

__________________

(١) ذكر ذلك في تاريخ بغداد (١٢ / ١٣٦) وأدب ألطّفّ (١ / ٣ / ٢٢٣) ومقاتل الطالبيين (ص ٨٩) فهم مؤيّدون نسبتها إلى الشاعر المذكور. أمّا في كتاب (روض الجنان) للمؤرّخ الهنديّ «أشرف عليّ» ص ٣٢٥ : نسب هذه الأبيات إلى فضل بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس ابن عليّ ين أبي طالب ، وكذلك في كتاب (عيون الأخبار وفنون الآثار ص ١٠١ وفيه : الفضل ابن محمّد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله ...) والحقّ مع الموافقين للمؤلّف.

(٢) وهو شاعر معاصر للمتوكّل (مات سنة ٢٤٧ هـ) وقد ذكر في أعيان الشيعة (٤٢ / ٢٨٢) أنّ أُمّه جعفريّة ، وأبوه محمّد بن الفضل كان من الشعراء المعاصرين للمأمون العباسيّ. عن معجم الشعراء للمرزباني (ص ١٨٤).

(٣) كذا ذكر أرباب المقاتل وراجع (معجم الشّعراء للمرزباني ، ص ١٨٤).

(٤) القاضي النعمان ، شرح الأخبار (٣ / ١٩٣). وأورده أبو الفرج ، مقاتل الطّالبييّن (ص ٩٠) بقوله «يقول الشاعر» من دون نسبة ، ولا حظ الغدير (٣ / ٥) للأميني ، وفقد نقله عن العمريّ صاحب (المجديّ) وعيون الأخبار في فنون الآثار : (ص ١٠١).

(٥) كذا في ديوان الكميت ، ونقل : «شِفاءُ النفوسِ والأسقامِ». فليلاحظ.

(٦) ديوان الكميت (ص ٥٠٦) ، أبو الفرج ، مقاتل الطالبييّن (ص ٩٠).

٢٢٨

عاقبة القتلة وعقوبتهم الدنيوية :

وكان حكيمُ بن طُفيل الطائيّ السنْبِسيّ سَلَبَ العبّاسَ بن عليّ ثيابَهُ ورمى الحسينَ بسهمٍ ، فكان يقول : تعلّقَ سهمي بِسِربالِهِ وما ضَرَّهُ.

فبعثَ المختارُ إليه عَبْد الله بن كامل ، فأخذه ، فاستغاث أهلُه بِعَديّ بن حاتم ، فكلّم فيه ابن كامل ؛ فقال : أمرُهُ إلى الأمير المُختار ؛ وبادَرَ بهِ إلى المُختار قبل شفاعة ابن حاتم له إلى المُختار ؛ فأمر به المُختارُ فعُرّيَ ورُميَ بِالسهام حتّى مات.

وكان زيدُ بن رقاد الجَنْبيّ يقول : رميتُ فتىً من آل الحسين ويدُهُ على جبهته فأثْبَتُّها في جبهته.

وكان ذاك الفتى عَبْد الله بن مُسلم بن عقيل بن أبي طالب ، وكانَ رَماهُ بِسهمٍ فَلَقَ قلبَهُ ، فكان يقول : نزَعْتُ سهمي من قلبه وهو ميّتٌ ، ولم أزلْ أُنَضْنِضُ سهمي الّذي رميتُ بهِ جبهتَه فِيها حتّى انتزعتُهُ وبقيَ النَضْل!.

فبعثَ إليه المُختارُ ابنَ كامل في جماعةٍ ، فأحاطَ بِدارِهِ ؛ فخَرَجَ مُصلِتاً سيفَهُ فقاتلَ ، فقال ابن كامل : لا تضربُوهُ ولا تطعنُوهُ ، ولكن ارْمُوهُ بِالنّبل والحجارة ، ففعلوا ذلك حتّى سقطَ(١) .

قال : وبعث المختارُ أيضاً عَبْد الله الشّاكريّ إلى رجلٍ من جَنْب يُقال له : زيدُ بن رقاد ، كان يقول : لقد رَمَيْتُ فتىً منهم بِسَهمٍ ، وإنّه لواضِعٌ كفّه

__________________

(١) البلاذري ، جمل من أنساب الأشراف ٣ / ٤٠٦ وانظر ٦ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨. والخوارزمي مقتل الحسين (٢ / ٢٢٠) وانظر : الطبري ، التاريخ ٦ / ٦٤ ، وعنه : بطل العلقمي (٣ / ٢١٩ ـ ٢٢٠).

٢٢٩

على جبهته يتّقي النَبْلَ ، فأثبَتُّ كَفّهُ في جبهته ، فما استطاعَ أنْ يزيلَ كفّه عن جَبهته.

قال أبو مخنف : فحدّثني أبو عَبْد الأعلى الزُّبيديّ أنّ ذلك الفتى عَبْد الله بن مسلم بن عَقيل ، وأنّه قال حيث أثبتَ كفّه على جبهته : «الّلهمّ إنّهم استقلّونا واستذلّونا ، اللّهمّ فاقتلهم كما قَتَلونا ، وأذِلّهم كما استَذَلُّونا».

ثمّ إنّه رمى الغلامَ بسهَم آخَرَ فقتَلَه ، فكان يقول : جِئتُه ميِّتاً فنزعتُ سهمي الّذي قتلتُهُ بهِ من جَوْفِهِ ، فلم أَزَلْ أُنضْنِضُ السهمَ حتّى نزَعْتهُ من جبهته ، وبقيَ النَصْلُ في جبهته مُثبَتاً ما قدرتُ على نزعهِ!

قال : فلمّا آتى ابنُ كامل دارَه ؛ أحاط بها ، واقتحمَ الرجالُ عليه ، فخرجَ مُصلِتاً بسيفه ـ وكان شُجاعاً ـ فقال ابنُ كامل : «لا تضربوهُ بِسيفٍ ، ولا تَطعَنوهُ برمحٍ ، ولكن ارموهُ بِالنبل ، وارضخُوهُ بِالحجارة» ففعلوا ذلك به ، فَسَقَطَ(١) .

وأمّا حرملة قاتل العبّاس الأصغر :

أخبرنا محمّد بن محمّد ، قال : أخبرني المظفّر بن محمّد البلخيّ ، قال : حدّثنا أبو عليّ ، محمّد بن همّام الإسكافيّ ، قال : حدّثنا عَبْد الله بن جعفر الحميريّ ، قال : حدّثني داود بن عمر النهديّ ، عن الحسن بن محبوب ، عن عَبْد الله بن يونس ، عن المِنهال بن عَمرو ، قال : دخلتُ على عليّ بن

__________________

(١) الطبري ، التّاريخ : (٦ / ٦٤) عنه : المظفّر ، بطل العلقمي (٣ / ٢٢٠) وانظر : الحدائق الورديّة للمحلي : (١ / ١٢٠).

٢٣٠

الحسين عليهما السلام منصرفي من مكّة ، فقال لي : يا منهال ، ما صنع حرملة بن كاهل الأسديّ؟

فقلتُ : تركتُهُ حيّاً بِالكوفة. قال : فرفع يديه جميعاً ، فقال :

«اللّهمّ أذقهُ حَرّ الحديد. اللّهمّ أذقهُ حَرّ النّار ».

قال المنهال : فقدمتُ الكوفة ، وقد ظهر المُختارُ بن أبي عبيد ، وكان لي صديقاً ، قال : فمكثتُ في منزلي أيّاماً حتّى انقطع النّاس عنّي ، وركبتُ إليه فلقيتُه خارجاً من داره ، فقال : يا منهال ، لم تأتنا في ولايتنا هذه ، ولم تُهنِّئنا بِها ، ولم تشركنا فيها؟.

فأعلمتُه أنّي كنتُ بمكّة ، وأنّي قد جئتُك الآن ؛ وسايرتُهُ ونحنُ نتحدّثُ حتّى أتى الكُناسةَ فوقفَ وُقُوفاً كأنّهُ ينتظرُ شيئاً ، وقد كان أُخبرَ بمكان حرملة بن كاهل ؛ فوجّهَ في طلبه ، فلم نلبثْ أنْ جاء قومٌ يركضون وقومٌ يشتدّون حتّى قالوا : أيّها الأمير ، البِشارة ، قد أُخِذَ حرملةُ بن كاهل ؛ فما لَبِثنا أنْ جِيءَ به ، فلمّا نظر إليه المُختار ، قال لِحَرملة : الحمدُ لله الّذي مكّنني منك. ثمّ قال : الجزّار! الجزّار!. فأُتيَ بِجزّارٍ ، فقال له : اقطعْ يديه. فقطعتا ؛ ثمّ قال له : اقطعْ رجليه. فقطعتا ؛ ثمّ قال : النّارَ النّارَ ، فُأتي بنارٍ وقصبٍ ، فأُلقي عليه واشتعلتْ فيه النّارُ.

فقلتُ : سُبحانَ الله!

فقال لي : يا منهال ، إنّ التَسبيحَ لَحَسَنٌ ، ففيم سبّحتَ؟

فقلتُ : أيّها الأمير ، دخلتُ في سفرتي هذه منصرفي من مكّة على

٢٣١

عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال لي : يا منهال ، ما فعل حرملة بن كاهل الأسديّ؟

فقلتُ : تركتُهُ حيّاً بالكوفة.

فرفع يديه جميعاً فقال : «اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه حرّ النّار».

فقال لي المختارُ : أسَمِعتَ عليَّ بنَ الحسين عليهما السلام يقولُ هذا؟

فقلتُ : واللهِ لقد سمعتُهُ.

قال : فنزلَ عن دابّته وصلّى ركعتين ؛ فأطال السّجودَ ؛ ثمّ قامَ فركبَ وقد احترقَ حرملة ، وركبتُ معه ، وسرنا فحاذَيْتُ داري ، فقلتُ : أيّها الأمير ، إنْ رأيتَ أنْ تُشرّفَني وتُكرّمَني وتنزلَ عندي وتحرمَ بِطعامي.

فقال : يا منهالُ ، تُعْلِمُني أنّ عليّ بن الحسين دعا بأربع دعواتٍ فأجابه اللهُ على يديّ ؛ ثمّ تأمرني أنْ آكلَ! هذا يومُ صومٍ شُكراً لله عزّ وجلّ على ما فعلتُهُ بِتَوفيقه(١) .

وهكذا جُوزِيَ قتلة الأطهار ، على يد المختار ، في الدنيا( وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى ) .

__________________

(١) الطّوسي : الأمالي (٢٣٨ ـ ٢٣٩) عنه : المجلسيّ : البحار ، (٤٥ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣) وانظر : المناقب لابن شهر آشوب : (٤ / ١٤٥) وكشف الغمّة للإربلي : (٣ / ٢ ـ ٧٣) وأمالي الشجري (١ / ١٨٨) وبطل العلقميّ للمظفّر : (٣ / ٢٢١ ـ ٢٢٣).

٢٣٢

الخاتمة

العَبّاسُ مُعجزةُ الحُسين عليهما السلام

٢٣٣
٢٣٤

روى الشيخ الصدوق بسنده عن الأصبغ بن نُباتة ، قال خرج علينا أَميْر المُؤْمِنِيْنَ علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن عليه السلام وهو يقول : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ويدي في يده ، هكذا ، وهو يقول : «خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا ، وهو إمام كلّ مسلم ومولى كلّ مؤمن ، بعد وفاتي».

ألا ، وإنّي أقول : خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا ، وهو إمام كلّ مؤمن ومولى كلّ مؤمن ، بعد وفاتي. ألا وإنّه سيُظلم بعدي كما ظُلمتُ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني : أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه ، المقتول في أرض كربلاء.

أما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة(١) .

أقولُ : وإذا كانوا كلّهم من سادة الشهداء ، فلا ريب أنّ الحسين عليه السلام وهو إمامهم فله السيادة عليهم أيضاً ، فهو سيّد السادة ، وإذن فما هو مقام العَبّاس عليه السلام بين هؤلاء؟ وهو أمير جيشه وحامل لوائه وعميد عسكره ، وهو من هو كما عرفنا عنه من المزايا الكبيرة في سماته المنيرة ، وسيرته المثيرة؟

__________________

(١) إكمال الدين وإتمام النعمة (١ / ٢٥٩) الحديث ٥ من الباب ٢٤.

٢٣٥

أقول : إنّ العَبّاس هو معجزة الحسين عليه السلام :

كثيرون ـ حتّى من المعتقدين بإمامة الحسين عليه السلام فضلاً عن محبّيه من غير أُولئك ـ يُعلنون عن أنّ قضية كربلاء لم تُبنَ على الإعجاز الغيبيّ ، وإلاّ لكان لِيَدِ الإعجاز أنْ تُبيد الأعداء ، وأنْ تُحرق كياناتهم بإصبعٍ من الغيب! وأنْ يكون للحسين ولكربلاء شأنٌ آخر.

لكنّ الأمر في مفهوم (المعجزة) وتقديرها وتصوّر أهدافها يختلف من شخصٍ إلى آخر.

فإنْ كانَ المنظورُ منها «إتمامُ الحُجّة» فإنّ قضايا كربلاء قد احتوتْ على الحُجج التامّة ، لا على الأعداء المُعتدين فقطْ ، بل على الأُمّة الإسلاميّة المغلوبة على أمرها ـ مدى التاريخ ـ فضلاً عن الطغاة الظالمين في العالم أجمع!

وإنْ كانَ الإعجازُ من منظار الانتصار ، فإنّ الانتصار الحقيقيّ ليس بمجرّد الاستمرار في الحياة والبقاء في الدُنيا ، بل هو انتصار الحقّ ، بتحقّق الأهداف المطلوبة من المواقف والوقائع ، واستمرارها في كيان الإنسانيّة ، وأداء أثرها ، وهو ما قد حَصَلَ من كربلاء.

ولكن المعجزة الّتي تحقّقت في كربلاء هي من نوعٍ آخر فإنّ أعلى وأهمّ مظاهر الإعجاز في كربلاء هو (العَبّاس عليه السلام) نفسه ، حيث احتوى بمفردهِ على كلّ تلك المكارم والمآثر في سماته وسيرته ؛ فبلغ من المقام والرفعة (درجةً يغبطُهُ بِها الشُهداء يوم القيامة).

ومع أنّ العبّاس لم يكن إماماً ، وقد ورد النصّ بذلك عن أبي عبد الله

٢٣٦

الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) سورة النساء الآية ٥٩ ؛ قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين عليهم السلام ؛ فلمّا مضى عليٌّ ، لم يكن يستطيع عليٌّ ، ولم يكن ليفعل : أن يُدخِلَ محمّدَ بن عليّ ، ولا العبّاسَ بن عليّ ، ولا واحداً(١) من ولده(٢) .

كما لم يكن العبّاس معصوماً ، بل ليس من شأننا الحديث عن ثبوت العصمةَ له ، بعد أنّ انحصر المعصومون من أهل البيت بالأئمّة الإثني عشر عليهم السلام لكنّ العباس ـ بلا شكٍّ ـ كانَ أكبرَ معجزةٍ لأخيه الإمام المعصوم ، وذلك لأنّ قتل الحسين عليه السلام هو من دلائل النبوّة ، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أخبر عنه ، وهو من إخباره بالغيب بأُمور تحقّقت في المستقبل ، كما أورده أرباب الكتب الجامعة لدلائل النبوّة ، كالبيهقي ، وأبي نعيم الأصفهاني ، والسيوطي ، وغيرهم ، كما أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أخبر عن مقتله ، وهذا ـ أيضاً ـ من دلائل الإمامة.

فهذه كلّها معجزاتٌ ؛ لتحقُّقِها ، واقترانِ أخبارها باليقين ، فليستْ إلاّ من الوحي المُبين من ربّ العالمين على نبيّه الأمين.

وبذلك ، فإنّ وجود العبّاس عليه السلام في واقعة الطفّ في كربلاء ـ وهو من أعلامها وأعيانها ، وعليه تدورُ أكثر قضاياها المهمّة.

بل ؛ وجوده وجودٌ عضويّ في إنجازها ، كلّ ذلك يدخله في المعجزة ،

__________________

(١) في بعض النّسخ [أحداً].

(٢) تفسير العيّاشي (١ / ٤٠٩) وتفسير فرات (ص ١١٠ ح ٢٧) والكافي (١ / ٢٨٦ ـ ٢٨٨).

٢٣٧

ویتحقّق به الإعجاز.

مع أنّ خروج العبّاس عليه السلام مع الحسين عليه السلام وقيامه بتلك المهمّات وفي جميع أدوارها الحسّاسة ؛ لهو من خوارق العادة ، فليكن بذاته معجزةً للحسين عليه السلام حيث كان مثلُ العبّاس طوعَ إرادته ، ومُقتدياً به ، يميل معه حيث مال ، بل يسيرُ أَمَامَهُ في تلك الظروف الرهيبة ، حتّى الشهادة بين يديه.

فسلامُ الله يومَ وُلِدَ ، ويومَ قُتِلَ شهيداً ، ويومَ يُبْعَثُ في الجنان.

٢٣٨

وأمّا الحديث عن كرامات العَبّاس عليه السلام :

فما هي الكرامةُ؟

ولماذا يُصِرّ البعضُ على إثباتها لغير الأنبياء؟ مع أنّها كالمعجزة؟ أليس ذلك من الغلوّ الّذي هو كفرٌ وباطلٌ؟

وما هي الطُرُقُ اللازمة لإثبات مثل هذه الدعاوى الّتي أصبح يشهد عليها الكثيرون ؛ بحيث فاقت التواتُر ، في شأن العباس عليه السلام؟

تعريف الكرامة :

عُرّفت الكرامة بأنّها : ظهورُ أمرٍ خارقٍ للعادة من شخص ، غيرِ مقارِنٍ لدعوىً ، فأمّا إذا اقترنَ بدعوى النُبُوّة ، أو الإمامَة ، فهي المعجزة ، فهما ـ الكرامة والمعجزة ـ يتشاركان في كونهما خارقين للعادة ، ولا يمكن للبشر العاديّين أن يقوموا بهما.

وهما يفترقان ، في :

أنّ المعجزة : تختصّ بمن له مقامٌ إلهيّ يحتاجُ في تعيينه إلى نصبٍ ونصٍّ وفرضٍ من الله على العباد ، كالنبيّ المرسَلِ بِالوحي المُباشر ، المتّصل بالسماء ، والمتكلّم عنه ، وكالوصيّ والإمام المنصوب من قبل الله بواسطة الرسول والنبيّ ، وتعيينه ، والنصّ عليه ، والإعلان عن شخصه.

أمّا الكرامة : فهي تتحقّق على يد أولياء الله المخلصين ، الّذين انقادوا الله

٢٣٩

بالطاعة ، وخافُوه حقّ الخوف ؛ فَطَوَّعَ لهم كلَّ ما سواهُ ، وأخافَ منهم كلّ شيءٍ. وبما أنّ ظهور الخارق على يد الإنسان لا يخالف العقل ؛ لفرض أنّه ممكنٌ عقلاً ، والدليلُ على إمكانه وقوعُه ، وإنّما هو يخالف العادةَ ، فهو أمرٌ ممكن عقلاً. وبما أنّا ـ نحنُ المُسلمين ـ أُمّةٌ متعبّدون بالشرع ، فلابدّ أن نرى مواقف الشرع من مثل ذلك ، فنجد :

أوّلاً : أنّ الآيات القرآنيّةَ الكريمةَ ، المحكَمةَ والواضحةَ الدلالة ، تُصرّح بأنّ اللهَ تبارك وتعالى إنّما خلقَ الكونَ والحياةَ لابن آدم ، وسخّر له كلّ شيء من الممكنات ، لينتفع به ، وذلك من قوله تعالى : (هوَ الّذي خَلَقَ لَكُمْ ما في الأرضِ جَميعاً) فالكونُ ومجرياته وأُموره كلُّها مخلوقةٌ للعباد ، ولتكون تحت اختيارهم ، وفي قدرتهم ، وفي مُتناولهم ، فهي لَهُم ، ولِمَنفعتهم ، ومن أجلهم ، فهيَ ـ لا محالةَ ـ طوعُ إرادتهم.

وثانياً : أنّ النقلَ المشهورَ ثابتٌ بأنّ العبد الصالح إذا أطاع الله دخل كلّ شيء تحتَ قدرته ، ففي الحديث القُدسيّ : «عَبْدي أطِعْني ؛ تَكُنْ مثلي : أقولُ لِشيءٍ : «كُنْ» فيكونُ ، وتقولَ : «كُنْ» فيكُونُ».

والجمع بين الحقائق المذكورة هذه يقتضي : أنّ العَبْد المؤمنَ الصالحَ ؛ له قابليّة التصرّف في ما حوله من أُمور وشؤون ، فكيفَ إذا كان «وليّاً لله»!؟

وهذه القابليّة لا تحصل اعتباطاً بالصدفة ؛ وإنّما هي بحاجةٍ إلى واقعيّةٍ وإخلاصٍ وتفانٍ مُطلقٍ في سبيل الله ، والتقوى الصادقة في القول والعقيدة والعمل.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603